إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تستعيد ليلى العثمان بروايتها “حلم الليلة الأولى” تفاصيل الحياة الاجتماعية القديمة ولغتها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تستعيد ليلى العثمان بروايتها “حلم الليلة الأولى” تفاصيل الحياة الاجتماعية القديمة ولغتها


    ليلى العثمان تستعيد تفاصيل الحياة الاجتماعية القديمة ولغتها
    حلم الليلة الأولى
    مفيد نجم

    على الرغم من أن رواية “حلم الليلة الأولى” للروائية ليلى العثمان هي آخر إصداراتها إلا أن القارئ لتلك الرواية يدرك أنها من قديمها الجديد، فالبنية الفنية والسردية الحكائية للرواية واللغة والواقع الاجتماعي الذي تقاربه في روايتها توحي جمعيها بذلك، خاصة بالمقارنة مع روايتها ما قبل الأخيرة “خذها لا أريدها”. تتوزع الرواية على مجموعة من العناوين تبدأها بليلة الخوف وتنهيها بليلة البحث، بينما تحمل العناوين الثلاثة الأخرى أسماء عائلتي جاسم ومعيوف وشخصيتي سلوم وفطوم باعتبارهما شخصيتين محوريتين تدور حولهما أحداث هذين الجزءين. إن هذا التقسيم الذي تستبدل فيه الكاتبة فصول الرواية بالعنونة يكشف عن الدور المحوري الذي يلعبه العنوان من خلال علاقته العضوية بالنص الذي يتوجه، على خلاف جزئية تمثيل العنوان الرئيس للرواية للعمل، إذ يحيل على حدث فرعي في أحد أجزاء الرواية، دون أن يشكل تكثيفا واختزالا لعالم الرواية، أو يحمل أحد أسماء الشخصيات الرئيسة فيها أو اسم المكان الذي تجري فيه الأحداث.
    تقتحم جملة الاستهلال حدث الرواية المركزي المتمثل في خبر قيام سلوم بأحد أفعاله الغريبة بقطع عصاعيص (ذيول) الحيوانات وتأثير ذلك على عائلته، الأمر الذي يجعل الرواية الاجتماعية التي تنشغل بتجسيد الحياة الشعبية لمجموعة من العائلات الكويتية تنزاح عن المسار الذي تتخذه الرواية الواقعية عادة والتي تجعل من عتبتها السردية عتبة مكانية تهتم بتقديم المكان الذي ستجري فيه أحداث الرواية. تسعى الرواية كما هو واضح من خلال العناوين الداخلية لفصول الرواية إلى رصد مشاهد الحياة الاجتماعية المختلفة من خلال مجموعة من العائلات والشخصيات التي تحرك أحداث الرواية، وتتطور من خلالها دون أن يكون هناك اي ترابط بين أحداث الرواية على مستوى التقسيم الذي اعتمدته الكاتبة وجعلت له عناوين مستقلة، ما يجعل تلك الفصول تبدو معزولة عن بعضها البعض والرابط الوحيد بينها هو الواقع الاجتماعي الذي تنتمي إليه وتعبر عنه، إضافة إلى عنصر الزمن المتمثل في الأجيال الجديدة التي تقدم صورة متطورة عن الحياة السابقة للآباء، ولذلك فإن حذف أحد تلك الفصول لا يمكن أن يشكل خللا أو انقطاعا في حركة السرد وتطور الأحداث، بل على العكس من ذلك تماما، إذ شكل هذا الانتقال في سرد حكايات تلك العائلات المختلفة (عائلة جاسم وعائلة معيوف: الأب والابن) انقطاعا في حركة السرد وتطور أحداثه، لتعود الكاتبة في الجزء الذي يحمل عنوان عائلة معيوف في الصفحة 125 لمتابعة سرد حكايات تلك العائلة التي يلعب فيها سلوم دورا أساسيا ومركزيا في أحداثها. إن تلك العودة إلى عائلة جاسم والد معيوف والتي شكلت انقطاعا في حركة السرد كان يمكن للرواية أن تتجاوزها بجعل هذا الجزء هو الجزء الأول من الرواية بحيث يكون التسلسل التاريخي وحركة السرد متصلين وفي حركة صاعدة كما هو الحال في رواية الواقعية الاجتماعية عادة.
    تحاول الكاتبة أن تستحضر تفاصيل الحياة الشعبية وروحيتها سواء من خلال الوصف والوقائع أو اللغة التي تستخدمها تلك الشخصيات في حواراتها، الأمر الذي يضطر الكاتبة إلى وضع هوامش في أسفل الصفحة لشرح معنى تلك المفردات الشعبية. ولا تختلف لغة السرد كثيرا عن تلك اللغة التي تميل إلى التبسيط واستعمال بعض المفردات الشعبية ربما لجعل لغة السرد تشي بطابع البيئة الاجتماعية التي تجري أحداث الرواية فيها.

    السرد التقليدي


    في الجزء الثاني من الرواية والذي يحمل عنوان عائلة جاسم تنشغل الكاتبة بموضوع العلاقات الزوجية وتعدد الزوجات والمكائد التي تحبكها الزوجة القديمة انتقاما من الزوجة الجديدة، حيث تمثل الشخصيتان نموذجين نقيضين، فالأولى التي اعتادت السيطرة على الزوج بمساندة والدتها التي ترسم كل شيء في حياتها تبدو نموذجا للشر ونزعة الانتقام لا سيما بعد تأكد عقمها، في حين تبدو الزوجة الجديدة نموذجا للطيبة والعفوية والمحبة، ما يجعل أحداث الرواية تظل محكومة بهذا الصراع الذي تديره الزوجة العقيم سرا مستغلة طيبة وبساطة الزوجة الأخرى لتنتهي الأحداث بانتصار الخير وهزيمة الشر، عندما تنتهي الزوجة الأولى التي تأكلها نار الغيرة كل يوم محترقة بالنار التي تشعلها دون أن يتمكن أحد من إنقاذها. يتسم السرد الحكائي بطابعه التقليدي سواء من حيث تقديم الشخصيات وحركة السرد أو الوصف الدقيق للأمكنة (ضجيج عمال المنجرة، أصوات المطارق وهي تدك رؤوس المسامير. أسنان المناشير وهي تأكل لحم الخشب، يضاف لأصوات الداخل من زحام السوق الضيّق، هرج الباعة، اصوات المارة، بكاء الأطفال يتحزمون خصور الأمهات ويتمسكون بتلابيب عباءاتهن، وآخرون يتصايحون بألعابهم ويتبارون بها.
    هذا الضجيج غيّب صوت أبي، قال إنه ندهني مرتين قبل أن يصرخ الثالثة حتى قمت إلى ندائه). في هذا الفصل تستخدم السرد بضمير المتكلم الحاضر أولا لتنتقل بعد ذلك إلى السرد بضمير الغائب الذي تسرد من خلاله أحداث الرواية، وإذا كان حضور الكاتبة في روايتها يبدو من خلال الراوي الكلي الحضور الذي يلازم شخصيات الرواية، فإن الحضور الأوضح يتبدى في الحديث المطول عن ليلة الدخلة والعلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة في تلك الليلة، لا سيما على المستوى الجنسي بالنسبة للمرأة. وإذا كان الحوار يمثل وسيلة مثلى للتعبير عن أفكار الشخصيات، فإنه يمتاز بالتكثيف والإيجاز واستخدم اللغة الشعبية لنقل روح البيئة الاجتماعية التي تجري فيها أحداث الرواية.

    سيطرة الحكائي

    من العلامات التي تميز الرواية سيطرة الجانب الحكائي عليها، ومحاولة الاستفادة من الأسلوب المتبع في الحكايا الشعبية عبر استخدامه لا سيما في الجزء الأخير من الرواية ( سلوم وفطوم ) حيث تشكل هاتان الشخصيتان محور الأحداث فيه “كبر جاسم صار في الخامسة عشرة وفي الصف الثاني الثانوي. واصل دراسته في الثانوية التي استقال فيها أبوه. صار طويلا ممتلئ الجسم، وبدا رجلا بشاربين خفيفين... وضحة في الثالثة عشرة في الصف الرابع المتوسط. نسخة من جمال أمها. ارتدت العباءة كباقي البنات...”. ثمة فجوات زمنية كبيرة يقفز فوقها السرد في حين ينشغل السرد بسرد تفاصيل وقائع الصراع بين سلوم الشقي الذي يحارب سلوك الغش، وفطوم التي تنتهك في سلوكها كأمها، حيث يشكل هذا الصراع الدائر بين الشخصيتين وما يستقطبه من مواقف مختلفة الأساس الذي تنمو من خلاله أحداث الرواية الدرامية وتتطور لتصل إلى تعرض حياة سلوم للخطر بسبب انتقام عائلة فطوم منه.

    لكن نهاية الرواية التي تأتي كتعليق على أحداث الرواية ونهايتها المأساوية هي الأكثر تعبيرا عن الطابع التقليدي للسرد الحكائي (سينفضّ الجميع. ستمضي الحياة.. سيكبر الصغار... ويكثر الأحفاد. فرزانه لن تعود، سينساها الناس.. لكن المدينة الصغيرة ستظل لسنوات طويلة تتناقل حكاية سلوم الغريبة، وسيظل الرجال الذين اقتحموا غرفة أبو هواش يتذكرون المشهد الفظيع وتلازمهم القشعريرة والهذيانات المختلفة). لا يتضح الزمن الذي تجري فيه الأحداث إلا من خلال بعض الإشارات التي ترد في سياق الحديث عن استخدام المروحة الكهربائية في المنجرة، وعدم وجود أجهزة التبريد، وكذلك استخدام ضوء السراج عند دخول بيت أبو هواش.

يعمل...
X