إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

    إجابات السيدة/ فريدة النقاش
    الكاتبة والناقدة المصرية المعروفة.‏
    الجواب الأول:‏
    هزمنا لأسباب كثيرة على رأسها طبيعة النظم الرجعية العربية المتعاونة مع الاستعمار التي حكمت البلدان العربية المحيطة بفلسطين، وقد ثبت أن بعضها قد تعاون مع الحركة الصهيونية، وكانت الجيوش العربية مختلفة من تسليحها من جهة، وخاضعة للنظم الرجعية من جهة أخرى ورغم إدراك العرب المبكر ومنذ نهاية القرن التاسع عشر لخطر الحركة الصهيونية لم تتبلور استراتيجية عربية موحدة لمواجهة هذا الخطر، فلم يكن الوعي القومي قد نضج بما فيه الكفاية ليكون حركة سياسية منظمة تواجه المشروع الصهيوني وتكشف عن ارتباطه العميق بالاستعمار. وكانت الشعوب العربية تكافح ضد الاحتلال المباشر لأراضيها، وتعاني من مصادرة حرياتها. بالإضافة لهذا كله كان المشروع الصهيوني مسلحاً بوعد بلفور من جهة، وبالدعم غير المحدود من الدول الاستعمارية من جهة أخرى. أما انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من شعار تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة فهو محصلة الضعف والتراجع العربي، وانسحاب المشروع التحرري العربي كله الذي انتهى بالتبعية لأمريكا والخضوع أمام الصهيوني. وكانت أسباب انحسار المشروع التحرري القومي العربي كامنة فيه منذ البداية حين نشأ من الفكر ومن الممارسة تناقض مفتعل بين ما سمي بالديمقراطية الاجتماعية من جهة والحريات السياسية من جهة أخرى, وكانت نتيجتها عزل الشعب ومصادرة حريته وحركته المستقلة. حدث ذلك من أكثر تجارب التحرر القومي العربي جذرية وهي التجربة الناصرية التي سار على هديها الكثيرون، وكشفت هزيمة 1967 عن الأخطاء والانحرافات العميقة من هذا المشروع. وكانت هزيمة 1967 هي نقطة التحول التي قبل عندها العرب بقيادة مصر الناصرية فكرة الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها على أساس من قرارات الأمم المتحدة. والفارق الرئيسي بين المشروع الناصري والمشروع الساداتي الذي بدأ منعطفاً جديداً من الصراع نجني ثماره المرة الآن هو أن عبد الناصر حين قبل بقرارات الأمم المتحدة أخذ يعد العدة لبناء جيش عصري جديد، وخاض حرب الاستنزاف ببسالة، وراهن على موقف عربي موحد بوسعه أن يفرض السلام العادل والدائم والشامل. وكان الجيش الذي خاض حرب الاستنزاف الباسلة هو نفسه الذي سجل انتصاره المحدود على العدو في أكتوبر 1973. والمفارقة هنا هي أن المهزوم من 1967 هو الذي أعد لنصر 73 ووضع أسس مشروع عربي للتعايش بندية وعلى أسس عادلة مع إسرائيل على أساس التضامن العربي. بينما قاد مسلسل زيارة السادات للقدس واتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل مروراً بكامب ديفيد إلى حالة الضعف العربي التي كانت"أوسلو" ووادي عربة والوضع الراهن كله نتيجة مرة لها. وقد بدأ مسلسل التنازل ونحن منتصرون.‏
    وهنا لابد أن نسجل أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام بعيدة عن كونها جزءاً من النظام العربي رغم أنها هي التي بدأت الكفاح المسلح، ولم تشكل أبداً نقلة كيفية من الكفاح التحرري العربي يخط معالم ثورية جديدة من هذا الكفاح فتأثرت بالصراعات الداخلية في البلدان العربية وانتهجت سياسة شراء الأنصار وإفساد الحياة السياسية في بعض البلدان العربية والعدوان على استقلال منظمات وأحزاب، وخلق تراتبية طبقية داخل المنظمة نفسها بالرغم من أنها ولدت في زمن ثوري كانت فيتنام فيه قد قدمت نموذجاً بهر العالم بتكامله واتساقه، بينما تقاتلت الفصائل الفلسطينية فيما بينها، ومع النظم العربية من البلدان التي لجأ إليها الفلسطينيون بعد اغتصاب وطنهم ولا أقول أن المنظمة كانت مسؤولة دائماً لكننا لا نستطيع إعفاءها من المسؤولية عن الحالة البائسة، التي وصل إليها الوضع الفلسطيني. وحين أبتدع الشعب الفلسطيني صيغته الخلاقة من انتفاضة الحجارة جرى اللعب عليها فصائلياً، بدلاً من تقديم أقصى العون لها لتنضج آليات الاستقلال، انقضت المنظمة عليها قبل أن تستكمل الانتفاضة بناء مؤسساتها التي أصابت العدو بالذعر. ثم كانت حرب الخليج وكان الموقف الفلسطيني المنحاز لصدام حسين وتأثيره المباشر الفادح على أوضاع الفلسطينيين في الخليج الذين كانت تحويلاتهم المالية إلى الداخل أحد أركان صمود الانتفاضة وتواصلها والتي عبأت القوى المنتجة في المجتمع الفلسطيني واختل الميزان التجاري الإسرائيلي الفلسطيني لصالح فلسطين لأول مرة وكانت أوسلو هي الطامّة الكبرى لأن المنظمة بدلاً من أن تحتمي بالمظلة العربية في مدريد دخلت في اتفاقية منفردة جديدة على النهج الساداتي وبدأ مسلسل التنازلات الذي لم ينته حتى الآن. وأصبحنا عاجزين حتى عن إرغام العدو على تطبيق اتفاق أوسلو الذي جرى التنازل عن بعض مبادئه من القاهرة. وحين دخلت المنظمة إلى فلسطين بعد أوسلو كنت مع القائلين إنه من الأفضل على أي حال أن تكافح المنظمة من الداخل وأن تشرع في بناء الدولة طوبة طوبة، كما نقول نحن المصريين، ووجودها في فلسطين هو أفضل على أي حال من وجودها في تونس. ولكنها حملت إلى الشعب الصابر الصامد والمكافح في الداخل كل أمراض مرحلة الشتات وصراعاتها المريرة، ومهما تكن المبالغات من حكايات الفساد التي كشفت عنها تقرير اللجنة التي شكلها المجلس التشريعي فإن النتائج العملية لوجود السلطة في الداخل هي نتائج مريرة حيث زادت البطالة وانهار مستوى المعيشة ولم ينشأ نظام ديمقراطي كافح الشعب من أجله. وانتشر الفساد والانقسام الطبقي والفقر حتى وصف أحد الكتاب(الشعب الفلسطيني في ظل السلطة) بأنه شعب يتيم. وعلى هذا الشعب اليتيم أن يكافح الآن على جبهتين: ضد الاحتلال من جهة، وضد طغيان السلطة وفسادها من جهة أخرى.‏
    وما يزيد الطين بلة أن غالبية الشعوب العربية مكبّلة وترزح تحت وطأة نظم عشائرية وعائلية استبدادية ولا تمد يد العون للشعب الفلسطيني إلا في الحدود الدنيا.‏
    ولكن بوادر نهوض أخذت تتبلور هنا وهناك، ويتفاقم الغضب الشعبي العربي ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بصورة تؤذن بالخروج من النفق المظلم خروجاً صحياً. ولعل أبرز وأهم مثل هو نجاح المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب من إرغام العدو الصهيوني على التفكير جدياً في الانسحاب من لبنان، ولابد من أن نسجل هنا أن الموقف الإسرائيلي هذا أخذ يتغير تحت وطأة المقاومة الباسلة من جهة، ومطالبة الرأي العام الإسرائيلي بالانسحاب من الجنوب اللبناني من جهة أخرى، إذ تحسب الحكومة الإسرائيلية حساب شعبها وتصغي له من نظام قائم على تداول حقيقي للسلطة وهو ما علينا أن نتعلم منه.‏
    الجواب الثاني:‏
    نعم تغير المشروع الصهيوني تغيراً جذرياً حين تخلت الدولة العبرية عملياً عن ما تسميه بأرض إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل-واعترفت- رغم كل السياسات التمييزية والعنصرية الحمقاء بأن هناك شعباً فلسطينياً. وقال"شمعون بيريز" وهو صهيوني قح ما معناه: أن الهيمنة ليس من الضروري أن تتحقق بعدد السكان الذين تسيطر عليهم الدولة وإنما بالقوة الاقتصادية.‏
    وليست إسرائيل في ظل اليوتوبيا الصهيونية الرجعية سوى دولة مثل أية دولة رأسمالية أخرى تتفاقم فيها البطالة ويعيش مليون من مواطنيها الخمسة تحت خط الفقر، وتختلف عن أيّة دولة أخرى بأن رفاهها يعتمد أساساً على المعونات الخارجية والأمريكية خاصة. والاحتمال ضعيف نتيجة العلاقات العضوية التاريخية بين دولة إسرائيل ومؤسسة الحكم الأمريكية بل وحتى قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي أقول: لذلك أن الاحتمال ضعيف أن يتغير مثل هذا الوضع في المستقبل المنظور، وإذا ما حدث وتغير سوف ينكشف ظهر الحركة الصهيونية والدولة العبرية انكشافاً خطيراً مما سوف يحدث حتماً تغيرات عميقة من بنيتها ومنطلقاتها ذاتها.‏
    كذلك فإن الحركة الصهيونية التي قدمت نفسها باعتبارها حركة تحرير الشعب اليهودي تلقت ضربة قاصمة بقرار الأمم المتحدة لسنة 1975 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية والذي لا يقلل من شأنه أن الضغوط الإمبريالية وتفكك حركة التحرر الوطني العربية والعالمية قد أدت إلى إلغائه، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة أخذ يعتذر للإسرائيليين عن صدور القرار.‏
    وانكشاف الروح العنصرية الاستعلائية للحركة الصهيونية مرهون الآن بمدى قدرة العرب والفلسطينيين خاصة على المزيد من فضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية، وتشكيل قوة ضغط متصاعدة من المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأوروبية.‏
    ولكن الأهم من ذلك كله هو بلورة مشروع للتعايش بين كل الديانات والأعراق على أرض فلسطين ذي مضمون تحرري وتقدمي يزيل الشوائب عن بعض الممارسات العنصرية في عدد من بلدان الوطن العربي جرت حيناً باسم العروبة كما حدث لأكراد العراق، وحيناً آخر باسم الإسلام كما يحدث في جنوب السودان.‏
    إن مثل هذا المشروع التقدمي التحرري العربي المفتوح لكل الديانات والأعراق والأجناس هو وحده الذي سيحدث تغييراً جوهرياً في الصهيونية ويردها إلى الأصل الديني الأسطوري لتفقد وظيفتها كأداة قومية استعلائية. أي باختصار يبطلها.‏
    وقد بدأت في إسرائيل محاولات جنينية لإعادة كتابة تاريخ الدولة يسهر عليها باحثون ومؤرخون جدد يؤكدون على طابع الاغتصاب وطرد الفلسطينيين في وطنهم ويشككون في الحكاية الرسمية.‏
    كذلك فإن مؤشرات تراجع الهجرة إلى إسرائيل بعد كل ما عاناه اليهود السوفييت ويهود الفلاشا السود، ويهود أوروبا الشرقية فضلاً عن أن وجودهم نفسه يشكك في أسطورة النقاء العرقي، فإنه يقدم للعالم صورة لبلد غير متجانس مهدّد بالانفجار من داخله يمكن أن يتقلص سكانه بدلاً من أن يتزايدوا ليحققوا الحلم التوراتي لإسرائيل الكبرى.‏
    الجواب الثالث:‏
    جرى إبرام الاتفاقيتين الأخيرتين أي أوسلو ووادي عربة في زمن كانت الآثار المدمرة لكامب دافيد واتفاقية الصلح المنفرد بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية قد مزّقت بالفعل التضامن العربي الذي كان حجر الزاوية في محاصرة المشروع الصهيوني، ويكفي أن نعرف أن إسرائيل قد خسرت على امتداد تاريخها ما قيمته أربعين ملياراً من الدولارات نتيجة للمقاطعة العربية التي عجز العرب بعد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة عن استعادتها رغم قرار مؤتمر القمة بضرورة العودة للمقاطعة ذلك أن اتفاقيات كانت قد أبرمت وأنشأت شبكات الاتصال وعلاقات تجارية قبل أن يحصل العرب على الحد الأدنى من حقوقهم فيما يخص القضية المركزية في الصراع وهي قضية الشعب الفلسطيني. أهدرت هذه الاتفاقيات عناصر القوة العربية في الصراع وأصبحنا نواجه إسرائيل كل بمفرده وهو أخطر ما حدث.‏
    ورغم أنني أساند إلى أقصى حد خيار السلام والتعايش على أساس التكافؤ والندية بدءاً بالجلاء عن كل الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 1967 ووصولاً إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن هذه الاتفاقيات أدت إلى إضعاف العرب حتى وهم يختارون السلام حيث مزقت شملهم وأخضعتهم للإرادة الأمريكية والإسرائيلية لأنهم حتى بلغة المساومات قاموا بالدفع مقدماً وعقدوا اتفاقيات سميت باتفاقيات السلام دون أن يواكبها جلاء شامل عن الأرض بل إن الأرض التي جلت عنها القوات الإسرائيلية مثل سيناء أصبحت مقيدة ومنزوعة السلاح ومنقوصة السيادة. أما الأرض الفلسطينية المحدودة التي جرى الانسحاب منها فقد كبلتها المستوطنات والطرق الاتفاقية والشروط التي تنتقص من سيادة السلطة الفلسطينية.‏
    الجوابان الرابع والخامس:‏
    من وجهة نظري سوف يجري حل الصراع ضد الصهيونية تاريخياً، أي حين تتمكن الشعوب العربية على المستوى المحلي في كل بلد على حدة من انتزاع حقوقها الديمقراطية وإزاحة الاستبداد والتسلط العشائري والأُسري وحتى الجماهيري، ولم أعد أخجل الآن من المقارنة مع إسرائيل من زاوية الحقوق الديموقراطية المتوافرة للإسرائيليين-وليس للعرب- حين تنتزع الشعوب العربية حقوقها في التعبير والتنظيم والاعتقاد والتظاهر وحتى الديموقراطية الأولية التي سوف تساعد هذه الشعوب على القيام بإعادة توزيع الثروات المنهوبة لصالح المنتجين، واستعادة الثروات العربية المرهونة في الخارج وسوف تبتدع الجماهير نفسها من خضّم هذا الصراع أشكالاً جديدة ومبتكرة لبناء الجبهة الوطنية الشعبية لمقاومة الصهيونية. وتقدم خبرة الشعب المصري في مقاومة التطبيع على مدى عشرين عاماً(هي عمر اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد) زاداً كبيراً في هذا السياق، وفي ظني أن توسيع القاعدة العربية للفكر الاشتراكي النقدي وإتاحة الفرصة للرؤية الاشتراكية للعالم وزيادة المنابر التي تعبر عنها في سياق المزيد من الحريات الديموقراطية سوف يؤسس قاعدة متينة للإطاحة بكل الأوهام العنصرية سواء كانت صهيونية أو معادية للساميّة باسم أي دين آخر، وتمهد بذلك الأرض للتعايش في المستقبل بعد أن يندحر المشروع الصهيوني العدواني كما اندحرت من قبل مشاريع عنصرية أخرى من جنوب إفريقيا أو زيمبابوي....‏
    إن الثقافة الوطنية الجديدة المعادية للعنصرية لابد أن تكون في الوقت نفسه معادية للاستغلال فمشروعها هو التحرر الإنساني الشامل. هناك ضرورة ملحة للاستثمار الأمثل لما بدأ في الساحة العربية من سعي لاستعادة التضامن العربي الرسمي ليكون ذلك هو الأساس الذي تبني عليه الحركة الديموقراطية العامة خططها قصيرة وطويلة المدى للخروج من المأزق الراهن. فالخروج من المأزق هو مسألة نضالية صراعية، وليست تصورات نظرية فقط. وفي اعتقادي أن القرار الذي اتخذته الأمانة المركزية لحزب التجمع، وأصدرت بمقتضاه توجيهاً لكل منظمات الحزب بأن تضع قضية القدس كبند دائم على جدول أعمالها في كل الأوقات هو مثل للاهتمام الأصيل، ولكون القضية الفلسطينية، والقدس في.... قلبها، هي هم مصري وطني.‏
    وقد أدرك الجميع الآن بعد كل محاولات الخروج المنفرد من الأزمة مدى عقم هذا الطريق فنحن أمة واحدة مهددة بالتبعية وبالهيمنة الإمبريالية الصهيونية ويمكن لكل منا أن يخسر على حدة، لكنه بالقطع لن يكسب على حدة بمنطق استعادة الأرض المحتلة.‏
    أتصور أن تفعيل الجامعة العربية كإطار قومي يمثل الحد الأدنى من التضامن، والتلويح للعدو باتفاقية الدفاع العربي المشترك التي لها الأولوية كاتفاقية جماعية على كل الاتفاقيات الثنائية والشروع في استعادة ولو جزء من الأموال العربية المودعة بالخارج لاستثمارها في الوطن العربي، ومساندة العراق وليبيا لرفع الحصار عنهما هي كلها خطوات أولية للخروج من المأزق، خاصة وإن الصراع المحتد بين أوروبا وأمريكا على المنطقة يتيح للدبلوماسية العربية فرصة لا بأس بها للحركة.‏
    فريدة النقاش.‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #47
      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

      أجوبة المفكر والباحث في المسألة الصهيونية الدكتور
      عبد الوهاب المسيري.‏
      الجواب الأول:‏
      لا أعتقد أننا هزمنا لأن المعركة لم تنته بعد، ولا تنسى أننا فوجئنا بالاستيطان الصهيوني وهو نوع من أنواع الاستعمار الفريد لأنه ليس استعماراً فقط وإنما إحلالاً أيضاً، ويبدو أن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأجمعه لم يتمكنوا من معرفة طبيعة هذه الغزوة إلا بعد مرور بعض الوقت... وهذا أمر طبيعي، وإن كان على مستوى غريزي يبدو أن الفلسطينيين أدركوا طبيعة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، وبالتالي... قد تكون مفاجأة أو لا تكون... وإذا علمنا أن معدل خصوبة المرأة الفلسطينية يعد من أعلى المعدلات في العالم بأسره، أعتقد أن هذه كانت استراتيجية فلسطينية... واعية بخطورة المشروع الصهيوني ومحاولة إفشاله، قد يقال أن العدد لا يهم لكن هذا الكلام خاطئ فالعدد مهم جداً في حالة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. من الصعب أن نتحدث عن الهزيمة وإيجاد الأعذار مع ثورة عز الدين القسام والانتفاضة على سبيل المثال والمقاومة المستمرة التي لم تنته رغم اتفاقيات أوسلو ورغم كل شيء.‏
      بالنسبة للعوامل العربية في الهزيمة... فأنا أعتبرها نوعاً من جلد الذات وهي ليست مقبولة بالنسبة لي، ولا تنسى أن أوروبا حققت بعض أنواع الوحدة بين دولها بعد أربعة قرون وأما المحاولة العربية فلم يمض عليها قرن كامل بعد وإنما نصف قرن على الأكثر، من الواضح أن الشعب العربي يزداد نضوجاً يوماً بعد يوم- فمثلاً لم يعد يطالب بالوحدة العضوية الكاملة... بدولة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج كما كان عليه في الخمسينيات والستينيات... لأن مثل هذه الدولة الضخمة قد لا تكون نعمة على الجميع بل نقمة نظراً للتنوع الحضاري وعدم التجانس باعتباره أمراً هاماً وحتمياً ونهائياً في حالة جميع الأمم ومن بينها بالطبع الأمة العربية. وعلى سبيل المثال: فإن موقف الأمة العربية من الأقليات بين ظهرانيها أيضاً بدأ يزداد نضوجاً عن ذي قبل. إن المشروع الصهيوني ما يزال مفتوحاً وقائماً في مجابهة المشروع العربي وباب الاجتهاد والجهاد في مقاومته مازال قائماً، لذلك أكرر رفضي لمصطلح الهزيمة... لكن تعودنا أن نعطي صفة النهائية لكل شيء(وفي هذا بعض من الخطأ)، أنا كمجتهد أرفض فكرة(النهائية) وأعتقد أن كل المجاهدين يرفضونها كذلك، لأنهم لو قبلوا بالوضع الحالي كوضع نهائي لما أمكنهم الاستمرار في الجهاد ولما أمكن لأمثالنا الاجتهاد، فهي ضرورة نفسية وفلسفية، وهي أيضاً حقيقة علمية.‏
      الجواب الثاني:‏
      أجاوب على هذا السؤال بالإيجاب، الاستعمار الصهيوني كما قلت هو استعمار(إحلالي) وقد تخلى عن إحلاليته وقبل بالاستعمار الاستيطاني المبني على التفرقة اللونية(الأبرتهايد) وفي هذا تغيير نوعي، ففي عام 1967 وبعد أن ضمّ الضفة الغربية والقطاع وجد أنه ضم مع هذه الأراضي ملايين العرب الفلسطينيين أو مئات الألوف... وكان عليه أن يختار: إما أن يتنازل عن هذه الأراضي بمن عليها من بشر أو يحتفظ بها بمن عليها من بشر... وقد فعل... وقد أدّى هذا إلى تغيير في طبيعة الاستعمار الاستيطاني نفسه.‏
      إن التحدي الذي تواجهه الأمة العربية ليس من الدولة الصهيونية وحدها وإنما من الحضارة الغربية أيضاً ككل، والصهيونية هي ممثل لهذه الحضارة(وهي ممثل غير جيد لهذه الحضارة) ولا يزال هذا التحدي قائماً، فهو قائم قبل إنشاء الدولة الصهيونية وقائم بعدها كذلك... فهو قائم منذ أيام محمد علي الذي تحالفت كل دول الغرب ضده آنذاك وقامت بهزيمته سوياً، والتحالف الغربي الذي قام ضد الدولة العثمانية هو أمر معروف للجميع. يجب أن نرى التحدي الصهيوني في هذا الإطار الأوسع حتى نستطيع إدراك طبيعته تماماً.‏
      الجواب الثالث:‏
      من ناحية الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة دول عربية فقد فتت من عضد وفككت إلى حد ما جبهة الجهاد والاجتهاد لكنها لم تنهيها لا على المستويين لا الرسمي ولا الشعبي، فالبعض من الجانب الرسمي يحاول التملص من هذه الاتفاقيات- والملفت للنظر أيضاً أن العدو الصهيوني نفسه يحاول التملص منها، لأن هذه الاتفاقيات جميعها لا تستند إلى أية معطيات واقعية. المعطى الواقعي الوحيد بالنسبة للحركة الصهيونية هو: (أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)... وهذا المعطى لم يتحقق، فلا كل اليهود جاءوا إلى فلسطين، والشعب الفلسطيني بدوره لم يختف وإنما ازداد عدده... وهذه مشكلة للحركة الصهيونية نفسها.‏
      بالنسبة للسلام على المدى الاستراتيجي بين الأمة العربية وإسرائيل... فالمسألة ليست خياراً وإنما بنية، والبنية الصهيونية هي بنية صراعية... وجودها يتطلب الغياب الفلسطيني، وهذا غير وارد حالياً ولا مستقبلاً، إن أعدى أعداء التطبيع وأعدى أعداء السلام هم الإسرائيليون أنفسهم... انظر ماذا يفعل نتنياهو... واستنتج مدى صحة ما أقول.‏
      الجواب الرابع:‏
      علينا المثابرة في الربط بين الخاص الوطني والعام القومي، فالجماهير بطبيعتها تميل إلى البراغماتية... تود مكاسب اقتصادية آنية مباشرة، والعدو الصهيوني يبشر بهذا دائماً، لذلك علينا المثابرة وأن نطرح على الجماهير العربية السيناريو البديل: وهو أن الحركة الصهيونية لن تفعل شيئاً إيجابياً باتجاه الاقتصاد العربي وهي إضافة إلى احتلال للأرض العربية فهي تحاول أيضاً نهب الثروات العربية.‏
      وعلى الأحزاب والمنظمات والمثقفين وكل الهيئات العربية المعنية أن تعمل على تجديد الوعي الجماهيري وتوعيتها بأن المشروع الصهيوني جاء لنهب الثروات والأرض العربية، قد يقوم بمشروع هنا أو مشروع هناك لكسب بعض الأعوان... لكن في اللحظة التي يطلب منه فيها أن يعمم هذا... فهو بالحتم سيرفض... لأنه ليس في مصلحته أن نكون نحن أقوياء ولدينا تصنيع(على سبيل المثال). على الجانب الرسمي... للأسف فإن كل الدول العربية لديها مشاكلها الخاصة، لكن الأمر وخطورته تقتضي التنسيق فيما بين الحكومات العربية... وأتمنى أن يحدث ذلك. ولكن هل سيحدث؟ لا أعرف.‏
      الجواب الخامس:‏
      للخروج من المآزق الراهنة فلسطينياً وعربياً، يتوجب علينا الاستمرار في المجابهة، لأن الاستمرار في المجابهة هو السلاح الوحيد المتوفر بين أيدينا كعرب... ولقد نجحنا بحمد الله حتى الآن في استخدام هذا السلاح ضد العدو الصهيوني، والاستمرار الذي أعنيه هو: الاستمرار في البقاء والصراع والإصرار: إما بتحرير كامل التراب الفلسطيني وهو الحد الأعلى، أو الحد الأدنى في تحرير الضفة الغربية وغزة... أو ما هو دون الحد الأدنى في تحقيق اتفاقيات أوسلو إلى واقع على الأرض! يتوجب على العرب جميعاً أن يحاولوا كشف نتنياهو أمام الإسرائيليين والعرب وأمام العالم أكرر فأقول بالنسبة لمستقبل السلام مع إسرائيل... السلام ليس(اختياراً) وإنما هو بنية، والبنية الصهيونية بطبيعتها هي بنية صراعية.‏
      لا يعني كلامي هذا أنني أبشر بالحرب، لأنني لا أحب التبشير بها فأنا رجل مسالم، وأنا أرى أن البنية الصهيونية ذاتها هي أعدى أعداء السلام، فالمسألة تتجاوز الرؤية الصهيونية والنوايا الإسرائيلية.‏
      أنا كمفكر... أرى ومن أجل الخروج من المأزق: الاستمرار في البقاء والاستمرار في الصراع وهما في حد ذاتها سلاح ناجح في المرحلة الراهنة وفي المستقبل أيضاً.‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #48
        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

        أجوبة المفكر والباحث في المسألة الصهيونية الدكتور
        عبد الوهاب المسيري.‏
        الجواب الأول:‏
        لا أعتقد أننا هزمنا لأن المعركة لم تنته بعد، ولا تنسى أننا فوجئنا بالاستيطان الصهيوني وهو نوع من أنواع الاستعمار الفريد لأنه ليس استعماراً فقط وإنما إحلالاً أيضاً، ويبدو أن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأجمعه لم يتمكنوا من معرفة طبيعة هذه الغزوة إلا بعد مرور بعض الوقت... وهذا أمر طبيعي، وإن كان على مستوى غريزي يبدو أن الفلسطينيين أدركوا طبيعة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، وبالتالي... قد تكون مفاجأة أو لا تكون... وإذا علمنا أن معدل خصوبة المرأة الفلسطينية يعد من أعلى المعدلات في العالم بأسره، أعتقد أن هذه كانت استراتيجية فلسطينية... واعية بخطورة المشروع الصهيوني ومحاولة إفشاله، قد يقال أن العدد لا يهم لكن هذا الكلام خاطئ فالعدد مهم جداً في حالة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. من الصعب أن نتحدث عن الهزيمة وإيجاد الأعذار مع ثورة عز الدين القسام والانتفاضة على سبيل المثال والمقاومة المستمرة التي لم تنته رغم اتفاقيات أوسلو ورغم كل شيء.‏
        بالنسبة للعوامل العربية في الهزيمة... فأنا أعتبرها نوعاً من جلد الذات وهي ليست مقبولة بالنسبة لي، ولا تنسى أن أوروبا حققت بعض أنواع الوحدة بين دولها بعد أربعة قرون وأما المحاولة العربية فلم يمض عليها قرن كامل بعد وإنما نصف قرن على الأكثر، من الواضح أن الشعب العربي يزداد نضوجاً يوماً بعد يوم- فمثلاً لم يعد يطالب بالوحدة العضوية الكاملة... بدولة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج كما كان عليه في الخمسينيات والستينيات... لأن مثل هذه الدولة الضخمة قد لا تكون نعمة على الجميع بل نقمة نظراً للتنوع الحضاري وعدم التجانس باعتباره أمراً هاماً وحتمياً ونهائياً في حالة جميع الأمم ومن بينها بالطبع الأمة العربية. وعلى سبيل المثال: فإن موقف الأمة العربية من الأقليات بين ظهرانيها أيضاً بدأ يزداد نضوجاً عن ذي قبل. إن المشروع الصهيوني ما يزال مفتوحاً وقائماً في مجابهة المشروع العربي وباب الاجتهاد والجهاد في مقاومته مازال قائماً، لذلك أكرر رفضي لمصطلح الهزيمة... لكن تعودنا أن نعطي صفة النهائية لكل شيء(وفي هذا بعض من الخطأ)، أنا كمجتهد أرفض فكرة(النهائية) وأعتقد أن كل المجاهدين يرفضونها كذلك، لأنهم لو قبلوا بالوضع الحالي كوضع نهائي لما أمكنهم الاستمرار في الجهاد ولما أمكن لأمثالنا الاجتهاد، فهي ضرورة نفسية وفلسفية، وهي أيضاً حقيقة علمية.‏
        الجواب الثاني:‏
        أجاوب على هذا السؤال بالإيجاب، الاستعمار الصهيوني كما قلت هو استعمار(إحلالي) وقد تخلى عن إحلاليته وقبل بالاستعمار الاستيطاني المبني على التفرقة اللونية(الأبرتهايد) وفي هذا تغيير نوعي، ففي عام 1967 وبعد أن ضمّ الضفة الغربية والقطاع وجد أنه ضم مع هذه الأراضي ملايين العرب الفلسطينيين أو مئات الألوف... وكان عليه أن يختار: إما أن يتنازل عن هذه الأراضي بمن عليها من بشر أو يحتفظ بها بمن عليها من بشر... وقد فعل... وقد أدّى هذا إلى تغيير في طبيعة الاستعمار الاستيطاني نفسه.‏
        إن التحدي الذي تواجهه الأمة العربية ليس من الدولة الصهيونية وحدها وإنما من الحضارة الغربية أيضاً ككل، والصهيونية هي ممثل لهذه الحضارة(وهي ممثل غير جيد لهذه الحضارة) ولا يزال هذا التحدي قائماً، فهو قائم قبل إنشاء الدولة الصهيونية وقائم بعدها كذلك... فهو قائم منذ أيام محمد علي الذي تحالفت كل دول الغرب ضده آنذاك وقامت بهزيمته سوياً، والتحالف الغربي الذي قام ضد الدولة العثمانية هو أمر معروف للجميع. يجب أن نرى التحدي الصهيوني في هذا الإطار الأوسع حتى نستطيع إدراك طبيعته تماماً.‏
        الجواب الثالث:‏
        من ناحية الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة دول عربية فقد فتت من عضد وفككت إلى حد ما جبهة الجهاد والاجتهاد لكنها لم تنهيها لا على المستويين لا الرسمي ولا الشعبي، فالبعض من الجانب الرسمي يحاول التملص من هذه الاتفاقيات- والملفت للنظر أيضاً أن العدو الصهيوني نفسه يحاول التملص منها، لأن هذه الاتفاقيات جميعها لا تستند إلى أية معطيات واقعية. المعطى الواقعي الوحيد بالنسبة للحركة الصهيونية هو: (أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)... وهذا المعطى لم يتحقق، فلا كل اليهود جاءوا إلى فلسطين، والشعب الفلسطيني بدوره لم يختف وإنما ازداد عدده... وهذه مشكلة للحركة الصهيونية نفسها.‏
        بالنسبة للسلام على المدى الاستراتيجي بين الأمة العربية وإسرائيل... فالمسألة ليست خياراً وإنما بنية، والبنية الصهيونية هي بنية صراعية... وجودها يتطلب الغياب الفلسطيني، وهذا غير وارد حالياً ولا مستقبلاً، إن أعدى أعداء التطبيع وأعدى أعداء السلام هم الإسرائيليون أنفسهم... انظر ماذا يفعل نتنياهو... واستنتج مدى صحة ما أقول.‏
        الجواب الرابع:‏
        علينا المثابرة في الربط بين الخاص الوطني والعام القومي، فالجماهير بطبيعتها تميل إلى البراغماتية... تود مكاسب اقتصادية آنية مباشرة، والعدو الصهيوني يبشر بهذا دائماً، لذلك علينا المثابرة وأن نطرح على الجماهير العربية السيناريو البديل: وهو أن الحركة الصهيونية لن تفعل شيئاً إيجابياً باتجاه الاقتصاد العربي وهي إضافة إلى احتلال للأرض العربية فهي تحاول أيضاً نهب الثروات العربية.‏
        وعلى الأحزاب والمنظمات والمثقفين وكل الهيئات العربية المعنية أن تعمل على تجديد الوعي الجماهيري وتوعيتها بأن المشروع الصهيوني جاء لنهب الثروات والأرض العربية، قد يقوم بمشروع هنا أو مشروع هناك لكسب بعض الأعوان... لكن في اللحظة التي يطلب منه فيها أن يعمم هذا... فهو بالحتم سيرفض... لأنه ليس في مصلحته أن نكون نحن أقوياء ولدينا تصنيع(على سبيل المثال). على الجانب الرسمي... للأسف فإن كل الدول العربية لديها مشاكلها الخاصة، لكن الأمر وخطورته تقتضي التنسيق فيما بين الحكومات العربية... وأتمنى أن يحدث ذلك. ولكن هل سيحدث؟ لا أعرف.‏
        الجواب الخامس:‏
        للخروج من المآزق الراهنة فلسطينياً وعربياً، يتوجب علينا الاستمرار في المجابهة، لأن الاستمرار في المجابهة هو السلاح الوحيد المتوفر بين أيدينا كعرب... ولقد نجحنا بحمد الله حتى الآن في استخدام هذا السلاح ضد العدو الصهيوني، والاستمرار الذي أعنيه هو: الاستمرار في البقاء والصراع والإصرار: إما بتحرير كامل التراب الفلسطيني وهو الحد الأعلى، أو الحد الأدنى في تحرير الضفة الغربية وغزة... أو ما هو دون الحد الأدنى في تحقيق اتفاقيات أوسلو إلى واقع على الأرض! يتوجب على العرب جميعاً أن يحاولوا كشف نتنياهو أمام الإسرائيليين والعرب وأمام العالم أكرر فأقول بالنسبة لمستقبل السلام مع إسرائيل... السلام ليس(اختياراً) وإنما هو بنية، والبنية الصهيونية بطبيعتها هي بنية صراعية.‏
        لا يعني كلامي هذا أنني أبشر بالحرب، لأنني لا أحب التبشير بها فأنا رجل مسالم، وأنا أرى أن البنية الصهيونية ذاتها هي أعدى أعداء السلام، فالمسألة تتجاوز الرؤية الصهيونية والنوايا الإسرائيلية.‏
        أنا كمفكر... أرى ومن أجل الخروج من المأزق: الاستمرار في البقاء والاستمرار في الصراع وهما في حد ذاتها سلاح ناجح في المرحلة الراهنة وفي المستقبل أيضاً.‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #49
          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

          أجوبة الأستاذ رشاد آبو شاور
          [روائي وكاتب فلسطيني]‏
          للإجابة على هذا السؤال أعود إلى كتاب رائد لمفكر عربي قومي هو الدكتور نديم البيطار، الكاتب صدر عام 1965 بعنوان[الفعالية الثورية في النكبة]. الكتاب رائد، لأنه اجتهد في تقديم إجابة على هذا السؤال الاستراتيجي المصيري في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب، عام 1973، يكتب الدكتور نديم البيطار ما يلي: ما يبرر إصدار هذه الطبعة الجديدة يعود أولاً وقبل كل شيء إلى اعتقادي بأنها الدراسة الوحيدة التي استطاعت، بين عام 1948 وعام 1967، أن تقدم التفسير الصحيح لنكبة عام 1948، التفسير الذي أعاد النكبة إلى عطل أساسي عام جامع يتناول المجتمع العربي التقليدي ككل وفي جميع أبعاده. هذا التفسير كان غريباً عن الفكر الثوري الذي صدر حول النكبة آنذاك، والذي كان طيلة عشرين عاماً يقدم تفاسير جزئية لها. تقتصر في أكثريتها الساحقة على أسباب عسكرية وسياسية.‏
          الدكتور نديم البيطار رأى منذ عام 1965، في كتابه الرائد أن النكبة تعود إلى خلل أساسي في المجتمع العربي ذاته، وفي هذا الكتاب دعا المفكر القومي العربي الكبير إلى تغيير جذري نفسي، وعقلي، وأخلاقي، وأيديولوجي، في إطار فلسفة حياة ثورية عربية جديدة.‏
          الهزيمة كانت كامنة وجلية لكل باحث، أو مناضل، ثوري في المجتمع العربي، والهزيمة، أو النكبة عام 1948 وضعت الأمة أمام أسئلة حياتها المصيرية. من ضرر النكبة بفساد الأسلحة، أو عدم التنسيق بين الجيوش، أو التنافس بين هذا الحاكم العربي وذاك أو تقصير جيش الإنقاذ.... أخطئوا تماماً، لأنهم وقفوا عند جوانب محدودة تحول دون الفعل الثوري الحقيقي الذي يشخص ويضع العلاجات الحاسمة التغييرية، هناك مصالح لقوى سياسية، ولنظم حكم تابعة، دفعتها للترويج لتفسيرات قاصرة.‏
          أما السؤال، الشق الآخر، عن أسباب انحسار المشروع الوطني الفلسطيني، فأرى أنها أولاً تعود إلى قصور في فهم طبيعة الصراع، وأسباب النكبة، وهذا يعود إلى طبيعة القوى السياسية التي طرحت نفسها قائدة للنضال الوطني الفلسطيني، ورفعها لشعارات فيها الحماسة والتحريض أكثر بكثير مما فيها من تحديد لأطراف الصراع، وارتباط القضية الفلسطينية بنهوض الأمة العربية... حتى أننا عشنا عملية الخلط المقصود بين القومية العربية وبين نظم الحكم العربية الإقليمية، وفي حين أدير الظهر للأمة، ثم العناق مع نظم الحكم الإقليمية التي حملت في تكوينها وخطابها السياسي، وتبعيتها كل أسباب النكبة، والهزيمة، والانكسار، وإعاقة النهوض القومي الذي منحته القضية الفلسطينية سلاحاً جباراً للوعي والمعرفة وربط قضايا الأمة كلها ببعضها البعض.‏
          في السياق، طبيعي جداً أن تنتهي الطروحات الإقليمية في جوهرها إلى ما وصلت إليه، سواء انطلقت من وطنية تدعي الجذرية وتبشر بالتحرير التام، أو يسارية أخذت الشعارات وعجزت عن التحليل لأنها نظرياً كانت سقيمة المعرفة، همها أن تصنف في خانة(التقدمية)، وتُحظى ببركات المركز العالمي لقوى اليسار، أسوة بالأحزاب الشيوعية العربية، مع استثناءات قليلة لشيوعيين اختاروا أن يبدأوا من الخاص العربي ليصلوا إلى العام الأممي دون تبعية أو شوفينية، وبالتأكيد مع الإدانة للانتهازية التي تبرر أي شيء بحجة الحفاظ على التنظيم أو الحزب...‏
          حالياً، ها نحن نعود من جديد، إلى الأسئلة المطروحة منذ خمسين سنة هي عمر النكبة، وليس صدفة أن عدد الأحزاب والقوى يمينية ويسارية قد اضمحل وجودها وضمر حضورها، مع التنبه إلى بروز التيار الإسلامي الذي لم يقدم رغم اتساع حضوره الشعبي، أجوبة تقود إلى تجاور النكبة فكرياً، وسياسياً، وأخلاقياً ونفسياً و.... اجتماعياً.‏
          المجتمعات العربية متخلفة، معطلة الطاقات، وعيها مزيف، وهي مغيبة عن قضاياها الاستراتيجية الكبرى وحتى الصغرى، فهي من رغيف الخبز حتى العيش في وطن واحد حر مستقل... متوهة عن قصد، وليس هناك قوى فاعلة جدياً تقودها إلى التجاوز والتغيير والسير على طريق التخلص من كل المعوقات.‏
          السؤال الثاني:‏
          هناك من ينظرون لتغييرات في الفكر الصهيوني، وفي توجهات الحركة الصهيونية... لا بأس، لنر ما يحدث على أرض الواقع. (إسرائيل) التي هي تعبير الحركة الصهيونية، والفكر الصهيوني السياسي مازالت تتوسع على الأرض الفلسطينية، وهي تحتل الجولان السورية، وجنوب لبنان، ولا تخفي ولا للحظة أن هذه الأرض أرضها بموجب وعد إلهي. والإله هذا يخص اليهود وحدهم، ولا يلزم بوعوده البشرية كلها، وفي مقدمتها العرب والفلسطينيين الذي وقعت عليهم كل مصائب الصهيونية- توراتي يخول لها الحق في العدوان، والحروب والاحتلال، وتدمير حياة الآخرين.‏
          يبدو أن التفسيرات المتعجلة لبعض الفلسطينيين-ولا سيما القيادات السياسية- والعرب الذي في موقع السلطة والتحكم بالقرار لا تقرأ الصهيونية جيداً، ولا تتعامل مع جوهرها الرجعي الغيبي العدواني العنصري... وإنما تلجأ إلى تفسيرات تسقطها على الصهيونية لقلة حيلتها، وقصورها، ولخشيتها من الطروحات الفكرية الاستراتيجية التي ترى أن وجود(إسرائيل) ولو على شبر واحد يعني العدوان على العرب، ويدعو إلى خلع هذا الوجود من شروره لأنه غير شرعي، عدواني، ويتهدد حاضر الأمة ومستقبلها، وهذا ما يستدعي توحيد طاقات الأمة، والتخلص من التبعية.‏
          الصهيونية متحالفة مع الاستعمار الإمبريالي البريطاني والأمريكي احتلت أكثرية أرض فلسطين عام 1948، ثم وسعت احتلالها عام 1967 فبسطت سيطرتها على كل فلسطين، ناهيك عن سيناء والجولان ومن ثم جنوب لبنان.‏
          سيناء أعيدت بعد حرب 73، واتفاقات كامب ديفيد، وذلك لإخراج مصر(السادات) من دورها القيادي العربي، مما يتيح(لإسرائيل) أن تستفرد بعرب المشرق الضعفاء والمفككين سياسياً، والمشتتي الطاقات.‏
          بروز الثورة الفلسطينية، والانتفاضة الفلسطينية، ونهوض الشخصية الفلسطينية وتفجر الصراعات والحروب مع الكيان الصهيوني، هذه عوامل أدت إلى أن لا تنساق الصهيونية(وإسرائيل) مع أحلامها وأوهامها(بإسرائيل) كبرى تمتد من النيل إلى الفرات. لأن مثل هذا الوهم- الحلم، يقتضي وجود ملايين اليهود وليس أربعة ملايين-وانعدام ظهور مقاومة عربية وهذا غير ممكن ألبتة- أنظر ما يحدث في جنوب لبنان وقبل ذلك كيف طرد جيش(إسرائيل) من بيروت، وما لحق بالمارينز في السفارة الأمريكية.. هذه العوامل وغيرها، مع رفض العالم الصريح دولياً وشعبياً، أدت إلى أن تكون طموحات المشروع الصهيوني في حدود فلسطين مع بعض التوسع في الجولان وجنوب لبنان لأسباب اقتصادية، ومائية، وتوسعية، تملك قيادات الكيان الصهيوني أن تدافع عنها أمام العالم وبدعم أمريكي صريح بحجة أمن(إسرائيل).‏
          هل يعني هذا أن الصهيونية صارت أكثر واقعية، وأنها تخلت عن طموحاتها، وأنها تميل إلى السلام مع الفلسطينيين والعرب؟‏
          مسيرة(السلام) منذ ما بعد مدريد، سلام أوسلو ووادي عربة... قدمت الإجابة الواضحة التي بددت ما زرعه مروجو عملية السلام المزيف جماهيرياً بوعود هي رشاوى لجماهير فقيرة جائعة، مضطهدة. وعودة بعض الحق العربي في فلسطين، إضافة للجولان السورية وجنوب لبنان، بعيداً عن نيران(الحروب) وما تجره من مصائب...‏
          تتغير الصهيونية عندما تعترف بالحق التاريخي والجغرافي للفلسطينيين على أرض فلسطين-أرضهم- .. وهي إن فعلت ستكون قد تخلت عن وعد التوراة- الذي اتخذته وسيلة تضليل لليهود في العالم لتبرير احتلال فلسطين- ..أو بدأت بالتخلي عن مشروعها..‏
          وهذا، برأيي، لن يكون إلا بالهزائم الميدانية على الأرض العربية، وكل تطور في الحياة العربية سيشكل هزيمة بقدر(ما) للمشروع الصهيوني، وانتصاراً إلى حد ما يتناسب طرداً مع حجمه وثقله ومدى تأثيره في الحياة العربية...‏
          نحن من يغير(الصهيونية).. نحن الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، بمقاومتنا الجادة الاستراتيجية على كافة الصعد.. ومقاومتنا لا تكون على أرض فلسطين أو حولها فقط، وإنما تكون لكل شرور ومسببات التخلف والتبعية والعطالة الاجتماعية في بلاد العرب بعامة. نحن نغير الصهيونية ونحن نهزمها، ونحن نفرض عليها التقهقر، والتحول من حالة الهجوم المتغطرس إلى حالة التراجع والانهيار.‏
          السؤال الثالث:‏
          تأثير الاتفاقات بين(إسرائيل) وأطراف عربية، من كامب ديفيد، مروراً بأوسلو ووادي عربة و.. الترويج الرسمي الإقليمي للسلام الإستراتيجي- سلام نظم الحكم المعزولة عن شعوبها أدى دوره سلباً منذ كامب ديفيد أي منذ إخراج مصر من دورها العربي القيادي، ودفعها إلى الانكفاء الإقليمي الذي قاده السادات.. مما مكن(إسرائيل) من الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبلبنان و.. سورية.‏
          أما أوسلو ووادي عربة فها نحن نرى وعودهما الخلب تجف تماماً وهي التي زرعت أوهام الازدهار وبحبوحة العيش في نفوس الجماهير.. وبهذا توه أوسلو ووادي عربة الجماهير عن جوهر الصراع، وعن مواصلة المقاومة، وتطويرها، والزج بالطاقات لتأجيجها.. لقد رأينا كيف خربت الانتفاضة، وحوصرت، ونخرت من داخلها، وبددت أرصدتها الثورية..‏
          ثم، أين وصلنا؟ من عطل سلام الشجعان؟ ومن يواصل سياسة الاستعمار الاستيطاني رغم اتفاقات السلام في أوسلو، ووادي عربة، وطابا وواشنطن والقاهرة؟!‏
          الخسائر الفادحة منذ مدريد حتى الآن أكبر مما يمكن تصور خسارته في حرب انهزم فيها(العرب) من قبل..؟!‏
          النتائج الكارثية للرهان على السلام مع إسرائيل القوية، ترضي به أطراف إقليمية عربية(ضعيفة)... وهي ضعيفة بحكم تفكيرها وخياراتها ومصالحها... أدى إلى هذا الذي نحن فيه، ولأنه لا خيار آخر لمن عقدوا اتفاقات كامب ديفيد، أوسلو، ووادي عربة... ولأن خيارات(إسرائيل) مفتوحة، معززة بالقوة، وبالتحالف الأمريكي المحاز استراتيجياً، فليس أسوأ مما يحدث إلا مواصلة السير على طريقه.. الذي يسمى سلام الخيار الاستراتيجي.‏
          السؤال الرابع:‏
          العلاقة بين الخاص الوطني والعام القومي هي علاقة أخذ وعطاء، علاقة بناء وتطوير ونهوض، مادامت تنطلق من مصلحة الأمة وأخذ أسباب القوة من قوة الأمة موحدة الطاقات، وليس على حسابها كما تفعل نظم الحكم الإقليمية التي ترى في الوحدة الخطر الأكبر على وجودها وكياناتها المفتعلة مهما كان حجم القطر وعدد سكانه.‏
          ربط قضية فلسطين والصراع مع العدو الصهيوني والكيان الصهيوني... بعملية نهوض الأمة، وبالتخلف والفقر، والتبعية، هذا هو الهاجس الذي لابد أن ندركه، ونلتزم به، ليكون الموحد لأفكارنا وجهودنا، والصاقل لمعرفتنا، والمستنهض لكل ما ندخر من طاقات مدخرة وممنوعة من الانفجار...‏
          عدونا يستفرد بنا قطعة قطعة، في فلسطين، في العراق، في لبنان... وها نحن نعيش في زمن صارت فيه(إريتريا) تعتدي على السودان، وتركيا تعود من جديد لتهدد العراق وسورية، وإيران تواصل احتلال الجزر العربية الإماراتية.. وأسبانيا تحتل سبتة ومليلة.. و.. هل نذكر بلواء اسكندرون وعربستان؟!‏
          شهية كل أعداء الأمة مفتوحة، وحال الأمة يغري كل أفاق ومارق.. والأمثال علمتنا أن المال السائب يعلم السرقة.. ومال الأمة سائب، مالها وأرضها ودورها!‏
          لمواجهة كل هذا لابد أن توحدنا رؤية استراتيجية تغييرية لأوضاع الأمة، من جذورها، اجتماعياً، اقتصادياً، ثقافياً.. الخ.‏
          السؤال الخامس:‏
          أحسب أنني قدمت إجابتي على السؤال، وأنا أجيب على السؤال الرابع.‏
          بداية: لا بد من التصدي للتزوير الفكري والسياسي الذي يستهدف شل قدرات جماهيرنا العقلية والنفسية، سواء بالمعلومات الخاطئة أو بالتخويف، أو التزييف، أو التضليل والتعمية.‏
          آن الأوان أن نقول لمن روجوا لسلام الشجعان: كفى.. ولمن أغدقوا الوعود بالازدهار والأخوة العربية اليهودية: كفى.. أخذتم سنوات كثيرة أكثر مما طلبتم لتحقيق وعودكم. والذي أفشل وعودكم و(سلامكم) هو العدو الصهيوني الذي وقع معكم على تلك الاتفاقات بضمانات أمريكية. غير صادقة.‏
          الصهيونية، وكيانها الصهيوني لن يغير من طبيعتهما العدوانية على أمتنا العربية..، .. إلا بنهوض القوة العربية، قوة الجماهير المقاومة طويلة النفس..‏
          لا نريد أن نبتعد كثيراً، لنعد إلى ما فعلته الانتفاضة من رج لمفاهيم المجتمع الصهيوني ونظرته للإنسان العربي، أو لنتأمل ما يحدث الآن على أرض جنوب لبنان... ولنسأل أنفسنا: من الذي يمنع فعل الجماهير العربية المقاومة عن أداء دوره ضد عدو يحتل الأرض العربية؟.. ولماذا؟.. ولمصلحة من؟!‏
          في كل حال، من إيجابيات ما حدث أن كشف الغشاوة عن عقول وعيون تم تضليلها بالكلام عن التعايش وسلام الشجعان وسلام أبناء إبراهيم.. وسلام الشرق الأوسط.. عدونا تكفل بكل هذا.. أما المأساة فهي أن أخذ وقتاً ثميناً استولى أثناءه على المزيد من الأرض الفلسطينية معتبراً أن الاستيطان لا يتنافى مع(السلام)!...‏
          من جديد، نعود إلى أساس الصراع إلى المفهوم الجوهري الذي يحكمه: صراع وجود لا صراع إرادات حله يكون بكل أنواع الأسلحة، وتغيير الصهيونية يكون بإلحاق الهزيمة التامة بها، فالسلام العربي لن يكون مشاركة مع عدو يحتل الأرض العربية.‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #50
            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

            أجوبة الأستاذ رشاد آبو شاور
            [روائي وكاتب فلسطيني]‏
            للإجابة على هذا السؤال أعود إلى كتاب رائد لمفكر عربي قومي هو الدكتور نديم البيطار، الكاتب صدر عام 1965 بعنوان[الفعالية الثورية في النكبة]. الكتاب رائد، لأنه اجتهد في تقديم إجابة على هذا السؤال الاستراتيجي المصيري في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب، عام 1973، يكتب الدكتور نديم البيطار ما يلي: ما يبرر إصدار هذه الطبعة الجديدة يعود أولاً وقبل كل شيء إلى اعتقادي بأنها الدراسة الوحيدة التي استطاعت، بين عام 1948 وعام 1967، أن تقدم التفسير الصحيح لنكبة عام 1948، التفسير الذي أعاد النكبة إلى عطل أساسي عام جامع يتناول المجتمع العربي التقليدي ككل وفي جميع أبعاده. هذا التفسير كان غريباً عن الفكر الثوري الذي صدر حول النكبة آنذاك، والذي كان طيلة عشرين عاماً يقدم تفاسير جزئية لها. تقتصر في أكثريتها الساحقة على أسباب عسكرية وسياسية.‏
            الدكتور نديم البيطار رأى منذ عام 1965، في كتابه الرائد أن النكبة تعود إلى خلل أساسي في المجتمع العربي ذاته، وفي هذا الكتاب دعا المفكر القومي العربي الكبير إلى تغيير جذري نفسي، وعقلي، وأخلاقي، وأيديولوجي، في إطار فلسفة حياة ثورية عربية جديدة.‏
            الهزيمة كانت كامنة وجلية لكل باحث، أو مناضل، ثوري في المجتمع العربي، والهزيمة، أو النكبة عام 1948 وضعت الأمة أمام أسئلة حياتها المصيرية. من ضرر النكبة بفساد الأسلحة، أو عدم التنسيق بين الجيوش، أو التنافس بين هذا الحاكم العربي وذاك أو تقصير جيش الإنقاذ.... أخطئوا تماماً، لأنهم وقفوا عند جوانب محدودة تحول دون الفعل الثوري الحقيقي الذي يشخص ويضع العلاجات الحاسمة التغييرية، هناك مصالح لقوى سياسية، ولنظم حكم تابعة، دفعتها للترويج لتفسيرات قاصرة.‏
            أما السؤال، الشق الآخر، عن أسباب انحسار المشروع الوطني الفلسطيني، فأرى أنها أولاً تعود إلى قصور في فهم طبيعة الصراع، وأسباب النكبة، وهذا يعود إلى طبيعة القوى السياسية التي طرحت نفسها قائدة للنضال الوطني الفلسطيني، ورفعها لشعارات فيها الحماسة والتحريض أكثر بكثير مما فيها من تحديد لأطراف الصراع، وارتباط القضية الفلسطينية بنهوض الأمة العربية... حتى أننا عشنا عملية الخلط المقصود بين القومية العربية وبين نظم الحكم العربية الإقليمية، وفي حين أدير الظهر للأمة، ثم العناق مع نظم الحكم الإقليمية التي حملت في تكوينها وخطابها السياسي، وتبعيتها كل أسباب النكبة، والهزيمة، والانكسار، وإعاقة النهوض القومي الذي منحته القضية الفلسطينية سلاحاً جباراً للوعي والمعرفة وربط قضايا الأمة كلها ببعضها البعض.‏
            في السياق، طبيعي جداً أن تنتهي الطروحات الإقليمية في جوهرها إلى ما وصلت إليه، سواء انطلقت من وطنية تدعي الجذرية وتبشر بالتحرير التام، أو يسارية أخذت الشعارات وعجزت عن التحليل لأنها نظرياً كانت سقيمة المعرفة، همها أن تصنف في خانة(التقدمية)، وتُحظى ببركات المركز العالمي لقوى اليسار، أسوة بالأحزاب الشيوعية العربية، مع استثناءات قليلة لشيوعيين اختاروا أن يبدأوا من الخاص العربي ليصلوا إلى العام الأممي دون تبعية أو شوفينية، وبالتأكيد مع الإدانة للانتهازية التي تبرر أي شيء بحجة الحفاظ على التنظيم أو الحزب...‏
            حالياً، ها نحن نعود من جديد، إلى الأسئلة المطروحة منذ خمسين سنة هي عمر النكبة، وليس صدفة أن عدد الأحزاب والقوى يمينية ويسارية قد اضمحل وجودها وضمر حضورها، مع التنبه إلى بروز التيار الإسلامي الذي لم يقدم رغم اتساع حضوره الشعبي، أجوبة تقود إلى تجاور النكبة فكرياً، وسياسياً، وأخلاقياً ونفسياً و.... اجتماعياً.‏
            المجتمعات العربية متخلفة، معطلة الطاقات، وعيها مزيف، وهي مغيبة عن قضاياها الاستراتيجية الكبرى وحتى الصغرى، فهي من رغيف الخبز حتى العيش في وطن واحد حر مستقل... متوهة عن قصد، وليس هناك قوى فاعلة جدياً تقودها إلى التجاوز والتغيير والسير على طريق التخلص من كل المعوقات.‏
            السؤال الثاني:‏
            هناك من ينظرون لتغييرات في الفكر الصهيوني، وفي توجهات الحركة الصهيونية... لا بأس، لنر ما يحدث على أرض الواقع. (إسرائيل) التي هي تعبير الحركة الصهيونية، والفكر الصهيوني السياسي مازالت تتوسع على الأرض الفلسطينية، وهي تحتل الجولان السورية، وجنوب لبنان، ولا تخفي ولا للحظة أن هذه الأرض أرضها بموجب وعد إلهي. والإله هذا يخص اليهود وحدهم، ولا يلزم بوعوده البشرية كلها، وفي مقدمتها العرب والفلسطينيين الذي وقعت عليهم كل مصائب الصهيونية- توراتي يخول لها الحق في العدوان، والحروب والاحتلال، وتدمير حياة الآخرين.‏
            يبدو أن التفسيرات المتعجلة لبعض الفلسطينيين-ولا سيما القيادات السياسية- والعرب الذي في موقع السلطة والتحكم بالقرار لا تقرأ الصهيونية جيداً، ولا تتعامل مع جوهرها الرجعي الغيبي العدواني العنصري... وإنما تلجأ إلى تفسيرات تسقطها على الصهيونية لقلة حيلتها، وقصورها، ولخشيتها من الطروحات الفكرية الاستراتيجية التي ترى أن وجود(إسرائيل) ولو على شبر واحد يعني العدوان على العرب، ويدعو إلى خلع هذا الوجود من شروره لأنه غير شرعي، عدواني، ويتهدد حاضر الأمة ومستقبلها، وهذا ما يستدعي توحيد طاقات الأمة، والتخلص من التبعية.‏
            الصهيونية متحالفة مع الاستعمار الإمبريالي البريطاني والأمريكي احتلت أكثرية أرض فلسطين عام 1948، ثم وسعت احتلالها عام 1967 فبسطت سيطرتها على كل فلسطين، ناهيك عن سيناء والجولان ومن ثم جنوب لبنان.‏
            سيناء أعيدت بعد حرب 73، واتفاقات كامب ديفيد، وذلك لإخراج مصر(السادات) من دورها القيادي العربي، مما يتيح(لإسرائيل) أن تستفرد بعرب المشرق الضعفاء والمفككين سياسياً، والمشتتي الطاقات.‏
            بروز الثورة الفلسطينية، والانتفاضة الفلسطينية، ونهوض الشخصية الفلسطينية وتفجر الصراعات والحروب مع الكيان الصهيوني، هذه عوامل أدت إلى أن لا تنساق الصهيونية(وإسرائيل) مع أحلامها وأوهامها(بإسرائيل) كبرى تمتد من النيل إلى الفرات. لأن مثل هذا الوهم- الحلم، يقتضي وجود ملايين اليهود وليس أربعة ملايين-وانعدام ظهور مقاومة عربية وهذا غير ممكن ألبتة- أنظر ما يحدث في جنوب لبنان وقبل ذلك كيف طرد جيش(إسرائيل) من بيروت، وما لحق بالمارينز في السفارة الأمريكية.. هذه العوامل وغيرها، مع رفض العالم الصريح دولياً وشعبياً، أدت إلى أن تكون طموحات المشروع الصهيوني في حدود فلسطين مع بعض التوسع في الجولان وجنوب لبنان لأسباب اقتصادية، ومائية، وتوسعية، تملك قيادات الكيان الصهيوني أن تدافع عنها أمام العالم وبدعم أمريكي صريح بحجة أمن(إسرائيل).‏
            هل يعني هذا أن الصهيونية صارت أكثر واقعية، وأنها تخلت عن طموحاتها، وأنها تميل إلى السلام مع الفلسطينيين والعرب؟‏
            مسيرة(السلام) منذ ما بعد مدريد، سلام أوسلو ووادي عربة... قدمت الإجابة الواضحة التي بددت ما زرعه مروجو عملية السلام المزيف جماهيرياً بوعود هي رشاوى لجماهير فقيرة جائعة، مضطهدة. وعودة بعض الحق العربي في فلسطين، إضافة للجولان السورية وجنوب لبنان، بعيداً عن نيران(الحروب) وما تجره من مصائب...‏
            تتغير الصهيونية عندما تعترف بالحق التاريخي والجغرافي للفلسطينيين على أرض فلسطين-أرضهم- .. وهي إن فعلت ستكون قد تخلت عن وعد التوراة- الذي اتخذته وسيلة تضليل لليهود في العالم لتبرير احتلال فلسطين- ..أو بدأت بالتخلي عن مشروعها..‏
            وهذا، برأيي، لن يكون إلا بالهزائم الميدانية على الأرض العربية، وكل تطور في الحياة العربية سيشكل هزيمة بقدر(ما) للمشروع الصهيوني، وانتصاراً إلى حد ما يتناسب طرداً مع حجمه وثقله ومدى تأثيره في الحياة العربية...‏
            نحن من يغير(الصهيونية).. نحن الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، بمقاومتنا الجادة الاستراتيجية على كافة الصعد.. ومقاومتنا لا تكون على أرض فلسطين أو حولها فقط، وإنما تكون لكل شرور ومسببات التخلف والتبعية والعطالة الاجتماعية في بلاد العرب بعامة. نحن نغير الصهيونية ونحن نهزمها، ونحن نفرض عليها التقهقر، والتحول من حالة الهجوم المتغطرس إلى حالة التراجع والانهيار.‏
            السؤال الثالث:‏
            تأثير الاتفاقات بين(إسرائيل) وأطراف عربية، من كامب ديفيد، مروراً بأوسلو ووادي عربة و.. الترويج الرسمي الإقليمي للسلام الإستراتيجي- سلام نظم الحكم المعزولة عن شعوبها أدى دوره سلباً منذ كامب ديفيد أي منذ إخراج مصر من دورها العربي القيادي، ودفعها إلى الانكفاء الإقليمي الذي قاده السادات.. مما مكن(إسرائيل) من الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبلبنان و.. سورية.‏
            أما أوسلو ووادي عربة فها نحن نرى وعودهما الخلب تجف تماماً وهي التي زرعت أوهام الازدهار وبحبوحة العيش في نفوس الجماهير.. وبهذا توه أوسلو ووادي عربة الجماهير عن جوهر الصراع، وعن مواصلة المقاومة، وتطويرها، والزج بالطاقات لتأجيجها.. لقد رأينا كيف خربت الانتفاضة، وحوصرت، ونخرت من داخلها، وبددت أرصدتها الثورية..‏
            ثم، أين وصلنا؟ من عطل سلام الشجعان؟ ومن يواصل سياسة الاستعمار الاستيطاني رغم اتفاقات السلام في أوسلو، ووادي عربة، وطابا وواشنطن والقاهرة؟!‏
            الخسائر الفادحة منذ مدريد حتى الآن أكبر مما يمكن تصور خسارته في حرب انهزم فيها(العرب) من قبل..؟!‏
            النتائج الكارثية للرهان على السلام مع إسرائيل القوية، ترضي به أطراف إقليمية عربية(ضعيفة)... وهي ضعيفة بحكم تفكيرها وخياراتها ومصالحها... أدى إلى هذا الذي نحن فيه، ولأنه لا خيار آخر لمن عقدوا اتفاقات كامب ديفيد، أوسلو، ووادي عربة... ولأن خيارات(إسرائيل) مفتوحة، معززة بالقوة، وبالتحالف الأمريكي المحاز استراتيجياً، فليس أسوأ مما يحدث إلا مواصلة السير على طريقه.. الذي يسمى سلام الخيار الاستراتيجي.‏
            السؤال الرابع:‏
            العلاقة بين الخاص الوطني والعام القومي هي علاقة أخذ وعطاء، علاقة بناء وتطوير ونهوض، مادامت تنطلق من مصلحة الأمة وأخذ أسباب القوة من قوة الأمة موحدة الطاقات، وليس على حسابها كما تفعل نظم الحكم الإقليمية التي ترى في الوحدة الخطر الأكبر على وجودها وكياناتها المفتعلة مهما كان حجم القطر وعدد سكانه.‏
            ربط قضية فلسطين والصراع مع العدو الصهيوني والكيان الصهيوني... بعملية نهوض الأمة، وبالتخلف والفقر، والتبعية، هذا هو الهاجس الذي لابد أن ندركه، ونلتزم به، ليكون الموحد لأفكارنا وجهودنا، والصاقل لمعرفتنا، والمستنهض لكل ما ندخر من طاقات مدخرة وممنوعة من الانفجار...‏
            عدونا يستفرد بنا قطعة قطعة، في فلسطين، في العراق، في لبنان... وها نحن نعيش في زمن صارت فيه(إريتريا) تعتدي على السودان، وتركيا تعود من جديد لتهدد العراق وسورية، وإيران تواصل احتلال الجزر العربية الإماراتية.. وأسبانيا تحتل سبتة ومليلة.. و.. هل نذكر بلواء اسكندرون وعربستان؟!‏
            شهية كل أعداء الأمة مفتوحة، وحال الأمة يغري كل أفاق ومارق.. والأمثال علمتنا أن المال السائب يعلم السرقة.. ومال الأمة سائب، مالها وأرضها ودورها!‏
            لمواجهة كل هذا لابد أن توحدنا رؤية استراتيجية تغييرية لأوضاع الأمة، من جذورها، اجتماعياً، اقتصادياً، ثقافياً.. الخ.‏
            السؤال الخامس:‏
            أحسب أنني قدمت إجابتي على السؤال، وأنا أجيب على السؤال الرابع.‏
            بداية: لا بد من التصدي للتزوير الفكري والسياسي الذي يستهدف شل قدرات جماهيرنا العقلية والنفسية، سواء بالمعلومات الخاطئة أو بالتخويف، أو التزييف، أو التضليل والتعمية.‏
            آن الأوان أن نقول لمن روجوا لسلام الشجعان: كفى.. ولمن أغدقوا الوعود بالازدهار والأخوة العربية اليهودية: كفى.. أخذتم سنوات كثيرة أكثر مما طلبتم لتحقيق وعودكم. والذي أفشل وعودكم و(سلامكم) هو العدو الصهيوني الذي وقع معكم على تلك الاتفاقات بضمانات أمريكية. غير صادقة.‏
            الصهيونية، وكيانها الصهيوني لن يغير من طبيعتهما العدوانية على أمتنا العربية..، .. إلا بنهوض القوة العربية، قوة الجماهير المقاومة طويلة النفس..‏
            لا نريد أن نبتعد كثيراً، لنعد إلى ما فعلته الانتفاضة من رج لمفاهيم المجتمع الصهيوني ونظرته للإنسان العربي، أو لنتأمل ما يحدث الآن على أرض جنوب لبنان... ولنسأل أنفسنا: من الذي يمنع فعل الجماهير العربية المقاومة عن أداء دوره ضد عدو يحتل الأرض العربية؟.. ولماذا؟.. ولمصلحة من؟!‏
            في كل حال، من إيجابيات ما حدث أن كشف الغشاوة عن عقول وعيون تم تضليلها بالكلام عن التعايش وسلام الشجعان وسلام أبناء إبراهيم.. وسلام الشرق الأوسط.. عدونا تكفل بكل هذا.. أما المأساة فهي أن أخذ وقتاً ثميناً استولى أثناءه على المزيد من الأرض الفلسطينية معتبراً أن الاستيطان لا يتنافى مع(السلام)!...‏
            من جديد، نعود إلى أساس الصراع إلى المفهوم الجوهري الذي يحكمه: صراع وجود لا صراع إرادات حله يكون بكل أنواع الأسلحة، وتغيير الصهيونية يكون بإلحاق الهزيمة التامة بها، فالسلام العربي لن يكون مشاركة مع عدو يحتل الأرض العربية.‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #51
              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

              أجوبة الأستاذ/ بهجت أبو غربية
              مناضل فلسطيني، كاتب عضو سابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.‏
              -1-‏
              قضية فلسطين في جوهرها وحقيقتها، قضية الصراع العربي، في مواجهة التحالف الصهيوني الإمبريالي، ولذلك فإن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذا الصراع تقتضي أن يجري البحث ضمن إطاره الواسع الصحيح، صراع الأمة العربية في مواجهة أعدائها، كما يجب أن يتعمق الباحث في التاريخ ليصل إلى جذور هذا الصراع التي تعود إلى أبعد من قرن، ولا يجوز أن نبدأ البحث من(مشروع تحرير كامل التراب الفلسطيني) كما حدد السائل، وهو تعبير يشير إلى الستينات من هذا القرن، وإذا كان السائل يتصور أن الصراع العربي في مواجهة التحالف الصهيوني الإمبريالي محصور في تاريخ حركة فتح فهو مخطئ، ولا يجوز أن ينطلق البحث من بداية حركة فتح أو بداية حركة منظمة التحرير الفلسطينية، ولا حتى من تاريخ صدور وعد بلفور عام 1917م.‏
              كما اعترض أيضاً على عبارة(لماذا هزمنا) التي يستهل بها السائل أسئلته-إذا قصد بها المعنى المطلق للهزيمة الكاملة- فنحن خسرنا معارك واستولى العدو على أجزاء عزيزة جداً من أرضنا العربية ولكن أمتنا لم تهزم ما دامت لم تستسلم ولن تستسلم وما دام العدو لم يتمكن من حسم الصراع نهائية لصالحه ولن يتمكن.‏
              لن أتطرق إلى تفاصيل تاريخ الصراع العربي ضد التحالف الصهيوني الإمبريالي لكن لابد من إيراد الحقائق التاريخية التالية:‏
              - مع أن القرن التاسع عشر كان بداية التحرك الاستعماري الصهيوني الحديث في المشرق العربي، فإن أطماع الدول الغربية بفلسطين والمشرق العربي قديمة العهد، والحروب الصليبية خير شاهد على ذلك على الرغم من مظهرها الديني.‏
              - كان نابليون بونابرت أول من دعا اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها، وذلك أثناء غزوته لمصر وفلسطين. ولقد نشر إعلاناً عام 1799 يقول فيه أن بونابرت يدعو جميع يهود آسيا وإفريقيا ليحضروا وينظموا صفوفهم تحت لوائه لإعادة تأسيس أورشليم كما كانت في الماضي.‏
              - أقامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس عام 1839 وجهت معظم جهودها ونشاطها لما سمي"حماية الجالية اليهودية في فلسطين". وأصبحت مسألة حماية اليهود الشغل الشاغل للقنصلية البريطانية في القدس وذلك على الرغم من أن عدد اليهود في ذلك الوقت لم يتجاوز تسعة آلاف نسمة، وقد سعت بريطانيا منذ ذلك الوقت لتهجير اليهود إلى فلسطين، وحاول بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا إقناع السلطان العثماني بإباحة هجرة اليهود إلى فلسطين.‏
              - عملت لجان أوروبية متعددة على نبش التاريخ والآثار القديمة في فلسطين-آثار العهد القديم على حد تعبيرهم- لشد انتباه اليهود ودفعهم وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وقد جرى كل ذلك قبل أن يبدأ اليهود أنفسهم بطرح الأفكار الصهيونية ولم يبدأ اليهود أنفسهم بطرح فكرة(العودة) إلى فلسطين واستعمارها إلا بعد عام(1861) ومن المأثور عن ونستون تشرشل أنه كتب يقول"إذا قيض لنا وشهدنا قيام دولة يهودية لا في فلسطين وحسب بل على ضفتي نهر الأردن فإننا نكون قد عاصرنا حدثاً ضخماً في مصلحة الإمبريالية".‏
              - كانت الحرب العالمية فرصة لانطلاق الاستعمار والصهيونية وأهدافهما في المنطقة العربية، فالاستعمار وبخاصة الإنجليزي والفرنسي يرغب في الاستيلاء على أشلاء الدولة العثمانية"الرجل المريض" ويعقد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 لاقتسام بلاد المشرق العربي، والصهيونية تريد أن تقيم لها دولة في فلسطين، وعلى ذلك جرى التعاقد بين الطرفين لمصلحتهما المشتركة على حساب العرب، فإقامة فاصل بشري غريب في أخطر جزء من الوطن العربي يفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا، ويقطع الامتداد العربي ويعرقل قيام الوحدة العربية ويكون في الوقت نفسه قريباً من قناة السويس صفقة تخدم أغراض الاستعمار وتحقق حلم الصهيونية، وعلى ذلك جرى التعاقد وصدر وعد بلفور في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني(نوفمر) 1917، ويوم عقد وعد بلفور قال الصهيوني ماكس نورد لبلفور بحضور لويد جورج"نحن نعرف ما تتوقعونه منا، إن نكون حرس قناة السويس على طريقكم إلى الهند، نحن على استعداد لتنفيذ هذه الخدمة العسكرية ولكن من الضروري تمكيننا من أن نصبح أقوياء حتى نستطيع القيام بهذه المهمة.‏
              الأمة العربية إذن، ومنذ قرن ونصف وحتى اليوم تواجه قوى عالمية كبيرة متحالفة تعمل عسكرياً وبكل الوسائل وبتصميم عنيف لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وزاد في أهمية تحالفها اكتشاف البترول في الأرض العربية. يجري ذلك في مرحلة تخلف وتمزق عربي، مما فرض علينا اتخاذ مواقف الدفاع بشكل مستمر لاختلال ميزان القوى لصالح الأعداء.‏
              ومنذ صدور وعد بلفور يشن التحالف الصهيوني- الإمبريالي على الأمة العربية حرباً إثر حرب، عسكرية واقتصادية وسياسية، تدور معاركها الرئيسة على أرض فلسطين، حيث يعمل العدو على الاستيلاء على الأرض العربية وإجلاء أصحابها العرب وزرعها بالمستعمرين اليهود المهجرين من أنحاء العالم، ومن أجل ذلك، عمل ومازال على عزل فلسطين، وعزل قضية فلسطين عن عمقها العربي، والاستفراد بها.‏
              إذن لقد خسرنا المعارك واستولى الأعداء على أرض فلسطين وأراض عربية أخرى وشردوا أهل فلسطين تحت كل كوكب وأقاموا الدولة اليهودية لسببين رئيسيين:‏
              1- بسبب فعاليات الأعداء وتفوقهم حضارياً ومادياً وعسكرياً، وضربهم وتدميرهم لكل نهضة أو وحدة أو قوة عسكرية عربية نامية وقتلها في مهدها وغير ذلك من الفعاليات.‏
              2- بسبب التجزئة والتمزق العربي، الذي نتحمل نحن العرب مسؤولية قسط كبير منه، وبسبب تخلفنا وضعفنا بالقياس إلى معسكر الأعداء وارتكابنا العديد من الأخطاء، ومن أهمها خضوع الحكام العرب للهيمنة الأجنبية وتنفيذ أهدافها.‏
              ومع ذلك قاوم شعبنا هذا الغزو والعدوان. ومع أننا خسرنا الكثير من معاركنا، فإننا لم نستسلم، وحافظت أمتنا على تمسكها بحقها في أرضها، وحقها، في تحريرها والعودة إليها. كما حافظت على استعدادها للصمود في وجه أطماع العدو التي لم تنته بعد، ومواصلة الصراع ضده بكل الوسائل المتاحة. لحرمانه من الاستقرار. وقديماً قيل"ليس عاراً أن يحتل العدو جزءاً من أرضك ولكن العار أن تتركه يستريح ويستقر".‏
              أما عن شعار(تحرير كامل فلسطين) الذي مازالت أغلبية شعبنا العربي تؤمن به كهدف استراتيجي بعيد المدى، ومع أن الإمكانات العربية والظروف العالمية الحاضرة تجعل تحقيقه بعيد المنال، فإنه من الضروري أن يظل هذا الشعار مرفوعاً لعدة اعتبارات منها.‏
              1- إن حقنا في أرضنا العربية ثابت أصيل لا يجوز التنازل عن أي جزء منه تحت أي ظرف ومهما طالت فترة الاحتلال لا سيما وأن صراعنا مع العدو صراع وجود لا صراع حدود.‏
              2- إن لدى أمتنا العربية إمكانات كبيرة لو أتيح لها أن تحشد ولو على المدى البعيد فإن ذلك كفيل بتغيير ميزان القوى لصالحنا، آخذين بعين الاعتبار أن هذا الصراع العربي ضد التحالف الصهيوني- الإمبريالي سيمتد لعشرات السنين. وإذا كان الصراع المسلح وغير المسلح يستهدف الآن حرمان العدو من الاستقرار، فإنه من الممكن تطوير وسائل الصراع في المستقبل.‏
              3- إن ما يتمتع به الكيان الصهيوني الآن من دعم إمبريالي يمكن أن ينحسر في المستقبل لأسباب عديدة.‏
              4- إن إسقاط شعار(التحرير والعودة) الاستراتيجي لصالح حلول مرحلية، في ظل اختلال ميزان القوى لصالح العدو، خطأً فادح وتفريط كبير، وطعن لنضال أمتنا العربية، لأن العدو المتفوق أقدر على صياغة الحلول المرحلية وتحويلها لصالحه، وتوظيفها في خدمة أهدافه، وهذا ما تؤكده الآن نتائج اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها التي شكلت أكبر تراجع بل أكبر هزيمة للعرب منذ بدء الصراع وأقامت عقبات كأداء في وجه هدف التحرير. وحققت للعدو مكاسب كبيرة جداً.‏
              **‏
              -2-‏
              بعد مئة عام على قيام الحركة الصهيونية، لم تتغير الأهداف الرئيسة للمشروع الصهيوني وإن اختلفت أو تطورت بعض الوسائل والأولويات.‏
              فعند انطلاق الحركة الصهيونية عام 1898 استهدفت إقامة دولة يهودية من الفرات إلى النيل، ولتحقيق ذلك نفذت استراتيجيتين رئيسيتين متكاملتين:‏
              1- الاستيلاء على الأرض العربية ولو على مراحل وتفريغها من أصحابها العرب.‏
              2- جلب المهجرين اليهود من جميع أطراف العالم وتوطينهم في الأرض العربية المحتلة.‏
              وما زالت هاتان الاستراتيجيتان معتمدتين حتى اليوم. ففيما يتعلق بالاستيلاء على الأرض، تمكنت الحركة الصهيونية، بمساعدة إمبريالية غير محدودة وبخاصة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة، من الاستيلاء على ثلثي أرض فلسطين عام 1948 وفرغتها من معظم سكانها، ولم تتوقف عند ذلك فاحتلت عام 1967 بقية أرض فلسطين وأراضٍ عربية من مصر وسورية ولبنان وهجرت قسماً كبيراً من أصحابها العرب، وهي اليوم وفي ظل الاحتلال تعمل على انتزاع الأرض العربية من أصحابها وتهجيرهم بوسائل متعددة.‏
              ومن المعروف للجميع أن الحركة الصهيونية عامة وليس حزب حيروت والليكود فقط تعتبر شرقي الأردن جزءاً من دولتهم "يحكم بشكل مؤقت من قبل غيرهم" على حد تعبير جابوتنسكي.‏
              وفي قناعتي الكاملة أن دولة العدو الصهيوني الآن تخطط وتهيء الظروف والوسائل لتنفيذ ذلك على المدى البعيد. وقد أتاحت لها معاهدة وادي عربة البدء بتنفيذ خططها فهي تعمل حالياً للسيطرة على الاقتصاد الأردني، تمهيداً للسيطرة السياسية والاستيطان، ولا يبطئ من تنفيذ هذه الخطط الاستعمارية الآن سوى استمرار المقاومة العربية في فلسطين والأردن خاصة، ونقص الإمكانات البشرية اليهودية لتنفيذ الاستيطان.‏
              وأخالف بعض الكتاب والمفكرين الذين يقولون أن دولة العدو لم تعد تستهدف التوسع الجغرافي وتحولت إلى التوسع والسيطرة الاقتصادية فقط، وأعتبر أن استهداف دولة العدو للسيطرة الاقتصادية لم يغير من رغبتها وعزمها على التوسع الجغرافي، ولا يعدو الأمر أن يكون تبديلاً في الأولويات، بسبب ظروف قاهرة، من أهمها ما يبديه العرب من مقاومة، فرضت على العدو التباطؤ في حركة الاستعمار الاستيطاني.‏
              وفي ما يتعلق بجلب المهجرين اليهود، فإن الهجرة اليهودية إلى فلسطين مازالت مستمرة وسياسية معتمدة لا تحول عنها على اعتبار أن كل يهودي في العالم مواطن في الدولة اليهودية من حقه بل من واجبه أن يهاجر إليها وأن يستوطن فيها، ولا شك أن استمرار الهجرة الواسعة يتطلب بل يفرض التوسع الاستيطاني في الأرض العربية.‏
              **‏
              -3-‏
              اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها المبرمة بين دولة العدو الصهيوني والأطراف العربية ذات العلاقة، أوقعت بالحقوق العربية وبالمقاومة العربية أفدح الأضرار فقد قامت جميعها على قاعدة الاعتراف الرسمي بدولة العدو مما أكسبها شرعية قانونية من جهات عربية أتاحت لدولة العدو توظيفها لتوسيع قاعدة الاعتراف القانوني بها على المستوى العالمي فالعديد من الدول لم تعترف بدولة العدو إلا بعد اتفاقات أوسلو بما في ذلك دولة الفاتيكان، وأصبحت هذه الاتفاقات بذلك عقبة كأداء على طريق التحرير.‏
              إلا أن هذا الاعتراف الرسمي العربي بدولة العدو لم يصاحبه اعتراف شعبي بل على العكس من ذلك فإن الشعب العربي في كافة أقطاره، يرفض هذه الاتفاقات ويسعى لإسقاطها، ويعتبرها صادرة عن جهات لا تمثل إرادة الأمة العربية ولا تملك الحق في هذا الاعتراف، وإن هذه الاتفاقات اتفاقات إذعان غير متكافئة عقدت تحت ظروف شاذة قاهرة، وتوازن مختل وإرادات غير حرة وغير متكافئة، وهي لذلك تعتبر اتفاقات غير شرعية وغير ملزمة.‏
              ومما لا شك فيه أن المجتمع الدولي سيقف إلى جانب دولة العدو وحقها في البقاء والاستمرار استناداً إلى هذا الاعتراف، وخصوصاً إذا توفرت للعرب القوة العسكرية والقدرة على التحرير وأرادت أن تستخدم القوة العسكرية النظامية في معركة التحرير، إلا أن هذه الاتفاقات غير الشرعية لا تحرم الشعب العربي من استخدام إمكاناته ووسائله النضالية الشعبية غير الرسمية عندما تتوفر الإمكانات والخطط السليمة.‏
              **‏
              -4-‏
              إن مقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على المستوى الشعبي تتطلب التحرك في عدة اتجاهات أهمها:‏
              1- امتلاك الجماهير الشعبية العربية في كل قطر القدرة على ممارسة حرياتها الديمقراطية لتنظيم صفوفها، وممارسة حقها في توجيه سياسات حكوماتها الاقتصادية والثقافية والسياسية.‏
              2- محاربة الإقليمية والطائفية، والفئوية على طريق الوحدة.‏
              3- توحيد التنظيمات الشعبية على مستوى الوطن العربي عامة، وإقامة جبهة وطنية شعبية عربية عريضة وتوحيد جهودها وتساندها لتحقيق حرياتها الديمقراطية وتنفيذ برامجها في مواجهة العدو الصهيوني.‏
              4- توجيه الإمكانات الشعبية لفرض إرادتها على أنظمة الحكم العربية للعودة إلى تنفيذ المقاطعة العربية لدولة العدو الصهيوني، وإلغاء ما جرى من تطبيع للعلاقات معها، وإفساح الحرية للعمل الشعبي المنظم ليقوم بدوره وواجبه الكامل في هذه المجالات وغيرها من مجالات المقاومة.‏
              5- ولن تكتمل المساعي لتصبح فعالة ما لم تتحقق خطوات وحدوية عربية. لتوحيد الاقتصاد والعلاقات الخارجية، وإقامة التحالفات العسكرية، على طريق توحيد الكيانات السياسية.‏
              10/3/1998‏
              بهجت أبو غربية‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #52
                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                أجوبة الأستاذ/ بهجت أبو غربية
                مناضل فلسطيني، كاتب عضو سابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.‏
                -1-‏
                قضية فلسطين في جوهرها وحقيقتها، قضية الصراع العربي، في مواجهة التحالف الصهيوني الإمبريالي، ولذلك فإن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذا الصراع تقتضي أن يجري البحث ضمن إطاره الواسع الصحيح، صراع الأمة العربية في مواجهة أعدائها، كما يجب أن يتعمق الباحث في التاريخ ليصل إلى جذور هذا الصراع التي تعود إلى أبعد من قرن، ولا يجوز أن نبدأ البحث من(مشروع تحرير كامل التراب الفلسطيني) كما حدد السائل، وهو تعبير يشير إلى الستينات من هذا القرن، وإذا كان السائل يتصور أن الصراع العربي في مواجهة التحالف الصهيوني الإمبريالي محصور في تاريخ حركة فتح فهو مخطئ، ولا يجوز أن ينطلق البحث من بداية حركة فتح أو بداية حركة منظمة التحرير الفلسطينية، ولا حتى من تاريخ صدور وعد بلفور عام 1917م.‏
                كما اعترض أيضاً على عبارة(لماذا هزمنا) التي يستهل بها السائل أسئلته-إذا قصد بها المعنى المطلق للهزيمة الكاملة- فنحن خسرنا معارك واستولى العدو على أجزاء عزيزة جداً من أرضنا العربية ولكن أمتنا لم تهزم ما دامت لم تستسلم ولن تستسلم وما دام العدو لم يتمكن من حسم الصراع نهائية لصالحه ولن يتمكن.‏
                لن أتطرق إلى تفاصيل تاريخ الصراع العربي ضد التحالف الصهيوني الإمبريالي لكن لابد من إيراد الحقائق التاريخية التالية:‏
                - مع أن القرن التاسع عشر كان بداية التحرك الاستعماري الصهيوني الحديث في المشرق العربي، فإن أطماع الدول الغربية بفلسطين والمشرق العربي قديمة العهد، والحروب الصليبية خير شاهد على ذلك على الرغم من مظهرها الديني.‏
                - كان نابليون بونابرت أول من دعا اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها، وذلك أثناء غزوته لمصر وفلسطين. ولقد نشر إعلاناً عام 1799 يقول فيه أن بونابرت يدعو جميع يهود آسيا وإفريقيا ليحضروا وينظموا صفوفهم تحت لوائه لإعادة تأسيس أورشليم كما كانت في الماضي.‏
                - أقامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس عام 1839 وجهت معظم جهودها ونشاطها لما سمي"حماية الجالية اليهودية في فلسطين". وأصبحت مسألة حماية اليهود الشغل الشاغل للقنصلية البريطانية في القدس وذلك على الرغم من أن عدد اليهود في ذلك الوقت لم يتجاوز تسعة آلاف نسمة، وقد سعت بريطانيا منذ ذلك الوقت لتهجير اليهود إلى فلسطين، وحاول بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا إقناع السلطان العثماني بإباحة هجرة اليهود إلى فلسطين.‏
                - عملت لجان أوروبية متعددة على نبش التاريخ والآثار القديمة في فلسطين-آثار العهد القديم على حد تعبيرهم- لشد انتباه اليهود ودفعهم وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وقد جرى كل ذلك قبل أن يبدأ اليهود أنفسهم بطرح الأفكار الصهيونية ولم يبدأ اليهود أنفسهم بطرح فكرة(العودة) إلى فلسطين واستعمارها إلا بعد عام(1861) ومن المأثور عن ونستون تشرشل أنه كتب يقول"إذا قيض لنا وشهدنا قيام دولة يهودية لا في فلسطين وحسب بل على ضفتي نهر الأردن فإننا نكون قد عاصرنا حدثاً ضخماً في مصلحة الإمبريالية".‏
                - كانت الحرب العالمية فرصة لانطلاق الاستعمار والصهيونية وأهدافهما في المنطقة العربية، فالاستعمار وبخاصة الإنجليزي والفرنسي يرغب في الاستيلاء على أشلاء الدولة العثمانية"الرجل المريض" ويعقد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 لاقتسام بلاد المشرق العربي، والصهيونية تريد أن تقيم لها دولة في فلسطين، وعلى ذلك جرى التعاقد بين الطرفين لمصلحتهما المشتركة على حساب العرب، فإقامة فاصل بشري غريب في أخطر جزء من الوطن العربي يفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا، ويقطع الامتداد العربي ويعرقل قيام الوحدة العربية ويكون في الوقت نفسه قريباً من قناة السويس صفقة تخدم أغراض الاستعمار وتحقق حلم الصهيونية، وعلى ذلك جرى التعاقد وصدر وعد بلفور في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني(نوفمر) 1917، ويوم عقد وعد بلفور قال الصهيوني ماكس نورد لبلفور بحضور لويد جورج"نحن نعرف ما تتوقعونه منا، إن نكون حرس قناة السويس على طريقكم إلى الهند، نحن على استعداد لتنفيذ هذه الخدمة العسكرية ولكن من الضروري تمكيننا من أن نصبح أقوياء حتى نستطيع القيام بهذه المهمة.‏
                الأمة العربية إذن، ومنذ قرن ونصف وحتى اليوم تواجه قوى عالمية كبيرة متحالفة تعمل عسكرياً وبكل الوسائل وبتصميم عنيف لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وزاد في أهمية تحالفها اكتشاف البترول في الأرض العربية. يجري ذلك في مرحلة تخلف وتمزق عربي، مما فرض علينا اتخاذ مواقف الدفاع بشكل مستمر لاختلال ميزان القوى لصالح الأعداء.‏
                ومنذ صدور وعد بلفور يشن التحالف الصهيوني- الإمبريالي على الأمة العربية حرباً إثر حرب، عسكرية واقتصادية وسياسية، تدور معاركها الرئيسة على أرض فلسطين، حيث يعمل العدو على الاستيلاء على الأرض العربية وإجلاء أصحابها العرب وزرعها بالمستعمرين اليهود المهجرين من أنحاء العالم، ومن أجل ذلك، عمل ومازال على عزل فلسطين، وعزل قضية فلسطين عن عمقها العربي، والاستفراد بها.‏
                إذن لقد خسرنا المعارك واستولى الأعداء على أرض فلسطين وأراض عربية أخرى وشردوا أهل فلسطين تحت كل كوكب وأقاموا الدولة اليهودية لسببين رئيسيين:‏
                1- بسبب فعاليات الأعداء وتفوقهم حضارياً ومادياً وعسكرياً، وضربهم وتدميرهم لكل نهضة أو وحدة أو قوة عسكرية عربية نامية وقتلها في مهدها وغير ذلك من الفعاليات.‏
                2- بسبب التجزئة والتمزق العربي، الذي نتحمل نحن العرب مسؤولية قسط كبير منه، وبسبب تخلفنا وضعفنا بالقياس إلى معسكر الأعداء وارتكابنا العديد من الأخطاء، ومن أهمها خضوع الحكام العرب للهيمنة الأجنبية وتنفيذ أهدافها.‏
                ومع ذلك قاوم شعبنا هذا الغزو والعدوان. ومع أننا خسرنا الكثير من معاركنا، فإننا لم نستسلم، وحافظت أمتنا على تمسكها بحقها في أرضها، وحقها، في تحريرها والعودة إليها. كما حافظت على استعدادها للصمود في وجه أطماع العدو التي لم تنته بعد، ومواصلة الصراع ضده بكل الوسائل المتاحة. لحرمانه من الاستقرار. وقديماً قيل"ليس عاراً أن يحتل العدو جزءاً من أرضك ولكن العار أن تتركه يستريح ويستقر".‏
                أما عن شعار(تحرير كامل فلسطين) الذي مازالت أغلبية شعبنا العربي تؤمن به كهدف استراتيجي بعيد المدى، ومع أن الإمكانات العربية والظروف العالمية الحاضرة تجعل تحقيقه بعيد المنال، فإنه من الضروري أن يظل هذا الشعار مرفوعاً لعدة اعتبارات منها.‏
                1- إن حقنا في أرضنا العربية ثابت أصيل لا يجوز التنازل عن أي جزء منه تحت أي ظرف ومهما طالت فترة الاحتلال لا سيما وأن صراعنا مع العدو صراع وجود لا صراع حدود.‏
                2- إن لدى أمتنا العربية إمكانات كبيرة لو أتيح لها أن تحشد ولو على المدى البعيد فإن ذلك كفيل بتغيير ميزان القوى لصالحنا، آخذين بعين الاعتبار أن هذا الصراع العربي ضد التحالف الصهيوني- الإمبريالي سيمتد لعشرات السنين. وإذا كان الصراع المسلح وغير المسلح يستهدف الآن حرمان العدو من الاستقرار، فإنه من الممكن تطوير وسائل الصراع في المستقبل.‏
                3- إن ما يتمتع به الكيان الصهيوني الآن من دعم إمبريالي يمكن أن ينحسر في المستقبل لأسباب عديدة.‏
                4- إن إسقاط شعار(التحرير والعودة) الاستراتيجي لصالح حلول مرحلية، في ظل اختلال ميزان القوى لصالح العدو، خطأً فادح وتفريط كبير، وطعن لنضال أمتنا العربية، لأن العدو المتفوق أقدر على صياغة الحلول المرحلية وتحويلها لصالحه، وتوظيفها في خدمة أهدافه، وهذا ما تؤكده الآن نتائج اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها التي شكلت أكبر تراجع بل أكبر هزيمة للعرب منذ بدء الصراع وأقامت عقبات كأداء في وجه هدف التحرير. وحققت للعدو مكاسب كبيرة جداً.‏
                **‏
                -2-‏
                بعد مئة عام على قيام الحركة الصهيونية، لم تتغير الأهداف الرئيسة للمشروع الصهيوني وإن اختلفت أو تطورت بعض الوسائل والأولويات.‏
                فعند انطلاق الحركة الصهيونية عام 1898 استهدفت إقامة دولة يهودية من الفرات إلى النيل، ولتحقيق ذلك نفذت استراتيجيتين رئيسيتين متكاملتين:‏
                1- الاستيلاء على الأرض العربية ولو على مراحل وتفريغها من أصحابها العرب.‏
                2- جلب المهجرين اليهود من جميع أطراف العالم وتوطينهم في الأرض العربية المحتلة.‏
                وما زالت هاتان الاستراتيجيتان معتمدتين حتى اليوم. ففيما يتعلق بالاستيلاء على الأرض، تمكنت الحركة الصهيونية، بمساعدة إمبريالية غير محدودة وبخاصة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة، من الاستيلاء على ثلثي أرض فلسطين عام 1948 وفرغتها من معظم سكانها، ولم تتوقف عند ذلك فاحتلت عام 1967 بقية أرض فلسطين وأراضٍ عربية من مصر وسورية ولبنان وهجرت قسماً كبيراً من أصحابها العرب، وهي اليوم وفي ظل الاحتلال تعمل على انتزاع الأرض العربية من أصحابها وتهجيرهم بوسائل متعددة.‏
                ومن المعروف للجميع أن الحركة الصهيونية عامة وليس حزب حيروت والليكود فقط تعتبر شرقي الأردن جزءاً من دولتهم "يحكم بشكل مؤقت من قبل غيرهم" على حد تعبير جابوتنسكي.‏
                وفي قناعتي الكاملة أن دولة العدو الصهيوني الآن تخطط وتهيء الظروف والوسائل لتنفيذ ذلك على المدى البعيد. وقد أتاحت لها معاهدة وادي عربة البدء بتنفيذ خططها فهي تعمل حالياً للسيطرة على الاقتصاد الأردني، تمهيداً للسيطرة السياسية والاستيطان، ولا يبطئ من تنفيذ هذه الخطط الاستعمارية الآن سوى استمرار المقاومة العربية في فلسطين والأردن خاصة، ونقص الإمكانات البشرية اليهودية لتنفيذ الاستيطان.‏
                وأخالف بعض الكتاب والمفكرين الذين يقولون أن دولة العدو لم تعد تستهدف التوسع الجغرافي وتحولت إلى التوسع والسيطرة الاقتصادية فقط، وأعتبر أن استهداف دولة العدو للسيطرة الاقتصادية لم يغير من رغبتها وعزمها على التوسع الجغرافي، ولا يعدو الأمر أن يكون تبديلاً في الأولويات، بسبب ظروف قاهرة، من أهمها ما يبديه العرب من مقاومة، فرضت على العدو التباطؤ في حركة الاستعمار الاستيطاني.‏
                وفي ما يتعلق بجلب المهجرين اليهود، فإن الهجرة اليهودية إلى فلسطين مازالت مستمرة وسياسية معتمدة لا تحول عنها على اعتبار أن كل يهودي في العالم مواطن في الدولة اليهودية من حقه بل من واجبه أن يهاجر إليها وأن يستوطن فيها، ولا شك أن استمرار الهجرة الواسعة يتطلب بل يفرض التوسع الاستيطاني في الأرض العربية.‏
                **‏
                -3-‏
                اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها المبرمة بين دولة العدو الصهيوني والأطراف العربية ذات العلاقة، أوقعت بالحقوق العربية وبالمقاومة العربية أفدح الأضرار فقد قامت جميعها على قاعدة الاعتراف الرسمي بدولة العدو مما أكسبها شرعية قانونية من جهات عربية أتاحت لدولة العدو توظيفها لتوسيع قاعدة الاعتراف القانوني بها على المستوى العالمي فالعديد من الدول لم تعترف بدولة العدو إلا بعد اتفاقات أوسلو بما في ذلك دولة الفاتيكان، وأصبحت هذه الاتفاقات بذلك عقبة كأداء على طريق التحرير.‏
                إلا أن هذا الاعتراف الرسمي العربي بدولة العدو لم يصاحبه اعتراف شعبي بل على العكس من ذلك فإن الشعب العربي في كافة أقطاره، يرفض هذه الاتفاقات ويسعى لإسقاطها، ويعتبرها صادرة عن جهات لا تمثل إرادة الأمة العربية ولا تملك الحق في هذا الاعتراف، وإن هذه الاتفاقات اتفاقات إذعان غير متكافئة عقدت تحت ظروف شاذة قاهرة، وتوازن مختل وإرادات غير حرة وغير متكافئة، وهي لذلك تعتبر اتفاقات غير شرعية وغير ملزمة.‏
                ومما لا شك فيه أن المجتمع الدولي سيقف إلى جانب دولة العدو وحقها في البقاء والاستمرار استناداً إلى هذا الاعتراف، وخصوصاً إذا توفرت للعرب القوة العسكرية والقدرة على التحرير وأرادت أن تستخدم القوة العسكرية النظامية في معركة التحرير، إلا أن هذه الاتفاقات غير الشرعية لا تحرم الشعب العربي من استخدام إمكاناته ووسائله النضالية الشعبية غير الرسمية عندما تتوفر الإمكانات والخطط السليمة.‏
                **‏
                -4-‏
                إن مقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على المستوى الشعبي تتطلب التحرك في عدة اتجاهات أهمها:‏
                1- امتلاك الجماهير الشعبية العربية في كل قطر القدرة على ممارسة حرياتها الديمقراطية لتنظيم صفوفها، وممارسة حقها في توجيه سياسات حكوماتها الاقتصادية والثقافية والسياسية.‏
                2- محاربة الإقليمية والطائفية، والفئوية على طريق الوحدة.‏
                3- توحيد التنظيمات الشعبية على مستوى الوطن العربي عامة، وإقامة جبهة وطنية شعبية عربية عريضة وتوحيد جهودها وتساندها لتحقيق حرياتها الديمقراطية وتنفيذ برامجها في مواجهة العدو الصهيوني.‏
                4- توجيه الإمكانات الشعبية لفرض إرادتها على أنظمة الحكم العربية للعودة إلى تنفيذ المقاطعة العربية لدولة العدو الصهيوني، وإلغاء ما جرى من تطبيع للعلاقات معها، وإفساح الحرية للعمل الشعبي المنظم ليقوم بدوره وواجبه الكامل في هذه المجالات وغيرها من مجالات المقاومة.‏
                5- ولن تكتمل المساعي لتصبح فعالة ما لم تتحقق خطوات وحدوية عربية. لتوحيد الاقتصاد والعلاقات الخارجية، وإقامة التحالفات العسكرية، على طريق توحيد الكيانات السياسية.‏
                10/3/1998‏
                بهجت أبو غربية‏

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #53
                  رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                  أجوبة د. حامد خليل
                  عميد كلية الآداب بجامعة دمشق‏

                  السؤال الأول:‏
                  - منذ أكثر من قرن تساءل المفكرون العرب: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ فترتب على طرح هذا السؤال القيام بمراجعة نقدية شاملة لمناهج التفكير لدينا، ولكافة طروحاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، فآذن ذلك بميلاد مشروع نهضوي كبير وطموح، لكنه انتهى منذ سبعينيات هذا القرن إلى ما يشبه الاحتضار.‏
                  ونعود الآن لنتساءل: لماذا هزمنا؟ فهل يعني ذلك أننا سنقوم بمراجعة أخرى نقدية وشاملة، قد يتمخض عنها انبثاق مشروع نهضوي عربي جديد؟ أرجو ذلك.‏
                  نعم: لقد هزمنا. ولن أطلب كثيراً من توضيح الدور الذي لعبه العامل الخارجي في ذلك خوفاً من أن يصبح المشجب الذي نعلق عليه كل أخطائنا، وإنما سأركز على العامل الداخلي الذي اعتبره العامل الأساسي الذي لولاه لما أمكن للعامل الخارجي أن يحقق النجاحات التي حققها.‏
                  صحيح أن ثمة أكثر من صيغة للإجابة عن السؤال:‏
                  لماذا هزمنا؟ لكنني سأختار الصيغة التي تبدو لي أنها أكثر غوصاً في العمق، وتشكل الجوهر الذي تكون كافة مظاهر الهزيمة اعراضاً له، أعني غياب العقلانية غياباً شبه تام عن حياتنا العربية المعاصرة.‏
                  وفحوى الأمر أن أهم ما تعنيه العقلانية لأي مجتمع من المجتمعات إنما هو أن يتحكم بمقدراته، ويسيطر على حركته، ويضبط مساره، بحيث لا تفاجئه الأحداث، فتكون حركته مجرد ردة فعل انفعالية تجاهها سرعان ما تخمد جذوتها بمجرد انتهاء الحدث وبعدها يعود إلى سباته بانتظار حدث جديد يفرض عليه إما من الخارج أو من الداخل.. وهكذا دواليك ..‏
                  ولأن العقلانية ليست سمة حياتنا المعاصرة على النحو الذي حددته قبل قليل فمن الطبيعي أن نهزم. وليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب. ويمكن تعداد بعض مظاهر غياب العقلانية الذي بسببه لا يتحكم المجتمع العربي بمقدراته، ولا يسيطر على حركته على النحو التالي:‏
                  1- عزل العقل عن شروط تكونه العلمي.‏
                  2- تحريم التشكيك أو الطعن أو حتى التساؤل حول صحة نسب المرجعيات المنتشرة في الوطن العربي سواء أكانت مرجعيات سياسية أو اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية أم غير ذلك.‏
                  3- هدر الموارد، إما بضخها إلى الخارج بالمجان، أو بإقامة نمط مجنون من الاستهلاك أو بتعطيل قيام أية نهضة تنموية حقيقية.‏
                  4- العمل الدؤوب من الداخل لإضعاف العرب تجاه عدوهم الرئيسي(الاحتكارات العالمية والصهيونية) إما بالتخلي عن القرار المستقل، أو الارتهان بقرار تلك الاحتكارات، أو بتكريس التجزئة القائمة من جهة، والقيام على تفتيتها هي نفسها من الداخل عن طريق إثارة النعرات الطائفية والقبلية والدينية والعشائرية والأثنية...... وغيرها من جهة أخرى.‏
                  5- تحطيم التوجه المؤسساتي في الإدارة والتنظيم والتخطيط، وإحلال آلية عمل تقوم على المزاجية والاعتباطية والمحسوبية.. وغيرها في إدارة شؤون القطاعات الإنتاجية الشاملة(اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية... الخ).‏
                  6- تجريد الفرد من مواطنيته بحرمانه من حقه في المشاركة الحقيقية في إدارة شؤون الجماعة.‏
                  7- تغييب البحث العلمي عن أن يكون الأساس الذي بالاعتماد عليه يصاغ القرار التنموي من أي نوع كان، وترك العنان للارتجال والعشوائية والشخصية للاضطلاع بهذا الدور.‏
                  8- والأخطر من ذلك كله، والذي يعتبر بحق أصل كل هذه العناصر اللاعقلانية المذكورة، إنما هو إقامة نمط غير إنتاجي وتدميري من الإنتاج لصالح فئات اجتماعية طفيلية، وإطلاق العنان لها لتتحكم بمفاصل حياة المجتمع العربي المعاصر، وتقوده بالنهاية إلى حيث يلقى حتفه.‏
                  إما بخصوص السؤال عن أسباب انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة، فإن الأمر لا يخرج عن الإطار الذي حددته قبل قليل للهزيمة العربية ككل، لا بل يمكنني القول أن غياب العقلانية كان أكثر حدة مما شهدناه على الساحات العربية الأخرى، والذي يمكن التعبير عنه بالنقاط الرئيسية التالية، دون أن يعني ذلك أنني أقلل من أهمية الروح النضالية التي تجلى بها الشعب العربي الفلسطيني طول خمسين عاماً من صراعه مع العدو الصهيوني:‏
                  1- حرف الروح النضالية المذكورة عن مسارها السليم، بحيث توظف بالكامل لضمان بقاء أمراء الكانتونات الفلسطينية الكثيرة، وتسخيرها لإرواء تعطشهم المجنون لممارسة السيطرة وجمع الثروات.‏
                  2- القيام بمحاولات مجنونة وغير محسوسة من قبل أولئك الأمراء لإنشاء سلطات بديلة استخدمت كذرائع لذبح الشعب العربي الفلسطيني واقتلاعه من مواقعه المؤقتة، كما حدث في الأردن ولبنان.‏
                  3- افتعال معارك دموية مجانية بين فصائل الشعب العربي الفلسطيني خدمة لمصالح بعض أولئك الأمراء، أو ذريعة لتمرير مخططاتهم التي لم تكن في صالح القضية الفلسطينية.‏
                  4- زج الفلسطينيين في معارك العرب الداخلية أو البيئية، الأمر الذي أدى إلى جعلهم يخسرون شيئاً فشيئاً الدعم المادي والمعنوي العربيين سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي.‏
                  5- والأخطر من كل ذلك تكريس النزوع الاستقلالي على الساحة الفلسطينية، الأمر الذي وجده كثير من القادة العرب فرصة للتحرر من كافة الالتزامات التي كانوا مرغمين على الوفاء بها تجاه القضية الفلسطينية، مما جرد المفاوض الفلسطيني من أقوى الأسلحة التي كان يمكن له أن يستخدمها للحصول على أكبر قدر ممكن من حقوقه.‏
                  6- تفتيت الجبهة الداخلية للشعب العربي الفلسطيني، وتغييب مرجعيته الأمر الذي أدى إلى تمزيق كيانه، وبعثرة جهوده، وتركه نهباً للفوضى والضياع.‏
                  السؤال الثاني:‏
                  - أعتقد أن الحلم الصهيوني بإقامة دولة من الفرات إلى النيل لم يعد قائماً لأسباب كثيرة محلية ودولية، لكن حل محله حلم من نوع آخر، وهو تحقيق ساحة اقتصادية وسياسية وأمنية شاسعة تكون"إسرائيل" هي المحرك الأساسي لها، والممسك بكل خيوطها، والبنك الذي تتجمع فيه معظم عائداتها.‏
                  والجديد في الأمر هو أن السلاح الذي ستستخدمه في هذه المعركة الجديدة إنما هو محاولة تفتيت الهوية القومية العربية بشرذمة الوعي بها إلى نويات منعزلة، واختراق الثوابت والمناطق المحرمة في العقل العربي، وتهيئة ذلك العقل للتكوين من جديد بثقافة"الواقعية" و"العقلانية" و"المتغيرات الدولية"، وإرهاقه بتأجيج الشعور لديه بالإحباط والعجز واليأس واللاجدوى، تمهيداً لإعلان استقالته، والاستسلام لهذا"المنطق" الجديد، والقبول بكل استحقاقاته. وما مشروع"الشرق الأوسط الجديد" لشمعون بيريس سوى مؤّشر هام لهذا التحول في المشروع الصهيوني.‏

                  السؤال الثالث:‏
                  - شكلت الاتفاقيات المبرمة حتى الآن خطورة كبيرة جداً على مجرى الصراع العربي الصهيوني.‏
                  ولأنني أعتقد أن طلقة الرحمة التي تطلق عادة لوضع حد لطموح أية أمة في التحرر والارتقاء والتقدم، إنما هي التي توجه إلى عقلها، فإنني أرى أن أخطر ما أفضت إليه الاتفاقيات المذكورة إنما هو اختراق الثوابت والمناطق التي ظلت محرمة طوال خمسين عاماً في العقل العربي بعامة، والفلسطيني على وجه الخصوص، كما ذكرت قبل قليل، وتهيئة ذلك العقل للتكون من جديد بثقافة"الواقعية" و"العقلانية" و"المتغيرات الدولية"، تمهيداً لتمييع الفكرة الواحدة الجامعة(وحدة الأمة العربية)، ومحو القضية الواحدة الجامعة أيضاً(القضية الفلسطينية) وإلغاء الدور الجامع الواحد لإدارة حركة المجتمع(وحدة النضال العربي)، وهي الأفكار التي شكلت محتوى ذلك العقل طوال نصف قرن، وذلك لصالح ثقافة تمهد الطريق لتثبيت فكرة"أمم" جوار شرق أوسطية، أو لنقل بمعنى آخر، إحلال فكرة"هويات قومية" أو ما وصفه شمعون بيريس في كتابه(الشرق الأوسط الجديد) "بتطوير فوق قومي للجماعات الإقليمية" محل فكرة هوية قومية عربية واحدة.‏
                  والحق أن بيريز كان واضحاً كل الوضوح في توصيف هذه الحالة حينما قال: إن هذا التحول(ويقصد به قيام التنظيم الإقليمي الشرق أوسطي) لن يتم بسحر ساحر، أو بلمسة بيد دبلوماسية. فتوطيد"السلام" و"الأمن" يقتضي ثورة في المفاهيم. وهذه ليست بالهيّنة السهلة. إلا أنها ضرورية مع ذلك وبغيرها فإن أي شيء نحرزه سيكون قصير الأجل(ص79).‏
                  أما على الصعيد السياسي فإن الأخطار تتجلى في إدخال"إسرائيل" رسمياً في لعبة التوازنات العربية، وجعلها طرفاً في صراعاتها، وشريكاً فاعلاً في حماية بعض أنظمتها من جهة، وفي تهديد بعض الأنظمة الأخرى من جهة أخرى.‏
                  كما أن الاتفاقيات المنفردة المذكورة أضعفت الأطراف العربية المعنية بعملية الصراع العربي الصهيوني كلها بحرمانها إياها من مواجهة عدوها بموقف موحد يمثله فريق عربي مفاوض واحد كان يقدر له أن ينتزع من الحقوق أضعاف ما حققه كل طرف على حدة.‏
                  السؤالان الرابع والخامس:‏
                  أخشى أن تكون الفرصة قد ضاعت، وأن يكون من الصعب رأب الصدع، وجبر ما انكسر لكن على الرغم من ذلك، فإني أرى أن ثمة ما يمكن فعله في هذا المجال.‏
                  وأعتقد أن أول ما ينبغي البدء به إنما هو تشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني تكون موضع ثقته، وجديرة باحترامه، وذلك لسبب بسيط هو أن العقل الفلسطيني مصاب الآن بالدوار، وهائم على وجهه، ويفتقر إلى وجود من يرجع إليه سواء على صعيد الفكرة أو على صعيد الممارسة.‏
                  وتحقيقاً لذلك أرى أنه من المفيد الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني لفلسطينيي الداخل والخارج يضم ممثلين عن كافة القوى والفصائل والشخصيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المستقلة ذات التوجه المناهض لتيار الاستسلام السائد الآن، وذلك بغية الوصول إلى فكرة الحد الأدنى الممكن الاتفاق عليها بغض النظر عن مستوى قدرة المؤتمر المقترح على الفعل والتأثير في مجرى الأحداث راهناً.‏
                  وبعد أن يتحقق ذلك يسعى المؤتمر المذكور إلى إقامة روابط وعلاقات شعبية رسمية في كافة الأقطار العربية حيثما أمكن ذلك شريطة أن يكون الهدف الأول من ذلك إقامة الحوار وتبادل وجهات النظر بما يفضي إلى الوصول إلى تصورات عربية مشتركة حول كيفية مقاومة المشروع الصهيوني بأوجهه المتعددة الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية.‏
                  وأعتقد أن التحول الذي طرأ على الساحة الشعبية العربية، وإلى حد ما الرسمية، خلال العامين المنصرمين، يسمح لنا بالتفاؤل بأن شيئاً مهما يمكن تحقيقه في مجرى الصراع العربي الصهيوني الذي لم ينته بعد، ولا أعتقد أنه سينتهي في المستقبل المنظور.‏
                  وأعتقد أيضاً أن عقد مؤتمر من النوع المقترح، وإقامة روابط وعلاقات شعبية ورسمية مع الأقطار العربية بهدف الوصول قبل كل شيء إلى رؤية عربية نظرية وعملية للخروج من المأزق الراهن أهم بكثير من أن أجيز لنفسي بأن أكون منظر لما يجب عمله راهناً ومستقبلاً.‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق


                  • #54
                    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                    أجوبة د. حامد خليل
                    عميد كلية الآداب بجامعة دمشق‏

                    السؤال الأول:‏
                    - منذ أكثر من قرن تساءل المفكرون العرب: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ فترتب على طرح هذا السؤال القيام بمراجعة نقدية شاملة لمناهج التفكير لدينا، ولكافة طروحاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، فآذن ذلك بميلاد مشروع نهضوي كبير وطموح، لكنه انتهى منذ سبعينيات هذا القرن إلى ما يشبه الاحتضار.‏
                    ونعود الآن لنتساءل: لماذا هزمنا؟ فهل يعني ذلك أننا سنقوم بمراجعة أخرى نقدية وشاملة، قد يتمخض عنها انبثاق مشروع نهضوي عربي جديد؟ أرجو ذلك.‏
                    نعم: لقد هزمنا. ولن أطلب كثيراً من توضيح الدور الذي لعبه العامل الخارجي في ذلك خوفاً من أن يصبح المشجب الذي نعلق عليه كل أخطائنا، وإنما سأركز على العامل الداخلي الذي اعتبره العامل الأساسي الذي لولاه لما أمكن للعامل الخارجي أن يحقق النجاحات التي حققها.‏
                    صحيح أن ثمة أكثر من صيغة للإجابة عن السؤال:‏
                    لماذا هزمنا؟ لكنني سأختار الصيغة التي تبدو لي أنها أكثر غوصاً في العمق، وتشكل الجوهر الذي تكون كافة مظاهر الهزيمة اعراضاً له، أعني غياب العقلانية غياباً شبه تام عن حياتنا العربية المعاصرة.‏
                    وفحوى الأمر أن أهم ما تعنيه العقلانية لأي مجتمع من المجتمعات إنما هو أن يتحكم بمقدراته، ويسيطر على حركته، ويضبط مساره، بحيث لا تفاجئه الأحداث، فتكون حركته مجرد ردة فعل انفعالية تجاهها سرعان ما تخمد جذوتها بمجرد انتهاء الحدث وبعدها يعود إلى سباته بانتظار حدث جديد يفرض عليه إما من الخارج أو من الداخل.. وهكذا دواليك ..‏
                    ولأن العقلانية ليست سمة حياتنا المعاصرة على النحو الذي حددته قبل قليل فمن الطبيعي أن نهزم. وليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب. ويمكن تعداد بعض مظاهر غياب العقلانية الذي بسببه لا يتحكم المجتمع العربي بمقدراته، ولا يسيطر على حركته على النحو التالي:‏
                    1- عزل العقل عن شروط تكونه العلمي.‏
                    2- تحريم التشكيك أو الطعن أو حتى التساؤل حول صحة نسب المرجعيات المنتشرة في الوطن العربي سواء أكانت مرجعيات سياسية أو اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية أم غير ذلك.‏
                    3- هدر الموارد، إما بضخها إلى الخارج بالمجان، أو بإقامة نمط مجنون من الاستهلاك أو بتعطيل قيام أية نهضة تنموية حقيقية.‏
                    4- العمل الدؤوب من الداخل لإضعاف العرب تجاه عدوهم الرئيسي(الاحتكارات العالمية والصهيونية) إما بالتخلي عن القرار المستقل، أو الارتهان بقرار تلك الاحتكارات، أو بتكريس التجزئة القائمة من جهة، والقيام على تفتيتها هي نفسها من الداخل عن طريق إثارة النعرات الطائفية والقبلية والدينية والعشائرية والأثنية...... وغيرها من جهة أخرى.‏
                    5- تحطيم التوجه المؤسساتي في الإدارة والتنظيم والتخطيط، وإحلال آلية عمل تقوم على المزاجية والاعتباطية والمحسوبية.. وغيرها في إدارة شؤون القطاعات الإنتاجية الشاملة(اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية... الخ).‏
                    6- تجريد الفرد من مواطنيته بحرمانه من حقه في المشاركة الحقيقية في إدارة شؤون الجماعة.‏
                    7- تغييب البحث العلمي عن أن يكون الأساس الذي بالاعتماد عليه يصاغ القرار التنموي من أي نوع كان، وترك العنان للارتجال والعشوائية والشخصية للاضطلاع بهذا الدور.‏
                    8- والأخطر من ذلك كله، والذي يعتبر بحق أصل كل هذه العناصر اللاعقلانية المذكورة، إنما هو إقامة نمط غير إنتاجي وتدميري من الإنتاج لصالح فئات اجتماعية طفيلية، وإطلاق العنان لها لتتحكم بمفاصل حياة المجتمع العربي المعاصر، وتقوده بالنهاية إلى حيث يلقى حتفه.‏
                    إما بخصوص السؤال عن أسباب انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة، فإن الأمر لا يخرج عن الإطار الذي حددته قبل قليل للهزيمة العربية ككل، لا بل يمكنني القول أن غياب العقلانية كان أكثر حدة مما شهدناه على الساحات العربية الأخرى، والذي يمكن التعبير عنه بالنقاط الرئيسية التالية، دون أن يعني ذلك أنني أقلل من أهمية الروح النضالية التي تجلى بها الشعب العربي الفلسطيني طول خمسين عاماً من صراعه مع العدو الصهيوني:‏
                    1- حرف الروح النضالية المذكورة عن مسارها السليم، بحيث توظف بالكامل لضمان بقاء أمراء الكانتونات الفلسطينية الكثيرة، وتسخيرها لإرواء تعطشهم المجنون لممارسة السيطرة وجمع الثروات.‏
                    2- القيام بمحاولات مجنونة وغير محسوسة من قبل أولئك الأمراء لإنشاء سلطات بديلة استخدمت كذرائع لذبح الشعب العربي الفلسطيني واقتلاعه من مواقعه المؤقتة، كما حدث في الأردن ولبنان.‏
                    3- افتعال معارك دموية مجانية بين فصائل الشعب العربي الفلسطيني خدمة لمصالح بعض أولئك الأمراء، أو ذريعة لتمرير مخططاتهم التي لم تكن في صالح القضية الفلسطينية.‏
                    4- زج الفلسطينيين في معارك العرب الداخلية أو البيئية، الأمر الذي أدى إلى جعلهم يخسرون شيئاً فشيئاً الدعم المادي والمعنوي العربيين سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي.‏
                    5- والأخطر من كل ذلك تكريس النزوع الاستقلالي على الساحة الفلسطينية، الأمر الذي وجده كثير من القادة العرب فرصة للتحرر من كافة الالتزامات التي كانوا مرغمين على الوفاء بها تجاه القضية الفلسطينية، مما جرد المفاوض الفلسطيني من أقوى الأسلحة التي كان يمكن له أن يستخدمها للحصول على أكبر قدر ممكن من حقوقه.‏
                    6- تفتيت الجبهة الداخلية للشعب العربي الفلسطيني، وتغييب مرجعيته الأمر الذي أدى إلى تمزيق كيانه، وبعثرة جهوده، وتركه نهباً للفوضى والضياع.‏
                    السؤال الثاني:‏
                    - أعتقد أن الحلم الصهيوني بإقامة دولة من الفرات إلى النيل لم يعد قائماً لأسباب كثيرة محلية ودولية، لكن حل محله حلم من نوع آخر، وهو تحقيق ساحة اقتصادية وسياسية وأمنية شاسعة تكون"إسرائيل" هي المحرك الأساسي لها، والممسك بكل خيوطها، والبنك الذي تتجمع فيه معظم عائداتها.‏
                    والجديد في الأمر هو أن السلاح الذي ستستخدمه في هذه المعركة الجديدة إنما هو محاولة تفتيت الهوية القومية العربية بشرذمة الوعي بها إلى نويات منعزلة، واختراق الثوابت والمناطق المحرمة في العقل العربي، وتهيئة ذلك العقل للتكوين من جديد بثقافة"الواقعية" و"العقلانية" و"المتغيرات الدولية"، وإرهاقه بتأجيج الشعور لديه بالإحباط والعجز واليأس واللاجدوى، تمهيداً لإعلان استقالته، والاستسلام لهذا"المنطق" الجديد، والقبول بكل استحقاقاته. وما مشروع"الشرق الأوسط الجديد" لشمعون بيريس سوى مؤّشر هام لهذا التحول في المشروع الصهيوني.‏

                    السؤال الثالث:‏
                    - شكلت الاتفاقيات المبرمة حتى الآن خطورة كبيرة جداً على مجرى الصراع العربي الصهيوني.‏
                    ولأنني أعتقد أن طلقة الرحمة التي تطلق عادة لوضع حد لطموح أية أمة في التحرر والارتقاء والتقدم، إنما هي التي توجه إلى عقلها، فإنني أرى أن أخطر ما أفضت إليه الاتفاقيات المذكورة إنما هو اختراق الثوابت والمناطق التي ظلت محرمة طوال خمسين عاماً في العقل العربي بعامة، والفلسطيني على وجه الخصوص، كما ذكرت قبل قليل، وتهيئة ذلك العقل للتكون من جديد بثقافة"الواقعية" و"العقلانية" و"المتغيرات الدولية"، تمهيداً لتمييع الفكرة الواحدة الجامعة(وحدة الأمة العربية)، ومحو القضية الواحدة الجامعة أيضاً(القضية الفلسطينية) وإلغاء الدور الجامع الواحد لإدارة حركة المجتمع(وحدة النضال العربي)، وهي الأفكار التي شكلت محتوى ذلك العقل طوال نصف قرن، وذلك لصالح ثقافة تمهد الطريق لتثبيت فكرة"أمم" جوار شرق أوسطية، أو لنقل بمعنى آخر، إحلال فكرة"هويات قومية" أو ما وصفه شمعون بيريس في كتابه(الشرق الأوسط الجديد) "بتطوير فوق قومي للجماعات الإقليمية" محل فكرة هوية قومية عربية واحدة.‏
                    والحق أن بيريز كان واضحاً كل الوضوح في توصيف هذه الحالة حينما قال: إن هذا التحول(ويقصد به قيام التنظيم الإقليمي الشرق أوسطي) لن يتم بسحر ساحر، أو بلمسة بيد دبلوماسية. فتوطيد"السلام" و"الأمن" يقتضي ثورة في المفاهيم. وهذه ليست بالهيّنة السهلة. إلا أنها ضرورية مع ذلك وبغيرها فإن أي شيء نحرزه سيكون قصير الأجل(ص79).‏
                    أما على الصعيد السياسي فإن الأخطار تتجلى في إدخال"إسرائيل" رسمياً في لعبة التوازنات العربية، وجعلها طرفاً في صراعاتها، وشريكاً فاعلاً في حماية بعض أنظمتها من جهة، وفي تهديد بعض الأنظمة الأخرى من جهة أخرى.‏
                    كما أن الاتفاقيات المنفردة المذكورة أضعفت الأطراف العربية المعنية بعملية الصراع العربي الصهيوني كلها بحرمانها إياها من مواجهة عدوها بموقف موحد يمثله فريق عربي مفاوض واحد كان يقدر له أن ينتزع من الحقوق أضعاف ما حققه كل طرف على حدة.‏
                    السؤالان الرابع والخامس:‏
                    أخشى أن تكون الفرصة قد ضاعت، وأن يكون من الصعب رأب الصدع، وجبر ما انكسر لكن على الرغم من ذلك، فإني أرى أن ثمة ما يمكن فعله في هذا المجال.‏
                    وأعتقد أن أول ما ينبغي البدء به إنما هو تشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني تكون موضع ثقته، وجديرة باحترامه، وذلك لسبب بسيط هو أن العقل الفلسطيني مصاب الآن بالدوار، وهائم على وجهه، ويفتقر إلى وجود من يرجع إليه سواء على صعيد الفكرة أو على صعيد الممارسة.‏
                    وتحقيقاً لذلك أرى أنه من المفيد الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني لفلسطينيي الداخل والخارج يضم ممثلين عن كافة القوى والفصائل والشخصيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المستقلة ذات التوجه المناهض لتيار الاستسلام السائد الآن، وذلك بغية الوصول إلى فكرة الحد الأدنى الممكن الاتفاق عليها بغض النظر عن مستوى قدرة المؤتمر المقترح على الفعل والتأثير في مجرى الأحداث راهناً.‏
                    وبعد أن يتحقق ذلك يسعى المؤتمر المذكور إلى إقامة روابط وعلاقات شعبية رسمية في كافة الأقطار العربية حيثما أمكن ذلك شريطة أن يكون الهدف الأول من ذلك إقامة الحوار وتبادل وجهات النظر بما يفضي إلى الوصول إلى تصورات عربية مشتركة حول كيفية مقاومة المشروع الصهيوني بأوجهه المتعددة الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية.‏
                    وأعتقد أن التحول الذي طرأ على الساحة الشعبية العربية، وإلى حد ما الرسمية، خلال العامين المنصرمين، يسمح لنا بالتفاؤل بأن شيئاً مهما يمكن تحقيقه في مجرى الصراع العربي الصهيوني الذي لم ينته بعد، ولا أعتقد أنه سينتهي في المستقبل المنظور.‏
                    وأعتقد أيضاً أن عقد مؤتمر من النوع المقترح، وإقامة روابط وعلاقات شعبية ورسمية مع الأقطار العربية بهدف الوصول قبل كل شيء إلى رؤية عربية نظرية وعملية للخروج من المأزق الراهن أهم بكثير من أن أجيز لنفسي بأن أكون منظر لما يجب عمله راهناً ومستقبلاً.‏

                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    تعليق


                    • #55
                      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                      أجوبة الأستاذ: عرفات حجازي
                      كاتب وصحفي، نقيب الصحفيين الأردنيين الأسبق‏
                      هزيمة فلسطين:‏
                      1: لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                      جواب: لا أعتقد أننا هزمنا في فلسطين.. ومن يتابع المؤامرة على الشعب والأرض منذ قرن كامل يلاحظ أن أعظم الدول وأقواها ساندت الحركة الصهيونية لتصفية الشعب الفلسطيني وتصفية القضية فلم يستطيعوا..‏
                      نعم استطاعت القوى المتآمرة الالتفاف على أعظم ثورات الشعب الفلسطيني عام 1936 عندما تدخل ملوك ورؤساء، الدول العربية لوقف الثورة وإنهاء الإضراب العام الذي استمر ستة شهور وثبت أن هذا التدخل العربي كان حلقة من مؤامرات تصفية القضية ولكن الشعب بقي متمسكاً بأرضه وفلسطين بقيت عربية..‏
                      ونعم استطاعت دول العالم أن تقرر تقسيم فلسطين وإعطاء الجزء الأكبر والأهم لليهود ودخلت الجيوش العربية من أجل تنفيذ قرار التقسيم ولكن بالرغم من فداحة النكبة بقي الشعب الفلسطيني متشبثاً بوطنه وبقي الوطن الفلسطيني أنشودة أفرزت قوافل المناضلين وتمخضت عن قوافل الشهداء الذين نذروا أنفسهم من أجل فلسطين..‏
                      ونعم استطاعت الحركة الصهيونية تخدير الدول العربية والإسلامية وإلهائها عن قضية فلسطين واستغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تغيير الحقائق وفرض واقع جديد لتهويد ما تبقى من فلسطين إلا أن أطفال الحجارة أعلنوا للدنيا بأن هذه القضية يستحيل تصفيتها وأن الأطفال قادرون على مواجهة الجيش الذي لا يقهر وأن الحجارة على استعداد لتحطيم أعظم ترسانة أميركية إسرائيلية انتقلت إلى القاعدة العسكرية الجديدة التي يطلقون عليها اسم إسرائيل!!‏
                      ونعم استطاعت الحركة الصهيونية أن تتسلل إلى صفوف الذين لم يتحملوا مواصلة النضال وأهواهم وأغراهم مظاهر المراسم والاحتفالات والمظاهر الخادعة والزائفة والزائلة فعقدوا اتفاقية التخاذل والاستسلام. والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ودماء شهدائه ونضالات أجياله في اتفاقية محاولة تهويد أرض فلسطين في اتفاقيات طابا وأوسلو ولكن هذه الردة الجماعية فلسطينية وعربية وإسلامية وإدانة هذه الاتفاقيات الذليلة التي وضعت الشعب الفلسطيني في كانتونات هي أشبه بالزنزانات وسلبت من الشعب الفلسطيني سيادته وكرامته حتى أصبح شبيهاً"بالأبارنيد" ليكرس سيادة اليهود الجماعية على الشعب الفلسطيني بكل تفاصيل حياته!!‏
                      مما تقدم فإني على قناعة بأن الفلسطيني لم يهزم وإن ما تعرض له من انحسار في مشروعه الوطني هو بسبب التخاذل الفلسطيني أو العربي وإن انتفاضة الشعب الفلسطيني الحقيقية قادمة لا محالة وهي ستعالج أساليب الضغوط الخارجية في ثورة 1936 وأساليب التدخل في تنفيذ مشروع التقسيم واستسلام الذين أفقدهم الصبر على مواصلة النضال فاستسلموا على قارعة الطريق وإذا كانت انتفاضة الأطفال قد أفزعت إسرائيل فإن انتفاضة الرجال ستنهي هذا الحلم المزعج الذي اسمه إسرائيل..‏
                      الأهداف الصهيونية‏
                      س: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
                      جواب: من يعود إلى مقررات المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بال بسويسرا عام 1897 ومن يطالع بإمعان بروتوكولات حكماء صهيون سيجد أن هؤلاء الرواد هم الطليعة للحركة الصهيونية ولحكام إسرائيل حتى اليوم لأنهم اتفقوا جميعاً على أن حل المشكلة اليهودية لا يمكن أن يتم إلا بإقرار اتفاق تاريخي يلزم الأجيال اليهودية على اختلاف نزعاتها ومبادئها وميولها العمل على تحقيقه وأبرز هذه القرارات:‏
                      أولاً: اعتبار القدس عاصمة اسرائيل وإن فلسطين وما حولها هي أرض إسرائيل.‏
                      ثانياً: إقامة الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى لأن مجد إسرائيل لا يعود إلا بإعادة بناء الهيكل.‏
                      ثالثاً: السيطرة على القوى العالمية وإخضاعها لتنفيذ المشروع الصهيوني وعودة اليهود لزعامة العالم.‏
                      رابعاً: شراء حكام وقادة جميع الدول بالمال أو النساء أو بالقوة حتى يكونوا خدماً لهم ولينفذوا أوامرهم!!‏
                      ونحن اليوم عندما نشاهد كيف تحتفظ إسرائيل بكل أسلحة الدمار الشامل وكيف تقوم كل يوم بالإغارة على المدن والقرى اللبنانية وتفعل ما لم تفعله دولة في الدنيا بأي شعب كما تفعل بالشعب الفلسطيني الذي غيبت شبابه في زنزاناتها الباردة المظلمة وشردت الملايين خارج حدود وطنه وفرضت اتفاقيات لا يمكن أن يقبل بها حتى الأذلاء بالإضافة إلى إعلانها صباح مساء بأن القدس هي عاصمتها الموحدة الأبدية بالرغم من أنها تدرك أن ملياري عربي ومسلم يؤمنون أنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأنها أرض الإسراء والمعراج وقيامة عيسى ابن مريم..‏
                      وبالإضافة إلى كل ذلك فنحن عندما نشاهد الموساد يخترق حدود وكرامات الدول العربية وحتى الأوروبية والولايات المتحدة ولا أحد يجرؤ على ردعه أو تهديده أو مقاطعته أو فرض الحصار عليه نلاحظ أن مقررات المؤتمر الصهيوني وبروتوكولات حكماء صهيون قد تحققت عندما أصبح كل الماسكين بزمام القوة والسيطرة والنفوذ في الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا هم فعلاً من اليهود. نعود للقناعة بأن الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني لم يتغير وأنهم يقومون بتنفيذ تفاصيله بدقة متناهية..‏
                      اتفاقيات الذل‏
                      س: ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وأطراف عربية: كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
                      جواب: الاتفاقيات التي أبرمتها إسرائيل مع بعض الدول العربية هي اتفاقيات مرحلية ولن يتحقق لها البقاء لسببين أولهما هو أن هذه الاتفاقيات فرضت فرضاً من الولايات المتحدة على بعض الدول، ونلاحظ أن الشعوب في تلك الدول لا تعترف بها وأبرز علامات الرفض هو حركات وفرق رفض التطبيع مع العدو الصهيوني..‏
                      أما السبب الثاني فهو أن هذه الاتفاقيات بكل حرف فيها هي لخدمة المشروع الصهيوني والقضاء على الكرامة والوجود العربي وهو أمر إذا استقر مرحلياً فإن إرادة الشعوب ستتفوق وتحطم الاتفاقيات الذليلة التي يرفضها كل الشعب العربي في كل مكان!‏
                      ولا شك أن هذه الاتفاقيات الذليلة للجانب العربي تشكل تحدياً باستمرار حركة النهوض القومي والديني وأنها ستكون الحافز وأنها ستكون من عوامل الثورة على الهيمنة والسيطرة والسيادة الإسرائيلية على أي شبر من أرض عربية حتى تتحرر الأرض ويتحرر الإنسان!‏
                      بناء الجبهة الوطنية الشعبية‏
                      س: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟.‏
                      جواب: من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني لابد أن نتوقف عند مرحلة اليأس الذي أصاب الأمة العربية بعد هزيمة 1967 التي فقد فيها العرب كامل التراب الفلسطيني وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان..‏
                      لو أن ما أصاب العرب من مآسي في تلك الهزيمة أصاب أمة أخرى لاندحرت من الوجود وخرجت من سجلات الكون إذ لم يكن أقسى في تاريخ الحروب من أن تستطيع دولة مثل إسرائيل عدد سكانها ثلاثة ملايين من هزم الأمة العربية التي يزيد عددها على مائة وخمسين مليوناً..‏
                      ولكن حسابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يقود المعركة والتي تحمل مسؤولية ما نتج عنها كان ينظر للأمور غير هذه النظرة فهو أولاً كان يعتبر أن العدو ليس إسرائيل وحدها بل إن الولايات المتحدة وضعت كل ثقلها العسكري والبشري للوقوف إلى جانب إسرائيل ثم إن القوات الإسرائيلية المدربة تدريباً عالياً ويتلقون تعليماتهم من قيادة واحدة كان عددهم الفعلي ضعف القوات العربية التي شاركت في القتال مجتمعة بالإضافة إلى أن القوات العربية كانت تخضع لعدة قيادات وفي هذا بالعرف العسكري تشتيت وبعثرة للقوات الضاربة أو الدفاعية.."‏
                      كانت حالة اليأس والإحباط العربي بعد الهزيمة عام 1967 أضعاف ما هي عليه اليوم بعد اتفاقيات الاستسلام والإذلال ولكن عرف عبد الناصر كيف ينتشل الأمة العربية من يأسها وقنوطها وإحباطها بأن اعترف أولاً بأنه المسؤول عن الهزيمة ثم عندما خطط لانتشال الأمة من جديد ووضعها على طريق استعادة الكرامة والوطن عندما رسم لمعركة العبور وتحرير سيناء خطوة نحو تحرير فلسطين والجولان فأعلن عدة قضايا ربطت ما بين الخاص الوطني والعام القومي عندما أعلن استراتيجية مدنية وعسكرية تعتمد على الإصرار على تحرير الأرض المحتلة بالقوة من سيناء إلى فلسطين إلى الجولان..‏
                      وقد تضمنت هذه الاستراتيجية تعزيز الصمود الوطني والشعبي وذلك عن طريق ترسيخ المبادئ القومية والوطنية في ضمير كل مواطن وقناعاته وأهمها الإيمان بحقه الوطني والقومي في تحرير أرضه وكل أرض عربية محتلة..‏
                      وقد حرص عبد الناصر في استراتيجية إعادة البناء تمتين التماسك في الجبهة الداخلية حكومة وجيشاً وشعباً..‏
                      وطبعاً كان الذي يهدف له عبد الناصر من وراء هذا الربط بين الخاص الوطني والعام القومي هو تعزيز القدرة العسكرية وتعزيز المقاومة ضد العدو المحتل مع عدم رفض أية مفاوضات تؤدي إلى تحرير الأرض.‏
                      إن هذا الربط الذي قام به الرئيس الراحل عبد الناصر الذي استطاع إقالة الأمة من أكبر وأضخم عثراتها هو ذات الربط الذي نحن بأمس الحاجة إليه لإقالتنا من عثرة اليأس والإحباط التي سببتها اتفاقيات الانصياع..‏
                      الخروج من المأزق‏
                      س: في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                      جواب: للخروج من المأزق الذي جعل الدول العربية تركع أمام الهيمنة الأمريكية والأطماع الصهيونية هناك طريق واحد واضح ومعروف وهو أن نتساءل كيف استطاع عبد الناصر من إعادة حشد الأمة العربية واستعادة تسليح الجيوش العربية ومواجهة إسرائيل والتغلب عليها في حرب الاستنزاف وإقامة جدار الصواريخ الذي كان البوابة لعبور القناة والتي توفي قبل استكمالها مما دفع السادات إلى سرقة الخطط التي كانت جاهزة وموضوعة للتنفيذ ويسرق معها النصر الذي كان عبد الناصر قد أعد كل الخطط لإحرازه ثم قيام السادات ببيع هذا النصر ليحرم مصر من شرف السيطرة الكاملة على المعركة لمواصلة تحرير الأرض الفلسطينية والسورية المحتلة..‏
                      السؤال مرة أخرى هو كيف استطاع عبد الناصر أن يفعل كل ذلك بعد أقسى هزيمة في التاريخ وأن ينهض هذا النهوض الأسطوري بالأمة العربية من المحيط حتى الخليج.. والجواب واضح وصريح وهو أن عبد الناصر عاد بعد الهزيمة أقوى مما كان وقد تكرست بين يديه زعامة وقيادة الأمة العربية فاستجابت لإرادته كل الدول العربية بلا استثناء ولم يعد أحد يتآمر عليه كما كان ذلك قبل هزيمة 1967 حيث كانت عشرون محطة إذاعة تابعة للمخابرات الأمريكية مزروعة في بعض الدول العربية لمهاجمة عبد الناصر والتشكيك في قيادته وتوجهاته..‏
                      ولأن عبد الناصر بكل تجاربه وكفاءاته عاد ليقود معركة التحرير الشعبية والعسكرية استطاع أن يجهز الجيش المصري من جديد بعد أن جرى تدمير 100% من قاذفاته الثقيلة والخفيفة و 85% من باقي طائراته و85% من القوات البرية بالإضافة إلى أحد عشر ألف وخمسمائة شهيد بينهم أربعون من خيرة الطيارين..‏
                      وهذا البناء من جديد لتهيئة الجيش المصري ليقود معركة التحرير بعد الخسائر الفادحة كان معجزة عبد الناصر الحقيقية والسبب هو أن عبد الناصر قاد معركة العرب وحده ولكن بدعم وتأييد من جميع الدول العربية بدون استثناء..‏
                      ونحن اليوم وفينا 22 دولة وفيها 22 قائد وفيها 22 خطة مدنية وشعبية وعسكرية لابد قبل أن نتطلع إلى الخروج من المأزق الذي نحن فيه لابد أن نفكر وأن نعمل على توحيد القيادة العربية لمواجهة التحديات الأجنبية التي مظهرها إسرائيل ولكن في حقيقتها المصالح الأمريكية والبريطانية والأوروبية في المنطقة التي تدفع إسرائيل إلى الواجهة حتى تبقى المخفر الذي يحمي مصالحها ولو كان ذلك على حساب القضية العربية والوجود العربي..‏
                      وعندما ينهض من صفوف هذه الأمة عبد الناصر آخر ويعبر تعبيراً حقيقياً عن مصالح هذه الأمة القومية والوطنية وأن يلقى الدعم الصادق من بقية القادة العرب فإن معركتنا مع إسرائيل بل مع الولايات المتحدة والغرب المعادي ستكون من أضمن المعارك التي ستنتهي بالنصر الذي سبق أن حققه عمر بن الخطاب فاتح القدس وصلاح الدين قاهر الأعداء والمعتدين.‏

                      إذا الشعب يوما أراد الحياة
                      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                      تعليق


                      • #56
                        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                        أجوبة الأستاذ: عرفات حجازي
                        كاتب وصحفي، نقيب الصحفيين الأردنيين الأسبق‏
                        هزيمة فلسطين:‏
                        1: لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                        جواب: لا أعتقد أننا هزمنا في فلسطين.. ومن يتابع المؤامرة على الشعب والأرض منذ قرن كامل يلاحظ أن أعظم الدول وأقواها ساندت الحركة الصهيونية لتصفية الشعب الفلسطيني وتصفية القضية فلم يستطيعوا..‏
                        نعم استطاعت القوى المتآمرة الالتفاف على أعظم ثورات الشعب الفلسطيني عام 1936 عندما تدخل ملوك ورؤساء، الدول العربية لوقف الثورة وإنهاء الإضراب العام الذي استمر ستة شهور وثبت أن هذا التدخل العربي كان حلقة من مؤامرات تصفية القضية ولكن الشعب بقي متمسكاً بأرضه وفلسطين بقيت عربية..‏
                        ونعم استطاعت دول العالم أن تقرر تقسيم فلسطين وإعطاء الجزء الأكبر والأهم لليهود ودخلت الجيوش العربية من أجل تنفيذ قرار التقسيم ولكن بالرغم من فداحة النكبة بقي الشعب الفلسطيني متشبثاً بوطنه وبقي الوطن الفلسطيني أنشودة أفرزت قوافل المناضلين وتمخضت عن قوافل الشهداء الذين نذروا أنفسهم من أجل فلسطين..‏
                        ونعم استطاعت الحركة الصهيونية تخدير الدول العربية والإسلامية وإلهائها عن قضية فلسطين واستغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في تغيير الحقائق وفرض واقع جديد لتهويد ما تبقى من فلسطين إلا أن أطفال الحجارة أعلنوا للدنيا بأن هذه القضية يستحيل تصفيتها وأن الأطفال قادرون على مواجهة الجيش الذي لا يقهر وأن الحجارة على استعداد لتحطيم أعظم ترسانة أميركية إسرائيلية انتقلت إلى القاعدة العسكرية الجديدة التي يطلقون عليها اسم إسرائيل!!‏
                        ونعم استطاعت الحركة الصهيونية أن تتسلل إلى صفوف الذين لم يتحملوا مواصلة النضال وأهواهم وأغراهم مظاهر المراسم والاحتفالات والمظاهر الخادعة والزائفة والزائلة فعقدوا اتفاقية التخاذل والاستسلام. والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ودماء شهدائه ونضالات أجياله في اتفاقية محاولة تهويد أرض فلسطين في اتفاقيات طابا وأوسلو ولكن هذه الردة الجماعية فلسطينية وعربية وإسلامية وإدانة هذه الاتفاقيات الذليلة التي وضعت الشعب الفلسطيني في كانتونات هي أشبه بالزنزانات وسلبت من الشعب الفلسطيني سيادته وكرامته حتى أصبح شبيهاً"بالأبارنيد" ليكرس سيادة اليهود الجماعية على الشعب الفلسطيني بكل تفاصيل حياته!!‏
                        مما تقدم فإني على قناعة بأن الفلسطيني لم يهزم وإن ما تعرض له من انحسار في مشروعه الوطني هو بسبب التخاذل الفلسطيني أو العربي وإن انتفاضة الشعب الفلسطيني الحقيقية قادمة لا محالة وهي ستعالج أساليب الضغوط الخارجية في ثورة 1936 وأساليب التدخل في تنفيذ مشروع التقسيم واستسلام الذين أفقدهم الصبر على مواصلة النضال فاستسلموا على قارعة الطريق وإذا كانت انتفاضة الأطفال قد أفزعت إسرائيل فإن انتفاضة الرجال ستنهي هذا الحلم المزعج الذي اسمه إسرائيل..‏
                        الأهداف الصهيونية‏
                        س: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
                        جواب: من يعود إلى مقررات المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بال بسويسرا عام 1897 ومن يطالع بإمعان بروتوكولات حكماء صهيون سيجد أن هؤلاء الرواد هم الطليعة للحركة الصهيونية ولحكام إسرائيل حتى اليوم لأنهم اتفقوا جميعاً على أن حل المشكلة اليهودية لا يمكن أن يتم إلا بإقرار اتفاق تاريخي يلزم الأجيال اليهودية على اختلاف نزعاتها ومبادئها وميولها العمل على تحقيقه وأبرز هذه القرارات:‏
                        أولاً: اعتبار القدس عاصمة اسرائيل وإن فلسطين وما حولها هي أرض إسرائيل.‏
                        ثانياً: إقامة الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى لأن مجد إسرائيل لا يعود إلا بإعادة بناء الهيكل.‏
                        ثالثاً: السيطرة على القوى العالمية وإخضاعها لتنفيذ المشروع الصهيوني وعودة اليهود لزعامة العالم.‏
                        رابعاً: شراء حكام وقادة جميع الدول بالمال أو النساء أو بالقوة حتى يكونوا خدماً لهم ولينفذوا أوامرهم!!‏
                        ونحن اليوم عندما نشاهد كيف تحتفظ إسرائيل بكل أسلحة الدمار الشامل وكيف تقوم كل يوم بالإغارة على المدن والقرى اللبنانية وتفعل ما لم تفعله دولة في الدنيا بأي شعب كما تفعل بالشعب الفلسطيني الذي غيبت شبابه في زنزاناتها الباردة المظلمة وشردت الملايين خارج حدود وطنه وفرضت اتفاقيات لا يمكن أن يقبل بها حتى الأذلاء بالإضافة إلى إعلانها صباح مساء بأن القدس هي عاصمتها الموحدة الأبدية بالرغم من أنها تدرك أن ملياري عربي ومسلم يؤمنون أنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأنها أرض الإسراء والمعراج وقيامة عيسى ابن مريم..‏
                        وبالإضافة إلى كل ذلك فنحن عندما نشاهد الموساد يخترق حدود وكرامات الدول العربية وحتى الأوروبية والولايات المتحدة ولا أحد يجرؤ على ردعه أو تهديده أو مقاطعته أو فرض الحصار عليه نلاحظ أن مقررات المؤتمر الصهيوني وبروتوكولات حكماء صهيون قد تحققت عندما أصبح كل الماسكين بزمام القوة والسيطرة والنفوذ في الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا هم فعلاً من اليهود. نعود للقناعة بأن الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني لم يتغير وأنهم يقومون بتنفيذ تفاصيله بدقة متناهية..‏
                        اتفاقيات الذل‏
                        س: ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وأطراف عربية: كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
                        جواب: الاتفاقيات التي أبرمتها إسرائيل مع بعض الدول العربية هي اتفاقيات مرحلية ولن يتحقق لها البقاء لسببين أولهما هو أن هذه الاتفاقيات فرضت فرضاً من الولايات المتحدة على بعض الدول، ونلاحظ أن الشعوب في تلك الدول لا تعترف بها وأبرز علامات الرفض هو حركات وفرق رفض التطبيع مع العدو الصهيوني..‏
                        أما السبب الثاني فهو أن هذه الاتفاقيات بكل حرف فيها هي لخدمة المشروع الصهيوني والقضاء على الكرامة والوجود العربي وهو أمر إذا استقر مرحلياً فإن إرادة الشعوب ستتفوق وتحطم الاتفاقيات الذليلة التي يرفضها كل الشعب العربي في كل مكان!‏
                        ولا شك أن هذه الاتفاقيات الذليلة للجانب العربي تشكل تحدياً باستمرار حركة النهوض القومي والديني وأنها ستكون الحافز وأنها ستكون من عوامل الثورة على الهيمنة والسيطرة والسيادة الإسرائيلية على أي شبر من أرض عربية حتى تتحرر الأرض ويتحرر الإنسان!‏
                        بناء الجبهة الوطنية الشعبية‏
                        س: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟.‏
                        جواب: من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني لابد أن نتوقف عند مرحلة اليأس الذي أصاب الأمة العربية بعد هزيمة 1967 التي فقد فيها العرب كامل التراب الفلسطيني وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان..‏
                        لو أن ما أصاب العرب من مآسي في تلك الهزيمة أصاب أمة أخرى لاندحرت من الوجود وخرجت من سجلات الكون إذ لم يكن أقسى في تاريخ الحروب من أن تستطيع دولة مثل إسرائيل عدد سكانها ثلاثة ملايين من هزم الأمة العربية التي يزيد عددها على مائة وخمسين مليوناً..‏
                        ولكن حسابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يقود المعركة والتي تحمل مسؤولية ما نتج عنها كان ينظر للأمور غير هذه النظرة فهو أولاً كان يعتبر أن العدو ليس إسرائيل وحدها بل إن الولايات المتحدة وضعت كل ثقلها العسكري والبشري للوقوف إلى جانب إسرائيل ثم إن القوات الإسرائيلية المدربة تدريباً عالياً ويتلقون تعليماتهم من قيادة واحدة كان عددهم الفعلي ضعف القوات العربية التي شاركت في القتال مجتمعة بالإضافة إلى أن القوات العربية كانت تخضع لعدة قيادات وفي هذا بالعرف العسكري تشتيت وبعثرة للقوات الضاربة أو الدفاعية.."‏
                        كانت حالة اليأس والإحباط العربي بعد الهزيمة عام 1967 أضعاف ما هي عليه اليوم بعد اتفاقيات الاستسلام والإذلال ولكن عرف عبد الناصر كيف ينتشل الأمة العربية من يأسها وقنوطها وإحباطها بأن اعترف أولاً بأنه المسؤول عن الهزيمة ثم عندما خطط لانتشال الأمة من جديد ووضعها على طريق استعادة الكرامة والوطن عندما رسم لمعركة العبور وتحرير سيناء خطوة نحو تحرير فلسطين والجولان فأعلن عدة قضايا ربطت ما بين الخاص الوطني والعام القومي عندما أعلن استراتيجية مدنية وعسكرية تعتمد على الإصرار على تحرير الأرض المحتلة بالقوة من سيناء إلى فلسطين إلى الجولان..‏
                        وقد تضمنت هذه الاستراتيجية تعزيز الصمود الوطني والشعبي وذلك عن طريق ترسيخ المبادئ القومية والوطنية في ضمير كل مواطن وقناعاته وأهمها الإيمان بحقه الوطني والقومي في تحرير أرضه وكل أرض عربية محتلة..‏
                        وقد حرص عبد الناصر في استراتيجية إعادة البناء تمتين التماسك في الجبهة الداخلية حكومة وجيشاً وشعباً..‏
                        وطبعاً كان الذي يهدف له عبد الناصر من وراء هذا الربط بين الخاص الوطني والعام القومي هو تعزيز القدرة العسكرية وتعزيز المقاومة ضد العدو المحتل مع عدم رفض أية مفاوضات تؤدي إلى تحرير الأرض.‏
                        إن هذا الربط الذي قام به الرئيس الراحل عبد الناصر الذي استطاع إقالة الأمة من أكبر وأضخم عثراتها هو ذات الربط الذي نحن بأمس الحاجة إليه لإقالتنا من عثرة اليأس والإحباط التي سببتها اتفاقيات الانصياع..‏
                        الخروج من المأزق‏
                        س: في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                        جواب: للخروج من المأزق الذي جعل الدول العربية تركع أمام الهيمنة الأمريكية والأطماع الصهيونية هناك طريق واحد واضح ومعروف وهو أن نتساءل كيف استطاع عبد الناصر من إعادة حشد الأمة العربية واستعادة تسليح الجيوش العربية ومواجهة إسرائيل والتغلب عليها في حرب الاستنزاف وإقامة جدار الصواريخ الذي كان البوابة لعبور القناة والتي توفي قبل استكمالها مما دفع السادات إلى سرقة الخطط التي كانت جاهزة وموضوعة للتنفيذ ويسرق معها النصر الذي كان عبد الناصر قد أعد كل الخطط لإحرازه ثم قيام السادات ببيع هذا النصر ليحرم مصر من شرف السيطرة الكاملة على المعركة لمواصلة تحرير الأرض الفلسطينية والسورية المحتلة..‏
                        السؤال مرة أخرى هو كيف استطاع عبد الناصر أن يفعل كل ذلك بعد أقسى هزيمة في التاريخ وأن ينهض هذا النهوض الأسطوري بالأمة العربية من المحيط حتى الخليج.. والجواب واضح وصريح وهو أن عبد الناصر عاد بعد الهزيمة أقوى مما كان وقد تكرست بين يديه زعامة وقيادة الأمة العربية فاستجابت لإرادته كل الدول العربية بلا استثناء ولم يعد أحد يتآمر عليه كما كان ذلك قبل هزيمة 1967 حيث كانت عشرون محطة إذاعة تابعة للمخابرات الأمريكية مزروعة في بعض الدول العربية لمهاجمة عبد الناصر والتشكيك في قيادته وتوجهاته..‏
                        ولأن عبد الناصر بكل تجاربه وكفاءاته عاد ليقود معركة التحرير الشعبية والعسكرية استطاع أن يجهز الجيش المصري من جديد بعد أن جرى تدمير 100% من قاذفاته الثقيلة والخفيفة و 85% من باقي طائراته و85% من القوات البرية بالإضافة إلى أحد عشر ألف وخمسمائة شهيد بينهم أربعون من خيرة الطيارين..‏
                        وهذا البناء من جديد لتهيئة الجيش المصري ليقود معركة التحرير بعد الخسائر الفادحة كان معجزة عبد الناصر الحقيقية والسبب هو أن عبد الناصر قاد معركة العرب وحده ولكن بدعم وتأييد من جميع الدول العربية بدون استثناء..‏
                        ونحن اليوم وفينا 22 دولة وفيها 22 قائد وفيها 22 خطة مدنية وشعبية وعسكرية لابد قبل أن نتطلع إلى الخروج من المأزق الذي نحن فيه لابد أن نفكر وأن نعمل على توحيد القيادة العربية لمواجهة التحديات الأجنبية التي مظهرها إسرائيل ولكن في حقيقتها المصالح الأمريكية والبريطانية والأوروبية في المنطقة التي تدفع إسرائيل إلى الواجهة حتى تبقى المخفر الذي يحمي مصالحها ولو كان ذلك على حساب القضية العربية والوجود العربي..‏
                        وعندما ينهض من صفوف هذه الأمة عبد الناصر آخر ويعبر تعبيراً حقيقياً عن مصالح هذه الأمة القومية والوطنية وأن يلقى الدعم الصادق من بقية القادة العرب فإن معركتنا مع إسرائيل بل مع الولايات المتحدة والغرب المعادي ستكون من أضمن المعارك التي ستنتهي بالنصر الذي سبق أن حققه عمر بن الخطاب فاتح القدس وصلاح الدين قاهر الأعداء والمعتدين.‏

                        إذا الشعب يوما أراد الحياة
                        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                        تعليق


                        • #57
                          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                          أجوبة السيدة: حياة الحويك عطية
                          كاتبة وصحافية‏
                          السؤال الأول:‏
                          لا أعتقد أن بإمكان أحد أن يجيب مرة واحدة على سؤال: لماذا هزمنا؟ لكن الشق الثاني من السؤال يشكل بحد ذاته جزءاً من الجواب، إذا ما عدنا إلى صياغته بشكل آخر: هل صحيح أنه كان هناك مشروع وطني فلسطيني، أو بالأحرى قومي، لتحرير كامل فلسطين؟‏
                          لاشك أن سؤالي المشكك هذا لا يطال الجميع من قيادات ومناضلين، والدليل أن ما دفع من دم لم تحّصله أية قضية في التاريخ. لكنني أقصد مراكز صنع القرار الرئيسي وما يتفرع عنها. وقد تكون عملية تصفية الطرح المذكور أعلاه قد استغرقت فترة طويلة، ومرت بمراحل عديدة، وذلك لحساسيتها، وخطورتها، وتناقضها مع الشعار الطنان الذي كان يدوي عالياً، وإن كذباً أحياناً. ثمة مؤشرين لابد من الانتباه إليهما:‏
                          أولاً: إن وعي المخطط الصهيوني وما يشكله من خطر، لم يكن وعياً كافياً، منذ بداية الصراع، وذلك ما استتبع كون وسائل وأساليب المواجهة لم تكن صحيحة وقادرة.‏
                          ثانياً: أن تأرجح القضية بين الطرح القومي الذي كان الكثيرون يزايدون به دون إيمان صحيح ويتصرفون تحت غطائه بعقلية كيانية، وبين الحس الكياني الصريح الذي يتراوح سلوكه من اللامبالاة إلى التآمر(هذا بالنسبة للعرب) في حين يترجم هذا الحس لدى الفلسطينيين أنفسهم بسلوكيات تسقط عنهم التعاطف الشعبي تباعاً. كل هذا جعل اللحمة حول القضية الفلسطينية شكلية خطابية ادعائية، لا حقيقة فاعلة.‏
                          ثالثاً: كثيراً ما كان تجذر فلسطين في الوجدان الشعبي العربي، مدعاة لجعل الحكومات تسترضي هذا الوجدان بعزفها على وتر التحرير والنضال. في حين تجعلها ارتباطات أخرى تعمل على استرضاء جهات خارجية غارقة في صميم المشروع الصهيوني أو خاضعة له.‏
                          وهنا نصل إلى عقدة أخيل في موضوع العجز العربي. ألا وهي قضية الديمقراطية. فعندما لا يكون النظام الحاكم مستنداً إلى إرادة شعبية واعية ملتفة، تصبح العلاقة بينه وبين الشعب علاقة نفاقية، النفاقية لا تعرف إلاّ العصاة والجزره، ويصبح مضطراً إلى أن يسند بقاءه إلى جهات خارجية أو إلى معادلات وتوازنات دولية أو عربية، لا تتفق بالضرورة ومصالح الأمة الوجودية والحياتية. بل أنها غالباً ما تتناقض معها...‏
                          هذا المستنقع، هذه الرمال المتحركة، لم تعرف الثورة الفلسطينية وللأسف أن تبقى فوقها.‏
                          رابعاً: رغم كل الاختلافات من يسار ويمين، وتطرف واعتدال، ثمة قاسم مشترك أيديولوجي ظل يجمع اليهود في كل العالم حول إسرائيل، وداخل إسرائيل حول المشروع الواضح. وهذا ما لم يكن حالنا.‏
                          خامساً: عرفت الصهيونية جيداً كيف تخاطب العالم، كيف تزرع في أوروبا عقدة ذنب، ومن ثم تستغلها، كيف تضع يدها على كل مواقع التأثير الاقتصادي والثقافي خاصة، في معظم مناطق العالم(خاصة الولايات المتحدة وأوروبا- بما فيها روسيا) وتحكم بالتالي القرار السياسي. في حين لم نحسن نحن شيئاً من ذلك، وقد يتبادر إلى الذهن أولاً أن السبب هو الإيمان لكن الواقع أن ما هو أهم من ذلك هو التنظيم. التنظيم الدقيق المتمثل في مؤسسات اليهودية العالمية، ومؤسسات الحركة الصهيونية وتكوين دولة إسرائيل.‏
                          فإذا كانت الحرية والديمقراطية مصدر فاعلية الفرد والحكم والدولة، فإن النظام هو وسيلة تطبيق الإيمان عملياً، على الأرض، وذاك مالا يتأمن إلا بامتلاك القوة.. القوة العسكرية التي بنتها إسرائيل كأفضل ما يكون، والقوة الاقتصادية والسياسية بكل ما لهذه كلها من متبادلة مساندة.‏
                          وفي ضوء غياب هذا كله عن الواقع العربي، ومن ضمنه الفلسطيني، كان لابد من ضمور الحلم، وضمور مضمون الحق، وذاك ما لم يحصل فجأة في أوسلو، أو بسبب حرب الخليج... بل إنه حالة بدأت بوادرها تظهر منذ أواسط السبعينات على الأقل... وقد راحت الكتب والتصريحات الصادرة في الغرب تكشف لنا عن اتفاقيات سرية، وتنسيق ديبلوماسي مبكر للوصول إلى هذا الوضع.‏
                          السؤال الثاني:‏
                          ما تغير من المشروع الصهيوني، هو بالضبط التغير الذي يصيب عمل طالب جامعي أنهى البكالوريوس، ودخل مرحلة الماجيستير.‏
                          لقد طرحت في إحدى مقالاتي قبل سنة ونصف سؤالاً: في الأدب مرحلة تسمى: مرحلة ما بعد الحداثة Post modernism، فهل دخلنا مرحلة الـ Post modernism أي ما بعد الصهيونية؟ وقبل شهرين صدرت مجلة لوموند ديبلوماتيك بعنوان حمل المصطلح نفسه، وللمرة الأولى.‏
                          لكن ما بعد الحداثة هو حداثة جديدة أكثر تقدماً وإنجازاً في خط سير الأدب، وهكذا حال ما بعد الصهيونية. مثلاً، ثمة أجواء معادية للصهيونية تنمو في أوروبا(وإن كانت ما تزال ضعيفة)، وأكثرها يقع في صفوف اليمن المتطرف، والسبب الرئيسي لها هو استياء أصحابها من الابتزاز اليهودي الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية، والإحساس بسيطرة اللوبيهات اليهودية...... إذن هذا الوضع يختلف تماماً عن وضع العطف والتعاطف الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية.... كما أن الحال نفسه ينطبق على صورة إسرائيل التي لم تعد مجموعة مسكينة مهددة وسط موج من الوحوش، بل أصبح الجميع يعرف قوتها وثباتها... إذن لابد أمام هذا كله عن أسلوب جديد في التعامل، وطروحات جديدة: مثلاً اللجنة المشرفة على أوشفيتز غيرت اليافطة التي على المدخل من رقم ستة ملايين ضحية إلى ما يقرب المليون.... وإذا كان هذا مثال رمزي صغير، فإنه يدل على أسلوب مسايرة الواقع والالتفاف عليه، هذا الالتفاف الذي يجعل كاتباً صهيونياً كزئيف شيف، يحكى في كتاب((المليون السابع)) من تحالف الصهيونية مع النازية.‏
                          لكن هذه المسايرة، والاعتراف بما بات معروفاً، لا يمنع فتح باب جديد يتمثل في العمل على تثبيت مسؤولية فرنسا- الدولة، عن مذابح الهولوكوست، وسويسرا- الدولة أيضاً، لفتح صفحة جديدة من الابتزاز السياسي.‏
                          كذلك نجد في كتاب بنيامين نتنياهو الأخير((أمن وسلام)) كلام كثير عن التيارات المناهضة للصهيونية في الولايات المتحدة واقتراح كيفية قمعها.‏
                          يرافق ذلك استمرار حثيث في السعي على السيطرة على وسائل الإعلام(Mass Media) ومصادر المعلوماتية التي أصبحت تحكم العالم الحديث.‏
                          أما في المنطقة فلا شك أن الصراع الآن يتبلور في جوانب تتقدم على الصراع العسكري وهذا ما يقود للسؤال التالي.‏
                          السؤال الثالث:‏
                          قد يبدو أن أخطر ما في هذه الاتفاقيات هو إعطاء مشروعية للاحتلال والاغتصاب والتنازل عن الحقوق.‏
                          لكن الواقع أن الخطر لا يقع هنا، فلا مشروعية تاريخية لأي اتفاق ينتقص من حقوق أمة ما، لأن هذه الحقوق ملك لأجيال الأمة في تعاقبها لا للجيل الذي قبل بها، والتاريخ يغص باتفاقيات عادت فألغيت عندما تهيأت الظروف المناسبة لذلك وفي مقدمتها القوة، والتوازنات الدولية.‏
                          والخطر إذن هو فيما يتحقق على الأرض لا على الورق: استيطان، مجاري مياه، استغلال خيرات. سيطرة على الصناعة، مما يصب كله في سياق السوق الشرق أوسطية، التي تخطط إسرائيل لها بحيث تصبح هي فيها رب العمل ونتحول نحن إلى مصدر مواد أولية رخيصة، ويد عاملة رخيصة وسوق مستهلك، مع ما يستتبعه ذلك من ترسيخ قيم السوق، والاستهلاك، وثقافة المستهلك إزاء المنتج. ويحضرني هنا مثال رمزي وهو أحد المشاريع الكثيرة التي أعدتها إسرائيل للمياه، وهو يقترح نشر بطاريات لاجتذاب الغيوم الماطرة على امتداد الحدود، على أن تمول كل من الأردن، مصر، سورية، لبنان، قبرص وإيران هذا المشروع، طالما أن إسرائيل تقدم الدراسة، ولا بد لتنفيذها في إسرائيل من أن يجلب بعض المطر للدول المباشرة(وهنا أشير إلى نوع خطير من أنواع التبعية، وهو التبعية العلمية، التي لا نتنبه لها ونحن ننشئ مبنى جديد لإدارة الجامعة، كلما أنشأت إسرائيل مركز بحث في جامعتها).‏
                          كما لا يغيب عن بال أحد، ونحن نتحدث في موضوع السوق وضع العمال الفلسطينيين الذين أصبح عنقهم كلياً مربوط بفتح أو غلق الحاجز الإسرائيلي.‏

                          في هذا السياق الجديد يصبح الصراع أقوى وأصعب ومتعدد الأطراف والأبعاد أكثر. ويصبح تبرير العمالة أسهل، وآثارها أعمق.‏
                          السؤال الرابع والخامس:‏
                          الربط بين الخاص الوطني والعام القومي لم يكن يوماً أكثر ضرورة منه الآن، ولكنه للأسف لم يكن يوماً أكثر ضعفاً بل وانعداماً منه الآن... لا على المستوى الفلسطيني- العربي، بل على المستوى العربي- العربي. لكأنها أيام الدويلات الأندلسية، لكننا لسنا في الأندلس، وما أمامنا ليس النهر الكبير....‏
                          قد يكون الطرح القومي اليوم بعيد المنال، ولكن لنعد إلى أسس أكثر عملية وبساطة، لنبدأ من الاقتصاد مثلاً كما تفعل أوروبا، (وإن كان اقتصادنا كله مرتهناً) لنحاول عبر الثقافة وعبر جعلها فوق التقلبات السياسية، وبعيدة عن النفخ في الأبواق.‏
                          لنعد إلى ما عندنا من طروحات فكرية قومية، (لا إلى الأنظمة والأحزاب التي طبقتها) ولنحاول البحث عن قواسم مشتركة تلتقي على حد السكين المسلط على رقابنا جميعاً.‏
                          وأعتقد أنه لا بد في هذه المرحلة من الالتقاء على مواقف واقعية ضرورية، وتشكيل جبهات عاملة فاعلة حولها. بعيداً عن المهاترات النظرية التنظيرية.‏
                          وإذا كان علينا أن نعترف باستحالة استنهاض حالة تعبوية هادرة لا على المدى القريب، فلنحاول البدء من مقاربة أخرى: مدخل العقلانية الصادقة، العالمة(أفلا نجد أن صوتاً كصوت إدوارد سعيد هو أعلى من صوت القادة السياسيين هذه الأيام؟)‏
                          مدخل الإنسان: حقوقه، حريته، حقه في أن يكون هو هو......‏
                          (لا بمعنى الأنانية الفردية المعطلة للدور العام، وإنما بمعنى واجب أداء دور ما في هذا الكيان العام).‏

                          إذا الشعب يوما أراد الحياة
                          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                          تعليق


                          • #58
                            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                            أجوبة السيدة: حياة الحويك عطية
                            كاتبة وصحافية‏
                            السؤال الأول:‏
                            لا أعتقد أن بإمكان أحد أن يجيب مرة واحدة على سؤال: لماذا هزمنا؟ لكن الشق الثاني من السؤال يشكل بحد ذاته جزءاً من الجواب، إذا ما عدنا إلى صياغته بشكل آخر: هل صحيح أنه كان هناك مشروع وطني فلسطيني، أو بالأحرى قومي، لتحرير كامل فلسطين؟‏
                            لاشك أن سؤالي المشكك هذا لا يطال الجميع من قيادات ومناضلين، والدليل أن ما دفع من دم لم تحّصله أية قضية في التاريخ. لكنني أقصد مراكز صنع القرار الرئيسي وما يتفرع عنها. وقد تكون عملية تصفية الطرح المذكور أعلاه قد استغرقت فترة طويلة، ومرت بمراحل عديدة، وذلك لحساسيتها، وخطورتها، وتناقضها مع الشعار الطنان الذي كان يدوي عالياً، وإن كذباً أحياناً. ثمة مؤشرين لابد من الانتباه إليهما:‏
                            أولاً: إن وعي المخطط الصهيوني وما يشكله من خطر، لم يكن وعياً كافياً، منذ بداية الصراع، وذلك ما استتبع كون وسائل وأساليب المواجهة لم تكن صحيحة وقادرة.‏
                            ثانياً: أن تأرجح القضية بين الطرح القومي الذي كان الكثيرون يزايدون به دون إيمان صحيح ويتصرفون تحت غطائه بعقلية كيانية، وبين الحس الكياني الصريح الذي يتراوح سلوكه من اللامبالاة إلى التآمر(هذا بالنسبة للعرب) في حين يترجم هذا الحس لدى الفلسطينيين أنفسهم بسلوكيات تسقط عنهم التعاطف الشعبي تباعاً. كل هذا جعل اللحمة حول القضية الفلسطينية شكلية خطابية ادعائية، لا حقيقة فاعلة.‏
                            ثالثاً: كثيراً ما كان تجذر فلسطين في الوجدان الشعبي العربي، مدعاة لجعل الحكومات تسترضي هذا الوجدان بعزفها على وتر التحرير والنضال. في حين تجعلها ارتباطات أخرى تعمل على استرضاء جهات خارجية غارقة في صميم المشروع الصهيوني أو خاضعة له.‏
                            وهنا نصل إلى عقدة أخيل في موضوع العجز العربي. ألا وهي قضية الديمقراطية. فعندما لا يكون النظام الحاكم مستنداً إلى إرادة شعبية واعية ملتفة، تصبح العلاقة بينه وبين الشعب علاقة نفاقية، النفاقية لا تعرف إلاّ العصاة والجزره، ويصبح مضطراً إلى أن يسند بقاءه إلى جهات خارجية أو إلى معادلات وتوازنات دولية أو عربية، لا تتفق بالضرورة ومصالح الأمة الوجودية والحياتية. بل أنها غالباً ما تتناقض معها...‏
                            هذا المستنقع، هذه الرمال المتحركة، لم تعرف الثورة الفلسطينية وللأسف أن تبقى فوقها.‏
                            رابعاً: رغم كل الاختلافات من يسار ويمين، وتطرف واعتدال، ثمة قاسم مشترك أيديولوجي ظل يجمع اليهود في كل العالم حول إسرائيل، وداخل إسرائيل حول المشروع الواضح. وهذا ما لم يكن حالنا.‏
                            خامساً: عرفت الصهيونية جيداً كيف تخاطب العالم، كيف تزرع في أوروبا عقدة ذنب، ومن ثم تستغلها، كيف تضع يدها على كل مواقع التأثير الاقتصادي والثقافي خاصة، في معظم مناطق العالم(خاصة الولايات المتحدة وأوروبا- بما فيها روسيا) وتحكم بالتالي القرار السياسي. في حين لم نحسن نحن شيئاً من ذلك، وقد يتبادر إلى الذهن أولاً أن السبب هو الإيمان لكن الواقع أن ما هو أهم من ذلك هو التنظيم. التنظيم الدقيق المتمثل في مؤسسات اليهودية العالمية، ومؤسسات الحركة الصهيونية وتكوين دولة إسرائيل.‏
                            فإذا كانت الحرية والديمقراطية مصدر فاعلية الفرد والحكم والدولة، فإن النظام هو وسيلة تطبيق الإيمان عملياً، على الأرض، وذاك مالا يتأمن إلا بامتلاك القوة.. القوة العسكرية التي بنتها إسرائيل كأفضل ما يكون، والقوة الاقتصادية والسياسية بكل ما لهذه كلها من متبادلة مساندة.‏
                            وفي ضوء غياب هذا كله عن الواقع العربي، ومن ضمنه الفلسطيني، كان لابد من ضمور الحلم، وضمور مضمون الحق، وذاك ما لم يحصل فجأة في أوسلو، أو بسبب حرب الخليج... بل إنه حالة بدأت بوادرها تظهر منذ أواسط السبعينات على الأقل... وقد راحت الكتب والتصريحات الصادرة في الغرب تكشف لنا عن اتفاقيات سرية، وتنسيق ديبلوماسي مبكر للوصول إلى هذا الوضع.‏
                            السؤال الثاني:‏
                            ما تغير من المشروع الصهيوني، هو بالضبط التغير الذي يصيب عمل طالب جامعي أنهى البكالوريوس، ودخل مرحلة الماجيستير.‏
                            لقد طرحت في إحدى مقالاتي قبل سنة ونصف سؤالاً: في الأدب مرحلة تسمى: مرحلة ما بعد الحداثة Post modernism، فهل دخلنا مرحلة الـ Post modernism أي ما بعد الصهيونية؟ وقبل شهرين صدرت مجلة لوموند ديبلوماتيك بعنوان حمل المصطلح نفسه، وللمرة الأولى.‏
                            لكن ما بعد الحداثة هو حداثة جديدة أكثر تقدماً وإنجازاً في خط سير الأدب، وهكذا حال ما بعد الصهيونية. مثلاً، ثمة أجواء معادية للصهيونية تنمو في أوروبا(وإن كانت ما تزال ضعيفة)، وأكثرها يقع في صفوف اليمن المتطرف، والسبب الرئيسي لها هو استياء أصحابها من الابتزاز اليهودي الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية، والإحساس بسيطرة اللوبيهات اليهودية...... إذن هذا الوضع يختلف تماماً عن وضع العطف والتعاطف الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية.... كما أن الحال نفسه ينطبق على صورة إسرائيل التي لم تعد مجموعة مسكينة مهددة وسط موج من الوحوش، بل أصبح الجميع يعرف قوتها وثباتها... إذن لابد أمام هذا كله عن أسلوب جديد في التعامل، وطروحات جديدة: مثلاً اللجنة المشرفة على أوشفيتز غيرت اليافطة التي على المدخل من رقم ستة ملايين ضحية إلى ما يقرب المليون.... وإذا كان هذا مثال رمزي صغير، فإنه يدل على أسلوب مسايرة الواقع والالتفاف عليه، هذا الالتفاف الذي يجعل كاتباً صهيونياً كزئيف شيف، يحكى في كتاب((المليون السابع)) من تحالف الصهيونية مع النازية.‏
                            لكن هذه المسايرة، والاعتراف بما بات معروفاً، لا يمنع فتح باب جديد يتمثل في العمل على تثبيت مسؤولية فرنسا- الدولة، عن مذابح الهولوكوست، وسويسرا- الدولة أيضاً، لفتح صفحة جديدة من الابتزاز السياسي.‏
                            كذلك نجد في كتاب بنيامين نتنياهو الأخير((أمن وسلام)) كلام كثير عن التيارات المناهضة للصهيونية في الولايات المتحدة واقتراح كيفية قمعها.‏
                            يرافق ذلك استمرار حثيث في السعي على السيطرة على وسائل الإعلام(Mass Media) ومصادر المعلوماتية التي أصبحت تحكم العالم الحديث.‏
                            أما في المنطقة فلا شك أن الصراع الآن يتبلور في جوانب تتقدم على الصراع العسكري وهذا ما يقود للسؤال التالي.‏
                            السؤال الثالث:‏
                            قد يبدو أن أخطر ما في هذه الاتفاقيات هو إعطاء مشروعية للاحتلال والاغتصاب والتنازل عن الحقوق.‏
                            لكن الواقع أن الخطر لا يقع هنا، فلا مشروعية تاريخية لأي اتفاق ينتقص من حقوق أمة ما، لأن هذه الحقوق ملك لأجيال الأمة في تعاقبها لا للجيل الذي قبل بها، والتاريخ يغص باتفاقيات عادت فألغيت عندما تهيأت الظروف المناسبة لذلك وفي مقدمتها القوة، والتوازنات الدولية.‏
                            والخطر إذن هو فيما يتحقق على الأرض لا على الورق: استيطان، مجاري مياه، استغلال خيرات. سيطرة على الصناعة، مما يصب كله في سياق السوق الشرق أوسطية، التي تخطط إسرائيل لها بحيث تصبح هي فيها رب العمل ونتحول نحن إلى مصدر مواد أولية رخيصة، ويد عاملة رخيصة وسوق مستهلك، مع ما يستتبعه ذلك من ترسيخ قيم السوق، والاستهلاك، وثقافة المستهلك إزاء المنتج. ويحضرني هنا مثال رمزي وهو أحد المشاريع الكثيرة التي أعدتها إسرائيل للمياه، وهو يقترح نشر بطاريات لاجتذاب الغيوم الماطرة على امتداد الحدود، على أن تمول كل من الأردن، مصر، سورية، لبنان، قبرص وإيران هذا المشروع، طالما أن إسرائيل تقدم الدراسة، ولا بد لتنفيذها في إسرائيل من أن يجلب بعض المطر للدول المباشرة(وهنا أشير إلى نوع خطير من أنواع التبعية، وهو التبعية العلمية، التي لا نتنبه لها ونحن ننشئ مبنى جديد لإدارة الجامعة، كلما أنشأت إسرائيل مركز بحث في جامعتها).‏
                            كما لا يغيب عن بال أحد، ونحن نتحدث في موضوع السوق وضع العمال الفلسطينيين الذين أصبح عنقهم كلياً مربوط بفتح أو غلق الحاجز الإسرائيلي.‏

                            في هذا السياق الجديد يصبح الصراع أقوى وأصعب ومتعدد الأطراف والأبعاد أكثر. ويصبح تبرير العمالة أسهل، وآثارها أعمق.‏
                            السؤال الرابع والخامس:‏
                            الربط بين الخاص الوطني والعام القومي لم يكن يوماً أكثر ضرورة منه الآن، ولكنه للأسف لم يكن يوماً أكثر ضعفاً بل وانعداماً منه الآن... لا على المستوى الفلسطيني- العربي، بل على المستوى العربي- العربي. لكأنها أيام الدويلات الأندلسية، لكننا لسنا في الأندلس، وما أمامنا ليس النهر الكبير....‏
                            قد يكون الطرح القومي اليوم بعيد المنال، ولكن لنعد إلى أسس أكثر عملية وبساطة، لنبدأ من الاقتصاد مثلاً كما تفعل أوروبا، (وإن كان اقتصادنا كله مرتهناً) لنحاول عبر الثقافة وعبر جعلها فوق التقلبات السياسية، وبعيدة عن النفخ في الأبواق.‏
                            لنعد إلى ما عندنا من طروحات فكرية قومية، (لا إلى الأنظمة والأحزاب التي طبقتها) ولنحاول البحث عن قواسم مشتركة تلتقي على حد السكين المسلط على رقابنا جميعاً.‏
                            وأعتقد أنه لا بد في هذه المرحلة من الالتقاء على مواقف واقعية ضرورية، وتشكيل جبهات عاملة فاعلة حولها. بعيداً عن المهاترات النظرية التنظيرية.‏
                            وإذا كان علينا أن نعترف باستحالة استنهاض حالة تعبوية هادرة لا على المدى القريب، فلنحاول البدء من مقاربة أخرى: مدخل العقلانية الصادقة، العالمة(أفلا نجد أن صوتاً كصوت إدوارد سعيد هو أعلى من صوت القادة السياسيين هذه الأيام؟)‏
                            مدخل الإنسان: حقوقه، حريته، حقه في أن يكون هو هو......‏
                            (لا بمعنى الأنانية الفردية المعطلة للدور العام، وإنما بمعنى واجب أداء دور ما في هذا الكيان العام).‏

                            إذا الشعب يوما أراد الحياة
                            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                            تعليق


                            • #59
                              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                              أجوبة السيدة: توجان فيصل.
                              نائب سابق في مجلس النواب الأردني.‏
                              السؤال الأول:‏
                              لماذا هزمنا، وأية عوامل ترونها أسبابا في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                              الجواب: أعتقد أن الهزائم العسكرية، وبالذات هزيمتي 48 و 67، هي هزائم للأنظمة العربية. فلا يعقل أن تهزم جيوش عدة دول عربية أمام بريطانيا(دولة واحدة) والعصابات الصهيونية، في عام 48، ثم أمام إسرائيل وحدها عام 67. والهزائم كما تبين لاحقاً سواء كانت جراء اعترافات تبريرية أو نشر وثائق وقدرات بعض السياسيين أو حتى بمجرد التحليل العلمي الواقعي دون حاجة لاعتراف أو بينة، ثبت أنها وثيقة الصلة بفساد وديكتاتورية الأنظمة العربية. فالقرارات كانت فردية بيد الحاكم العربي الفرد في كل قطر؛ والرأي الآخر والمشورة كانت إن خالفت رأي الحاكم توصم بالخيانة وإن أثبتت نجاعتها وعمق رؤيتها سببت للحاكم الدكتاتور خوفاً من وجود بدائل قيادية له لذلك اضطهدها وعتم على رأيها. ثم إن كافة الدكتاتوريات إن لم تبدأ بفساد مالي أو تواطؤ خياني مع الغرب، فإنها تنتهي حتماً بالفساد المالي، وتنتهي أحياناً بالتواطؤ مع الغرب لحماية أنفسها من شعوبها وتحقيق بقائها عبر حماية الغرب لها: فتصبح ممثلة لمصالحه لا لمصالح شعوبها ومصالح الأمة العربية.‏
                              هذا ما كان عليه حالنا في هزيمتي 48 و 67 وهو ما نحن عليه بعد. وتجربة العبور عام 1973 تدل على أن الحد الأدنى من التنسيق العربي وصدق التوجه ووضع القوة السياسية والعسكرية في مكانها الصحيح- أي في مواجهة العدو وليس في مواجهة الشعوب- قادرة على تحقيق النصر. ومثال آخر في معركة الكرامة حيث أدى التنسيق ما بين الفدائيين الفلسطينيين وبين الفرقة العسكرية الأردنية الموجودة في الكرامة إلى إلحاق هزيمة منكرة بالجيش الإسرائيلي.‏
                              هذا على مستوى الهزائم العسكرية بمفهومها الشامل أي العمل العسكري النظامي.‏
                              ولهذا لا نحمل المقاومة الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية أية تبعة بشأنها. ولكن تلك التنظيمات تتحمل تبعة إفشال المشروع الوطني الفلسطيني الداعي للتحرير الكلي والجزئي.‏
                              فتلك التنظيمات أيضاً انشغلت في خلافات داخلية، وآثرت بعض قياداتها المنافع الشخصية والنفوذ على المبدأ المشترك. وانجرت قواعدها لصدامات وتفرقة أضرّت بالعمل، ثم انتقل الأمر إلى حال يشبه حال الحكومات العربية حين وقعت السلطة في يد فئة أشبه بالحزب الحاكم أو الأسرة الحاكمة في العالم العربي، وتكرر بالتالي نموذج الحكومة الفاسدة التي تعمل لتعزيز نفوذها ومكاسبها قبل أن تعمل للشأن العام. ولكن مع الأسف هي حكومة بلا دولة.‏
                              وكان ثمة نشوء وبقاء حكومة عربية فاسدة جديدة هو التضحية بأمور كثيرة مبدئية. وكادت سلسلة التضحيات بالمبادئ والثوابت أن تؤدي إلى التضحية بالوطن الفلسطيني ذاته.‏
                              لقد أضيف، عبر ذات منظومة السلطة المطلقة والنفوذ المتحكر المؤديان للفساد، حكومة عربية جديدة، بحاكم عربي مع ما يلزم من شرطته ومخابراته وأرصدته هو وطاقم حكومته... ولكن تمت خسارة دولة عربية كان يمكن أن تكون وهي فلسطين. وقريباً إذا استمر الحال على ما هو عليه، قد نخسر شعباً عربياً تمحى هويته عبر الحكم الذاتي من جهة والوطن البديل من جهة أخرى، وكلاهما مخططان صهيونيان تتعاون السلطة وبعض الأنظمة العربية على إنجاحهما!!‏
                              السؤال الثاني:‏
                              بعد مائة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية... هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغييرات إن وجدت؟‏
                              الجواب: من يقرأ مشروع الصهيونية يجد أن الخطوط العريضة، وحتى الكثير من التفاصيل، بما فيها المراحل الزمنية للتنفيذ، هي ذاتها ما يطرح الآن وينفذ الآن. وما يبدو أن التغيير فقط هو حيثيات التنفيذ الحالية ومسمياتها. ولكن الفحوى واحد.‏
                              والصهيونية حركة عرفت ما تريد، وجرؤت على تصوره ووصفه، رغم مخالفته لكافة القوانين الدولية وحقوق الإنسان والشعوب، ووضعت مع الفكرة آلية عمل هي، رغم قساوتها ونازيتها- وأنا أرى تطابقاً بين الفكرين النازي والصهيوني- إلا أنها عملية وفاعلة.‏
                              وخطة العمل تضمنت البرنامج السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. والتنفيذ جار وبسرعة فائقة ربما فاقت تصور القيادات الصهيونية المخططة والزعماء الأوائل.‏
                              ومن هنا فالتجربة الصهيونية درس يجب أن نتعلم منه وأن نمحص فيه بل وأن نقتدي به إن أردنا استعادة حقوقنا... رغم أننا أصحاب الحق، إلا أن حالنا كحال أبي موسى الأشعري في مواجهة عمرو بن العاص. وآن لنا أن نتعلم الدهاء السياسي.. وأقصد بمن يتعلم هنا: القيادات الوطنية والقومية الصادقة التي تسعى لوضع مشروع قومي عربي، ولا أقصد الأنظمة العربية. فما تتعلمه الأخيرة تطبقه-في الأغلب الأعم- على شعوبها فقط.‏
                              السؤال الثالث:‏
                              ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة، واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
                              الجواب: هذه الاتفاقيات أتاحت لإسرائيل توظيف الأساليب العصرية لتحقيق سيطرتها واستعمارها للعالم العربي بأسره. وغني عن القول-رغم ادعاء الأنظمة العربية غير ذلك لتبرير استسلامها- أن إسرائيل لا تستطيع أن تتوسع أكثر عن طريق الاحتلال العسكري.‏
                              وحتى لو توسعت فسيكون ذلك لفترة قصيرة ما تلبث أن تنسحب وحدها، تماماً كما حصل في جنوب لبنان. ذلك أن الثمن البشري لأقلية يهودية في صدامها مع مقاومة وطنية عربية شاسعة مساحةً وكبيرة تعداداً يحقق تفوقاً استراتيجياً لصالح العرب.‏
                              وما حدث في جنوب لبنان كاد أن يحدث في الضفة بعد الانتفاضة. وجاءت اتفاقيتا أوسلو ووادي عربة لتجهض مشروع الانتفاضة الذي كان قادراً على تحقيق النتيجة التي تحققت في جنوب لبنان.‏
                              كامب ديفيد هي خطيئة كسرت حاجز العيب، بل حاجز الحرام. وهنا تكمن خطورتها وأثرها التفريطي، خاصة أن من قامت بها هي الدولة العربية القائدة للعالم العربي لسنوات طويلة، خاصة أثناء حكم عبد الناصر. وكون شروط كامب ديفيد أقل إجحافاً بحق العرب من أوسلو ووادي عربة ليس لذكاء السادات، بل هي البقشيش الزائد لخدمة نادرة، لفتح باب تليه أبواب تأتي منها المكاسب الأكبر لإسرائيل. أما أوسلو فهو خيانة لا تغتفر. وفيها تم التخلي عن كل الثوابت. فلم يبحث فيها ولم يؤخذ أي التزام في أهم القضايا وهي الدولة والمستوطنات والقدس والحدود وتقرير المصير واللاجئين والنازحين... كل ما يتعلق بأي من هذه القضايا هو إما شعار عائم يمكن لإسرائيل إدراج ما تريده تحته أو هو مؤجل... ومن يعطي دَيْناً للمرابي اليهودي لا يحلم بتحصيله، وما تم تأجيله أو غض الطرف عن تعريفه وتحديده مسبقاً يفوق الدَيْن ليصبح هبة.‏
                              مثال بسيط عمّا ورد في باب المعابر وأمنها، نجد أن أغلب ما فيها هو مخططات اقتصادية توحي بأن إسرائيل باقية وليست منسحبة، وهي تفاصيل لا علاقة لها"بالأمن".‏
                              أما حيث يرد الأمن، فالضمان هو لأمن إسرائيل، سواء في هذا الباب أو في كامل بنود الاتفاقية..‏
                              ثم تأتي سلسلة الاتفاقيات الجزئية اللاحقة والتابعة لتكريس المكاسب الإسرائيلية وتستخلص اعترافاً فلسطينياً، ثم عربياً بالتالي، بشرعيتها، وتحصل على توقيع فلسطيني بشهادة ورعاية عربية، على مزيد من التفريط.. خذ مثلاً: وسم المقاومة بالإرهاب والتزام السلطة الفلسطينية مراراً بمحاربتها، مقابل لا شيء. هذا مع أن محاربتها مقابل أي شي وكل شيء غير جائز. إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية، وتتحوّل هذه المقاومة-لا سمح اللّه وعلى طريقة السلطة في تعريفها للمقاومة بأنها سلطة داخل سلطة وحكومة داخل حكومة- عقبة في سبيل أمن تلك الدولة... عندها نفهم مقاومتها وحتى تصفيتها فلسطينياً لصالح فلسطين الدولة والشعب.‏
                              وهنالك أيضاً، مثال اتفاق الخليل، الذي ساهم الأردن في استخلاص توقيع السلطة الفلسطينية عليه-للأسف- وهو الاتفاق الذي قبل مبدأ تقسيم المدينة وقبل وجود المستوطنات في المقدسات وأعطاها شرعية، وقبل وهذا هو الأسوأ، أن يترك لإسرائيل أن تحدد من أية أراضي تنسحب، وزمان وحجم ذلك الانسحاب، بما يناسب ويخدم: "أمنها"... وهذا البند في اتفاق الخليل هو ما تطبقه إسرائيل الآن.‏
                              السؤال الرابع:‏
                              كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                              الجواب: لا مجال للتصدي للمشروع الصهيوني الذي ثبت أنه يستهدف كامل العالم العربي، إلاّ بمشروع قومي عربي. ولا أقول أن علينا أن ننتظر قيام ذلك المشروع كاملاً وتحقق وحدة عربية لنبدأ العمل. فالأنظمة العربية-أو أغلبها على الأقل- لن تسمح بهذا.‏
                              ولكننا كشعوب نعرف المشروع، ولو كانت تلك الشعوب هي صاحبة القرار لأنجز خلال أشهر ولتحققت الوحدة العربية.‏
                              وبما أننا نعرف سمات الكل، وحتى تفاصيله، فإننا قادرون على بناء الأجزاء. ومن هنا على الشعوب والقوى الوطنية القومية عدم تفويت أية فرصة للعمل العربي والتنسيق العربي، الشعبي دائماً، والرسمي حيثما وجدت منافذ له، وباستغلال حاجات الأنظمة ومطامعها أو حالات ضعفها. والفرص تتوالى حين تكون الأنظمة مأزومة في علاقاتها بالخارج. وعلى الشعوب استغلال هذا.. أي أنه يجب أن تعمل حتى في المليمتر المربع المتاح حتى نغطي كامل الساحة العربية ولو على طريقة تجميع الـ Puzzle .‏
                              ولكن الاستراتيجية بعيدة المدى والتي تمثل الحل الشامل فهي السعي نحو الديمقراطية. والديمقراطية ستغير حتماً تغييراً جذرياً في أنظمة الحكم العربي، فمعظم تلك الأنظمة لا تملك مقومات دخول المرحلة الديمقراطية وقد أفسدت غالبيتها من علاقاتها بالشعوب ما لا يمكن إصلاحه، وفسدت بما لا يمكن غض الطرف عنه... والديمقراطية آتية عالمياً لا محالة بدوافع داخلية ودولية لا مجال لعرضها هنا... ولكن علينا المسارعة فيها وعدم انتظار قرن آخر.‏
                              الديمقراطية هي حكم الشعوب لذاتها. والشعوب العربية(وأعرف هذا بالخبرة والتجربة الشخصية كما في البيّنة التاريخية) قومية في توجهها. وبالتالي فالديمقراطية هي الحل لكافة مشاكل العالم العربي وفي مقدمتها تحدي الخطر الصهيوني.‏
                              وآلية العمل الشعبي العربي ضد الصهيونية وتهديداتها تبدأ بالطريقة السلمية المتاحة حتى في ظل الدكتاتوريات، وهي مقاومة التطبيع. وهذه تشبه حرب الملح، التي هي حرب مقاطعة قادها غاندي وانضم إليه فيها غالبية الشعب الهندي ونجحت...‏
                              السؤال الخامس:‏
                              في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                              الجواب: تعرضت في إجابتي على الأسئلة السابقة للحلول الاستراتيجية والحلول بعيدة المدى وحتى الثورية منها. وتعرضت لبعض الحلول الآنية والمتاحة ضمن الواقع الحالي. وعلى هذه أضيف إمكانية إعادة التفاوض- مرحلياً، ورغم عدم إيماني بكل ما تم التفاوض عليه- بحيث نوقف على الأقل الخسائر الآنية والمتلاحقة عبر ما سمي تفاوضاً واتفاقيات سلام من قبل الأنظمة والقيادات العربية، وهي في الواقع والحقيقة إملاءات واستسلام... أول عمل هو تجميد ما يجري عن طريق مفاوضة مقابله وتفسيرات مقابله لتفسيرات إسرائيل....‏
                              والإجراء الثاني هو عودة الانتفاضة فوراً وشمولها كامل الأراضي المحتلة ودعمها عربياً على المستويين الشعبي(بالقطع) والرسمي حيثما توفر ذلك، وأن تصبح هنالك قيادة جماعية لتلك الانتفاضة تضع الخلافات جانباً. وحتى لو لم تتوفر تلك القيادة فالانتفاضة أمر يقدر كل فرد وكل أسرة وكل مجموعة صغيرة وكل قرية على تبنيها وتنفيذها... وحين تبدأ في نقطة ما فهي قادرة على الانتشار كالنار في الهشيم، لأن حالة الإحباط والشعور بالظلم واليأس وفقدان الثقة بالأنظمة التي تفاوض وبالراعي الأمريكي والشريك الأوروبي والهيئة الدولية، قد بلغ مداه. ومثال جنوب لبنان يرفع المعنويات ويحقق دعماً عربياً لأية مقاومة فلسطينية بأكثر مما تحقق سابقاً... وكل العرب الآن متضررون، ولم يبق هنالك من لم يتلق ضربه على رأسه(تحقق صحوته إن لم تقتله).‏
                              وهنالك تفاصيل أخرى صغيرة يمكن العمل عليها سياسياً ودبلوماسياً، فجانب من النضال لا يلغي الجوانب الأخرى، ومنها استغلال الوضع الأفضل قليلاً في المنظمة الدولية بوجود كوفي أنان ونجاحه حتى الآن في إعادة بعض التوازن ووضع بعض الحدود للولايات المتحدة. وهنالك مجيء الديغوليين للحكم في فرنسا ومشروع شيراك الفرانكوفوني الذي هو حتماً منافس بل ومصادم للمشروع الأنجلوسكوسوني المسيطر دولياً والممثل بأمريكا تتبعها بريطانيا. وهذه منافسة يمكننا استغلالها. إضافة إلى أن الديغوليين يحملون مشروعاً أكثر حضارية، وحوارهم أكثر منطقية وإنسانية من مشروع أمريكا القائم على القوة الهمجية، وانعدام الحوار لديها واستبداله بالإملاء الوقح.‏
                              وهنالك نضال القوميات في أوروبا الشرقية لتقرير مصيرها والذي اجتذب تعاطفاً دولياً وحتى التزامات محددة من أمريكا- ولو أنها التزامات لصالح أمريكا في عمقها- ووضع هذه الأقليات مماثل لوضع الأغلبية العربية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67 والأقلية العربية الباقية في الأراضي المحتلة عام 48. وفي الأولى يمكن الدفع باتجاه تقرير المصير على ترابهم الوطني وفي الثانية نحو حقوق الأقليات المساوية وحمايتهم دولياً.‏
                              وهنالك التحسن الطفيف في العمل الإسلامي بعد قمة طهران، وهنالك أيضاً مخاوف إيران من إسرائيل وأمريكا التي بدأت تتحرك نحو واجهة الأحداث ومقدمة الأولويات في إسرائيل وأمريكا....‏
                              وحتى الداخل التركي يمكن استثماره باللعب على الانقسامات خاصة بعد تأزم الوضع بين الإسلاميين والعلمانيين، ورفض أوروبا لتركيا مما يشكل ضربة للهوية الأوروبية التركية والولاء الغربي بالتالي، مقابل الهوية الإسلامية.‏
                              باختصار، الخروج من المأزق هو العمل أولاً وبشكل حثيث لتجميده، ثم السعي لتحريكه بالسرعة الممكنة بالاتجاه المعاكس مستغلين كل ما هو متاح من أصغر فرصة لأكبرها... ولا شيء صغير في السياسة.‏

                              إذا الشعب يوما أراد الحياة
                              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                              تعليق


                              • #60
                                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                                أجوبة السيدة: توجان فيصل.
                                نائب سابق في مجلس النواب الأردني.‏
                                السؤال الأول:‏
                                لماذا هزمنا، وأية عوامل ترونها أسبابا في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                                الجواب: أعتقد أن الهزائم العسكرية، وبالذات هزيمتي 48 و 67، هي هزائم للأنظمة العربية. فلا يعقل أن تهزم جيوش عدة دول عربية أمام بريطانيا(دولة واحدة) والعصابات الصهيونية، في عام 48، ثم أمام إسرائيل وحدها عام 67. والهزائم كما تبين لاحقاً سواء كانت جراء اعترافات تبريرية أو نشر وثائق وقدرات بعض السياسيين أو حتى بمجرد التحليل العلمي الواقعي دون حاجة لاعتراف أو بينة، ثبت أنها وثيقة الصلة بفساد وديكتاتورية الأنظمة العربية. فالقرارات كانت فردية بيد الحاكم العربي الفرد في كل قطر؛ والرأي الآخر والمشورة كانت إن خالفت رأي الحاكم توصم بالخيانة وإن أثبتت نجاعتها وعمق رؤيتها سببت للحاكم الدكتاتور خوفاً من وجود بدائل قيادية له لذلك اضطهدها وعتم على رأيها. ثم إن كافة الدكتاتوريات إن لم تبدأ بفساد مالي أو تواطؤ خياني مع الغرب، فإنها تنتهي حتماً بالفساد المالي، وتنتهي أحياناً بالتواطؤ مع الغرب لحماية أنفسها من شعوبها وتحقيق بقائها عبر حماية الغرب لها: فتصبح ممثلة لمصالحه لا لمصالح شعوبها ومصالح الأمة العربية.‏
                                هذا ما كان عليه حالنا في هزيمتي 48 و 67 وهو ما نحن عليه بعد. وتجربة العبور عام 1973 تدل على أن الحد الأدنى من التنسيق العربي وصدق التوجه ووضع القوة السياسية والعسكرية في مكانها الصحيح- أي في مواجهة العدو وليس في مواجهة الشعوب- قادرة على تحقيق النصر. ومثال آخر في معركة الكرامة حيث أدى التنسيق ما بين الفدائيين الفلسطينيين وبين الفرقة العسكرية الأردنية الموجودة في الكرامة إلى إلحاق هزيمة منكرة بالجيش الإسرائيلي.‏
                                هذا على مستوى الهزائم العسكرية بمفهومها الشامل أي العمل العسكري النظامي.‏
                                ولهذا لا نحمل المقاومة الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية أية تبعة بشأنها. ولكن تلك التنظيمات تتحمل تبعة إفشال المشروع الوطني الفلسطيني الداعي للتحرير الكلي والجزئي.‏
                                فتلك التنظيمات أيضاً انشغلت في خلافات داخلية، وآثرت بعض قياداتها المنافع الشخصية والنفوذ على المبدأ المشترك. وانجرت قواعدها لصدامات وتفرقة أضرّت بالعمل، ثم انتقل الأمر إلى حال يشبه حال الحكومات العربية حين وقعت السلطة في يد فئة أشبه بالحزب الحاكم أو الأسرة الحاكمة في العالم العربي، وتكرر بالتالي نموذج الحكومة الفاسدة التي تعمل لتعزيز نفوذها ومكاسبها قبل أن تعمل للشأن العام. ولكن مع الأسف هي حكومة بلا دولة.‏
                                وكان ثمة نشوء وبقاء حكومة عربية فاسدة جديدة هو التضحية بأمور كثيرة مبدئية. وكادت سلسلة التضحيات بالمبادئ والثوابت أن تؤدي إلى التضحية بالوطن الفلسطيني ذاته.‏
                                لقد أضيف، عبر ذات منظومة السلطة المطلقة والنفوذ المتحكر المؤديان للفساد، حكومة عربية جديدة، بحاكم عربي مع ما يلزم من شرطته ومخابراته وأرصدته هو وطاقم حكومته... ولكن تمت خسارة دولة عربية كان يمكن أن تكون وهي فلسطين. وقريباً إذا استمر الحال على ما هو عليه، قد نخسر شعباً عربياً تمحى هويته عبر الحكم الذاتي من جهة والوطن البديل من جهة أخرى، وكلاهما مخططان صهيونيان تتعاون السلطة وبعض الأنظمة العربية على إنجاحهما!!‏
                                السؤال الثاني:‏
                                بعد مائة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية... هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغييرات إن وجدت؟‏
                                الجواب: من يقرأ مشروع الصهيونية يجد أن الخطوط العريضة، وحتى الكثير من التفاصيل، بما فيها المراحل الزمنية للتنفيذ، هي ذاتها ما يطرح الآن وينفذ الآن. وما يبدو أن التغيير فقط هو حيثيات التنفيذ الحالية ومسمياتها. ولكن الفحوى واحد.‏
                                والصهيونية حركة عرفت ما تريد، وجرؤت على تصوره ووصفه، رغم مخالفته لكافة القوانين الدولية وحقوق الإنسان والشعوب، ووضعت مع الفكرة آلية عمل هي، رغم قساوتها ونازيتها- وأنا أرى تطابقاً بين الفكرين النازي والصهيوني- إلا أنها عملية وفاعلة.‏
                                وخطة العمل تضمنت البرنامج السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. والتنفيذ جار وبسرعة فائقة ربما فاقت تصور القيادات الصهيونية المخططة والزعماء الأوائل.‏
                                ومن هنا فالتجربة الصهيونية درس يجب أن نتعلم منه وأن نمحص فيه بل وأن نقتدي به إن أردنا استعادة حقوقنا... رغم أننا أصحاب الحق، إلا أن حالنا كحال أبي موسى الأشعري في مواجهة عمرو بن العاص. وآن لنا أن نتعلم الدهاء السياسي.. وأقصد بمن يتعلم هنا: القيادات الوطنية والقومية الصادقة التي تسعى لوضع مشروع قومي عربي، ولا أقصد الأنظمة العربية. فما تتعلمه الأخيرة تطبقه-في الأغلب الأعم- على شعوبها فقط.‏
                                السؤال الثالث:‏
                                ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة، واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
                                الجواب: هذه الاتفاقيات أتاحت لإسرائيل توظيف الأساليب العصرية لتحقيق سيطرتها واستعمارها للعالم العربي بأسره. وغني عن القول-رغم ادعاء الأنظمة العربية غير ذلك لتبرير استسلامها- أن إسرائيل لا تستطيع أن تتوسع أكثر عن طريق الاحتلال العسكري.‏
                                وحتى لو توسعت فسيكون ذلك لفترة قصيرة ما تلبث أن تنسحب وحدها، تماماً كما حصل في جنوب لبنان. ذلك أن الثمن البشري لأقلية يهودية في صدامها مع مقاومة وطنية عربية شاسعة مساحةً وكبيرة تعداداً يحقق تفوقاً استراتيجياً لصالح العرب.‏
                                وما حدث في جنوب لبنان كاد أن يحدث في الضفة بعد الانتفاضة. وجاءت اتفاقيتا أوسلو ووادي عربة لتجهض مشروع الانتفاضة الذي كان قادراً على تحقيق النتيجة التي تحققت في جنوب لبنان.‏
                                كامب ديفيد هي خطيئة كسرت حاجز العيب، بل حاجز الحرام. وهنا تكمن خطورتها وأثرها التفريطي، خاصة أن من قامت بها هي الدولة العربية القائدة للعالم العربي لسنوات طويلة، خاصة أثناء حكم عبد الناصر. وكون شروط كامب ديفيد أقل إجحافاً بحق العرب من أوسلو ووادي عربة ليس لذكاء السادات، بل هي البقشيش الزائد لخدمة نادرة، لفتح باب تليه أبواب تأتي منها المكاسب الأكبر لإسرائيل. أما أوسلو فهو خيانة لا تغتفر. وفيها تم التخلي عن كل الثوابت. فلم يبحث فيها ولم يؤخذ أي التزام في أهم القضايا وهي الدولة والمستوطنات والقدس والحدود وتقرير المصير واللاجئين والنازحين... كل ما يتعلق بأي من هذه القضايا هو إما شعار عائم يمكن لإسرائيل إدراج ما تريده تحته أو هو مؤجل... ومن يعطي دَيْناً للمرابي اليهودي لا يحلم بتحصيله، وما تم تأجيله أو غض الطرف عن تعريفه وتحديده مسبقاً يفوق الدَيْن ليصبح هبة.‏
                                مثال بسيط عمّا ورد في باب المعابر وأمنها، نجد أن أغلب ما فيها هو مخططات اقتصادية توحي بأن إسرائيل باقية وليست منسحبة، وهي تفاصيل لا علاقة لها"بالأمن".‏
                                أما حيث يرد الأمن، فالضمان هو لأمن إسرائيل، سواء في هذا الباب أو في كامل بنود الاتفاقية..‏
                                ثم تأتي سلسلة الاتفاقيات الجزئية اللاحقة والتابعة لتكريس المكاسب الإسرائيلية وتستخلص اعترافاً فلسطينياً، ثم عربياً بالتالي، بشرعيتها، وتحصل على توقيع فلسطيني بشهادة ورعاية عربية، على مزيد من التفريط.. خذ مثلاً: وسم المقاومة بالإرهاب والتزام السلطة الفلسطينية مراراً بمحاربتها، مقابل لا شيء. هذا مع أن محاربتها مقابل أي شي وكل شيء غير جائز. إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية، وتتحوّل هذه المقاومة-لا سمح اللّه وعلى طريقة السلطة في تعريفها للمقاومة بأنها سلطة داخل سلطة وحكومة داخل حكومة- عقبة في سبيل أمن تلك الدولة... عندها نفهم مقاومتها وحتى تصفيتها فلسطينياً لصالح فلسطين الدولة والشعب.‏
                                وهنالك أيضاً، مثال اتفاق الخليل، الذي ساهم الأردن في استخلاص توقيع السلطة الفلسطينية عليه-للأسف- وهو الاتفاق الذي قبل مبدأ تقسيم المدينة وقبل وجود المستوطنات في المقدسات وأعطاها شرعية، وقبل وهذا هو الأسوأ، أن يترك لإسرائيل أن تحدد من أية أراضي تنسحب، وزمان وحجم ذلك الانسحاب، بما يناسب ويخدم: "أمنها"... وهذا البند في اتفاق الخليل هو ما تطبقه إسرائيل الآن.‏
                                السؤال الرابع:‏
                                كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                                الجواب: لا مجال للتصدي للمشروع الصهيوني الذي ثبت أنه يستهدف كامل العالم العربي، إلاّ بمشروع قومي عربي. ولا أقول أن علينا أن ننتظر قيام ذلك المشروع كاملاً وتحقق وحدة عربية لنبدأ العمل. فالأنظمة العربية-أو أغلبها على الأقل- لن تسمح بهذا.‏
                                ولكننا كشعوب نعرف المشروع، ولو كانت تلك الشعوب هي صاحبة القرار لأنجز خلال أشهر ولتحققت الوحدة العربية.‏
                                وبما أننا نعرف سمات الكل، وحتى تفاصيله، فإننا قادرون على بناء الأجزاء. ومن هنا على الشعوب والقوى الوطنية القومية عدم تفويت أية فرصة للعمل العربي والتنسيق العربي، الشعبي دائماً، والرسمي حيثما وجدت منافذ له، وباستغلال حاجات الأنظمة ومطامعها أو حالات ضعفها. والفرص تتوالى حين تكون الأنظمة مأزومة في علاقاتها بالخارج. وعلى الشعوب استغلال هذا.. أي أنه يجب أن تعمل حتى في المليمتر المربع المتاح حتى نغطي كامل الساحة العربية ولو على طريقة تجميع الـ Puzzle .‏
                                ولكن الاستراتيجية بعيدة المدى والتي تمثل الحل الشامل فهي السعي نحو الديمقراطية. والديمقراطية ستغير حتماً تغييراً جذرياً في أنظمة الحكم العربي، فمعظم تلك الأنظمة لا تملك مقومات دخول المرحلة الديمقراطية وقد أفسدت غالبيتها من علاقاتها بالشعوب ما لا يمكن إصلاحه، وفسدت بما لا يمكن غض الطرف عنه... والديمقراطية آتية عالمياً لا محالة بدوافع داخلية ودولية لا مجال لعرضها هنا... ولكن علينا المسارعة فيها وعدم انتظار قرن آخر.‏
                                الديمقراطية هي حكم الشعوب لذاتها. والشعوب العربية(وأعرف هذا بالخبرة والتجربة الشخصية كما في البيّنة التاريخية) قومية في توجهها. وبالتالي فالديمقراطية هي الحل لكافة مشاكل العالم العربي وفي مقدمتها تحدي الخطر الصهيوني.‏
                                وآلية العمل الشعبي العربي ضد الصهيونية وتهديداتها تبدأ بالطريقة السلمية المتاحة حتى في ظل الدكتاتوريات، وهي مقاومة التطبيع. وهذه تشبه حرب الملح، التي هي حرب مقاطعة قادها غاندي وانضم إليه فيها غالبية الشعب الهندي ونجحت...‏
                                السؤال الخامس:‏
                                في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                                الجواب: تعرضت في إجابتي على الأسئلة السابقة للحلول الاستراتيجية والحلول بعيدة المدى وحتى الثورية منها. وتعرضت لبعض الحلول الآنية والمتاحة ضمن الواقع الحالي. وعلى هذه أضيف إمكانية إعادة التفاوض- مرحلياً، ورغم عدم إيماني بكل ما تم التفاوض عليه- بحيث نوقف على الأقل الخسائر الآنية والمتلاحقة عبر ما سمي تفاوضاً واتفاقيات سلام من قبل الأنظمة والقيادات العربية، وهي في الواقع والحقيقة إملاءات واستسلام... أول عمل هو تجميد ما يجري عن طريق مفاوضة مقابله وتفسيرات مقابله لتفسيرات إسرائيل....‏
                                والإجراء الثاني هو عودة الانتفاضة فوراً وشمولها كامل الأراضي المحتلة ودعمها عربياً على المستويين الشعبي(بالقطع) والرسمي حيثما توفر ذلك، وأن تصبح هنالك قيادة جماعية لتلك الانتفاضة تضع الخلافات جانباً. وحتى لو لم تتوفر تلك القيادة فالانتفاضة أمر يقدر كل فرد وكل أسرة وكل مجموعة صغيرة وكل قرية على تبنيها وتنفيذها... وحين تبدأ في نقطة ما فهي قادرة على الانتشار كالنار في الهشيم، لأن حالة الإحباط والشعور بالظلم واليأس وفقدان الثقة بالأنظمة التي تفاوض وبالراعي الأمريكي والشريك الأوروبي والهيئة الدولية، قد بلغ مداه. ومثال جنوب لبنان يرفع المعنويات ويحقق دعماً عربياً لأية مقاومة فلسطينية بأكثر مما تحقق سابقاً... وكل العرب الآن متضررون، ولم يبق هنالك من لم يتلق ضربه على رأسه(تحقق صحوته إن لم تقتله).‏
                                وهنالك تفاصيل أخرى صغيرة يمكن العمل عليها سياسياً ودبلوماسياً، فجانب من النضال لا يلغي الجوانب الأخرى، ومنها استغلال الوضع الأفضل قليلاً في المنظمة الدولية بوجود كوفي أنان ونجاحه حتى الآن في إعادة بعض التوازن ووضع بعض الحدود للولايات المتحدة. وهنالك مجيء الديغوليين للحكم في فرنسا ومشروع شيراك الفرانكوفوني الذي هو حتماً منافس بل ومصادم للمشروع الأنجلوسكوسوني المسيطر دولياً والممثل بأمريكا تتبعها بريطانيا. وهذه منافسة يمكننا استغلالها. إضافة إلى أن الديغوليين يحملون مشروعاً أكثر حضارية، وحوارهم أكثر منطقية وإنسانية من مشروع أمريكا القائم على القوة الهمجية، وانعدام الحوار لديها واستبداله بالإملاء الوقح.‏
                                وهنالك نضال القوميات في أوروبا الشرقية لتقرير مصيرها والذي اجتذب تعاطفاً دولياً وحتى التزامات محددة من أمريكا- ولو أنها التزامات لصالح أمريكا في عمقها- ووضع هذه الأقليات مماثل لوضع الأغلبية العربية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67 والأقلية العربية الباقية في الأراضي المحتلة عام 48. وفي الأولى يمكن الدفع باتجاه تقرير المصير على ترابهم الوطني وفي الثانية نحو حقوق الأقليات المساوية وحمايتهم دولياً.‏
                                وهنالك التحسن الطفيف في العمل الإسلامي بعد قمة طهران، وهنالك أيضاً مخاوف إيران من إسرائيل وأمريكا التي بدأت تتحرك نحو واجهة الأحداث ومقدمة الأولويات في إسرائيل وأمريكا....‏
                                وحتى الداخل التركي يمكن استثماره باللعب على الانقسامات خاصة بعد تأزم الوضع بين الإسلاميين والعلمانيين، ورفض أوروبا لتركيا مما يشكل ضربة للهوية الأوروبية التركية والولاء الغربي بالتالي، مقابل الهوية الإسلامية.‏
                                باختصار، الخروج من المأزق هو العمل أولاً وبشكل حثيث لتجميده، ثم السعي لتحريكه بالسرعة الممكنة بالاتجاه المعاكس مستغلين كل ما هو متاح من أصغر فرصة لأكبرها... ولا شيء صغير في السياسة.‏

                                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                                تعليق

                                يعمل...
                                X