إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محمد راتب الحلاق - رؤى / مرجعية القراءة النقدية /

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد راتب الحلاق - رؤى / مرجعية القراءة النقدية /


    رؤى / مرجعية القراءة النقدية /
    محمد راتب الحلاق
    النقد الأدبي القديم ، عند العرب وسواهم ، كان يتعامل مع النص الذي يشتغل عليه بوصفه نصاً منجزاً ومكتملاً في ذاته ، يقدم معنى محدداً أراده منتجه ، ضمن انتظامات إشارية ودلالية سائدة ، تمّ التواطؤ عليها من قبل أصحاب اللغة التي كتب بها
    النص .أما النقد الأدبي الحديث ، بمدارسه المختلفة ، فيتعامل مع النص بوصفه نصاً مليئاً بالفجوات والثغرات التي تركها النص ، بعلم منتجه حيناً ودون علمه أحياناً ، ليقوم القارئ بملئها بالدلالات التي يظن أنها مناسبة ، والتي قد تكون طريفة ومفاجئة لم تخطر على بال منتج النص في كثير من الحالات . ومن الطبيعي أن تختلف هذه الدلالات من قارئ إلى آخر ، وأن تختلف عند القارئ نفسه نتيجة تغيّر الظروف الذاتية والموضوعية .النقد القديم يحتكم إلى المعاجم ، وإلى نظام الدلالات السائد والمتداول : " التشبيه ، الاستعارة ، الكناية ، بعض الرموز التي تحولت إلى أنماط مستقرة من الدلالة .... " ، لتحصيل ما يظن أنه المعنى الحقيقي ؟؟!! في حين لا يعترف النقد الحديث بوجود (معنى حقيقي / أو معنى وحيد ) ، وإنما يترك للمتلقي أمر إنجاز المعنى الشخصي الخاص به ، أي إنجاز المغزى الذي يختلف من قارئ إلى آخر بطبيعة الحال .وعموماً ، فإن النقد الأدبي القديم لا يرى غضاضة في الإذعان لإرادة النص وإرادة منتجه ، حسب ما يدّعي الناقد ، الذي يريد في الحقيقة أن يخضع النص لإرادته هو ، وبما يتناسب مع مذهبه الفني ، ومع فكره وتوجهاته ...وبكلمات أخرى أقول : إن الناقد يحاول أن يقوّل النص مايشاء هو ، تحت ستار استنطاق النص لإجباره على البوح بمعناه الحقيقي ؟؟؟!!!! . أما النقد الحديث فيحاول أن يحتكم إلى قوانين جمالية عامة ، ليكتشف شعرية النص وفنيته وأصالته ... وليس المعنى الحقيقي الوحيد كما يزعم النقد القديم . ومما لاشك فيه أن النقد الحديث متقدم على النقد القديم بكل معاني التقدم ، وهذا من طبيعة الأمور ، وأي ادّعاء مخالف يتناقض مع منطق الصيرورة والتطور . لكن المشكلة تكمن في المواقف المتطرفة التي اتخذتها بعض المدارس النقدية الغربية الحديثة وجاراها بعض المريدين من النقاد العرب في ذلك .والمتابع للنظريات النقدية الغربية الحديثة ، التي ظهرت في القرن الماضي ، ولاسيما في النصف الثاني منه ، سيلاحظ كيف ان الذائقة النقدية كانت شديدة التقلّب ، تنتقل من قطب إلى آخر بصورة مفاجئة وغير متوقعة ، وإن كانت هذه الذائقة تنوس بين النزعة الموضوعية والنزعة الذاتية ؛ وعندما تتطرف إحدى النزعتين كانت تنشأ في داخلها النزعة المناقضة ، في جدل أغنى الدرس النقدي ( الأدبي والفني عموماً ) ، بكثير من المصطلحات والمفاهيم والأفكار ... فقد ركزت النزعة الموضوعية على النص بوصفه بنية لغوية مكتفية بذاتها ، وليست بحاجة إلى أية إحالة إلى خارجها لتستمد من ثمة الشرعية والمصداقية ، بما في ذلك الإحالة إلى منتج النص ، أو الإحالة إلى الواقع والسياق التاريخي الذي تخلّق النص في أحشائه ( وهذا ما فعله البنيويون ) . وبالمقابل فإن النزعة الذاتية سعت إلى تجريد النص من أية سلطة ، وأعطت هذه السلطة للمتلقي ، بوصفه المنتج الحقيقي للمعنى ، كما فعل نقاد مابعد البنيوية ومابعد الحداثة ، ولاسيما ما فعله التفكيكيون ، أعني ( جاك دريداومريديه ) ، حيث نشأ ما عرف بــــ( استجابات المتلقي ) ، أو نظرية التلقي . وبين هاتين النزعتين المتطرفتين ( الموضوعية والذاتية ) ثمة مواقف نقدية حاولت التوفيق بينهما والاستفادة منهما معاً ، كالمناهج الاجتماعية ( السوسيولوجية ) والتاريخية والنفسية (السيكولوجية ) وما يقوم به بعض أساتذة الجامعات المشتغلون بما يعرف بالنقد الأكاديمي .وخير النقد ، فيما أزعم ، ما ينتجه ناقد واسع الثقافة والاطلاع ، هضم المدارس النقدية وامتلكها جميعاً ، دون أن يرهن نفسه عند إحداها ، الأمر الذي مكّنه من أن يطل على النص الذي يشتغل عليه من آفاق متحررة من الأفكار المسبقة ، وأن يقرأه في السياق المناسب ، دون تعصب لمدرسة نقدية بعينها .‏
    محمد راتب الحلاق [email protected]
يعمل...
X