إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حرب السفر برلك / اضاءات حول اسرى سنغافوره - Bassam Salam

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حرب السفر برلك / اضاءات حول اسرى سنغافوره - Bassam Salam

    Bassam Salam

    السفر برلك / اضاءات حول اسرى سنغافوره
    (منذ طفولتي المبكرة ,وانا اسمع عن اقرباء لناوجيران ومعارف جندوا في الجيش العثماني وذهبوا الى حرب السفر برلك, ولكن احدا منهم لم يعد ………..؟؟؟؟ هل من المعقول هذا الاختفاء الكامل لهؤلاء الشباب .
    وتكمن الصدفةالرائعة فيما كشفه الدكتور مهيار ملوحي في كتابه صحافة جانا اجابة عن مصير بعضهم )
    اسرى سنفافورة
    جريدة الشعب العدد /101/ الصادر في 4/11/1927 .
    كذب الجميع وصدقت انكترا
    الأسرى في سنغافورا[1]
    رغم تكذيبات إنكلترا الرسمية تجيئنا الأيام في كل فترة بدليل جديد على وجود عدد كبير من السوريين في سنغافورة فهل تقضي المناسبات فصل أسرى سنغافورة السياسية بأن يبقى هؤلاء في الأسر وفي العذاب وبأن تصدق إنكلترا أو تكذب الحقائق الواقعة الملموسة ؟
    هاك دليلاً جديداً على صدق (؟) البيانات الإنكليزية نأخذه عن رصيفتنا جريدة البرق بالحرف الواحد قالت :
    بينما كان زميلنا صاحب أرزة لبنان ماراً صباح الثلاثاء الأسبق بالقرب من مخفر الدامور وإذا برهط من الناس توقف السيارة ولدى نزولنا وجدنا جمهوراً مجتمعاً على رجل غريب وهو بحالة رثة وطرف منكسر فاستوضحه حاله بسؤالات متتابعة فكان جوابه كما يلي :
    “اسمي صادق عباس من الخليل حارة البركة فلسطين . كنت جندياً تركياً حاربت في موقع غزة ولما انكسرنا أمام الإنكليز تشتت شمل فرقتي فالتجأت إلى الخليل بلدي فعادت السلطة التركية وجندتني من جديد وأرسلتني مع العسكر إلى ديار بكر[2] ومنها إلى العراق حيث حاربنا المسكوب[3] في العجم وكسرناهم .
    ثم ساقونا للحرب في كوت العمارة[4] وهناك سقطت أسيراً بيد الإنكليز فأخذونا إلى بومباي[5] ومنها إلى سمربورد ومن هذه إلى سينغابور وأخذ يشغلوننا في الخط الحديدي الجديد بين سنغابور وسمرقند[6] ومازلنا نشتغل ونحن لا نعرف إذا كانت الحرب انتهت أم لا حتى أوائل هذه السنة حيث شح نظري وضعف جسمي فحملوني مع مئة وعشرين مريض إلى البصرة وتركونا فيها بعد أن أعطونا جوازات مرور هاك مثال لها :
    “هنا اطلع الزميل على جواز مرور تاريخه حزيران سنة 192 – فسأله الصحافي هنا لماذا لا تطلبوا إطلاق سراحكم .
    فأجاب كنا نطلب فيقال لنا حتى تطلب دولتكم .
    وسأله عن رفاقه فعدد له منهم الأسماء التالية وهي :
    حبيب شحيحة وابراهيم جمال “تل عباس” ، مصطفى منصور “طرابلس” ، قاسم دبوس “بعلبك” ، إبراهيم الحاج خليل “اللبوة” ، جرجي إلياس “بيروت” ، عمر الحاج إبراهيم “الرامة” ، احمد مصطفى “جسر الشغور” ، خليل سليمان اللحام “طول كرم” ، سعيد خطيب حجازي “صفد” محمد علي بامة “يافا” .
    وقال إنه لا يزال سبعة آلاف لبناني وسوري هناك يشغلونهم في السكة الحديدية المار ذكرها وهم يطلبون الرجوع إلى بلادهم فلا يجابون بغير الرفض وقد سألنا الرجل عما إذا كانوا يتقاضون أجوراً من عملهم وعن كيفية معاملة الإنكليز المتمدنين لهم فقال :
    كانوا يعينون لنا روبية وربع في الشهر ما يساوي ريال ونصف مجيدي لكنهم لا يدفعون لنا إلا نادراً وكل مأكولنا خبز العدس وزيت البطم ولحم الكدش ولما يمرض أحدنا وينقطع الأمل من استطاعته العمل مطلقاً يطلقون سراحه .
    هذا ما قاله الرجل أمام صاحب الأرزة بالحرف الواحد بحضور بضعة عشر رجلاً ولا ندري ماذا يكون جواب المراجع الإنكليزية الراقية عليه بل لا ندري ماذا يكون موقف حكومتنا تجاه سبعة آلاف رجل من رعيتها لا يزالون في أسر الدولة الإنكليزية الحرة الراقية المتمدنة .
    جريدة الشعب العدد /104/ الصادر في 8/11/1927 .
    (الافتتاحية) أسرى سنغافورة .
    عشر سنوات وأكثر مضت على ما يزيد على سبعة آلاف نسمة من أبناء هذه البلاد وهم يعانون آلام الأسر والعذاب والأمراض فضلاً عن الاغتراب وما يسبه من الآلام النفسية فهل قدت قلوب الآسرين من حجر أم أنها فقدت كل عاطفة إنسانية فأصبحت ولا يسرها غير مرأى الناس يتعذبون ويتألمون ؟
    جاء الرجل الأول فأفضى بحكاية أسره وأسر زملائه وكيف يعيشون في سنغافورا ويشتغلون ويتعذبون حتى إذا أصيب أحدهم بعلة لا يرجى له منها شفاء أو شح بصره أو بتر أحد أعضائه أخرجه الآسرون خارج المعتقل وأطلقوا له حرية ليذهب حيث شاء ولكن دون دراهم ولا قوت فبعضهم تفترسهم الوحوش وبعضهم يموتون جوعاً وبعضهم يقضون بعللهم دون أن ترى عيونهم وطنهم الأول الذين خلقوا فيه .
    جاء هذا الرجل الأول ولما أفضى بما أفضى به سئلت إنكترا فقالت كذب الرجل فقالت السياسية نعم لقد كذب الرجل وصدقت إنكلترا .
    ثم جاء الثاني وكان فرداً بين سبعة عشر ماتوا جميعاً في الطريق ووصل هو بين حي وميت فصرح بما صرح به رفيقه السابق فسئلت إنكلترا في هذه المرة أيضاً فقالت وهذا كاذب ولم يكن في وسع سياسة الموالاة والعلاقات الودية مع الحليفة إلا أن تقول لهم وهذا كاذب أيضاً .
    وجاء غيرهما وغيرهم وكان الكل كاذبين وإنكلترا صادقة وها قد عاد رجل منذ أسبوع فلم يختلف حديثه عن أحاديث الذين جاءوا قبله وهو فوق ذلك يحمل جوازاً رسمياً فما قول إنكلترا الآن لا في هذا الرجل وحديثه بل في الجواز المعطى منها باسم (الملك والإمبراطور) . بالطبع إنه كاذب وجوازه مزور .
    بينما لو كان هؤلاء الأسرى غربيين وكانت آسرتهم غير إنكلترا لقامت الأرض وقعدت ولكنهم شرقيون وقد أسرتهم دولة غربية ولذلك فهم يكذبون حتى في وجودهم وتصدق إنكلترا حتى في تكذيبها .
    إلى من نلجأ ؟ إلى جمعية الأمم وهي مستعمرة إنكليزية ؟ أم إلى جمعيات الرفق بالإنسان والإنسان يعرفها هو الغربي ؟ أم إلى الدولة المنتدبة وقد قنعت بصدق البلاغ الرسمي الإنكليزي ؟ أم الحكومة المحلية وهي لا حول ولا طول ؟
    هو درس عبرة أيها الشرقي فوالله لو صفروا التاج على رأسك فأنت في نظرهم أحقر من السائمة وأحط من حشرات الأرض .

    جريدة الشعبد /110/ الصادر في 15/11/192 .
    حديث سنغافورة .
    أسرى سنغافورا .
    يستصرخون أفواههم في الإنسانية من فلسطينيين وسوريين وعراقيين أعيدونا إلى أوطاننا أعيدونا إلى بلادنا .
    تحت هذا العنوان قرأنا في جريدة (النفير) التي تصدر في حيفا مقالاً افتتاحياً أو قصة جعلتها مكان المقال الافتتاحي لأهميتها قالت :
    قابلنا رجل غريب الديار عليه أطمار بالية رثة متوسط القامة مصاب بمرض في عينيه أسمر اللون أفضى إلينا بالحديث الآتي وحديثه ذو شجون قال عن :
    “أسرى سنغافورا”
    اسمي : أحمد بن إبراهيم مصطفى صاري .
    بلدي : بغداد ” الصوب الصغير”
    المحلة : الفحامة .
    سني : 35 سنة .
    انخرطت في الجندية التركية في بغداد وأنا في الفرقة الرابعة عشرة في الحرب العامة وكان قومندان فرقتنا ألمانياً وقومندان ” الأوردي ” خليل باشا تركياً .
    وأول معركة خضناها كانت مع الروس فتغلبنا عليهم في بادئ الأمر ثم اضطررنا للانسحاب فعدنا إلى بغداد وما لبثنا أياماً معدودة حتى اشتبكنا بمعركة ثانية مع الإنكليز في سلمان باق قرب كوت العمارة فغلبنا وأسرت فرقتنا بكاملها وكان عددنا ما يقارب 1400 نفر فساقونا إلى البصرة وذلك منذ 11 سنة وشهرين تماماً ليومنا هذا ولم يمض على بقاءنا في البصرة أسبوع حتى أنزلنا لإحدى البواخر فقامت تمخر بنا عباب البحر عشرة أيام متواليات أنزلنا بعدها إلى بلد قيل لنا أن اسمها بومباي ثم نقلنا إلى بلد ثانية تدعى سماربور منها أركبونا القطار وسار بنا ما يقارب الأربعة وعشرين ساعة فوصلنا بلدة تدعى كراتشي[7] وهناك اشتغلنا بمناجم الفحم الحجري مدة سبعة أيام ثم ساقونا إلأى سنغافورا محط الأسرى حيث
    كانت تعج بجماهيرهم وكان عددهم نحو الخمسة وأربعون ألفاً كلهم من أبناء العرب بينهم عدد يسير من الأتراك أما أبناء العرب فأكثرهم عراقيون وسوريون وفلسطينيون ويمكنني تقدير عددهم كما يلي :
    22000 عراقي .
    8000 سوري .
    1300 فلسطيني .
    والبقية أتراك وكنا جميعاً بمقام واحد ورتبة واحدة أسرى حرب لا حول لنا ولا طول نساق سوق البهائم للشغل كما يأتي :
    أربع ساعات في اليوم فقط لا غير بعد منتصف الليل إلى بزوغ الفجر ومدة العشرين ساعة الباقية نقضيها نيام مرتاحين .
    نوع الشغل :
    فتح سكة حديد من سنغافورا إلى سمرقند كما كنا نسمع من الحرس الهندي الذي كان يحتاط جماعاتنا من كل جانب على الأنوار الكهربائية ويمكن مد الأسلاك إلى أماكن الشغل . وعملنا أيضاً في تكسير الحجار ونقل التراب وكانت محلات الشغل تبتدئ على بعد ست ساعات من سنغافورا وكل ما أكمل جماعة منا مدة شهرين كانوا يساقون إلى سنغافورا فيمكثون بها خمسة عشر يوماً للراحة وتبديل الهواء يجيزون لنا التجول في الأسواق والشوارع بحراسة الحرس الهندي الذي كان يرافقنا كظلنا ولا يمكننا من مكالمة أحد فيما يختص بهويتنا ومذهبنا وجنسنا .
    طعامنا :
    كان طعامنا وافياً من لحوم الخيل وخبز العدس الذي مجته نفوسنا في بادئ الأمر وأخيراً اعتدنا عليه فصرنا نأكله بشهية وارتياح إلا أن زيت البطم حط من عزائمنا ولم نتمكن من التعود عليه حتى آخر أكلة إذ كلما أكلنا منه نيئاً أو مطبوخاً مع اللحم أو مع خلافه كنا نشعر بغيبوبة في أذهاننا وبدوار في رؤوسنا وبغشاء يسدل على أعيننا ولا تزول هذه العوارض حتى نومنا ويقظتنا وكان الأرز طعامنا اليومي يعطى لنا بكمية وافية لكنه كان مطبوخاً بذاك الزيت الخبيث أما السكر
    والشاي والسجاير فكانت تعطى لنا أسبوعياً ما يعادل كفاية الواحد منا في ذاك الأسبوع إلا أن السجاير كانت قليلة بمعدل عشرة لكل يوم .
    ألبستنا :
    أما الألبسة فكانت توزع علينا كل 3 أشهر مرة يعطى لنا منها ما هو داخلي وبنطلون خارجي وعمامة هندية غطاء للرأس لأن حر الشمس كان شديداً جداً ولم نكن باحتياج إلى ألبسة ثقيلة لأن الطقس هناك حار في الشتاء .
    سكننا :
    كنا نسكن سرادب حفرناها لأنفسنا تحت الأرض وجعلناها قاعات جميلة صحية تحت مراقبة المهندسين نلجأ غليها النهار بطوله هرباً من حر الشمس ولم نكن باحتياج إلى غطاء في الليل وكان يعتنى بصحتنا الاعتناء اللازم والنظافة كانت من أول المطاليب الإجبارية على أجسامنا وأماكن سكننا وثيابنا التي كنا نغسلها دائماً ونغتسل نحن ببرك من الماء الممزوج بحامض الفنيك حتى لا أذكر أن أحدنا مرض إلا نادراً وإذا حدث هذا النادر كان ينقل بمزيد من الرفاه والعناية إلى المستشفى وبعض العلاجات اللازمة بمعرفة أطباء وممرضين غاية في اللطف والإيناس ولا يتأخرون من إعطاء المرضى الحليب والحساء والبيض وكل ما يعطى للمريض من لوازم شفائه .
    مرتباتنا الشهرية :
    على أثر أسرنا استلموا ما كنا نحمله من دراهم قيدت باسم أصحابها وكانت تعاد له شهرياً بمعدل خمس روبيات ونصف ومن لم يكن استلم منه شيء كان يعطى مرتباً شهرياً نصف روبية فقط لا غير ولكننا لم نكن باحتياج إليها فتبقى معنا ولكن : حريتنا . حريتنا !
    هي الضالة ، وهي الشيء الوحيد الذي كان محجوزاً علينا حريتنا الشخصية تمام الحجز والحجز كأسرى حرب لا نتمكن من مكالمة أحد أو الاجتماع بأحد أهالي سنغافورا لنشكو حالنا ونكلفه بإذاعة سر من أسرارنا إبان زيارتنا المدينة والتجول
    في الأسواق والشوارع ولم يتمكن واحد منا أن يرسل كتاباً لأهله ومعارفه مع إن الكثيرين يحسنون القراءة والكتابة . والحرس الهندي كان يضيق علينا الخناق بمنتهى الصرامة والشدة كأنهم كانوا يرغبون أن لا يعلم بنا أحد وأن لا تنقل أخبارنا للعالم المتمدن .
    وكم كنا نتودد للحرس الهندي البربري فلم يرق لنا فؤاده ولا مرة واحدة وكلما سألنا إمكان إرسال تحارير مع البوسطة بلغته الهندية وهذه حرفيتها :
    (باي أدور عربستان بوسطة)
    كان يجيبنا كأنه ملدوغ لدغته حية (ناي ناي) أي لا ! لا!.
    ورغماً عن اختلاف مللنا إذ بيننا المسلم والمسيحي واليهودي كنا نتفق على ذلك الهندي الماجوسي ومع اتفاقنا لم نتمكن أن نقنعه لا باللين ولا بالقوة لأن حربته وحراب بنادق رفاقه كانت جاهزة لتخترق صدورنا إذا شعروا منا العزم على استعمال القوة والعنف ولذلك كنا صاغرين منتظرين الفرج القريب .
    ولما كان اختلاط أهل كل بلاد بالبلاد الأخرى قليل جداً عرفت من أهالي فلسطين محمد علي بامية من يافا سنه 45.
    مربوع القامة دقيق الشاربين أسمر اللون مايل إلى الصفرة عينه مريضة كأعيننا جميعاً من تأثير رطوبة سراديب النوم وأكل زيت البطم كما يقال .
    خليل بن سليمان اللحام من طول كرم سنه 40 سنة .
    ومن أهالي سوريا :
    عمر الحاج إبراهيم من حمولة الفرعة ومن ناحة جبل الزاوية سنه 45 .
    أسمر طويل القامة نحيفها أسود الشاربين .
    حبيب شحماتا من تل عباس سنه 40 أبيض اللون قصير القامة ممتلئ الجسم .
    أما أهالي بلادي بغداد والعراق فأعرفهم كلهم وهم كثيرون ومنهم :
    أحمد مصطفى أبو التمن من بغداد .
    السيد صالح مراد من بعقوبة .
    زكي أحمد من الكاظمية .
    فاضل بن خلف من الهويدز .
    دخولي في خدمة أحد الضباط :
    واصل علي: خمس سنوات في سنغافورا قضيتها على ما تقدم ذكره وبينما كنت جالساً يوماً في تلك السراديب إذ مر بنا أحد الضباط واستدعاني مع رفيق لي يدعى أحمد بن حموة القصاب من أهالي دير الزور وقادنا إلى سنغافورا ومنها أبحرنا معه إلى جزيرة تبعد عن سنغافورا في البحر 6 ساعات تدعى سيما هي مركز سكن عائلات الضباط الذي يتولون أمرنا ويشتغلون طيلة الأسبوع في سنغافورا ويقضون يوم الأحد في تلك الجزيرة مع عائلاتهم لأن مناخها أجود وماءها أعذب وفيها قليل من الأهالي الهنود المجوس فقمنا بخدمة عائلة ذاك الضابط المدعو المستر بازدي المؤلفة من امرأتين هنديتين وابنة صغيرة .
    قضيت مع رفيقي في خدمة الضابط 6 سنوات وكثيرا”ً ما كنا نعمد إلى إرسال تحارير في البوسطة فإن غافلنا الحرس فمأمور البوسطة جندي إنكليزي لا يقبله منا وأحياناً كثيرة كان يزجرنا وهكذا بتنا ننتظر الفرج من الله حتى نقل ذلك الضابط وأبحرنا معه إلى بورت سودان وقبل سفرنا قابلنا كثير من الأسرى من كانوا يحضرون مع الضباط يوم الأحد لحمل ثقالهم فأخبروني أنهم باقون على ما هم عليه ولم يفرج عى أحد . وفي بورت سودان أراد ذاك الضابط أن يعاملنا نفس المعاملة التي كنا عليها في الجزيرة إلا أن بعض من تعرفنا بهم في بور تسودان من أبناء العرب أشاروا علينا الشكوى لأحد كبار الضباط الإنكليز فشكونا له أمرنا وطلبنا العودة لبلادنا فأطلق سبيلنا وأعاد إلينا حريتنا وما كنا نسمع بذلك حتى خرجنا سيراً على الأقدام لا نلوي على أحد ولا نرغب شيئاً آخر غير حاسبين لبعد الطريق حساباً ولعدم وجود النقود بين أيدينا من بورت سودان إلى الخرطوم ومنها إلى حلفا وقناقن وصلنا سوهاج وقد مضى علينا 3 أشهر نسير على الأقدام بين قبائل من الزنوج منهم من كان يطعمنا ومنهم من يود قتلنا . نعم قضينا 3 أشهر في درء هجمات العبيد تارة وأخرى في رد هجمات الوحوش يوماً نقتات ويومين نطوي أحياناً نأكل من طعام العبيد وأخرى من ثمار الموز البري في طريقنا ولم يدر بخلدنا قط أن نصل إلى بلاد آهلة بالسكان . ولا أصدق أني سأصل إلى بلادي سالماً وأرى أهلي حياً لأن رفيقي مرض في أسيوط وبالكاد تمكن من مواصلة السير معي إلى الفيوم وهو الآن في جامعها طريح أما أنا فواصلت السير إلى القاهرة ومنها إلى القنطرة فخان يونس وغزة ويافا وها أنا في حيفا رهين إحسان
    أصحاب البر قاصداً بغداد لأني لا أتمكن من السير أكثر مما سرت وإني على ثقة من أن رفاقي الموجودين في الأسر ما زالوا في تلك الديار يقاسون آلام الغربة ومضض الأسر أجيروهم أجاركم الله أنقذوهم أنقذكم الله !
    جريدة الشعب العدد /114/ الصادر في 20/11/192 .
    حلب 18/11/927 لمكاتبنا الخاص .
    حول أسرى سنغافورا .
    يكاد ينحصر في الأيام الأخيرة حديث الناس حول نقطة واحدة ، عدا حديث السياسة وحقوق البلاد فقد لا نجد نادياً أو مجتمعاً إلا وحديثه يدور عن مسألة أسرى سنغافورة ، أولئك الذين قضوا إحدى عشر عاماً تحت أيد قاسية لا تعرف للشفقة معنى على أنه على الرغم مما أذاعته القنصلية البريطانية منذ حين تقول إن قضية أسرى سنغافورا من بنات الخيال ومختلفة ، فقد صار الناس بين الشك واليقين وما لبث أن زال الالتباس وحل اليقين محل الريبة والشك على أن أثر ما نشرته الجرائد في هذين اليومين ومما ألفن النظر بشكل خاص ما نقلته الشعب من الحديث الطويل عن لسان الأسير ببراهين وأدلة لا تدع مجالاً للريب والشك ، وقد صادف أن طلعت علينا جريدة (أنطاكية) تثبت حديثا ًعن لسان أسير آخر اسمه محمد رشاد من أنقرة يحمل كتاباً من رفيق له إلى أخيه إبراهيم آغا طوغاني مديرنا في أنطاكية وعزز المحرر حديثه بالكتاب المذكور والجواز الذي يحمله الأسير محمد رشاد من الحكومة العراقية .
    وبعد لسنا نريد من كل ما ذكرناه آنفاً تحريف سرد الخبر لا بل نريد أن نقول إن الضجة حول هذه المسألة الهامة بلغت حداً قصياً سيما وأن ما نشر لا يدع مجالا ًللالتباس والريبة وسيما وأن ما ذكرته الشعب جاء فيه أن عدد الأسرى السوريين نحو الثلاثة آلاف أو أكثر ، وسيما وأن في الفرق التي حاربت بقيادة خليل باشا التي أسرت فيها كان فيها نحو ألفي شاب حلبي فلهذا نقول هذه الكلمة لعل الحكومة السورية تفعل ما عليها من واجب يتحتم عليها القيام به حتى إذا اقتضى الحال أن توفد وفداً من سورية ولبنان بصورة سرية ، لكشف الحال ومعرفة عدد الأسرى ، إلا أن هذه الأمر له ضجة كبيرة في تاريخ مدنية القرن العشرين .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعمل...
X