إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشيخ والمرأة - قراءة في المبادئ الأساسية لتصوف الشيخ الأكبرابن عربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشيخ والمرأة - قراءة في المبادئ الأساسية لتصوف الشيخ الأكبرابن عربي


    قراءة في المبادئ الأساسية لتصوف الشيخ الأكبرابن عربي

    الشيخ والمرأة


    في بحث للدكتورة شيرين دقوري بعنوان «الأنوثة في تجربة ابن عربي الشهودية» تذكر واقعة عن الشيخ أنه ظل «بمنأى عن النساء والنكاح ثماني عشرة سنة إلى أن انكشف له سرهنّ وأحبهنّ عن تحبب وخوف من المقت لا عن حب طبيعي شهواني»، وعلى هذا النحو «ذهب ابن عربي إلى تقديس النساء ورفع مكانة الاتصال بهن إلى حد جعل النكاح يشبه ركناً من أركان العبادة وذلك بمقارنة السجود في الصلاة أشرف حركات المصلي، بالسجود لهن عند المواقعة».

    يشير دارسو الإنسان إلى وجود ثلاثة مراكز أساسية لدى الإنسان ألا وهي مركز العقل والقلب، ومركز ثالث يبقى بدونه كل من العقل والقلب دونما معنى ودونما حياة، وهو ما أشار إليه أحد المعلمين (غوردجييف)، ويعبر عنه بالمركز الحركي أو المركز الجنسي، وهذا المركز يلعب دوراً كبيراً في الرحلة الصوفية والتطور الروحي، فهو المركز الذي يمد كلاً من العقل والقلب بطاقته وزخمه، ولا يجب كبته أو تغييبه بحال من الأحوال.
    إن هذا المركز هو ينبوع الطاقة، ومن خلاله تُعْرَف طاقة الحب التي تدفع بالمحب إلى العشق ومن عشق إلى عشق.
    في الحقيقة أن هذه الطاقة التي حدثَنا عنها فرويد وعرَّفَها باسم «الليبيدو» نعثر عليها قبل فرويد عند الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في «الفتوحات المكية»، فهو حين يقول أنه لا يوجد محبوب سوى الله، وأن الله صورة كل محبوب على الأرض، وأن كل من أحب زينب، وسعاد، وهند، والدينار، والدرهم، والجاه، إنما في الحقيقة أحب الله، لأن الله ظاهر في كل محبوب لعين كل محب، كما أنه لم يعبد سواه، فإنه ما عبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه، وهذا كله في الحقيقة جوهر «الليبيدو»!!
    والحال، أن الخلاص من العبودية للخلائق يكمن في التوجه إلى مبدأ العشق الحقيقي، وهو الألوهة المحتجَبَة في الخلائق، والتي هي المصدر الحقيقي لكل جاذبية وجمال وعشق.
    ولعل المرأة أياً كانت صورتها كما تقول الدكتورة شيرين دقوري «فهي تكثيف للجمال الكوني، تجسيد للسر الميتافيزيقي، سيرورة إلهية متجددة. وهي أساس أنطولوجي، لكل تجلٍّ وتكون وانبثاق وظهور وكتابة. ويكفينا القول مع ابن عربي إن الانفعالية الأولى المنسوبة للأنثى لها أصول ألوهية، فالحضرات الثلاث؛ حضرة الوحدة وحضرة النسب الأسمائية والحضرة الوجودية الشهودية تظهر بقوة الانفعال والتي ينفعل عنها الكل ويظهر».
    وتستحضرنا الدكتورة هنا لقاء الشيخ سنة 598هـ مع «النظام» بنت الشيخ مكين الدين الأصفهاني، وتقول الدكتورة في هذا الصدد: «كانت النظام: الأنثى، العذراء، الهيفاء، الملقبة بـ "عين الشمس" وبهائها، مصدر إلهامه الشعري الصوفي، وتُعَدّ النظام صورة الحسناء المتجلية في كل معاني الجمال المعنوي والحسي، رمزاً للذات الإلهية، وصفة مجسدة للحكمة، التي تراءت له في تلك الجارية الرومية - وهي «قرة العين» - فأحبها وقدسها لا من حيث ذاتها، بل إن حبها حب للألوهية السارية في كل شيء».
    ومن جهته، يذكر هادي العلوي في كتابه «مدارات صوفية» عن الشيخ قوله: «إن كل ما يصلح أن يناله الرجال من المقامات والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء. واستعمل برهاناً شكلياً لإعطاء المرأة درجة على الرجل لسد الثلمة في قول القرآن {وللرجال عليهن درجة} وهي أن حروف "مرأة" أكثر من حروف "مرء"، لزيادة التاء وهذا يصدق على الإنكليزية لأن Woman حروفها أكثر من Man، لكنهما متساويان في اللغة الصينية!».
    ويكمل العلوي فيقول: «ووظف الآية التي تجعل شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد ليعطيها دلالة مضادة. الآية تقول في تعليل الحكم: {أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي أن تنسى، فقال إن النسيان جزئي هنا وهو كلي عند الرجل إذ أخبر القرآن عن آدم أنه نسِي ولم نجد له عزماً. والآية عنده تدل على أن الرجل قد ينسى الشهادة رأساً ولا يتذكرها بينما إحدى المرأتين ذاكرة لابد بحكم الآية».
    ويتابع: «وفي تداعيات أكثر جدية يقول الشيخ إن من شرف التأنيث إطلاق الذات على الله وإطلاق الصفة. يقصد أن الذات مؤنثة ونطلقها مع الصفة على الله فنقول ذات الإله أو الذات الإلهية والصفات الإلهية. كما أظهر في الفصوص – الفص الأخير – ما يلي: "كن على أي مذهب شئت فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالَم والعلة مؤنثة. وإن شئت القدرة فمؤنثة أيضاً"».
    وتدلو الدكتورة شيرين دقوري بدلوها فتقول: «وإذا تأملنا فكرة "الرحمة" عند ابن عربي فإننا نراه ينظر إليها بوصفها صفة إلهية مؤنثة، لأنها صفة الأنثى/الأم بالجوهر. فالرحمة شملَت العالَم بمستويين: الأول، في الإيجاد، وعن ذلك شملت الرحمة الرجل من وجهين: الرحمة الإيجادية، ورحمة الحق في وهبه المرأة كي يعرف نفسه ليعرف ربه. والمستوى الثاني: شملت الرحمة العالَم بمعنى المبالغة في الرزق والإجابة، والأنثى أقرب إلى الإجابة لأنها أصفى محل للانفعال، من إشارة الحق إلى المنفعل القابل للاقتدار من الفاعل. والرحمة تجلٍّ للاسم الإلهي الرحمن، لأنه "يعطي الاشتقاق من الرحمة". وهذا سر من أسرار اسم الأنوثة الذي يطلق على عباد اسم الرحمن الذي مشهده العافية والخير المحض، في مقابل اسم الذكورة الذي يطلق على عباد اسم الله، وجميع الأسماء الإلهية تطلب اسم الرحمن، أطيب أنفاس الحق».
يعمل...
X