إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المغربي فريد الزاهي الناقد الفني بحوار عبد الدائم السلامي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المغربي فريد الزاهي الناقد الفني بحوار عبد الدائم السلامي

    فريد الزاهي: لا نريد للثقافة العربية أن تتحول إلى مسجد.. تخلع ببابه النعال




    مكبوت الثقافة العربية ومحرمها
    عبد الدائم السلامي
    المغرب- ما تزال قضايا الاستشراق وأثره في الثقافة العربية، ومستقبل الكتابة النقدية العربية في علاقتها بالمنظومات المختلفة للأفكار الشائعة والمتداولة في عصرنا، إن في الغرب أو في الثقافات الشرقة ومنها الثقافة العربية، شاغلا للنقاش الدائر، وفي لقائنا بالناقد والأكاديمي المغربي فريد الزاهي ثمة انشغال بكل هذا، انطلاقا من وعي حداثي يرى أهمية فائقة لأن تراجع الثقافة العربية أولوياتها، وتعمل على تقديم قراءات متجددة للأدب والفكر والفن.
    على هامش فعاليات الدورة 35 للموسم الثقافي بأصيلة، التقت “العرب” بالناقد الفني المغربي فريد الزاهي، الذي شارك بورقة نقدية في ندوة “الملامح الجديدة للاستشراق في الفنون العربية”، وأجرت مه هذا الحوار الذي انصبّ على تبيّن تمفصلات علاقة فنوننا البصرية بالفن الاستشراقي، وحال الوضع الإبداعي المغاربي الراهن، إضافة إلى مستقبل الإبداع في ظلّ صعود التيارات الإسلامية إلى الحكم.
    تملك الاستشراق
    ما مدى صدقيّة القول إنّ “الاستشراق” شرٌّ طال ثقافتنا العربية ولم يمثّل فيها معينا فكريا مساعدا لها على فهم ذاتها؟ يجيب فريد الزاهي عن هذا السؤال بقوله إن مستشرقين من أمثال “هنري كوربان” و”ماسينيون” وغيرهما قد ألهموا كثيرا من مبدعينا ومثّلت دراساتهم مرجِعا أساسا في اكتشاف كثير من المسكوت عنه في ثقافتنا العربية.
    وفي هذا الشأن، يذهب الزاهي إلى تأكيد أنّ مجال الفنون ظل مجالا للاستهلاك البصري من غير أن يتمّ النظر إليه نظرة فاحصة تمكننا من بناء تصور عربي حديث ومعاصر لنظرة الآخر لنا. ويُضيف قوله: “يحضرني كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق الذي يمكن أن نعتبره علامة بارزة في بناء تصور عربي لنقد الاستشراق في شموليته، وأطروحة شربل داغر في مفهوم الاستشراق في علاقته بالتحفة الفنية أو ما يسمّيه هو بمسألة التملّك، وكذلك دراسة هامة لمالك علول عن الفوتوغرافيا الكولونيالية أو الاستشراقية الخاصة بالمرأة وبالعري وبمشهدة الجسد العربي. وربما كان كتاب شربل داغر أكثر أكاديمية وعلمية، وأعتبره تأسيسا لنظرة أنتروبولوجية جديدة للاستشراق، نظرة سوسيولوجية أكثر منها أيديولوجية”.
    ويؤكّد الزاهي أن “الوقت مناسب لنقد الاستشراق ولا لمحاولة تفكيكه، وإنما لمحاولة مساءلته بنظرة جديدة تقول إن الوقت قد حان لتملّك الاستشراق، واعتباره جزءا من ذاكرتنا البصرية، ليس فقط لأن الفضاء العربي والجسد العربي هما موضوعان له، ولكن لأن هذا الاستشراق قد أسهم في ولادة الفن العربي، وخاصة في المغرب على الأقل، ذلك أن أول فنان تشكيلي مغربي، وهو محمد مهدي الرِّباطي، كان طباخا لدى رجل أنكليزي مقيم بطنجة في بدايات القرن الماضي.
    ولما بدأ الرِّباطي يرسم، ساعده هذا الرجل في بناء أسلوبه باعتباره كان فنانا تشكيليا مرتبطا بالبلاط الأنكليزي. وأعتبر، ولو من باب التخيل فقط، أن وجود “دولاكرو” في المغرب، ووجود “بول كلي” في ساحات تونس، حدثان لم يكن لهما أن يمرا أمام البصر العربي دون أن يؤثرا فيه، لأن وجود الفنانين الرحالة في الساحات العمومية العربية وهم يرسمون مشاهداتهم في دفاترهم أو يصوّرونها بآلة الفوتوغرافيا، أمر منح الإنسان العربي فضاء رؤيويا جديدا وخلق لديه ثقافة الافتتان بالصورة، افتتان يجعله يرى نفسه لأول مرة داخل الصورة، خاصة وأنه كان يعيش ضمن ثقافة إسلامية تحرّم التصوير والتجسيد، وأرى هذا مفصلا أوّل مهمًّا في علاقتنا بتاريخ الاستشراق”.
    الاستشراق مفككا
    وحول طبيعة اتصال الفن التشكيلي العربي بالفن الغربي، يرى فريد الزاهي أن الفن العربي هو امتداد للفن الغربي الاستشراقي ولكن بذات عربية، وذلك من جهة تبنّيه التشخيص والتجسيد في منتجاته الإبداعية، وهو ما جعل الاستشراق في بيئتنا الفنية مولِّدا للاستغراب، إذْ تَملّك الفن العربي منذ تماسه مع الفن الغربي أغلب تقنياته في التصوير التشخيصي الذي منحه الجرأة على مخالطة ما كان محرما عليه طيلة عصور. وبذلك صار لنا فنانون يرسمون لوحات قريبة من الفن الاستشراقي على غرار اللوحات التي تظهر فيها نساء عاريات فوق السطوح، أو في الشلالات، أو تلك التي تحتفي بالبطولة العربية.
    المفصل الثاني في علاقة فنوننا بالاستشراق هو القطيعة معه، وقد بدأت تتولد مع ظهور التيّار السوريالي. وبذلك تمّ تمهيد السبيل أمام مجموعة من فنانينا، ومن هؤلاء نذكر التونسي فريد بالكاهية، للتمرّد على الفن الاستشراقي عبر سبيل التجريد وإدارة الظهر للفن الغربي والقطع معه في تشخيصيته. وقد تعاضدت هذه التجارب لتُحدث قطيعة بدأت تتولد في مصر، وفي بعض الدول العربية الأخرى، وتتمرد على التشخيص التاريخي الاستشراقي.
    أما المفصل الثالث فهو التيار التجريبي، الذي منح الفن العربي هوية جديدة وإن كان لم يعمّر كثيرا، وفتح للتشكيل العربي أفقا جديدا، صار فيه هذا الفنّ يفكّك الفن الاستشراقي ويخترقه في الوقت نفسه. والمفصل الأخير هو المفصل المعاصر ممثلا بالعودة إلى التشخيص الجسدي، ونلفي له حضورا في أعمال فنانين مثل نوال كيلاني في مصر ومريم بودربالة في تونس، وزليخة بوعبدالله في الجزائر وغيرهن.
    مرض الأدب
    على كثرة المنجز الثقافي في المغرب العربي، فإن كثيرا من دارسيه يقرّون بوجود مشاكل تعطّل فيه سعيَه إلى الجودة. وفي محاولة لتوصيف تلك المشاكل، يقول فريد الزاهي: “إن الثقافة المغاربية حديثة جدا، انتقلت من المجال الفقهي إلى المجال الحديث في الستينيات، لا تجد مثلا رواية تونسية معروفة ما قبل تلك الفترة، كانت الثقافة الفرنسية والثقافة العربية مشتركتيْن في ولادة هذه الثقافة المغاربية الحديثة، ومن ثمة فإن عمرها لا يتجاوز نصف قرن عكس الثقافة المصرية مثلا.
    إلى حدود السبعينيات كان المثقفون المغاربة المعروفون في المشرق قلة قليلة، وقد ساهمت الترجمة في إبراز ظاهرة الازدواج اللغوي وهي خاصية لا توجد كثيرا في المشرق، وساهمت في نماء الثقافة المغاربية، وقد مثّل هذه الظاهرة مفكرون بارزون منهم مثلا في تونس هشام جعيط من خلال الترجمة وفي المغرب عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي الذي أثّر كثيرا في الثقافة العربية من خلال مفاهيم من قبيل الاختلاف والتفكيك.
    وأعتقد أن التفرقة بين المجال العربي والمجال الفرنكفوني التي يقوم بها بعض الدارسين هي عسف كبير يطال الثقافة المغاربية، لأن المثقفين المغاربة الأكثر شهرة هم من أبناء تلك الثقافة، فمحمد برّادة من المتأثرين بعبد الكبير الخطيبي.
    المترجمون المغاربيون صاروا مراجع في الثقافة العربية، وصار المشرق يقتات مما يُترجمون عن الثقافة الفرنسية، كما اقتتنا نحن من ترجماته عن الإنكليزية. ولعلّ ما يمثّل خصوصية الثقافة المغاربية هو أنها ثقافة نمت على هامش الدول بل وضدّ الدول، عكس الثقافة المشرقية التي احتضنتها الدولة”. وعن إشكالات هذه الثقافة، يقول فريد الزاهي: “يتمثّل الإشكال الأول في وجود مرض ثقافي تجوز تسميته “النقد الأدبي”، فالصحافة والجامعة تهمّشان كل ما ليس لغويا، وهو ما جعلنا لا نجد نقادا تشكيليين وسينمائيين في المغرب العربي مقارنة بما يوجد لدينا من نقاد في المجال الروائي والأدبي عموما.
    ثم هناك مشكل ركود العلوم الاجتماعية، فلا تجد إلا قلة قليلة من علماء الاجتماع والأنتروبولوجيين، وأغلبهم درسوا في الخارج، ومن ثمة لا توجد لدينا مرجعيات كبرى في هذه العلوم الإنسانية، والذين يوجدون هم فقط ممارسون أو يقبعون في مكاتب الوزارات، والحال أن النهضة لا تتم فقط بالرواية أو بالشعر، وإنما بهذه العلوم الفاحصة المحرّرة للعقل. صحيح أن فتنة الأدب والخيال مهمة، ولكن قد حان الوقت لتنجز ثقافتنا المغاربية معرفة اجتماعية وأنتروبولوجية تساعد على فهم الواقع″.
    مستقبل الثقافة
    وحول خشية المثقّفين العرب من تحجيم مساحات حرية الإبداع لديهم إثر وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة بعد الربيع العربي، قال فريد الزاهي: “ما لم ينتبه له الكثير من المثقّفين العرب، الذين ليست لهم علاقة بثقافة الصورة، هو أنّ أوّل ما حُرِّم وجُرِّم، بعد هذه النكسة العربية التي جاءت بالإسلاميين إلى السلطة، هو الصورة. في تونس وفي المغرب أول شيء تمت مراقبته من قبل الإسلاميين هو أغلفة المجلات، وحينما تُمنع مجلة لصورة في غلافها، فهذا أمر خطير. في المغرب بدأ الحديث عن “الفن النظيف”. إن الإسلاميين لا يقبلون بفكرة الفن أصلا، ولكن بما أنهم يعيشون حداثة بصرية، فإنهم يستعملون الصورة والفيسبوك وغيرهما، ومن ثمة لم يكن بمقدورهم تحريم الصورة، وإنما سعوا إلى الحدّ من موضوعاتها أي أن يجعلوا البصر العربي بصرا مغضوضا. ولا يهمّهم إلا الصورة الاستعمالية، والدليل على ذلك هو أنه ليس بينهم فنانون، والفن الإسلامي بالنسبة إليهم هو الفن اللغوي، والعودة أو الانتكاسة التي يحملونها في داخلهم تتمثل في رغبتهم في أن يشطبوا التاريخ العربي الثقافي السينمائي منه والمسرحي والتشكيلي شطبا تاما. في الخمسينات كان الجسد العربي راقصا وجميلا على غرار ما نشاهد في السينما المصرية.
    هؤلاء لن يهتموا بإنشاء المتاحف، لأن الفن لا يهمّهم ولا يدخل في استراتيجيتهم إلا من باب التحريم والتقويض. والذي أؤكّده هو أن هذه الواجهة التي تحمل حداثة الإنسان العربي في التعامل مع المرئي صارت الآن مهدّدة من قبل هؤلاء. لن يدخل الرقص والموسيقى في مجال اهتماماتهم لأن لهما علاقة بالجسد والصورة.
    لا نريد للثقافة العربية أن تتحول إلى مسجد كبير نخلع نعالنا وهويتنا الثقافية قبل دخوله لإنجاز فعل إبداعي. وهذا قد يؤدّي إلى هجرة جديدة للمثقّفين العرب، وقد تُمنع القُبل في السينما إذا لم تظهر مقاومة ثقافية وبصرية تطالب بالحق في الإبداع″.
يعمل...
X