إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دار الغرور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دار الغرور

    والدنيا إنما هي كأحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً وإن سرت يوماً أو أياماً ساءت شهوراً وأعواماً، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً وما حصلت للعبد فيها سروراً إلا خبأت له أضعاف ذلك شروراً، والمغرور من اغتر بها.


    الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:

    فإن الدنيا قد أقبلت علينا بزخارفها فأقبلنا نتهارش عليها ونتنافس على حطامها فأشغلت الكثير منا عن طاعة الله وعن التزود للآخرة ونسينا بها لقاء الله وانشغلنا بها عن ما أعده الله لنا بتركها والزهد فيها، ولقد حذرنا منها العليم بها فقال تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

    وقال تعالى في وصفها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64].

    وقال صلى الله عليه و سلم: «مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب استظل في ظل شجرة ثم راح وتركها» ... وروي أنه صلى الله عليه و سلم مر بشاة ميتة شائلة رجلها فقال: «أترون هذه هينة على صاحبها فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»، وقال صلى الله عليه و سلم: «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً» .

    ولحقارة الدنيا وهوانها على الله فقد زواها عن أحب الخلق إليه وأكرمهم عليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه و سلم، ولو كانت خيراً لساقها إليه ولأسلمها ذليلة بين يديه، ولكن لكرمه عليه ولهوانها عنده حجبها عنه ونزعها منه، وهو القائلصلى الله عليه و سلم : «والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» . ومع أنه أحب الخلق إلى الله إلا أن الجوع أحياناً يبلغ منه مبلغاً عظيماً يضطره للخروج من بيته لايخرجه إلا بطنه الخاوي وكبده العطشى. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً، وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم الشعير ". وليته صلى الله عليه و سلم قد شبع من خبز الشعير.

    تقول عائشة رضي الله عنها: " ما شبع رسول الله صلى الله عليه و سلم من خبز الشعير يومين متتاليين حتى قبض " الله أكبر ما شبع من خبز الشعير الذي يعطى في هذا الزمن للحيوانات. فماذا نقول نحن عن هذه النعم التي بين أيدينا؟ هل أدينا شكرها. اللهم لا تبتلينا فتفضحنا فإنا ضعفاء، ووفقنا لشكر نعمتك، وتقول عائشة رضي الله عنها لعروة رضي الله عنهما: " والله يا ابن أختي إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم نار، قال: قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء ".

    والدنيا إنما هي كأحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً وإن سرت يوماً أو أياماً ساءت شهوراً وأعواماً، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً وما حصلت للعبد فيها سروراً إلا خبأت له أضعاف ذلك شروراً، والمغرور من إغتر بها.

    أحلام نومٍ أو كظلٍ زائلٍ *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع

    قال علي بن أبي طالب يصف الدنيا: " حلالها حساب وحرامها عذاب" . أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، عيشها نكد، وصفوها كدر، والإنسان منها على خطر، إما نعمة زائلة، وإما بلية نازلة، وإما مصيبة موجعة، وإما ميتة قاضية.


    قد نادت الدنيا على نفسها *** لو كان في العالم من يسمع

    كم واثق بالعمر أفنيته *** وجامع بددت ما يجمع


    وإن من يرى تهافت الناسب على الدنيا والفرح بها والجري وراء حطامها ليتعجب أشد العجب، فهل هذا منتهى آمالهم ومبتغى آجالهم، كأنهم ما خلقوا إلا لتحصيلها وجمعها واللهث ورائها، ففيها يتخاصمون ومن أجلها يتقاتلون وبسببها يتهاونون أو يتركون كثيراً من واجباتهم. ترى الكثير منهم مهموم مغموم في أمور الدنيا، يعيش في هم وغم وتكدر عيش لو فاته شيئاً منها أو لو غلب في دريهمات قليلة أو نقص من ماله شيء يسير، ولا يتحرك له طرف إذا فاته شيء من أمور دينه أو فاتته مواسم الخيرات أو ساعات تحري الإجابات.

    يقول ابن القيم رحمه الله:

    " وأعظم الخلق غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها، فآثرها على الآخرة ورضي بها بديلاً من الآخرة، حتى يقول بعض هؤلاء: الدنيا نقد والآخرة نسيئة، والنقد أنفع من النسيئة، ويقول بعضهم: ذرة منقودة ولا دُرة موعودة، ويقول آخر منهم: لذات الدنيا متيقنة ولذات الآخرة مشكوك فيها ولا أدع اليقين للشك وهذا أعظم تلبيس الشيطان وتسويله، والبهائم والعجم أعقل من هؤلاء، فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت، وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر إليه، وهو بين مصدق ومكذب، فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله صلى الله عليه و سلم ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم، وان لم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه و سلم فأبعد له " انتهى.

    قال صلى الله عليه و سلم لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما يحثه على الاستعداد للآخرة وعدم الركون إلى الدنيا: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر يقول: " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ".

    ولقد توعد الله من غرته الدنيا وآثرها على الآخرة فقال عز من قائل: {فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39]. وقال تعالى: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8].

    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ويل لمن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله، عظيم بطنته قليل فطنته، عالم بأمر دنياه جاهل بأمر آخرته ".

    لا تأسف على الدنيا وما فيها *** فالموت لاشك يفنينا ويفنيها

    واعمل لدار البقاء رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن بانيها


    قال الحسن البصري: " عجبت لقوم أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون ".

    وقال بعض الحكماء: " عجبت ممن يحزن على نقصان ماله، ولا يحزن على نقصان عمره، وعجبت من الدنيا مدبرة عنه والآخرة مقبلة عليه، كيف يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة ".

    يقول ابن القيم: " من أراد أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل، وبأي شغل يشغله ". ولننظر أخي الحبيب إلى مكانتنا من الله وبماذا استعملنا؟ إن كان في طاعته وعبادته فتلك والله النجاة بإذن الله، وإن كان غير ذلك فالتوبة من قريب، ألا نستحي من إلاهنا وخالقنا ورازقنا، من أحسن صورنا وسخر لنا النعم ظاهرة وباطنة، أن نستعمل نعمة في معصيته.

    إخواني: تفكروا في الحشر والميعاد، ودعوا طول النوم والرقاد، وتفقدوا أعمالكم، فالمناقش ذو انتقام، إن في القيامة لحسرات، وإن عند الميزان لزفرات، فريق في الجنة وفريق في السعير، ففريق يرتقون إلى الدرجات، وفريق يهبطون إلى الدركات وما بينكم وبين هذا الأمر إلا أن يقال فلان قد مات، يامن كان له قلب فمات يامن كان له وقت ففات، أشرف الأشياء قلبك ووقتك، فإن أنت ضيعت وقتك، وأهملت قلبك فقد ذهبت منك الفوائد، إن كنت تبكي على ما فات فابك على فرقتك، وإن كنت تبكي على ما مات فابك على قلبك.

    أخي الحبيب: إن عاشق الدنيا ومحبها الذي يؤثرها على الآخرة من أسفه الخلق، وأقلهم عقلاً إذ آثر الخيال على الحقيقة، والمنام على اليقظة، والظل الزائل على النعيم الخالد والدار الفانية على الدار الباقية، وباع حياة الأبد في أرغد عيش بحياة إنما هي أحلام نوم أو كظل زائل، وإن اللبيب بمثلها لا يخدع.

    قال يوسف بن عبيد: " ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم فرأى في منامه ما يكره وما يحب فبينما هو كذلك إذ انتبه ".

    وليس ذم الدنيا والتحذير منها والتزهيد في تحريم حلالها أو المنع من المشي في مناكبها والسعي في سبلها والتكسب فيها، فهي مزرعة الآخرة وهي المحطة التي يتزود منها المؤمن للآخرة بالأعمال الصالحة. ولكن التحذير هو من أن يفتتن الإنسان بها وينشغل بها عن التزود للآخرة.

    أخي الحبيب: في يوم من أيام الحياة ستدبر الدنيا وتقبل الآخرة، وما كان بعيداً أضحى قريباً، وما كنت تراه في الذاهبين سيراه الأحياء فيك، موت فجأة، أو مرض بغتة، أو أنت على فراشك تُحمل إلى قبرك، إنها عبر تُرى ومصارع تترى ونحن في غفلتنا نائمون وفي غينا تائهون، هل تذكرت أخي من مات بغته، وأُخذ فجأة، هل اعتبرت بمن تم أجله وانقطع عمله؟ إن الموت الذي تخطاك إلى غيرك سيتخطى غيرك إليك، ولقد رأينا والله من يملك الدنيا رحل منها بكفن، ورأينا من لايملك من الدنيا شيء رحل بكفن تساوى الجميع عند هذه الحفرة ـ القبر ـ واختلفوا في داخلها، فإما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار.

    قال سلمان بن دينار: " ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم ".

    ولما علم أولو العقول والنهى أن الله عز وجل قد أهان الدنيا ولم يرضها لأولياءه وأنها عنده حقيرة ذليلة، وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم زهد فيها وحذر أصحابه منها، عندما علموا ذلك أخروا منها ما يكفي وتركوا ما يُلهي، ونظروا إلى الدنيا بعين فاحصة فعلموا أنها فانية، ونظروا إلى الآخرة فعلموا أنها باقية فتزودوا من الدنيا كزاد الراكب وما بقي عمروا به الآخرة، ثم تفكروا ملياً في أمر الآخرة فارتحلوا إليها بقلوبهم قبل أن ترحل إليها أبدانهم.

    يقول ابن الجوزي رحمه الله:

    " يا هذا: الدنيا ورائك والآخرة أمامك، والطلب لما ورائك هزيمة، إنما يُعجب بالدنيا من لا فهم له، خُلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها، ولتعبرها لا لتعمرها، فلا تفرح بما يأتيك منها فإنك ستحزن عليه عند فقدانه، وبقدر الإلتذاذ يكون التأسف، ومن فعل ما شاء لقي ما شاء" أ.هـ.

    غداً توفى النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا

    إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤا فبئس ما صنعوا



    وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
    ولاتؤاخذني بما يقولون
    واغفر لي مالا يعلمون

  • #2
    رد: دار الغرور

    [center]لا تأسف على الدنيا وما فيها *** فالموت لاشك يفنينا ويفنيها

    واعمل لدار البقاء رضوان خازنها *** الجار أحمد والرحمن بانيها

    غداً توفى النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا

    إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤا فبئس ما صنعوا


    موضوع رائـــع كما عودتينى....
    فان منا من يعيش الدنيا ويظن انه باقى لها ولا يفكر ولو للحظة ان هناك دار اخره لابد ان يعمل لها حتى لا يخسر الدنيا والاخره معاً

    اللهم أتينا فى الدنيا حسنه وفى الاخرة حسنه وقنا عذاب النار

    تحياتى لكـــى غاليتى...
    [/center]
    http://www.wahitalibdaa.com/picture....1&pictureid=14

    تعليق


    • #3
      رد: دار الغرور


      ابنتى الغالية
      مصرية جدا
      اشكر تواجدك بين متصفحي
      دمت بكل ود ووفقك الله
      اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
      ولاتؤاخذني بما يقولون
      واغفر لي مالا يعلمون

      تعليق

      يعمل...
      X