إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التصوف في حياة خير الدين الأسدي - «أغاني القبة» نموذجاً..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التصوف في حياة خير الدين الأسدي - «أغاني القبة» نموذجاً..

    خير الدين الأسدي




    المحتويات

    ال
    مقدمة
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    التصوف في حياة الأسدي


    لاشك أن حادثة عام 1923 التي فقد فيها الأسدي كفه اليسرى قد تركت في حياته انقلاباً، فازداد انطواءً على نفسه، وازداد بحثاً عن خلاصة الفكر وجوهر الحقائق، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن هذه الحادثة كانت إحدى أهم العوامل والأسباب التي جعلته يعرض عن الزواج، والتي جعلت الأقاويل تزداد عليه همساً وعلناً، وزادت أيضاً في محاولة البعض السخرية منه وإهانته!!.

    يقول الأديب عبد الفتاح رواس قلعه جي: «أخذت حالات الشك والإنكار تمر به إلا أن بديلاً كان يتبلور في نفسه يتمثل في نزوع إنساني عميق انتهى إلى منعطف كبير في حياته وفكره نقدر أنه بدأ قبل الحادثة المشؤومة وتأكد بعدها.

    وفي أواخر عمر والده مال إلى الاتجاه الصوفي، وأعلن الأسدي امتناعه عن أكل اللحم ومشتقاته مكتفياً بالأغذية النباتية. إن قراءاته المتعمقة للمعري وفلسفته، واطلاعه على الفكر الهندي والمجاهدة التي كان المتزهدون والمتصوفة والهندوس يأخذون أنفسهم بها هيأته لاتخاذ هذا القرار. ولما أصبح طريح الفراش أجبره الطبيب على تناول اللحم».

    وعلى هذا يجمع الباحثون في حياة الأسدي على أربع مراحل أساسية في تطوره الروحي:
    الأولى: مرحلة التدين بتأثير أبويه ونشأته.

    الثانية: مرحلة البهائية إذ تعرَّف على أحد البهائيين الحلبيين (مجد الدين الحلبي) الذي كان يعلم اللغة التركية معه في الفاروقية ويسكن معه في حي الجلوم. وهي مرحلة نباتية امتنع فيها عن أكل اللحوم واقتصر على النباتات متأثراً بالمذاهب الهندية وفلسفة أبي العلاء.

    الثالثة: مرحلة الإلحاد. وهي مرحلة الشك في الموروثات الإيمانية حيث انتهى به المطاف إلى نفي كل الرسالات السماوية.

    الرابعة: مرحلة التصوف نتيجة لزيارته بغداد وإيران. ويبدو أن إيمانه في هذه المرحلة اقتصر على الإيمان بالله، وعلى معتقدات المتصوفة من حلول ووحدة وجود واتحاد.


    أغاني القبة




    «أغاني القبة» نموذجاً


    لعل رائعته هذه تذكرنا بشعر « محمد إقبال» شاعر باكستان العظيم، ومتصوفها الكبير، وذلك السحر الذي يصدح بموسيقى سماوية، عنوانها « أغاني القبة».

    يذكّرنا أيضاً بشعر «كبير» الصوفي الهندي الذي كان ينخطف في شعره إلى عوالم من السناء والنغم العلويين!!.
    لا يخفي الأسدي تأثره بالمتصوفة عموماً، ومتصوفة إيران خصوصاً، فلقد اتخذ في هذا العمل مرشده وملهمه الروحي « حافظ الشيرازي»، ونحن لا ننسى تجربة الأسدي القاسية حين خسر أسهمه في معمل الغزل والنسيج بعد تأميمه، كيف دخل في تجربة عيانية للفارابي الذي أخذ يشدّ من أزره، ويؤازره في محنته.

    ويذكر الأستاذ جميل منصور: « لقد جعل الشاعر غوته كبير شعراء ألمانيا - وأحد أعمدة الشعر الأربعة في العالم حسب أقوال النقاد العالميين، والثلاثة الآخرون هم: "هوميروس، ودانتي، وشكسبير"- من حافظ الشيرازي دليلاً يهديه في قفار الشرق الواسعة».

    وعلى النحو نفسه، اتخذ الأسدي من «حافظ الشيرازي» دليلاً له في عالم الغيب والنشوة الصوفية. وفي هذا نسمع الأسدي يقدم ديوانه هذا بقوله: «هذه نفحات من الشعر الصوفي المنثور، ارتفعت عن دنيا اليقظة، كما ارتفع الموضوع عن دنيا الهيولى، وأرسلتها الغيبوبة الغارقة نثرات من رفاه الحب، وجَوَاه إلى ساحة ما وراء الطبيعة».

    ثم يقول: «لقد جهد الوعي كثيراً في ترتيب ما التقطته عدسة الغيبوبة وما وضعته، ولعل هذه الإثارة من بقاياها التي لم يذلّلها الوعي.

    جعلتُ هذه النفحات مقطوعات، دعوتُ كلاً منها "سورة" أي "أغنية" وأوردتها على لسان حافظ الشيرازي: لسان الغيب – كما لقّب – وزعيم الشعر الصوفي، وملهمي وأستاذي، كما ألهم وعلم قبلي غوته، أوردتها على لسانه – وإن كان الأكثر منها لا ينتمي إليه».

    أما الجو الخاص الذي كان الأسدي يضع نفسه فيه قبل أن يشرع في كتابة قصائده، فهو ما يشير إليه الأديب عبد الفتاح رواس قلعه جي قائلاً:
    «قال لي طبيبه وصديقه إحسان الشيط: إنه كان يأخذ نفسه بصوم قاسٍ فيمتنع عن الطعام والشراب أياماً، يعتزل فيها الناس، وينقطع إلى التفكير متخففاً من ثيابه حتى إذا بلغ منه الوهن الجسمي مبلغه، وبتأثير الجوع والظلام والسكينة رقي إلى أعلى درجات الصفاء الروحي، وأحس أنه ينخلع من ناسوته ليغرق في غدير الحب الإلهي، وخُيِّلَ إليه أنه يسمع موسيقا علوية تنحدر من مواطن النجوم، وأن الغرفة تغرق في الأنوار السماوية، ويظل على هذه الحالة حتى يسمع وقع خطوات رابعة العدوية في السماء، وعلى ايقاعاتها يبدأ رحلة القصيدة في حالة بين الصحو واليقظة، بعيداً عن أسر الإحساس بالزمان والمكان، والأنا التي أضناها الشوق، والتي تفنى في الصمدية، تنهمر عليه كلمات القصيد وتتشكل أمام عينيه: كوَّتي الغيب، والرؤى الشعرية».

    ذكرنا تأثره بمتصوفة ايران وشعرائها (حافظ الشيرازي مثلاً) ، وسيمر معنا جلال الدين الرومي، وأخيراً وليس آخراً، بوسعنا أن نجد تناظراً أو توازياً في الخط العام بين عمل خير الدين الأسدي هذا وعمل متصوف نيسابور الكبير فريد الدين العطار في كتابه «منطق الطير» الذي يتحدث فيه عن رحلة الطير مروراً بسبعة أودية بدءاً بوادي الطلب، وهذا الوادي نجد نظيره عند الأسدي في السورة الأولى من كتابه، وهي «سورة المَدْرَجِ» وهي بدء درب السالك. وسنرى أخيراً كيف ينهي الأسدي كتابه في «سورة الفناء» في حين ينهي العطار رحلة الطير أو تمامها في الوادي السابع، ويسميه وادي الفقر والفناء.

    عند هذا الحد نستطيع أن ندلف في دراسة متواضعة لعوالم الكتاب:
يعمل...
X