إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يقول: «سوسير Saussure» «وما من صراع في هذا العالم إلا صراع اللغة: عليها وداخلها»- نوار جبور..في اللغة وصراعات الحرية..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يقول: «سوسير Saussure» «وما من صراع في هذا العالم إلا صراع اللغة: عليها وداخلها»- نوار جبور..في اللغة وصراعات الحرية..

    1. في اللغة وصراعات الحرية


    نوار جبور:

    بعد أن لفظ القرن التاسع عشر أنفاسه الأخيرة، ورمى ما في جعبته من أفكار وفلسفات وأنساق معرفية سواء كانت وجودية أو أخلاقية – حياتية- ؛

    افتتح «سوسير Saussure» رائد البنيوية القرن العشرين قائلاً: «وما من صراع في هذا العالم إلا صراع اللغة: عليها وداخلها». ربما كان محقاً أو غير محق، وقد نختلف أو لا على قوله؛ هذا ما عبر عنه «سوسير» بدقة متناهية. رأى قبل غيره وكشف أحد أوجه الصراع في القرن العشرين، قرن الغرائب، والذي انتقلنا في نصفه الثاني خاصةً من علم الحاجة، وهذا ما قام عليه القرن التاسع عشر «الماركسية» مثلاً؛ إلى «علم الاستهلاك».‏

    اللغة حقاً هي أحد أوجه الصراع، ففحولتها انتقلت لصراع الحضارات؛ وصراع الكتابة والمنشورات. في النهاية أصبحت اللغة أحد أوجه صراع الوجود: «التفكيكيون» قالوا «السيرورة والمتتالية الزمنية» التي تحكم وجودنا؛ لا تسمح ببقاء فكرة جامدة، الفكر حر دائماً ومتغير؛ و»ما تاريخ الفرد إلا بحثه عن الحرية»: هذا ما قاله هيغل أيضاً عن الإنسان الفرد. إذاً: لا مكان في هذا العالم لمن يريدون أن يقودوا الصراع بأفكار مسكوبة بقالب من حديد وصوان؛ ولكن الكثيرين ممن يسمون بالـ «إيديولوجيين» لا يرضون إلا برصانة الأفكار؛ لربما هي حكمة حرية الحيوان والتي تملك سندها في إحدى تعاريف الحرية التي وردت في «معجم لالاند الفلسفي»: والتي لا تخص الحرية إلا بالحيوان، أي خارج النطاق الإنساني.‏
    قد يقول البعض إن الايدولوجيا قد انتهت في عالم التنوع والحرية الزئبقية، ولكن ليسألوا أنفسهم - من يدعون انتهاء الإيديولوجيات- هل تخلصنا من تطبيقاتها، هواجسها، صفاتها؟‏
    المضحك أننا انفككنا من عبئها نظرياً ومن عبئها على ظهورنا، لكننا مازلنا نجرها بأعناقنا: الاختلاف في المراكز لا أكثر؛ فالحرية التي قد يتبناها الفرد تجعله منمطاً فيما يشتهي؛ لا فيما يحتاج، فنخرج من «الإيديولوجيا النظرية» وندخل في «الأيديولوجيا السلوكية»: حدا سيف لا مفر منهًما.‏
    حارب التفكيكيون الأنساق، والأفكار التي جعلت الإنسان مركز الاستنارة؛ الصراع لديهم مختلف عن أدبيات العصر الوسيط، وما بعده بقليل؛ «فوكو» في «حفريات المعرفة» عبر عن اشمئزازه من احتواء التاريخ والفرد في نسق ما؛ هاجم أي كلية، لا صراع عام شامل؛ لا حل شامل «إن أي حل شامل سيحمل عناصر غريبةً عن خصائص المحلول»؛ «نيتشه» بعد أن قرأ «شوبنهاور»، رفض العقل والإنسان والتقدم، قدس الإرادة المتفوقة على العقل، رفض الاتساق التسلسلي الديكارتي، وأيضاً لـ»نيتشه» العقل والفلسفة الذين يصبون إلى الحقيقة لا يوصلون إلا إلى الهلاك، هي متغير لا تحتوى في قالب. إذاً. الصراع مفتوح مختلف كبير عميق؛ كل ما يؤدي إلى الكثرة يكون مرادفاً وشبيهاً له، هل هي خطوة نحو العدمية لا أكثر؟ لا نعتلي الأشجار، ونتكلم، ولا نحفر في الأرض، ونتكلم. أوجه الصراع الآن مختلفة؛ والكل يصرخ على هواه. اللغة أشبعت بالأفكار، تصورات «هيغل» المجردة حملتها اللغة؛ ومواضيع «ماركس» المادية حملتها اللغة. إذاً هل هناك صراع ما محدد يواجهه الإنسان الحالي، وبحرية وبأدوات ذاتية تنطلق من المجرد، أو موضوعية تنطلق من المحسوس والمادة، بعد أن سقطت اللغة كفاعل أحادي لفكرة الصراع؟‏
    عالمنا قد يحمل كل الصفات، عالمنا الآن عالم يشبه ما تحدث عنه «الرومانتيكيون»: لا أضداد؛ بل سيلان بالحرية دون ضابط، لنفهم العالم بكل ظواهره بعاطفته وعقله وعنفه وغرائزه. البداية كانت هكذا، ولتكن النهاية. من الممكن أن يكون «الرومانتيكيون» قد استشعروا العالم باكراً، ولكن أين صراع الحرية الآن؟ أين تتجلى بأسطع صورة؟ لنتابع معاً: الصراع في هذا العالم دون حلبات انتقائية أو افتراضية؛ لقد خرجنا من زمن إعلان المواقيت، ومكان الحلبات هي عوالم مفتوحة، وتبرز بأفضل مقارباتها التاريخية في نموذج «غيوم» ملك إنكلترا - الذي قسمها إلى ستين ألف إقطاعية، لا نموذج «بسمارك» الموحد؛ «غيوم» مد أجل الصراع، ونوعه؛ بل فككه. الصراع في وحدة متماسكة يحتاج لأنساق لم يكن «غيوم» المستبد يملك أدواتها؛ التفكيك يصالح القوة مع الخاضع بسهولة أكبر. الجزيئات تفرز الضحايا الخاضعين وتكثر من عدد المستبدين؛ تقسم الوقت بآلية أكثر، هي «سوريالية» تنتهي بالخضوع الأفضل لأماكن أضيق؛ هذا هو نموذج التفكيك في زمن «غيوم»: أنانية أكثر وخاضعون أقل.‏
    إن صراع عالم الحرية لإنسان يختار حريته لن يراها في الدولة، أو في الجماعة؛ فاختياره في منطق التاريخ هو صراع مع أنانية المسيطرين، وما يمنحونه من حقوق؛ والدول الديمقراطية وقفت أمام أقوى جماعات ضغط في التاريخ؛ وذهبت «هذه الدول» إلى العراق وأفغانستان، لنشر ما اعترضت عليه شعوبهم، ألا وهي «أنانية السلطة»، و«أناها»، «تفرد القوة» لا أكثر ولا أقل.‏
    لا صراع واضح حتى الآن، بالأحرى لا صراع يمكن للإنسان دخوله حراً دون إكراه أناه. «لم ننتصر حتى الآن نحن بني الإنسان.».‏
    هل نقترب إذاً من العدمية: عدمية نجاعة الحرية في زمن يسيطر فيه البعض على دونية الشعوب وغريزتها الطبيعية في الخضوع؛ ربما أبكرنا في الوصول إلى العدمية حتى الآن؛ فالصراع - وإن كان واضحاً أنه لا يحمل المساواة -، ولكنه داخل قبب البرلمانات قد يعيد إنتاج نفسه، ويفرض قوته. يقول إدوارد سعيد: «مازال لجماعات الضغط وبعض السلطويين: كالنواب مثلاً أثر كبير في هذا العالم». الإنسان داخل الدول، وإن لم نتفق؛ لم يملك أداة الحرية ليكون حراً، هو حر بما حصل عليه من حقوق، وما يفرض عليه من واجبات؛ لكن للسلطة دائماً كلاماً آخر فوق حرية الشعوب، وفوق قرارها.‏
    إذاً. ما هو العالم الذي تحدث عنه «الرومانتيكيون»، ولو كان جزافاً أو تنبؤاً؟ أهو عالمهم الذي رفض «هيغل» قراءته بهذا الشكل، عالم دون أضداد، محكوم بعاطفة وغرائز وانفعالات؛ عالم موحد لذاته، عالم يدفعه الإنسان بكل ما حمل ويحمل؛ هو عالم «الأنترنيت»، لا غيره، هو الموضوع وأنت الذات، هو موضوع دون معيار ككل غرائز العالم التي تحيط بنا؛ هو المكان الوحيد الذي لا يحكم ما فيه بقانون ما، رغم ما اكتشفه المؤلفون مؤخراً، وهو أن مجتمع القراصنة وحياتهم وسفنهم قائمة على قانون عرفي ما متفق عليه!‏
    «الأنترنيت» دون قانون مفتوح فيه كل شيء، كل قطاعات المعرفة واللذة، هو نبض لا يهدأ، ولا يرتقي كموناً؛ إنه - بلا شك- أسمى وأسطع مكان للحرية، وصل بها السيلان إلى أن تصنع الصداقات، قد يراها البعض صادقةً، ولم لا.، إنه فعل حرية لامنته، قد يحتوي كل شيء، هو موضوع، هو الخارج المليء بالعوالم؛ ما بقي عليك هو أنت – الذات – أن تنتهي، هو لا ينتهي. وأنت من المحال ألا تنتهي، فاختر عالمك داخله؛ قد تكون- هذا ما حدث أو قد يحدث- مازلت متردداً بـ»الدال» لأصل إلى «المدلول»؛ إنه حلبة الصراع الأكبر والذي يحوي كل الحلبات المنتقاة، ففيه اللغة وصراعها، مناهج المعرفة وتنوعها، فيه اللذة، وهيهات! فيه التاريخ والبحث عما يرضيك؛ فيه أيادي الرأسمالية بإعلاناتها، بمشاهيرها «سلع وأشخاص مسلعة» الأنترنيت وحد العالم بمشكلاته، ونمط الإنسان بعوالمه، تفككت الروابط الملاصقة للحياة، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه. لك أن تبرز كل ما وصلت إليه بما تعيه أو لا تعيه فيه، هو أكبر ظاهرة احتجاجية للإنسان على وجه الأرض؛ هو صلتك بالكينونة، هو صلتك بكل ما تشعر به في زمن اللذة. ما يعنيني على وجه الدقة: أن الأنترنيت تلك الظاهرة التي تجاوزت أي محاولة بحثية لضبط محتواها، هي أقصى مرحلة في اللاعقلانية، الإنترنيت قزم قضايانا واختصر عالمنا، هو أكبر مساحة حرية من الممكن أن يشعر بها الفرد، إنه للأسف أكبر مكان لحرية خاوية.‏
يعمل...
X