إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العولمـــــــة

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العولمـــــــة

    العولمـــــــة


    لقد توسّع رأس المال و تجاوزت القوى المنتجة إطار الدولة

    القومية ، فأصبح العالم كله حقلا لنشاط المجموعات الصناعية

    الكبرى التي اندمجت بقيادة بنوكها لبعث مجموعات مالية ،

    فغطت الكرة الأرضية شبكة استثماراتها و قروضها ، سعيا

    وراء الربح الأقصى الذي لا يتأتي إلا عبر الهيمنة على

    البلدان الأجنبية ، لذلك ظهرت الحاجة إلى فضاءات إقتصادية

    موحدة ، لا تعرقلها الحدود القومية ، فتعاونت حكومات

    الدول الإمبريالية على قاعدة المصالح المشتركة على تقسيم

    العالم و استغلال شعوبه بجعل الدول المسمّاة " في طريق النموّ "

    أسواقا لترويج بضائعها ، و مصدرا تنهب منه المواد الخام

    بأبخس الأثمان , و يساعدها في تحقيق هذه الغاية وكلاء محليون

    يسهرون على تسيير مصالحها و تطبيق سياستها.

    إن ظهور المجموعات المالية الكبرى و التروستات جعلت الملكية

    الخاصة لوسائل الإنتاج تصبح شيئا فشيئا غير مسايرة

    للوقت ، لأن وسائل الإنتاج يقع تجميعها في شكل شركات ضخمة

    خفيّة الإسم ، و هو ما يعني نهاية الملكية الرأسمالية

    الفردية في إطار الرأسمالية نفسها ، كما يعني أن حكومات

    الدول الرأسمالية - و ليس الأفراد - أخذت على عاتقها

    مهمة تسيير هذه التروستات أو المجموعات المالية الكبرى ،

    و الحفاظ على مصالحها بكل ما تملكه من وسائل : اقتصادية

    و سياسية و عسكرية حتى تضمن نموّ و سيطرة إمبرياليتها على

    الإمبرياليات المنافسة . و لهذا فإن النظام الإقتصادي

    الإمبريالي لم يعد إقتصاد سوق بل أصبح إقتصادا إحتكاريا

    عالي المركزة تديره الدولة الإمبريالية ذات الطبيعة

    الإحتكارية لأنها وحدها القادرة على منافسة الإمبرياليات

    الأخرى.إن تدخل الدولة في البلدان الرأسمالية من أجل

    إدارة مصالح رؤوس أموالها و ذلك بتوليها الإنفاق على

    مختلف النشاطات و الاستثمارات الغير مربحة و قيامها

    بتشييد البنية الأساسية الضرورية لمختلف المشاريع ،

    ليس مردّه الصّراع مع الرساميل الأخرى من أجل ضمان أكثر

    ما يمكن من الأرباح ، فحسب ، و إنّما أيضا لتحقيق

    التوازن الإجتماعي و الإقتصادي بين مختلف طبقاتها

    الإجتماعية ، فكلّما حّق بلد إمبريالي ربحا من نهبه للشعوب

    الأخرى إلا و تمكن من رفع مستوى المعيشة لطبقاته المستَغَلـّة.

    لذلك فإن سعي البلدان الإمبريالية للهيمنة على الشعوب

    الأخرى هو ضمان لرفاهية شعوبها و بالتالي ضمان لاستقرارها

    الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي .

    و بالرغم من أنّ الرأسمال تجاوز حدود الدّولة و الحدود

    القوميّة إلا أنّ تدخل الدولة يبقى ضروريا لتحقيق

    هذه الغاية.لقد كانت الدول الإشتراكية ، و على رأسها

    الإتحاد السوفيتي سابقا تحدّ من تدخّل الإمبريالية في

    المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و تسعى لإفشال كلّ

    المخططات الرامية لاستغلال الشعوب ، و تدافع عن حقّ

    الطبقات الشعبية في العيش الكريم ، و في التمتع بخيرات

    بلادها ، و في المساواة و الحرية و العدالة الإجتماعية.

    فحققت بذلك نوعا من التوازن على المستوى العسكري

    و الإقتصادي و السياسي و الثقافي ساهم في تقليص

    الفوارق الطبقية و في فضح المخططات البشعة للإمبريالية .

    إلا أن تفكك الدول الإشتراكية و حيادها عن القيام

    بدورها فسح المجال شاسعا أمام قوى الإستغلال لنهب

    خيرات الشعوب و تركيعها و إذلالها و جعلها مجرّد أداة

    لتحقيق مآربها فسعت إلى القضاء على الأنظمة الوطنية

    المعادية لسياستها و الرافضة للإنخراط في منظومتها ،

    مكشرة بذلك عن أنيابها ، و كاشفة عن طبيعتها

    و حقيقة نواياها ، مستعملة في ذلك كل الوسائل

    الشرعية و غير الشرعية ، الديبلوماسية و العسكرية ،

    همّها في ذلك تحقيق أكثر ما يمكن من الأرباح لفائدة

    رساميلها و توفير الحدّ الأدنى من الخدمات لإلجام طبقاتها

    الشعبية في ذات الوقت الذي تسعى فيه رؤوس الأموال

    في الدول الإمبريالية إلى توطيد و تدعيم دور الدولة

    باعتباره الضامن الوحيد لمصالحها و لتحقيق التوازن

    الإجتماعي - بقطع النظر عن طبيعة سياستها الخارجية

    ( استعمار مباشر أو غير مباشر أو ما يسمى بالإستعمار

    الجديد) - فإن البلدان المستعمرة تسعى جاهدة إلى

    التفريط في القطاع العام لفائدة القطاع الخاص ،

    منخرطة بذلك في النظام العالمي الجديد الذي رسمت

    حدوده الإمبريالية وفق مصالحها لمزيد إحكام قبضتها

    على العالم ، و بالتالي فإنها أوكلت لهذا القطاع

    الخاص مهمة التنمية و النهوض بالإقتصاد بالرغم

    من أن هذا القطاع مازال هشا و غير قادر على المنافسة

    مما يجعله تابعا للرأسمال الأجنبي ، مطبقة بذلك تعليمات

    الدوائر الاحتكارية العالمية مثل صندوق النقد

    الدولي و البنك العالمي . و ما رسائل الشكر الواردة

    على هذه الحكومات من طرف هذه الدوائر و المنوهة بحسن

    تطبيقها للتعليمات المتمثلة في الترفيع أكثر ما يمكن

    في قيمة الضرائب المسلطة على شعوبها و تشغيل أقل ما

    يمكن من اليد العاملة في القطاع العمومي ، إلا دليل

    قاطع على انخراطها في صلب هذه السياسة المفروضة عليها

    من طرف الدوائر الإحتكارية العالميةو من نتائج

    هذه السياسة :

    - تعميق الفوارق الطبقية بين مختلف طبقات الشعب

    و القضاء على الطبقة الوسطى و ذلك بتجميع رؤوس

    الأموال عند قلّة من المحتكرين الذين سعوا إلى مزيد

    استغلال الطبقات الكادحة و ذلك من خلال الترفيع

    أكثر ما يمكن في أسعار المواد الإستهلاكيةو التخفيض

    أكثر ما يمكن في الأجور . و تعميق الفوارق الطبقية

    قسم المجتمع إلى طبقتين : الأولى مالكة لوسائل الإنتاج

    و تتمتع بكل خيرات البلاد ، و تعيش في رفاهية مطلقة.

    و الثانية - و تمثل الأغلية الساحقة - تعيش في حالة

    من البؤس و الشقاء و تلهث وراء القوت اليومي

    و تعجز في بعض الأحيان عن توفير أهم الضروريات.

    - عدم مراعاة التوازن بين الجهات على مستوى الإستثمارات

    و بالتالي العناية بالبنية التحتية ، و هو ما خلق

    تفاوتا بين الجهات و قسمها إلى منطقتين : الأولى تعيش

    نوعا من الرفاهية و تتمتع بنوعية جيدة من الخدمات

    ( تعليم ، صحة ، أنشطة رياضية و ثقافية ...)

    و تتوفر فيها البنية التحتية و بالتالي تتركز فيها

    الاستثمارات و توجد بها مناطق الشغل و الثانية جهات

    محرومة تفتقر إلى بنية تحتية من شأنها أنتشجع على

    الاستثمار ، كما أن النشاط الفلاحي الموسمي المرتبط

    بالظروف المناخية لا يفي بحاجة سكانها لذلك يكثر

    نزوحهم بحثا عنمواطن الشغل ، و هو ما يشجع المشغلين

    على مزيد استغلالهم.

    - إن التباين بين المناطق و بين الجهات خلق نوعا من

    العداء بين الأفراد و بين الطبقات ، و هو ما جعل

    المجتمع يعيش حالة من التفكك زادته السياسة

    التعليمية و الثاقافية عمقا ، و ذلك بترسيخ الفلسفة

    الفردانية ، مقابل تشويهها للفلسفة الجمعية ، و هو

    ما عمق التباين بين طبقات المجتمع و غيب التكافل

    الإجتماعي و طمس فكرة التعاون و التآزر بين مختلف

    الطبقات الإجتماعية ، فأصبح الآخر هو العدوّ و المصلحة

    تقتضي دحره و نفيه من الوجود.و من نتائج هذه

    السياسة أيضا :

    - عدم تركيز رؤوس الأموال على الإستثمار في القطاعات

    الإستراتيجية ( الفلاحة ، الصناعات الثقيلة )

    و تركيزهم على الإستثمار في القطاعات الهشة

    ( الصناعات التحويلية ، الخدمات ، السياحة ...)

    و ذلك جريا وراء الربح السريع ، مما يجعل الرأسمال

    الوطني غير قادر على القيام بمهمة التنمية الشاملة ،

    و غير ضامن لتحقيق الإكتفاء الغذائي ، و بالتالي ،

    فإن القطاع الخاص يبقى عاجزا عن تحقيق حاجيات السوق

    الداخلية بما يجعل البلاد في حاجة للبضائع الأجنبية ،

    و هو ما يشرع للبلدان الأمبريالية التدخل في السياسة

    الداخلية و في جميع المجالات ( اقتصاد ، تعليم ،

    ثقافة ...) و الأخطر من ذلك هو انخراط البلدان

    العربية في سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني

    باعتبارها مملاة من طرف الأمبريالية الأمريكية التي

    تسعى إلى تحقيق مشروعها الاستعماري الذي أطلقت

    عليه اسم " الشرق الأوسط الجديد " و هو ما يعني

    طمس هويتنا العربية الإسلامية و تجريدنا من الشعور

    الوطني .

    - نشر ثقافة تغريبية تعمق الهوة بين ما هو معيش

    و ما هو مدرك ، مما يساهم في تغييب الوعي بجملة

    القضايا الوطنية و العربية و الإنسانية عموما

    و ينتج فئة غير قادرة على تحمل المسؤولية ، تعيش

    حالة من الإنبتات و غير مدركة لأصولها و جذورها

    و حقيقة انتمائها و غير قادرة على خوض الصراع

    مع أعدائها ، إذ أصبح الإعلام المرئي و المسموع

    و المكتوب و سيلة دعاية للأحزاب الحاكمة.

    و من افرازات العولمة كذلك سعي البلدان الامبريالية

    إلى ضرب اقتصاد البلدان النامية بشكل يجعلها

    تعيش التبعية المطلقة و يعيق المشاريع التنموية

    في مختلف المجالات و خاصة القطاعات الاستراتيجية كالفلاحة

    و الصناعة ، و يحول هذه البلدان إلى سوق استهلاكية

    غير قادرة على تحقيق أمنها الغذائي. و كمثال على

    ذلك سعي النظام الأمريكي سنة 2002 إلى القضاء على

    زراعة القطن في مصر فأوصى زارعي القطن في أمريكا ببيع

    منتوجهم بنصف الثمن على أن تتكفل الدولة بدفع النصف

    الآخر فكان نتيجة ذلك أن اضطر الفلاح المصري إلى

    مجاراة السوق فباع محصول القطن بأقل من نصف الثمن

    و هو ما جعله عاجزا عن تسديد ديونه و عاجزا في

    السنة الموالية على توفير المال اللازم لإعادة زراعة

    الأرض فاستغل النظام الأمريكي هذا العجز و ضاعف سعر

    القطن فاستردّ الخسائر التي تكبّدها في السنة السابقة.

    كما أن العولمة عملت على تخلي الدولة عن توفير الخدمات

    الضرورية للمواطن و خاصة في القطاعات الهامة كالصحة

    و التعليم ففي تونس مثلا كان عدد الأشخاص الذين

    يتمتعون بدفتر علاج مجاني سنة 1986 ما يقارب 650 ألف

    شخص من ضمن 5 ملايين نسمة أما في سنة 2002 فإن عدد

    المتحصلين على دفتر العلاج المجاني لا يتجاوز 100 ألف

    نسمة بالرغم من تضاعف عدد السكان و ازدياد نسبة

    الفقر و ارتفاع الفوارق الطبقية. و أمام هذه

    المشاكل التي أفرزتها العولمة لم تجد الدول النامية من

    حلّ للحفاظ على الاستقرار و الأمن إلا مضاعفة عدد

    الانتدابات في وزارات الداخلية حتى تستطيع أن تلجم

    كل الأصوات المعارضة للأنظمة الحاكمة و المطالبة

    بضرورة اعتماد سياسة التوزيع العادل للثروات ،

    و بالتالي نستطيع القول أن سياسة العولمة تحمل في

    ذاتها مؤشرات انقراضها و زوالها. و لكن مع هذا يبقى

    السؤال المطروح متعلقا بكيفية مجابهة أخطار العولمة ؟

    و بدور المثقفين و خاصة العرب في التصدي للعولمة

    باعتبارها شكلا من أشكال الاستعمار الجديد ؟

    الهادي الزغيدي
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

  • #2
    الحالة الراهنة للعولمة ومسألة الهوية الثقافية

    دعوة للجميع في واحة الإبداع لتفعيل هذا الموضوع الحيوي والهام فكل من لديه معلومة أو مقالة عن العولمة ليضيفها هنا ، وتكون مرجعيتنا لهذا الموضوع الهام والذي يمس كل جوانب الأمة بكل مسلماتها التاريخية والسياسية والإقتصادية وحتى العقائدية .
    " المعتز بالله "


    الحالة الراهنة للعولمة ومسألة الهوية الثقافية




    يمتد مفهوم «العولمة» بمدلوله المطلق تاريخياً إلى القرن الخامس عشر الميلادي وما تلاه، وارتبط هذا المفهوم بعصر النهضة في أوروبا ثم الثورة الصناعية وما أدت إليه من نشأة الطبقة البرجوازية وتطور النظام الرأسمالي ثم حركتي الاكتشافات والاستعمار للعالمين القديم والجديد على حد سواء، بهدف توفير الأسواق ومصادر المواد الخام وتأمين طرق التجارة وضمان استمرارية عملية التراكم اللازمة لتطور النظام الرأسمالي. إلا أن ما يميز «العولمة» في مرحلتها الحالية أمور ثلاثة:

    أولاً: على الصعيد الأيديولوجي والسياسي، أدى انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق والمنظومة الاشتراكية في شرق ووسط أوروبا وعدم وجود منافسة تتسم بالندية من الصين أو النمور الجديدة في جنوب شرقي آسيا، أو شبه الجزيرة الهندية، والضعف النسبي للعالم العربي والإسلامي، إلى بروز نموذج عقائدي وسياسي واحد يسعى بأشكال مختلفة لفرض معاييره وقيمه على العالم بأسره – أو على الأقل إبراز تفوقه - ونعني هنا النموذج الغربي في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأيضاً - مع بعض التحفظات - في اليابان، علماً بأن سياسيين ومثقفين أوروبيين ويابانيين يشكون من أن النموذج السائد ليس هو النموذج الغربي بل الأميركي. وعلا الحديث مع وضد مقولتي «نهاية التاريخ» باعتبار الرأسمالية الليبرالية حققت انتصارها النهائي وأصبح بوسعها رسم مسار الإنسانية، و»صدام الحضارات» باعتبار المواجهة القادمة للغرب هي مع الإسلام.

    ثانياً: أن شمول نتائج جولة أوروغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف

    (1993-1986) لمواضيع كانت تقع خارج حدود المسائل التجارية، مثل الاستثمار والملكية الفكرية والخدمات، وشمول المنظمة العالمية للتجارة لنظام تسوية للمنازعات والسماح بفرض إجراءات عقابية عبر قطاعية من جانب أطراف ضد أطراف أخرى أخلت بالتزامات التعاقدية في إطار أي من الاتفاقات التي أسفرت عنها الجولة، كل ذلك تحقق في ظل سيطرة الغرب سياسياً واقتصادياً، وجاء كإطار تشريعي ليستكمل تقنين خدمة مصالح الأطراف التجارية الكبرى في العالم، ويحجم دور الدولة في النشاط الاقتصادي والتجاري ويحد من فرص تعظيم الاستقلال الاقتصادي. وسعت الدول الغربية إلى جولات مفاوضات جديدة للتوصل لاتفاقات في مجالات غير مسبوق شمولها مثل البيئة و»المعايير الاجتماعية»، وربما الديموقراطية وحقوق الإنسان و»الحكم الجيد» ومكافحة الفساد كمشروطيات للتجارة الدولية.

    ثالثاً: على الصعد العلمية والإعلامية والثقافية، حدثت ثورة غير مسبوقة كمياً و كيفياً في مجالي المعلومات والاتصالات. فقد تمثلت هذه الثورة في طفرة هائلة في تسهيل وتخفيض نفقات وزيادة سرعة جمع المعلومات وتخزينها وتحليلها ونقلها، إضافة إلى تراجع قيمة الحدود بين الدول وبدأت تثار التساؤلات حول حدود مفهوم السيادة للدولة القطرية. وكان - ولا يزال - مصدر ثورة المعلومات والاتصالات تلك هو الغرب، بينما العالم العربي والاسلامي لا يزال في الأساس يلعب دور المتلقي والمستهلك. وقد حولت تلك الثورة العالم إلى قرية يعرف كل من فيها ما يدور في أقصى طرف من أطرافها ويتأثر به ويؤثر فيه.

    وقد أثار مفهوم «الهوية» - ولا يزال - جدلاً واسعاً في صفوف المثقفين ليس فقط في ما يختص بتعريف المفهوم، بل حتى في ما يتعلق بوجوده. فقد اعتبر البعض أن تعميق الإحساس بخصوصية كل هوية هو محاولة اختلاق مفاهيم لا وجود لها واستغلال تباين الهويات لإثارة نعرات عدائية في ما بين البشر لتحقيق مصالح سياسية أو مكاسب اقتصادية لأعداد محدودة. بينما رأى تيار آخر في «الهوية» جزءًا من «البنية الفوقية» التي تتحدد معالمها بناءً على معطيات «البنية التحتية» الاقتصادية والاجتماعية. كما يوجد تيار ثالث يرى في «الهوية» مفهوماً مركزياً تتفرع عنه الخطوط التوجيهية التي تحكم مسار الشعوب والأمم في مختلف المجالات.

    وما يعنينا هنا هو المكون الثقافي لمفهوم الهوية، الذي يعتبر أساسياً في تعريفها، نظراً إلى أن الهوية الثقافية يندرج تحتها النظام القيمي والأخلاقي والإبداع الفكري والأدبي والفني لكل أمة أو شعب بما يسمح بالتحقق من مدى صدقية الحديث عن خصوصية وتمايز هذه الهوية من جهة، ومدى قدرتها على التفاعل مع غيرها من الهويات الثقافية الأخرى الموجودة بشكل إيجابي، سواء على الصعيدين المحلى والإقليمي، او على الساحة الإنسانية من جهة أخرى.

    وعبر تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، تأكد وجود هوية ثقافية متميزة للأمة على رغم فترات جزر عدة وأحياناً ممتدة. وقد اتسمت هذه الهوية بالانفتاح والتفاعل الإيجابي ليس فقط مع هويات ثقافية مواكبة لها زمنياً وجدت في مناطق أخرى من العالم، بل أيضاً مع هويات ثقافية سابقة عليها، وأخرى متفرعة عنها.

    إلا أن التحدي الأكبر الذي واجه تلك الهوية الثقافية – ولا يزال - هو المواجهة مع الثقافة الغربية التي نجحت بدرجة كبيرة - وفي الطور الحالي للعولمة - في فرض نفسها على بقية العالم باعتبارها الثقافة العالمية أحياناً والمنتصرة أحياناً أخرى، مدعومة بالطفرة العلمية والتكنولوجية المتسارعة وبثورة المعلومات والاتصالات التي يكاد الغرب أن يكون محتكرها. وتنوعت الاستجابات الفكرية إزاء تأثيرات العولمة في مرحلتها الراهنة على الهوية الثقافية العربية الإسلامية، ما بين دعوات للرفض والمقاومة واتجاهات لممارسة النقد الذاتي لإصلاح الحال الداخلية حتى تكون مستعدة للمواجهة مع طوفان العولمة، ونصائح يتبين الغث من السمين ضمن ما تلقى به أمواج العولمة من أفكار وقيم ومنتجات قد يصلح بعضها لإنعاش هويتنا الثقافية، وأخيراً دعوات إلى تبنى مجمل الثقافة التي تحملها ظاهرة العولمة في طورها الراهن باعتبارها الوحيدة القادرة على تحقيق التقدم الاقتصادي والتقني الذي حققه الغرب.

    ولا تخرج هذه الرؤى عن مجمل الاستجابات التي سجلها مفكرو العالم العربي الإسلامي إزاء الثقافة الغربية منذ التلاقي الأول بين الطرفين خلال الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وما تلا ذلك، وإن اختلفت التفاصيل وتزايدت تعقيداً. ونستطيع أن نرصد عدداً من التأثيرات للعولمة بشكلها الحالي على الهوية الثقافية العربية الإسلامية لإعطاء أمثلة لهذه التأثيرات وتشجيع التفكير في كيفية التعاطي معها.

    والتأثير الأول هو ما تحمله ثورة المعلومات التي تعتبر التجسيد العملي لتأثير التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال الاتصالات على الثقافة.

    ولا شك في أن العالم العربي الإسلامي ما زال مجرد مستهلك ومتلق ومادة لهذه الثورة، مع دور محدود في الإسهام فيها يمثل أكثره جهد أفراد يعملون لدى شركات غربية.

    وإذا كانت ثورة المعلومات من الناحية النظرية قادرة على أن تسهم في التقريب بين البشر عبر زيادة معرفتهم بما يدور في أقاليم أخرى وبثقافات أخرى، وعلى ما هو مشترك ضمن ثقافات العالم من قيم وأخلاق ومناهج تفكير وحياة، فإنها تثير عملياً بعض القضايا التي يطغى عليها الطابع السلبي، خصوصاً عندما يتم إبراز النقاط الخلافية وتعظيمها وإظهار الآخر في شكل العدو، كما أن التجربة التاريخية علمتنا أن الحضارات في مراحل مختلفة وظفت المعلومات لقهر الإنسان والحد من حرياته بالقدر نفسه الذي وظفتها أحياناً أخرى لتحقيق رفاه الإنسان وحريته.

    فثورة المعلومات - مثلها مثل أي ظاهرة تتصل بالإنسان - ليست حدثاً محايداً خالياً من القيم النابعة من الثقافة التي أنجبته - وهى في هذه الحالة الثقافة الغربية - ويصدق هذا على نوع المعلومات التي يتم نقلها ومعايير انتقائها وكيفية توظيفها. وعبر هذه المراحل، فإن هناك عناصر من تلك المعلومات المنقولة - مثلها مثل الثقافة التي تنتمي إليها - متعارضة مع الثقافة الموروثة بل وقد تدفع - بشكل مباشر أو غير مباشر- إلى إثارة الشكوك حول صدقية الهوية الثقافية للأمة وجدوى التمسك بها في ظل متطلبات التقدم، وقد تؤدي أيضاً إلى ثقة مبالغ فيها في قيم الثقافة الغربية ومدى إشباعها لاحتياجات الإنسان وإيمانها بحتمية انتصارها.

    وقد يؤدي تدفق المعلومات إلى عدم القدرة على التمييز بين ما هو نافع وضار، خصوصاً لدى المتلقين من قليلي الخبرة، بما في ذلك تشجيع النزعة الاستهلاكية على الصعيد المادي والحض على ازدراء قيم الثقافات المغايرة للثقافة الغربية بدلاً من التعايش والتفاعل معها والتسامح إزائها.

    والتأثير الثاني للعولمة في سياقها الراهن في الهوية الثقافية العربية الإسلامية يكمن في سعي دوائر في الغرب - بخاصة عقب انتهاء الحرب الباردة - لفرض نماذج ومعايير بعينها باعتبارها صالحة - بل هي الوحيدة الصالحة - على المستوى الدولي. وكلنا على وعي بهذا المسعى على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إلا أن له أبعاداً ثقافية أيضاً. وقد يقول قائل إن هذا المسعى يشمل العالم بأسره، فلماذا الاقتصار على الإحساس بالخطر من جانب العالم العربي الإسلامي؟ ومربط الخصوصية بالنسبة إلى العالم العربي الإسلامي يكمن في ان الحضارة العربية الإسلامية في نظر أتباعها ليست مجرد شعائر او طقوس بل حملت قيماً متقدمة بكثير على حال العالم يوم نزول الرسالة ولقرون بعدها وبما غطى معاملات وفكراً وثقافة.

    وقد أدركت بعض الدوائر في الغرب منذ فترة أن محاولة فرض نموذج تشريعي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي بشكل مباشر على الشعوب العربية والإسلامية هي محاولة محكوم عليها بالفشل، نظراً لأن الثقافة الوطنية تشكل قلاعاً صلبة الجذور لمقاومة هذه المحاولة. وبالتالي انتقلت هذه الدوائر إلى نشر الثقافة التي نبعت منها تلك النماذج بحيث تكتسب هذه الثقافة بنظامها القيمي وتقاليدها أرضية واسعة في صفوف شعوب آسيا وأفريقيا بما يسمح بضمان وجود قاعدة قوية تساند - بل وتطالب - بتطبيق النماذج والمعايير الغربية - التي هي نتاج للإطار التاريخي/ الاجتماعي لتطور الثقافة والحضارة الغربيتين - في بلدانها. ولا يعني ما سبق القول بأن كل ما في الغرب شر وكل ما في الشرق خير، ولكن العنصر الحاسم هنا هو إذا كان ما يحرك أطرافاً غربية عند سعيها لإيجاد التربة الخصبة لزرع نماذج ومؤسسات وليدة للثقافة الغربية هو لمصلحة غير الغربيين أم تحقيق مصالح هذه الدوائر الغربية، كما أن تلك الدوائر تولدت لديها قناعة بأنه ما دام الغرب هو الأكثر تقدماً، فإن هذا يعني بالضرورة تفوق ثقافته، ما يستدعي التعامل معها باعتبارها «الثقافة العالمية» وليست مجرد ثقافة واحدة ضمن تعددية ثقافية قائمة على الأخوة والعدالة والمساواة.

    والتأثير الثالث للعولمة على الهوية الثقافية العربية الإسلامية يتصل بتوظيف منتجات ثورة المعلومات والاتصالات لربط المهاجرين العرب والمسلمين المقيمين في بلدان المهجر – وجيلهم الثاني وما يتلوه من أجيال - بثقافاتهم الأصلية. ونقلت الطفرة في نقل المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات الثقافات المحلية للخارج عبر شبكات المعلومات والقنوات الفضائية ووفرت ساحة للتفاعل الثقافي بين عرب ومسلمي الداخل والخارج ما يساعد على مراجعة بعض الأفكار بهدف إعادة النظر في صحتها وجدواها في إطار مرونة الهوية العربية الإسلامية. كما أن نقل الثقافة العربية الإسلامية إلى عرب ومسلمي الخارج يوفر نوعاً من المناعة الإيجابية تجاه قيم تناقض جوهر تلك الثقافة من جهة، ويسهم في تسليح هؤلاء وأبنائهم وأحفادهم بذخيرة عند التفاعل مع الثقافات الأجنبية ما يسمح لهم باستيعاب العناصر الإيجابية في تلك الثقافات وإدماجها في هويتهم الثقافية من جهة أخرى. وعبر هذا التوظيف الجيد لثورة المعلومات والاتصالات يمكن ضمان أن يكون العرب والمسلمون في الخارج جزءاً من بناء ثقافي واحد يحركه إرث مشترك دونما تجاهل وجود تعددية محمودة داخل إطار هذا البناء.

    تعليق


    • #3
      رد: العولمـــــــة

      العولمة كإيديولوجية

      محمد البلطي


      إذا كان لكل جيل كتاب فان العولمة يراد لها أن تكون" كتاب" هذا "الجيل".

      اذا كانت العولمة كذلك فانها مثل كل ايديولوجا تتضمن رؤية للعالم.

      -أ- العولمة كرؤية للعالم

      ان منطق رأس المال في مواجهة الوهلة الحلية من تطور الرأسملية يقوم على المضاربة التي تجد أصولها في أزمة الفائض النقدي .ذلك المنطق يفترض رؤية للعالم تقوم على حساب الاحتمالات و نظرية الألعاب و نظرية الفوضى و المنطق الضبابي و علوم الحياة ,و ذلك بدلا من رؤية العالم التي قامت على العلوم الطبيعية وميكانيكا نيوتن أو الكيمياء العضوية (28).فحركةالفائض النقدي التي أصبحت تشمل الكوكب كله و بشكل دائم و حيني ,الى جانب طابعها"اللامادي"و التي تتحكم وتشتثير كل الأنشطة المالية و التجارية و الثقافية و الاعلامية ...الخ تذكرنا مثلما يذهب الى ذلك "رامونيه"(29) بالخصائص الأساسية للاله.فهذا الأخير كلي الوجود و دائم و حيني ولامادي .مما يجعل ذلك الفائض النقدي يرفع ,في اطار ايديولوجا العولمة ,الى مستوى الاله المعاصر,حيث أن كل شيء يتجه الى الانتظام وفق منطقه الذي يشمل قيم السوق المالية و المبادلات التجارية و القيم النقدية و الاعلام و الاتصال و برامج التلفزيون و التقنيات متعددة الوسائط و الثقافة ...الخ.ان ذلك المنطق يؤدي الى الغاء مقولتي الزمان و المكان و يجعل الانسان على صورة الاله فهذا الاخير في الديانات التوحيدية موجود في كل زمان و مكان أي انه غير موجود في أي مكان و أي زمان.و التصور الاعلامي للقرية العالمية يجعل الانسان مثله مثل الاه الديانات التوحيدية موجود في كل مكان و زمان و هو ما يتضمن نفيا لوجوده في الواقع.

      ذلك هو منطق الفائض النقدي و هو منطق يحول "الطوبى" الى واقع ليس واقع الواقع لان هذا الأخير لا يمكن أن يكون متجانسا لان قانونه الأساسي هو التعدد والحركة و لكنه منطق قسم من الواقع يهيمن على كلية هذا الأخير .على أساس المنطق الذي يؤدي بالجزء الى احلال نفسه محل الكل.و يظهر ذلك أكثر ما يظهر في علاقة بما يسمى ثورة الاتصال و المعلومات التي جعلت العالم في خطاب العولمة "قرية صغيرة" تقوم على الجوار العالمي و التسيير العالمي .وهو ما يؤكد الطابع الايديولوجي الطوباوي للعولمة لأن واقع العالم الفعلي هو غير ذلك لأنه يقوم على التعدد و الاختلاف و التناقض و الصراع.

      ان رأس المال يحول سحريا رغباته الى واقع نافيا بذلك الواقع الفعلي مما يجعل العالم الواقعي متفجرا.ذلك أنه يتصور أن توحيد العالم في الحواسيب ,افتراضيا,هو توحيد-تجنيس فعلي له.و تبذل جهود خارقة لكي يتخذ العالم صورة واحدة(30)و ذلك ما يجعل من العولمة ايديولوجا بالفعل.

      و اذا كانت الليبرالية هي في أصل رؤية العالم تلك فان سامي نير يرى أن الليبرالية ليست تقنية تصرف اقتصادي و لا منهج لزيادة الأرباح فقط بل هي كذلك وخاصة فلسفة حياة و وجهة نظر انتروبولوجية حول الانسانية (31).و يؤكد على ذلك "لوران مونييه" معتبرا العولمة رؤية للعالم ليبرالية جديدة تسعى أقلية الرابحين الى فرضها على الكل (32).و تقوم رؤية العالم تلك بالنسبة لسامي نير على العناصر التالية:(33)

      - الفردية الشاملة كهوية قاعدية بالتعارض مع المواطنة التي تقوم على المشاركة ويتصور المجتمع كتعارض طبيعي للكل ضد الكل.

      - الفلسفة العفوية للربح كخط موجه للسلوك الانساني .

      - المنافسة كمبدا مؤسس للعلاقات الاجتماعية.

      -ب- العولمة كايديولوجيا

      ان العولمة كواقعة كلية تشمل مستوى ايديولوجيا يشير اليه "بو"(34),اذ العولمة بالنسبة له ككلمة تتضمن شحنة ايديولوجية عميقة و متناقضة انها مصدر لبعض الآمال و للعديد من الأوهام و الكثير من القلق فهي مطمئنة و مزعجة ,خيرة وشريرة ,حاملة لامكانيات و ايجابيات لأوجاع و تهديدات.وما هو اساسي في ما سيمى العولمة بالنسبة له يتضمن مظاهر متعددة للتوسع العالمي للرأسماليات القومية الأكثر قوة و هو التوسع الذي يتم من خلال ثلاثة نماذج كبرى من الصيرورات هي:

      - التدويل ,للمبادلات و القروض و الدفوعات

      - اصباغ الطابع المتعدد الجنسية على المنشآت و البنوك و التنظيمات المالية

      - الكونية النقدية و المالية و الثقافية.

      و بالتالي فان المسالة تتعلق بتوسع الرأسمالية .و هو توسع يتم في ظل تفكيك دولة الرفاه و دولة "العمال" و دولة التنمية .

      من خلال ذلك يتضح الطابع الايديولوجي للعولمة من حيث أنها خطاب يهدف الى طمس عملية التفكيك الثلاثية تلك و هي تساعد(35)على تبرير الاجراءات القومية الجديدة للتحرير و تسهل كذلك للقطاعات الأكثر صلابة من الأعراف وضع المكتسبات الاجتماعية لما بعد الحرب الثانية موضع تساؤل كما تسمح باعطاء طابع قدري للمصير المعطى لقطاعات واسعة من عالم العمل ,البطالة المكثفة و مرونة الأجور و خاصة الأجور الدنيا(36) و يعتبر "ميشال بو"(37) أن الروح الليبرالية والعولمة قد استعملتا في العالم كله من أجل تحميل قطاعات السكان الأقل تسلحا في مختلف المجتمعات تضحيات متزايدة و من أجل الحد من الضغوطات التي تثقل بوزنها كاهل المنشأة و مسيريها و مالكي رأس المال.

      في نفس الاتجاه ,تقريبا ,يسير كاتبا "فخ العولمة" اذ بعد استعراض التطورات في ميدان العمل و المتميزة بارتفاع نسب البطالة و تزايد التهميش , بعد ذلك يقولان"و يختزل الاقتصاديون و السياسيون أسباب هذا التدهور في كلمة واحدة لاغير­ , العولمة...و هكذا لم يعد لدى طابور القيادة ...الا رد واحد فقط على هذا التطور يتمثل في عبارة التضحية هي وسيلة التكيف مع العالم الجديد"(38). و هذا يعني أن خطاب العولمة هو خطاب ايديولوجي يبرر عملية تحريك للصراع الطبقي من فوق(39). ويتأكد ذلك من خلال لا وقعية السبب الأساسي الذي تقوم عليه السياسات المتبعة في ظل العولمة و هو الارتفاع الانفجاري للتكاليف الاجتماعية اذ يذكر كاتبا "فخ العولمة"(40) أن نسبة تلك التكاليف الى النتاج القومي في ألمانيا مثلا " كانت في عام 1995 أدنى مما كانت عليه الحال قبل عشرين عاما"

      و تساعدنا الهجرة بالنسبة لـ"لوران مونييه" على كشف الطابع الايديولوجي لخطاب العولمة (41) حيث أن تدويل العمل الذي كان يجب أن يكون المكمل الطبيعي لتدويل رأس المال هو وهم لأن الدولة-الأمة و شرطتها و كذلك مواطنوها يعترضون على دخول الأجانب(42).و في السياق يعتبر أن الهجوم الليبرالي الجديد على الدولة الاجتماعية ,دولة الرفاه,يتضمن تكثيفا للصراع الطبقي من فوق و ذلك الهجوم يتم باسم العولمة و هو ما يعطي لهذه الأخيرة طبيعتها الايديولوجية(43).

      العناصر التي تقوم عليها العولمة كايديولوجا هي أساسا الطابع المحدد للمستوى الاقتصادي و أهمية السوق بصفة عامة و تحرير سوق رأس المال بصفة خاصة وتراجع أو ضعف دور الدولة بصفة عامة. و في علاقة بذلك و كنتيجة لعولمة السوق الذي يصور كقضاء و قدر أو كظاهرة طبيعية.وهو ما يحول العولمة الى ذريعة وهي بحكم كونها كذلك منتجة لاغتراب معمم.الاقتصادي يتغلب و يهيمن على السياسي .ذلك هو بالنسبة لـ" اقناسيو رامونيه" المبدأ الأساسي لما يسميه الفكر الوحيد .أما المفاهيم المفتاحية الأخرى لهذا الفكر فهي السوق و المنافسة و التبادل الحر و عولمة الانتاج و التدفقات المالية و التقسيم الدولي للعمل و العملة القوية و التحرير والخوصصة ودائما أقل ما يمكن من الدولة و تحكيم دائم لمصلحة مداخيل رأس المال و كل ذلك يشكل بالنسبة له العناصر الأساسية لايديولوجا ظلامية جدديدة .فالاختيارات الليبرالية الجديدة هي اختيارات ايديولوجية (44).و يظهر ذلك الطابع الايديولوجي للعولمة و العلوم الاجتماعية التي تقوم عليها في عجزها عن تقديم الحلول و الاصلاحات المنطقية للفوضى التي تحكم الاقتصاد العالمي .و على أساس ذلك يتم رد الحرية بشكل بسيط الى حرية المتاجرة .و يلاحظ سامي نير(45)أن العديد من المختصين في العولمة يصورون امبراطورية السوق "الملبرل"على أساس أن السوق وحيد و مجرد و ليست له أسس اجتماعية .هذا في حين أنه في الواقع يتماثل مع أمم مهيمنة هي الولايات المتحدة و ألمانيا و اليابان .و في تلك الأمم يتماثل السوق مع شرائح اجتماعية لم تكن أبدا في وضعية أحسن من التي تعيشها اليوم . ويرتبط التصور السابق ذكره للسوق بتقريض للمستهلك-الملك.وبحكم أن السوق هو الألية الأكثر اكتمالا لتوزيع الخيرات ,و بحكم أن العولمة هي بصدد مساعدة السوق على تحطيم كل الحدود الجغرافية و الثفافية و الدينية و القومية التي أعاقة الطابع العالمي للسوق,بحكم كل ذلك ,يجب ترك هذا المنطق يذهب الى مداه الأبعد لأن النتيجة النهائية سوف تكون انتصار المستهلك .و لايمكن لأي حدود حمائية أو أي لوبي سياسي أو دولة الرفاه أن تقاوم هذا الاتجاه .و من وجهة النظر هذه تظهر الدول-الأمم كدينصورات تدافع بوسائل عتيقة عن مصالح لا يمكنها بالتعريف الا أن تعيق الاشتغال الجيد للسوق العالمي.تلك هي حسب سامي نير وجهة نظر كاتب مثل "كنيشي أهماي" نبي نهاية الدولة-الأمة(46).و ينتهي هذا التصور للسوق الى أن يصبح اللب المنظم للرؤية الجديدة للعالم .حيث يحل بالنسبة لـ"اقناسيو رامونيه" ثنائي السوق و الاتصال محل ثنائي التقدم و الأمة.و الطابع المركزي للسوق هو ما يؤكد عليه سمير أمين(47).اذ العولمة هي محاولة لتوحيد العالم على قاعدة السوق وبواسطته .و هي لذلك بالنسبة له تمثل أوتوبيا ليبرالية رجعية بمحتواها السياسي وهي من جهة كونها توحيدا للعالم بواسطة السوق تحت يافطة التبادل تقودنا الى المركنتيلية التي تمثل بالنسبة لـ"بسنيي" نظرية لاثراء الأمم بواسطة مراكمة المعادن الثمينة(48).و لكن و حتى تكون النظرية معاصرة يمكننا تعريفها على أساس أنها نظرية اثراء "الأمم" بواسطة مراكمة العملة الصعبة.لأن خطاب التبادل الحر,خطاب العولمة,يؤله التصدير مثله مثل الخطاب المركنتيلي في القرنين 16و17عشر.و يقول رضا قويعة أن هذه النظرية تقوم على القاعدة التالية:لا يمكن لأحد أن يربح الا ما يخسره آخر(49).و قد كان مصير اسبانيا التاريخي هو التخلف نتيجة مراكمتها للمعادن الثمينة.الطبيعة الايديولوجية للخطابين المركنتيلي القديم و المركنتيلي المعاصر-خطاب العولمة-خطاب التبادل الحر ,يمكننا كشفها بالعودة الى "كارل ماركس"و نظرية القيمة-العمل التي صاغ على اساسها نظرية فائض القيمة.و هما تكشفان أن التبادل سواء كان حرا أم لا ,لايمكن أن يكون مصدرا للربح انما يسمح فقط بتحقيق فائض القيمة أي تحويله من رأس مال سلعي الى رأس مال نقدي .فأصل الربح هو العمل الفائض, العمل غير مدفوع الأجر و ليس التبادل الذي لا يمكن أن يكون مصدرا لاثراء "الأمم".ان ما يخفيه خطاب العولمة-خطاب التبادل الحر هو نفس ما يخفيه الخطاب المركنتيلي,و خاصة بالنسبة للأول في علاقة بالتبادل بين "الأمم" اذ يقوم ذلك الخطاب بطمس عملية انتقال القيم من بلدان"الجنوب" الى بلدان "الشمال"بحكم أن هذه الأخيرة تجعل من اقتصاد الأولى جزءا ملحقا باقتصادها في ظل انخفاض الأجور فيها ذلك الانخفاض هو أساسا ما يجعل انتقال القيم ممكنا.

      يمكننا الى جانب ما سبق ذكره و تأسيسا عليه تبين الطابع الايديولوجي للعولمة في جانب من خطابها ذلك الذي صاغه النقديون و على رأسهم "ملتون فريدمان".

      يرى التصور النقدي أنه " ينبغي للأموال المدخرة في العالم أن تنتقل دوما الى تلك المجلات التي تحقق لها أفضل استخدام.و من منظور النقديين فان هذه المجلات هي طبعا ذلك الاستثمار الذي يحقق أعلى عائد.ولهذا تنتقل الأموال من البلدان الغنية برأس المال الى المناطق الغنية بالفرص الاستتثمارية الأمر الذي يحقق للمدخرين تحقيق أكبر مايمكن من عائد و العكس بالنسبة للمقترضين سيكون بوسعهم المقارتة بين مقدمي القروض في أرجاء المعمورة و اختيار أدنى الفوائد ...وفي المحصلة النهائية ستكسب,نظريا على أدني تقدير,كل الأمم .و ذلك لأن انتهاج هذه السبيل هو الطريقة التي سنضمن بها أفضل استثمار وأعلى معدلات النمو"(50).في التعقيب على هذا التصور النقدي يتساءل كاتبا "فخ العولمة" "أيمكن فعلا أن يرى في سوق المال العابرة للحدود ينبوع عالمي للرفاهية و حارس للعقلانية الاقتصادية الدولية" و كان الجواب "ان هذا الأمل ليس مضللا فحسب بل هو خطير أيضا"(51). اذ في الواقع سرعان ما تتحول هذه الدعوة في سياق سوق المال العالمي الى ايديولوجيا صرفة.فالانفتاح المالي للدول يجبر هذه الدول على التنافس في تخفيض الضرائب وتخفيض الانفاق الحكومي و التضحية بالعمالة الاجتماعية و ما ينجم عنها في المحصلة النهائية من اعادة توزيع شمولية من الأسفل الى الأعلى(52).

      اليست هي تلك الايديولوجيا التي تدافع عن مصالح رأس المال النقدي و خاصة الجزء الفائض منه المتحرر من كل القيود و الحدود و التنظيمات.و هي المصالح التي تروج لايديولوجيا التعارض بين الدولة و السوق .ذلك التعارض الذي يقول عنه "برونو تيرى"(53) أنه تعارض لا أساس له و يعيدنا في الواقع و بصفة عامة ليس الى حقيقة الاشتغالات الاجتماعية لكن فقط الى الأساطير التي صنعها الاقتصاديون رويدا رويدا.

      الطابع الايديولوجي لذلك التعارض ينكشف من تصور الدولة و السوق الذي يقوم عليه ذلك التعارض.فكلاهما,تصور الدولة و تصور السوق ,ليس الا نمطا شكليا صرفا لتوزيع الموارد النادرة.و يقوم السوق على مبادلات تعاقدية تحدد نظام للأسعار يسمح للأعوان بتوزيع تلك الموارد بشكل رياضي يساعد على تحقيق أفضل المكاسب .هذا في حين أن الدولة في هذا التصور تتميز بتوزيع اداري مخطط للكميات.ما يجب ملاحظته هنا هو أن عملية المعارضة بين الدولة و السوق تقوم على مقارنة سوق مثالي خال من النواقص بتدخلات للدولة كلها نواقص.و يتم نسيان الامكانية الثانية و هي مقارنة تدخلات للدولة مثالية لا نواقص فيها بالواقع الفعلي للسوق الذي يتضمن الكثير من السلبيات و النواقص (54).و ذلك هو عين ما يذهب اليه سمير أمين معتبرا تلك الايديولوجا, ايديولوجا رجعية سياسيا و غير علمية تقوم على ما يسمى بالاقتصاد الصرف الذي يعمل بكد من أجل اثبات ما لا يمكن اثباته:أن الأسواق منظمة ذاتيا و منتجة للتوازن الطبيعي العام .و الى جانب ذلك ملبية الحد الأقصى من الحاجات الاجتماعية و الاشباع الأعلى للرغبات الفردية .هذه الايديولوجا تقوم بالنسبة لسمير أمين على "الدغمات" التالية: الخوصصة و الانفتاح و مرونة الصرف و التخفيض من النفقات العمومية و تحرير الأسواق(55).

      كل تلك العناصر تشكل ما يسميه "بول كروقمان" اجماع واشنطن الذي يطبع المنظمات العالمية الكبرى :صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و الادارة العليا الأمريكية .وهو الاجماع الذي يحدد قواعد السلوك السليم بالنسبة للبلدان المرشحة للاقلاع الاقتصادي و يقوم على النصائح التالية:افتحوا حدودكم للتبادل الحر ,اندمجوا في الاقتصاد العالمي بتنمية صادراتكم ,حرروا,خوصصوا,فلتكن لكم مالية عمومية متوازنة و عملات مستقرة و بذلك سوف تجلبون الصفقات الاستثمارية و تلتحقون بالبلدان الصاعدة(56)و هو نفس ما يذهب اليه "جون بول فيتوسي"(57.ما يسميه "بول كروقمان"اجماع واشنطن هو ما يجعل الرأسمالية كقوة رهيبة(58)تتجه أكثر فاكثر الى الإفلات من يسطرة المجتمعات و الدول حسب "ميشال بو".و هو هنا يعبر أحسن تعبير عن العولمة كخطاب ايديولوجي يهدف الى نزع المسؤولية عن الدولة في علاقة بالنتائج الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الايديولوجية السلبية الناتجة عن العولمة.اذ أن اعتبار الديناميات الاقتصادية تتجه الى الافلات من سيطرة الدولة فيه تناسيا لكون الدولة هي التي وضعت البرامج و المخططات و القوانين ,أي بصفة عامة السياسات التي جعلت تلك الديناميات ممكنة.و بالتالي فانها ,بشكل أو آخر مسؤولة عن تلك النتائج الى هذا الحد أو ذلك .ونزع تلك المسؤولية عنها هو أحد الأهداف الأساسية التي تسعى اليها العولمة كايديولوجا في علاقة بالدولة.

      و يتركز الخطاب و يتكثف حول فكرة تراجع دور الدولة و يتأكد الطابع الايديولوجي في الطبيعة العامة لتلك الصياغة التي تجهل أو تتجاهل أن للدولة أدوار و ليس دورا واحدا.ويؤكد ذلك سامي نير الذي يعتبر أن الخطاب حول نهاية الدولة-الأمة كنتيجة من نتائج العولمة هو خطاب ايديولوجي أساسا يدافع عنه الليبراليون الذين يعتبرون كل نشاط للدولة معيقا للسوق(59).

      في هذا المستوى من العرض نصل الى التصور الايديولوجي الذي ينظر الى العولمة كقضاء و قدر و كظاهرة طبيعية .و هما تصوران متلازمان في اغلب الأحيان.في هذا الاطار يقول لنا سامي نير (60) ان العولمة في شكلها الحالي مرادفة لعملية تهديم اجتماعي .و الخطاب المهيمن يسعى الى تعريفيها كما لو أنها لايمكن مداورتها أو تلافيها .و بحكم أن السوق يتصور بشكل مجرد و مفصول عن مكوناته الاجتماعية فهو آلية طبيعية تخضع لقانون حرب الكل ضد الكل و ذلك الخاص بالدروينية الاجتماعية (الانتخاب الطبيعي للأفضل) و قانون اليد الخفية التي توازن الكل بشكل مكانيكي.و يلاحظ سامي نير في نفس الطار أن مسألة أصل الملكية ذاتها يتم اصباغ الشكل الطبيعي عليها و توضع خارج نطاق النقاش.و يتعلق الأمر بالنسبة له في المحصلة النهائية بخطاب نزع الملكية و العجز الذي يتحول في خطاب النخب الى خضوع ضروري للضغوطات الخارجية التي لا يمكن مداورتها(61).و هو ما يشكل ايديولوجا الضغوطات(62).و يتفق سامي نير في ذلك مع "جلبار ريست"(63) الذي يعتبر أن الحديث عن ضغوطات نسقية لا يتجاوز كونه ايديولوجا تهدف الى اصباغ الشرعية على مشروع اجتماعي يقوم على العنف الرمزي و المادي .ويتأكد ذلك من خلال ما يذهب اليه سمير أمين (64) .حيث يصور الخطاب المهيمن اليوم العولمة على أنها غير قابلة للمداورة و يجب قبولها كما هي .و ليس متاحا لنا الا التأقلم والتلاؤم معها (لغة داروينية)و يضيف سمير أمين أن هذا الخطاب يدعي أنه من الممكن للبلدان السائرة في طريق النمو التلاؤم بشكل فاعل مع العولمة.

      ذلك الطابع الذي لا يمكن مداورته يتلبس لبوسا طبيعيا.اذ يسعى خطاب العولمة الى محاولة"الايحاء بأن الأمر يتعلق بحدث شبيه بالأحداث الطبيعية التي لا قدرت لنا على ردها و الوقوف بوجهها أي أنها نتيجة حتمية لتطور تكنولوجي و اقتصادي ليس بوسعنا الا الاذعان له"(65).و يذهب كاتبا "فخ العولمة" الى أن ذلك التصور ليس ثرثرة "فالتشابكات الاقتصادية ذات الطابع العالمي ليست حدثا طبيعيا بأي حال من الأحوال انما هي نتيجة حتمية خلقتها سياسة معينة بوعي و ارادة ,فالحكومات والبرلمانات هي التي وقعت الاتفاقات و سنت القوانين التي ألغت الحدود و الحواجز" فرجالات الحكم في الدول الصناعية الغربية هم الذين خلقوا ذلك الواقع(66).و في مقابل ذلك "بات المواطن يسمع...من أفواه أولئك الذين ينبغي عليهم أن يدافعوا عن مصلحته-أن سبب محنته لا يقع على عاتقهم بل يقع على عاتق المنافسة الاجنبية"(67). و المسافة قصيرة جدا بين هذا التبرير الايديولوجي و العداء "للأخر".و هو ما يمكن ملاحظة تناميه في مختلف مناطق العالم و خاصة تلك الأكثر تظررا من العولمة . و يتمظهر ذلك في انبعاث قضايا الهوية و الدين و القبيلة والعشيرة و الجنس و الاتنية و اليمين المتطرف...الخ.

      ويعتبر الرئيس الأسبق لمؤسسة "دايملر بنز" أن المنافسة في القرية المعولمة تشبه الزوبعة لا أحد يستطيع البقاء بمنأى عنها و هو تقريبا نفس ما يقوله رئيس مؤسسة "سيمنز" حيث تحولت رياح المنافسة الى زوبعة و صار الاعصار الصحيح يقف على الابواب (68).أما المفوض الأوروبي للمنافسة فيعبر عن ذلك التصور بقوله "أن القرار بتحرير بعض القطاعات الخدمية التي كانت الدولة تحتكر تقديمها هو ليس خطوة ذات طابع ايديولوجي ,أبدا,بل هو تعبير عن رغبة طبيعية للتكيف مع التطورات الاقتصادية و التكنولوجية"(69).

      هذا التصور الحتموي الطبيعوي للعولمة أليس هو نفس التصور الذي كان في أساس رؤية الاقتصاديين الكلاسيكيين لقوانين الاقتصاد الرأسمالي حيث نظروا الى تلك القوانين كقوانين طبيعية أبدية و هو التصور الذي قام "كال ماركس" بنقده مبينا الطابع التاريخي-الاجتماعي لتلك القوانين.

      على ذلك التصور الايديولوجي الطبيعي يرد مؤلفا "فخ العولمة"(70)معتبران "أن التكامل الاقتصادي المتخطي لكل الحدود الدولية لا ينجم أبدا بفعل قانون طبيعي أو تقدم تكنولوجي مستقيم المسار و ذي طبيعة واحدة لا بديل لها بل هو في الواقع النتيجة الحتمية لتلك السايسات التي انتهجتها الحكومات في البلدان الصناعية الغربية منذ عقد من الزمن و لا تزال تطبقها حتى هذا اليوم"(71).ويعني ذلك بالنسبة لـ"ميشال فوري"أن "عولمة الاقتصاد كثيرا ما يتم استحضارها كعذر لتفسير الصعوبات الخاصة باقتصاداتنا"(72)و ذلك في علاقة باقتصادات ضفتي المتوسط و الاتحاد الاوروبي .أما بالنسبة لـ"مالكولم ويترز"(73) فان مفهوم العولمة موضوع شك ايديولوجي لأنه مثل الحداثة يظهر أنه يبرر توسع و انتشار الثقافة الغربية و المجتمع الرأسمالي من خلال الادعاء بأنهما قوتان تعملان خارج نطاق الرقابة الانسانية .كما يظهر ذلك الطابع الايديولوجي للعولمة من خلال اعتمادها من طرف السياسيين كعذر لتبرير فشلهم الذي تعطى له صيغة معولمة.اذ اصبح خطاب السياسيين يقوم على القول :ان اقتصادنا ينهار بسبب الركود في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أو اليابان أو في أي مكان أخر.كما أن قيمة عملتنا تتراجع بحكم الأنشطة غير المحددة للمضاربين العالميين و هواؤنا ملوث لأن في مكان ما حصلت تجارب نووية و لا يمكننا حل مشكلة الجريمة الحضرية لأنها تتغذى من تجارة المخدرات العالمية .أولا يمكننا تغذية شعبنا لأن مستوى المساعدات العالمية غير كاف.و يهدف ذلك الخطاب الى جعل الفاعلين السياسيين الجماعيين يركزون اهتمامهم في ذلك الاتجاه الخارجي(74).هذا الطابع الذرائعي للعولمة كمبرر لتوسع الثقافة الغربية و المجتمع الرأسمالي هو ما يؤكد عليه محمد عابد الجابري حين يعتبر "أن العولمة محملة بايديولوجيا معينة هي ايديولوجا الاختراق الذي يستهدف التطبيع الكامل مع الهيمنة و الاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول و الأخير للعولمة" التي تتجسد بالنسبة له فبي أمركة العالم .و على أساس ذلك تهدف ايديولوجا العولمة الى " السيطرة على الادراك...أي تعطيل فاعلية العقل و تكييف المنطق و التشويش على نظام القيم(و) التطبيع مع الهيمنة و تكريس الاستتباع الحضاري"(75).

      في أعقاب كال ما سبق و على أساسه يمكننا التأكيد على ما يلي:

      - ان المعنى العميق لخطاب العولمة هو الصيرورة التارخية التالية: الاستقلال الذاتي لرأس المال و انتصار نموذج المجتمع ذي الوجهة الاقتصاجية التي تشمل الكوب كله لكنه أيضا ذو نتائج اجتماعية انفجارية(76).

      - و اذا كان الأمر كذلك ,فان العولمة تهدف الى الحكم المسبق –باسم الواقعية- على كل مقاومة أو محاولة انشقاق.و على أساس ذلك تعتبر شعبوية كل محاولة نهوض جمهورية,كل بحث عن بدائل و كل محاولة تنظيم ديموقلراطي و كل نقد للسوق(77).ان العولمة,كايديولوجا,تهدف الى اخفاء ,خلف حداثة ما بعد صناعية,تطور سياسي رجعي بالمعنى المحدد للكلمة أي التفكيك المتصاعد للمكتسبات الديموقراطية و التخلي عن العقد الاجتماعي و العودة ,تحت غطاء التلاؤم و المنافسة,الى الراسمالية البدائية للقرن التاسع عشر حسب "اقناسيو رامونيه"(78).

      - ما هو ايديولوجي في خطاب العولمة حول الدولة ليس الحديث عن "تراجع" دور الدولة ,لأن هذا الأخير على المستوى الاقتصادي واقع لا يمكن نفيه اما الايديولوجي في ذلك الخطاب هو الحديث عن تراجع دور الدولة بصفة عامة .و هو كذلك لأن الواقع غير ذلك .ثم لأنه يهدف الى تلافي امكانية تحميل الدولة مسؤولية ما يحصل في و باسم العولمة.

      - خطاب العولمو مثله مثل كل خطاب ليبرالي أو الخطاب الليبرالي الجديد أو اقتصاد السوق أو الاقتصاد الليبرالي أو الاقتصاد الحر أو اقتصاد المنشأة الحرة كل ذلك يشكل تسميات ايديولوجية تهدف الى تعمية و اخفاء الواقعة الأساسية التالية:ان عالمنا تهيمن عليه الرأسمالية ورؤيتها الخاصة .وهي رؤية تقوم على تسليع كل شيء.وهو ما يشكل قوة الرأسمالية و سرطانها.و في الأخير فان ما يسعى الى اخفاءه خطاب العولمة الايديولوجي هو واقع يتخذ شكل عملية أخذ بالثار تاريخية تتضمن عمل "رأس المال" على استعادة التنازلات الي كان قد أجبر على تقديمها خاصة اثر الحرب العالمية الثانية في ظل موازين قوى داخلية و خارجية لم تكن في مصلحته كليا و كان يمكن أن تضع وجوده ذاته موضع تساؤل.

      لقد كانت الاشتراكية الديمقراطية و الفوردية و "النيوديل" و دولة التنمية ...الخ عملية انقاذ تاريخية من انقلاب ممكن كليا لموازين القوى في غير مصلحة "رأس المال".لأنه لولا تلك التنازلات لكان ممكنا أن تتجذر حركة الصراع الاجتماعي و كان يمكن أن تطرح وجود النظام الرأسمالي ذاته موضع تساؤل.و ما يجعل الأمر كذلك هي تناقضات الرأسمالية و منطقها ذاته.

      هوامش

      Ignacio Ramonet,Geopolitique du chaos,P69(28)

      نفس المرجع السابق ص69(29)

      فخ العولمة ص 49(30)

      Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P200(31)

      La mondialisation des anti-sociétés,collectife,P69(32)

      Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P210(33)

      Michel Beaud,Le basculement du monde,P120(34)

      نفس المرجع السابق ص 130(35)

      نفس المرجع السابق ص 130(36)

      نفس المرجع السابق ص 130(37)

      فخ العولمة ص 29(38)

      La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P70(39)

      فخ العولمة ص 31(40)

      La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P69(41)

      نفس المرجع السابق ص 70(42)

      نفس المرجع السابق ص72(43)

      Ignacio Ramonet,Géopolitique du chaos,P76,77,79(44)

      Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P42(45)

      نفس المرجع السابق ص45(46)

      قضايا إستراتيجية في المتوسط،جماعي،ص 119(47)

      Ridha Guia,Phases du capiltaliseme et histoire de la pensé économiqie ,P29(48)

      نفس الورجع السابق ص 29(49)

      فخ العولمة ص 122(50)

      فخ العولمة ص 122(51)

      فخ العولمة ص 123 (52)

      L’Etat et le marché,collectif,P8(53)

      نفس المرجع السابق ص 58(54)

      Samir amin,Critique de L’air du temp,P10et 42(55)

      Le monde ecobomique du 03/11/1998,P1(56)

      Le monde du 8/7/1998,et le le monde N°274 mars 1999,P1(57)

      Michel Beaud, Le basculement du monde,P55(58)

      Sami nair+Edgar morin,Une politique de civiisation,P64(59)

      نفس المرجع السابق ص 42و43(60)

      نفس المرجع السابق ص47(61)

      نفس المرجع السابق ص 235(62)

      La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P25(63)

      SamirAmin,L’empire de chaos,P 41(64)

      فخ العولمة ص 33 (65)

      فخ العولمة ص 33 (66)

      فخ العولمة ص33(67)

      فخ العولمة ص199(68)

      فخ العولمة ص248(69)

      فخ العولمة 199(70)

      فخ العولمة ص199(71)

      La mondialisation de l’économie et les pays mèditérranèes,RCD,p217(72)

      Malcolm waters,Globalisation,p3(73)

      نفس المرجع السابق ص101(74)

      حوار مع محمد عابد الجابري،الوحدة،8/1/1999 ص 10(75)

      Sami nair +Edgat morin,Une politique de civilisation,p47(76)

      Ignacio Ramonet,Géopolitique du chaos,p8(77)

      نفس المرجع السابق ص56و57(78)
      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق

      يعمل...
      X