إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بقلم : عبد الرحيم البار - ((مقــــال بعــنوان : الإعراب والإغراب في العربيّة))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم : عبد الرحيم البار - ((مقــــال بعــنوان : الإعراب والإغراب في العربيّة))

    الإعراب والإغراب في العربية بقلم : عبد الرحيم البار


    العربيّة لغة ذاع صوتها شرقا وغربا، فأُلف في خضمّ ذلك كتبا عديدة حوت جُلَّ المفاهيم وأعجب التّنظير وكانت مفتاح الدّراسات اللّغوية الحديثة.

    ((مقــــال بعــنوان : الإعراب والإغراب في العربيّة))

    قد يُنظر إلى اللّغة العربيّة على أنّها قاصرة الاستعمال في الميدان التّعليمي أو أنّها بعيدة على التنوّع المعرفي الحاصل، ولكنّ الحقيقة بعكس ذلك فاللّغة مهما تنوّعت المعرفة وتغيّرت المعطيات فهي تظلّ أداة الاستعمال اللّساني الذي لا علاقة له بالمعلومة؛ لأنّ هذه الأخيرة ترتبط أساسا بالجانب الفكري الذي يترجمها إلى أفكار ومفاهيم ملموسة تقوم على قواعد الإدراك الحسي والمشاهدة العينية والشعور. فلا يمكن أن نعيب اللّغة دون النّظر إلى إمكانات العقل. فالعربيّة تُحمّلُ مالا يجب أن تحْمِلْ، فنظام العربيّة من نحو وبلاغة ودلالة يعرف حملات شديدة اللهجة مشكّكة في عطائه وأخرى داعية إلى إعادة النّظر في مكوّناته. فهل العربيّة كلغة مستقلة عن اللّغات العالميّة مادة ومنهجا تتسم بالقصور العلمي فعلا، أم أنّ الدّرس الإعرابي العربي القويم أعجز ضعفاء اللّسان على الالتزام بمكنوناته الذهبيّة التي أبت أن تفارق اللّسان العربي المبين منذ الأزل، فكيف نلزم دعاة التسيب والتغريب بالحجّة الدّامغة التي ترفع الشّبهة على العربيّة ؟.
    يرتكز النّظام اللّغوي للعربيّة على قواعد إلزامية تُلزم مستعملها الوقوف عند حدود اللغة، فالعربيّة تختلف شكلا ومادة عن باقي اللّغات العالميّة فنظامها الصّوتي مثلا شَرُف بصوت الضّاد الذي يَعْجز الكثير من أهله على نطقه بالوجه الصّحيح، وإذا انتقلنا إلى المكوّن الصرفي فسنجد سمة المثنى التي انفردت بها العربيّة عن باقي اللغات، وصفة الاشتقاق الذي عزّز من كيان العربيّة؛ فهو سلاح حسم أثبت للعربيّة القدرة الوجودية وأكسبها الصبغة المثالية للتطور والاستمرار فبالاشتقاق ظهر المولّد والمستعرب وغيره وهذا كحلول لفظية للواقع الدّلالي المتطوّر.
    فهل العربيّة حقيقة تعاني من القصور اتجاه مواكبة النهضة المعلوماتية كما يدّعي أنصار الاستغراب أم أنها بحاجة إلى البيان العلمي لنبذ ذلك الطرح السائد في أذهانهم ؟.
    لاشك من أنّ الإعراب جوهر الدّرس اللغوي العربي القديم والحديث فهو وسيلة لإرساء قواعد اللغة، فالإعراب هو الشرح المبين بالحجة والدليل لإثبات الصحيح من اللغة وإنكار الخطأ منها، فلابد على أهل اللّسان العربي الإقرار به والتقيد بقواعده وهو ما ينصّ عليه محتوى الرسالة اللّغوية العربيّة قديما وحديثا، وعليه إن كانت العربية قاصرة على إدراك علوم الإنسان من قواعد التقنية والفرضية ومصطلحات الرياضيات وعلوم الهندسة فإن أتباع هذا المنعطف الفكري مخطئون في ذلك، فالعربيّة كانت حجة لأرقى الكلام (القرآن الكريم) وبه ساد نص (الحديث الشريف) وتداولت بواسطتها مبادئ الشريعة الإسلامية في كافة المجالات وتوّج العرب في زمن العباسيين"1"بأرقى العلوم وأقوى النهضات العلمية والأدبية آنذاك.
    فإنكار الإعراب واعتباره عائق لساني لامناص أنّه ضَعْف مردّه قلّة الفهم والإدراك السقيم لسمة اللّسان العربي هذا كسبب رئيس لهذه المعضلة اللغوية ومن العوامل الأخرى التي أدت إلى رواج هذا الرأي نذكر:
    1-الابتعاد العام على تداول الصحيح من اللّغة وحلول اللّحن بدل الفصيح.
    2-انتشار الدخيل وبروز اللّهجات التي تكاد تطفو إلى السّاحة اللغوية كلغات حية.
    3-غياب الوعي التّام بخطورة الوضع اللّغوي المتدنّي الذي يهدد بإضعاف الركيزة الثانية"2"لمكوّنات الهوية في الوطن العربي الكبير.
    4-تأخر العرب في العلم والتكنولوجيا واعتمادهم على مقدرات غيرهم واكتسابها بأيسر الجهود جاهزة دون تمحيصها"3".
    5-غياب مشاريع التنمية والترقية اللّغوية وتفعيل دور مجامع اللغة العربية"4".
    إذن لا ريب أنّ الوضع اللّغوي العربي العام وضع مزري شأنه شأن باقي العلوم الأخرى لأن من سنن الكون أنّ الضّعف إن حلّ بدائرة ما فإنه لا يقتصر على جزء منها بل يشمل كل الحيز؛ ولذلك فإنّ الأمة العربيّة الإسلامية لمّا أصابها الوهن لم يقتصر على مجال واحد بل راح يتغلغل في وجدانها فطال ذلك لسانها وهذا في الحقيقة موضوع أخر يحتاج إلى حديث موسّع ضمن مجاله.
    وإذا انتقلنا إلى قواعد الرّموز والإشارات في اللغات الأوروبية نجد أنها تعبر على أفكار مقصودة المعنى بالرغم من اختلاف المكتوب والمنطوق اللغوي وهذا لا يعرقل بتاتا التقدم العلمي القائم في مجالاتهم؛ فأوروبا قمة التطوّر والتقدم حاليا بالرغم من التنوع اللغوي الموجود.
    والنتيجة المرجوة من ذلك أنّ المفاهيم العلمية والتقنية ما هي إلا ألغاز فكرية"5" تُستعمَل اللّغة للتعبير عنها وفقط.
    إذن ما العيب إذا نقلت هذه النظريّات والمصطلحات إلى العربيّة للتعبير عنها بما يناسب الطابع الذاتي لكل محتوى علمي فهذا ما قام به سلف الأوروبيين في زمن الازدهار العربي الإسلامي حيث اعتمدوا الترجمة اللغوية في نقل العلوم دون المحافظة على أصالة اللفظ لأنّ هدفهم يكمن في الجانب المعرفي لا في الجانب اللغوي كما يعتقد البعض من فقهاء العلوم عندنا ظنّا منهم أنّ اللّسان يعيق التقدّم المعرفي!.
    فدعاة إلغاء الإعراب لا جدوى من خطابهم الذي يفتقر إلى الحجة العلمية التي تثبت توجههم الغريب. فالإعراب جمال لغة الضّاد فهو كما وصفه قدماء النحاة كسيبويه والفراهيدي "نظم اللغة على أكمل وجه" لأنّ النطق بالضم في حالة الرفع وبالفتح في حالة النصب وبالكسر في حالة الجر في الإفراد ليس كمن يعكس هذه القواعد لأنّ سرّ نظام العربيّة قائم في نظامها الخاص الذي ميّز العربيّة عن باقي اللغات الأخرى شكلا ومضمونا.
    فإن كان المستخدم للغة العربيّة من تلك الجماعة"6"يعجز على ضبط مواضع الكلم من رفع وجزم ونصب وكسر فهذا يعود إلى ضعف ملكته اللغوية الخاصة به.
    فبالتالي لا يستطيع وصف اللغة بالقصور وهو عاجز على فهم قصوره الذاتي.
    ومن المهم الإشارة إلى أهمية المصطلح العلمي وإشكالية ضبطه إلا أننا ننوّه إلى وجود علم قائم بذاته في العربية يسمى "علم المصطلح والمصطلحية" يمكن اعتباره الوسيلة الأنجع لفك الخلاف المعجمي وبسط الحلول التي تناسب معطيات العلوم وإجراءاتها.
    فالأجدر بدعاة الإغراب أن يؤمنوا بأن الإعراب طاقة بحاجة إلى من يفعلها لأنّ من صفات العالم الإقرار بالابتكار وتمجيد أهله فعلى أولاء أن يعلموا أنّ الإعراب أشرف ما توصل إليه علماء العربيّة بدءا بأبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه مرورا بسيبويه وابن الجني رحمهم الله تعالى"7"فهؤلاء ومشيّعيهم كسوا لغة القرآن ثوب الحصانة ومنحوها شيمة الازدهار ومواكبة مختلف الأطوار الزّمنية وأفضوا لأهل العربيّة لغة ذاع صوتها شرقا وغربا، فأُلف في خضمّ ذلك كتبا عديدة حوت جُلَّ المفاهيم وأعجب التّنظير وكانت مفتاح الدّراسات اللّغوية الحديثة.
    فلغتنا راقية مادة إلاّ أنّه يجب مراعاة المنهج المناسب الذي يؤهل مكتسباتها إلى الاستعمال الصحيح وفق ما تقتضيه الحقيقة العلمية المعاصرة.
    والحاصل أنّ العربيّة عَرَبَة من أحسن قيادتها نال شرف الرّكاب وراحتهم ومن أساء فلنفسه وعليه الأخذ بزمام الأمور.
    وفي الأخير الواجب علينا أن نشير إلى أمر مهم وهو أنّ السياسة اللّغوية في البلاد العربية تفتقر إلى مخطط حقيقي يصل بالعربيّة إلى المكانة المرجوة وهذا يعود إلى عوامل داخلية تختلف من بلد إلى أخر وبواعث خارجية مشتركة...والله من وراء القصد.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    1-يقصد به زمن خلافة العباسيين وهو أرقى عصور النهضة الإسلامية.

    2-اللغة هي المقوم الثاني بعد العقيدة في بناء الهوية.
    3-التمحيص هو انتقاء الإيجابي من السالب.
    4-هناك مشاريع للنهوض باللغة تبنتها الجامعة العربية لكنها مجمدة كمشروع الذخيرة العربية للأستاذ الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح.
    5-الألغاز الفكرية يقصد به ما توصل إليه عبر التساؤلات والفرضيات.
    6-أشير إلى دعاة الإغراب وإلغاء الإعراب.
    7-أبو الأسود الدؤلي هو واضع علم النحو أما سيبويه وابن الجني فهم رواده.



    حرّر يوم 13 محرّم 1435 الموافق ل: 17 نوفمبر 2013
    من طرف الأستاذ: عبد الرّحيم البار بتوقيت الجزائر: 20:10
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * عبد الرّحيم البار مواليد 1986-الجزائر-
    ليسانس لغة وأدب عربي جامعة -محمّد خيضر بسكرة- الجزائر
    يحضّــر حاليـا مذكّـرة ماجستيـر فـي اللّسانيّــات بنفـس الجامعــة
    البريد الإلكتروني: [email protected]
يعمل...
X