إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زمن البرشمان 1

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زمن البرشمان 1

    تاريخ الإنشاءAug 22, 2019
    لم يَشْتَرِه أقرنَ ، ولا أملحَ، ولا ناعِمَ الفروةِ ، بل اكتفى بالمرور أمام مرائبِ المدينة ، والتفرج على جمهرة المتهافتين على شراء كل أنواعه من سرديّ، وبركيّ، وبجعديّ، ودمّاني، وكذلك وكيليّ، وتلك عادة درج عليها منذ سنوات، يكتفي دائما بعيش أجواء العيد، دون ممارسة طقوسه .
    هو يمارس لعبة الحياة ، بإيقاع خاص ، ويحاول أن يبقى اِجتماعيا في الحدود الدنيا،حياته فقدت الوهج منذ أن ترجّلَتْ زوجته عن قطار الحياة ،واَختار الأبناء البقاء خارجَ البلد ، طلبا لرزقٍ مُفْتَقَدٍ في وطنهم،بَقِيَّ وحيدا في شقته الصغيرة بزنقة الفرات ، يعيش على الذكريات ِ، معاشه المُحوّل من بلاد "اولادعيسى"، كما يحب أن يسميهم ، يكفيه طوارق الزمن ، وتكاليف العيش ، ومصاريف العلاج.
    قادته قدماه ، إلى مقهى بتقاطع شارع سقراط ويعقوب المنصور ، اختار الجلوس بالباحة الخارجية ، وقعت عيناه على اسم المقهى مخطوطا على زجاج الواجهة ، قرأه مبتسما : " مقهى البُرْشْمَان"،
    من غرائب الصدفِ، أن البرشمان نال حظه ونصيبه كاملا ، فصارت له مقهى باِسمه، لعَلَّ مالكها خيّاط ماهرٌ،يتقن الاِشتغال بالبرشمان، وبَرَع في اِبتكار موديلات لقفاطين ، وجلابيب نسائية ، تتهافت عليها بناتُ حواء.
    جاء النادل مبتسما ، ووقف بمواجهته سائلا:
    - ماذا تشربون ، سيدي ؟
    رد بصوت خافت:
    - قهوة سوداء خفيفة ، في الفنجان.
    غاب النادل برهة، ثم عاد يحمل طلبه ، وضع الفنجان على الطاولة ، ومعه قارورة ماء معدنيّ صغيرة، ثم انقلب على أعقابه ، عائدا، .
    ناداه دون تفكير مسبق :
    - انتظر لحظة يابنيّ ، لدي سؤال تافه إذا سمحتَ.
    عاد النادل أدراجه وهو يقول :
    - نعم ياسيدي ، مرحبا.
    هَتف ضاحكًا :
    - قل لي بحقّ السّماء ، هل مالك المَقهى خياط ؟
    اِبتسم النَّادل، وردَّ بِصَوت ساخرٍ:
    - بل قل مَالكتَها، هي رَاقصَة شعبيّة مَعرُوفة .
    عَلّق وهو يُزَوي مابين حاجبية:
    - هي إذن شِيخَة عصرية
    تَابع النَّادِل :
    - إنها تملك مقاهي أخرى للشيشة ، ومطعما للوجبات السريعة .
    تذّكر خَربُوعة ، التِي مَاتت ، وهي لا تملك قوتَ يومها، ورفع رأسه محدِّقا بالنَّادل الشَّابّ ثم قال:
    -عذراً بنَيّ ، أرجو أن تَغْفر لي تطفُّلِي ، فالبرشمان جرّ لِساني ، وكما يقولون : الحديث ذُو شُجون، أرجو أن يُبارك الله لكَ في عمَلك .
    انصرف النادل إلى عمله، وأقبل هو على فِنْجانه ، يَرْشُفُ بِفرحِ طِفْل قَهْوته.


    محمد محضار 2019



    1البرشمان نوع من الخياطة بالمغرب
يعمل...
X