إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جائزة نوبل للآداب وتولستوي فرح لأنه لم يحصل عليها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جائزة نوبل للآداب وتولستوي فرح لأنه لم يحصل عليها


    تولستوي وجائزة نوبل للآداب
    سررت كثيرا لأن جائزة نوبل لم تمنح لي، ومبعث سروري يرجع لسببين: أولهما أن ذلك خلصنى من صعوبة كبيرة، وهي كيفية التصرف بمبلغ الجائزة.

    ميدل ايست أونلاين

    بقلم: جودت هوشيار

    رجاء حارا أن تسعى إلى عدم منح الجائزة لي

    كان الشاعر الفرنسي رينه سولى برودوم ( 1839 – 1907 ) أول من نال جائزة نوبل في الآداب، عندما منحت هذه الجائزة للمرة الأولى في عام 1901. وكان الاعتقاد السائد في ذلك الحين وربما حتى الوقت الراهن، أن هذه الجائزة الرفيعة هي أهم جائزة للآداب في العالم، وتمنح وفق أسس ومعايير ثابتة وتقييم موضوعي دقيق، بعيدا عن الانحياز السياسي. والفائز بالجائزة في نظر ملايين الناس، صاحب موهبة كبيرة ان لم يكن عبقريا وأفضل من بقية المرشحين.

    ولكن الواقع يخالف هذا الاعتقاد الراسخ في الوعي الجمعي. ففى ذلك العام، كان أحد أبرز عمالقة الأدب العالمي، وهو ليف تولستوي (1828 – 1910) من بين المرشحين ولكن لجنة التحكيم الملكية اختارت شاعرا قلما يتردد اسمه اليوم حتى في فرنسا ذاتها.
    في تلك الفترة كان تولستوي أبرز الأدباء الأحياء، ويحتل منزلة رفيعة كروائي أبدع نتاجات روائية عظيمة، وقد اعترف (كارل فيرسين) سكرتير الأكاديمية السويدية في ذلك الحين، بأن تولستوي خلق نتاجات خالدة. ولكنه مع ذلك صوت ضد منح الكاتب الروسي الجائزة، لأن الأخير حسب زعمه "نبذ كل أشكال الحضارة ودعا الى أسلوب بدائي وبسيط للحياة الإنسانية، بمعزل عن كل أنماط الثقافة الرفيعة.
    كان لقرار لجنة نوبل، وقع الصدمة على الرأي العام السويدي والأوروبي وخاصة على الكتاب والمثقفين منهم، ليس فقط لأن الجائزة لم تمنح لتولستوي، ففي ذلك الوقت كان ثمة أيضا، أدباء مرموقين أكثر من (برودوم)، مثل أنطون تشيخوف، مكسيم غوركي، الكساندر بلوك، أميل زولا.
    بعد شهر واحد من إعلان اسم الفائز، وجهت مجموعة كبيرة من أدباء وكتاب السويد البارزين رسالة الى تولستوي، عبرت فيها عن احتجاجها على قرار لجنة التحكيم، وفي الوقت ذاته إعجابها الشديد بنتاجات الكاتب، ومما جاء فى الرسالة: "نحن نرى فيكم، ليس فقط، العميد المبجل للأدب المعاصر، ولكن أيضا واحدا من أعظم وأعمق الأدباء المعاصرين، الذين لا يمكن لأحد ان يتجاهلهم، رغم أنكم حسب قناعاتكم لم تسعوا قط في أي وقت من الأوقات للحصول على هذا النوع من الجوائز. ولهذا نشعر بمسيس الحاجة أن نوجه اليكم هذه التحية، لأننا نعتقد بأن المؤسسة التي أنيطت بها مهمة منح جائزة (نوبل) في الآداب، لا تعبر بتشكيلتها الحالية، لا عن آراء الكناب والأدباء والفنانين ولا الرأى العام. دعهم يعرفون في الخارج (أي خارج السويد. ج. ه)، بأننا حتى في وطننا البعيد، نعتقد بأن الفن الأهم والأقوى، هو الفن الذي يولد من رحم حرية الفكر والإبداع".
    وفي 24 يناير/كانون الثانى عام 1902 نشرت صحيفة "سفينسكا داجبلاديت" السويدية مقالا للكاتب "أغسطس ستريندبرغ"، جاء فيه: "إن معظم أعضاء الأكاديمية هم من المهنيين الذين لا يتصفون بيقظة الضمير وليست لديهم ذائقة أدبية، ورغم ذلك أنيطت بهم مهمة التحكيم، ومفهوم الفن لدى هؤلاء السادة ساذج وصبياني، فالشعر عندهم هو ما كان منظوما ويفضل أن يكون مقفى. فعلى سبيل المثال، اذا كان تولستوي قد نال مجدا أدبيا رفيعا، بوصفه كاتبا أبدع في تصوير المصائر البشرية وخلق آثارا أدبية خالدة فإنه لا يعتبر شاعرا، لأنه لم ينظم الشعر".
    وقال الناقد الأدبي الدنماركي الشهير جورج برانديس: "يتبوأ ليف تولستوي المركز الأول بين الكتاب المعاصرين ولا أحد يحظى باحترام يصل الى حد التقديس مثله، ويمكن القول إنه وحده يبعث مشاعر الخشوع! وقد منح جائزة للآداب لأول مرة في تاريخ جوائز(نوبل)، لشاعر نبيل ورقيق، ولكن لا يحتل مكانة مرموقة، لذا بعث أفضل الكتاب السويديين برسالة الى تولستوي يحتجون فيها على منح الجائزة للشاعر المذكور، والكل كان يشعر بأن من المفترض أن تمنح الجائزة الى كاتب روسيا العظيم".
    البيانات العديدة المطالبة باستعادة العدالة المهدورة والرسائل الموجهة الى (تولستوي) أرغمت الكاتب العظيم على توجيه رسالة جوابية إلى الكتاب الأوروبيين، قال فيها وببساطة شديدة: "أيها الأخوة الأعزاء لقد سررت كثيرا لأن جائزة نوبل لم تمنح لي، ومبعث سروري يرجع لسببين: أولهما وقبل كل شيء ان ذلك، خلصنى من صعوبة كبيرة، وهي كيفية التصرف بمبلغ الجائزة، وهو في رأيي مثل أي مال آخر لا يجلب سوى الشر. وثانيهما، تشرفت وسررت لتلقي عبارات التعاطف من كثير من الناس، وإن كانوا غير معروفين بالنسبة لي، إلا أنني أكن لهم احتراما عميقا. ارجو، أن تتقبلوا أيها الأخوة الأعزاء خالص الامتنان وأفضل المشاعر. ليف تولستوي".
    قال بعض المدافعين عن لجنة جائزة نوبل، أن تولستوي كان سيرفض الجائزة حتما، لو تم منحها له. وهذا الاستنتاج صحيح لكل من قرأ نتاجات تولستوي وتعرف على آرائه في الأصلاح الاجتماعي والأخلاقي، ودعوته الى السلام ونبذ العنف، ولدينا اليوم دليل قوي على ذلك.
    في عام 1905 صدر نتاج جديد لتولستوي تحت عنوان "الخطيئة الكبرى"، رفض فيه رفضا قاطعا وعلى نحو مقنع للغاية، ومبرر تماما (الملكية الفردية) للأرض. وعلى أثر ذلك، رشحته الأكاديمية الروسية الأمبراطورية، لنيل جائزة (نويل) في الآداب لعام 1906 وقد جاء في رسالة الترشيح الموقعة من كبار علماءالأكاديمية، "أن رواية (الحرب والسلام) ورواية (البعث) هما من أعظم النتاجات الأدبية الخالدة".
    وأعربت الأكاديمية الروسية عن رغبتها بمنح الجائزة لـ (تولستوي) وقد حظى هذا الاقتراح أيضا بتأييد أكاديمية الآداب في روسيا. وعندما علم تولستوي بهذا الأمر، كتب رسالة عاجلة الى صديقه الكاتب الفنلندى ارفيدو ارنيفيلدو يقول فيها: "لو حدث هذا (يقصد منح الجائزة له. ج. ه)، لشعرت بحرج شديد في رفضها، ولهذا أرجو منك رجاء حارا - إذا كانت لديك علاقة ما في السويد حسب ما أظن – أن تبذل كل جهد ممكن وتسعى إلى عدم منح الجائزة لي. ربما تعرف بعض أعضاء اللجنة أو تكتب رسالة الى رئيسها من أجل عدم القيام بهذا العمل أو التصريح به. وعدم وضعي في موقف حرج للغاية، وهو رفض الجائزة".
    وهذا هو الفرق الجوهري بين موقف كاتب عملاق مثل ليف تولستوي وبين أي كاتب آخر، همه الأول تسويق نفسه على أفضل صورة عن طريق الجوائز والمهرجانات التي لا تضيف شيئا حقيقيا إلى إبداع الكاتب، أي كاتب.
    جودت هوشيار – موسكو
    [email protected]
يعمل...
X