إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقدان الهوية بالأغنية العربية المعاصرة - علي الأحمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقدان الهوية بالأغنية العربية المعاصرة - علي الأحمد

    الأغنية العربية المعاصرة وفقدان الهوية
    علي الأحمد - الوطن
    ما الذي يجعل الأغنية العربية المعاصرة تفقد وتفتقد «حمرة الخجل» إلى هذا الحد، وتنزلق إلى هذه الدرجة من الإسفاف والابتذال، بعد أن كانت على مدار السنين «حياة الروح» والمعبر الحقيقي عن الإنسان العربي وآماله وتطلعاته، تحمل رسالة الموسيقي العربي وتحافظ على هويته الإبداعية، كما تحمل مضامين تعبيرية وتنويرية أثمرت عناوين ونتاجات مضيئة على المستويين التقليدي الفني والشعبي؟
    نعم هناك تحولات جذرية طالت المجتمعات العربية لظروف معلومة، لكن هذا التحول لم يترجم فعلياً نحو تجديد اللغة الفنية القديمة بما لها وما عليها بل على العكس من ذلك حدث انهيار حقيقي على مستوى الكلمة تبعه اللحن ليصل إلى المتلقي الذي خسر كل ما يملك من حساسية جمالية وذوقية بعد دخول هذه الأغنية في متاهة اللون الواحد، حيث بدأت في تغيير مسارها الإبداعي والتوجه نحو المسار الآخر ذي الروح التجارية البحتة والسعي عبر «فرسانها الجدد» إلى نسف كل المقولات الجمالية التي انبنت وتأسست عليها بفضل الرواد الكبار الذين حافظوا على الدور والرسالة وانحازوا على الدوام إلى القيم والمُثل العظيمة التي أطرت مفهوم الفن الحقيقي، وهكذا يتم رسم مسارات جديدة تمحو الخطوط الإبداعية القديمة بحجة عدم مواكبة العصر وموضاته الفنية العابرة التي تنبئ عن امتداد العبثية والمجانية في استنساخ هذه الروح التجارية التي تتناسل بشكل أخطبوطي في جميع وسائل الاتصال الحديثة التي تلعب دوراً خطراً وسلبياً للغاية في تسفيه القيم والقيمة الإبداعية لنتاجات هذا الفن وتقديم بدائل لهذا الإرث عبر طقوس سمع بصرية لا ترتهن لهذا الإرث القديم بل ترتهن لعادات وتقاليد بات الفيديو كليب العروبي مرتعاً خصباً لها كما بات مسرحاً ممتداً لهذه العبثية المجانية في تناول الأغنية لموضوعاتها وتيمها الجديدة التي تسلع المرأة وتقدمها كجسد فقط عبر تلك الصورة النمطية التي تحصرها ضمن متاهات الفتنة والغريزة الحسية بما تصعد بثقافة الصورة وفتنتها الصارخة إلى أمكنة تسهم في عزل هذه المرأة عن عالمها الواقعي والطبيعي كأم ومربية تسهم في بناء وارتقاء الوطن والإنسان.
    وهكذا تتوالى الفتوحات العظيمة لصناع هذا الفن المبستر والمصاب بأنيميا إبداعية قاتلة، بدءاً من «البرتقالة» مروراً بالتنورة وصولاً إلى «بوس الواوا» وما تناسل عن هذه الملاحم الخالدة التي توازي إن لم تتفوق على «هوميروس ودانتي وشكسبير» حيث يسعى مبدعو هذه «المعلبات» البلاستيكية إلى إبقاء هذه الروح التجارية مستعرة لكونهم يملكون كل المفاتيح وهي هنا المال الفاسد الذي يؤدي دوره بكل أمانة وصدق في ترسيخ ومأسسة الفساد التربوي والأخلاقي عبر نتاجات كسيحة وهي هنا أشرطة وبرامج وحفلات ومجلات تتكاثر كالفطر السام، يتم عبرها صناعة نجومية مزيفة وتقديمها والأصح فرضها بشكل دائم على أكثر من وسيلة إعلامية وإعلانية بما يضع المتلقي في فخ محكم لا فكاك منه حيث الحصار يغلق عليه أبواب النجاة إن حاول أو فكر أن ينفذ بجلده من هذا الأسر الذي يتمنى معه لو فقد حواسه وعقله معا، ومع ذلك لا ينبغي لنا التعميم في مقاربة دور هذه الأغنية في الارتقاء بالحياة كما كان دورها ورسالتها في الماضي وعند كل الشعوب، فهناك من حسن الحظ من لا يزال يؤمن بالروح المبدعة وبدور الفن النظيف في التعبير عن مكنونات النفس البشرية وعن الحياة المعاصرة بكل تقلباتها وانزياحاتها ودخول تيارات وأفكار غير مسبوقة طالت مناحي الحياة كافة بما استوجب الدخول في معترك جديد وحداثي الطابع يحتاج إلى تراكمات وخبرات معرفية حتى يثمر ويعطي كما يحتاج إلى وقت حتى يتم استيعاب مفرداته الإبداعية المختلفة، ومن هنا نقول: على الرغم من تسيد اللغة الاستهلاكية المشهد الموسيقي المعاصر فإن هذه النتاجات البائسة والكئيبة إلى زوال، ولن يبقى في هذا المشهد كما يخبرنا بذلك تراث هذه الشعوب في الغرب والشرق على حد سواء إلا نتاجات اللغة الكلاسيكية حتى وإن تلبست بثوب حداثي الطابع وهو ما يعني أن العملة الرديئة ستسقط في نهاية الأمر مهما عربدت وعبثت ومهما دافع عنها صناع الفن الرديء. في النهاية الجوهر سينتصر. ألم يقل «شوبان» الموسيقي العظيم: «الغناء أكثر من أي فن آخر يظهر الروح الموسيقية الكامنة في الأعماق».


يعمل...
X