فيلم فرنسي كوميدي يواجه حقائق نحاول تهذيبها

عن العنصرية التي تعيش داخلنا

المصدر: عُلا الشيخ ـــ دبي
  • الحكاية بسيطة لكنها متشعبة خصوصاً عندما يكون فيها أب وأم من الديانة المسيحية لديهما 4 بنات كل واحدة منهن ارتبطت بمهاجر فحضر المسلم واليهودي والصيني (البوذي) وأخيراً الأسود. أرشيفية

عندما تضع يدك على الجرح، خصوصاً في غرفة مغلقة بينك وبين أقرب الناس إليك، تتحدث بصوت عالٍ، تخرج كل ما تحمل من صفات متناقضة، تحاول تهذيبها أمام الناس بمجرد خروجك من منزلك، في الشارع، في البقالة، في المطعم، لكن ليس أمام نفسك. عنوانها العنصرية، لفظ بات تناوله في الآونة الأخيرة واضحاً وصريحاً، ومرتبطاً بالطائفية حيناً، وبالأثنية حيناً، وبالطبقية أيضاً، لفظ تختصر من خلاله كل التشوهات التي تبعد المرء عن الإنسانية، استطاع أن يتضح بشكل جلي من خلال الفيلم الفرنسي الكوميدي «ماذا فعلنا بحق الرب؟» لفيليب دو شوفرون، الذي أنتج العام الفائت، وهو من بطولة كريستيان كلافيي، شانتال لوبي مادي سعدون، أري بيتان، وموجود حالياً في خدمة الفيديو التي تقدمها شركات الاتصالات في الدولة، وهي فرصة كي يرى المشاهد نوعاً مختلفاً من الطرح، مع نماذج لأفلام لا تعرض عادة في دور السينما المحلية.

الحكاية بسيطة لكنها متشعبة، خصوصاً عندما يكون فيها أب وأم من الديانة المسيحية، لديهما أربع بنات، كل واحدة منهن ارتبطت بمهاجر، فحضر المسلم واليهودي والصيني (البوذي)، وأخيراً الأسود.
الأب (كلود) وعلى الرغم من فخره المستمر بأنه من أنصار ديغول، خصوصاً عندما تتهمه إحدى بناته بالعنصرية، هو أساس الحكاية التي تسانده فيها زوجته (ماري)، تبدأ أحداث الفيلم معهما، والكاميرا تسلط الضوء عليهما وأنت تسمع في الخلفية ترنيمة زفاف، لكن تجهم وجههما يجعلك تتساءل عن كمية الحزن على الرغم من تأنقهما، هو زفاف ابنتهما الكبرى من رشيد المسلم الجزائري الفرنسي الجنسية، ترى كلود وماري ينظران إلى عائلة رشيد باستغراب، وهم يزغردون، هذا المشهد يتكرر مع زواج ابنتهما الثانية من دافيد اليهودي، الذي تشاء الصدفة والإسقاط أن تظهر كمية التشابه في العادات بينه وبينه رشيد، حتى في مسألة الزغاريد في العرس، ليأتي المشهد الثالث وكل هذا خلال «تتر» الفيلم، مع زواج ابنتهما الثالثة من صيني فرنسي، وهنا تنكشف الحكاية في وقت التقاط الصورة الجماعية، يصرخ المصور قائلاً: «ثمة اثنان لا يبتسمان، فتقترب الكاميرا من كلود وماري اللذين ينحرجان ويقدمان الابتسامة للمصور لتظهر الصورة على أكمل وجه»، أما الابنة الرابعة وزواجها من الفرنسي الأسود من أصول إفريقية، فهي التي ستغير مجرى الأحداث خلال الفيلم والحوارات التي اتسمت بالبساطة كأنك تعرفها مسبقاً.هو يحكي عن جيل شاب، أراد أن يتناغم مع محيط قوانين دولته المدنية، وهو صادق معها، وجيل لآباء لايزالون يحاولون هذا النوع من التأقلم لكن في داخلهم الكثير من العنصرية تتضح عندما يختلي الأب بزوجته في السيارة أو في غرفة النوم ويختصران مصيبتهما بكلمة واحدة «ماذا فعلنا بحق الرب، كي نعاقب مثل هذا العقاب».

مما لا شك فيه أن النموذج الفرنسي في شكل التعايش يعتبر حديث كثيرين حول مفهوم التعايش، هذا البلد الذي تسبب في مليون ونصف المليون شهيد في الجزائر، واستقبل ما يوازيهم عدداً من المهاجرين، وعلى أرضها تعيش جميع الملات وأكثر من خمسة ملايين مسلم، وفيه الكثير من القوانين المدنية التي تواجه من خلالها التعصب والكنيسة وغيرهما، كل هذا الزخم من نتاج حروب حدثت فيه أثناء الخرب العالمية الثانية، وحروب قامت بها هذه الدولة بشكل مباشر وبشكل استعماري، ومع كل هذا مازالت تؤكد أن حربها الأصعب هي إيجاد جو من التعايش بين جميع من يعيش على أرضها. وهذا الفيلم أراد أن يحكي جزءاً من ادعاء التعايش في ظل منظومة لاتزال ترى في نفسها أنها العرق الأصفى، كما كثير من الشعوب والديانات.

وجود المسلم الجزائري المحامي الناجح، الذي يستفز حماه ممازحاً أنه سيسمي ابنه محمود، مع أن حماه يريد اسم لوكاس، لتخرج حماته وتقول: «ليس لشي،ء بل لأن اسم محمود سيجلب له المشكلات»، هذا المشهد الذي حدث أثناء ذهاب العائلة لحضور ختان ابن دافيد اليهودي، والتجهم بعين الجد الذي لم ير مبرراً لهذا الفعل ما دام دافيد قرر أن يصبح فرنسياً، ودور ابنته التي تؤكد أن العملية صحية، وليست دينية، وإصرار الحاخام على أن يمنح الجد شرف دفن «الجلدة الزائدة» في حديقة منزله، لكن جوع كلبه كان أقرب من تنفيذ المهمة.

مسألة الختان هي أول مسألة تظهر فيها العدائية بين اليهود والمسلمين، لتجر بعدها قضية فلسطين وعدم الاعتراف بإسرائيل وهي خط أحمر بالنسبة لدافيد، الذي يلقب رشيد بعرفات، يقول دافيد ليظهر بصورة المتقدم أمام حماه: «نحن أكثر حساسية من المسلمين في مسألة الختان، فنحن نقوم بهذه العملية قبل أن يتم الطفل أسبوعه الأول، لأن الأجهزة الحسية للطفل لا تكون مكتملة، بعكس المسلمين الذين يتلذذون وهم يشاهدون أبناءهم يتألمون حينما يقررون تطهيرهم في سن السادسة»، فيثور رشيد على دافيد، وتبدأ عملية رمي الاتهامات، في حضرة الزوج الصيني المتهم بتملقه الدائم، والذي يغضبه دافيد بدوره بأنه بارد ولا مشاعر لديه ولص كحكومته، يقوم باستنساخ نجاحات الآخرين فيقف الزوج الصيني أمام دافيد ويقول له: «يوماً ما سنشتري حتى إسرائيل».

إذا القضية مرتبطة بكذبة التعايش، فكل فرد من هؤلاء الأزواج مرتبط بأعرافه، ولم يتخلص منها تحت قبة زواج مدنية، هذه المشاعر المتناقضة وكمية الحقد المرتبطة خصوصاً بالصراع العربي الإسرائيلي، وحتى العلاقة الفرنسية الجزائرية، والصين وجرائمها، كلها اتفقت مع بعضها بعضاً ضد العريس الأسود، ومع أن الموضوع في هذا الاتفاق المنوط بجملة «ضد الزواج» مبالغ فيها، إلا أنها استطاعت أن توجد حالة التعاضد لفترة بسيطة، ورأى كلود أبو البنات فيها نوعاً من تجربة التعرف أكثر إلى أزواج بناته وفتح صفحة جديدة معهم، خصوصاً مع حالة الاكتئاب التي بدأت تمر بها زوجته ماري.

الغريب والمتناقض في الوقت نفسه مع هؤلاء الأزواج، أنهم بالفعل يحاولون التعايش من منظورهم الخاص، فاليهودي لا مانع لديه أن يتذوق الذبح الحلال، ليؤكد أنه متجاوز لهذه المسألة، لكن التناقض لديه أنه لا يسمح بأن يهين أحد حلم دولته المزعومة «إسرائيل» ويغض النظر عن كامل جرائمها، ويصر على أنه مدني وإنساني؛ لأنه يأكل اللحم الحلال، في المقابل يظهر المسلم وهو يظهر لحماه أنه أيضاً متعايش والدليل أنه يشرب الكحول، لكنه يصر كغيره أن يطهر ابنه عندما يكبر، إن دور النساء وتأثيرهن في أزواجهن غائب كلياً، لأنهن ببساطة أصدق الجميع، أصدق من آبائهن وأصدق من أزواجهن، فهن بمجرد خياراتهن في الزواج تعدين الكثير من العقبات المرتبطة بالعنصرية، وما تعانيه الواحدة منهن هو الشجار الدائم بين أزواجهن ووالديهن.

المعضلة الكبيرة التي تغير مجرى الأحداث، هي عندما قررت الابنة الرابعة التي يضع والداها كل الأمل فيها أن تأتي إليهما بزوج فرنسي خالص كاثوليكي، حسب وجهة نظرهما، وتقرر أن تكشف عن هوية الرجل الذي تريد أن تتزوج به واسمه شارل، وتبدأ حكايتها عنه لوالديها بأنه كاثوليكي، دون أن تكشف عن أصله من ساحل العاج ولون بشرته السوداء، في المقابل يذهب شارل إلى وطنه ليزف لعائلته خبر زواجه من فرنسية بيضاء، المفارقة أن ردة فعل والد شارل كانت قاسية، لدرجة أنه أراد أن ينتقم من جميع الفرنسيين ومن جميع البيض وما فعلوه بهم من خلال الموافقة على هذا الزواج بفرض شروط غريبة ومضحكة، من جهة أخرى بعد أن شعر كلود وماري بأن ابنتهما الصغرى لم تخيب ظنهما، اصطدما بشارل الأسود اللون، هنا يثوران في وجه ادعائهما طوال الوقت أنهما راضيان، يثوران على القوانين المدنية التي تحرمهم السلطة في التدخل في قرارات زواج بناتهن، لكن هذه الثورة تكون فقط تحت سقف غرفة نومهما، لا أحد يسمعهما.

هذا الزواج لا يقف ضد عائلة العروسين فحسب، بل أزواج البنات الثلاث الأخريات، كأنهم وجدوا بهذا العريس الأسود تجاوزاً لكل الحدود، فيحاولون جهدهم لتعطيل هذا الزواج من خلال مراقبة العريس، لأنهم على ثقة بأن العرق الأسود جامح ويحب التعدد، وبهذا يكسرون الثقة بين العروس الصغرى وشارل، وكل محاولاتهم باءت بالفشل، لتكون المواجهة أخيراً بين شارل والعرسان الثلاثة هنا يقف أمامهم «أنتم البابراتزي، دعوني أحزر، أنت يا لينغ واضح أنك الصيني، أما أنتما فملامحكما سامية، لكن الغريب أنكما عالمياً توصفان بالأعداء، ومن المعيب أن تتفقا على شخص مثلي لونه أسود».

هذه الجلسة جعلت كل فرد في العائلة يقف لحظة مع نفسه ويعتذر بطريقته الخاصة، خصوصاً بعد أن قرر والد لورا ووالد شارل أن يخربا الزفاف مهما كلفهما الأمر.

لكن ثمة شيء يريد أن يسامح ويتسامح، طوال الوقت يكون حاضراً، ثمة شيء يريد أن يقول كفى حقداً وكرهاً وضغينة وعداء، ثمة شيء أكبر من كل هذه التفاصيل التي تبعدهم عن هوية باتت توحدهم، هي الهوية الفرنسية.

تكاد خطة الأبوين أن تنجح في تدمير زفاف ولديهما، خصوصاً بعد هروب لورا من المنزل وقرارها الابتعاد عن كل هذا الكره والحقد، وترك حبيبها شارل يجابه عواصف من كل نوع ولون، في تلك اللحظة تجمع الأبوين لحظات كثيرة وأحداث ومواقف، تقرب بينهما دون أن يعترفا بذلك، ويقرران الاتحاد ليعيدا لورا من محطة القطار، كي تلحق بموعد زفافها، لورا تجسد في الفيلم فكرة فرنسا التي أراد أن يوصلها في أنها قوة مدنية تتحدى كل الأعراف مهما كانت منابتها، مواجهات عدة حدثت في الفيلم وألفاظ عنصرية كثيرة خرجت من أفواه أبطاله، وأكدها رشيد عندما قال لحماه: «لدينا جميعاً شيء من العنصرية في أعماقنا»، لكنهم عندما يشدون النشيد الوطني الفرنسي، يشعرون بقشعريرة بدنية، هذه القشعريرة هي التي ربما ستوحدهم يوماً ما.

النهاية سعيدة في زفاف كبير، يقرر كلود والد البنات الأربع أن يلقي خطاباً، يؤكد لأصهاره من خلاله أنه يتأسف، وأنه قرر بيع منزله ليجوب هو وزوجته العالم، ويبدأ بزيارة أنسبائه في الصين والجزائر، وحتى عائلة دافيد التي تسكن ما يسمى من وجهة نظره بـ«إسرائيل»، من الممكن أن هذه الجزئية فقط عندما قرر أخيرا الاعتراف بالكيان كدولة قد تغضب كثيرين، لكنها موجودة ضمن مقال كان مليئاً بكل شيء ضد الإنسان، ولن تقف على الاعتراف بكيان ضد الإنسان بكل تفاصيله.

الخلاصة، وبعد موجة من الضحك المستمرة في الفيلم، أنه انتصر للفرد الفرنسي الخالص، وليس المهاجر الذي يحمل الجنسية الفرنسية، من خلال شخصية كلود الأب، وهنا قمة العنصرية بطريقة إما أن تكون ذكاء من المخرج أو غباء منه.

من almooftah

اترك تعليقاً