إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشاعر سعيد عقل إبداع لا يتوقف من شام وإليها وبها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشاعر سعيد عقل إبداع لا يتوقف من شام وإليها وبها



    أعطى عمره للشعر خمرة فاحتفظ بالنشوة وأسكر الخلق
    سعيد عقل إبداع لا يتوقف من شام وإليها وبها

    الوطن السورية
    لا تصدقوا الوشاة.. أنا من المحبين الأكثر إخلاصاً كذلك كان سعيد عقل يقول بعينيه أمس، وهم يحيطون به على كرسيه المتحرك للاحتفال ببلوغه مئة عام.. لم يدرك الكثيرون أن المبدعين من رتبة سعيد عقل يولدون وقد بلغوا مئات السنوات، قاماتهم أكبر من أعمارهم.. كبار قبل أن يعطوا إنتاجاتهم، وما إن تبدأ قرائحهم حتى تحاول التطاول للوصول إلى قاماتهم الطويلة الطويلة.. المبدعون الحقيقيون هم الذين يصلون المدى الذي لا يدركه البصر الكليل لبصيرة عرجاء..!
    عقل والدعوة العامية
    أول ما سمعت بسعيد عقل في حديث مكتوب حول الأخطار التي تتهدد الفصحى من العامية، وقد قرأت الكثير عن الدعوة الفرعونية في مصر، والدعوة الفينيقية في بلاد الشام، وفي لبنان تحديداً، وكان المبدع سعيد عقل من دعاة العامية، وهو الشاعر الكبير، وصاحب الإرث الشعري الضخم، بل زاد سعيد عقل بأن كتب بالعامية، فكان مبدعاً في الفصيحة، ومبدعاً في المحكية، وفي غمرة الهجوم العنيف-الذي قد يكون محقاً في جوانب- على عقل غابت صورته المشرقة في الفصحى، ونسي كثيرون ما قدمه سعيد عقل من أشعار وصلت الغاية في الفصاحة، بل والإغراب أحياناً.. وما كان لهذا المبدع المئوي أن يجود بمثل هذا الشعر في شبابه لو لم يكن متشرباً الفصحى في كل خلية من خلايا وجدانه وفكره وعشقه اللغوي.. وكنت أتمنى أن يسأل أحدهم نفسه: هل يمكن لكاره للغة الفصيحة أن يترك هذا الإرث الفصيح العالي للغاية؟
    هل دُرست دعوة عقل العامية ومجالاتها وأهدافها بالصورة اللائقة؟
    هل أنكر عقل تاريخه الفصيح إكراماً لعامية تحمل أهدافاً خفية؟
    سيف الشآم الماضي
    يا شام عاد الصيف متئداً وعاد بي الجناح
    صرخ الحنين إليك بي، أقلع ونادتني الرياح
    أصوات أحبابي وعيناها ووعد غدٍ يتاح
    كل الذين أحبهم نهبوا رقادي واستراحوا
    ها هو سعيد عقل المحب لـ«شام» المدنف الرقيق، الذي يملك الكثير من طهر الذات والعقيدة واللغة، صاحب الرهافة والتعبد في محراب امرأة مطلق امرأة.. سعيد عقل يشتاق من بيروت التي اختارها بعد زحلة يشتاق للشام، اشتياقاً من نوع مختلف، فهي المقصد، والتي لا تستقبل إلا الطائر الرقيق بجناح حب لا يرد، استجابة لحنين طافح يدعوه لأن يبدأ الإبحار بجناحيه إلى شام.. إنه الوله الذي لا يعرف طعم نوم أو راحة بعد أن أخذ أحبته هذا النوم.
    بعيداً عن الجزالة والفخامة قريباً من الروح الفياضة طهراً وحباً لمدينة وتاريخ يقف سعيد عقل.. يتحول التاريخ بين يديه إلى جدلية جميلة تتمدد على عنق شام فتأخذ من شام الألق ومن التاريخ العراقة ومن العابد الوله:
    فأنا هنا جرح الهوى وهناك في وطني جراح
    وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح
    يا حب تمنعني وتسألني متى الزمن المباح
    وأنا إليك الدرب والطير المشرد والأقاح
    في الشام أنت هوى وفي بيروت أغنية وراح
    أهلي وأهلك والحضارة وحدتنا والسماح
    وصمودنا وقوافل الأبطال من ضحوا وراحوا
    يا شام، يا بوابة التاريخ تحرسك الرماح

    من حضارة شام وعراقة تاريخها والهوى الشامي تأتي عظمة شعر سعيد عقل في الشام، حيث التقى التاريخ والحب مع الشعر والسمو فأنتجا شعراً خالداً أبداً. قد يكون الأكثر ثراءً في تاريخ سعيد عقل حديثه عن البلدان، ولا يستطيع أحد أن يكذب سعيد عقل وعاطفته تجاه شام، وهو الذي يرقب مجداً أموياً خالداً ناجاه كثيراً في شعره وأغنياته، وربما كان الجامع بينه وبين شام هو ذاك الجامع الذي ربط الأخطل الصغير، وقد قدم سعيد لديوانه، وبين نزار وحبه الشآمي المختتم بقصيدته الحائية (الهوى الذباح)، والثلاثة الشعراء الأخطل وعقل ونزار عاشوا حالمين بالهوى والمجد وشام.

    شام الهوى والخزام والماء
    في جو من العطر والورد والشذا والطير والخمرة تشعشع روح الشعر الخالد، وتنفجر قريحة لأشعر عند سعيد عقل ليتغزل بشام ليس كما يتغزل الآخرون، وتبقى يداه مرتعشتين تلمسان الضوء والوهج، ولكن بحثاً عن جمال جديد لا يدرك كنهه وعمقه إلا محب شام الذي يرجو أن يكون أهلاً لعشقها:
    سائليني حين عطرت السلام كيف غار الورد واعتل الخزام
    وأنا لو رحت استرضي الشذا لأنثنى لبنان عطرا يا شآم
    ضفتاك ارتاحتا في خاطري واحتمى طيرك في الظن وحام
    ردّ لي من صبوتي يا بردى ذكريات زرن في ليا قوام
    ظمئ الشرق فيا شام اسكبي واملئي الكأس له حتى الجمام
    أهلك التاريخ من فضلتهم ذكرهم في عروة الدهر وسام
    أمويون فإن ضقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام

    لا ريب أن صوت فيروز أعطى شاميات سعيد عقل جمالاً خاصاً وخلوداً مختلفاً، ولكن الكثيرين كتبوا لشام، ومن غنى للشام أكثر، ولكن شاميات سعيد عقل كسبت ثالوث المجد، المصدر والموضوع والصوت، فعاشت مكتسبة جدارة الموضوع من عشق حقيقي لسعيد عقل، فكتب ما كتبه عن حب حقيقي، لم يطلب منه أحد، رأى شام بلمحة خاطفة، التصق على العنق وهي تلوي جيدها دلاً وعفة، أراد أن يطبع قبلة فغابت وصار اليوم عمراً والعمر دهوراً، وهي بعيدة لذا جاء شعره في شام أقرب إلى الحلم الذي يسرد قصة عشق مستحيل.. الشاعر خالد، والشعر لا يدانى والصوت يرتبط بشام الأبد، ويعزف كل حين، ويحلو مع الصيف ونافورة وشام... شام الألق التي اختفت ذات لحظة، أنفاسها تعطر الكون وعاشقها الثمل على رصيف من الياسمين ينسج فيها شاماته التي يعتصرها الشجن والشوق للقاء وعناق عند حدودهما ينتهي الزمن... ينتهي العاشق، وتبقى شام ترتقي في معارج الروح والجسد.
    بالأمس وقف سعيد عقل أمام التكريم... وقف معبراً عن شكر... أعوامه المئة لا تزال تدفعه إلى تألق حتمي لا يعرفه سواه من الحاضرين، وكانت نظرته ساهمة بعيدة ربما كان هنا يتابع قلب صديقه الأخطل الذي سألوه إن كان يحب الشام فأجاب:
    (قلت جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي...)
    من شام إلى أمية والأمويين والهوى الأموي تنقل سعيد عقل ليتحدث عن سورية ومجد سورية في شعر هو الأعلى، وفي فكر عبر عنه سعيد عقل تعبيراً صادقاً، فأعطى صورة لا تشوبها شائبة عن لغة عقل الفصيحة التي يعشقها ويخلد من خلالها... لذا كان سعيد عقل صاحب شعار:
    أجمل التاريخ كان غدا...
    الأحاسيس الملأى بالعبق:
    تحدث كثيرون عن سعيد عقل وشامياته، بل ذهب بعضهم إلى حد القول: إن شامياته أفضل شعره، وإن شامياته أعلى ما قيل في شام، لكن الحقيقة تضع شامياته في مكان أرقى، وفي منزلة عالية، لكن هذا الشعر البعيد عن الشخصنة والتمجيد، والقريب للغاية من الشام وعبقها يتميز بالكثير من الميزات، والتي استمدت من أحاسيس عقل وطهريته التي أشار إليها دارسو عقل وشعره، إضافة إلى أن عقل الذي ارتبطت الدعوة العامية باسمه كان صاحب الإنتاج الأجمل والأرق بالفصحى:

    أخبرتها أخبرتْها النجوم
    أنك لي.... طوقت خصري... بحت للكروم
    بأنني كأسك والهموم....أقلعت عبر الصحو والغيوم
    في هدبي الحلو المزلزل!
    وفي غدٍ إن أنا لم.... أكن غرامك الوحيد
    أضمّ.... أضمّ وحدي وأشم
    وكان نيسان جديد
    لا لن ترى الزهر
    مجرحاً بيدي.... قلبي غفر
    قلبي الذي يذكر ألف شي
    أني غوى النظر
    نبض الصبا... بلّورة السحَر
    أن على يدي
    يلهو القدر
    وإن أنا أسقطت من عليّ
    ثوباً، فما شمس وما قمر؟
    كذلك تحدث سعيد عقل بلسان جميلته في (أجمل منك؟ لا) وما من فرق بين هذه اللغة الآسرة وحديثه عن شام، وكأنه يتحدث عن شام ولها، وهي التي تتحدى بفتنتها وعظمتها، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن الشاعر العظيم بذاته هو الذي امتزج بشام وقدّم لصوت إلهي ما يربط بين أهرامات لا تشيخ ولا تتغير بتغير الزمن والوقت...
    من هنا أدعو لقراءات دعوته العامية قراءة واعية ثقافية وسياسية وفكرية، فصاحب الدعوة العامية الملتبسة يقول بفصحى لا يصل إليها الفصحاء:
    الحب خمّش خداً واشتكى وبكى
    واستوحش القمر الراني فلم يرن
    تمر بالأذن الآهات تسألها
    أنحن من بعده الآهات للأذن؟
    غنين غنين يا كاسات قلن له:
    ماتت لنا الخمر والعنقود في حزن
    غنين غنين قلن: المجد في يتم
    شعر بلا المجد رايات بلا وطن

    سعيد عقل وكبرياء الشعر والنفس
    ما من أحد لم يترنج بالعذوبة والجزالة في غنائيات سعيد عقل، ولا يمكن أن نعرف مصدر هذه العذوبة إلا إذا عدنا إلى حياة الشاعر وشعره، وللأسف فإن شعر سعيد عقل غير متوافر بتمامه بين أيدي الناس المهتمين، وكنت قد اطلعت على جزء منه عن طريق الصديق الشاعر جوزيف حرب، إضافة إلى مجموعات متفرقة، وقد أكون مديناً بالاقتباس من الشعر لشبكة النت التي تسعف في ظل عدم التواصل الثقافي العربي... بعيداً عن العامية وقريباً من الفصيحة العميقة يقول:
    شغفت أنا بالعنفوان خبرته
    صنوفاً وآخاني كما الغيمة المزن
    وما همّ إن متنا ولم نبلغ المنى
    كفى أن مشينا لا التواء ولا هدن
    غداً في خطانا يجبه الصعب نفسه
    بنون هم الأسياف مقبضها نحن
    مع الشعر الذاتي أو الغزلي أو الوطني كان سعيد عقل ذاته، فلم تتغير نبرة ذلك الشاعر المفتون بالجمال والعذوبة والملتصق بعذرية اللفظ والفكرة دون أي خدش لحياء الكلمة، بل ودون أي نوع من الكبر الذي يشيع عن الشاعر.
    منذ أيام بدأ سعيد عقل عامه المئة من الإبداع والحياة، عاش للحياة بكل ما فيه، وبكل جزئياته، وبقي ملاحقاً الصورة والكلمة فصيحة أو محكية، وبقي منصفاً للآخر دون أن يهز قناعاته أي شيء.
    سعيد عقل
    - ولد في زحلة 4 تموز 1912.
    - درس في مدرسة الإخوة المريميين حتى وفاة والده.
    - عمل بسبب الظروف في الصحافة والتعليم.
    - قرأ الفلسفة واللاهوت والأديان والأدب وأخذ من جميع الشرائع وعبر عن ذلك.
    من آثاره: بنت يفتاح 1935، المجدلية 1937، قدموس مسرحية 1944، رندلى 1950، مشكلة النخبة 1954، كأس الخمر 1960، لبنان إن حكى 1960، أجمل منك لا 1960.
    يارا محكية 1961، خماسيات محكية 1978، خماسيات الصبا 1992 بالفصحى والمحكية، الذهب قصائد 1981 بالفرنسية.
    وأعمال أخرى عديدة.

يعمل...
X