إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العلامة خير الدين الأسدي ..سيرة حياته .. تعليمه..العلاقة بين الوالدين..خصال الأسدي..عمله..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلامة خير الدين الأسدي ..سيرة حياته .. تعليمه..العلاقة بين الوالدين..خصال الأسدي..عمله..

    خير الدين الأسدي





    المحتويات

    المقدمة



    العلامة خير الدين الأسدي
    من أرشيف د. ناهد كوسا



    مقدمة


    قد يتساءل المرء، هل ثمة ملائكة في ثياب بشر؟!

    قد تصعب الإجابة، لأن البشر مزيج من الغرائز الحيوانية، واللواعج الإنسانية، والأشواق الإلهية. ومن أراد منهم التصرف كملاك ينتهي ليتصرف كحيوان، لأنه تجاهل طبيعته الإنسانية التي هي ليست بالملاك ولا بالحيوان، كما كان قد أشار باسكال المتصوف الرياضي!!.

    وعلى هذا، يظهر أحياناً أناس لهم طبيعة الملائكة، فيعبُرون فيما بيننا كالنسيم، بالكاد يتركون أثراً لخطواتهم الرقيقة، بالكاد نسمع لهم جَلَبَة أو ضوضاء!!.

    مع العلاّمة خير الدين الأسدي أشعر أني قريبٌ من ملاك هادئ يفيض قلبه نوراً. فهو، وإن اخترق الحزن قلبه مرات ومرات، كان أولها طلاق والدته ثم وفاة والده ثم والدته، وأخيراً خسارته لأسهمه في معمل النسيج!!، كما نال الألم منه حتى الصميم حين بُتِرَتْ كفه اليسرى، ومع ذلك، لم ترتفع منه كلمه «آه». وأكثر من ذلك، فقد تطاول عليه بعض أبناء أحياء حلب بإهانته والسخرية منه، ولم ترتفع منه كلمة شكوى أو تذمّر. ورغم هذه الإحباطات الهائلة التي حاقت به، فقد أكبّ على عمله وبحوثه حتى أراق دم قلبه في موسوعته الكبيرة «حلب المقارنة»!!.

    عاش وحيداً، ومات وحيداً، تاركاً لنا أنغاماً علوية تصدح في رائعته «أغاني القبة». فلتكن ملائكة الله معه.




    سيرة حياته [1]




    ولادته وأبواه


    وُلِدَ محمد خير الدين الأسدي عام 1900م في حي الجلوم الواقع داخل السور، وهو واحد من أقدم أحياء حلب. أبواه حلبيان هما الشيخ عمر رسلان «أسد»، واسمه شماع. أما والدته فكانت من أسرة كلها تجار، أما والده فكان من رجال الدين، وعمل أستاذاً للصرف واللغة العربية في المدرسة العثمانية الكائنة في باب النصر والمدرسة الخسروية الكائنة بالقرب من مدخل القلعة.


    خير الدين الأسدي
    حوالي الأربعينيات من القرن السابق
    من أرشيف د. ناهد كوسا




    تعليمه


    تلقى خير الدين تعليمه الأول في «مكتب شمس المعارف» الذي أنشأته الحكومة العثمانية قرب القلعة عام 1904، وكان عدد طلابه آنذاك لا يتجاوز السبعين طالباً وفيه تُدَرَّس اللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية والإنكليزية. أما التركية فكانت اللغة الرسمية الأولى، والعربية لغة ثانوية. وكان الطفل يلبس الطربوش على الرغم مما يلاقيه من اللوم والاستنكار لهذا الزي. وفي عام 1907 تم تأسيس المدرسة العثمانية أو الرضائية.

    وكان الأسدي يتردد على العثمانية بين الحين والآخر كطالب مستمع حيث كان يعلّم والده، ثم ما لبثت أن أصبحت كعبته يدرس فيها العربية ويتبحر، وقد ضمت المدرسة العثمانية فحول العلماء في النحو والبلاغة والفقه والتفسير والحديث وأصول الدين، وكان أبرزهم الشيخ بشير الغزي للنحو، والشيخ محمد الزرقا للفقه وعلوم الدين، وكان خير الدين يتابع تحصيله بشكل رسمي في المدارس التركية حتى بلغ «الرشدية» التي تقابل الثانوية اليوم. إلا أن والده الشيخ عمر أخرجه نهائياً من الرشدية وألحقه بالمدرسة العثمانية فأعطي غرفة فيها وأصبح مجاوراً كسائر المجاورين الذين نزلوا فيها.



    المدرسة العثمانية في حلب
    بعدسة د. ناهد كوسا


    ثم ما لبث أن تابع تحصيله العلمي معتمداً على نفسه بالمطالعة الخاصة. وكانت أمه تنفق عليه بسخاء وهو يشتري الكتب، حتى أسس وهو في العشرين من عمره مكتبة ممتازة ساعدته على التبحّر في جزئيات المسائل النحوية واللغوية.


    العلاقة بين الوالدين


    لم تكن العلاقة بين الشيخ عمر وزوجته ودية صافية على ما يبدو، ولهذا كان لا بد أن تتوتر الأجواء في العائلة بين الحين والآخر، إلى أن انتهت أخيراً إلى الطلاق، وتلك أولى الصدمات التي تلقاها خير الدين وهو في سن المراهقة. وحتى خلال سنيّ الطفولة الأولى كان الشيخ عمر كثيراً ما يترك البيت في رحلات إلى الأماكن المقدسة ليقضي فريضة الحج ويمكث فترة إلى جوار قبر الرسول (ص)، لقد كانت أمنيته الكبرى أن يجاور حبيبه محمداً (ص)، وقد تحققت هذه الأمنية بعد زواجه الثاني حيث بقي مدرساً في الطائف سبع سنوات عاد بعدها إلى حلب عام 1937.

    ودفع اعتزاز الوالد بالعربية وشغفه بها إلى تغيير كنية العائلة من «رسلان» إلى «أسد»، ورسلان كلمة تركية تعني أسد، وأضاف خير الدين إليها ياء النسبة في تصدير مؤلفاته فأصبحت «أسدي».
    ولم تلبث أن تزوجت والدته وانتقل الفتى مع أمه ليسكن معها في حي العقبة. وعلى هذا التل كان يقف الساعات مستشرفاً بساتين حلب الممتدة حتى جبل الشيخ محسن.

    خصال الأسدي


    استطاع الأسدي أن ينهل الثقافة الشعبية بالمعايشة، وبحكم ولادته في حي شعبي. ونشأ بالتالي نشأة عربية سليمة، وقد دعي مرة إلى الاشتراك مع لجنة لتتريك أسماء القرى العربية فأبى. وكان عصامياً يبني نفسه بنفسه، وينفق كل ما يكسبه في شراء الكتب واقتناء التحف منذ حداثته، حتى أسس مكتبة تعد من أضخم المكتبات الخاصة في المدينة أشار إليها الفيكونت دي طرازي في كتابه بقوله: «تعد مكتبة الأسدي العصامي من أكبر الخزائن في سورية ولبنان»، وبدأت تتحصل لديه ثقافة موسوعية أهلته للتدريس في مدارس عديدة.

    ولما نزح الأتراك عن البلاد كان من أوائل معلمي اللغة العربية، وكان يُرْغِم طلابه على التحدث بالعربية الفصحى. ولم تفرح البلاد طويلاً باستقلالها، إذ سرعان ما ران عليها الاستعمار الفرنسي.


    خير الدين الأسدي




    عمله


    بدأ حياته التدريسية معلماً في المدرسة «العربية» في عام 1918م التي اشتهرت بدقة نظامها، ثم علم في المدرسة «الشرقية» ثم في المدرسة «الفاروقية»، وخلال هذه الفترة ألف كتابه المدرسي «قواعد الكتابة العربية» عام 1341هـ.

    في عام 1922م كان أول من خلع الطربوش قائلاً: «لم يسبقني إلى خلعه أحد، وكان الناس يتغامزون ويقولون أنني جننت، ويقول آخرون: هذا كفر وزندقة».

    وكان به ميل إلى المسرح والتمثيل، فأنشأ لطلابه مسرحاً، وفي عام 1923م قرر إخراج مسرحية «الاستقلال»، فقد كان لا يعدم وسيلة ينمّي بها في طلابه حب الاستقلال والحرية، ويزرع بذور الثورة على الاستعمار في قلوبهم، وبدأ تدريب طلاب المدرسة الفاروقية على المسرحية، وفي يوم العرض وضع في كيس كمية من البارود الذي يستعمله الأطفال في مسدساتهم، وأخذ يوزعه على الطلاب قبل ظهوره على خشبة المسرح حرصاً على أن يكون جو المعركة أقرب إلى الحقيقة، وفجأة انفجرت في يده قطعة من البارود أدت إلى التهاب الكيس بأكمله، وأصيب في يده كما أصيب بعض الطلاب. لكنه طلب من طلابه إكمال العرض، ثم أغمي عليه. وبعد أيام كان قد فقد كفه اليسرى بعد مداواة فاشلة.

    كانت هذه الحادثة انقلاباً في حياته، فازداد عكوفاً على البحث، وانطواءً على نفسه، وانسحب إلى مكتبته التي كانت تنمو بسرعة يعبّ فيها خلاصة الفكر وجوهر الحقائق. وقد ترك التدريس في الفاروقية نهائياً بعد الحادثة مباشرة.

    وأخذ يدرس اللغة العربية في مدرسة «الهايكازيان» الأرمنية حيث لقي فيها التقدير، وعرَّبَ مع زميل له (تشيستويان) ملحمة عروج أبي العلاء للشاعر الأرمني اسحاقيان، ثم ما لبث أن تعاقد أيضاً مع الكلية العلمانية (اللاييك) التي سميت فيما بعد المعهد العربي الفرنسي.
يعمل...
X