إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المبدع عزيز نيسين (1915- 1995) أومحمد نصرت نيسين..الكاتب التركي الساخر -قصتي.. ترجمة : أوزجان يشار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المبدع عزيز نيسين (1915- 1995) أومحمد نصرت نيسين..الكاتب التركي الساخر -قصتي.. ترجمة : أوزجان يشار



    عزيز نيسين

    من ويكيبيديا

    عزيز نيسين
    ولد 1915
    استانبول
    توفى 1995
    المهنة أديب

    عزيز نيسين (1915- 1995)اسمه الحقيقي محمد نصرت نيسين من مواليد تركيا عام 1915 في جزيرة قرب استانبول واستخدم اسم عزيز نيسن الذي عرف به فيما بعد كأسم مستعار كنوع من الحماية ضد مطاردات الأمن السياسي في تركيا ورغم ذلك فقد دخل السجون مرات عديدة يعتبر عزيز نيسن واحد من أفضل كتاب ما يعرف بالكوميديا السوداء في العالم أو ما تسمى بالقصص المضحكة المبكية و المضحك المبكي في حياته انه وبرغم شهرته الواسعة في كل ارجاء العالم كمبدع فذ إلا أن بلده الأم تركيا لم تعطه من حقه سوى القليل توفي عزيز نيسن في تموز عام 1995

    مسيرة عزيز نيسين

    ولد محمد نصرت نيسين (20 / كانون الأول / 1915 )– وهذا اسمه الحقيقي – في إحدى الجزر القريبة من استانبول، والواقعة في بحر مرمرة لعائلة فقيرة.

    في عام 1935: أنهى الإعدادية العسكرية ،وفي نفس العام دخل الكلية الحربية وتخرج منها في العام 1937 1939: تخرج من الكلية العسكرية الفنية ، برتبة ضابط في الجيش. و خلال نفس الفترة درس لمدة عامين في كلية الفنون الجميلة.

    العلاقة بين عزيز نيسين وأمه



    العلاقة بين عزيز نيسين وأمه تشوبها الدراماتيكية ، حيث تركت أثرها في مخيلته منذ كان طفلاً و سطرت منهجه الفكري بخطوط حزينة أخذت شكل السخرية السوداء الناقمة على التخلف البغيض و النفاق المستشري في المجتمع التركي آنذاك .. لقد جاءت كتابات “عزيز نيسين” عن أمه بقدر عظيم من التبجيل و الحب الذي وصل إلى درجة عالية من القدسية يتجلى ذلك من خلال منحها هالة ملائكية جميلة, فقد كانت هذه الهالة الملائكية المحفز القوي له في معترك كفاحه الطويل ضد قوى الظلام و الجهل و التخلف. ما بين المساحة الملائكية المقدسة التي أحاطها بها و ما بين قلة الحيلة و جلد الذات لتقصيره بحقها حيث الوقت الذي لم يسعفه كما ينبغي لكي يمنحها حقها كما يجب في زمن كانت المرأة فيه لا شيء سوى وعاء إنجاب.. يبدو جلياً حجم جلد الذات و الشعور بأن والدته ضحية مجتمع أهان كينونتها و إنسانيتها عندما قال نيسين “اعتدت تخيل أمي البالغة من العمر الثامنة عشر عاماً فقط وهي تطرز و لكن ليس بالخيوط الملونة، بل كانت تطرز بدموعها والنور المشع من عينيها. لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي, كل كتبي وكل ما سأكتبه”.

    لقد تجلى وضع “عزيز نيسين” أمه في الإطار الملائكي في سرده عن حادثة الزهور ، حيث يقول: “لم تكن أمي تستطيع القراءة ولا الكتابة. إلا أنها كانت سيدة غاية في رقة المشاعر والإحساس. إن كل الأمهات هن أفضل نساء العالم . وأمي، لأنها أمي، كانت أفضل امرأة في العالم.في إحدى المرات ، قطفت زهوراً من الحديقة وأحضرتهم لها . كانت سعيدة بتلك الزهور . قالت لي:” تعال ، دعنا نقطف المزيد” . ذهبنا إلى الحديقة التي بها أشرت إلى بعض الزهور. قالت لي:” أنظر، لجمال الزهور، إن تلك الزهور تعيش كما نعيش نحن أيضاً. إذا قطفناها تموت. إنها ستكون أجمل وهي هكذا واقفة على ساقها. ولن يبدو عليها الجمال وهي في كوبٍ زجاجي . كلما مررنا بكل زهرة كانت تخبرني:” أقتلها ، أقطفها لو أردت ذلك “. مهما تعلمت وما من شيء جيدٍ أعرفه، فأعزوه إلى أمي.

    أما الغضب و قلة الحيلة و الثورة على التخلف و الجهل الذي عامل المجتمع التركي النساء فإنه تجلى في إحدى قصائده “نيسين” النادرة...

    أنت الأجمل من بين كل الأمهات.. أنت الأجمل من بين أجمل الأمهات.. في الثالثة عشر كان زواجك في الخامسة عشر كانت أمومتك.. في السادسة والعشرين جاءت منيتك.. هكذا قبل أن تعيشي كم أدين إليك بهذا القلب المليء بالحب فأنا لا أملك حتى صورتك كانت خطيئة أن تكون لكِ صورةً فوتوغرافية لم تشاهدي الأفلام ولا المسرحيات ولم تشهدي الكهرباء ولا الغاز ولا الموقد الكهربائي ولم توجد أغراض البيت ومستلزماته لديك لم تسبحي في البحر يوماً لم تستطيعي القراءة ولا الكتابة ولكن من وراء حجابٍ أسود كانت عيناك الجميلتان تنظران إلى العالم. أتتك المنية وأنتي في السادسة والعشرين، قبل أن تعيشي من هنا أقول: لن تموت الأمهات قبل أن يعشن هذا ما كان عليه الأمر أما الآن فهذا ما يصير إليه الأمر.

    ” لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي, كل كتبي وكل ما سأكتبه”.

    يقول عزيز نسين عن بداياته


    (كنت عسكرياً في قارص وكنت أكتب الشعر والقصص القصيرة، ولما كانت كانت كتابة العسكريين غير مستحبة استعملت منذ ذلك الوقت اسم " عزيز نيسين " المستعار، وصرت أنشر قصصي القصيرة بهذا الاسم في مجلة ( الأمة ) اليمينية ، التي كانت تصدر في أنقرة ، ثم صدرت هذه القصص فيما بعد عن دار ( الرجل الجديد )، أما أشعاري فقد كنت أنشرها منذ عام 1937 باسم وديعة نيسين في مجلة ( الأيام السبعة ) ، وبسبب سجني عام 1944 سُرحت من الجيش،فجئت إلى استانبول وعملت في مجلة ( Yedigün ) وكانت بداياتي الصحفية )

    · كتب في العديد من الصحف التركية ومنها ( الأراجوز والفجر .. ) كما عمد إل إصدار مجلة أسبوعية خاصة به باسم ( السبت ) لم تستمر أكثر من ثمانية أسابيع. · كانون الثاني/ 1946: تمكن بالتعاون مع الأديب التركي صباح الدين علي من إصدار جريدته الشهيرة ( ماركو باشا ) التي وصلت مبيعاتها إلى ( 60000 ) نسخة يومياً . · 1946 :اعتقل بسبب مقالاته في الجريدة التي سبق ذكرها. · 1947 :حوكم أمام محكمة عسكرية عرفية وحكم عليه بالسجن عشرة أشهر وبالنفي إلى ( بورصة ) ثلاثة أشهر ونصف بعد انقضاء المدة ، وذلك بسبب انتقاده في أحد مقالاته للرئيس الأمريكي هنري ترومان.

    وأغلقت على إثر مواقفه هذه جريدة ( ماركو باشا ) مع اعتقال صاحبها عزيز نسين،فعاود إصدارها باسم ( معلوم باشا ) وهكذا راح عزيز نسين يعيد إصدار المجلة مع تغيير اسمها في كل مرة يتم فيها اعتقاله و إيقاف الجريدة عن الصدور. :أكثر من فمن معلوم باشا إلى مرحوم باشا، ثم علي بابا، ثم باشاتنا ، ثم ماركو باشا الحر ، وأخيراً جريدة مَدَدْ. · 1950: حكم عليه بالسجن ستة عشر شهراً بسبب ترجمته لأجزاء من كتاب ماركس. · 1951 : خرج من السجن لكنه لم يجد عملاً في الصحافة، فعمد لفتح دكان لبيع الكتب لكنه لم ينجح · ( 1952 -1954 ) : عمل مصوراً. · 1955 : اعتقل من دون يعرف سبب اعتقاله وأمضى بضعة أشهر في السجن. · 1956 : نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا. · 1956 : أسس بالاشتراك مع الأديب التركي كمال طاهر داراً للنشر باسم ( دار الفكر) لكنها احترقت في العام 1963 مع آلاف الكتب التي كانت بداخلها. · 1957: نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا ( للمرة الثانية على التوالي ). · تشرين الثاني / 1966 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في القاهرة ( عاصمة جمهوية مصر العربية ). ·
    1966 : نال جائزة القنفذ الذهبي من بلغاريا.
    16 / نيسان / 1967: انتخب نائباً لرئيس اتحاد الأدباء الأتراك، ثم انتخب رئيساً لنقابة الكتاب الأتراك بعد تأسيسها. ·
    أيار / 1967 : شارك في مؤتمر اتحاد الكتاب السوفييت في موسكو . ·
    1968 : نال الجائزة الأولى في المسابقة التي أجريت في تركيا تخليداً لذكرى الشاعر الشعبي ( قراجه أوغلان ) عن مسرحياته ( ثلاث مسرحيات أراجوزية). ·
    1969 : نال جائزة التمساح الأولى من الاتحاد السوفيتي. · 1969 : نال جائزة المجمع اللغوي التركي عن مسرحيته ( جيجو ).
    1975: نال جائزة اللوتس الأولى من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا · أنشأ عزيز نيسين وقفاً نذر له ريع كل أعماله الأدبية، وكانت مهمة هذا الوقف رعاية الأطفال الأيتام حتى آخر مراحل الدراسة الجامعية ، وتأمين عمل أو مهنة لمن تعثر منهم في دراسته ،وقد استقبل هذا الوقف أول فوج من الأطفال الأيتام في أواخر العام 1977.
    1979 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في لواندا ( عاصمة أنغولا ).
    1982 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في هانوي ( عاصمة فيتنام ) .
    6 / تموز 1995 : توفي عزيز نيسين إثر إصابته بالسكتة القلبية .

    الجوائز التي نالها


    -جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا عام 56، 1957

    -جائزة القنفذ الذهبي من بلغاريا

    -جائزة التمساح الأولى من الاتحاد السوفيتي 1969

    -جائزة اللوتس الأولى من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا 1975

    - الجائزة الأولى عام 1968م على كتابه (ثلاث مسرحيات أراجوزية)

    - جائزة المجمع اللغوي التركي عام 1969

    اعماله


    1 - لا تنسى تكة السروال

    2 - خصيصيا للحمير

    3 - اسفل السافلين

    4 - الطريق الطويل

    5 - الفهلوي (زوبك)

    6 - مجنون على السطح

    7 - الهداف

    8 - صراع العميان

    9 - آه منا نحن معشر الحمير

    10- الحمار الميت لا يخاف الذئب

    11- سر نامة

    12- الطريق الوحيد

    13- بتوش الحلوة

    14- قطع تبديل للحضارة

    15- الاحتفال بالقازان

    16- يحيى يعيش ولا يحيا

    المسرحيات

    1 - وحش طوروس

    2 - ثلاث مسرحيات اراجوزية

    3 - جيجو.

    4 - حرب المصفرين وماسحي الجوخ.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
    قـصّــــــتي ...
    الكاتب التركي الساخر
    عزيز نيسين (1915 – 1995)

    ترجمة : أوزجان يشار


    ولد أبي في إحدى قرى الأناضول ، رحل في سن الثالثة عشر من عمره إلى اسطنبول . أما أمي فقد كانت من قرية اناضولية أخرى ، رحلت هي الثانية وفي سنٍ مبكرة جدا إلى اسطنبول أيضاً، ليلتقيا هناك فيتزوجا ، وأولد أنا .

    لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية . فالتوقيت كان غير مناسب أبدا ، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا ، وذلك على جزيرةِ (Heybeli ) التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الأثرياء .

    وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء، فكَان هذا الاحتياج سبباً عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.

    أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح ، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ ، نبيلةٍِ ، وغنية .

    أطلقت عليّ عائلتي اسم نصرت "Nusret" بالتركية - المستمدة من "نصر من اللهِ" بالعربية، واختيار الاسم دلالته لدى معدمي وفقراء العائلة حيث كان بالنسبة لهم آخر أمل يرَبطَ كُل أمالهم باللهِ.



    المتقشّفون القدماءُ كما كان معروفا، كانوا يقتلون وبأيديهم نسلهم الذي يولد ضعيفاً وضئيلاً، ويبقون فقط على القوي منهم، مع تعظيم شأنهم . هذا العرف كنا نمارسه بلا خيار نحن معشر الأتراك من خلال منطق الطبيعة والمجتمع. وقد اَكتْشفت أنّ إخوتي الأربعة قد ماتوا في مرحلة الطفولةِ بسبب عدم قدرتهم على تَحَمُّل بيئتِهم القاسية. أمّا أمّي وفي سن السادسة والعشرينِ من عمرها ، فهي الأخرى لم تحتمل الحياة، فماتت تاركة هذا العالمِ الجميلِ لمن يَستحقوه من هؤلاء الأقوياء. وربما تستطيعون إذن تفهم عنادي و تصميمي على ممارسة حق البَقاء.

    * * *

    الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسباً أكثر لنا نحن معشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة ..

    والدي ككلّ الآباء الجيدين إذ كان يعتقد بأنَّ نصائحه المستقبلية لابنه قد تثنية عن هذه الفكرةِ السخيفة للكتابة، وأن يختار مستقبلا أكثر استقامة لكسب العيش وكنت أحسن الاستماع إليه.

    أما عنادي فقد كان الأقوى من جم نصائح أبي لأنني حزمت أمري و اتخذت القرار بأنْ أكُونَ كاتبا..

    دَخلتُ المدرسة بشغف، وحلم جارف لقلمِ يكون في متناول يدي . إلاّ أنني وجدتهم يَدْفعونَ ببندقيةَ في يَديَّ بدلا من القلم.

    أثناء سنوات عمري الأولى ، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل ، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا ، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ..!

    في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب ، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب "الكريم", وأكثر الجبناء اتخذوا لقب "الشجعان" ، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب "دؤوب" . أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ "بارعِ " وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته .

    لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ ،التي فقط جعلت منهم أتراك.



    دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب .! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ "Nesin" أي "هذا صحيح" ، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح..!

    في سنة 1937 أصبحتُ ضابطا، و بالطبع تعرفون من هو نابليون. حَسناً أنا كُنْتُ أيضاً أحد هؤلاء المصابين بالعاهة النابليونية Napoleons . فكل ضابط جديد كان يعتقد أنه نابليون. و البعض لم يستطيع أبداً أن يبرأ مِنْ هذا المرض طيلة حياته. والبعض قد تم علاجه بعد حين.

    هوس النابليونية '' Napoleonitis '' هذا مرض خطير ومعد. من أعراضه التي تتبدى على ضحاياه أنهم لا ينفكون عن التفكير إلا بانتصاراته ، ولا يفكرون أبدا بهزائمه، هم عرضة للثنيةِ و الزهو بين أزرار السترةِ العسكرية ، تراهم دائماً يقفونَ أمام خريطةَ العالمِ، يرسمون سِهاما بطباشير حمراء اللون، يضعون خطة إخْضاع واِحْتِلال كامل العالم في غضون دقائقِ خمس.

    كم أشعر بالأسى لضحايا هذا المرض، ويبدو أن تلك الحمَّى خطيرة جدا, حيث تتضح بذور المخاطر في المراحل التالية، فهم فيما بعد يرون في أنفسهم تيمورلنك و جنكيز خان و هنيبعل, بل يروا في أنفسهم هتلر ذاته.

    كضابط مستجد لم يتعدى الاثنين والعشرين عاماً، فَتحتُ أنا أيضاً العالمَ لبضعة أوقات فوق الخريطةِ بطباشير ملونة بالأحمرِ. ودامَ داء عقدة نابليون سَنَةَ أَو اثنتان. على كل حال، حتى أثناء هذا الداءِ لم أكن ميالا إلى الفاشيةِ.

    فأنا منذ طفولتي رَغبتُ أنْ أكونَ كاتبا مسرحيا . أما في الجيشِ حيث كنت أحد مشاةَ سلاحَ الفرسان ضمن كتيبة الدبابات والمدفعيةِ، تعين عليّ البحث عن مّخرج عسكري، فبدأت الكتابة المسرحية في سنة 1944.

    بعض الجنرالاتَ والضبّاطِ كانوا يصابون بأوجاع في حويصلاتِهم من هؤلاء الّذين لديهم النزعة ليكونوا شعراءَ أَو كُتّابَ يكتبون القصائدَ أَو الرواياتَ، كان مفهوم هذا الأمر هزلياً بالنسبة لهم, فهم لا يتصورا أن شاعراً أو كاتباً بعمر خمسين سنة يُصبحَ يوماً ما قائداً لجيشِ.

    بدأتُ كتابة القصة أثناء فترة خدمتي العسكريةِ. ومنذ ذلك الوقت نعمت بالحنق والاستياء مِنْ قبل رؤسائي كجندي يكتب للصحافة . لَمْ أَكْتبْ باسمِي الصريح إنما اسم أبي : عزيز نيسين، أما اسمي الحقيقي "نصرت نيسين" فقد حجب وأصبح طي النسيان.

    في تلك الأوقات تم الإشارة لي ككاتب صغير. أما أبي فقد كان رجلا عجوزا ذا لحية رمادية يعمل كموظف حكومي. أنهك نفسه في المكاتبِ الرسمية المختلفة محاولا إثبات أسمه: عزيز نيسين إلى أن مات.

    بعد سنوات عندما ذهبت لاستلام نقود حقوقَي المحفوظة عن ترجمة كتبي لغات أجنبية, اكتشفت بأنه يتعين عليّ المعاناة أيضا لإثْبات أنّني هو ذاته الكاتب عزيز نيسين، لأن أوراقي الرسمية و هويتي تقول بأنني "نصرت عزيز".

    مثل العديد مِنْ الكتاب بدأت بكتابة الشعر . ناظم حكمت الذي بدأ إضرابه عن الطّعامَ، نَصحَني بترك الشعرِ بحجة أنني شاعر سيئ. وبالفعل حصرت كتابتي في القصصِ والرواياتِ. غير أنني أدركت فيما بعد بأن نصيحته كانت تخبئ في طياتها نوعاً من الغيرة. وصرحت لمن تساءلوا سبب عدم كتابتي الشعر مرة أخرى، بأن الشعر لا يجمع مال في بلد كتركيا، و لكن الحقيقة كانت تكمن في احترامي العظيمَ للشعر ذاك هو من جعلني أسقطُه في كتاباتي.

    وفي أيامنا هذه، العديد ممن يحملون لقب شاعر، ما زالوا يُواصلونَ الكتابة معتقدين بأن الذي ينتجونه يسمى شعراً، إن هؤلاء لَيس لهم أدنى احترام للشعرِ. أعتقدُ أنّ الشعرِ فَنَّ عظيمَ و أقول هذا بضيق شديد لأني أتمنى لهؤلاء أن يكونوا كتابا و شعراء مشهورين و ناجحين.

    كثير من المعجبين وجدوا في قصائدِي المَنْشُورةِ اهتماما كبيرا ليس بسبب روعتها و جمالها و لكن بسبب التوقيع باسم امرأة أسفل القصائد. فقصائدي نُشِرتْ تحت اسم أنثى مستعارِ وأكوامِ الرسائل الغراميةِ كانت لهذا السبب فقط.

    يوما أخذت قصة كنت قد كتبتها عن طفولتي ، كان حلمي دفع الناس للبكاء . ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى المجلات, متوقعا أنه سينشج في البكاء بينما يقَرأَ قصّتَي، لكن هذا الرجل عديم الفهم تملكه الضحك بصوت عالي و راح يمسح دموعه قائلا: برافو، رائع جداً، أكتبْ المزيد مثل هذه ، واجلبْهم إلينا...

    كانت هذه أولى نكسات الكتابة عندي، قرّائي يسخرون من أغلب المواضيع التي كَتبتها لإبْكائهم. لكني عندما أصبحتُ كاتب معروفاً، لم أعرف مكمن المرح في كتاباتي و لكني أستطيع القَول الآن أنني أَعْرفُ كيف أكون صانعاً للمرح. لم يكن هناك وصفةَ أَو صيغه جاهزة تفسر الأمر، لكن ما اكتشفته بنفسي أن المرح عمل جاد جداً.

    في عام 1945 تظاهر ضدي عدّة آلاف من الرجعييّن و حطموا صحيفةَ تان حيث كنت أعمل، معتقدين بأني سوف أصبح عاطلا عن العملِ. فعلا بعدها لم يقبل أحد نشر أيّ كتابة تحمل أسمِي، لذلك شَرعتُ في الكتابة للصُحُفِ والمجلاتِ تحت أكثر مِنْ مائتي اسم مستعار. كَانتْ هذه الكتاباتَ تحمل كل أنواع الافتتاحيات والحكايات والتقارير والمقابلات والروايات والقصص البوليسية.

    العديد مِنْ المفارقات والفوضى حدثت بسبب هذه الأسماء المستعارة. على سبيل المثال، نَشرتُ كتاب مناجاة الأطفال تحت اسمِ "Oya Atesh" و هو اسم ابنتيِ التي كانت غافلة عن كتابة هذه المناجاة، المفارقة أنه قد تم إدراجها تقريبا في كل مدرسة ابتدائية في تركيا، إضافة إلى جريدة مساء التسالي. "Oya Atesh "أدرجَ اسمها كمؤلّفة في Bibliographie ضمنِ الكاتباتِ التركياتِ الذي تم نشره لاحقا..

    من المفارقات الأخرى تلك القصّةُ التي كتبتها وتمّ نشرها في مجلة تحت أسم فرنسي مستعارِ، أدرجت ضمن مختارات أدبية من المرح العالمي كمثال للأدب الساخر الفرنسي. واحده من قصصي الأخرى نشرتها باسم مبدع صيني, نشرتها مجلة على كونها ترجمة مِنْ الأدب الصيني .

    أثناء هذا الوقت كنت لا أستطيع العمل ككاتب حر, رغم أن كتاباتي راحت لنقد العديد من أصحاب المهن و الوظائف مثل البقالِ والبائعِ والمحاسبِ وبائع الصحف المتجول و المصور و يبدو أني أخفقت كتاباتي عن هذه الشريحة من الناس، لأني سُجِنتُ خمس سَنَوات ونصف وستّة شهور، بسبب أن الملك فاروق عاهل مصر والشاه الإيراني رضا ادعيا بأنّني أهنتُهم عبر مقالاتي ، بالتالي ومن خلال سفارتيهما بأنقرة جَلباني للمحكمةِ، وكانت النتيجة سجني ستّة شهر حيث كان لدي طفلان من زوجتي الأولى و طفلان من زوجتي الثانية أي أربعة أطفالِ.


    أثناء سجني الأول عام 1946 كان السؤال المتكرر من قبل الشرطة لمدّة ستّة أيام:'' مَنْ الكاتب الحقيقي لهذه المقالاتِ التي تنشر باسمِكِ؟ "؟ حتى الشرطة لم يصدقوا أنني كاتب هذه المقالات. و لكن لم يستمر الشك طويلاً حيت اتهمتني الشرطة بعد سنتين بأنّني كَتبتُ مقالات أخرى بأسماء مستعارة.

    في المرة الأولى حاولت إثْبات أنّني كتبت، وفي حال الثانيةَ بأنّني لَمْ أَكْتبْ. و بهذا شهد أحد الخبراء أنني كتبت مقالتي باسم مستعار لذا سجنتُ ستّة عشرَ شهرَ بسبب مقال لم أكتبه..!

    تزوجت زوجتي الأولى ومن ثم الثانية و مشيت تحت سيوف أصدقائي الضباط، وعزفت الأوركسترا موسيقى التانغو حيث تبادلت خواتم الزواج من زوجتِي الثانيةِ خلف قضبان السجن و بالطبع لم تكن البداية مشرقة أبداً.

    كنت نحيفاً و ضعيفاً و لكن تكرار السجن جعلني ازداد وزناً.

    في سنة 1956 فزت بالمرتبة الأولى في مسابقةِ المرحِ الدولية، ورَبحتُ النخلةَ الذهبيةَ. الصُحُفُ والمجلاتُ التي لا تَنْشرَ كتاباتَي بتوقيعِي قبل فوزي بالنخلةِ الذهبيةِ، بادروا للنشر باسمي و لكن هذا لَمْ يَدُمْ طويل، حيث منعت الصحف نشر اسمي ثانية فاضطرت دخول المسابقةِ ثانيةً في عام 1957 لرِبْح نخلةِ ذهبية أخرى . بعد ذلك ظهر اسمِي ثانية في الصُحُفِ والمجلاتِ.

    في عام 1966، في مسابقةِ المرح الدولية في بلغاريا، حققت المرتبة الأولى ورَبحت القنفذَ الذهبي.

    أثناء الثورةِ السياسيةِ في تركيا في 27 مايو/ِ 1960، خلال بهجتِي تَبرّعتُ بنخلتي الذهبيةَ لخزينةِ الدولة. و بعد بضعة شهور من هذا الحدث رميتُ ثانيةً في السجنِ. أنقذتني النخلةَ الذهبيةَ الثانيةَ والقنفذَ الذهبي و جعلتاني متفائل بأيامِ سعيدة و مستقبل أفضل. كنت أقول لنفسي بأن الناس تحتاجني لكي أدهشهم وأضحكهم.

    منذ ذلك الحين كَتبتُ أكثر مِنْ ألفي قصّة. لا تندهشوا حيث لا شيء يدعو للاستغراب، فأنا ملتزم بدعم عائلتي و أجد أني ملتزم بكِتابَة أكثر مِنْ أربعة آلاف قصّة ... !

    أَنا في عمر ثلاثة وخمسين عاما، لَي ثلاثة وخمسون كِتابُ، و ديوني أربعون ألف ليرةُ, و لي أربعة أطفالِ وحفيدِ واحد. كتاباتي تُرجمتْ إلى ثلاث وعشرين لغةِ، كتاباتي المسرحية التي بلغت سبعة عشرَ مسرحيّة تم عرضها في سبعة بلدانِ.

    السببان الوحيدان اللذان يجعلاني أَختفي عن الآخرين: إعيائي، والآخر تقدمي في العمر. و باستثناء هذين السببين أعتقد أني منفتح و مكشوف و قد أبدو شابا بالنسبة لعمري، لكني منهمكاً في العمل طيلة عمري، وهذا ما تبقى لي من العمر.

    لَستُ ذلك النوع من الرجال الذي يقول: " إذا ما كَانَ عِنْدَي الفرصةُ للمَجيء إلى هذا العالمِ ثانيةً، أن أقوم بنفس الأشياءِ ثانية من البداية " و لكن لو كتب لي المجيء لهذا العالم ثانية فأني أريد أن أعمل أكثر بكثير الكثير مِنْ أولا وأفضل بكثيرِ كثير.

    إذا كان في كامل تاريخِ البشريةِ الخلود لواحد فقطَ، قد أكون بلا مثل نموذجي يوجهني و يلهمني لذلك حاولت الخلود أيضاً، و هذا لَيسَ خطأَي فأنا سَأَمُوتُ كالآخرين.

    أَحب الإنسانيةَ كثيراً و بإفراط شديد، و عشت حياتي كلها غير ناقم أو حاقد عليها، فأنا لا أَستطيعُ ذلك.

    تلك قصتي التي لم تنتهي لحد الآن.

    اعلم بأنّ القرّاء غالباً ما يضجرون من المقالاتِ الطويلة، لذا أعتقد بأن الاستنتاج لن يطول لمدة أطول و هو الشيء الذي يجعلني متشوّق لمعرفة نهايةَ هذه القصّة.. فربما أكُونَ ما أزال قادرا على التَعَلّم.
يعمل...
X