إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشاعر سليمان العيسى شاعر الأحلام القتيلة ( أنا الحادي القتيل أنا الظمي )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشاعر سليمان العيسى شاعر الأحلام القتيلة ( أنا الحادي القتيل أنا الظمي )


    شاعر الأحلام القتيلة.. وضمير العرب الحي
    العيسى: أنا الحادي القتيل أنا الظمي
    محمد أمين - الوطن السورية
    أن تقترب من الشاعر سليمان العيسى فأنت تقترب من رجل امتلأت حياته بالمعاناة والحرمان والغربة والحلم والوهم. إنه شاهد على أهم قرن في مسيرة البشرية إنه القرن العشرون الذي خاض فيه العرب معركة الوجود على جبهات عدة، فيه تفتحت أزاهير العروبة بعد قرون انطفاء، إنه شاهد على ولادة الحلم العربي الكبير الذي استحال بعد ذلك وهماً أكبر. يقول علي القيم في مقدمة كتاب يحمل عنوان «سليمان العيسى.. شاعر العروبة والطفولة» صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب قام هو وزوج الشاعر الدكتورة ملكة أبيض في إعداده وتوثيقه وتضمن دراسات وشهادات عن العيسى يقول: ما زال يغرس أشجار التفاؤل في النفوس ويزرع البيادر من قمح وغلال في مشارق الوطن العربي ومغاربه لتتحول إلى مصباح ينير درب الأجيال.
    إنه شاعر «الأحلام القتيلة» كما سماه القيم الذي «ما زال يبحث عن نجم جديد كل يوم» فهو «من جيل كان الحلم العربي محور حياته وشعره، وأحلامه كانت وراء كل كلمة قالها في حياته ولا يرى لحياته معنى دون حلم».
    وتناولت زوج الشاعر في شهادة لها التجربة التي عاشتها معه منذ عام 1950 وتنقل عنه ترديده الدائم لعبارة: إن السعادة الفردية لا يمكن بلوغها في وطن متخلف مستعبد، وتضيف: لقد أحس بعد نكسة حزيران أن مرحلة بكاملها قد احترقت ولا بد له أن يبحث عن نافذة للخلاص وقد وجد النافذة في عيون الأطفال:
    كان الصغار ملاذاً من الدمار يقيني
    كانوا شعاع رجاء في ليلي ليلي الحزين
    وتستعرض أبيض بعض المحطات المهمة في حياة العيسى الخاصة والعامة وتورد في آخرها قصيدة قالها في العام الفائت بمناسبة مرور ستين عاماً على زواجهما حيث احتفلا بالمناسبة معاً في مقهى دمشقي معروف (ضوء القمر) يقول العيسى:
    نتلاقى..
    تحت أهداب القمر
    تقف الستون في ضوء القمر
    أيها العمر الذي مرَّ.. ابتسم
    كنت عمراً مرَّ أم حلماً عبر؟!
    لا تسلني..
    لست أدري.. لا ولا
    هي تدري..
    نسي الدرب السفر
    كن كما شئت
    ودعنا ها هنا
    نبدأ الرحلة في «ضوء القمر»
    أما معن نجل الشاعر فقد قال لنا والده: النادر في شخصية سليمان العيسى هو ذلك المزج العجيب بين البساطة التي تصل إلى حد البراءة المطلقة وبين العمق الذي يجعله كنزاً معرفياً وإنسانياً وفلسفياً ولغوياً يسير على قدمين.
    ويؤكد معن أيضاً أنه وإخوته تعلموا من والدهما أن الحياة الشخصية والحياة العامة «هما وجهان لعملة واحدة، وإذا كان معظم إنتاجه قد كُرّس للوطن وقضاياه فإن حياته في المنزل كانت أنموذجاً مصغراً لهذا التكريس، فإنجازاتنا في المدرسة والكلية والعمل المهني بقيت دائماً أهم من السيارة والتلفزيون الملون الذي كان آخر ما اقتناه» ويختم معن شهادته عن والده بعبارة لافتة: الزائر لمنزله البسيط في دمشق قد يكوّن فكرة عن قناعته وزهده ولكن الناظر إلى واقع أمتنا العربية الحالي.
    يعرف إلى أي حد «شديد الطمع» هو سليمان العيسى.
    ولد سليمان العيسى في قرية (النعيرية) في لواء اسكندرون عام 1921 وتعلم على يد أبيه مبادئ القراءة والكتابة وقد حرص والده أن يكوّنه تكويناً ثقافياً متميزاً فحفظه القرآن الكريم وديوان المتنبي وعيون الشعر العربي وأشركه معه في التعليم بالكتّاب.
    ويذكر عبد اللطيف الأرناؤوط «شاعر سوري» في شهادته عنه أن أسرة سليمان العيسى «كانت تعيش في حال أقرب إلى الفقر» وفي هذا يقول العيسى:
    طفولتي من لهب الفقر ومن ترابه
    سخّرت للثورة حرماني وكل ما به
    في مدينة أنطاكية أتم العيسى دراسته الابتدائية وغادر اللواء بعد سلخه عن سورية وتابع دراسة الثانوية في حماة واللاذقية ودمشق وسُجن أكثر من مرة في تلك الفترة بسبب مشاركته في النضال الوطني زمن الانتداب الفرنسي على سورية، وأتم دراسته في بغداد وفي عام 1947 استقر في مدينة حلب يدرّس فيها الأدب واللغة العربية وانتقل في عام 1967 إلى دمشق حيث عُين موجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية. في عام 1952 أصدر العيسى أول ديوان له (مع الفجر) حيث يرى الأرناؤوط أن رؤية العيسى القومية تبلورت في ذاك العام «وأصبح لسان حركة التحرر العربي وحادي قوافلها في طريق الكفاح وتمخضت هذه الفترة عن ستة دواوين أصبح الشعر عند سليمان في هذه المرحلة رسالة قومية موجهة إلى الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير.. يبدو الشاعر في هذه المرحلة مقاتلاً لكن سلاحه الكلمات، جماهيره في المعركة التي يقودها هم العمال والفلاحون وبؤساء هذه الأمة، يقودها في موكب النور إلى الخلاص.
    يلقاك بالدمع دمع الثورة النغم
    يا أمة في الزنود السمر تبتسم
    هتفت بالشعر أستسقيه قافية
    حمراء فانفجرت في أضلعي الحمم
    ولاح موكبي الماضي بجبهته
    عضُّ القيود ولسع السوط يرتسم
    ووالغ في دم الأحرار طاغية
    ما زال من شبح الأحرار ينهزم
    للمعول الصلد عهد في سواعدنا
    ألا يرد وفي ساحاتنا صنم»
    وقد كتب العيسى في تلك الفترة للثورة الجزائرية وللوحدة السورية المصرية وشهد انهيار الحلم الكبير في عام 1967 فاتسم شعره بالمرارة والحزن الهادئ وأخمدت سورة اندفاعته وفي تلك السنوات خاطب الوحدة العربية الموعودة:
    أطلي على ليل اختناقي تيبست
    لهاتي وملتنبي أناشيد فاتمي
    وهبتك عمري ما وهبت سوى الظما
    إليك أنا الحادي القتيل أنا الظمي
    وقد تضمن الكتاب الذي يقع في 686 صفحة العديد من شهادات شعراء وكتاب وأدباء سوريين وعرب عرفوا الشاعر وعايشوه عن قرب وتعمقوا في تجربته النضالية والشعرية المتألقة دوماً حيث يرى انطون مقدسي أن سليمان العيسى «شاعر العروبة» ويرى الشاعر اليمني المعروف عبد العزيز المقالح أنه «شاعر الخلاص القومي» الذي «يبدو ساكناً من الخارج وفي قلبه مرجل دائم الاحتراق، وفي هذا الصدد ربما بدا في الصورة شاعراً مرهف الإحساس رقيق العاطفة وهو كذلك حقاً لكنه في المواقف الحاسمة إنسان آخر قاطع كالسيف حاد كالحقيقة» ويراه الأديب السعودي عبد الله الغزامي أنه «أجمل ما في لغتنا» ويضيف: إنه ضمير عربي مثّل ويمثّل لنا قاعدة وموقعاً استثنائياً وتاريخياً..
    ضميرنا العربي الذي لا يضعف ولا يشيخ ولا يتراجع.. لقد ظل سليمان العيسى وصياً وأمنياً على تركتنا الحضارية المسروقة وعلى ضميرنا المستلب ومن هنا تقرأ سليمان العيسى ونضعه في أعمق أعمق ضمائرنا لأنه هو من يحمي هذه الضمائر ويبقيها حية.
    وكتب الدكتور راشد المبارك واصفاً إياه بـ«الإنسان الشاعر» وأبرز في شخصيته ثلاثة خصال هي «الإباء والوفاء والعطاء» ويقول عنه حسام الخطيب: ظاهرة قومية شعورية شعرية.. ملأ جنبات الوطن العربي حماسة وتدفقاً واندفاعاً وأملاً بالمستقبل.
    أما عبد العزيز سعود البابطين فيقول: نقف أمام نتاج الشاعر وكأننا أمام غابة ضخمة متشابكة الأغصان ممتدة إلى آفاق واسعة أو أمام محيط متسع مضطرم الأمواج لا يمكن لنظرة واحدة أن تحيط به.
    ويضيف: العيسى خلتان، خلّتان متناقضتان متكاملتان في شخصه: التواضع والشموخ.
    ويرى الأديب إسماعيل مروة أن العيسى مؤمن بالأرض والأجيال القادمة، ويرى محمود السيد أنه «قامة أدبية شامخة في حياة أمتنا المعاصرة وقف أدبه للقيم والوطن والأرض والإنسان».
يعمل...
X