مشاركة ‏صورة‏ ‏د. مضر بركات‏ من قبل ‏مجلة فن التصوير‏.
تم النشر بواسطة ‏‎Fareed Zaffour‎‏ · ‏8 ديسمبر‏، الساعة ‏08:52 م‏ ·

صفحة مجلة فن التصوير على الفيس بوك :
https://www.facebook.com/fotoartbookcom
مجلة فن التصوير :
www.fotoartbook.com
مجلة المفتاح :

عرض المزيد

ربما تحتوي الصورة على: ‏نص‏

صباح الخير يا وطني…
.
لماذا اسمُ (سوريا) يُكتب بالألف وليس بالتاء المربوطة…!
.
من أين أتى حرف الألف في اسم (سوريا).. وما هو تفسير هذه الـ(تاء) المربوطة التي يريد البعض ربطها باسم سوريا وفرض التأنيث عليها قَسْراً وإرغاماً، عمداً وتجاهلاً للحقيقة، أو جهلاً بها…!

قبل الإدلاء بالدلو في مستنقع التاريخ الآسن الغارق بعفن التجهيل المتعمد وطمس الحقائق عبر الزمن من قبل السلاطين والسياسيين وقطعان الجاهلين ومؤخراً أصحاب مناهج (التعريب) والتغريب..، من الأجدى أن يعود المرء إلى نصّ منقوش على حجر موجود في متحف اللوفر في باريس، كان قد عثر عليه في منطقة (النمارة) جنوب وادي الشام إلى الشمال الشرقي من جبل العرب من جهة البادية السورية..، وهو يعود في تاريخه إلى العهد الروماني، أي قبل الغزو البدوي لسوريا بقرون عديدة، حيث عرفت شعوب المنطقة أبجدية الآراميين السريان (الاثنان وعشرون حرفاً) على مدى قرون عديدة قبل أن يتعرّف عليها أجداد أبي الأسود الدؤلي ويستخدموها لتدوين لهجاتهم..، لعل الاطلاع على هذا النقش يساعد الباحث على تأكيد الأمانة فيما نقول..

لقد عُرفَ الخط الظاهر في نقش النمارة بـ(الخط النبطي) الذي كانت تكتب به اللهجة العربية في ذلك الزمن في هذه المنطقة ومناطق أخرى..، وكما تظهر بوضوح حروفها الآرامية السريانية، تظهر كذلك فيها بوضوح ملامح تأثير اللغة الآرامية السريانية خصوصاً في حرف الـ(ألف) الذي يشبه من حيث الشكل حرف الـ(واو) في الأبجدية العربية المعاصرة، وهو عملياً كان في ذلك الزمن عبارة عن حرف صوتي يظهر في آخر معظم الكلمات فيما يبدو أنه استخدم في اللهجة العربية للدلالة على لفظ ما عُرفَ فيما بعد بـ(الضمّة)، هذا عائد طبعاً إلى لفظ الآراميين السريان لحرف الألف مضموماً أشبه بلفظ حرف الـ(واو) كما لا يزال الحال في اللغة الفارسية التي نسمعها اليوم..

في ذلك الزمن اعتمدت معظم مجتمعات المنطقة في تدوين لهجاتها على استخدام الأبجدية الآرامية السريانية التي كان قد جرى عليها عبر الزمن تطويرٌ نَعمَ به الجميع، واستخدمت قواعدها وحروفها الصوتية في كتابة الكلمات وتصويب الأصوات وتشكيل الألفاظ..، وكانت اللغة العربية كغيرها تعتمد على ما يسمى (السَّليقة) في قراءة الكلمات المتشابهة واستقراء المعاني وتشكيل اللفظ والصوت.. كما اشتركت العربية مع غيرها من اللهجات في معظم جذور مفرداتها بالانتماء إلى الجذر السرياني الثلاثي للكلمات والمعاني، ببساطة لأن السريانية كانت اللغة الأكثر رسوخاً في ذلك الزمن كونها كانت صاحبة الأبجدية التي استخدمتها شعوب المنطقة في الكتابة والتدوين على اختلاف لهجاتهم، وطوروا منها أبجدياتهم مع الزمن..، فكان من أمر اللغة العربية أن ابتكرَ (أبو الأسود الدؤليّ) ضوابط التشكيل الذي ضمَّ أربع عشرة إشارةً صوتية هي التي نستخدمهاه اليوم..

من خلال ملاحظاتي الشخصية ومن خلال اجتهادي البحثي في اللغتين الآرامية السريانية والعربية وتطور حروف الأبجدية العربية وأخواتها عن الآرامية السريانية، أرى أن للمرحلة الطويلة التي مرّ بها تدوين اللغة العربية بالحروف والقواعد الصوتية الآرامية السريانية أثرٌ كبيرٌ جداً على تطور وتدالي عَنقَدة المفردات والمترادفات والمشتقات عبر الناقلين والنُّسّاخ على مدى الزمن، مما كرّسَ مفاتيح المعاني في جذر الكلمة، والجذر بالطبع يعني العودة إلى أصل المفردة بالحرف الآرامي السرياني، الأمر الذي تجاهله مفسرو القرآن على مدى مراحل تسييس الدين وتعميق الجهل والتجهيل..

من الواضح أن الحروف الصوتية في الأبجدية الآرامية السريانية لم تكن كافية بالنسبة لتعدد الألفاظ الصوتية في اللّهَجات العربية، الأمر الذي كان دون شك أساساً لتطوُّر أبجدية خاصة باللغة العربية أمكن من خلالها ضبط أصوات لهجاتها كحرف الـ(ضاد) الذي في غياب مقابل له في السريانية كان يكتب (دال)..، وعليه فإن باكورة حتميّة هذا التطور كانت ابتكار وإضافة الحروف الصوتية الستة إلى حروف الأبجدية الآرامية السريانية الإثنين والعشرين إضافةً إلى إشارات التشكيل، فأصبحت الأبجدية العربية ثمانية وعشرين حرفاً، وأحدها هو تلك التاء المربوطة التي أخذت شكل الـ(واو) نقلاً عن مصدرها في المدوّنات العربية القديمة التي اعتمدت الحرف الأرامي السرياني حيث كانت بوظيفة حرف صوتيّ في نهاية العديد من الكلمات على مدى عهود طويلة من الكتابة باستخدام تلك الحروف الآرامية السريانية في كتابة اللغة العربية، ولعل هذا ما دعا الكثيرين إلى اعتبار أن العربية لم تبدأ كلغة مستقلة بل تطورت كلهجة محلية لتصبح لغةً بَدَتْ مطواعةً وغنيةً بالمفردات والمترادفات التي ولد من خلال اختلاف استخدامات مشتقات الجذور الأقدم وهي الآرامية السريانية..

مما سبق، يمكن تفسير هذه الـ(ألف) التي كانت تلفظ (واو) قبل ابتكار الـ(ضمّة) وتوضعُ في أواخر المفردات حيث يلزم، خصوصاً في الأسماء كاسم (سوريا) التي ما يزال السريان الأراميون الغربيون يكتبونها حتى اليوم (سوريا) ويلفظونها (سوريو) تماماً كما وجدت في المدّونات السريانية القديمة.. ومنها أتى اسم النسبة (السوريين) الذي يكتب ويلفظ بالسرياني (سوريُيوي)..

وبالعودة إلى شكل أو رسم هذه الـ(ألف) الآرامية السريانية كما تبدو في نقش (النمارة) وغيره من نقوش ومدوَّنات اللغة العربية القديمة، يمكن تصوّر كيف ابتدا التباسُ لفظها من خلال التباس شكلها ولفظها مع استخدامها، فبينما هي (ألف) تلفظ (واو) في الآرامية السريانية، استخدمت في العربية كـ(ضمّة) قبل أن تبتكر إشارات التشكيل، واختلف توظيفها حسب اختلاف اللهجات العربية إلى أن تكونت الأبجدية العربية ووضعت قواعدها وضوابطها..

وها نحن اليوم نراها في العربية الفُصحى تُلفَظُ مرةً (تاء) حين يقع عليها تنوينٌ أو تشكيلٌ، وتارةً أخرى تُلفَظُ (هاء) ساكنة حين يقع عليها السكون في نهاية الجملة..، في حين لا نسمعها تُلفَظ (تاء) بل تُلفَظ (هاء) أو (ياء) أو (ألف) في اللهجات العربية العامية التي ما تزال تحافظ على نسبة كبيرة من أصولها السريانية الأرامية في الصوت واللفظ.. وهذا يمكن ملاحظته مثلاً في لفظ كلمة (شامية)، فبينما في الفصحى تلفظ (شاميّةٌ) أي تاء مربوطة حيث يظهر تنوينٌ فوقها، نسمعها في اللهجة العامية تلفظ (شاميي) بالياء، أو (شاميّهْ) بالهاء، أو (شاميّا) بالألف، حسب اللهجة العامية المحلية وموضعها في المجتمعات السورية، تماماً كما اعتادها الناس حسب أصلها الآرامي السرياني على مرّ العصور..

لذا.. بعيداً عن العواطف والأهواء العرْقيّة والسياسية وغير ذلك.. إن ما ذكرتُه أعلاه يمكن اعتباره حقيقة علمية من الممكن التحقق منها بالعودة مثلاً إلى هذا النص المنقوش على الحجر باللهجة العربية في نقش النمارة هذا، حيث يستطيع المرء دون الحاجة إلى الكثير من الخبرة وبالقليل من العناء والصبر أن يفكك الحروف السريانية ويحلل أشكالها ليكتشف الحقيقة التي ذكرتُها أعلاه ويدرك وظيفة كل حرف في تشكيل الصوت، الأمر الذي يؤكد أن (سوريا) هو اسم وليس صفة حتى لو أُلصقت به هذه التاء المؤنثة العجيبة…
.
لتحيا سوريا..
.
د. مضر بركات
17 كانون الأول 6765سـ، 2015مـ
.
.
.
.
.
.
(الصورة المرفقة هي لنقش النمارة المحفوظ في متحف اللوفر في باريس)

من almooftah

اترك تعليقاً