إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السفير الشاعر نزار قباني الشعر مؤسسة ديبلوماسية قصيّة عن الثقافة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السفير الشاعر نزار قباني الشعر مؤسسة ديبلوماسية قصيّة عن الثقافة



    نزار قباني الشاعر السفير
    الشعر مؤسسة ديبلوماسية قصيّة عن الثقافة

    العرب أونلاين- شاكر لعيبي
    منذ وقت طويل فـهمت الثقافة العالمية والعربية أن الشعر نافر، خارجيّ، منسلخ بدرجات متفاوتة عن كل شرعة ونسق ونظام ومؤسسة. هذا الفهم الإطلاقيّ هو ما وقع على وجه التقريب تعميمه، في أوساط الشعراء المتمردين والطليعيين، الحقيقيين خاصة، لكن من دون براهين واقعية تتعلق بالمواقف الفعلية الملموسة من طرف الشعراء أنفسهم، بعض العرب قبل غيرهم. فلقد كانت وفرة منهم، وهنا مفارقة حقيقية، في قلب المؤسسة المنبوذة نظريا، أو أنهم، هم أنفسهم، سعوا لأن يتحوّلوا إلى مؤسسة حصينة باسم تمرّد منظور إليه من طرف عامة المثقفين بارتياح.
    لنقرر نحن أيضا أن الشعر يقف خارج كلّ شرعة ونظام ومؤسسة سوى مؤسسته، وهو لهذا السبب كائن هامشيّ، إذن ضروريّ روحيا ضرورة تكاد تكون مطلقة. يتضمّن هذا التحديد المتمرّد للشعر، المكتفي بذاته والقانع بالقليل، أنه لا يستقيم البتة مع الأنساق الخارجية، الغريبة على منطقه الداخليّ، ويتضمن كذلك أنه لا يستطيع الانسجام مع الخطابات الآنية المحضة أو تلك المنضبطة بمصالح مباشرة، ثقافية أو سياسية، كما أنه لا يستطيع قبول التدخل بشؤونه الخاصة أو مطالبته بالمكوث في المنطق السليم وحده أو العقلاني وحده أو المنفعيّ التعيس، إذا لم يناهض تلك الأمور كلها أو بعضها. بهذا المفهوم فالشعر يقف بتعارض صريح مع المشاريع المنظمة على النمط العربي حتى لو كانت نواياها سليمة الطويّة ظاهريا.
    على أن مطلق المؤسسة، بمعنى من المعاني، لا تتضمن بالضرورة دلالة الحبس والسجن والأفق الواحد المغلق، إلا في ثقافاتنا المحلية. فالثقافة عموما هي مؤسسة من دون شك من نمط مخصوص لأنها تلتزم بقواعد عمل واشتراطات جماعة وآفاق مشروع قائمٍ على تدليل منطقي وتاريخ، وفيها تاريخ آخر للأنواع الأدبية والبصرية. لكن مشروعها بوصفها مؤسسة، يقوم على نقد مستمر ومصر لمفهوم المؤسسة القاهرة من أجل أن تبقى، تلك المؤسسة عينها، بمنحى عن التقعيد النهائي والقاتل لأيّ مشروع جامد ثابت. بعبارة أخرى النقد ينقذها من التحوّل وثنا ومن براثن الموات.
    إذا كان الشعر يشغل مكانا أساسيا في العملية الثقافية، وإذا كان هو نفسه ثقافة رفيعة، فإنه إذن نواة لمشروع يختط مسارا غير اتجاه المؤسسة الأيديولوجية أحادية الرؤية، بل مضادا للتعسف والتسلط الأيديولوجي برمته. إن انفتاح الشعر لا يفضّل الانغلاق، وإن استعارته لا تخوم ولا تعريفات جاهزة لها، وإن فكره ومعانيه لا تقارنان إلا بالمفهومات التجريديّة الفلسفيّة، وإن روحه ليست روح المناطقة الباردة كما إن إطلاقيته لا تقارن بآنية الفانين.
    الشعر إذن واقع في صلب مؤسسة الثقافة. وهنا علينا استعادة التذكير بمفهوم الثقافة المشهود له عرفا من طرف الغالبية المطلقة من المثقفين، على أنها المعرفة والعقل الذي لا حدّ له، المتحرك في نطاق الحريّة. من البديهيّ أن يفكّر المرء بأن الثقافة والمثقف قرينان بالتمرّد والاختلاف ضمن منطق ما، منطق مغاير لما هو سائد في زمن وحقبة، منطق منطقيّ على أي حال حتى لو كان حدسيا، لأنه يمكن أن يقيم الدلائل على صواب فرضياته الصعبة.
    إذا كانت الثقافة مؤسسة فإنّ الشعر يقع في الطرف القصيّ منها.
    ثمة إشكالية ملتبسة قليلا أو كثيرا عن العلاقة بين الشعر بصفته اختراقا للنسق الثابت والمؤسسة بصفتها، خاصة، تابعا ذليلا لطرف ما واشتراطات هذه التبعية ذات الطبيعية اللا شعرية يقينا.
    نقول إشكالية ملتبسة وليس شيئا آخر ونحن نرى شعراء بارعين مثل أوكتافيو باث ونزار قباني وسان جون بيرس وغيرهم ممن عملوا في نطاق المؤسسات الديبلوماسية ولم يكفوا، رغم ذلك، عن تقديم خطاب شعريّ متعال إلى أبعد الحدود عن أطر المؤسسات التي تحركوا في نطاقاتها وأهدافها الآنية. أكثر من ذلك فإنهم قد حاموا في أفق ميتافيزيقي وإيروتيكي قد يقف بالنقيض الكامل مع برغماتيكية وظائفهم الديبلوماسية المسيّسة – الديبلوماسيّة كما نعلم هي فنّ ثعلبي، مراوغ، بل خسّيس أحيانا ينفر الروح الشعريّ من ثعلبيته – كيف يستقيم أمرهم إذن؟.
    لنذكر أن بعض الشعراء العرب قد انخرطوا في سياق مؤسساتي كامل "الراحل محمود درويش في منظمة التحرير الفلسطينية، أدونيس في مؤسسة دار الحياة، أحمد عبد المعطي حجازي في مؤسسات الثقافة المصرية، وغيرهم" بحيث أن مصدر رزقهم ومجال تحركهم الواسع، وربما البعض من شهرتهم تستمد نفسها كذلك من قدرة المؤسسة ماليا وإعلاميا. وهذه الأمثلة إشكالية بالمعنى الحرفي للكلمة في هذه العلاقة شعر– مؤسسة. وقد تنطبق عليها باحتراس وحذر نتائج تفكير الورقة الحالية.
    عموما تود المؤسسة العربية تجيير الشعر لصالح نفسها فحسب، لأنها تـدرج الثقافة ضمن منهاج التبشير والإجبار واللا معنى والإعلام، وأحيانا تدفعه لأن يقتدي بأمثولات فكرية واحدة. إنها تمنع الخطاب الثقافيّ من أن يكون ثقافيا. لقد خبرنا ذلك في خطابات البلدان القومانية العربية التي لم تـقـُدْ بلدانها – عبر الثقافة كذلك – سوى إلى الكوارث المعروفة.
    في هذه الحالة فإن الشعر يصير مكوّنا من مكونات الخطاب الإعلانيّ والتبشيريّ الذي يفرّط بنفسه في المقام الأول، أي ينفي جدل الكائن الإنسانيّ مع نفسه وقومه ومعنى الشعر العميق. من هنا كان الجدل العقيم مرتفع الصوت في العالم العربي : هل الشعر للشعر أم للآخرين، أي لصالح قضايا الآخرين؟. وحول مسألة الغرض الذي يستهدفه الشعر، يبدو أن اليسار العربي الأرثوذوكسي ما زال متوافقا مع يمين عربيّ سلفيّ أو دينيّ أو قومانيّ. وفي ذلك ثمة استخفاف عميق بالعمل الشعري وبجمالياته.
    في مقالة سابقة لنا عالجنا وجها من إشكالية صورة الشاعر في الثقافة العربية المعاصرة. وذهبنا إلى القول إن الشاعر في المخيال العربي هو، بشكل أساسيّ، رديف للإلهام ذي المصادر السرية التي لا تتعلق بالتتبع المنهجيّ والثقافي ولا تعتبرها مصادر لها. وهي صورة محاطة بقداسة وسموّ من طينة ميتافيزيقية كانت زائفة غالبا، فقد كانت مجروحة بالتبجّح والصلف والإلغاء والغيرة والتدنّي إلى مستوى الاغتراف من بؤس الدنيويّ الذي يُزعم التعالي عليه. وذكَرْنا في المقالة أن هذه الحقيقة مُبَرْهنٌ عليها في الخصومات بين شعراء العربية القدامى والجدد. وذكّرنا في هذا الصدد بأعمال أساسية مثل "الوساطة بين المتنبي وخصومه" للقاضي الجرجاني و" يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر" للثعالبي و"الموازنة بين الطائيين" للآمدي وأخبار"الأغاني" الكثيرة و"معجم الشعراء" للمرزباني والشتائم الصراح بين الفرزدق وجرير، وخصومات الشعراء المحدثين عديمة الرحمة والجدوى.
    ما زالت هذه الصورة قائمة لكنها مشوهة تشويها بالغا. فلا الشاعر الحكيم بواقعة ثابتة في ثقافة العرب المعاصرين، ولا ثيابه بفوّاحة برائحة القدّيسين، لأنه ينهل ويقيم بعضا من مجده على أساس التساهل مع المؤسسات والخطابات العائلية والسياسية بل والدينية التي يزعم مشروعه المعلن الوقوف بوجهها.
يعمل...
X