إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صدقني يا إبليس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صدقني يا إبليس

    «فقدت إيماني بالحرية بعد أن رأيت الصراخ والدخان يتصاعدا حولها». «إنني أستعرض جميعَ ما كُتبَ, فلا تميل نفسي إلا إلى ما كتبه الإنسان بقطراتِ دمه.. اكتبْ بدمك فتعلمْ حينئذٍ أن الدم روح, وليس بالسهل أن يفهم الإنسان دماً غريباً.. لقد كان الفكرُ فيما مضى إلهاً فتحوَّل إلى رجل, وها هو ذا الآن كتلة من الغوغاء.. إن من يكتب سوراً بدمه لا يريد أن تتلى تلك السور تلاوة, بل يريد أن تستظهرها القلوب»..‏‏

    «هكذا تكلَّم زرادشت».. بل «نيتشه».. الفيلسوف الألماني الذي خاطب بلسان حكيمهُ, المجتمع لا الفرد.. حَكيمه الذي أجمع خصومه قبل أنصاره, وفي كل دول أوروبا, على أن كل جملة من أقواله لا تتجلى معانيها إلا للعقل النافذ والحس المرهف.. أجمعوا أيضاً, على وصفه بالمفكر الجبار المتَّجه إلى طلب الحقيقة الكامنة في الكثير من المبادئ التي قال عن طالبها: «لا يكفي لطالب الحقيقة أن يكون مخلصاً في قصده, بل عليه أن يترصّد إخلاصه, ويقف موقف المشكك فيه لأن عاشق الحقيقة إنما يحبها لا لنفسه ومجاراة لأهوائه, بل يهيم بها لذاتها ولو كان ذلك مخالفاً لعقيدته.. عليك أن تصلي نفسك كل يوم حرباً, وليس لك أن تبالي بما تجنيه من نصر, أو بما تجني عليك جهودك من اندحار, فإن ذلك من شأن الحقيقة لا من شأنك»..‏‏
    لقد قال «نيتشه» بهذا المبدأ وعمل به, وبعد أن قام بتحطيم ألواح الوصايا جميعها, وبإنكار الشريعة الأدبية وإقامة شريعة ما وراء الخير, وبهدف البحث بين أنقاض الأرواح المنهكة, عن كلماتٍ تجعل الإنسانية هي المتفوق الأول على العالم, بل على الإنسان العاقل الذي أخرجه منها على شكلِ حكيمٍ هو «زرادشت».‏‏
    نعم «زرادشت» الذي لم تفته قضية اجتماعية لم يقل فيها كلمة كان لها أثرها المدوي في العالم الغربي, ولأن فيها كل المبادئ التي تقتلع ماغرست قرون العبودية في الأوطان.. الأوطان التي حولت إيمانها إلى استسلام وفي الوقت الذي تفرض روحها الجهاد في سبيل الوطن والإنسانية جمعاء..‏‏
    هذا هو «زرادشت» حكيم «نيتشه» والإنسان الذي اعتبره مجسِّماً للقوة الفكرية التي دارت بها النائيات وحاصرتها الأوجاع, وتصادمت مع تيارات الفلسفات التي كانت تهبُّ في ذلك العهد في ألمانيا وأوروبا بأسرهما, حاملة للعالم مبادئ تهزُّ العقل والمجتمع بتقويضها لكلِّ عقيدة تقيم أمام الإنسان غاية لحياته..‏‏
    هذا هو, وقد نظر إلى الوجود فرأى وراء صوره المتحولة, مادة تتعالى عن الاندثار.. صور بدأت ترتسم في ذهنه إلى أن استكملها في كتابه «هكذا تكلم زرادشت».. الكتاب الذي قبض فيه على النصوص.. أيضاً, على مشاعر قارئه الذي أراد له أن يسمو على الخيال ومن ثمَّ ينفلت من رقابة القوى الواعية..‏‏
    باختصار.. لقد أراد إطلاق أناشيده تدوي في صحراء الوجود الذي لم يرد له أن يبقى قاحلاً بعد أن رمز به إلى الخلود.. الصحراء التي لم تعبق وحدها بعبير الشرق لطالما, عبقت به كل كلمة نطق بها وكانت أشبه بدعوة للإنسان الذي أراد له أن يخرج من شيطانه.. من أغواره.. أن يبقى عارياً إلا من الحقيقة, ومدركاً بأن الشر يكمن لدى جميع أبالسة التمرد.. الأقذار ممن خاطبهم:‏‏
    «لقد اتَّفقتم جميعاً على ذرِّ الرماد ونشر الظلام, فأنتم أعظم المتفاخرين وتعرفون كيف تدفعون بالأوحال إلى الفوران, وحيث تكونون لابدَّ أن تحيط بكم الوحول ولا سبيل لكم للانطلاق الذي لا يطلبه إلا من اتَّصف بصفاتكم, فالحرية هي الصرخة التي تفضلونها, غير أنني فقدت إيماني بها منذ رأيت الصراخ والدخان يتعاليان حولها..‏‏
    صدقني يا إبليس أن الثورات الصاخبة الجهنمية, ليست أعظم الحادثات في أكثر ساعاتنا ضجيجاً, بل هي في أعمقها صمتاً»..‏‏
    قيمة المرء ما يحسنه
يعمل...
X