إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

- القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -


    - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

    الدكتور غازي حسين

    دراسة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1998




    المقدمة

    الفصل الأول: القمم والمؤتمرات الاقتصادية

    ثانياً: قمة عمان الاقتصادية

    ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)

    البيان الختامي

    رابعاً مؤتمر الدوحة الاقتصادي الرابع

    الفصل الثاني: قمة شرم الشيخ

    ردود الفعل على القمة

    ردود الفعل على القمة

    الفصل الثالث: الكيان الصهيوني والتطبيع

    مصر والتطبيع

    التطبيع في مجالي النفط والغاز

    الفصل الرابع: تحالف كوبنهاغن

    ردود الفعل على إعلان كوبنهاجن

    آليات تحالف كوبنهاجن

    الفصل الخامس: مخاطر القمم الاقتصادية والتطبيع

    الملاحق الملحق رقم /1/

    ملحق رقم /2/ البيان الختامي لقمة عمان

    الملحق رقم/ 3/ إعلان القاهرة

    الملحق رقم /4/ نص بيان قمة شرم الشيخ

    الملحق رقم /5/ بيان تحالف كوبنهاجن

    الملحق رقم /6/ بيان اتحاد الكتاب العرب حول لقاء كوبنهاجن

    الملحلق رقم/ 7/ البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الشعبي العربي الأول لمقاومة الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني.

    الملحق رقم/ 8/ بسم الله الرحمن الرحيم

    الملحق رقم/ 9/ التعاون الاقتصادي الإقليمي يدعم السلام في الشرق الأوسط

    الملحق رقم /10/ نص الدعوة الموجهة للمشاركين في مؤتمر عمّانْ.

    الهوامش
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

  • #2
    - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -


    - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

    الدكتور غازي حسين

    دراسة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1998




    المقدمة

    الفصل الأول: القمم والمؤتمرات الاقتصادية

    ثانياً: قمة عمان الاقتصادية

    ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)

    البيان الختامي

    رابعاً مؤتمر الدوحة الاقتصادي الرابع

    الفصل الثاني: قمة شرم الشيخ

    ردود الفعل على القمة

    ردود الفعل على القمة

    الفصل الثالث: الكيان الصهيوني والتطبيع

    مصر والتطبيع

    التطبيع في مجالي النفط والغاز

    الفصل الرابع: تحالف كوبنهاغن

    ردود الفعل على إعلان كوبنهاجن

    آليات تحالف كوبنهاجن

    الفصل الخامس: مخاطر القمم الاقتصادية والتطبيع

    الملاحق الملحق رقم /1/

    ملحق رقم /2/ البيان الختامي لقمة عمان

    الملحق رقم/ 3/ إعلان القاهرة

    الملحق رقم /4/ نص بيان قمة شرم الشيخ

    الملحق رقم /5/ بيان تحالف كوبنهاجن

    الملحق رقم /6/ بيان اتحاد الكتاب العرب حول لقاء كوبنهاجن

    الملحلق رقم/ 7/ البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الشعبي العربي الأول لمقاومة الاستسلام والتطبيع مع العدو الصهيوني.

    الملحق رقم/ 8/ بسم الله الرحمن الرحيم

    الملحق رقم/ 9/ التعاون الاقتصادي الإقليمي يدعم السلام في الشرق الأوسط

    الملحق رقم /10/ نص الدعوة الموجهة للمشاركين في مؤتمر عمّانْ.

    الهوامش
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #3
      رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

      المقدمة
      بعد توقف حرب الخليج الثانية مباشرة وضعت الولايات المتحدة الأسس التي قام عليها‏
      مؤتمر مدريد عام 1991، وهو مبدأ الأرض مقابل السلام، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية‏
      والتي تمثل الحد الأدنى الذي وافقت عليه الدول العربية، وتعهدت الولايات المتحدة بضمان‏
      مرجعية مدريد.‏
      بدأت عملية التسوية بداية خاطئة منذ البداية لأنها استبعدت المؤتمر الدولي والأمم المتحدة‏
      وتبنت كافة المقولات الإسرائيلية ومنها المفاوضات المباشرة مع كل طرف عربي منفرداً،‏
      حيث يستفرد فيها القوي بالضعيف. وانحازت الولايات المتحدة كراع للعملية السلمية إلى‏
      إسرائيل بسبب تحالفها الإستراتيجي معها، ونفوذ اللوبي اليهودي فيها وبسبب مصالحها‏
      ومعاداتها للعروبة والإسلام.‏
      وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتن ياهو بعد اجتماعه الأول مع الرئيس الأمريكي، بيل‏
      كلنتون عام 1996 في البيت الأبيض ليعلن رفضه مبدأ الأرض مقابل السلام ويقول إن‏
      الإستيطان حق وواجب، وطالب بمحاربة الإرهاب (المقاومة) وحماية أمن إسرائيل والاحتفاظ‏
      بالأرض العربية.‏
      أما الرئيس الأميركي فرد عليه مؤكداً الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل والمحافظة على‏
      تفوقها العسكري وحقها في اتباع السياسة التي تراها مناسبة لتحقيق السلام.‏
      وثبت بجلاء أن الولايات المتحدة فقدت نفوذها على إسرائيل بسبب السياسة الأميركية‏
      الخرقاء وانحياز الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والخارجية الأميركية إلى إسرائيل،‏
      فتعاطف الرئيس كلنتون غير المحدود مع إسرائيل وخوفه من اللوبي اليهودي منعه من وفاء‏
      الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه الدول العربية ومن ممارسة أي ضغط عليها، وبالتالي فقدت‏
      مصداقيتها وأهليتها لرعاية العملية السلمية.‏
      إن الإستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية تعتمد اعتماداً كلياً على إسرائيل، فالانحياز‏
      الأميركي لها ليس بجديد ولكنه ظهر في فترة الرئيس كلنتون أكثر من أي فترة مضت في‏
      تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.‏
      ويقوم التحالف الإستراتيجي بين الطرفين على دعامتين:‏
      الأولى: اللوبي اليهودي وسيطرته على الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض ووزارة‏
      الخارجية ودوره في صنع القرار الأميركي في المنطقة العربية.‏
      والثانية: مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية ومنها النفط وأمواله وأسواقه وحماية أمن‏
      إسرائيل وتوسعها.‏
      وتمارس إدارة الرئيس الأميركي كلنتون أبشع أنواع أساليب الضغط والابتزاز على الدول‏
      العربية والقيادة الفلسطينية من أجل حمل الأطراف العربية على قبول المخططات الإسرائيلية‏
      وتجريد العرب من أسباب القوة العسكرية والاستمرار في فرض الحصار على ليبيا والعراق‏
      والسودان وإيران.‏
      وترمي الإدارة الأميركية من جراء القيام بدور الوسيط إلى:‏
      1- إبرام معاهدات واتفاقات سياسية وأمنية واقتصادية ودبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية‏
      لفرض الهيمنة الإسرائيلية على الاقتصادات العربية وتحويلها إلى اقتصادات السوق‏
      وتقليص دور القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص.‏
      2- المحافظة على استقرار مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وفي طليعتها النفط ومنابعه‏
      وممراته وأسواقه، وترسيخ الوجود العسكري الأميركي في العديد من البلدان العربية.‏
      تحدث الإرهابي نتن ياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في كتابه"مكان بين الأمم" عن‏
      منطلقات وتوجهات توسعية وإرهابية وعنصرية واستيطانية تهدم عملية التسوية، وتقضي على‏
      السلام العادل والشامل، وتنشر النزاعات والاعتداءات والفوضى والحروب وعدم الاستقرار‏
      في المنطقة العربية بشكل خاص و"الشرق الأوسط" بشكل عام.‏
      ويزعم كعادة اليهود في الكذب عبر تاريخهم الطويل أن العرب هم الذين بدأوا حرب‏
      حزيران عام 1967 ويقول بما أنهم بادروا إلى الحرب فليس من حقهم المطالبة باسترداد‏
      أراضيهم، لأن إسرائيل حسب زعمه انتزعت من العرب الأراضي والقواعد التي كانت تنطلق‏
      منها الهجمات عليها.‏
      ولكن الحقيقة التي يعرفها العالم بأسره هي أن إسرائيل هي التي خططت وأشعلت حرب‏
      حزيران العدوانية. وانطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية الأخرى‏
      ومبادئ القانون الدولي يجب معاقبة إسرائيل المعتدية على حربها العدوانية وتجريدها من‏
      السلاح وإلزامها بدفع التعويضات عن الخسائر التي أنزلها العدوان بالدول العربية.‏
      ويشرح نتن ياهو بأسلوبه اليهودي الوقح القائم على تزوير الواقع والحقيقة وممارسة‏
      الإرهاب والتوسع والضم والاستيطان والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة كسياسة‏
      رسمية مفهومه للسلام حيث ينظِّر للقوة ويمجِّد السيطرة على العرب. ويتناول مفهومه للسلام‏
      المسلح، سلام القوة وإضعاف البلدان العربية، فالسياسة الوحيدة، برأيه هي في إضعاف البلدان‏
      العربية وتقوية إسرائيل.‏
      ويؤكد أنه لا يوجد في الشرق الأوسط ديمقراطيات غير إسرائيل، وعليه فإن السلام‏
      الملائم للعرب هو سلام الردع، السلام المسلح، سلام القوة.‏
      وتبنت الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية الإرهابية منذ زمن بعيد، وذلك بمحافظتها على‏
      تفوق إسرائيل العسكري على جميع البلدان العربية.‏
      ويؤكد نتن ياهو أن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل زادت من قوتها العسكرية،‏
      وردعت العرب عن التفكير بمغامرات أخرى، وهي بالتالي قوَّت مسيرة المصالحة بين العرب‏
      وإسرائيل.‏
      ويستعرض حروب إسرائيل العدوانية مع العرب من عام 1948 إلى عام 1982، ويخلص‏
      إلى القول أنه مع مرور الزمن، وكلما ازدادت قوة إسرائيل تناقص عدد البلدان العربية التي‏
      تحاربها. والسلام عنده لا يتقدم بأي حال من الأحوال عن الأمن، لذلك تحتاج إسرائيل إلى‏
      جدار واق لحدودها يتمثل بمرتفعات الضفة الغربية والجولان وسيناء المجردة من السلاح.‏
      ويطرح مقولة"الأمن مقابل السلام" وليس"الأرض مقابل السلام"، إذ لا معنى للسلام بدون‏
      الأمن، وذلك لتبرير الأطماع اليهودية في الأراضي العربية وعدم الانسحاب من الأراضي‏
      الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة، وبالتالي تبرير التوسع والاستيطان والهيمنة‏
      الإسرائيلية.‏
      نجحت الصهيونية نتيجة استسلام السادات وسمسرة الحسن الثاني وتخاذل ياسر عرفات،‏
      بدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية في ضرب المشروع العربي‏
      والعمل على فرض المشروع الصهيوني.‏
      وأصبح الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهاباً تتخلى عنه قيادة منظمة التحرير‏
      الفلسطينية وتدينه وتستنكره وتستخدم قوات السلطة ومؤسساتها وآلياتها لقمع نضال الشعب‏
      العربي الفلسطيني البطولي والتعاون مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية للدفاع عن أمن‏
      إسرائيل وأمن المستعمرين اليهود في الضفة والقطاع, وفي نفس الوقت تتابع إسرائيل‏
      مخططاتها في سحق المشروع القومي والشعب العربي الفلسطيني وتهويد القدس والخليل وبناء‏
      المستعمرات اليهودية ورفض حقوق العرب والمسلمين الوطنية والقومية والدينية في فلسطين‏
      والقدس العربية.‏
      لقد أكد بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني أن العرب في نهاية الأمر سيقتنعون من‏
      تلقاء أنفسهم بالموافقة على السلام الإسرائيلي طبقاً للأهداف والرغبات والمخططات‏
      الإسرائيلية.‏
      وأكد زعماء إسرائيل بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 أنه بما أن العرب قد وافقوا‏
      على الوضع القائم والحدود التي فرضتها إسرائيل بالقوة عام 1948 فلماذا لا يوافقون على‏
      الوضع الذي تريده إسرائيل مرة أخرى؟ ومرة ثالثة في المستقبل؟.‏
      إن قادة اليهودية العالمية، يعرفون حق المعرفة أن فلسطين عربية وأنهم اغتصبوها‏
      بالقوة، وأن العرب يرفضون الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها، لذلك لابد أن تكون إسرائيل‏
      قوية حتى تخضعهم لسيطرتها. واعتمدوا على الكذب المنهجي في تمرير أطماعهم وخرافاتهم.‏
      وظهر بجلاء أن هدف إسرائيل من حروبها العدوانية هو فرض السلام الإسرائيلي على‏
      العرب بعيداً عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الخمس الكبرى والمؤتمر الدولي.‏
      ورأى زعماء الكيان الصهيوني أن لديهم أنْ يختاروا بين أمر من اثنين:‏
      الأول: إما أن تظل إسرائيل قاعدة وأداة عسكرية تستخدم متى يريد الاستعمار فتتلقى‏
      أجورها لقاء ذلك.‏
      والثاني: أن تصبح قوة إقليمية عظمى عن طريق "الشرق الأوسط الجديد" تهيمن على‏
      الاقتصادات العربية وتحل أزماتها الاقتصادية بمشاركة الإمبريالية الأميركية في السيطرة‏
      على توجهات التنمية الاقتصادية في المنطقة وتكون بوابة الغرب إلى الدول العربية، واختارت‏
      هذا الاتجاه، وذلك لفرض السيطرة اليهودية على العالم فوضعت مراكز البحوث والدراسات‏
      في أميركا وإسرائيل الدراسات حول القومية العربية وتاريخ العرب والعقل العربي والإسلام‏
      ومئات المشاريع والمخططات الاقتصادية لمستقبل المنطقة العربية، وذلك لإعادة تشكيل‏
      المنطقة والسيطرة عليها.‏
      ورأت اليهودية العالمية أن المطلوب هو ترويض العقل والوجدان العربي ومحو الذاكرة‏
      العربية ونزع السلاح العربي ومصادر القوة العربية وطمس المفاهيم القومية والدينية من‏
      الثقافة العربية تجاه اليهود وإسرائيل وتغيير الكتب والمناهج المدرسية وتعديل البرامج‏
      الإعلامية وخلق صلات مصلحية عن طريق المشاريع الاقتصادية المشتركة.‏
      وتعتقد إسرائيل أنه عندما يتم تعديل البرامج التعليمية والإعلامية والدينية سينشأ جيل‏
      عربي يختلف عن الأجيال السابقة، وبالتالي يسهل عليها تحقيق أطماعها وفرض الهيمنة‏
      والتبعية على الأجيال العربية القادمة. وتأمل من جراء ذلك فرض واقع مغلوط في تاريخ‏
      الوطن العربي لصالح الأساطير والخرافات والمزاعم والأكاذيب والأطماع اليهودية في‏
      الأرض والثروات العربية.‏
      وترمى إسرائيل من وراء الشرق الأوسط الجديد، إلى فرض هيمنتها الاقتصادية‏
      والعسكرية على البلدان العربية وإقامة إسرائيل العظمى بدلاً من إسرائيل الكبرى، وتطبيع‏
      العلاقات مع العرب وإذابة الهوية العربية في الشرق أوسطية.‏
      وتعتبر القمم والمؤتمرات الاقتصادية بمثابة جمعيات تأسيسية للنظام الإقليمي الجديد في‏
      الشرق الأوسط، حيث وضعت أولويات للعمل الإقليمي تتقدم فيه الاعتبارات الاقتصادية على‏
      الاعتبارات السياسية.‏
      بدأ العمل الجدي لتحقيق المشروع الشرق أوسطي في إطار المفاوضات المتعددة‏
      الأطراف(قاطعتها سورية ولبنان) لتحقيق التعاون الاقتصادي قبل انسحاب العدو الإسرائيلي‏
      من الأراضي العربية المحتلة وبدأت مشاريع"الشرق الأوسط الجديد" بالظهور إلى حيز الواقع‏
      والتنفيذ من خلال القمم والمؤتمرات الاقتصادية، لشطب معادلة"الأرض مقابل السلام" وتخلي‏
      إسرائيل عن جزء من الأراضي العربية المحتلة مقابل فرض هيمنتها الاقتصادية على البلدان‏
      العربية وحماية سيطرة الولايات المتحدة على النفط العربي.‏
      سارت عملية التسوية التي انطلقت من مدريد في مسارين من المفاوضات:‏
      المسار الأول: المفاوضات الثنائية المباشرة لتسوية احتلال إسرائيل الضفة والقطاع‏
      وجنوب لبنان والجولان.‏
      المسار الثاني: المفاوضات المتعددة الأطراف لإزالة جميع مظاهر الصراع وتطبيع‏
      العلاقات.‏
      وتمادت إسرائيل والولايات المتحدة أكثر وعقدتا القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية،‏
      ووضعتا الآليات والتمويل لتحقيق المخططات الإسرائيلية، لفرض التطبيع والهيمنة الإسرائيلية‏
      على الوطن العربي.‏
      وتلكـأت إسرائيل في التوصل إلى تسوية سياسية وأسرعت الخطى لتحقيق الشق‏
      الاقتصادي والأمني. وعقدتا قمة شرم الشيخ ووضعتا الآليات واللجان والتمويل لمكافحة‏
      النضال العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي.‏
      ويعتبر قادة إسرائيل أن الإسلام العدو الأساسي لإسرائيل، لأنه يربط الأمة الإسلامية‏
      جمعاء بقضية فلسطين لمكانة القدس والمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف لدى العرب‏
      والمسلمين.‏
      نجحت إسرائيل في إتفاق الإذعان في أوسلو بفرض الأيديولوجية الصهيونية والمكونات‏
      الأساسية للأساطير والخرافات الصهيونية على القيادة الفلسطينية والتي اعترفت بإسرائيل‏
      بمضمونها الصهيوني. وتسعى جاهدة من خلال التطبيع ومن خلال التعديل والتبديل في‏
      المعتقدات والقبول بالأيديولوجية الصهيونية وانتصاراتها العسكرية إلى تغيير الفهم العربي‏
      للعروبة والإسلام.‏
      واشترك رئيس دولة العدو عيزر وايزمان والجنرال رابين وبيرس وشارون ونتن ياهو‏
      في بدء الحملة العالمية المعادية للإسلام والتنظيمات الإسلامية وحث بعض الحكام العرب على‏
      مواجهة التنظيمات الإسلامية وتخويفهم منها، وتسخير ياسر عرفات وسلطة الحكم الذاتي‏
      لتصفية الجهاد الإسلامي وحركة حماس والتأكيد على دور المنظمات الإسلامية والعمليات‏
      الإستشهادية في عرقلة السلام والأمن والتطبيع.‏
      في بادئ الأمر ركزت الصهيونية والكيان الصهيوني واليهودية العالمية على القومية‏
      والوحدة العربية ويركزون حالياً بدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة الأميركية على‏
      الإسلام والمنظمات الإسلامية .‏
      إن غياب الموقف العربي الموحد وفقدان التنسيق بين البلدان العربية والضغوط‏
      والإغراءات الأميركية مكنت العدو الإسرائيلي من تحقيق العديد من برامجه ومشاريعة لإقامة‏
      النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية معتمداً على دعم دولي وإقليمي كبيرين: من‏
      حكومة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ويهود العالم.‏
      إن الأجيال العربية القادمة ستجد نفسها أمام خرائط جغرافية وسياسية واقتصادية ونفسية‏
      تختلف عن الخرائط التي سلّمها لنا الآباء والأجداد، وبالتالي يتحمل بعض الحكام العرب وقيادة‏
      منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية هذا الإرث السييء الذي خلفناه للأجيال القادمة. إن ما‏
      يسمى بالسلام الذي يجري حالياً استسلام وإذعان من هؤلاء القادة للسلام الإسرائيلي القائم‏
      على العدوان والإرهاب والعنصرية والاستيطان ومصادرة الأرض والحقوق وعلى هجرة‏
      اليهود وترحيل العرب، والقائم على الخرافات والأساطير والأكاذيب اليهودية التوارتية‏
      والتلمودية فالسلام الراهن يضع البذور لحروب قادمة في المنطقة، لأنه لم يقم على العدل،‏
      وإنما على القوة والدعم الأميركي المطلق للخرافات والأطماع اليهودية في الأرض والثروات‏
      العربية.‏
      إن التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط الذي وضعت اليهودية العالمية وإسرائيل‏
      مخططاته ويلقى الدعم والتأييد الكاملين من الولايات المتحدة الأميركية محاولةً يهودية لإعادة‏
      صياغة الوطن العربي جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً بشكل يمنع أو يعرقل الأمة العربية‏
      من تحقيق الوحدة العربية. وتقود الشرق أوسطية إلى فرض هيمنة إسرائيل واليهودية العالمية‏
      على الاقتصادات العربية وتزيد من حدة التناقضات بين البلدان العربية في إطار الهرولة على‏
      التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني مع العدو الصهيوني. وتهدف إلى سلخ أوساط واسعة‏
      من رجال الأعمال العرب عن محيطهم العربي ودمجهم في الأطر والمؤسسات الإقليمية‏
      وتمتين علاقاتهم بالاقتصاد الإسرائيلي وخدمة التوجهات الاقتصادية للولايات المتحدة‏
      الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وبقية مناطق العالم.‏
      إن مخاطر القمم والمؤتمرات الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تكمن في‏
      أنها تهدف إلى جعل إسرائيل القائد والمحور والمركز لجميع المشاريع الشرق أوسطية،‏
      وكشريك إمبريالي يعمل لخدمة مصالحه ومصالح الإمبريالية. وتتجلى خطورة النظام الإقليمي‏
      الجديد بالوعود الكاذبة والمخادعة حول خلق الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة ولكنه لا‏
      يحقق إلاّ مصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومصالح فئات عربية صغيرة جداً‏
      وعلى حساب الوطن والمواطن العربي.‏
      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #4
        رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

        المقدمة
        بعد توقف حرب الخليج الثانية مباشرة وضعت الولايات المتحدة الأسس التي قام عليها‏
        مؤتمر مدريد عام 1991، وهو مبدأ الأرض مقابل السلام، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية‏
        والتي تمثل الحد الأدنى الذي وافقت عليه الدول العربية، وتعهدت الولايات المتحدة بضمان‏
        مرجعية مدريد.‏
        بدأت عملية التسوية بداية خاطئة منذ البداية لأنها استبعدت المؤتمر الدولي والأمم المتحدة‏
        وتبنت كافة المقولات الإسرائيلية ومنها المفاوضات المباشرة مع كل طرف عربي منفرداً،‏
        حيث يستفرد فيها القوي بالضعيف. وانحازت الولايات المتحدة كراع للعملية السلمية إلى‏
        إسرائيل بسبب تحالفها الإستراتيجي معها، ونفوذ اللوبي اليهودي فيها وبسبب مصالحها‏
        ومعاداتها للعروبة والإسلام.‏
        وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتن ياهو بعد اجتماعه الأول مع الرئيس الأمريكي، بيل‏
        كلنتون عام 1996 في البيت الأبيض ليعلن رفضه مبدأ الأرض مقابل السلام ويقول إن‏
        الإستيطان حق وواجب، وطالب بمحاربة الإرهاب (المقاومة) وحماية أمن إسرائيل والاحتفاظ‏
        بالأرض العربية.‏
        أما الرئيس الأميركي فرد عليه مؤكداً الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل والمحافظة على‏
        تفوقها العسكري وحقها في اتباع السياسة التي تراها مناسبة لتحقيق السلام.‏
        وثبت بجلاء أن الولايات المتحدة فقدت نفوذها على إسرائيل بسبب السياسة الأميركية‏
        الخرقاء وانحياز الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والخارجية الأميركية إلى إسرائيل،‏
        فتعاطف الرئيس كلنتون غير المحدود مع إسرائيل وخوفه من اللوبي اليهودي منعه من وفاء‏
        الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه الدول العربية ومن ممارسة أي ضغط عليها، وبالتالي فقدت‏
        مصداقيتها وأهليتها لرعاية العملية السلمية.‏
        إن الإستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية تعتمد اعتماداً كلياً على إسرائيل، فالانحياز‏
        الأميركي لها ليس بجديد ولكنه ظهر في فترة الرئيس كلنتون أكثر من أي فترة مضت في‏
        تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.‏
        ويقوم التحالف الإستراتيجي بين الطرفين على دعامتين:‏
        الأولى: اللوبي اليهودي وسيطرته على الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض ووزارة‏
        الخارجية ودوره في صنع القرار الأميركي في المنطقة العربية.‏
        والثانية: مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية ومنها النفط وأمواله وأسواقه وحماية أمن‏
        إسرائيل وتوسعها.‏
        وتمارس إدارة الرئيس الأميركي كلنتون أبشع أنواع أساليب الضغط والابتزاز على الدول‏
        العربية والقيادة الفلسطينية من أجل حمل الأطراف العربية على قبول المخططات الإسرائيلية‏
        وتجريد العرب من أسباب القوة العسكرية والاستمرار في فرض الحصار على ليبيا والعراق‏
        والسودان وإيران.‏
        وترمي الإدارة الأميركية من جراء القيام بدور الوسيط إلى:‏
        1- إبرام معاهدات واتفاقات سياسية وأمنية واقتصادية ودبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية‏
        لفرض الهيمنة الإسرائيلية على الاقتصادات العربية وتحويلها إلى اقتصادات السوق‏
        وتقليص دور القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص.‏
        2- المحافظة على استقرار مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وفي طليعتها النفط ومنابعه‏
        وممراته وأسواقه، وترسيخ الوجود العسكري الأميركي في العديد من البلدان العربية.‏
        تحدث الإرهابي نتن ياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في كتابه"مكان بين الأمم" عن‏
        منطلقات وتوجهات توسعية وإرهابية وعنصرية واستيطانية تهدم عملية التسوية، وتقضي على‏
        السلام العادل والشامل، وتنشر النزاعات والاعتداءات والفوضى والحروب وعدم الاستقرار‏
        في المنطقة العربية بشكل خاص و"الشرق الأوسط" بشكل عام.‏
        ويزعم كعادة اليهود في الكذب عبر تاريخهم الطويل أن العرب هم الذين بدأوا حرب‏
        حزيران عام 1967 ويقول بما أنهم بادروا إلى الحرب فليس من حقهم المطالبة باسترداد‏
        أراضيهم، لأن إسرائيل حسب زعمه انتزعت من العرب الأراضي والقواعد التي كانت تنطلق‏
        منها الهجمات عليها.‏
        ولكن الحقيقة التي يعرفها العالم بأسره هي أن إسرائيل هي التي خططت وأشعلت حرب‏
        حزيران العدوانية. وانطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية الأخرى‏
        ومبادئ القانون الدولي يجب معاقبة إسرائيل المعتدية على حربها العدوانية وتجريدها من‏
        السلاح وإلزامها بدفع التعويضات عن الخسائر التي أنزلها العدوان بالدول العربية.‏
        ويشرح نتن ياهو بأسلوبه اليهودي الوقح القائم على تزوير الواقع والحقيقة وممارسة‏
        الإرهاب والتوسع والضم والاستيطان والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة كسياسة‏
        رسمية مفهومه للسلام حيث ينظِّر للقوة ويمجِّد السيطرة على العرب. ويتناول مفهومه للسلام‏
        المسلح، سلام القوة وإضعاف البلدان العربية، فالسياسة الوحيدة، برأيه هي في إضعاف البلدان‏
        العربية وتقوية إسرائيل.‏
        ويؤكد أنه لا يوجد في الشرق الأوسط ديمقراطيات غير إسرائيل، وعليه فإن السلام‏
        الملائم للعرب هو سلام الردع، السلام المسلح، سلام القوة.‏
        وتبنت الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية الإرهابية منذ زمن بعيد، وذلك بمحافظتها على‏
        تفوق إسرائيل العسكري على جميع البلدان العربية.‏
        ويؤكد نتن ياهو أن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل زادت من قوتها العسكرية،‏
        وردعت العرب عن التفكير بمغامرات أخرى، وهي بالتالي قوَّت مسيرة المصالحة بين العرب‏
        وإسرائيل.‏
        ويستعرض حروب إسرائيل العدوانية مع العرب من عام 1948 إلى عام 1982، ويخلص‏
        إلى القول أنه مع مرور الزمن، وكلما ازدادت قوة إسرائيل تناقص عدد البلدان العربية التي‏
        تحاربها. والسلام عنده لا يتقدم بأي حال من الأحوال عن الأمن، لذلك تحتاج إسرائيل إلى‏
        جدار واق لحدودها يتمثل بمرتفعات الضفة الغربية والجولان وسيناء المجردة من السلاح.‏
        ويطرح مقولة"الأمن مقابل السلام" وليس"الأرض مقابل السلام"، إذ لا معنى للسلام بدون‏
        الأمن، وذلك لتبرير الأطماع اليهودية في الأراضي العربية وعدم الانسحاب من الأراضي‏
        الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة، وبالتالي تبرير التوسع والاستيطان والهيمنة‏
        الإسرائيلية.‏
        نجحت الصهيونية نتيجة استسلام السادات وسمسرة الحسن الثاني وتخاذل ياسر عرفات،‏
        بدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية في ضرب المشروع العربي‏
        والعمل على فرض المشروع الصهيوني.‏
        وأصبح الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهاباً تتخلى عنه قيادة منظمة التحرير‏
        الفلسطينية وتدينه وتستنكره وتستخدم قوات السلطة ومؤسساتها وآلياتها لقمع نضال الشعب‏
        العربي الفلسطيني البطولي والتعاون مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية للدفاع عن أمن‏
        إسرائيل وأمن المستعمرين اليهود في الضفة والقطاع, وفي نفس الوقت تتابع إسرائيل‏
        مخططاتها في سحق المشروع القومي والشعب العربي الفلسطيني وتهويد القدس والخليل وبناء‏
        المستعمرات اليهودية ورفض حقوق العرب والمسلمين الوطنية والقومية والدينية في فلسطين‏
        والقدس العربية.‏
        لقد أكد بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني أن العرب في نهاية الأمر سيقتنعون من‏
        تلقاء أنفسهم بالموافقة على السلام الإسرائيلي طبقاً للأهداف والرغبات والمخططات‏
        الإسرائيلية.‏
        وأكد زعماء إسرائيل بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 أنه بما أن العرب قد وافقوا‏
        على الوضع القائم والحدود التي فرضتها إسرائيل بالقوة عام 1948 فلماذا لا يوافقون على‏
        الوضع الذي تريده إسرائيل مرة أخرى؟ ومرة ثالثة في المستقبل؟.‏
        إن قادة اليهودية العالمية، يعرفون حق المعرفة أن فلسطين عربية وأنهم اغتصبوها‏
        بالقوة، وأن العرب يرفضون الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها، لذلك لابد أن تكون إسرائيل‏
        قوية حتى تخضعهم لسيطرتها. واعتمدوا على الكذب المنهجي في تمرير أطماعهم وخرافاتهم.‏
        وظهر بجلاء أن هدف إسرائيل من حروبها العدوانية هو فرض السلام الإسرائيلي على‏
        العرب بعيداً عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الخمس الكبرى والمؤتمر الدولي.‏
        ورأى زعماء الكيان الصهيوني أن لديهم أنْ يختاروا بين أمر من اثنين:‏
        الأول: إما أن تظل إسرائيل قاعدة وأداة عسكرية تستخدم متى يريد الاستعمار فتتلقى‏
        أجورها لقاء ذلك.‏
        والثاني: أن تصبح قوة إقليمية عظمى عن طريق "الشرق الأوسط الجديد" تهيمن على‏
        الاقتصادات العربية وتحل أزماتها الاقتصادية بمشاركة الإمبريالية الأميركية في السيطرة‏
        على توجهات التنمية الاقتصادية في المنطقة وتكون بوابة الغرب إلى الدول العربية، واختارت‏
        هذا الاتجاه، وذلك لفرض السيطرة اليهودية على العالم فوضعت مراكز البحوث والدراسات‏
        في أميركا وإسرائيل الدراسات حول القومية العربية وتاريخ العرب والعقل العربي والإسلام‏
        ومئات المشاريع والمخططات الاقتصادية لمستقبل المنطقة العربية، وذلك لإعادة تشكيل‏
        المنطقة والسيطرة عليها.‏
        ورأت اليهودية العالمية أن المطلوب هو ترويض العقل والوجدان العربي ومحو الذاكرة‏
        العربية ونزع السلاح العربي ومصادر القوة العربية وطمس المفاهيم القومية والدينية من‏
        الثقافة العربية تجاه اليهود وإسرائيل وتغيير الكتب والمناهج المدرسية وتعديل البرامج‏
        الإعلامية وخلق صلات مصلحية عن طريق المشاريع الاقتصادية المشتركة.‏
        وتعتقد إسرائيل أنه عندما يتم تعديل البرامج التعليمية والإعلامية والدينية سينشأ جيل‏
        عربي يختلف عن الأجيال السابقة، وبالتالي يسهل عليها تحقيق أطماعها وفرض الهيمنة‏
        والتبعية على الأجيال العربية القادمة. وتأمل من جراء ذلك فرض واقع مغلوط في تاريخ‏
        الوطن العربي لصالح الأساطير والخرافات والمزاعم والأكاذيب والأطماع اليهودية في‏
        الأرض والثروات العربية.‏
        وترمى إسرائيل من وراء الشرق الأوسط الجديد، إلى فرض هيمنتها الاقتصادية‏
        والعسكرية على البلدان العربية وإقامة إسرائيل العظمى بدلاً من إسرائيل الكبرى، وتطبيع‏
        العلاقات مع العرب وإذابة الهوية العربية في الشرق أوسطية.‏
        وتعتبر القمم والمؤتمرات الاقتصادية بمثابة جمعيات تأسيسية للنظام الإقليمي الجديد في‏
        الشرق الأوسط، حيث وضعت أولويات للعمل الإقليمي تتقدم فيه الاعتبارات الاقتصادية على‏
        الاعتبارات السياسية.‏
        بدأ العمل الجدي لتحقيق المشروع الشرق أوسطي في إطار المفاوضات المتعددة‏
        الأطراف(قاطعتها سورية ولبنان) لتحقيق التعاون الاقتصادي قبل انسحاب العدو الإسرائيلي‏
        من الأراضي العربية المحتلة وبدأت مشاريع"الشرق الأوسط الجديد" بالظهور إلى حيز الواقع‏
        والتنفيذ من خلال القمم والمؤتمرات الاقتصادية، لشطب معادلة"الأرض مقابل السلام" وتخلي‏
        إسرائيل عن جزء من الأراضي العربية المحتلة مقابل فرض هيمنتها الاقتصادية على البلدان‏
        العربية وحماية سيطرة الولايات المتحدة على النفط العربي.‏
        سارت عملية التسوية التي انطلقت من مدريد في مسارين من المفاوضات:‏
        المسار الأول: المفاوضات الثنائية المباشرة لتسوية احتلال إسرائيل الضفة والقطاع‏
        وجنوب لبنان والجولان.‏
        المسار الثاني: المفاوضات المتعددة الأطراف لإزالة جميع مظاهر الصراع وتطبيع‏
        العلاقات.‏
        وتمادت إسرائيل والولايات المتحدة أكثر وعقدتا القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية،‏
        ووضعتا الآليات والتمويل لتحقيق المخططات الإسرائيلية، لفرض التطبيع والهيمنة الإسرائيلية‏
        على الوطن العربي.‏
        وتلكـأت إسرائيل في التوصل إلى تسوية سياسية وأسرعت الخطى لتحقيق الشق‏
        الاقتصادي والأمني. وعقدتا قمة شرم الشيخ ووضعتا الآليات واللجان والتمويل لمكافحة‏
        النضال العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي.‏
        ويعتبر قادة إسرائيل أن الإسلام العدو الأساسي لإسرائيل، لأنه يربط الأمة الإسلامية‏
        جمعاء بقضية فلسطين لمكانة القدس والمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف لدى العرب‏
        والمسلمين.‏
        نجحت إسرائيل في إتفاق الإذعان في أوسلو بفرض الأيديولوجية الصهيونية والمكونات‏
        الأساسية للأساطير والخرافات الصهيونية على القيادة الفلسطينية والتي اعترفت بإسرائيل‏
        بمضمونها الصهيوني. وتسعى جاهدة من خلال التطبيع ومن خلال التعديل والتبديل في‏
        المعتقدات والقبول بالأيديولوجية الصهيونية وانتصاراتها العسكرية إلى تغيير الفهم العربي‏
        للعروبة والإسلام.‏
        واشترك رئيس دولة العدو عيزر وايزمان والجنرال رابين وبيرس وشارون ونتن ياهو‏
        في بدء الحملة العالمية المعادية للإسلام والتنظيمات الإسلامية وحث بعض الحكام العرب على‏
        مواجهة التنظيمات الإسلامية وتخويفهم منها، وتسخير ياسر عرفات وسلطة الحكم الذاتي‏
        لتصفية الجهاد الإسلامي وحركة حماس والتأكيد على دور المنظمات الإسلامية والعمليات‏
        الإستشهادية في عرقلة السلام والأمن والتطبيع.‏
        في بادئ الأمر ركزت الصهيونية والكيان الصهيوني واليهودية العالمية على القومية‏
        والوحدة العربية ويركزون حالياً بدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة الأميركية على‏
        الإسلام والمنظمات الإسلامية .‏
        إن غياب الموقف العربي الموحد وفقدان التنسيق بين البلدان العربية والضغوط‏
        والإغراءات الأميركية مكنت العدو الإسرائيلي من تحقيق العديد من برامجه ومشاريعة لإقامة‏
        النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية معتمداً على دعم دولي وإقليمي كبيرين: من‏
        حكومة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ويهود العالم.‏
        إن الأجيال العربية القادمة ستجد نفسها أمام خرائط جغرافية وسياسية واقتصادية ونفسية‏
        تختلف عن الخرائط التي سلّمها لنا الآباء والأجداد، وبالتالي يتحمل بعض الحكام العرب وقيادة‏
        منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية هذا الإرث السييء الذي خلفناه للأجيال القادمة. إن ما‏
        يسمى بالسلام الذي يجري حالياً استسلام وإذعان من هؤلاء القادة للسلام الإسرائيلي القائم‏
        على العدوان والإرهاب والعنصرية والاستيطان ومصادرة الأرض والحقوق وعلى هجرة‏
        اليهود وترحيل العرب، والقائم على الخرافات والأساطير والأكاذيب اليهودية التوارتية‏
        والتلمودية فالسلام الراهن يضع البذور لحروب قادمة في المنطقة، لأنه لم يقم على العدل،‏
        وإنما على القوة والدعم الأميركي المطلق للخرافات والأطماع اليهودية في الأرض والثروات‏
        العربية.‏
        إن التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط الذي وضعت اليهودية العالمية وإسرائيل‏
        مخططاته ويلقى الدعم والتأييد الكاملين من الولايات المتحدة الأميركية محاولةً يهودية لإعادة‏
        صياغة الوطن العربي جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً بشكل يمنع أو يعرقل الأمة العربية‏
        من تحقيق الوحدة العربية. وتقود الشرق أوسطية إلى فرض هيمنة إسرائيل واليهودية العالمية‏
        على الاقتصادات العربية وتزيد من حدة التناقضات بين البلدان العربية في إطار الهرولة على‏
        التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني مع العدو الصهيوني. وتهدف إلى سلخ أوساط واسعة‏
        من رجال الأعمال العرب عن محيطهم العربي ودمجهم في الأطر والمؤسسات الإقليمية‏
        وتمتين علاقاتهم بالاقتصاد الإسرائيلي وخدمة التوجهات الاقتصادية للولايات المتحدة‏
        الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وبقية مناطق العالم.‏
        إن مخاطر القمم والمؤتمرات الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تكمن في‏
        أنها تهدف إلى جعل إسرائيل القائد والمحور والمركز لجميع المشاريع الشرق أوسطية،‏
        وكشريك إمبريالي يعمل لخدمة مصالحه ومصالح الإمبريالية. وتتجلى خطورة النظام الإقليمي‏
        الجديد بالوعود الكاذبة والمخادعة حول خلق الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة ولكنه لا‏
        يحقق إلاّ مصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومصالح فئات عربية صغيرة جداً‏
        وعلى حساب الوطن والمواطن العربي.‏
        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #5
          رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

          الفصل الأول: القمم والمؤتمرات الاقتصادية‏

          أولاً قمة الدار البيضاء‏
          عقد مؤتمر القمة الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط، وشمال افريقيا في مدينة الدار البيضاء في المغرب في الثلاثين من تشرين الثاني 1994 واستمر ثلاثة أيام. فمن الذي وقف وراء عقد المؤتمر وما هي أهدافه ونتائجه؟‏
          نظّم مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك والمنتدى الاقتصادي الدولي دافوس بسويسرا عقد المؤتمر. وتقف المخابرات المركزية الأميركية وراء مجلس العلاقات الخارجية الأميركي كما أنها هي التي أنشأت المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس عام 1950.‏
          واشتركت في الإعداد للمؤتمر مجموعة من المؤسسات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، ومنها"مؤسسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط ومقرها في إيرلندا ويطلق عليها اسم"جماعة الوشاح الأزرق" وأنشأتها المخابرات المركزية في أيار 1993.‏
          وساهم بنك ليومي الإسرائيلي والبنك الدولي وغرفة التجارة العربية الألمانية في الإعداد للمؤتمر ، وذلك لإخراج النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية إلى حيز الوجود.‏
          وجهت المغرب الدعوة لأكثر من ستين دولة عربية وأجنبية وإلى رئيس البنك الدولي، ورئيس الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية وحرية التجارة الدولية(الغات) وعدة مصارف عربية وإسرائيلية، والمصرف الأوروبي للتنمية وخبراء ورجال أعمال زاد عددهم عن ألفين لحضور المؤتمر.‏
          وانعقد المؤتمر بمناسبة مرور الذكرى السنوية الثالثة لانعقاد مؤتمر مدريد وقبل التوصل إلى حل بين أطراف الصراع حول انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من القدس والجولان وجنوب لبنان.‏
          حدد الملك المغربي، الحسن الثاني الغاية من انعقاد المؤتمر وهي"إزالة المقاطعة العربية لإسرائيل واستكشاف ما يتوافر في المنطقة من فرص النمو الاقتصادي والاستثمار، وتوكيل رجال الأعمال والاختصاصين المتواجدين بمهمة تبادل الخبرات وتشكيل الإطار الملائم لرصد وتحديد الآليات المتعددة التي من شأنها تعزيز السلام.(1)‏
          وتحدث في جلسة الافتتاح خلافاً للأصول والنظام وتقاليد المؤتمرات الجنرال اسحق رابين وشمعون بيريس مما فاجأ الحضور.‏
          وكان الملك الحسن الثاني قد اعترف أن غاية انعقاد مؤتمر الدار البيضاء هي إزالة المقاطعة العربية لإسرائيل. وأعلن أن المقاطعة العربية قد سقطت بشكل عملي بعقد مؤتمر الدار البيضاء الذي أفرغ قرار المقاطعة من معناه.(2)‏
          وتحدث وارن كرستوفر، وزير الخارجية الأميركية في الجلسة الافتتاحية وأكد أن المؤتمر يهدف إلى تأمين دمج إسرائيل في الشرق الأوسط اقتصادياً وإعطاء عملية التسوية بُعداً اقتصادياً مما يجعل من الصعب على أطرافها التراجع عنها. ودعا إلى إصلاحات اقتصادية وإنهاء المقاطعة العربية واتخاذ خطوات عملية منها:‏
          - دعم حرية انتقال العمل ورأس المال والسلع والأفكار.‏
          - إنشاء بنك تنمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.‏
          - إنشاء هيئة إقليمية للسياحة ومجلس إقليمي لرجال الأعمال.‏
          - عقد مؤتمر للمتابعة في عمان عام 1995.‏
          وقال وزير الخارجية الأميركي"إن التقدم نحو سلام عربي إسرائيلي فتح الباب أمام تعاون اقتصادي لدعم السلام".(3)‏
          واتضح خلال عقد المؤتمر الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل، وذلك بممارسة المزيد من الضغط والترغيب على الأطراف العربية لحملها على الإذعان للمخططات الإسرائيلية دون الأخذ بعين الاعتبار المواقف والحقوق والمصالح العربية.‏
          اشتركت إسرائيل في المؤتمر بوفد كبير ضم تسعة وزراء من بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية وحوالي مئة شركة إسرائيلية ومسؤولي شركات كبرى ومؤسسات صناعية ومصارف تجارية.‏
          ويعتبر عقد المؤتمر من أهم النجاحات التي حققها حزب العمل الإسرائيلي حول مخططاته لمستقبل المنطقة العربية من خلال الحروب العدوانية والتوسعية وفرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والمفاوضات المنفردة والسرية والمباشرة برعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل.‏
          ويعبِّر عقد المؤتمر عن رغبة إسرائيل في حل أزماتها الاقتصادية على حساب البلدان العربية، ويكمّل الهجوم العسكري الذي قامت به في الخامس من حزيران عام 1967، والهجوم السياسي الذي شنته بعد مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة 1994، وبالتالي تكلل إسرائيل حروبها العدوانية بفرض مخططها الاقتصادي على الحكومات العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.‏
          لقد وصل الغرور والغطرسة برابين حداً وقف وأعلن فيه من على منصة قمة الدار البيضاء وأمام الملك الحسن، رئيس لجنة القدس وبنبرة تنمّ عن الاستفزاز والتحدي بأن مدينة القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.(4)‏
          ولخص بيرس هدف إسرائيل من المؤتمر وقال:"الأولوية ستعطى لإخراج إسرائيل من عزلة استمرت نصف قرن عبر المشاركة في إنشاء اقتصاد إقليمي في الشرق الأوسط على غرار الاتحاد الأوروبي"(5).‏
          المشاريع الإسرائيلية أمام القمة‏
          جاء مشروع تأسيس بنك التنمية الإقليمي في مقدمة المشاريع التي عرضتها إسرائيل على المؤتمر ليقوم البنك بتنسيق السياسات الاقتصادية ويحدد الأولويات الإقليمية للسيطرة على المنطقة وتمويل مشاريع تخدم ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي وتطوره.‏
          وتضمنت الوثيقة الإسرائيلية للمؤتمر مشاريع لإقامة قنوات بحرية من البحرين الأحمر والمتوسط إلى البحر الميت، وخطوط لنقل النفط والغاز من مصر وبلدان الخليج إلى إسرائيل، وميناء بحري ومطار جوي في العقبة، وطرق برية سريعة لربط إسرائيل بأوروبا من خلال الدول العربية، ومشروع عبّارات لربط إسرائيل مع مصر ودول الخليج، وشبكة كهربائية مشتركة لإسرائيل وسلطة الحكم الذاتي والأردن ومصر، ومشروع لنقل المياه من تركيا إلى إسرائيل وبعض البلدان العربية.‏
          وتقسم الوثيقة منطقة الشرق الأوسط إلى خمسة مراكز حرصت فيها إسرائيل على عدم الجمع بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين سورية ومصر وهي:‏
          1) المركز الشمالي ويضم سورية ولبنان مع إسرائيل.‏
          2) مركز المنطقة العليا ويشكل سورية والأردن و الضفة الغربية وإسرائيل.‏
          3) مركز المنطقة الواطئة ويضم الأردن والضفة الغربية مع إسرائيل.‏
          4) المركز الجنوبي ويشمل مصر وقطاع غزة مع إسرائيل.‏
          5) يربط المركز الخامس المراكز الأربعة الأخرى بطريق بري سريع .‏
          وتشير الوثيقة الإسرائيلية إلى منطقة الشرق الأوسط والدور الذي يمكن أن تلعبه في أمن طرق التجارة العالمية واستقرارها وإلى الصراع العربي الإسرائيلي الذي تقول عنه إنه السبب في التطرف الديني الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها، مشيرة إلى أن النمو الاقتصادي والاجتماعي سيضمن السلام والأمن للمنطقة التي تمتلك حوالي 60% من موارد النفط في العالم.‏
          وتؤكد أنه لابد من تنسيق إقليمي شامل لإقامة كيان إقليمي على غرار السوق الأوروبية المشتركة التي كانت بين دولها عداوات وكراهيات تفوق ما بين العرب وإسرائيل.‏
          وتتناول الوثيقة: الشرق الأوسط الجديد، والتكامل الاقتصادي الإقليمي، والاستثمار في ظل السلام، ودور القطاع الخاص، والتخطيط الإقليمي الشامل، ومحاولات التعاون الممكنة والاحتياجات المالية.‏
          وتقترح ثلاث مراحل لتنفيذ برامج التعاون الإقليمي:‏
          المرحلة الأولى: وتشمل مشروعات ثنائية ومتعددة الأطراف.‏
          المرحلة الثانية: قيام الشركات العالمية بتنفيذ المشروعات التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة مثل قناة البحرين وتنمية التجارة الحرة والسياحة وتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر.‏
          المرحلة الثالثة: وتتضمن سياسة دمج مجتمعات المنطقة تدريجياً ودعم علاقات التعاون بين المؤسسات الرسمية في دولها.(6)‏
          وأعطت الوثيقة الإسرائيلية أهمية خاصة للدول الصناعية تتمثل في إعطاء أدوار للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وتقول إن الولايات المتحدة هي قائدة عملية السلام وتمثل استثماراتها نصيب الأسد في المساعدات الأجنبية للمنطقة كما أن للدول الأوروبية مصالح فيها.‏
          واقترحت إقامة سوق المشرق من مصر وسورية والأردن ولبنان وسلطة الحكم الذاتي وإسرائيل وتضم سوق المغرب: المغرب وتونس والجزائر.‏
          وتحدثت عن اليابان والدور الرائد الذي تقوم به في مجال تنمية الإمكانيات السياحية وحماية البيئة في المنطقة وتتناول رأس المال اللازم لتنمية المنطقة وتقسمه إلى ثلاث فئات:‏
          الفئة الأولى: الأموال من داخل المنطقة. الفئة الثانية: رؤوس الأموال المقدمة من الشركات العالمية لأغراض الاستثمار. والفئة الثالثة: الموارد المالية الأجنبية المخصصة للأغراض الإنسانية.‏
          وتطالب الوثيقة بمد أنابيب للنفط والغاز إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط مروراً بإسرائيل لنقل الزيت الخام والغاز الطبيعي من العراق ومصر والسعودية ودول الخليج.‏
          وتشير إلى أن التجارة بين إسرائيل ودول الخليج والدول العربية الأخرى المجاورة تشكل المصدر الأساسي للتجارة الإقليمية.‏
          وتقترح إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة تشمل إيلات والعقبة وتضم مصر والسعودية.‏
          وتؤكد أن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات الهامة في العديد من دول المنطقة وتتركز عملية تنميته في ضرورة التعاون بين دول المنطقة من خلال فتح الحدود وتنوع السياحة: كسياحة الشواطئ على امتداد البحرين الأبيض والأحمر، والسياحة العلاجية في البحر الميت، والسياحة الصحراوية والشتوية وسياحة الغطس في البحر الأحمر.‏
          الوثيقة المصرية إلى القمة والموقف العربي‏
          قدمت مصر"وثيقة للتعاون والتنمية والاستثمار" تضمنت(58) مشروعاً اقتصادياً تبلغ تكاليفها(34) مليار دولار. وشملت مشروعات لإقامة طرق سريعة لربط المغرب العربي بالمشرق، وتسهيل انتقال البضائع والأفراد بين دول المنطقة، وخمسة مشروعات لربط الشبكات الكهربائية بالمغرب والمشرق، وسبعة مشروعات لبناء معامل لتكرير البترول، وستة مشاريع صناعية للملبوسات والصباغة وإنتاج مواد البناء والصناعات الحرفية ومشروعاً ضخماً للبتروكيماويات، وثمانية مشاريع سياحية لتنمية شاطئ البحر الأحمر، ومشاريع للمناطق الصناعية الحرة وسبعة مشاريع لاستخدام التكنولوجيا في ميدان المعلومات.‏
          ووضعت مصر موقفها من التعاون الإقليمي في ثماني نقاط أساسية وهي:‏
          1- تنمية سريعة للضفة الغربية وقطاع غزة.‏
          2- التنسيق بين ما يتم في قمة الدار البيضاء وبين ما يجري في أطر أخرى وإلاّ يؤدي مشروع إقليمي جديد إلى الإضرار بمشروع آخر قائم في المنطقة.‏
          3- لا تستبدل مصر التعاون العربي بتعاون إقليمي، فكل منهما لن يكون بديلاً عن الآخر.‏
          4- ترى مصر ضرورة أن تدعم عمليات التطوير الاقتصادي الإقليمي عمليات الإصلاح الوطني.‏
          5- التركيز على دور القطاع الخاص في المنطقة في عملية التنمية.‏
          6- التفكير الرشيد في آليات التنمية الإقليمية دون افتئات على ما هو قائم.‏
          7- إطلاق الطاقات البشرية لاكتساب المعرفة الحديثة.‏
          8- الاتفاق على صيغة مناسبة للتعاون العالمي لتدبير الأموال المطلوبة للمشاريع.‏
          وطالبت الوثيقة المصرية بضرورة تحقيق عنصر الأمن لشعوب المنطقة وإخلائها من جميع أسلحة الدمار باعتبار ذلك شرطاً أساسياً لإقامة نظام اقتصادي إقليمي ناجح وفاعل.‏

          وأعلن وزير الخارجية المصري استحالة قيام السوق الشرق أوسطية مع استمرار إسرائيل في احتلال أراضٍ عربية.‏
          وشددت مصر على أولوية تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.‏
          واشتركت جميع دول الخليج بوفود رسمية وأبرزت مخاوفها في ثلاث نقاط أساسية.‏
          1) تخشى دول الخليج أن تصبح الممول الكبير للمشاريع الإسرائيلية؟‏
          2) تتردد بعض الدول بسبب السرعة الفائقة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الانسحاب الإسرائيلي الشامل من القدس والجولان وجنوب لبنان.‏
          3) تخشى بعض الدول ان تلحق بعض المشاريع المقترحة الضرر بمشاريع مشابهة قائمة.‏
          واتخذ الوفد السعودي إلى المؤتمر موقفاً غير متحمس لإنشاء البنك بسبب الوضع الاقتصادي الراهن في السعودية وخشيتها من أن يطلب منها دفع حصة الأسد من أموال البنك، لذلك أكد الدكتور سليمان عبد العزيز وزير التجارة السعودي أن إجمالي المساعدات والمساهمات السعودية في مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية بلغت نحو(70) مليار دولار حتى عام 1993 وقال: "إن قضية التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تمثل في الحقيقة مشكلة عدم توافر المؤسسات فلدى المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والوطنية ما يفي باحتياجات التنمية في هذه المنطقة ودون حاجة لإنشاء مؤسسات إدارية جديدة تضيع الوقت والجهد"(7)‏
          واقترحت البحرين أن تكون المنامة مقراً للبنك، بينما تجاهلته الإمارات العربية وسلطنة عمان.‏
          وانتقد عدنان عمران، الأمين العام المساعد للجامعة العربية عقد المؤتمر مؤكداً "أن هذا الاجتماع أو غيره من مؤتمرات التعاون الاقتصادي لا يمكن أن تفيد الدول العربية إلاّ إذا تحقق السلام الشامل والعادل والدائم على جميع المسارات وانسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة"(8). وقال إن مؤتمر الدار البيضاء لا يحقق أي مصلحة عربية فإسرائيل تريد أن تأخذ دون أن تعطي حيث تنظر إلى المنطقة بشراهة.‏
          اختلفت بعض الدول العربية المشتركة في المؤتمر حول بعض الآليات كبنك التنمية الذي أيدته مصر والأردن والمغرب وسلطة الحكم الذاتي وعارضته السعودية، حيث طالبت إسرائيل بتوفير رأس مال قدره (10)مليارات دولار تساهم دول الخليج بحوالي 40% منه.‏
          وكان الوفد القطري وكذلك الأردني من أكثر الأطراف العربية رغبة في التعاون المشترك مع إسرائيل وكانت المشروعات التي قدمها الوفد الأردني تعتمد على التعاون الوثيق معها.‏
          وتحدث القطريون عن أنبوب الغاز القطري إلى إسرائيل والذي تبلغ تكاليفه (5) مليارات دولار تدفعها قطر لكي تصدر الغاز إلى إسرائيل وغيرها.‏
          وغاب التنسيق العربي في المؤتمر بين الدول العربية. فكانت كل دولة عربية تعبّر عن مصالحها الوطنية فقط ولوحظ تهافت بعض الدول العربية الصغيرة نحو إسرائيل. لقد استضاف الملك الحسن قمة الدار البيضاء الاقتصادية تلبية لطلب إسرائيل ولإرضاء الولايات المتحدة الأميركية ويهود العالم. وكرسها لدمج إسرائيل في نسيج المنطقة العربية وخدمة مصالحها الاقتصادية حيث قال: "إن أبواب المغرب العربي ليست وحدها التي فتحت في الدار البيضاء (لإسرائيل) بل جميع أبواب العالم العربي".(9)‏
          برز اتجاهان حول قمة الدار البيضاء في الساحة العربية:‏
          الاتجاه الأول: يرفض الاشتراك فيها ويرفض التطبيع مع إسرائيل، كما يرفض النتائج التي تمخضت عنها وينقسم هذا الاتجاه بدوره إلى تيارين:‏
          التيار الأول: يرفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي. والتيار الثاني يربط التطبيع معه بالانسحاب الكامل من الجولان وجنوب لبنان والضفة والقطاع وذلك لأسباب إقليمية ودولية.‏
          والاتجاه الثاني: يوافق على التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمة وينقسم بدوره إلى تيارين:‏
          التيار الأول: يتحمس للتطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمة ويبرر موقفه بأنه لا يريد أن يترك الكعكة لتنفرد بها إسرائيل.‏
          والتيار الثاني: يقابل عملية التطبيع ببرود ويطالب بتحسين العلاقات العربية -العربية.‏
          أرست القمة الأسس النظرية والعملية ووضعت الآليات والمشاريع لمستقبل التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل، وذلك لحل أزمات إسرائيل الاقتصادية وتحقيق التقدم والازدهار فيها على حساب البلدان والثروات العربية. وتشكل النتائج التي تمخضت عنها تحدياً لمؤسسات العمل العربي المشترك، كما أن الاستمرار في عقدها يجعل منها مؤسسة إقليمية هامة تقود إلى التدمير البطيء والمستمر للوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة.‏

          بيان القمة الختامي‏
          ينص البيان الختامي للقمة على أن المشاركين قرروا وضع أسس مجموعة اقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا تقتضي في مرحلة معينة تدفق البضائع ورأس المال واليد العاملة، وإنشاء مكتب إقليمي للسياحة ودعم إنشاء غرفة تجارة إقليمية ومجلس للأعمال. وإن مجموعة الخبراء ستدرس خيارات مختلفة لآليات التمويل بما فيها إنشاء مصرف للتنمية. وبالنسبة للمقاطعة العربية فقد سجل المشاركون في هذا الإطار بارتياح قرار مجلس التعاون الخليجي برفع الدرجتين الثانية والثالثة من إجراءات مقاطعة إسرائيل.(10) وأسفرت القمة عن نتائج هامة جداً لإسرائيل منها الاعتراف بدورها الإقليمي وإلغاء المقاطعة العربية وهرولة بعض الدول العربية لبحث كيفية التعامل والتعاون والتنسيق معها. وستقود نتائج القمة الاقتصادية إذا استمر عقدها وإذا استمر الوضع العربي في التدهور إلى إحلال دور إسرائيل محل دور مصر في قيادة البلدان العربي والمنطقة، وبالتالي تهميش دور مصر وتحويلها إلى دولة ثانوية والقضاء على دور العرب في القرن الحادي والعشرين.‏
          إن قمة الدار البيضاء لا يمكن أن تحقق أي مصلحة عربية ولا يمكن أن تفيد الدول العربية ما دامت إسرائيل تهدف إلى إجبار العرب على القبول بالمزاعم والخرافات والأساطير اليهودية والشروط والإملاءات الإسرائيلية. وتهدف إسرائيل منها ومن القمم الاقتصادية الأخرى مشاركة العرب في المياه والنفط والأموال والأسواق والاستمرار في اغتصاب الأرض والحقوق العربية. وتتجلى خطورتها بأنها أخرجت مخططات إسرائيل من مراكز البحث والتخطيط والدوائر الرسمية إلى حيز الواقع والتنفيذ وكرست التطبيع والمصالحة والتعاون ولا تزال إسرائيل تتمسك باحتلال القدس والجولان وجنوب لبنان وتمارس أبشع أنواع القمع والإبادة والعنصرية والتمييز العنصري.‏
          إن مشاركة الدول العربية وسلطة الحكم الذاتي في القمة والموافقة على الإسراع في التطبيع والجنرال اسحق رابين يعلن فيها أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية يظهر بجلاء عنجهية إسرائيل وأطماعها التوسعية ومدى الإذلال والخنوع الذي وصلت إليه الأطراف العربية المشاركة فيها. إن إسرائيل هي المستفيد الأول من القمة والنتائج التي تمخضت عنها، لأنها في حاجة إلى الاستثمارات العربية والأجنبية والأيدي العاملة العربية الرخيصة والمواد الخام والمياه والنفط والغاز والأسواق وإلغاء المقاطعة والتطبيع وأعطتها القمة كل ذلك وأكثر منه، فقمة الدار البيضاء هي قمة شمعون بيرس واسحق رابين وقمة إسرائيل حيث وضعت مفاتيح الاقتصادات العربية في يد العدو الإسرائيلي وأنهت عزلته والمقاطعة له، وقضت على مخاوف رجال الاستثمار في أوروبا وأميركا ودول الخليج. وحضرها العرب وهم لا يدركون خطورتها وإنما تلبية لرغبة الولايات المتحدة الأميركية.‏
          ولكن الدور الذي ستعطيه إسرائيل للعرب المتعاونين معها هو دور الخدم والأجراء والسماسرة والعملاء. ويخطئ من يعتقد منهم أن إسرائيل تعتبره من الشركاء المتساوين معها، وإنما تعطيه فقط بعض المال من جيوب الآخرين لقاء فتح الأبواب المغلقة أمامها.‏
          إن القمة استسلام مهين من الدول العربية المشاركة فيها لإسرائيل، لأن بعض دول النفط ستجبر على فتح أبوابها وأسواقها وخزائنها أمام إسرائيل قبل التوصل إلى الحل العادل والانسحاب الكامل، مما يشكل خيانة للمصالح والمقدسات العربية والإسلامية، وخيانة لحقوق الأمة ومصالحها وشهدائها.‏
          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #6
            رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

            الفصل الأول: القمم والمؤتمرات الاقتصادية‏

            أولاً قمة الدار البيضاء‏
            عقد مؤتمر القمة الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط، وشمال افريقيا في مدينة الدار البيضاء في المغرب في الثلاثين من تشرين الثاني 1994 واستمر ثلاثة أيام. فمن الذي وقف وراء عقد المؤتمر وما هي أهدافه ونتائجه؟‏
            نظّم مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك والمنتدى الاقتصادي الدولي دافوس بسويسرا عقد المؤتمر. وتقف المخابرات المركزية الأميركية وراء مجلس العلاقات الخارجية الأميركي كما أنها هي التي أنشأت المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس عام 1950.‏
            واشتركت في الإعداد للمؤتمر مجموعة من المؤسسات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، ومنها"مؤسسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط ومقرها في إيرلندا ويطلق عليها اسم"جماعة الوشاح الأزرق" وأنشأتها المخابرات المركزية في أيار 1993.‏
            وساهم بنك ليومي الإسرائيلي والبنك الدولي وغرفة التجارة العربية الألمانية في الإعداد للمؤتمر ، وذلك لإخراج النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية إلى حيز الوجود.‏
            وجهت المغرب الدعوة لأكثر من ستين دولة عربية وأجنبية وإلى رئيس البنك الدولي، ورئيس الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية وحرية التجارة الدولية(الغات) وعدة مصارف عربية وإسرائيلية، والمصرف الأوروبي للتنمية وخبراء ورجال أعمال زاد عددهم عن ألفين لحضور المؤتمر.‏
            وانعقد المؤتمر بمناسبة مرور الذكرى السنوية الثالثة لانعقاد مؤتمر مدريد وقبل التوصل إلى حل بين أطراف الصراع حول انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من القدس والجولان وجنوب لبنان.‏
            حدد الملك المغربي، الحسن الثاني الغاية من انعقاد المؤتمر وهي"إزالة المقاطعة العربية لإسرائيل واستكشاف ما يتوافر في المنطقة من فرص النمو الاقتصادي والاستثمار، وتوكيل رجال الأعمال والاختصاصين المتواجدين بمهمة تبادل الخبرات وتشكيل الإطار الملائم لرصد وتحديد الآليات المتعددة التي من شأنها تعزيز السلام.(1)‏
            وتحدث في جلسة الافتتاح خلافاً للأصول والنظام وتقاليد المؤتمرات الجنرال اسحق رابين وشمعون بيريس مما فاجأ الحضور.‏
            وكان الملك الحسن الثاني قد اعترف أن غاية انعقاد مؤتمر الدار البيضاء هي إزالة المقاطعة العربية لإسرائيل. وأعلن أن المقاطعة العربية قد سقطت بشكل عملي بعقد مؤتمر الدار البيضاء الذي أفرغ قرار المقاطعة من معناه.(2)‏
            وتحدث وارن كرستوفر، وزير الخارجية الأميركية في الجلسة الافتتاحية وأكد أن المؤتمر يهدف إلى تأمين دمج إسرائيل في الشرق الأوسط اقتصادياً وإعطاء عملية التسوية بُعداً اقتصادياً مما يجعل من الصعب على أطرافها التراجع عنها. ودعا إلى إصلاحات اقتصادية وإنهاء المقاطعة العربية واتخاذ خطوات عملية منها:‏
            - دعم حرية انتقال العمل ورأس المال والسلع والأفكار.‏
            - إنشاء بنك تنمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.‏
            - إنشاء هيئة إقليمية للسياحة ومجلس إقليمي لرجال الأعمال.‏
            - عقد مؤتمر للمتابعة في عمان عام 1995.‏
            وقال وزير الخارجية الأميركي"إن التقدم نحو سلام عربي إسرائيلي فتح الباب أمام تعاون اقتصادي لدعم السلام".(3)‏
            واتضح خلال عقد المؤتمر الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل، وذلك بممارسة المزيد من الضغط والترغيب على الأطراف العربية لحملها على الإذعان للمخططات الإسرائيلية دون الأخذ بعين الاعتبار المواقف والحقوق والمصالح العربية.‏
            اشتركت إسرائيل في المؤتمر بوفد كبير ضم تسعة وزراء من بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية وحوالي مئة شركة إسرائيلية ومسؤولي شركات كبرى ومؤسسات صناعية ومصارف تجارية.‏
            ويعتبر عقد المؤتمر من أهم النجاحات التي حققها حزب العمل الإسرائيلي حول مخططاته لمستقبل المنطقة العربية من خلال الحروب العدوانية والتوسعية وفرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والمفاوضات المنفردة والسرية والمباشرة برعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل.‏
            ويعبِّر عقد المؤتمر عن رغبة إسرائيل في حل أزماتها الاقتصادية على حساب البلدان العربية، ويكمّل الهجوم العسكري الذي قامت به في الخامس من حزيران عام 1967، والهجوم السياسي الذي شنته بعد مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة 1994، وبالتالي تكلل إسرائيل حروبها العدوانية بفرض مخططها الاقتصادي على الحكومات العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.‏
            لقد وصل الغرور والغطرسة برابين حداً وقف وأعلن فيه من على منصة قمة الدار البيضاء وأمام الملك الحسن، رئيس لجنة القدس وبنبرة تنمّ عن الاستفزاز والتحدي بأن مدينة القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.(4)‏
            ولخص بيرس هدف إسرائيل من المؤتمر وقال:"الأولوية ستعطى لإخراج إسرائيل من عزلة استمرت نصف قرن عبر المشاركة في إنشاء اقتصاد إقليمي في الشرق الأوسط على غرار الاتحاد الأوروبي"(5).‏
            المشاريع الإسرائيلية أمام القمة‏
            جاء مشروع تأسيس بنك التنمية الإقليمي في مقدمة المشاريع التي عرضتها إسرائيل على المؤتمر ليقوم البنك بتنسيق السياسات الاقتصادية ويحدد الأولويات الإقليمية للسيطرة على المنطقة وتمويل مشاريع تخدم ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي وتطوره.‏
            وتضمنت الوثيقة الإسرائيلية للمؤتمر مشاريع لإقامة قنوات بحرية من البحرين الأحمر والمتوسط إلى البحر الميت، وخطوط لنقل النفط والغاز من مصر وبلدان الخليج إلى إسرائيل، وميناء بحري ومطار جوي في العقبة، وطرق برية سريعة لربط إسرائيل بأوروبا من خلال الدول العربية، ومشروع عبّارات لربط إسرائيل مع مصر ودول الخليج، وشبكة كهربائية مشتركة لإسرائيل وسلطة الحكم الذاتي والأردن ومصر، ومشروع لنقل المياه من تركيا إلى إسرائيل وبعض البلدان العربية.‏
            وتقسم الوثيقة منطقة الشرق الأوسط إلى خمسة مراكز حرصت فيها إسرائيل على عدم الجمع بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين سورية ومصر وهي:‏
            1) المركز الشمالي ويضم سورية ولبنان مع إسرائيل.‏
            2) مركز المنطقة العليا ويشكل سورية والأردن و الضفة الغربية وإسرائيل.‏
            3) مركز المنطقة الواطئة ويضم الأردن والضفة الغربية مع إسرائيل.‏
            4) المركز الجنوبي ويشمل مصر وقطاع غزة مع إسرائيل.‏
            5) يربط المركز الخامس المراكز الأربعة الأخرى بطريق بري سريع .‏
            وتشير الوثيقة الإسرائيلية إلى منطقة الشرق الأوسط والدور الذي يمكن أن تلعبه في أمن طرق التجارة العالمية واستقرارها وإلى الصراع العربي الإسرائيلي الذي تقول عنه إنه السبب في التطرف الديني الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها، مشيرة إلى أن النمو الاقتصادي والاجتماعي سيضمن السلام والأمن للمنطقة التي تمتلك حوالي 60% من موارد النفط في العالم.‏
            وتؤكد أنه لابد من تنسيق إقليمي شامل لإقامة كيان إقليمي على غرار السوق الأوروبية المشتركة التي كانت بين دولها عداوات وكراهيات تفوق ما بين العرب وإسرائيل.‏
            وتتناول الوثيقة: الشرق الأوسط الجديد، والتكامل الاقتصادي الإقليمي، والاستثمار في ظل السلام، ودور القطاع الخاص، والتخطيط الإقليمي الشامل، ومحاولات التعاون الممكنة والاحتياجات المالية.‏
            وتقترح ثلاث مراحل لتنفيذ برامج التعاون الإقليمي:‏
            المرحلة الأولى: وتشمل مشروعات ثنائية ومتعددة الأطراف.‏
            المرحلة الثانية: قيام الشركات العالمية بتنفيذ المشروعات التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة مثل قناة البحرين وتنمية التجارة الحرة والسياحة وتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر.‏
            المرحلة الثالثة: وتتضمن سياسة دمج مجتمعات المنطقة تدريجياً ودعم علاقات التعاون بين المؤسسات الرسمية في دولها.(6)‏
            وأعطت الوثيقة الإسرائيلية أهمية خاصة للدول الصناعية تتمثل في إعطاء أدوار للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وتقول إن الولايات المتحدة هي قائدة عملية السلام وتمثل استثماراتها نصيب الأسد في المساعدات الأجنبية للمنطقة كما أن للدول الأوروبية مصالح فيها.‏
            واقترحت إقامة سوق المشرق من مصر وسورية والأردن ولبنان وسلطة الحكم الذاتي وإسرائيل وتضم سوق المغرب: المغرب وتونس والجزائر.‏
            وتحدثت عن اليابان والدور الرائد الذي تقوم به في مجال تنمية الإمكانيات السياحية وحماية البيئة في المنطقة وتتناول رأس المال اللازم لتنمية المنطقة وتقسمه إلى ثلاث فئات:‏
            الفئة الأولى: الأموال من داخل المنطقة. الفئة الثانية: رؤوس الأموال المقدمة من الشركات العالمية لأغراض الاستثمار. والفئة الثالثة: الموارد المالية الأجنبية المخصصة للأغراض الإنسانية.‏
            وتطالب الوثيقة بمد أنابيب للنفط والغاز إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط مروراً بإسرائيل لنقل الزيت الخام والغاز الطبيعي من العراق ومصر والسعودية ودول الخليج.‏
            وتشير إلى أن التجارة بين إسرائيل ودول الخليج والدول العربية الأخرى المجاورة تشكل المصدر الأساسي للتجارة الإقليمية.‏
            وتقترح إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة تشمل إيلات والعقبة وتضم مصر والسعودية.‏
            وتؤكد أن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات الهامة في العديد من دول المنطقة وتتركز عملية تنميته في ضرورة التعاون بين دول المنطقة من خلال فتح الحدود وتنوع السياحة: كسياحة الشواطئ على امتداد البحرين الأبيض والأحمر، والسياحة العلاجية في البحر الميت، والسياحة الصحراوية والشتوية وسياحة الغطس في البحر الأحمر.‏
            الوثيقة المصرية إلى القمة والموقف العربي‏
            قدمت مصر"وثيقة للتعاون والتنمية والاستثمار" تضمنت(58) مشروعاً اقتصادياً تبلغ تكاليفها(34) مليار دولار. وشملت مشروعات لإقامة طرق سريعة لربط المغرب العربي بالمشرق، وتسهيل انتقال البضائع والأفراد بين دول المنطقة، وخمسة مشروعات لربط الشبكات الكهربائية بالمغرب والمشرق، وسبعة مشروعات لبناء معامل لتكرير البترول، وستة مشاريع صناعية للملبوسات والصباغة وإنتاج مواد البناء والصناعات الحرفية ومشروعاً ضخماً للبتروكيماويات، وثمانية مشاريع سياحية لتنمية شاطئ البحر الأحمر، ومشاريع للمناطق الصناعية الحرة وسبعة مشاريع لاستخدام التكنولوجيا في ميدان المعلومات.‏
            ووضعت مصر موقفها من التعاون الإقليمي في ثماني نقاط أساسية وهي:‏
            1- تنمية سريعة للضفة الغربية وقطاع غزة.‏
            2- التنسيق بين ما يتم في قمة الدار البيضاء وبين ما يجري في أطر أخرى وإلاّ يؤدي مشروع إقليمي جديد إلى الإضرار بمشروع آخر قائم في المنطقة.‏
            3- لا تستبدل مصر التعاون العربي بتعاون إقليمي، فكل منهما لن يكون بديلاً عن الآخر.‏
            4- ترى مصر ضرورة أن تدعم عمليات التطوير الاقتصادي الإقليمي عمليات الإصلاح الوطني.‏
            5- التركيز على دور القطاع الخاص في المنطقة في عملية التنمية.‏
            6- التفكير الرشيد في آليات التنمية الإقليمية دون افتئات على ما هو قائم.‏
            7- إطلاق الطاقات البشرية لاكتساب المعرفة الحديثة.‏
            8- الاتفاق على صيغة مناسبة للتعاون العالمي لتدبير الأموال المطلوبة للمشاريع.‏
            وطالبت الوثيقة المصرية بضرورة تحقيق عنصر الأمن لشعوب المنطقة وإخلائها من جميع أسلحة الدمار باعتبار ذلك شرطاً أساسياً لإقامة نظام اقتصادي إقليمي ناجح وفاعل.‏

            وأعلن وزير الخارجية المصري استحالة قيام السوق الشرق أوسطية مع استمرار إسرائيل في احتلال أراضٍ عربية.‏
            وشددت مصر على أولوية تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.‏
            واشتركت جميع دول الخليج بوفود رسمية وأبرزت مخاوفها في ثلاث نقاط أساسية.‏
            1) تخشى دول الخليج أن تصبح الممول الكبير للمشاريع الإسرائيلية؟‏
            2) تتردد بعض الدول بسبب السرعة الفائقة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الانسحاب الإسرائيلي الشامل من القدس والجولان وجنوب لبنان.‏
            3) تخشى بعض الدول ان تلحق بعض المشاريع المقترحة الضرر بمشاريع مشابهة قائمة.‏
            واتخذ الوفد السعودي إلى المؤتمر موقفاً غير متحمس لإنشاء البنك بسبب الوضع الاقتصادي الراهن في السعودية وخشيتها من أن يطلب منها دفع حصة الأسد من أموال البنك، لذلك أكد الدكتور سليمان عبد العزيز وزير التجارة السعودي أن إجمالي المساعدات والمساهمات السعودية في مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية بلغت نحو(70) مليار دولار حتى عام 1993 وقال: "إن قضية التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا تمثل في الحقيقة مشكلة عدم توافر المؤسسات فلدى المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والوطنية ما يفي باحتياجات التنمية في هذه المنطقة ودون حاجة لإنشاء مؤسسات إدارية جديدة تضيع الوقت والجهد"(7)‏
            واقترحت البحرين أن تكون المنامة مقراً للبنك، بينما تجاهلته الإمارات العربية وسلطنة عمان.‏
            وانتقد عدنان عمران، الأمين العام المساعد للجامعة العربية عقد المؤتمر مؤكداً "أن هذا الاجتماع أو غيره من مؤتمرات التعاون الاقتصادي لا يمكن أن تفيد الدول العربية إلاّ إذا تحقق السلام الشامل والعادل والدائم على جميع المسارات وانسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة"(8). وقال إن مؤتمر الدار البيضاء لا يحقق أي مصلحة عربية فإسرائيل تريد أن تأخذ دون أن تعطي حيث تنظر إلى المنطقة بشراهة.‏
            اختلفت بعض الدول العربية المشتركة في المؤتمر حول بعض الآليات كبنك التنمية الذي أيدته مصر والأردن والمغرب وسلطة الحكم الذاتي وعارضته السعودية، حيث طالبت إسرائيل بتوفير رأس مال قدره (10)مليارات دولار تساهم دول الخليج بحوالي 40% منه.‏
            وكان الوفد القطري وكذلك الأردني من أكثر الأطراف العربية رغبة في التعاون المشترك مع إسرائيل وكانت المشروعات التي قدمها الوفد الأردني تعتمد على التعاون الوثيق معها.‏
            وتحدث القطريون عن أنبوب الغاز القطري إلى إسرائيل والذي تبلغ تكاليفه (5) مليارات دولار تدفعها قطر لكي تصدر الغاز إلى إسرائيل وغيرها.‏
            وغاب التنسيق العربي في المؤتمر بين الدول العربية. فكانت كل دولة عربية تعبّر عن مصالحها الوطنية فقط ولوحظ تهافت بعض الدول العربية الصغيرة نحو إسرائيل. لقد استضاف الملك الحسن قمة الدار البيضاء الاقتصادية تلبية لطلب إسرائيل ولإرضاء الولايات المتحدة الأميركية ويهود العالم. وكرسها لدمج إسرائيل في نسيج المنطقة العربية وخدمة مصالحها الاقتصادية حيث قال: "إن أبواب المغرب العربي ليست وحدها التي فتحت في الدار البيضاء (لإسرائيل) بل جميع أبواب العالم العربي".(9)‏
            برز اتجاهان حول قمة الدار البيضاء في الساحة العربية:‏
            الاتجاه الأول: يرفض الاشتراك فيها ويرفض التطبيع مع إسرائيل، كما يرفض النتائج التي تمخضت عنها وينقسم هذا الاتجاه بدوره إلى تيارين:‏
            التيار الأول: يرفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي. والتيار الثاني يربط التطبيع معه بالانسحاب الكامل من الجولان وجنوب لبنان والضفة والقطاع وذلك لأسباب إقليمية ودولية.‏
            والاتجاه الثاني: يوافق على التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمة وينقسم بدوره إلى تيارين:‏
            التيار الأول: يتحمس للتطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمة ويبرر موقفه بأنه لا يريد أن يترك الكعكة لتنفرد بها إسرائيل.‏
            والتيار الثاني: يقابل عملية التطبيع ببرود ويطالب بتحسين العلاقات العربية -العربية.‏
            أرست القمة الأسس النظرية والعملية ووضعت الآليات والمشاريع لمستقبل التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل، وذلك لحل أزمات إسرائيل الاقتصادية وتحقيق التقدم والازدهار فيها على حساب البلدان والثروات العربية. وتشكل النتائج التي تمخضت عنها تحدياً لمؤسسات العمل العربي المشترك، كما أن الاستمرار في عقدها يجعل منها مؤسسة إقليمية هامة تقود إلى التدمير البطيء والمستمر للوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة.‏

            بيان القمة الختامي‏
            ينص البيان الختامي للقمة على أن المشاركين قرروا وضع أسس مجموعة اقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا تقتضي في مرحلة معينة تدفق البضائع ورأس المال واليد العاملة، وإنشاء مكتب إقليمي للسياحة ودعم إنشاء غرفة تجارة إقليمية ومجلس للأعمال. وإن مجموعة الخبراء ستدرس خيارات مختلفة لآليات التمويل بما فيها إنشاء مصرف للتنمية. وبالنسبة للمقاطعة العربية فقد سجل المشاركون في هذا الإطار بارتياح قرار مجلس التعاون الخليجي برفع الدرجتين الثانية والثالثة من إجراءات مقاطعة إسرائيل.(10) وأسفرت القمة عن نتائج هامة جداً لإسرائيل منها الاعتراف بدورها الإقليمي وإلغاء المقاطعة العربية وهرولة بعض الدول العربية لبحث كيفية التعامل والتعاون والتنسيق معها. وستقود نتائج القمة الاقتصادية إذا استمر عقدها وإذا استمر الوضع العربي في التدهور إلى إحلال دور إسرائيل محل دور مصر في قيادة البلدان العربي والمنطقة، وبالتالي تهميش دور مصر وتحويلها إلى دولة ثانوية والقضاء على دور العرب في القرن الحادي والعشرين.‏
            إن قمة الدار البيضاء لا يمكن أن تحقق أي مصلحة عربية ولا يمكن أن تفيد الدول العربية ما دامت إسرائيل تهدف إلى إجبار العرب على القبول بالمزاعم والخرافات والأساطير اليهودية والشروط والإملاءات الإسرائيلية. وتهدف إسرائيل منها ومن القمم الاقتصادية الأخرى مشاركة العرب في المياه والنفط والأموال والأسواق والاستمرار في اغتصاب الأرض والحقوق العربية. وتتجلى خطورتها بأنها أخرجت مخططات إسرائيل من مراكز البحث والتخطيط والدوائر الرسمية إلى حيز الواقع والتنفيذ وكرست التطبيع والمصالحة والتعاون ولا تزال إسرائيل تتمسك باحتلال القدس والجولان وجنوب لبنان وتمارس أبشع أنواع القمع والإبادة والعنصرية والتمييز العنصري.‏
            إن مشاركة الدول العربية وسلطة الحكم الذاتي في القمة والموافقة على الإسراع في التطبيع والجنرال اسحق رابين يعلن فيها أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة إسرائيل الأبدية يظهر بجلاء عنجهية إسرائيل وأطماعها التوسعية ومدى الإذلال والخنوع الذي وصلت إليه الأطراف العربية المشاركة فيها. إن إسرائيل هي المستفيد الأول من القمة والنتائج التي تمخضت عنها، لأنها في حاجة إلى الاستثمارات العربية والأجنبية والأيدي العاملة العربية الرخيصة والمواد الخام والمياه والنفط والغاز والأسواق وإلغاء المقاطعة والتطبيع وأعطتها القمة كل ذلك وأكثر منه، فقمة الدار البيضاء هي قمة شمعون بيرس واسحق رابين وقمة إسرائيل حيث وضعت مفاتيح الاقتصادات العربية في يد العدو الإسرائيلي وأنهت عزلته والمقاطعة له، وقضت على مخاوف رجال الاستثمار في أوروبا وأميركا ودول الخليج. وحضرها العرب وهم لا يدركون خطورتها وإنما تلبية لرغبة الولايات المتحدة الأميركية.‏
            ولكن الدور الذي ستعطيه إسرائيل للعرب المتعاونين معها هو دور الخدم والأجراء والسماسرة والعملاء. ويخطئ من يعتقد منهم أن إسرائيل تعتبره من الشركاء المتساوين معها، وإنما تعطيه فقط بعض المال من جيوب الآخرين لقاء فتح الأبواب المغلقة أمامها.‏
            إن القمة استسلام مهين من الدول العربية المشاركة فيها لإسرائيل، لأن بعض دول النفط ستجبر على فتح أبوابها وأسواقها وخزائنها أمام إسرائيل قبل التوصل إلى الحل العادل والانسحاب الكامل، مما يشكل خيانة للمصالح والمقدسات العربية والإسلامية، وخيانة لحقوق الأمة ومصالحها وشهدائها.‏
            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #7
              رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

              ثانياً: قمة عمان الاقتصادية‏

              انعقدت القمة الاقتصادية الثانية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في عمان بتاريخ 29-31 تشرين الأول عام 1995. وبلغ عدد الدول المشاركة فيها (63) دولة، بينما اشتركت في قمة الدار البيضاء (60) دولة. وارتفع عدد الدول العربية المشاركة من (12) دولة في الدار البيضاء إلى (13)دولة في عمان، وذلك بانضمام موريتانيا بناء على رغبة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة لإنجاح القمة وتثبيت ما تم الاتفاق عليه في قمة الدار البيضاء وتأسيس آليات لتحقيقه.‏

              تحدث كلاوس شفاب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي عن طبيعتها وقال: "إن قمة عمان الاقتصادية خطوة مكملة لقمة الدار البيضاء، حيث أن قمة الدار البيضاء شكلت البداية وقمة عمان ستقوم الآن بالخطوات العملية" (11)‏

              اتسم الموقف العربي في القمة بين مؤيد بدون تحفظ، يؤيد التعاون الإقليمي الشرق أوسطي بديلاً عن التعاون العربي، ويحاول الحصول على رضى الولايات المتحدة الأميركية وبعض المنافع الاقتصادية من جراء هرولته نحو إسرائيل، وبين مؤيد بتحفظ طمعاً في الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية.‏

              قاطعت سورية ولبنان قمة عمان من منطلق رفض أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل إلى أن تنصاع إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد (الأرض مقابل السلام)، والمطالبة بوجوب التروي والحذر في التعاون مع إسرائيل إلى أن تنسحب من الجولان وجنوب لبنان والقدس العربية.‏

              وكانت سورية حاضرة في المؤتمر على الرغم من غيابها، وذلك لموقفها من السلام العادل والشامل المتميّز برفض الشرق أوسطية والمفاوضات المتعددة الأطراف والتمسك بالهوية العربية. وجسّد عقد قمة عمان المضي في التطبيع قبل إقامة سلام عادل وشامل يعيد جميع الأراضي المحتلة والأماكن الدينية والحقوق المغتصبة، كما يعني عقدها التنازل عن آخر ورقة في يد العرب والقبول بوجهة النظر الإسرائيلية في بدء التعاون الاقتصادي بغض النظر عما يجري على الجانب السياسي، وبالتالي تمكين إسرائيل من تحقيق مخططاتها السياسية والاقتصادية والقضاء على فرص تحقيق السلام العادل والشامل.‏

              إن قمة عمان رمت، كقمة الدار البيضاء، إلى فك عزلة إسرائيل السياسية وتحقيق مرحلة متقدمة من التطبيع والنفاذ إلى كل سوق وبيت عربي تحت غطاء خادع ومضلل وكاذب وهو تأمين الرخاء والرفاهية لشعوب المنطقة، بينما هدفها الحقيقي الحصول على الأسواق والثروات والأموال والعمالة العربية تحقيقاً لمصلحة إسرائيل ويهود العالم وفرض الهيمنة الإسرائيلية على الوطن العربي. وتعتبر امتداداً لقمة الدار البيضاء ولكن الفرق بينهما هو أن القمة الأولى أعلنت المبادئ العامة للتعاون الإقليمي والشرق أوسطية، بينما وضعت قمة عمان الآليات لتنفيذها، أي أوجدت المؤسسات التي تعيد تشكيل المنطقة من جديد وفقاً للمخططات الإسرائيلية.‏

              الأردن والقمة‏

              تحدث الأمير حسن في جلسة افتتاح القمة عن طبيعة القمة الاقتصادية الأولى والثانية وقال: "لقد بينت قمة الدار البيضاء التي استضافتها المغرب قيمة التعاون بين دول المنطقة، كما أنها أوجدت لشعوب المنطقة فرصة للتعرف على بعضها البعض، ونحن نأمل من خلال قمة عمان الانتقال إلى المستوى التالي من هذه العملية فهذه القمة تشكل فرصة للبدء في عملية إعادة بناء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأفضل الأساليب العملية الممكنة."(12)‏

              ومضى ولي العهد الأردني في القمة يقول: "يجب على حكومات الشرق الأوسط خلق. بيئة مناسبة للتعاون الإقليمي.. إن هدفنا بعيد المدى يجب أن يتركز على إزالة كافة القيود من المنطقة وتحررها سواء كان في إبعاد التجارة أو الاستثمار أو العمالة أو رأس المال أو الخدمات، فتجارة أكثر حرية في المنطقة تساهم في تعزيز السلام والازدهار"(13).‏

              وأبدى الأمير حسن تصوره وما يسعى الأردن إلى تحقيقه من خلال القمة قائلاً:‏

              "لقد تم طرح اقتراح (إسرائيل) بأن تبدأ هذه العملية باتفاقية تجارة حرة تضم دول المحور:‏

              الأردن ومصر والفلسطينيين وإسرائيل والتي يمكن أن تتطور إلى اتحاد جمركي وسوق مشتركة في نهاية الأمر.. إن إمكانية إنشاء منطقة مزدهرة ذات حجم معقول وتجارة مفتوحة وقاعدة مهارات متنوعة يمكن أن تساعد في خلق سوق جديدة تجذب رأس المال الأجنبي والاستثمار لكل الشركاء وهو ما تحتاجه المنطقة كثيراً".‏

              وترأس الأمير الحسن جلسة العمل الرئيسية تحت عنوان "المجموعة الدولية في دعم ركائز الاقتصاد لبناء السلام وأعلن فيها كرئيس للمؤتمر التوقيع على تشكيل مجلس الأعمال الإقليمي، حيث وقعه عن الجانب الأردني، وزير الصناعة والتجارة علي أبو الراغب، وعن الجانب المصري وزير الاقتصاد محمود أحمد محمود، ووزير التجارة الإسرائيلي، وأحمد قريع عن سلطة الحكم الذاتي. وأعلن أيضاً عن مراسم التوقيع على تأسيس الهيئة الإقليمية للسياحة، ووقعها وزير السياحة الأردني عبد الإله الخطيب، ووزير السياحة المصري، ممدوح بلتاجي، ووزير السياحة الإسرائيلي عوزي برعام، ومدير التعاون الدولي في سلطة الحكم الذاتي، نبيل شعث، ووزير السياحة القبرصي اليكيس ميناليدس، ووزير الاستثمارات الخارجية التونسي، محمد غنوشي وأمين عام وزارة السياحة المغربي مصطفى علوي. وأكد الأمير الحسن، رئيس المؤتمر في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأميركي وارن كرستوفر ووزير التجارة الأميركي رونالد براون "ان موضوع التجارة نال قسطاً كبيراً من مناقشات المؤتمر في اليوم الأول، وان مؤسسات بنك التنمية ومجلس قطاع رجال الأعمال وهيئة السياحة يمكن أن تعتبر نماذج للنهوض بالتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط"(14)‏

              وتحدث واصف عازار، أحد أبرز رجال القطاع المصرفي الخاص في الأردن عن أهداف القمة وقال: "إن من أهداف القمة توجيه اقتصادات المنطقة نحو التداخل لكي تصبح المنطقة مستقرة أمنياً"(15).‏

              وأبدى د. رؤوف أبو جابر، رئيس شركة الاستثمارات العامة الأردنية رأيه في المؤتمر وقال إنه سيكون للمؤتمر فرصة كبيرة في قيام الدول في المنطقة بفتح حدودها مضيفاً " أن أسواق الضفة الغربية مغلقة بالكامل أمام المنتجات الأردنية وإن السوق الفلسطينية أسيرة لإسرائيل حيث الاقتصاديين ورجال الأعمال والمصانع الإسرائيلية يحصلون على حوالي 1.7 مليار دولار سنوياً من هذه السوق معرباً عن أمله في أن تسهم القمة باعتبارها تظاهرة كبيرة في تخفيف القيود المفروضة على التجارة في المنطقة وصولاً إلى حرية التجارة بشكل كامل(16). وتعتبر إسرائيل المستفيد الأكبر من المشاريع السياحية التي قدمها الأردن للقمة، لأنها في الأساس أفكار ومشاريع إسرائيلية وبشكل خاص ريفيرا البحر الأحمر على خليج العقبة، ومشاريع اخدود وادي الأردن وتوسيع مطار العقبة مما يزيد من التدفق السياحي إلى المنطقة والتي ستحصل منه إسرائيل على حصة الأسد. وتتطابق الكثير من المشاريع التي طرحها الأردن في القمة مع المخططات الإسرائيلية، فأعلن وزير النقل الأردني سمير قعوار أن مشاريع النقل تتركز في منطقة العقبة حيث سيتم طرح مشاريع لإقامة وتحسين خطوط السكة الحديدية لربط شمال الأردن بجنوبه وشرقه بغربه. أما في مجال ميناء العقبة فإن هناك العديد من المشاريع تشمل إقامة أرصفة متعددة الأغراض لشحن السلع بالإضافة إلى رصيف المسافرين. أما في مجال النقل الجوي فأشار الوزير إلى أن الحكومة الأردنية ستقوم بتوسيع مطار العقبة الحالي وتحديثه ليخدم منطقة خليج العقبة حيث اتفق مع الحكومة الإسرائيلية على أن يكون هذا المطار مطاراً دولياً مشتركاً" (17).‏

              المواقف العربية في القمة‏

              وضع القائمون على قمة عمان عنواناً اقتصادياً لها، ولكنها في حقيقة الأمر قمة سياسية واقتصادية تسعى إلى إلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل وفك عزلتها وانفتاح العرب عليها لتحقيق أهدافها ومطامعها ومخططاتها في البلدان العربية.‏

              وكان من أهم نتائجها انتهاك جميع القرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها مؤتمرات القمم العربية وخاصة مؤتمر القمة العربي الاقتصادي في عمان.‏

              تحدث الملك حسين عن أهداف قمة عمان فقال: "تهدف (القمة) إلى ضمان فكرة أن السلام الذي نبنيه سينمو ليحمل ثمار الرخاء والاستقرار لأنفسنا وللأجيال المقبلة"(18).‏

              لقد تباينت المواقف العربية في قمة عمان، ففي الوقت الذي ركز فيه الأردن على أهمية التعاون الإقليمي والمشاريع المشتركة مع إسرائيل، وطالبت المغرب الدول العربية الإسراع في تطبيع علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وصلت الهرولة العربية غير المسؤولة حداً قال فيه وزير خارجية عُمان "إن ضغوط بعض الدول العربية لإبطاء عملية التطبيع مع إسرائيل مبالغ فيها ولا لزوم لها، وأضاف مؤكداً ضرورة التعاون مع إسرائيل لتشجيعها على المضي في المسيرة السلمية".(19) وأكدت مصر في المؤتمر أن السلام هو الأساس لتحقيق التنمية والتعاون، وإن الحل النهائي يجب أن يتضمن قيام الدولة الفلسطينية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.‏

              وأعلن رجال الأعمال العرب عن موقفهم في المؤتمر قائلين إنهم جاؤوا من أجل (البزنس) وقال بعضهم "علينا أن نترك السياسة وراء ظهورنا ونعمل على تعظيم الربح(20)"، وبالتالي تبنوا الموقف الإسرائيلي القائم على المطالبة بفتح الحدود وإزالة الحواجز والعقبات أمام التجارة والموقف الأميركي المنادي بالإصرار على إنهاء المقاطعة العربية قبل تحقيق السلام العادل والشامل.‏

              كما أعلن يوسف بطرس غالي، وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري أن مؤتمر قمة عمان الاقتصادي يؤدي دوره الأساسي ويضع حجر الأساس للكيان الاقتصادي المتكامل في المنطقة. وقال إن مؤتمر الدار البيضاء وضع الحجر الأول ومؤتمر عمان جاء لتكملة مسيرة البناء مشيراً إلى أن مثل هذه المؤتمرات ستحدد الرؤيا الإقليمية المستقبلية في إقليم الشرق الأوسط. وبيّن أن الاندماج الاقتصادي بين هذه الدول شيء طبيعي(21).‏

              كانت بداية قمة عمان سياسية جداً، حيث سمع العرب من الجنرال اسحق رابين وشمعون بيرس كلاماً أشد قسوة وفظاظة من الكلام الذي سمعوه عن القدس والتعاون الاقتصادي مع العرب في قمة الدار البيضاء، كلاماً ينم عن الاستعلاء والعنصرية ويقوم على الغطرسة والكذب والأطماع اليهودية. سمع العرب كلاماً قاسياً من رابين عن القدس والتاريخ والمستقبل وكلاماً أكثر قسوة من بيرس عن التعاون الاقتصادي ولم تصدر عنهم ردة فعل واحدة، بل قام ياسر عرفات وأعلن في القمة" أن سفاره أميركا لن تنتقل من تل أبيب إلى القدس، بعدما تلقى ضماناً من الرئيس الأميركي، أبلغه إليه شخصياً وزير التجارة الأميركي رون براون".(22) وطالب عرفات بضمان حرية انتقال السلع والأشخاص والخدمات كشرط أساسي لتحقيق أي نجاح اقتصادي، وبالتالي عبّر عن تبنيه للموقف الإسرائيلي.‏

              وقال عمرو موسى، وزير خارجية مصر في المؤتمر:‏

              "وجوهر القول هنا إن مبدأ الأرض مقابل السلام يظل هو المبدأ الحاكم على الساحة الفلسطينية السورية أو اللبنانية وبهذا نأتي إلى تصور المستقبل فلا يمكن لمصري أو لعربي ولا لمهتم بالسلام ومستقبل الشرق الأوسط أن يتصور حلاً نهائياً ولا سلاماً شاملاً دون قيام دولة فلسطينية مستقلة أو دون انسحاب شامل من أراضي سورية ولبنان أو دون اتفاقيات وإجراءات تضمن الأمن للجميع يأتي في مقدمتها إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط"(23).‏

              وشهد المؤتمر خلافاً بين مصر والأردن حول كيفية التعامل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات العربية معها، حيث أثارت كلمة هرولة التي وردت في خطاب وزير الخارجية المصري جدلاً سياسياً حامياً في المؤتمر عندما قال: "علينا أن نتفاعل مع التطورات وإن يكون تفاعلنا بكل عقل وثقة وحكمة وليس مظاهرة ولا هرولة".‏

              وعقب الملك حسين على كلمة هرولة التي أطلقها وزير الخارجية المصري وقال:‏

              "إن الأردن كان أول المهرولين لأن هذه العبارة قد استخدمت أكثر من مرة عندما تبع الأردن الشقيقة مصر وسلمها قيادة جيشه ومصيره قبل 28 عاماً وكان في طليعة المهرولين بالنسبة إلى كل لقاء عربي وأضاف يقول: "أما إذا كان التوجه نحو السلام هرولة فقد سبقتنا الشقيقه الكبرى في الهرولة قبل (17) عاماً. وإذا كان في البال محاولة جادة مخلصة للتعويض عن كل ما فاتنا من وقت فنحن لا نهرول فقط وإنما نركض باتجاه تعويض الوقت لنعطي إنساننا الحياة التي يستحق حرة كريمة"(24) وكانت مصر وقطر قد تقدمتا بطلبين لاستضافة القمة الاقتصادية الثالثة في القاهرة والدوحة. وتابع الملك حديثه وقال: "فيما يتعلق باللقاء القادم أرجو أن يوفق المؤتمر في انتخاب الموقع والمكان لأن هناك دعوة إلى اللقاء في القاهرة، لكن أيضاً هناك دعوة من دولة شقيقة في الخليج وقد يكون من المناسب أن يكون اللقاء بعد أن كان في افريقيا والمتوسط أن يكون في الخليج".‏

              وجاء في البيان الذي ألقاه د. عاطف عبيد، وزير قطاع الأعمال والدولة للتنمية الإدارية باسم مصر التأكيد على التكامل داخل الاقتصاد العالمي والتعاون الاقليمي من أجل التنمية السريعة وتوافر الطاقة الكهربائية في مصر وكذلك الطرق والبترول وخطوط التلفونات اللازمة للمشروعات الاستثمارية، مشروعات الكهرباء والنقل والبترول والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والموارد البشرية والتكنولوجيا المتقدمة. وانطلقت وجهة النظر المصرية في القمة من أن عملية الهرولة الاقتصادية نحو إسرائيل غير مطلوبة في الوقت الحاضر لحين استعادة العرب أراضيهم المحتلة وتفكيك ترسانة إسرائيل النووية، بينما رأت الأردن أن تسرع إلى الاستفادة من الأوضاع الجديدة لتحقيق أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة، واتهمت مصر بأنها كانت أول من هرول نحو إسرائيل عندما وقعت اتفاقيتي كمب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية. وكانت قطر وعُمان من أكثر بلدان الخليج هرولة نحو إسرائيل وتلبية شروطها وخدمة مصالحها ووقعت قطر اتفاقاً معها حول الغاز السائل.‏

              وأعطى المؤتمر مشروعية للتعاون العربي مع إسرائيل عبر البوابة الأردنية إلى دول الخليج العربية.‏

              "إن إسرائيل ليست دولة عادية، لأسباب عدة، ولا يمكن أن ينظر إليها العرب كدولة عادية، هي أولاً مشروع، ففي الوقت الذي يذهب فيه العرب إلى قمة عمان تأخذ إسرائيل القدس، ومن هنا لا يمكن افتراض أننا ندخل في تعاون اقتصادي مع إسرائيل وكأننا في تعاون مع دولة ما كبلجيكا مثلاً. ثانياً إن مشروع إسرائيل هو استيعاب مهاجرين جدد ولو على حساب أهل المنطقة، فمشروعها لن ينتهي وهي لا تخفي ذلك. ثالثاً إنها قوة قوية ولا تريد أن تتنازل عن ذلك. ورابعاً، إننا حيثما نتعامل مع إسرائيل إنما نتعامل في حقيقة الأمر، مع الولايات المتحدة"(25).‏

              الموقف الأميركي في القمة‏

              بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة لإنجاح القمة وتثبيت ما تم الاتفاق عليه في قمة الدار البيضاء. وتنطلق من فكرة أن السلام واتفاقيات أوسلو ووادي عربة لن تدوم دون منافع اقتصادية تجنيها شعوب المنطقة عن طريق فتح الحدود أمام التجارة والسياحة والعمالة والاستثمار. ويخدم تسويق هذه الفكرة الأميركية عدة أهداف إسرائيلية فهي تعمل أولاً على ترسيخ اتفاق الإذعان في أوسلو، وثانياً تجني إسرائيل من جراء ذلك الأرباح الاقتصادية الهائلة، لأن الفائدة الاقتصادية في المنطقة ستعود عليها وعلى يهود العالم بالدرجة الأولى والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الثانية. وصاحب قمة عمان قرار الكونغرس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس خلافاً للتعهدات الأميركية وقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. وماطلت إسرائيل في تحقيق التقدم على المسارين السوري واللبناني وزادت من ممارسة الإرهاب والاغتيالات والعقوبات الجماعية.‏

              ألقى وارن كرستوفر، وزير الخارجية الأميركي كلمة باسم الرئيس الأميركي بيل كلنتون حددت سلفاً النتائج التي يجب أن تتمحض عنها القمة وقال: "إننا نعلم أن السلام يجب أن يصل إلى ما هو أبعد من الدبلوماسية والوثائق، وأن الاتفاقات هي أساس السلام لكن حقيقة السلام موجودة في الأفعال وليس الكلمات، السلام هو طفرة البناء في غزة وزيادة الاستثمار أربع مرات في إسرائيل. إن هذه الرؤية لسلام مزدهر جمعتنا للمرة الأولى في الدار البيضاء وهنا في عمان سوف نوفي ما حققناه هناك. وسنعلن إنشاء مجموعة من المؤسسات الإقليمية التي تشترك في هدف واحد هو تحسين قدرة القطاع الخاص للتجارة في الشرق الأوسط وترويج تنمية المنطقة وتعاونها: أولاً سننشيء بنك التعاون والتطوير الاقتصادي. ثانياً: القمة ستنشيء مجلس الشرق الأوسط للسياحة والسفر ثالثاً: سيتم إنشاء المجلس الإقليمي للأعمال بمشاركة القطاع الخاص والحكومات وسيكون المجلس مقراً دائماً لتبادل المعلومات وتطوير فرص الاستثمار. وهنا في عمان يجب أن نطوِّر ما بدأناه في الدار البيضاء. ويجب أن نؤكد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فعلى الحكومات وضع الأسس للسلام والازدهار لكن للقطاع الخاص الفرصة لبناء سلام معزز بالازدهار المتنامي"(26).‏

              ودعا كرستوفر الدول العربية إلى إلغاء مقاطعة إسرائيل وقال إنها تعيق الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تكامل اقتصادي في الشرق الأوسط وإن الوقت قد حان لإلغاء المقاطعة تماماً.‏

              وأكد رونالد براون، وزير التجارة الأميركي أن مشاركة (1600) شخص في افتتاح القمة ومن ضمنهم (160) شركة أميركية لهو دليل قاطع على مدى الاهتمام بها.‏

              وقالت روت هاركين، رئيسة المؤسسة الدولية للاستثمار" إن المؤتمر أتاح فرصة لرجال الأعمال الأميركيين لبدء نشاطهم الاقتصادي في هذه المنطقة على المدى الطويل"(27).‏

              وسعت الشركات الأميركية إلى حصاد أكبر الحصص وانتزاع أكبر نصيب من العقود مستغلة وجود نائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية ووزير التجارة والكثير من رجال الأعمال وممثلي الشركات الأميركية الكبرى.‏

              إسرائيل والقمة‏

              أصبحت القمم الاقتصادية آليات دائمة لتحقيق الشرق الأوسط الجديد كما خططت له إسرائيل. وفي الوقت الذي حققت فيه إسرائيل من خلالها التقدم على الصعيد الاقتصادي مع البلدان العربية، حدث تراجع على الصعيد السياسي.‏

              لقد ألحقت إسرائيل الخراب والدمار والتخلف باقتصادات البلدان العربية من جراء حروبها العدوانية واعتداءتها المستمرة. وحصلت على الأموال الطائلة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى دعمت بها حروبها العدوانية واغتصابها الأرض العربية وتوطين المهاجرين اليهود فيها.‏

              وتعمل حالياً بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية على ابتلاع الأموال والأسواق والثروات العربية مقابل اتفاقات ذل وإذعان كاتفاقيتي أوسلو ووادي عربة.‏

              ونشطت إسرائيل في قمة عمان لتصبح المركز الرئيسي للنقل البري والبحري والجوي مع البلدان العربية وبينها وبين أوروبا وافريقيا لشطب مؤسسات العمل العربي المشترك وفرض مواقفها ومصالحها على العرب المشاركين في القمة.‏

              عبر الوفد الإسرائيلي للقمة عن معظم أطماع إسرائيل التوسعية ومخططاتها الاقتصادية بدءاً من التمسك باحتلال القدس العربية ومروراً بفرض الاذعان السياسي على العرب وجني الأرباح الطائلة، فاعتبر الوفد الإسرائيلي أن السلام السياسي قد انتهى وأن حضوره المؤتمر هو من أجل صنع المال. ووضعت إسرائيل وبدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة الدول العربية أمام خيار من اثنين: فأما التبعية لها أو التهميش والعزل، وكلا الخيارين مُر والواحد أكثر مرارة من الآخر.‏

              بدأ الجنرال رابين حديثه في القمة وقال: "وصلت إلى عمان قبل ساعات من القدس، عاصمة إسرائيل وسأعود إلى داري بعد دقائق: "(28) وأكد أن مؤتمر الدار البيضاء كان الخطوة الأولى المهمة ولكن لقاء عمان يعتبر أوسع وأكبر مؤتمر دولي يعقد في الشرق الأوسط وأن إسرائيل تسعى ليكون لها دور مع دول المنطقة.‏

              وشن شمعون بيريس من عمان هجوماً قاسياً على سورية واتهمها بأنها تعرقل عملية السلام. وهاجم بشكل وقح الدول العربية بسبب موقفها من القدس وقال بشكل مسرحي إنه ذهل من التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية المصري في الجلسة الافتتاحية لأنه انتقد القرار الأميركي حول القدس وقال بيرس بصلف منقطع النظير إن القدس ستظل عاصمة إسرائيل لمئات السنين ولن يتم تقسيمها أبداً.‏

              إن الموقف الإسرائيلي الذي أعلنه بيرس في عمان أمام حضور معظمه من العرب يدل دلالة واضحة على عدوانية إسرائيل وأطماعها التوسعية ووقاحتها وتصميمها على الاستهتار بالعرب ومقدساتهم. وشجعها على ذلك سكوت الأردن على أطماع إسرائيل في القدس والتي كانت العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية إلى أن احتلها الجنرال رابين من الأردن في السادس من حزيران عام 1967.‏

              ووصلت وقاحة قادة إسرائيل وأكاذيبهم ذروتها في المؤتمر الصحفي الذي عقده بيرس على هامش قمة عمان وقال إن إسرائيل ليست في حاجة إلى علاقات اقتصادية مع العرب وإنما تريد رفع مستواهم الاقتصادي وإنه ليس للدول العربية اقتصاد وإنما فقر وإن أحداً لا يرغب في الهيمنة على الفقر.‏

              وعلقت سيدة عربية مشاركة في قمة عمان على تصريحات بيرس وسواه من المسؤولين الإسرائيليين وقالت: "لم يتعلموا بعد احترام الرأي العام العربي" وأضافت إنْ نعمل من أجل ترسيخ السلام شيء وأن نتبنى وجهات النظر الإسرائيلية شيء آخر".(29).‏

              وعلق رجل أعمال مصري على تصريحات بيرس وقال إن بيرس تخلى عن دبلوماسيته وتخلى عن المنطق أيضاً وتابع بيرس تصريحاته الاستفزازية الوقحة في العاصمة الأردنية وقال إن إسرائيل ليست في حاجة إلى التجارة مع العرب بل مع الدول الغربية المتقدمة وإن الأدمغة الإسرائيلية ستدر هذا العام أكثر مما ستدر آبار النفط السعودية.‏

              إن بيرس يكذب عندما يقول مثل هذا الكلام "فاليهود أساتذة في فن الكذب"، كما أنه يناقض نفسه ويحمل هذا التصريح في طياته العنجهية والصلف والعنصرية اليهودية، وخاصة إذا ما عاد المرء إلى التصريحات الإسرائيلية حول الخسائر التي سببتها المقاطعة العربية والمحاولات والضغوط الأميركية لإلغائها، كما أن الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى الأسواق العربية.‏

              أما الأدمغة الإسرائيلية التي يتحدث بيريس عنها فهي في الأساس أدمغة أوروبية وأميركية جاءت إلى إسرائيل عن طريق الهجرة إليها إذ قام الموساد بسرقتها، ولم تدفع إسرائيل شيئاً في تعليمها.‏

              إن إدعاء بيريس أن الهدف من التعاون الاقتصادي مع العرب هو خدمة العرب، وإن لا مصلحة لإسرائيل من وراء ذلك يظهر التضليل والرياء الإسرائيلي وغطرسة بيريس واستعلائه على العرب، لأن إسرائيل وحروبها العدوانية ومجازرها الجماعية هي سبب الخراب والدمار والتخلف الذي حل بالعرب، وهي المسؤولة عن التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.‏

              وركزت الوثيقة التي وزعتها إسرائيل في القمة على موضوعين: الأول: ضرورة ان تعكس السوق الإقليمية نمط الحضارة الغربي وجو التنافس الحر بدلاً من وضع الحواجز في الطريق. والثاني: عدم ربط العلاقات الاقتصادية بعملية السلام، أي أن العلاقات الاقتصادية يجب أن تسبق الحل السياسي. وأكدت الوثيقة أن هدف إسرائيل الأساسي هو إنشاء سوق مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة. وتعطي منطقة الصدع الممتدة من سورية إلى البحر الأحمر لتتصل بمصر والسعودية أهمية خاصة. كما تولي شرق الأردن أهمية مميزة "من أجل إفشال إعادة بناء جبهة شرقية فعالة بمشاركة سورية وقوات يمكن إرسالها من العراق، أما عُمان فهي مهمة لإسرائيل كموقع على الخليج العربي والمحيط الهندي من أجل صد العراق وإيران"(30).‏

              وكانت أهم المشاريع التي تم الاتفاق عليها في قمة عمان، هي مشاريع أردنية -إسرائيلية، ومنها إقامة مصنع لإنتاج البرومين من البحر الميت، ومصنع لإنتاج الأسمدة، ومشروع الربط الكهربائي، ومشروع "ريفيرا" الشرق الأوسط في العقبة وإيلات، على أن تكون الفنادق في إيلات والسياحة في المناطق العربية.‏

              وتعطي الوثيقة الإسرائيلية أهمية خاصة لمشاريع إسرائيل الاقتصادية مع الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي من خلال مشاريع شبكات الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ والقنوات البحرية والمطارات. وتعكس إصراراً إسرائيلياً على هيمنة إسرائيل الاقتصادية على البلدان العربية والقضاء نهائياً على فكرة السوق العربية المشتركة. وجاء فيها عنوان القضايا الأساسية حول جوهر الموقف الإسرائيلي من التسوية ما يلي:‏

              "لا ينبغي أن نؤجل العلاقات الاقتصادية حتى تكتمل عملية السلام، وبالإمكان الشروع في تعاون اقتصادي في إطار تجريبي فقط لامتصاص المعارضة السياسية"(31).‏

              لقد أدخلت قمة عمان التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مرحلة نوعية، إذ لأول مرة في تاريخ المنطقة تقام مؤسسات اقليمية دائمة ذات أهداف محددة للمحافظة على استمرارية الشرق الأوسط الجديد وترسيخها. وتم الاتفاق فيها على إقامة المؤسسات الشرق أوسطية التالية:‏

              1-بنك التعاون والتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومقره القاهرة برئاسة إسرائيلية لدعم تنمية القطاع الخاص ومشاريع البنية التحتية الإقليمية وتعزيز أواصر التعاون الاقتصادي الاقليمي.‏

              2-مجلس السياحة الإقليمي لتسهيل تسويق السياحة في المنطقة ويضم المجلس ممثلين عن القطاعين العام والخاص.‏

              3-المجلس الإقليمي لدعم التعاون والتجارة لإزالة الحواجز والمعوقات لتدفق السلع والبضائع في إطار منطقة التجارة الحرة تحت السيطرة الأميركية والإسرائيلية.‏

              4-الأمانة العامة التنفيذية ومقرها الرباط، ولجنة متابعة لمجموعة العمل الإقليمية.‏

              وورد في الوثيقة أن الإقليم يعتبر بوابة لعبور السياح إلى المواقع الأثرية في القاهرة والقدس وأريحا، وبالتالي تريد إسرائيل اغتصاب مكانة مصر وفلسطين والأردن السياحية باسم التنمية المشتركة.‏

              اغتصبت إسرائيل مكانة مصر السياحية في سيناء من خلال ما يسمى "فيزا خليج العقبة" التي اقترنت باتفاقية كمب ديفيد "وهذه الفيزا تتيح لكل القادمين من منفذ إسرائيل دخول سيناء دون تأشيرة أو رسم دخول لمدة أسبوع، مع حرية التنقل في سيناء حتى شرم الشيخ. ومن خلال فيزا خليج العقبة استمرت الأفواج السياحية الإسرائيلية في التدفق على سيناء، كما كان الحال في سنوات الاحتلال. واستفادت من هذه الفيزا في ترويج برامجها السياحية التي تضمنت زيارة سيناء ومواقع الشعب المرجانية في البحر الأحمر وخليج العقبة، حيث أتاحت الفيزا لكل القادمين من منفذ إسرائيل بغض النظر عن جنسياتهم، دخول سيناء"(32).‏

              وتهدف الوثيقة الإسرائيلية إلى إقامة سوق إسرائيل العظمى المستفيد من جميع مزايا الدول العربية، دون الاكتراث بالمنافع المتبادلة بل بتهميش دور الأطراف العربية تحت ستار من العبارات المعسولة حول التنمية المشتركة والسلام والإزدهار.‏

              ولتحقيق ذلك كرر بيريس دعوته في قمة عمان للكونفدرالية وقال: "إن الكونفدرالية التي اقترحها بين الأردن والفلسطينيين تشمل إسرائيل في شقها الاقتصادي، إلاّ أنها ليست من شأن إسرائيل في شقها السياسي. وإن الوحدة الاقتصادية التي اقترحها هي وحدة على غرار دول البنيلوكس في شمال أوروبا للعناية بالقضايا السياحية والمائية والتجارية والكهربائية".(33).‏

              وحدد يوسي بيلين، نائب وزير خارجية إسرائيل مفهوم إسرائيل للشرق أوسطية وقال: "هذه هي رؤيانا للشرق الأوسط الجديد: حدود مفتوحة، تعاون اقتصادي يقود إلى نمو اقتصادي، حرية حركة الأشخاص والمنتوجات والخدمات عبر الحدود"(34).‏

              لقد تخلت إسرائيل عن فكرة "إسرائيل الكبرى جغرافياً للمحافظة على النقاء العنصري لدولة اليهود ولإقامة إسرائيل العظمى انطلاقاً من حجم السوق الشرق أوسطية واتساعها وأهميتها للاقتصاد العالمي واستغلال الأسواق العربية والأموال الخليجية، وموقع مصر والأردن السياحي ومصادر المياه السورية واللبنانية والفلسطينية والأردنية.‏

              "إن المشروعات الإسرائيلية المقدمة في عمان كانت تستهدف إجراء جراحة جغرافية في المنطقة، بحيث تحدث تغييرات في البيئة الاقليمية والطبيعية لا يمكن الرجوع عنها مطلقاً، ونحن عندما نرصد مشروعات مثل ريفيرا البحر الأحمر، ونقل عقد المواصلات في إسرائيل، ومد خطوط للسكك الحديدية والبحرية والبرية، وتوحيد الموانئ والمطارات.. الخ، فإن هذه المشروعات مجتمعة إنما تعني عمل جراحة جغرافية في المنطقة تحدث تغييراً طبيعياً واجتماعياً كاملاً حتى في التوازن الاستراتيجي، وفي رأيي أن هذه الجراحة الجغرافية مخططة لصالح دمج إسرائيل في المنطقة أو هيمنتها عليها من النواحي كافة"(35).‏



              تأسيس المصرف الإقليمي‏

              يعتبر شمعون بيرس أول من نادى بفكرة إنشاء "بنك الشرق الأوسط". وتبنت الولايات المتحدة الفكرة وضمنتها في التقرير الذي وضعته مجموعة هافارد الاقتصادية حول الشرق الأوسط بحجة أن البنك سيؤدي إلى توطيد دعائم السلام في المنطقة ونجحت في فرضها على قمتي الدار البيضاء وعمان.‏

              عارضت بعض دول الخليج العربي فكرة تأسيس البنك في قمة الدار البيضاء لسببين:‏

              الأول: اقتصادي وهو افلاس دول النفط العربية من جراء دفع تكاليف حرب الخليج الثانية ونفقات صفقات السلاح الباهظة من الولايات المتحدة وأوروبا.‏

              والثاني: سياسي يتعلق بعدم التوصل إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في القدس والجولان وجنوب لبنان، إلاّ أن القمة أوصت بضرورة تأسيس البنك وأحالت الموافقة إلى قمة عمان لتنفيذها. وتبلور في قمة عمان اتجاهان حول بنك التنمية..‏

              الأول: وتتزعمه الولايات المتحدة وإسرائيل وتؤيده الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي ويطالب بإقامة البنك.‏

              والثاني: يتكون من دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية. وترى هذه الدول أن المنطقة لا تحتاج إلى مؤسسات مالية جديدة بسبب كثرة المؤسسات المالية القائمة وإفلاس دول النفط العربية.‏

              وتعتقد بعض الأوساط الأوروبية والخليجية أن هدف المصرف أمران:‏

              الأول: إدخال إسرائيل بين الدول المنتفعة من التمويل الأوروبي والخليجي.‏

              والثاني: تحقيق نوع من الهيمنة الأميركية على التمويل الأوروبي الخليجي، حيث يتذمر الأوروبيون من الاستمرار في دفع الأموال الطائلة لبعض دول المنطقة خدمة لعملية التسوية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية، فالمطلوب منهم دفع الأموال فقط، أما المكاسب السياسية والاقتصادية فتجنيها الولايات المتحدة وإسرائيل.‏

              وكانت إسرائيل قد اشترطت على لسان وزير المالية إبراهام شوحات ألاّ تكون المساهمة الأميركية في البنك على حساب المساعدات الأميركية المباشرة لإسرائيل، وأن يتم هيكل البنك بموافقة إسرائيل.‏

              وأكد جدعون تسور نائب محافظ بنك إسرائيل على أن الحاجة للبنك ليست اقتصادية فقط، ولكنها سياسية. ويستنتج المرء المتتبع للأهداف التي تم تأسيس البنك من أجلها ووظائفه وشروط الاقتراض منه أن الهدف من تأسيسه هو إدخال إسرائيل بشكل مؤسسي داخل الإطار العربي دون فائدة تعود على البلدان العربية أو الإسهام في تنمية حقيقية للمنطقة.‏

              وعبّر فالتر ديكسورت، وزير الاقتصاد الألماني ورئيس الوفد الألماني في قمة عمان عن موقف ألمانيا من تأسيس البنك وقال: "إن ألمانيا ليست لديها النية في الاستثمار أو المساهمة في البنك الإقليمي، مشيراً إلى أن ألمانيا لا تمانع في إقامة مثل هذا البنك، وذلك لوجود مؤسسات عالمية وعربية قادرة على تمويل المشاريع المنوي إقامتها"(36).‏

              وخلاصة القول إن الخلافات في قمة عمان حول تأسيس البنك تركزت في نقطتين:‏

              الأولى: ترى أنه لا جدوى من إقامة البنك لوجود العديد من البنوك العربية والعالمية في المنطقة.‏

              والثانية: حول أسلوب عمل البنك إذ يرى بعضهم ضرورة أن يقوم البنك على أسس تجارية، ويرى البعض الآخر أن يقوم البنك بالتمويل وفق أسس ميسَّرة:‏

              ويرجع حماس الولايات المتحدة لتمويل البنك من الدول الخليجية والأوروبية إلى رغبتها ورغبة إسرائيل في الحصول على حصة الأسد من الصفقات التي تعقدها مع الدول المقترضة من البنك ولكي تدعم التسوية التي تقودها الإدارة الأميركية بالشروط الإسرائيلية.‏

              ويرى الأوروبيون أنهم يدفعون الأموال، بينما تحتكر الولايات المتحدة عملية التسوية وتستأثر بالامتيازات، كما يعتقدون أن البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الإسلامي بجدة والصندوق العربي للانماء يقومون بمهمة البنك، لذلك لا داعي لتأسيسه. ولكن قمة عمان وافقت على تأسيس البنك، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التعليق على إنشائه وقال إن إنشاء البنك ليس شأناً خاصاً بالاتحاد الأوروبي ككل وإن أمر المشاركة في تمويله متروك لكل حكومة.‏

              إن إسرائيل هي صاحبة فكرة تأسيس البنك والمستفيد الأول منه نظراً لكونها أكثر تأهيلاً واستعداداً لاستغلاله أكثر من غيرها وبسبب تطورها الصناعي والتكنولوجي وعلاقاتها الدولية وانحياز الولايات المتحدة وأوروبا لها.‏

              إنني أرى أن قيام هذا البنك ومجيء الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى المنطقة سوف يتأثر بالعوامل التالية:‏

              1- إن تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال مرتبط بشكل وثيق بالسلام والاستقرار والهدوء بشكل عام، ومع السلام العادل والشامل بشكل خاص، ولم يتحقق حتى الآن سلام مدريد بل أصبحت عملية السلام على حافة الانهيار بسبب سياسات وممارسات ومواقف الحكومة الإسرائيلية.‏

              2- إن الصراع لم ينته وسيتخذ أشكالاً أخرى، ومايجري في الخليل والقدس وغزة والجولان وجنوب لبنان أدلة واضحة على ذلك.‏

              3- إن أوسلو (1) وأوسلو(2) من وضع إسرائيل وصياغتها وقد أذعنت لها قيادة عرفات وقبلت بها وتحولت إلى أداة لقمع المناضلين واضطهادهم وأداة في يد إسرائيل للمحافظة على أمنها وأمن المستوطنين والمستوطنات.‏

              4- إن العرب والمسلمين لن يقبلوا أبداً مهما طال الزمن باحتلال القدس وجعلها عاصمة للكيان الصهيوني.‏

              5- إن الأمة العربية تصرّ على حق عودة اللاجئين وتحقيق الانسحاب الشامل وتفكيك المستوطنات.‏

              6- إن العرب والمسلمين يرفضون التطبيع مع إسرائيل ويصرون على مقاطعتها ومقاطعة منتجاتها لذلك تخشى الاستثمارات المجيء إلى المنطقة مما يؤثر على عمل بنك التنمية الاقليمي..‏



              بيان القمة الختامي‏

              أدخلت قمة عمان التعاون الاقتصادي في المنطقة في مرحلة جديدة، إذ لأول مرة في تاريخها تقام مؤسسات إقليمية دائمة ذات أهداف محددة للمحافظة على استمرارية "الشرق أوسطية" وترسيخها. كما أن التوصيات والقرارات التي تم اتخاذها والمؤسسات التي أُنشئت كانت جاهزة قبل انعقاد المؤتمر، حيث أن إسرائيل بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة أعدتها سلفاً، وحملت الولايات المتحدة الدول المشاركة في القمة على تبنيها، فحضور القمة لم يكن إلاّ مجرد جلسات احتفالية للموافقة على ما أعدته إسرائيل وأميركا مسبقاً.‏

              برزت العديد من الآليات الجديدة لتحقيق الأهداف التي وافقت عليها القمة، وتنظيم التعاون الاقتصادي في المنطقة. وترتكز هذه الآليات على تنفيذ المحاور الرئيسية التالية:‏

              * المشاريع المشتركة وخاصة في مجالات المياه، والسياحة، والنفط والغاز والنقل.‏

              * المؤسسات الإقليمية، كالبنك الإقليمي ومنظمة السياحة الإقليمية.‏

              * التبادل التجاري.‏

              "إن الغرض من المؤتمر ليس مجرد تعاون اقتصادي مع إسرائيل، وإنما ترتيب المنطقة اقتصادياً لصالح إسرائيل والولايات المتحدة. ويتم ذلك بالنسبة لإسرائيل من خلال مدها بسوق واسعة لمنتجاتها، وحل مشكلة ندرة المياه فيها، وتوفر لها مصادر المواد الأولية الرخيصة وخصوصاً النفط والغاز الطبيعي، وأيضاً مصادر جديدة لعمالة رخيصة، وتوفير الأموال، عن طريق البنك بنفقة رخيصة نسبياً وبأسعار فائدة مخفضة، وكل هذا يسمح لإسرائيل بمزيد من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عند فتح المنطقة أمامها كما يسمح لها باستيعاب موجات أخرى من المهاجرين".(37).‏

              لقد أنشأت القمة خمس مؤسسات إقليمية، لربط الاقتصادات العربية بالاقتصاد الإسرائيلي، كما شكلت هذه المؤسسات الآليات لفرض هيمنة إسرائيل الاقتصادية على البلدان العربية، والتي ستكون معززة بقوة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وبالوجود العسكري الأميركي في البلدان العربية وتفوق إسرائيل العسكري التقليدي والنووي على جميع البلدان العربية مجتمعة.‏

              وكرست القمة تجزئة الوطن العربي إلى منطقتين جغرافيتين واحدة في شمال افريقيا والأخرى في الشرق الأوسط، وذلك لنزع الهوية العربية عن المنطقة.‏

              وتميز اليوم الأخير في القمة بتوقيع صفقة أنبوب الغاز القطري مع إسرائيل.‏

              وجاء في بيان القمة أن قطر ستستضيف القمة الاقتصادية عام 1997 وأعلن وزير خارجية قطر أن بلاده ستشارك في البنك الذي يعارضه حلفاؤها أعضاء مجلس التعاون الخليجي.‏

              ووقع الأردن خلال القمة مع مصر وقبرص وتركيا وتونس والمغرب وسلطة الحكم الذاتي على ميثاق تأسيس منظمة الشرق الأوسط / البحر المتوسط للسياحة والسفر، وذلك للتعاون بين دول المنطقة وبينها وبين العالم.‏

              وركز البيان الختامي للقمة على خلق الأسس والحوافز لتشجيع التجارة والاستثمار، بغية الوصول إلى حرية تبادل البضائع والرأسمال واليد العاملة عبر الحدود، وعلى إقامة آليات تنفيذية ومشاريع محددة وعقد صفقات ثنائية.‏

              لقد كانت قمة الدار البيضاء وقمة عمان وسائل يهودية ذكية بمباركة أميركية لتمرير مشاريع إسرائيل ومخططاتها الاقتصادية، وفرضها على العرب وتحقيق مالم تستطع إسرائيل تحقيقه عن طريق الحرب.‏

              لقد ذهب العرب إلى قمتي الدار البيضاء وعمان وهم في حالة كبيرة من الانهيار والتمزق والضياع، فاستغلت الولايات المتحدة هذه الأوضاع وحملتهم على الهرولة نحو إسرائيل. وخدم الحضور الكبير لها وللاتحاد الأوروبي دعم الشرعية وإضفائها على التعامل بين العرب وإسرائيل.‏

              وتؤكد الاستنتاجات أن أية مشاريع إقليمية وافقت عليها قمة عمان لن تخرج إلى الوجود ولن يكتب لها النجاح مالم تكن إسرائيل مشاركة فيها، فإسرائيل تعمل جاهدة للتحكم في معظم الصادرات العربية والهيمنة عليها.‏
              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #8
                رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                ثانياً: قمة عمان الاقتصادية‏

                انعقدت القمة الاقتصادية الثانية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في عمان بتاريخ 29-31 تشرين الأول عام 1995. وبلغ عدد الدول المشاركة فيها (63) دولة، بينما اشتركت في قمة الدار البيضاء (60) دولة. وارتفع عدد الدول العربية المشاركة من (12) دولة في الدار البيضاء إلى (13)دولة في عمان، وذلك بانضمام موريتانيا بناء على رغبة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة لإنجاح القمة وتثبيت ما تم الاتفاق عليه في قمة الدار البيضاء وتأسيس آليات لتحقيقه.‏

                تحدث كلاوس شفاب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي عن طبيعتها وقال: "إن قمة عمان الاقتصادية خطوة مكملة لقمة الدار البيضاء، حيث أن قمة الدار البيضاء شكلت البداية وقمة عمان ستقوم الآن بالخطوات العملية" (11)‏

                اتسم الموقف العربي في القمة بين مؤيد بدون تحفظ، يؤيد التعاون الإقليمي الشرق أوسطي بديلاً عن التعاون العربي، ويحاول الحصول على رضى الولايات المتحدة الأميركية وبعض المنافع الاقتصادية من جراء هرولته نحو إسرائيل، وبين مؤيد بتحفظ طمعاً في الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية.‏

                قاطعت سورية ولبنان قمة عمان من منطلق رفض أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل إلى أن تنصاع إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد (الأرض مقابل السلام)، والمطالبة بوجوب التروي والحذر في التعاون مع إسرائيل إلى أن تنسحب من الجولان وجنوب لبنان والقدس العربية.‏

                وكانت سورية حاضرة في المؤتمر على الرغم من غيابها، وذلك لموقفها من السلام العادل والشامل المتميّز برفض الشرق أوسطية والمفاوضات المتعددة الأطراف والتمسك بالهوية العربية. وجسّد عقد قمة عمان المضي في التطبيع قبل إقامة سلام عادل وشامل يعيد جميع الأراضي المحتلة والأماكن الدينية والحقوق المغتصبة، كما يعني عقدها التنازل عن آخر ورقة في يد العرب والقبول بوجهة النظر الإسرائيلية في بدء التعاون الاقتصادي بغض النظر عما يجري على الجانب السياسي، وبالتالي تمكين إسرائيل من تحقيق مخططاتها السياسية والاقتصادية والقضاء على فرص تحقيق السلام العادل والشامل.‏

                إن قمة عمان رمت، كقمة الدار البيضاء، إلى فك عزلة إسرائيل السياسية وتحقيق مرحلة متقدمة من التطبيع والنفاذ إلى كل سوق وبيت عربي تحت غطاء خادع ومضلل وكاذب وهو تأمين الرخاء والرفاهية لشعوب المنطقة، بينما هدفها الحقيقي الحصول على الأسواق والثروات والأموال والعمالة العربية تحقيقاً لمصلحة إسرائيل ويهود العالم وفرض الهيمنة الإسرائيلية على الوطن العربي. وتعتبر امتداداً لقمة الدار البيضاء ولكن الفرق بينهما هو أن القمة الأولى أعلنت المبادئ العامة للتعاون الإقليمي والشرق أوسطية، بينما وضعت قمة عمان الآليات لتنفيذها، أي أوجدت المؤسسات التي تعيد تشكيل المنطقة من جديد وفقاً للمخططات الإسرائيلية.‏

                الأردن والقمة‏

                تحدث الأمير حسن في جلسة افتتاح القمة عن طبيعة القمة الاقتصادية الأولى والثانية وقال: "لقد بينت قمة الدار البيضاء التي استضافتها المغرب قيمة التعاون بين دول المنطقة، كما أنها أوجدت لشعوب المنطقة فرصة للتعرف على بعضها البعض، ونحن نأمل من خلال قمة عمان الانتقال إلى المستوى التالي من هذه العملية فهذه القمة تشكل فرصة للبدء في عملية إعادة بناء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأفضل الأساليب العملية الممكنة."(12)‏

                ومضى ولي العهد الأردني في القمة يقول: "يجب على حكومات الشرق الأوسط خلق. بيئة مناسبة للتعاون الإقليمي.. إن هدفنا بعيد المدى يجب أن يتركز على إزالة كافة القيود من المنطقة وتحررها سواء كان في إبعاد التجارة أو الاستثمار أو العمالة أو رأس المال أو الخدمات، فتجارة أكثر حرية في المنطقة تساهم في تعزيز السلام والازدهار"(13).‏

                وأبدى الأمير حسن تصوره وما يسعى الأردن إلى تحقيقه من خلال القمة قائلاً:‏

                "لقد تم طرح اقتراح (إسرائيل) بأن تبدأ هذه العملية باتفاقية تجارة حرة تضم دول المحور:‏

                الأردن ومصر والفلسطينيين وإسرائيل والتي يمكن أن تتطور إلى اتحاد جمركي وسوق مشتركة في نهاية الأمر.. إن إمكانية إنشاء منطقة مزدهرة ذات حجم معقول وتجارة مفتوحة وقاعدة مهارات متنوعة يمكن أن تساعد في خلق سوق جديدة تجذب رأس المال الأجنبي والاستثمار لكل الشركاء وهو ما تحتاجه المنطقة كثيراً".‏

                وترأس الأمير الحسن جلسة العمل الرئيسية تحت عنوان "المجموعة الدولية في دعم ركائز الاقتصاد لبناء السلام وأعلن فيها كرئيس للمؤتمر التوقيع على تشكيل مجلس الأعمال الإقليمي، حيث وقعه عن الجانب الأردني، وزير الصناعة والتجارة علي أبو الراغب، وعن الجانب المصري وزير الاقتصاد محمود أحمد محمود، ووزير التجارة الإسرائيلي، وأحمد قريع عن سلطة الحكم الذاتي. وأعلن أيضاً عن مراسم التوقيع على تأسيس الهيئة الإقليمية للسياحة، ووقعها وزير السياحة الأردني عبد الإله الخطيب، ووزير السياحة المصري، ممدوح بلتاجي، ووزير السياحة الإسرائيلي عوزي برعام، ومدير التعاون الدولي في سلطة الحكم الذاتي، نبيل شعث، ووزير السياحة القبرصي اليكيس ميناليدس، ووزير الاستثمارات الخارجية التونسي، محمد غنوشي وأمين عام وزارة السياحة المغربي مصطفى علوي. وأكد الأمير الحسن، رئيس المؤتمر في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأميركي وارن كرستوفر ووزير التجارة الأميركي رونالد براون "ان موضوع التجارة نال قسطاً كبيراً من مناقشات المؤتمر في اليوم الأول، وان مؤسسات بنك التنمية ومجلس قطاع رجال الأعمال وهيئة السياحة يمكن أن تعتبر نماذج للنهوض بالتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط"(14)‏

                وتحدث واصف عازار، أحد أبرز رجال القطاع المصرفي الخاص في الأردن عن أهداف القمة وقال: "إن من أهداف القمة توجيه اقتصادات المنطقة نحو التداخل لكي تصبح المنطقة مستقرة أمنياً"(15).‏

                وأبدى د. رؤوف أبو جابر، رئيس شركة الاستثمارات العامة الأردنية رأيه في المؤتمر وقال إنه سيكون للمؤتمر فرصة كبيرة في قيام الدول في المنطقة بفتح حدودها مضيفاً " أن أسواق الضفة الغربية مغلقة بالكامل أمام المنتجات الأردنية وإن السوق الفلسطينية أسيرة لإسرائيل حيث الاقتصاديين ورجال الأعمال والمصانع الإسرائيلية يحصلون على حوالي 1.7 مليار دولار سنوياً من هذه السوق معرباً عن أمله في أن تسهم القمة باعتبارها تظاهرة كبيرة في تخفيف القيود المفروضة على التجارة في المنطقة وصولاً إلى حرية التجارة بشكل كامل(16). وتعتبر إسرائيل المستفيد الأكبر من المشاريع السياحية التي قدمها الأردن للقمة، لأنها في الأساس أفكار ومشاريع إسرائيلية وبشكل خاص ريفيرا البحر الأحمر على خليج العقبة، ومشاريع اخدود وادي الأردن وتوسيع مطار العقبة مما يزيد من التدفق السياحي إلى المنطقة والتي ستحصل منه إسرائيل على حصة الأسد. وتتطابق الكثير من المشاريع التي طرحها الأردن في القمة مع المخططات الإسرائيلية، فأعلن وزير النقل الأردني سمير قعوار أن مشاريع النقل تتركز في منطقة العقبة حيث سيتم طرح مشاريع لإقامة وتحسين خطوط السكة الحديدية لربط شمال الأردن بجنوبه وشرقه بغربه. أما في مجال ميناء العقبة فإن هناك العديد من المشاريع تشمل إقامة أرصفة متعددة الأغراض لشحن السلع بالإضافة إلى رصيف المسافرين. أما في مجال النقل الجوي فأشار الوزير إلى أن الحكومة الأردنية ستقوم بتوسيع مطار العقبة الحالي وتحديثه ليخدم منطقة خليج العقبة حيث اتفق مع الحكومة الإسرائيلية على أن يكون هذا المطار مطاراً دولياً مشتركاً" (17).‏

                المواقف العربية في القمة‏

                وضع القائمون على قمة عمان عنواناً اقتصادياً لها، ولكنها في حقيقة الأمر قمة سياسية واقتصادية تسعى إلى إلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل وفك عزلتها وانفتاح العرب عليها لتحقيق أهدافها ومطامعها ومخططاتها في البلدان العربية.‏

                وكان من أهم نتائجها انتهاك جميع القرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها مؤتمرات القمم العربية وخاصة مؤتمر القمة العربي الاقتصادي في عمان.‏

                تحدث الملك حسين عن أهداف قمة عمان فقال: "تهدف (القمة) إلى ضمان فكرة أن السلام الذي نبنيه سينمو ليحمل ثمار الرخاء والاستقرار لأنفسنا وللأجيال المقبلة"(18).‏

                لقد تباينت المواقف العربية في قمة عمان، ففي الوقت الذي ركز فيه الأردن على أهمية التعاون الإقليمي والمشاريع المشتركة مع إسرائيل، وطالبت المغرب الدول العربية الإسراع في تطبيع علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وصلت الهرولة العربية غير المسؤولة حداً قال فيه وزير خارجية عُمان "إن ضغوط بعض الدول العربية لإبطاء عملية التطبيع مع إسرائيل مبالغ فيها ولا لزوم لها، وأضاف مؤكداً ضرورة التعاون مع إسرائيل لتشجيعها على المضي في المسيرة السلمية".(19) وأكدت مصر في المؤتمر أن السلام هو الأساس لتحقيق التنمية والتعاون، وإن الحل النهائي يجب أن يتضمن قيام الدولة الفلسطينية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.‏

                وأعلن رجال الأعمال العرب عن موقفهم في المؤتمر قائلين إنهم جاؤوا من أجل (البزنس) وقال بعضهم "علينا أن نترك السياسة وراء ظهورنا ونعمل على تعظيم الربح(20)"، وبالتالي تبنوا الموقف الإسرائيلي القائم على المطالبة بفتح الحدود وإزالة الحواجز والعقبات أمام التجارة والموقف الأميركي المنادي بالإصرار على إنهاء المقاطعة العربية قبل تحقيق السلام العادل والشامل.‏

                كما أعلن يوسف بطرس غالي، وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري أن مؤتمر قمة عمان الاقتصادي يؤدي دوره الأساسي ويضع حجر الأساس للكيان الاقتصادي المتكامل في المنطقة. وقال إن مؤتمر الدار البيضاء وضع الحجر الأول ومؤتمر عمان جاء لتكملة مسيرة البناء مشيراً إلى أن مثل هذه المؤتمرات ستحدد الرؤيا الإقليمية المستقبلية في إقليم الشرق الأوسط. وبيّن أن الاندماج الاقتصادي بين هذه الدول شيء طبيعي(21).‏

                كانت بداية قمة عمان سياسية جداً، حيث سمع العرب من الجنرال اسحق رابين وشمعون بيرس كلاماً أشد قسوة وفظاظة من الكلام الذي سمعوه عن القدس والتعاون الاقتصادي مع العرب في قمة الدار البيضاء، كلاماً ينم عن الاستعلاء والعنصرية ويقوم على الغطرسة والكذب والأطماع اليهودية. سمع العرب كلاماً قاسياً من رابين عن القدس والتاريخ والمستقبل وكلاماً أكثر قسوة من بيرس عن التعاون الاقتصادي ولم تصدر عنهم ردة فعل واحدة، بل قام ياسر عرفات وأعلن في القمة" أن سفاره أميركا لن تنتقل من تل أبيب إلى القدس، بعدما تلقى ضماناً من الرئيس الأميركي، أبلغه إليه شخصياً وزير التجارة الأميركي رون براون".(22) وطالب عرفات بضمان حرية انتقال السلع والأشخاص والخدمات كشرط أساسي لتحقيق أي نجاح اقتصادي، وبالتالي عبّر عن تبنيه للموقف الإسرائيلي.‏

                وقال عمرو موسى، وزير خارجية مصر في المؤتمر:‏

                "وجوهر القول هنا إن مبدأ الأرض مقابل السلام يظل هو المبدأ الحاكم على الساحة الفلسطينية السورية أو اللبنانية وبهذا نأتي إلى تصور المستقبل فلا يمكن لمصري أو لعربي ولا لمهتم بالسلام ومستقبل الشرق الأوسط أن يتصور حلاً نهائياً ولا سلاماً شاملاً دون قيام دولة فلسطينية مستقلة أو دون انسحاب شامل من أراضي سورية ولبنان أو دون اتفاقيات وإجراءات تضمن الأمن للجميع يأتي في مقدمتها إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط"(23).‏

                وشهد المؤتمر خلافاً بين مصر والأردن حول كيفية التعامل مع إسرائيل وتطبيع العلاقات العربية معها، حيث أثارت كلمة هرولة التي وردت في خطاب وزير الخارجية المصري جدلاً سياسياً حامياً في المؤتمر عندما قال: "علينا أن نتفاعل مع التطورات وإن يكون تفاعلنا بكل عقل وثقة وحكمة وليس مظاهرة ولا هرولة".‏

                وعقب الملك حسين على كلمة هرولة التي أطلقها وزير الخارجية المصري وقال:‏

                "إن الأردن كان أول المهرولين لأن هذه العبارة قد استخدمت أكثر من مرة عندما تبع الأردن الشقيقة مصر وسلمها قيادة جيشه ومصيره قبل 28 عاماً وكان في طليعة المهرولين بالنسبة إلى كل لقاء عربي وأضاف يقول: "أما إذا كان التوجه نحو السلام هرولة فقد سبقتنا الشقيقه الكبرى في الهرولة قبل (17) عاماً. وإذا كان في البال محاولة جادة مخلصة للتعويض عن كل ما فاتنا من وقت فنحن لا نهرول فقط وإنما نركض باتجاه تعويض الوقت لنعطي إنساننا الحياة التي يستحق حرة كريمة"(24) وكانت مصر وقطر قد تقدمتا بطلبين لاستضافة القمة الاقتصادية الثالثة في القاهرة والدوحة. وتابع الملك حديثه وقال: "فيما يتعلق باللقاء القادم أرجو أن يوفق المؤتمر في انتخاب الموقع والمكان لأن هناك دعوة إلى اللقاء في القاهرة، لكن أيضاً هناك دعوة من دولة شقيقة في الخليج وقد يكون من المناسب أن يكون اللقاء بعد أن كان في افريقيا والمتوسط أن يكون في الخليج".‏

                وجاء في البيان الذي ألقاه د. عاطف عبيد، وزير قطاع الأعمال والدولة للتنمية الإدارية باسم مصر التأكيد على التكامل داخل الاقتصاد العالمي والتعاون الاقليمي من أجل التنمية السريعة وتوافر الطاقة الكهربائية في مصر وكذلك الطرق والبترول وخطوط التلفونات اللازمة للمشروعات الاستثمارية، مشروعات الكهرباء والنقل والبترول والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والموارد البشرية والتكنولوجيا المتقدمة. وانطلقت وجهة النظر المصرية في القمة من أن عملية الهرولة الاقتصادية نحو إسرائيل غير مطلوبة في الوقت الحاضر لحين استعادة العرب أراضيهم المحتلة وتفكيك ترسانة إسرائيل النووية، بينما رأت الأردن أن تسرع إلى الاستفادة من الأوضاع الجديدة لتحقيق أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة، واتهمت مصر بأنها كانت أول من هرول نحو إسرائيل عندما وقعت اتفاقيتي كمب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية. وكانت قطر وعُمان من أكثر بلدان الخليج هرولة نحو إسرائيل وتلبية شروطها وخدمة مصالحها ووقعت قطر اتفاقاً معها حول الغاز السائل.‏

                وأعطى المؤتمر مشروعية للتعاون العربي مع إسرائيل عبر البوابة الأردنية إلى دول الخليج العربية.‏

                "إن إسرائيل ليست دولة عادية، لأسباب عدة، ولا يمكن أن ينظر إليها العرب كدولة عادية، هي أولاً مشروع، ففي الوقت الذي يذهب فيه العرب إلى قمة عمان تأخذ إسرائيل القدس، ومن هنا لا يمكن افتراض أننا ندخل في تعاون اقتصادي مع إسرائيل وكأننا في تعاون مع دولة ما كبلجيكا مثلاً. ثانياً إن مشروع إسرائيل هو استيعاب مهاجرين جدد ولو على حساب أهل المنطقة، فمشروعها لن ينتهي وهي لا تخفي ذلك. ثالثاً إنها قوة قوية ولا تريد أن تتنازل عن ذلك. ورابعاً، إننا حيثما نتعامل مع إسرائيل إنما نتعامل في حقيقة الأمر، مع الولايات المتحدة"(25).‏

                الموقف الأميركي في القمة‏

                بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً كبيرة لإنجاح القمة وتثبيت ما تم الاتفاق عليه في قمة الدار البيضاء. وتنطلق من فكرة أن السلام واتفاقيات أوسلو ووادي عربة لن تدوم دون منافع اقتصادية تجنيها شعوب المنطقة عن طريق فتح الحدود أمام التجارة والسياحة والعمالة والاستثمار. ويخدم تسويق هذه الفكرة الأميركية عدة أهداف إسرائيلية فهي تعمل أولاً على ترسيخ اتفاق الإذعان في أوسلو، وثانياً تجني إسرائيل من جراء ذلك الأرباح الاقتصادية الهائلة، لأن الفائدة الاقتصادية في المنطقة ستعود عليها وعلى يهود العالم بالدرجة الأولى والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الثانية. وصاحب قمة عمان قرار الكونغرس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس خلافاً للتعهدات الأميركية وقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. وماطلت إسرائيل في تحقيق التقدم على المسارين السوري واللبناني وزادت من ممارسة الإرهاب والاغتيالات والعقوبات الجماعية.‏

                ألقى وارن كرستوفر، وزير الخارجية الأميركي كلمة باسم الرئيس الأميركي بيل كلنتون حددت سلفاً النتائج التي يجب أن تتمحض عنها القمة وقال: "إننا نعلم أن السلام يجب أن يصل إلى ما هو أبعد من الدبلوماسية والوثائق، وأن الاتفاقات هي أساس السلام لكن حقيقة السلام موجودة في الأفعال وليس الكلمات، السلام هو طفرة البناء في غزة وزيادة الاستثمار أربع مرات في إسرائيل. إن هذه الرؤية لسلام مزدهر جمعتنا للمرة الأولى في الدار البيضاء وهنا في عمان سوف نوفي ما حققناه هناك. وسنعلن إنشاء مجموعة من المؤسسات الإقليمية التي تشترك في هدف واحد هو تحسين قدرة القطاع الخاص للتجارة في الشرق الأوسط وترويج تنمية المنطقة وتعاونها: أولاً سننشيء بنك التعاون والتطوير الاقتصادي. ثانياً: القمة ستنشيء مجلس الشرق الأوسط للسياحة والسفر ثالثاً: سيتم إنشاء المجلس الإقليمي للأعمال بمشاركة القطاع الخاص والحكومات وسيكون المجلس مقراً دائماً لتبادل المعلومات وتطوير فرص الاستثمار. وهنا في عمان يجب أن نطوِّر ما بدأناه في الدار البيضاء. ويجب أن نؤكد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فعلى الحكومات وضع الأسس للسلام والازدهار لكن للقطاع الخاص الفرصة لبناء سلام معزز بالازدهار المتنامي"(26).‏

                ودعا كرستوفر الدول العربية إلى إلغاء مقاطعة إسرائيل وقال إنها تعيق الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تكامل اقتصادي في الشرق الأوسط وإن الوقت قد حان لإلغاء المقاطعة تماماً.‏

                وأكد رونالد براون، وزير التجارة الأميركي أن مشاركة (1600) شخص في افتتاح القمة ومن ضمنهم (160) شركة أميركية لهو دليل قاطع على مدى الاهتمام بها.‏

                وقالت روت هاركين، رئيسة المؤسسة الدولية للاستثمار" إن المؤتمر أتاح فرصة لرجال الأعمال الأميركيين لبدء نشاطهم الاقتصادي في هذه المنطقة على المدى الطويل"(27).‏

                وسعت الشركات الأميركية إلى حصاد أكبر الحصص وانتزاع أكبر نصيب من العقود مستغلة وجود نائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية ووزير التجارة والكثير من رجال الأعمال وممثلي الشركات الأميركية الكبرى.‏

                إسرائيل والقمة‏

                أصبحت القمم الاقتصادية آليات دائمة لتحقيق الشرق الأوسط الجديد كما خططت له إسرائيل. وفي الوقت الذي حققت فيه إسرائيل من خلالها التقدم على الصعيد الاقتصادي مع البلدان العربية، حدث تراجع على الصعيد السياسي.‏

                لقد ألحقت إسرائيل الخراب والدمار والتخلف باقتصادات البلدان العربية من جراء حروبها العدوانية واعتداءتها المستمرة. وحصلت على الأموال الطائلة من الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى دعمت بها حروبها العدوانية واغتصابها الأرض العربية وتوطين المهاجرين اليهود فيها.‏

                وتعمل حالياً بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية على ابتلاع الأموال والأسواق والثروات العربية مقابل اتفاقات ذل وإذعان كاتفاقيتي أوسلو ووادي عربة.‏

                ونشطت إسرائيل في قمة عمان لتصبح المركز الرئيسي للنقل البري والبحري والجوي مع البلدان العربية وبينها وبين أوروبا وافريقيا لشطب مؤسسات العمل العربي المشترك وفرض مواقفها ومصالحها على العرب المشاركين في القمة.‏

                عبر الوفد الإسرائيلي للقمة عن معظم أطماع إسرائيل التوسعية ومخططاتها الاقتصادية بدءاً من التمسك باحتلال القدس العربية ومروراً بفرض الاذعان السياسي على العرب وجني الأرباح الطائلة، فاعتبر الوفد الإسرائيلي أن السلام السياسي قد انتهى وأن حضوره المؤتمر هو من أجل صنع المال. ووضعت إسرائيل وبدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة الدول العربية أمام خيار من اثنين: فأما التبعية لها أو التهميش والعزل، وكلا الخيارين مُر والواحد أكثر مرارة من الآخر.‏

                بدأ الجنرال رابين حديثه في القمة وقال: "وصلت إلى عمان قبل ساعات من القدس، عاصمة إسرائيل وسأعود إلى داري بعد دقائق: "(28) وأكد أن مؤتمر الدار البيضاء كان الخطوة الأولى المهمة ولكن لقاء عمان يعتبر أوسع وأكبر مؤتمر دولي يعقد في الشرق الأوسط وأن إسرائيل تسعى ليكون لها دور مع دول المنطقة.‏

                وشن شمعون بيريس من عمان هجوماً قاسياً على سورية واتهمها بأنها تعرقل عملية السلام. وهاجم بشكل وقح الدول العربية بسبب موقفها من القدس وقال بشكل مسرحي إنه ذهل من التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية المصري في الجلسة الافتتاحية لأنه انتقد القرار الأميركي حول القدس وقال بيرس بصلف منقطع النظير إن القدس ستظل عاصمة إسرائيل لمئات السنين ولن يتم تقسيمها أبداً.‏

                إن الموقف الإسرائيلي الذي أعلنه بيرس في عمان أمام حضور معظمه من العرب يدل دلالة واضحة على عدوانية إسرائيل وأطماعها التوسعية ووقاحتها وتصميمها على الاستهتار بالعرب ومقدساتهم. وشجعها على ذلك سكوت الأردن على أطماع إسرائيل في القدس والتي كانت العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية إلى أن احتلها الجنرال رابين من الأردن في السادس من حزيران عام 1967.‏

                ووصلت وقاحة قادة إسرائيل وأكاذيبهم ذروتها في المؤتمر الصحفي الذي عقده بيرس على هامش قمة عمان وقال إن إسرائيل ليست في حاجة إلى علاقات اقتصادية مع العرب وإنما تريد رفع مستواهم الاقتصادي وإنه ليس للدول العربية اقتصاد وإنما فقر وإن أحداً لا يرغب في الهيمنة على الفقر.‏

                وعلقت سيدة عربية مشاركة في قمة عمان على تصريحات بيرس وسواه من المسؤولين الإسرائيليين وقالت: "لم يتعلموا بعد احترام الرأي العام العربي" وأضافت إنْ نعمل من أجل ترسيخ السلام شيء وأن نتبنى وجهات النظر الإسرائيلية شيء آخر".(29).‏

                وعلق رجل أعمال مصري على تصريحات بيرس وقال إن بيرس تخلى عن دبلوماسيته وتخلى عن المنطق أيضاً وتابع بيرس تصريحاته الاستفزازية الوقحة في العاصمة الأردنية وقال إن إسرائيل ليست في حاجة إلى التجارة مع العرب بل مع الدول الغربية المتقدمة وإن الأدمغة الإسرائيلية ستدر هذا العام أكثر مما ستدر آبار النفط السعودية.‏

                إن بيرس يكذب عندما يقول مثل هذا الكلام "فاليهود أساتذة في فن الكذب"، كما أنه يناقض نفسه ويحمل هذا التصريح في طياته العنجهية والصلف والعنصرية اليهودية، وخاصة إذا ما عاد المرء إلى التصريحات الإسرائيلية حول الخسائر التي سببتها المقاطعة العربية والمحاولات والضغوط الأميركية لإلغائها، كما أن الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى الأسواق العربية.‏

                أما الأدمغة الإسرائيلية التي يتحدث بيريس عنها فهي في الأساس أدمغة أوروبية وأميركية جاءت إلى إسرائيل عن طريق الهجرة إليها إذ قام الموساد بسرقتها، ولم تدفع إسرائيل شيئاً في تعليمها.‏

                إن إدعاء بيريس أن الهدف من التعاون الاقتصادي مع العرب هو خدمة العرب، وإن لا مصلحة لإسرائيل من وراء ذلك يظهر التضليل والرياء الإسرائيلي وغطرسة بيريس واستعلائه على العرب، لأن إسرائيل وحروبها العدوانية ومجازرها الجماعية هي سبب الخراب والدمار والتخلف الذي حل بالعرب، وهي المسؤولة عن التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.‏

                وركزت الوثيقة التي وزعتها إسرائيل في القمة على موضوعين: الأول: ضرورة ان تعكس السوق الإقليمية نمط الحضارة الغربي وجو التنافس الحر بدلاً من وضع الحواجز في الطريق. والثاني: عدم ربط العلاقات الاقتصادية بعملية السلام، أي أن العلاقات الاقتصادية يجب أن تسبق الحل السياسي. وأكدت الوثيقة أن هدف إسرائيل الأساسي هو إنشاء سوق مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة. وتعطي منطقة الصدع الممتدة من سورية إلى البحر الأحمر لتتصل بمصر والسعودية أهمية خاصة. كما تولي شرق الأردن أهمية مميزة "من أجل إفشال إعادة بناء جبهة شرقية فعالة بمشاركة سورية وقوات يمكن إرسالها من العراق، أما عُمان فهي مهمة لإسرائيل كموقع على الخليج العربي والمحيط الهندي من أجل صد العراق وإيران"(30).‏

                وكانت أهم المشاريع التي تم الاتفاق عليها في قمة عمان، هي مشاريع أردنية -إسرائيلية، ومنها إقامة مصنع لإنتاج البرومين من البحر الميت، ومصنع لإنتاج الأسمدة، ومشروع الربط الكهربائي، ومشروع "ريفيرا" الشرق الأوسط في العقبة وإيلات، على أن تكون الفنادق في إيلات والسياحة في المناطق العربية.‏

                وتعطي الوثيقة الإسرائيلية أهمية خاصة لمشاريع إسرائيل الاقتصادية مع الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي من خلال مشاريع شبكات الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ والقنوات البحرية والمطارات. وتعكس إصراراً إسرائيلياً على هيمنة إسرائيل الاقتصادية على البلدان العربية والقضاء نهائياً على فكرة السوق العربية المشتركة. وجاء فيها عنوان القضايا الأساسية حول جوهر الموقف الإسرائيلي من التسوية ما يلي:‏

                "لا ينبغي أن نؤجل العلاقات الاقتصادية حتى تكتمل عملية السلام، وبالإمكان الشروع في تعاون اقتصادي في إطار تجريبي فقط لامتصاص المعارضة السياسية"(31).‏

                لقد أدخلت قمة عمان التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مرحلة نوعية، إذ لأول مرة في تاريخ المنطقة تقام مؤسسات اقليمية دائمة ذات أهداف محددة للمحافظة على استمرارية الشرق الأوسط الجديد وترسيخها. وتم الاتفاق فيها على إقامة المؤسسات الشرق أوسطية التالية:‏

                1-بنك التعاون والتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومقره القاهرة برئاسة إسرائيلية لدعم تنمية القطاع الخاص ومشاريع البنية التحتية الإقليمية وتعزيز أواصر التعاون الاقتصادي الاقليمي.‏

                2-مجلس السياحة الإقليمي لتسهيل تسويق السياحة في المنطقة ويضم المجلس ممثلين عن القطاعين العام والخاص.‏

                3-المجلس الإقليمي لدعم التعاون والتجارة لإزالة الحواجز والمعوقات لتدفق السلع والبضائع في إطار منطقة التجارة الحرة تحت السيطرة الأميركية والإسرائيلية.‏

                4-الأمانة العامة التنفيذية ومقرها الرباط، ولجنة متابعة لمجموعة العمل الإقليمية.‏

                وورد في الوثيقة أن الإقليم يعتبر بوابة لعبور السياح إلى المواقع الأثرية في القاهرة والقدس وأريحا، وبالتالي تريد إسرائيل اغتصاب مكانة مصر وفلسطين والأردن السياحية باسم التنمية المشتركة.‏

                اغتصبت إسرائيل مكانة مصر السياحية في سيناء من خلال ما يسمى "فيزا خليج العقبة" التي اقترنت باتفاقية كمب ديفيد "وهذه الفيزا تتيح لكل القادمين من منفذ إسرائيل دخول سيناء دون تأشيرة أو رسم دخول لمدة أسبوع، مع حرية التنقل في سيناء حتى شرم الشيخ. ومن خلال فيزا خليج العقبة استمرت الأفواج السياحية الإسرائيلية في التدفق على سيناء، كما كان الحال في سنوات الاحتلال. واستفادت من هذه الفيزا في ترويج برامجها السياحية التي تضمنت زيارة سيناء ومواقع الشعب المرجانية في البحر الأحمر وخليج العقبة، حيث أتاحت الفيزا لكل القادمين من منفذ إسرائيل بغض النظر عن جنسياتهم، دخول سيناء"(32).‏

                وتهدف الوثيقة الإسرائيلية إلى إقامة سوق إسرائيل العظمى المستفيد من جميع مزايا الدول العربية، دون الاكتراث بالمنافع المتبادلة بل بتهميش دور الأطراف العربية تحت ستار من العبارات المعسولة حول التنمية المشتركة والسلام والإزدهار.‏

                ولتحقيق ذلك كرر بيريس دعوته في قمة عمان للكونفدرالية وقال: "إن الكونفدرالية التي اقترحها بين الأردن والفلسطينيين تشمل إسرائيل في شقها الاقتصادي، إلاّ أنها ليست من شأن إسرائيل في شقها السياسي. وإن الوحدة الاقتصادية التي اقترحها هي وحدة على غرار دول البنيلوكس في شمال أوروبا للعناية بالقضايا السياحية والمائية والتجارية والكهربائية".(33).‏

                وحدد يوسي بيلين، نائب وزير خارجية إسرائيل مفهوم إسرائيل للشرق أوسطية وقال: "هذه هي رؤيانا للشرق الأوسط الجديد: حدود مفتوحة، تعاون اقتصادي يقود إلى نمو اقتصادي، حرية حركة الأشخاص والمنتوجات والخدمات عبر الحدود"(34).‏

                لقد تخلت إسرائيل عن فكرة "إسرائيل الكبرى جغرافياً للمحافظة على النقاء العنصري لدولة اليهود ولإقامة إسرائيل العظمى انطلاقاً من حجم السوق الشرق أوسطية واتساعها وأهميتها للاقتصاد العالمي واستغلال الأسواق العربية والأموال الخليجية، وموقع مصر والأردن السياحي ومصادر المياه السورية واللبنانية والفلسطينية والأردنية.‏

                "إن المشروعات الإسرائيلية المقدمة في عمان كانت تستهدف إجراء جراحة جغرافية في المنطقة، بحيث تحدث تغييرات في البيئة الاقليمية والطبيعية لا يمكن الرجوع عنها مطلقاً، ونحن عندما نرصد مشروعات مثل ريفيرا البحر الأحمر، ونقل عقد المواصلات في إسرائيل، ومد خطوط للسكك الحديدية والبحرية والبرية، وتوحيد الموانئ والمطارات.. الخ، فإن هذه المشروعات مجتمعة إنما تعني عمل جراحة جغرافية في المنطقة تحدث تغييراً طبيعياً واجتماعياً كاملاً حتى في التوازن الاستراتيجي، وفي رأيي أن هذه الجراحة الجغرافية مخططة لصالح دمج إسرائيل في المنطقة أو هيمنتها عليها من النواحي كافة"(35).‏



                تأسيس المصرف الإقليمي‏

                يعتبر شمعون بيرس أول من نادى بفكرة إنشاء "بنك الشرق الأوسط". وتبنت الولايات المتحدة الفكرة وضمنتها في التقرير الذي وضعته مجموعة هافارد الاقتصادية حول الشرق الأوسط بحجة أن البنك سيؤدي إلى توطيد دعائم السلام في المنطقة ونجحت في فرضها على قمتي الدار البيضاء وعمان.‏

                عارضت بعض دول الخليج العربي فكرة تأسيس البنك في قمة الدار البيضاء لسببين:‏

                الأول: اقتصادي وهو افلاس دول النفط العربية من جراء دفع تكاليف حرب الخليج الثانية ونفقات صفقات السلاح الباهظة من الولايات المتحدة وأوروبا.‏

                والثاني: سياسي يتعلق بعدم التوصل إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في القدس والجولان وجنوب لبنان، إلاّ أن القمة أوصت بضرورة تأسيس البنك وأحالت الموافقة إلى قمة عمان لتنفيذها. وتبلور في قمة عمان اتجاهان حول بنك التنمية..‏

                الأول: وتتزعمه الولايات المتحدة وإسرائيل وتؤيده الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي ويطالب بإقامة البنك.‏

                والثاني: يتكون من دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية. وترى هذه الدول أن المنطقة لا تحتاج إلى مؤسسات مالية جديدة بسبب كثرة المؤسسات المالية القائمة وإفلاس دول النفط العربية.‏

                وتعتقد بعض الأوساط الأوروبية والخليجية أن هدف المصرف أمران:‏

                الأول: إدخال إسرائيل بين الدول المنتفعة من التمويل الأوروبي والخليجي.‏

                والثاني: تحقيق نوع من الهيمنة الأميركية على التمويل الأوروبي الخليجي، حيث يتذمر الأوروبيون من الاستمرار في دفع الأموال الطائلة لبعض دول المنطقة خدمة لعملية التسوية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية، فالمطلوب منهم دفع الأموال فقط، أما المكاسب السياسية والاقتصادية فتجنيها الولايات المتحدة وإسرائيل.‏

                وكانت إسرائيل قد اشترطت على لسان وزير المالية إبراهام شوحات ألاّ تكون المساهمة الأميركية في البنك على حساب المساعدات الأميركية المباشرة لإسرائيل، وأن يتم هيكل البنك بموافقة إسرائيل.‏

                وأكد جدعون تسور نائب محافظ بنك إسرائيل على أن الحاجة للبنك ليست اقتصادية فقط، ولكنها سياسية. ويستنتج المرء المتتبع للأهداف التي تم تأسيس البنك من أجلها ووظائفه وشروط الاقتراض منه أن الهدف من تأسيسه هو إدخال إسرائيل بشكل مؤسسي داخل الإطار العربي دون فائدة تعود على البلدان العربية أو الإسهام في تنمية حقيقية للمنطقة.‏

                وعبّر فالتر ديكسورت، وزير الاقتصاد الألماني ورئيس الوفد الألماني في قمة عمان عن موقف ألمانيا من تأسيس البنك وقال: "إن ألمانيا ليست لديها النية في الاستثمار أو المساهمة في البنك الإقليمي، مشيراً إلى أن ألمانيا لا تمانع في إقامة مثل هذا البنك، وذلك لوجود مؤسسات عالمية وعربية قادرة على تمويل المشاريع المنوي إقامتها"(36).‏

                وخلاصة القول إن الخلافات في قمة عمان حول تأسيس البنك تركزت في نقطتين:‏

                الأولى: ترى أنه لا جدوى من إقامة البنك لوجود العديد من البنوك العربية والعالمية في المنطقة.‏

                والثانية: حول أسلوب عمل البنك إذ يرى بعضهم ضرورة أن يقوم البنك على أسس تجارية، ويرى البعض الآخر أن يقوم البنك بالتمويل وفق أسس ميسَّرة:‏

                ويرجع حماس الولايات المتحدة لتمويل البنك من الدول الخليجية والأوروبية إلى رغبتها ورغبة إسرائيل في الحصول على حصة الأسد من الصفقات التي تعقدها مع الدول المقترضة من البنك ولكي تدعم التسوية التي تقودها الإدارة الأميركية بالشروط الإسرائيلية.‏

                ويرى الأوروبيون أنهم يدفعون الأموال، بينما تحتكر الولايات المتحدة عملية التسوية وتستأثر بالامتيازات، كما يعتقدون أن البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الإسلامي بجدة والصندوق العربي للانماء يقومون بمهمة البنك، لذلك لا داعي لتأسيسه. ولكن قمة عمان وافقت على تأسيس البنك، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التعليق على إنشائه وقال إن إنشاء البنك ليس شأناً خاصاً بالاتحاد الأوروبي ككل وإن أمر المشاركة في تمويله متروك لكل حكومة.‏

                إن إسرائيل هي صاحبة فكرة تأسيس البنك والمستفيد الأول منه نظراً لكونها أكثر تأهيلاً واستعداداً لاستغلاله أكثر من غيرها وبسبب تطورها الصناعي والتكنولوجي وعلاقاتها الدولية وانحياز الولايات المتحدة وأوروبا لها.‏

                إنني أرى أن قيام هذا البنك ومجيء الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى المنطقة سوف يتأثر بالعوامل التالية:‏

                1- إن تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال مرتبط بشكل وثيق بالسلام والاستقرار والهدوء بشكل عام، ومع السلام العادل والشامل بشكل خاص، ولم يتحقق حتى الآن سلام مدريد بل أصبحت عملية السلام على حافة الانهيار بسبب سياسات وممارسات ومواقف الحكومة الإسرائيلية.‏

                2- إن الصراع لم ينته وسيتخذ أشكالاً أخرى، ومايجري في الخليل والقدس وغزة والجولان وجنوب لبنان أدلة واضحة على ذلك.‏

                3- إن أوسلو (1) وأوسلو(2) من وضع إسرائيل وصياغتها وقد أذعنت لها قيادة عرفات وقبلت بها وتحولت إلى أداة لقمع المناضلين واضطهادهم وأداة في يد إسرائيل للمحافظة على أمنها وأمن المستوطنين والمستوطنات.‏

                4- إن العرب والمسلمين لن يقبلوا أبداً مهما طال الزمن باحتلال القدس وجعلها عاصمة للكيان الصهيوني.‏

                5- إن الأمة العربية تصرّ على حق عودة اللاجئين وتحقيق الانسحاب الشامل وتفكيك المستوطنات.‏

                6- إن العرب والمسلمين يرفضون التطبيع مع إسرائيل ويصرون على مقاطعتها ومقاطعة منتجاتها لذلك تخشى الاستثمارات المجيء إلى المنطقة مما يؤثر على عمل بنك التنمية الاقليمي..‏



                بيان القمة الختامي‏

                أدخلت قمة عمان التعاون الاقتصادي في المنطقة في مرحلة جديدة، إذ لأول مرة في تاريخها تقام مؤسسات إقليمية دائمة ذات أهداف محددة للمحافظة على استمرارية "الشرق أوسطية" وترسيخها. كما أن التوصيات والقرارات التي تم اتخاذها والمؤسسات التي أُنشئت كانت جاهزة قبل انعقاد المؤتمر، حيث أن إسرائيل بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة أعدتها سلفاً، وحملت الولايات المتحدة الدول المشاركة في القمة على تبنيها، فحضور القمة لم يكن إلاّ مجرد جلسات احتفالية للموافقة على ما أعدته إسرائيل وأميركا مسبقاً.‏

                برزت العديد من الآليات الجديدة لتحقيق الأهداف التي وافقت عليها القمة، وتنظيم التعاون الاقتصادي في المنطقة. وترتكز هذه الآليات على تنفيذ المحاور الرئيسية التالية:‏

                * المشاريع المشتركة وخاصة في مجالات المياه، والسياحة، والنفط والغاز والنقل.‏

                * المؤسسات الإقليمية، كالبنك الإقليمي ومنظمة السياحة الإقليمية.‏

                * التبادل التجاري.‏

                "إن الغرض من المؤتمر ليس مجرد تعاون اقتصادي مع إسرائيل، وإنما ترتيب المنطقة اقتصادياً لصالح إسرائيل والولايات المتحدة. ويتم ذلك بالنسبة لإسرائيل من خلال مدها بسوق واسعة لمنتجاتها، وحل مشكلة ندرة المياه فيها، وتوفر لها مصادر المواد الأولية الرخيصة وخصوصاً النفط والغاز الطبيعي، وأيضاً مصادر جديدة لعمالة رخيصة، وتوفير الأموال، عن طريق البنك بنفقة رخيصة نسبياً وبأسعار فائدة مخفضة، وكل هذا يسمح لإسرائيل بمزيد من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عند فتح المنطقة أمامها كما يسمح لها باستيعاب موجات أخرى من المهاجرين".(37).‏

                لقد أنشأت القمة خمس مؤسسات إقليمية، لربط الاقتصادات العربية بالاقتصاد الإسرائيلي، كما شكلت هذه المؤسسات الآليات لفرض هيمنة إسرائيل الاقتصادية على البلدان العربية، والتي ستكون معززة بقوة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وبالوجود العسكري الأميركي في البلدان العربية وتفوق إسرائيل العسكري التقليدي والنووي على جميع البلدان العربية مجتمعة.‏

                وكرست القمة تجزئة الوطن العربي إلى منطقتين جغرافيتين واحدة في شمال افريقيا والأخرى في الشرق الأوسط، وذلك لنزع الهوية العربية عن المنطقة.‏

                وتميز اليوم الأخير في القمة بتوقيع صفقة أنبوب الغاز القطري مع إسرائيل.‏

                وجاء في بيان القمة أن قطر ستستضيف القمة الاقتصادية عام 1997 وأعلن وزير خارجية قطر أن بلاده ستشارك في البنك الذي يعارضه حلفاؤها أعضاء مجلس التعاون الخليجي.‏

                ووقع الأردن خلال القمة مع مصر وقبرص وتركيا وتونس والمغرب وسلطة الحكم الذاتي على ميثاق تأسيس منظمة الشرق الأوسط / البحر المتوسط للسياحة والسفر، وذلك للتعاون بين دول المنطقة وبينها وبين العالم.‏

                وركز البيان الختامي للقمة على خلق الأسس والحوافز لتشجيع التجارة والاستثمار، بغية الوصول إلى حرية تبادل البضائع والرأسمال واليد العاملة عبر الحدود، وعلى إقامة آليات تنفيذية ومشاريع محددة وعقد صفقات ثنائية.‏

                لقد كانت قمة الدار البيضاء وقمة عمان وسائل يهودية ذكية بمباركة أميركية لتمرير مشاريع إسرائيل ومخططاتها الاقتصادية، وفرضها على العرب وتحقيق مالم تستطع إسرائيل تحقيقه عن طريق الحرب.‏

                لقد ذهب العرب إلى قمتي الدار البيضاء وعمان وهم في حالة كبيرة من الانهيار والتمزق والضياع، فاستغلت الولايات المتحدة هذه الأوضاع وحملتهم على الهرولة نحو إسرائيل. وخدم الحضور الكبير لها وللاتحاد الأوروبي دعم الشرعية وإضفائها على التعامل بين العرب وإسرائيل.‏

                وتؤكد الاستنتاجات أن أية مشاريع إقليمية وافقت عليها قمة عمان لن تخرج إلى الوجود ولن يكتب لها النجاح مالم تكن إسرائيل مشاركة فيها، فإسرائيل تعمل جاهدة للتحكم في معظم الصادرات العربية والهيمنة عليها.‏
                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #9
                  رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                  ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)‏

                  مقدمة‏

                  انعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في 12-14 تشرين الثاني 1996 في ظل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن اتفاق أوسلو، وتصعيد الاستيطان والتهديدات المستمرة بإشعال الحرب على سورية، وفي ظل تخلي إسرائيل عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وبالتالي انعقد المؤتمر في ظل تصاعد ممارسة إسرائيل الإرهاب والتوسع والاستيطان والتهديد بالحرب، مما أجبر بعض المسؤولين في الدول العربية على المطالبة بعدم عقده.‏

                  وتُعقد المؤتمرات الاقتصادية عادة تلبية لرغبة الولايات المتحدة التي تحدد مسبقاً المكان والزمان ومن يشترك فيها ومَنْ لا يشترك، وجدول الأعمال والبيان الختامي.‏

                  وتعتبر واشنطن أن مجرد انعقاد المؤتمرات الاقتصادية انجاز كبير على طريق تحقيق الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة العربية. وقد أشرفت على المؤتمر المنظمات نفسها التي أشرفت على انعقاد قمة الدار البيضاء وقمة عمان وهي منظمات معروفة بخضوعها للمخابرات المركزية، وهي:‏

                  1- المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) بسويسرا‌.‏

                  2- مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.‏

                  ويمكن تصنيف المشاركين في المؤتمر بناء على الدعوات التي وجهت إليهم إلى ثلاث مجموعات رئيسية:‏

                  1- الوفود الحكومية، ووجهت الدعوة إلى تسعين دولة.‏

                  2- رجال الأعمال المهتمين بالمنطقة وعدد الذين تلقوا الدعوات حوالي (1500) رجل أعمال.‏

                  3- مجموعة من المفكرين والأكاديميين والكتاب وممثلي الصحافة والإعلام.‏

                  وكان الرئيس مبارك قد ألمح في آب 1996 إلى احتمال إلغاء القمة لتوقف عملية السلام بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطانية والتوسعية، وذلك معاقبة لإسرائيل على تعنتها وإنكارها للحقوق العربية ومبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.‏

                  وأعلن الرئيس مبارك أن المؤتمر لن ينعقد إذا لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية التزاماتها تجاه عملية السلام والاتفاقات التي وقعتها، إلاّّ أن إدارة كلينتون ردت على الفور وأعلنت أن المؤتمر سوف ينعقد في موعده. وانصاعت الحكومة المصرية للضغط الأميركي دون أن تتعهد الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ التزاماتها التي ضمنتها الولايات المتحدة ووقعت عليها.‏

                  وبالتالي فإن مؤتمر القاهرة الاقتصادي عقد بضغط أميركي حيث أجبرت الولايات المتحدة الأميركية الحكومة المصرية على عقد المؤتمر في موعده المحدد لتسويق الشرق أوسطية وتركيز دعائمها وآلياتها وتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.‏

                  وأظهر تراجع الحكومة المصرية عن موقفها بإلغاء عقد المؤتمر أو تأجيله عدم مصداقيتها أمام شعبها والشعوب العربية.‏

                  إن الاستمرار في عقد القمم الاقتصادية يصبُّ في خدمة المصالح الإسرائيلية، فانعقاد مؤتمر القاهرة الاقتصادي ذاته يظهر بجلاء أن سياسات الحكومة الاسرائيلية المتطرفة وممارساتها التوسعية والاستيطانية لم تؤدِ إلى وقف التسوية وأن بإمكان إسرائيل اتخاذ خطوات أكثر تشدداً من الخطوات السابقة دون أن تخشى ردة فعل عربية قوية مؤثرة.‏

                  وجاء انعقاد المؤتمر الاقتصادي الثالث في القاهرة بشكل لم يواكبه تقدم في المسار السياسي وخاصة الانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد نكوص العدو الإسرائيلي حتى عن تنفيذ اتفاق الإذعان في أوسلو الذي صاغه بنفسه ووافقت عليه قيادة عرفات ولا يلبي الحد الأدنى من المطالب الوطنية للشعب العربي الفلسطيني.‏



                  الموقف المصري الرسمي من عقد المؤتمر.‏

                  حاولت مصر في القمة الاقتصادية الثانية في عمان الحد من هرولة بعض العرب للتطبيع مع العدو الإسرائيلي وابلغت إسرائيل في عشية عقد المؤتمر الاقتصادي في القاهرة في الثاني من أيلول 1996 عقب لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي دافيد ليفي مع الرئيس مبارك في الاسكندرية على لسان وزير الخارجية المصري أنه :"لا يمكن التحدث عن التعاون الإقليمي إذا كانت مسارات السلام مشلولة أو معاقة. إن عقد القمة في نوفمبر يتوقف على توفير الأجواء المناسبة والتطبيق النزيه والصحيح للاتفاقيات. المهم هو التنفيذ على أرض الواقع فمن غير المتصور أبداً أن يعقد المؤتمر الاقتصادي دون أن يتم الانسحاب الإسرائيلي من الخليل، هذه مسألة مستحيلة غير معقولة ولا يكفي أن يكون هناك اتفاق على الانسحاب دون تطبيق".(38).‏

                  وفي العاشر من أيلول أكدت الخارجية المصرية أنه "لا يجوز أن يعقد المؤتمر الاقتصادي ثم نسمح له بالفشل، وإذا كانت مصر غير متيقنة من نجاح المؤتمر فإن الأفضل ألاّ يعقد".(39).‏

                  وأعلن د. أسامة الباز، مستشار الرئيس المصري في اليوم التالي: "إن مصر لا تفكر في إلغاء القمة الاقتصادية، وإنما تدرس تأجيلها إلى الربيع القادم لإتاحة الفرصة لتقدم عملية السلام. فالتعاون الإقليمي لا يمكن أن يتم دون تقدم ملموس في عملية السلام".(40).‏

                  وأكد دينس روس، المنسق الأميركي في عملية التسوية في لقائه مع الرئيس مبارك بتاريخ 18/ أيلول /1996 فك ارتباط القمة الاقتصادية عن عملية التسوية، ملمحاً إلى ربط تنفيذ اتفاق الشراكة مع مصر الموقع في أيلول 1994 بانعقاد القمة في موعدها، كما اتصل الرئيس كلينتون وطلب عدم تأجيل عقد المؤتمر الاقتصادي، مما اضطر الرئيس مبارك للتراجع عن فكرة الإلغاء أو حتى التأجيل.‏

                  وسعت القاهرة في الوقت نفسه إلى الحيلولة دون أخذ إسرائيل حصة الأسد والموقع المتميز في المؤتمر وإضفاء الطابع السياسي عليه وأدرجت بندين: الأول يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني، والثاني بالمخاطر التي تواجه عملية السلام.‏

                  لقد نجحت إسرائيل في تعميق الخلافات بين المواقف العربية عن طريق التعامل السياسي والاقتصادي والأمني مع كل بلد عربي على حدة في القمتين الاقتصاديتين وكان ذلك من أهم الإنجازات التي حققها العدو الإسرائيلي.‏

                  ولكن المؤتمر الاقتصادي في القاهرة، كان أفضل من سابقيه بسبب الموقف المصري الرسمي والشعبي.‏

                  لقد ربطت مصر عقد القمة بالتقدم الحقيقي في عملية السلام على المسار الفلسطيني.‏

                  ولكن عملية السلام وصلت إلى طريق مسدود بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية التي حشدت قواتها في الجولان وجنوب لبنان ولوّحت بأشعال الحرب ضد سورية، وصعدت اعتداءاتها في لبنان. وتابعت مصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات اليهودية ورفضت تنفيذ اتفاق انسحاب جيش الاحتلال من مدينة الخليل العربية، وبالتالي فإن عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، وبالتالي نسفت إسرائيل بذلك ربط مصر عقد المؤتمر الاقتصادي بالتقدم في عملية السلام.‏

                  إن الضغط الأميركي السافر هو الذي حمل مصر على تغيير موقفها وعقدت المؤتمر الاقتصادي الثالث في موعده المحدد. وكانت الولايات المتحدة قد هددت بأن تأجيل عقد المؤتمر قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية كبيرة على برنامج الشراكة المصرية الأميركية وعلى إعفاء مصر من جزء من ديونها. وقدمت في نفس الوقت وعوداً لدفع عملية السلام وزيادة الاستثمارات الأميركية في مصر.‏

                  لقد ربطت مصر التعاون الإقليمي بالتقدم في عملية السلام، إلاّ أنها قررت عقد المؤتمر وتجنبت في الوقت نفسه الترويج لمشاريع إقليمية كبرى وإنما حاولت جعله بمثابة منتدى للترويج لاستثمارات داخل مصر وفي كل بلد مشترك في المؤتمر على حدة.‏

                  لقد انعقد المؤتمر في ظل عدم حماس مصري وتحت ضغط أميركي واضح بحجة إنقاذ مسيرة السلام، بينما يكمن السبب الحقيقي في عقده لتحقيق المصالح الأميركية والإسرائيلية. وحملت الإدارة الأميركية مصر على عقده في ظل استعداد إسرائيل للحرب والتلويح بها ضد سورية وفي ظل التنصل الإسرائيلي من الاتفاقيات التي وقعتها. لذلك انفجرت في مصر والبلدان العربية الدعوة لوقف التطبيع الفوري مع العدو التاريخي رداً على سياسته الإرهابية والتوسعية العدوانية والاستيطانية. وهنا يتساءل المرء لماذا تشترك الدول العربية في مؤتمر هدفه إنقاذ إسرائيل من أزماتها الاقتصادية؟‍!‏

                  لقد أصبح من الواضح حتى لبعض الدول العربية التي كانت تهرول إلى تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي أنه من غير المنطقي بحث مشروعات إقليمية مشتركة وإسرائيل تتمسك بالقدس العربية وتخرّب عملية السلام وتغلق أراضي الحكم الذاتي وتتعمد تجهيل الشعب الفلسطيني وإفقاره وتحويله إلى اجراء وعبيد يعملون في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي.‏

                  ففي الوقت الذي جمدت فيه إسرائيل المفاوضات على المسار السوري- اللبناني، وأبطلت مفعول المفاوضات الثنائية وتخلت عن تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها رحب رئيس الحكومة الإسرائيلية بعقد مؤتمر القاهرة وتابع في الوقت نفسه مصادرة الأراضي العربية وإقامة المستوطنات اليهودية وذلك اعتقاداً منه أن الأطراف العربية لها مصلحة في عقد المؤتمر.‏

                  إن متابعة التطبيع والاستمرار في العلاقات مع إسرائيل تزيد من تصلب إسرائيل وأطماعها التوسعية وستؤدي في المستقبل إلى الهيمنة على الثروات العربية. وتطمع حكومة إسرائيل في تحويل مرجعية مدريد إلى شعار السلام، مقابل السلام، بعد أن تخلت عن الشعار الذي رفعته بعد حرب حزيران العدوانية وهو "الأرض مقابل السلام"، وبعد أن كرسته الولايات المتحدة الأميركية في مرجعية مدريد.‏



                  الموقف المصري الشعبي من عقد المؤتمر‏

                  عقدت أحزاب المعارضة المصرية عشية افتتاح مؤتمر القاهرة الاقتصادي مؤتمراً مضاداً تحت عنوان:"مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون بين إسرائيل والدول العربية" تحدث فيه قادة أحزاب المعارضة وممثلوها، حيث أكدوا إدانتهم ورفضهم انعقاد مؤتمر القاهرة في الفترة التي يطلق فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية تهديداته بإشعال حرب عدوانية جديدة ضد سورية ولبنان والتنصل حتى من اتفاق الإذعان في أوسلو الذي صاغه سلفهُ شمعون بيرس.‏

                  وأكدت الأحزاب المصرية أن مشاركة الكيان الصهيوني في المؤتمر تعتبر مكافأة للمعتدي، حيث سيقضي انعقاده على السلاح الوحيد لدى العرب في مواجهة التوسع والاستيطان والغطرسة والتعنت الإسرائيلي، وهو سلاح المقاطعة العربية.‏

                  ودعت الأحزاب المصرية إلى قيام جبهة شعبية ضد كل أشكال التعاون مع العدو الصهيوني وإحياء المقاطعة العربية.‏

                  وأوصى المؤتمر بممارسة الضغوط على الحكومات العربية التي تتعاون مع إسرائيل ووجوب الوقف الفوري لكافة أشكال التطبيع والتصدي للمطبعين ومقاومة الاختراق التطبيعي، والعمل على إحياء المشروع القومي، ومساندة أبناء الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان، وتفعيل العمل العربي عبر المؤسسات الشعبية والرسمية.‏

                  وقد افتتح المؤتمر الذي انعقد بدعوة من اللجنة المصرية لمقاومة التطبيع حسين عبد الرازق أمين اللجنة السياسية في التجمع بكلمة أكد فيها رفض كل أشكال الهيمنة الصهيونية والأميركية على مقدرات الأمة العربية، داعياً جميع القوى السياسية المصرية والعربية إلى التصدي لهذا المخطط الصهيوني العالمي. وتطرق إلى خطورة السوق الشرق أوسطية (41).‏

                  وتطرق الأمين العام للتجمع الدكتور رفعت السعيد في كلمته أمام المؤتمر إلى حالة التردي العربي وقال:" نحن نكافئ المعتدي الإسرائيلي على سفك دماء العرب يومياً وتحديه السافر لكل الاتفاقات والقرارات الدولية. وأعلن رفضه لمؤتمر القاهرة الاقتصادي" (42).‏

                  ودعا ضياء الدين داوود، أمين عام الحزب الناصري أحزاب المعارضة المصرية إلى العمل على بناء جبهة شعبية تبتكر أساليب للمقاومة المستمرة لمواجهة إسرائيل والتردي العربي.‏

                  ودعا إبراهيم شكري رئيس حزب العمل إلى مقاطعة المنتجات الصهيونية والأميركية بعد أن أفقدنا المؤتمر الاقتصادي في القاهرة الورقة الأخيرة لمقاطعة التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بينما دعا إبراهيم بدراوي، ممثل الشيوعيين المصريين أحزاب المعارضة إلى عمل جاد وسط الجماهير وصياغة مشروع نهضوي عربي شامل من أجل إفشال المخطط الإسرائيلي.‏

                  وأصدر المشاركون في مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون مع إسرائيل بياناً عرّى أهداف مؤتمرات القمم الاقتصادية ومضامينها في الدار البيضاء وعمان ومؤتمر القاهرة وتضمن عدداً من التوصيات، هي:‏

                  "دعم وتأكيد موقف القوى الشعبية والسياسية والمنظمات الجماهيرية والهيئات المهنية الرافض للاشتراك في أية مؤتمرات أو تجمعات أو لقاءات تحضرها إسرائيل أو تدعو إلى التعاون معها واعتبار الخروج على هذا الالتزام تحدياً للمشاعر الوطنية والقومية يستدعي المواجهة والحساب.‏

                  - ممارسة كل صور الضغط المتاحة على الحكومات والقيادات العربية التي تتعامل وتتعاون مع إسرائيل لكي توقف على الفور كل السياسات والأنشطة المتصلة مع العدو الصهيوني.‏

                  - التصدي الفعال للقلة من المثقفين الذين أصابهم مس التطبيع مع العدو الصهيوني، والداعين إليه صراحة أو بالالتفاف.‏

                  - العمل على إحياء المشروع القومي العربي الوحدوي الذي يستهدف تحقيق تنمية عربية مستقلة.‏

                  - تعبئة وتوحيد جهود الأحزاب السياسية العربية وكذا المنظمات الجماهيرية والهيئات والاتحادات المهنية والعمالية العربية لحث الحكومات على تفعيل كل المنظمات والمؤسسات العربية القائمة.‏

                  - تكوين جبهة من القوى والفعاليات والحزبية العربية تقوم بوضع استراتيجية قومية تحقق الأماني والأهداف القومية في ظل المتغيرات والظروف الدولية الجديدة وتحدد الأساليب والوسائل العلمية لبلوغ هذه الغايات.‏

                  - تأسيس حركة تضامن مع أبناء الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان.‏

                  - الاستمرار في متابعة ورصد التطبيع في كافة المجالات باستخدام الأساليب والأدوات العلمية الحديثة وتشخيص المخاطر وتوظيف هذه المعلومات لخدمة الأهداف السابقة ولخلق حركة مقاومة واعية ورأى عام مدرك فداحة الخسائر الوطنية والقومية التي تنجم عن التهاون في مقاومة التطبيع"(43).‏

                  إن عقد مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون بين إسرائيل والدول العربية في القاهرة، قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر القاهرة يظهر بجلاء شعور القوى السياسية في مصر بمدى خطورة المؤتمرات الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويتطلب بناء جبهة شعبية عربية لمواجهة إسرائيل والتطبيع معها ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية وتعرية مضمون المؤتمرات الاقتصادية وأهدافها التي جاءت تطبيقاً لمخططات حزب العمل الإسرائيلي وتجسيداً للشرق الأوسط الجديد الذي وضعه شمعون بيرس، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق.‏

                  وعبر أحمد ماهر السيد، السفير المصري لدى الولايات المتحدة في محاضرة ألقاها أمام مركز الحوار العربي في واشنطن بحضور ممثلين عن الجالية العربية عن موقف مصر من المؤتمر وقال:‏

                  "إن مصر قررت تحويل هذا المؤتمر من مؤتمر قمة اقتصادية إلى مؤتمر على مستوى أقل من مستوى القمة. وبذلك حرمت إسرائيل من فرصة جعل رئيس حكومتها النجم الساطع في المؤتمر بحكم أنه في حالة عقد المؤتمر على مستوى القمة كانت إسرائيل ستلعب دوراً مركزياً فيه..‏

                  إن من الثوابت الإسرائيلية أن اليهود قوم عمليون وأنهم يريدون باستمرار أن يأخذوا دون أن يعطوا، ولهذا، تحكمهم في الظروف الحالية مجموعة من الأوهام لابد أن يتخلصوا منها. من بينها وهم الاعتقاد بإمكان تغيير مفهومهم من عملية السلام ومن الاتفاقات التي التزموا بها دون أن يقابل ذلك تغيير في موقف الأطراف العربية وبالأخص مصر. كذلك وهم الاعتقاد بإمكان الاستمرار في إخضاع الشعب الفلسطيني لسيادة إسرائيلية وإنكار حقه في إقامة الدولة المستقلة، ووهم الاعتقاد بإمكان التراجع عن الالتزامات المتعددة في اتفاقات أوسلو بما فيها التزام باعتبار القدس موضوعاً للتفاوض"(44).‏

                  واعتبر رئيس حزب العمل المصري، إبراهيم شكري أن عقد المؤتمر الاقتصادي "يضيّع على العرب فرصة ذهبية للضغط على إسرائيل"(45).‏

                  وتابع يقول إن أضرار المؤتمر على مصر والعرب أكثر من منافعه، وأن دولة اليهود هي الرابح الوحيد من المؤتمر الذي سيتيح لها فرصة للتغلغل الاقتصادي في البلدان العربية.‏

                  جاء انعقاد المؤتمر بعد حرب بيرس العدوانية على لبنان في نيسان 1996 وارتكاب مجزرتي قانا والنبطية، وفي ذروة تهويد القدس وتصعيد الاستيطان، وحرمان الشعب الفلسطيني من المقومات الأساسية لحياته وبناء المستوطنات على أرضه. وكاد أن يؤدي فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتهديد إسرائيل لسورية ولبنان بالحرب إلى إلغاء أو تأجيل عقد المؤتمر لولا التدخل الأميركي الصارم.‏

                  وجاء انعقاده بعد أن حصل الكيان الصهيوني على كل ما أراده وطالب به من الولايات المتحدة الأميركية وضمانات القروض لعشرة مليارات دولار وإلغاء قرار الأمم المتحدة 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، وإلغاء المقاطعة العربية، وفتح مكاتب تجارية للمغرب وتونس وقطر وعمان في تل أبيب..‏

                  وزاد تنفيذ العرب والعالم لمطالب إسرائيل من أطماعها وتعنتها وبطشها، فزادت تعنتاً في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.‏

                  ودخلت مشاريعها المشتركة وبضائعها إلى العديد من الدول العربية كالأردن وبعض دول الخليج وشمال افريقيا، كما قام بعض المستثمرين العرب بتوظيف الأموال العربية لصالحها. إن المؤتمرات الاقتصادية خطأ استراتيجي ارتكبته القيادات العربية استجابة للضغوط الأميركية واليهودية. والمؤتمرات حلقة في سلسلة المخططات التي وضعتها إسرائيل لإقامة "الشرق الأوسط الجديد" لحل أزماتها الاقتصادية على حساب الاقتصادات العربية. وتقلب المؤتمرات أولوية الصراع العربي الصهيوني رأساً على عقب حيث من المألوف أن أولويات التوصل إلى تسويات بعد وقف القتال تبدأ بالقضايا العسكرية أولاً ثم السياسية ثانياً، وأخيراً قضايا التعاون الاقتصادي، وإن أي تجاوز لهذا الترتيب يضعف الموقف التفاوضي للطرف الضعيف. فالقفز من الجوانب السياسية إلى التطبيع يقود إلى وقف مسار التسوية السياسية وتعطيلها ومتابعة التطبيع والتعاون الاقتصادي.‏

                  انعقد مؤتمر القاهرة في مرحلة تراجع الحكومة الإسرائيلية عن المبادئ الأساسية التي أبرمتها مع الجانب الفلسطيني ووقعت عليها الولايات المتحدة وروسيا. وأقدمت الحكومة الإسرائيلية على مجموعة من الممارسات العدوانية التوسعية والأرهابية من شأنها خلق واقع جديد يقود إلى تدمير المصالح والحقوق والثروات العربية، ومنها فتح النفق تحت المسجد الأقصى وتقسيم الخليل كمقدمة لتهويدها وإغلاق الأراضي الفلسطينية والتنقيب عن النفط في الجولان والاستمرار في سرقة ثروته المائية.‏

                  وجاء انعقاد المؤتمر كمكافأة للمعتدي الإسرائيلي على حروبه العدوانية حيث أصبح من التقاليد الإسرائيلية أن تكسب كلما أقدمت على الإضرار بالمنجزات والمصالح والأرض والحقوق العربية وتربح مرتين، مرة عند ممارستها القوة وتدمير القوات والمنجزات العربية ومرة أخرى بالسياسة مقابل خسارة العرب في المرحلتين الأولى والثانية. وجني الأرباح الطائلة من التطبيع والتعاون الاقتصادي.‏

                  ويعني عقد المؤتمر تقديم الاقتصاد على السياسة أي على استرداد الأراضي العربية المحتلة والحقوق المغتصبة ويمثل تخلي الجانب العربي عن ورقة السلاح الاقتصادي.‏

                  تبنت الولايات المتحدة فكرة القمم الاقتصادية التي طرحها بيرس ورابين وحملت العديد من الدول العربية وبشكل خاص المغرب لتبنيها والتحمس لها.‏

                  وجاءت الفكرة الإسرائيلية لفصل الاقتصاد عن السياسة وتقديمه عليها، قبل التوصل إلى تسوية وقبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي فصل قضية الأرض عن التعاون الاقتصادي مع العدو التاريخي للعروبة والإسلام، وذلك لإدراج الكيان الصهيوني في النسيج العربي وإعادة صياغة المنطقة العربية بثوب جديد هو "الشرق الأوسط الجديد"، وبالتالي فلا انسحاب من الضفة الغربية والقدس العربية والجولان وجنوب لبنان وإنما هيمنة العدو الإسرائيلي على الثروات العربية باعتباره أكبر قوة عسكرية في المنطقة يتفوق على جميع البلدان العربية ويتسلح بترسانة نووية، وبالتالي تقود القمم الاقتصادية إلى جعل إسرائيل المركز والقائد والمهيمن على المنطقة لتحقيق حلم اليهودية العالمية بإقامة "إسرائيل العظمى" كمركز لها طمعاً في فرض سيطرتها على العالم.‏

                  إن أحزاب المعارضة المصرية كانت على حق في أدانتها عقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي لأن المؤتمر ليس في مصلحة الوطن والمواطن العربي، لا في مصلحته ولا في مصلحة وطنه، بل على حسابه لصالح الكيان الصهيوني واليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية.‏



                  افتتاح المؤتمر‏

                  انعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي وسط قناعة راسخة لدى المسؤولين ورجال الأعمال العرب بأن الضغط الأميركي هو الذي أدى إلى عقده في موعده المحدد.‏

                  واعتقدوا أن المؤتمر لن ينجح بسبب موقف إسرائيل الرافضة للسلام.‏

                  واتخذت الغرفة التجارية المصرية مواقف حذرة من عقده نابعة من التمسك بالحقوق والمصالح العربية وإيماناً منها بأنه لا يجوز مكافأة إسرائيل المعتدية على مواقفها المتعنتة.‏

                  وزاد من التشاؤم أن المستثمرين الأجانب لا يستثمرون في مناطق مهددة بعدم الهدوء والاستقرار.‏

                  افتتحه الرئيس حسني مبارك بتاريخ 12 تشرين الثاني 1996 بمركز القاهرة للمؤتمرات وبحضور وفود من (78) دولة و 52 منظمة دولية وعربية وإقليمية و (4600) مشارك، منهم (2600) من رجال الأعمال. وقال الرئيس مبارك في خطابه الافتتاحي:-‏

                  "إن المنطقة تمر بمفترق طرق صعب، يلزمنا بالاختيار بين أن نبقى أسرى للماضي وبين التقدم صوب المستقبل؟ وأضاف أن هذه المنطقة تحتاج إلى إعادة بناء بعض مؤسساتها، ومن أجل صياغة قوانين جديدة من أجل المشاركة في مسيرة الاقتصاد العالمي. وإن مصر اختارت السلام وهي تقود مسيرة السلام وتساعد الأطراف الأخرى. وأضاف أننا نشهد مولداً جديداً للشرق الأوسط وأن دول المنطقة تتوق إلى مستقبل مشترك". (46)‏

                  وتابع الرئيس مبارك خطابه الافتتاحي قائلاً:‏

                  "إننا نشهد اليوم إعادة بعث وإحياء جديد لمنطقة الشرق الأوسط يقوم بتوليد ديناميكية جديدة في المنطقة، ديناميكية الرخاء والكفاءة والتعاون المشترك، ومامن شك في أن هذا الجمع الدولي الحاشد الذي يلتقي اليوم في القاهرة بعد لقائين مثمرين في الدار البيضاء عام 1994 وفي عمان كان 1995، يشارك المنطقة تشوقها العميق إلى غد أفضل لأبنائها". (47)‏

                  وأكد الرئيس مبارك على ضرورة إرساء السلام الشامل من أجل جني ثمار التكامل الاقتصادي وأنه لا اندماج اقتصادي بدون سلام شامل. وأعرب عن توظيف موارد المنطقة لمصلحة الشعوب مما يتطلب إقامة سلام عادل وشامل وضرورة الالتزام بسلام قائم على الحق والعدل والحرية. وشدد أيضاً على ضرورة "إرساء السلام الشامل بجدية كاملة وعلى كل المسارات وبشكل لا رجعة فيه". (48)‏

                  وألقى وزير الخارجية الأميركي كلمة الولايات المتحدة في افتتاح المؤتمر. وأشاد بمواقف الرئيس مبارك واستضافة مصر للمؤتمر. وأكد التزام الولايات المتحدة بتسوية النزاع في المنطقة على أساس المبادئ التي اتفقت عليها الأطراف، وقال إنه بدون أمن فلن يكون هناك سلام وبدون سلام لن يكون هناك أمن.‏

                  وأشار وزير الخارجية الأميركي إلى آليات التعاون الإقليمي مثل اتحاد غرف السياحة، واتحاد رجال الأعمال وبنك التنمية. وأشاد بإجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر وقال إن الولايات المتحدة ستزيد من تعاونها الاقتصادي مع مصر.‏

                  وقال وزير الخارجية الأميركي:‏

                  " هناك مكاسب تاريخية يجب الحفاظ عليها، مكاسب تستطيع الأطراف البناء عليها، هناك اتفاقان تاريخيان بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهناك محاولات لوضع حد للإرهاب، هناك اتفاقية سلام بين إسرائيل و الأردن وسلسلة جديدة من الاتصالات الدبلوماسية والتجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهناك فرصة لإحلال السلام الشامل الذي يعم سورية ولبنان". (49)‏

                  لقد سعت الولايات المتحدة إلى التأكيد على عقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي معتبرة عقده مهمة أساسية في ظروف المنطقة الراهنة، فليس مهماً لها أن تتقدم عملية السلام وتلتزم إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها.‏

                  المهم للإدارة الأميركية عقد المؤتمر بغض النظر عن نجاحه أو فشله لجعله آلية دائمة مستمرة لخدمة مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي. بالرغم من أن القاهرة قد أعلنت أنها لا تستطيع استضافة المؤتمر ما دامت الحكومة الإسرائيلية تزرع الألغام في طريق التسوية.‏

                  تحدث الصهيوني مارتن انديك، سفير الولايات المتحدة الأميركية في الكيان الصهيوني أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة عشية انعقاد المؤتمر وركز على تنمية سياسات التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل باعتبارها السبيل الأفضل لتحقيق السلام الكامل في المنطقة وقال: "إن الحكومة الإسرائيلية حكومة مسؤولة. إنني أعتقد أن كل من تعاملوا معها خرجوا بإيمان فعلي بأنها حكومة تحترم التزاماتها". (50)‏

                  وأشار إلى أن الإسرائيليين قبلوا كل تلك المخاطر من أجل السلام، ومع ذلك لم تتحسن العلاقات مع مصر. وتابع انحيازه للعدو الإسرائيلي مبرراً سياسة نتن ياهو الإرهابية والتوسعية والتي أوصلت العملية السلمية إلى طريق مسدود قائلاً:‏

                  "إن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو هي الإبطاء من أجل تعزيز مسيرة السلام...‏

                  إن إسرائيل لم تتخل عن السلام ولكنها تبحث عن السلام الأكثر أمناً".(51)‏

                  إن مارتن انديك الذي رسم مخططات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، عندما كان عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي ومدير مركز واشنطون لدراسات الشرق الأوسط يهودي متطرف يؤيد اختزال رئيس الحكومة الإسرائيلي لقضية فلسطين وشعبها في عملية إعادة انتشار جيش الاحتلال اليهودي في الخليل كمقدمة لتهويدها كما حصل في مدينة القدس.‏

                  لقد حذّر ستيورات ايزينستات، وكيل وزارة التجارة الأميركية إسرائيل من أنها تجازف بخسران الازدهار الاقتصادي إن لم تواصل عملية السلام. وأكد المسؤول الأميركي أن اتفاقات السلام هي التي خلقت المناخ الدولي الذي أدى إلى إقبال دول العالم على شراء المنتجات الإسرائيلية.‏

                  وأشار أنه نتيجة لذلك بات الإسرائيليون يتمتعون بمستوى معيشة أفضل يجب ألاّ يعتبروه أمراً مسلماً به. وانتقد الطوق الذي فرضته إسرائيل على الضفة والقطاع وقال إن تلك الإجراءات التي تقول إسرائيل إن الغرض منها التصدي للمخاطر التي تهدد أمنها أدت في واقع الأمر إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني. (52)‏

                  إن تراجع مصر عن تهديدها بتأجيل عقد المؤتمر وعدم تنفيذ هذا التهديد الذي ينبع من خدمة المصالح المصرية والعربية زاد من الغطرسة والتصلب الإسرائيلي ومن استخفاف إسرائيل بموقف مصر وبالموقف والحقوق العربية.‏

                  ولقيت كلمة وزير الخارجية الأميركي استقبالاً فاتراً في المؤتمر لأنه لم يتجرأ على توجيه اللوم إلى إسرائيل خوفاً من اللوبي اليهودي ولالتقاء مصالح البلدين في معاداة العروبة والإسلام، كما رفض المنسق الأميركي الحديث عن إسرائيل بأنها الطرف المتعنت في المفاوضات، لأنه يهودي أولاً وأمريكي ثانياً يهمه بالدرجة الأولى خدمة إسرائيل واليهودية العالمية.‏

                  كما أعلنت وزارة التجارة الأميركية عن المشروعات المطروحة للاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تحتل المشروعات المشتركة بين الأردن وإسرائيل مكان الصدارة فيها، وعلى الأخص في مجالات المياه والري والاتصالات والسياحة، وذلك لتكوين رابطة إسرائيلية- أردنية تلحق بها سلطة الحكم الذاتي. وتتجه معظم المشاريع الأميركية لتدعيم مركز إسرائيل القيادي في المنطقة. ووجهت المشروعات الأميركية اهتماماً خاصاً بقطر والكويت في منطقة الخليج وبتونس والمغرب في شمال أفريقيا.‏

                  وأكد وزير الاقتصاد الروسي في كلمته أن روسيا تأمل في أن يوجد مثل هذا المؤتمر مناخاً مواتياً في المنطقة لتحقيق التسوية الشاملة وأن يسهم في تحويل المنطقة إلى منطقة تعاون مفيدة لجميع الأطراف وإيجاد الشروط الأساسية للتعاون الإقليمي.‏

                  وأكد ديك سبرنج وزير خارجية إيرلندا، ورئيس الاتحاد الأوروبي" أن الاستثمار والتعاون يتطلبان الاستقرار والأمن. وأن الوقت قد حان لأن يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم لعملية السلام، مؤكداً أن الدعم الأوروبي يستند إلى التجاور الجغرافي، وشبكة من العلاقات مع دول المنطقة. وأضاف أن تحقيق السلام الشامل يتطلب التنفيذ الكامل للاتفاقيات الموقعة والقرارات الدولية، وإقرار مبدأ الأرض مقابل السلام. وألحّ على استعادة "روح مؤتمر مدريد من أجل سلام دائم وشامل استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومن دون تأخير"(53).‏

                  وأكد أن دور أوروبا استكمالاً للدور المهم الذي تقوم به الولايات المتحدة. وعبر عن قلق أوروبا من بطء المفاوضات. وتحدث في الجلسة الافتتاحية كلاوس شفاب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) وأوضح أن هناك ثلاث قواعد ذهبية يجب الأخذ بها، منها إضفاء الطابع الإقليمي وإيجاد البيئة الملائمة لبناء المستقبل، وتوفير مناخ ملائم للمستثمرين ونشر الأفكار الثقافية التي تدعو إلى تحقيق أفضل إنتاج، وإيجاد الثقة عن طريق عدم التدخل من قبل الحكومة.‏

                  وعقب انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر باشرت اللجان الفرعية وورش العمل المنبثقة عن المؤتمر أعمالها كلجنة السلام والتنمية الاقتصادية، ولجنة السلام وتقويم مخاطر الاستثمار. وتقرر تخصيص جلسة عمل مستقلة للاقتصاد الفلسطيني. وجرى بحث قضايا السلام والاستثمار والتعاون الإقليمي والدولي في مختلف اللجان.‏

                  وعبر عمرو موسى وزير خارجية مصر في المؤتمر عن طبيعته التي تختلف عن طبيعة القمة الأولى والثانية حيث أكدتا مركزية إسرائيل في التعاون الإقليمي ومنحتاها دوراً متميزاً وقال: "كان هناك مفهوم خاطئ منذ البداية، وهو أن كل مشروع يجب أن يمر بإسرائيل، إسرائيل ليست المحور ولا المركز، إنها دولة مثلها مثل سواها، والتعاون الإقليمي لكي يتحقق لابد من عمل إقليمي". (54)‏

                  وفي مناخ سياسي غير صحي ملبَّد الغيوم، كما وصفه عمرو موسى لابد أن يتأثر المؤتمر الاقتصادي في جوه العام، بل أن يعبر أيضاً عن هذا الجو.‏

                  وكانت ثمانية اتحادات صناعية فلسطينية في مناطق الحكم الذاتي قد أعلنت مقاطعتها للمؤتمر احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى عرقلة التطور الاقتصادي عن طريق إجراءات الحصار والإغلاقات المتكررة والحد من حرية تنقل الأفراد والسلع وإعاقة عمليات الاستيراد والتصدير.‏

                  وقالت الاتحادات الصناعية في بيان أصدرته في 4/11/1996: "إن اتفاقات اوسلو لم تؤد إلاّ إلى زرع الحدود بين مدننا وتعميق جذور التشتت بين أبناء شعبنا. وأصبح من الصعب التنقل بين المدن والمناطق مما أدى إلى زيادة تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة الذي تجاوز50%"(55).‏



                  المؤتمر والاستثمار في المنطقة‏

                  يرغب المستثمر في وجود استقرار لاستثمار أمواله وهذا غير متوفر في المنطقة، فالمنطقة لن تعرف الهدوء والاستقرار مادامت إسرائيل قوية وبسبب أطماعها في الأراضي والثروات العربية وتمسكها بمزاعم وخرافات وأساطير توراتية بالية معادية لأبسط المفاهيم الإنسانية ومصالح شعوب المنطقة وحقوقها.‏

                  إن سياسية إسرائيل وممارساتها بدءاً من مصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات واستقدام المهاجرين تجعل المنطقة كبرميل بارود قابل للاشتعال في أي وقت.‏

                  فأميركا تعمل على أن تساعد الشؤون المالية تحقيق أطماع إسرائيل في فلسطين العربية والثروات المائية في لبنان والجولان.‏

                  لقد قاطعت سورية ولبنان المؤتمر، وأقبلت عليه دول الخليج دون حماس باستثناء قطر. وتحفظت بعض الدول التي كانت تهرول في تطبيع العلاقات مع العدو. ولم تحضره ليبيا والعراق والسودان وإيران لعدم توجيه الدعوات لها، ولأسباب سياسية عند البعض منهم حتى لو وجهت لهم الدعوات.‏

                  لقد قام الموقف السوري واللبناني على رفض المفاوضات المتعددة الأطراف ورفض الاشتراك في القمم الاقتصادية ورفض النتائج التي تمخضت عنها، بينما انصاعت مصر لعقده تلبية للطلب الأميركي، ولذلك فإن مواقفها في المؤتمر لم تكن مع تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل وإنما جلب الاستثمارات العالمية لمصر.‏

                  حيا وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر رجال الأعمال العرب الذي أقاموا علاقات اقتصادية مع إسرائيل ووصف الدكتور إبراهيم فوزي، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار في مصر مؤتمر القاهرة بأنه "يعد تحويلاً نوعياً في سلسلة مؤتمرات التعاون الإقليمي في المنطقة وإن ذلك التحول يكمن في إلغاء فكرة كون إسرائيل محوراً لكل الأنشطة الاقتصادية ذات الطبيعة الإقليمية في المنطقة، كما كانت تحاول أن تروج لذلك في مؤتمر الدار البيضاء وعمان". (56)‏

                  وأعلن عدد كبير من رجال الأعمال المصريين المشاركين في المؤتمر "رفضهم عقد صفقات تجارية مع نظرائهم الإسرائيليين. وأجمع رجال الأعمال المصريون على أن كل خطوة نحو تعاون إقليمي يشمل إسرائيل تعتمد على تحقيق السلام الشامل بالمنطقة".‏

                  وأشار محمود عبد العزيز، رئيس البنك الأهلي المصري واتحاد البنوك المصرية إلى "أن رجال الأعمال لا يعقدون صفقات أو يدخلون في مشروعات مشتركة إلاّ إذا حظيت بموافقة القيادة السياسية وهو مالا يتوافر حالياً بالنسبة للمشروعات المشتركة مع إسرائيل". (57)‏

                  وحدد د.كمال درويش، نائب البنك الدولي أمام المؤتمر ثلاثة عوامل تؤثر في جذب الاستثمار إلى المنطقة: الأول ضرورة دعم الاستقرار الاقتصادي وتهيئة المناخ المناسب. والثاني: إيجاد المزيد من الثقة لخفض معدل المخاطرة -والثالث: العمل على خفض المخاطر السياسية. وصرح شريف غالب، مدير المؤسسة الخليجية للاستثمار التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي حول المشاركة وقال: "أعتقد أن دوافع المشاركة سياسية وليست اقتصادية، وأوضح أن الدول الست تولي التبادل التجاري مع إسرائيل أهمية محدودة". (58)‏

                  وأبدى المدير العام للصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التابع لجامعة الدول العربية عبد اللطيف الحمد رأيه حول العلاقة مع إسرائيل وقال:‏

                  "إن بنك التنمية للشرق الأوسط يجب أن يكون ثمرة السلام". (59) ويجسد هذا الموقف موقف السعودية والكويت، حيث تعتبران أن الأولوية هي للسلام الشامل في المنطقة وليس لإنشاء مؤسسات جديدة.‏

                  وتجلى الموقف السعودي بعدم الإضرار بمؤتمر القاهرة وفي نفس الوقت عدم الحماس له لأن السعودية تعارض إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل قبل التسوية الشاملة في المنطقة. شاركت الدول الخليجية بتحفظ باستثناء قطر ولم تبد حماساً للاستثمار في مشاريع مشتركة أو تمويل بنك التنمية. ولعبت السعودية دوراً لدعم الموقف العربي سياسياً وليس لتنمية العلاقات مع إسرائيل، إلاّ أن كلاً من قطر وسلطنة عمان قد وقعتا اتفاقية مع إسرائيل لتبادل مكاتب التمثيل التجاري.‏

                  وعلق عبد الرحمن الزامل، رئيس مجلس إدارة شركة الزامل على مشاركة دول التعاون الخليجي في مؤتمر القاهرة موضحاً أن من الأفضل الاستثمار في منطقتهم وقال "إن الاسثتمار الخليجي فيه نوع من التضحية في تلك المنطقة، وإسرائيل لا تستحق التضحية ولا الاحترام والتقدير لأنها نقضت كل العهود والمواثيق التي وقعت عليها". (60)‏

                  وأدى تعثر المسيرة السلمية إلى عدم رغبة الأطراف الإقليمية في المشاركة في بنك التنمية.‏

                  وبالرغم من الجهود المصرية لتحجيم المكاسب الإسرائيلية في المؤتمر وخصوصاً الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لتجاهل محاولات التقارب من قبل الشركات الإسرائيلية "قام رجال أعمال معظمهم قطريون وإماراتيون بزيارة الجناح الإسرائيلي في المؤتمر، في حين تحدث رجال أعمال إسرائيليون عن صفقات أبرمت مع رجال الأعمال الخليجيين ولكن على قاعدة التكتم". (62)‏

                  " وقد أثار موقف مصر حفيظة واستياء الوفد الإسرائيلي الذي عبر عدة مرات عن خيبة أمله من سوء استقبال المصريين وسوء تعامل الوفود العربية، الأمر الذي حدا بالوفد الإسرائيلي إلى إلغاء كلمته".(63)‏

                  ويقول الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم أباظة عن مؤتمر القاهرة إنه "يأتي وسط تعثر سياسي لمسيرة السلام وهو يهدف إلى دعم الأوضاع الاقتصادية الإسرائيلية التي تتعمد تعطيل الخط السياسي الهادف للسلام... إن المؤتمر وفقاً لتطورات الأوضاع الاقتصادية في المنطقة وعلاقاتها بالعالم يحقق الرؤية الإسرائيلية لإقامة علاقات اقتصادية متميزة يكون لإسرائيل فيها نصيب الأسد وللعرب نصيب الفأر". (63)‏

                  ولكن تصدر بين الحين والآخر تصريحات ومواقف لرجال أعمال مصريين تخدم هيمنة إسرائيل الاقتصادية حيث يقول المهندس طاهر الشريف، مدير اللجنة التنفيذية للقطاع الخاص "إن رجال الأعمال المصريين يضعون أيديهم في أيدي رجال الأعمال الإسرائيليين لأنهم يبغون السلام ويرفضون سياسة حكومة الليكود. ويضيف طاهر الشريف من وجهة نظره أنه ربما يكون التعاون الاقتصادي هو الطريق للتمهيد للسلام في الشرق الأوسط مما يؤدي إلى التنمية".(64)‏

                  واجتمع رجال استثمار يهود مع يوسف والي وزير الزراعة المصري ورجال أعمال من مصر. وتضمنت الورقة المصرية للمؤتمر أربعة أنواع من مشاريع التعاون الإقليمي. الأول: مشاريع بُدئ في تنفيذها في إطار متابعة نتائج قمة عمان الاقتصادية. والثاني: مشاريع قيد الدرس كمشروع لإنشاء مجمع للطاقة لدول حوض البحر الأبيض المتوسط. والثالث مركز رصد حركة الزلازل في خليج العقبة. والرابع يتعلق بمشاريع ذات طابع اجتماعي مثل إنشاء مركز إقليمي لرعاية المعوقين.‏

                  وخيمت الأجواء السياسية المتوترة في المنطقة على المؤتمر. وعقد وزراء دول مجموعة طابا اجتماعاً على هامشه. وأصدروا بياناً ذكروا فيه أهمية تنمية الاقتصاد الفلسطيني وأهمية إنهاء الإغلاق والحصار الإسرائيلي باعتبارها خطوة ضرورية لتنمية اقتصادات المنطقة ككل.‏

                  وأكد المشتركون في الاجتماع وهم وزراء التجارة والاقتصاد والمالية في الدول الخمس الأهمية القصوى لتنمية الاقتصاد الفلسطيني.‏

                  وعقب الاجتماع صرح ماهر المصري وزير الاقتصاد الفلسطيني بأن الوضع السيء في الأراضي الفلسطينية هو نتيجة للممارسات الإسرائيلية. وأكد أن السلام لايمكن أن يأتي من خلال إجراءات الأمن وحدها ولكن من خلال إعادة الحقوق لأصحابها والمضي في الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل". (65).‏

                  وكشف كلاوس شفاب عن الهدف من عقد المؤتمرات الاقتصادية وقال: "الهدف من المؤتمرات إبجاد فئات من المستفيدين من عملية التسوية دولاً وحكومات وأفراداً وشركات. وكانت السنوات الأولى للسلام منعشة للاقتصاد الإسرائيلي بحيث بدأوا يتحدثون عن عدم حاجتهم للمساعدات الأميركية. ويشدد على أن أي تنمية اقتصادية في المنطقة باتت في أيدي رجال الأعمال ولم تعد في أيدي الحكومات وحدها، وأن مجتمع الأعمال مستعد للاضطلاع بدور متقدم في المنطقة". (66).‏



                  حكومة نتن ياهو والمؤتمر‏

                  أعلنت مصر قبل انعقاد المؤتمر عن نيتها في تأجيل انعقاده نظراً لتخلي الحكومة الإسرائيلية عن مرجعية مدريد واتفاق أوسلو، مما أثار غضب الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وإسرائيل. ومارس الرئيس كلنتون أقصى الضغوط على مصر لعقده في موعده.‏

                  وانصاعت مصر لرغبة إسرائيل عن طريق الضغط الأميركي المباشر ولكنها أعلنت أن التعاون الإقليمي يأتي بعد الاتفاق النهائي، بينما ظل العدو الإسرائيلي محافظاً على أطماعه في التمسك بالتعاون الاقتصادي والتطبيع أولاً ثم حل المشاكل السياسية فيما بعد لكي يتسنى له تحقيق كامل المزاعم والخرافات اليهودية في الأرض والثروات العربية.‏

                  ونظرت حكومة نتن ياهو إلى مؤتمر القاهرة على أنه فرصة لتنفيذ مشاريع إقليمية مع البلدان العربية المجاورة، على "رغم تأكيد الحكومة المصرية تكراراً أن الاجتماع لن يقر أي مشروع تكون إسرائيل طرفاً فيه بسبب حال الجمود في مسيرة السلام في الشرق الأوسط"(67).‏

                  وحض نتن ياهو رجال الأعمال الإسرائيليين على المشاركة في أعمال المؤتمر مؤكداً أن وزير خارجيته سيترأس وفد إسرائيل الذي سيضم خمسة وزراء ومائة من رجال الأعمال. وخاطبهم قائلاً:‏

                  "اذهبوا إلى القاهرة لعقد الصفقات. هذا جيد لليهود وجيد للعرب والسلام".(68)‏

                  وأكد بيرس صاحب فكرة المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا " الشرق الأوسط الجديد الذي يرتكز على السلام والتنمية الاقتصادية الإقليمية لم يمت وقال إن عملية السلام يجب أن تسير على قدمين إحداهما سياسية والثانية اقتصادية". (69)‏

                  احتوى الكتاب الإسرائيلي (الورقة الإسرائيلية) للمؤتمر على ثلاث كلمات: الأولى لرئيس الوزراء نتن ياهو وهي بعنوان التعاون الاقتصادي الإقليمي، مساندة السلام في الشرق الأوسط.‏

                  والثانية بعنوان: "السلام والتنمية البشرية في الشرق الأوسط لدافيد ليفي وزير الخارجية.‏

                  والثالثة بعنوان: "عملية السلام والتنمية الاقتصادية لدان ميريدور، وزير المالية. وتضمنت الورقة الإسرائيلية ثلاثة مواضيع زيادة على المواضيع العشرة التي تضمنتها الورقة السابقة وهي: الصحة والمحميات والموارد البشرية.‏

                  وجاء في مقدمة الورقة الإسرائيلية التي كتبها نتن ياهو مايلي:‏

                  "البعض يعتقد أن السلام هوالقاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية، وآخرون يعتقدون أن الروابط الاقتصادية توجد المناخ الصحيح للسلام، ونحن أضفنا أنه بدون الأمن لا يصبح الوضع ممهداً للاستثمار الأجنبي".(70)‏

                  وقدمت إسرائيل للمؤتمر ورقة بعنوان "برامج للتعاون الإقليمي" وقسّموا مناطق التنمية إلى ثلاث: وادي الأردن، ومنطقة طابا وإيلات والعقبة وجنوب شرق المتوسط. وركّزت الورقة على الأردن وخاصة منطقة وادي الأردن والعقبة وجعل الأردن مدخلاً لإسرائيل إلى دول الخليج العربية.‏

                  وتضمنت الورقة مشروع ريفيرا البحر الأحمر كمشروع إسرائيلي -مصري -أردني مشترك، مع العلم بأن مساحة السواحل الإسرائيلية على خليج العقبة صغيرة جداً وتبلغ ثلاثة كيلومترات يشغلها ميناء إيلات، بينما تبلغ السواحل المصرية (167)كم والأردنية 17كم، وبالتالي تريد إسرائيل اغتصاب موقع مصر والأردن السياحي كما اغتصبت موقع القدس العربية وبيت لحم وطبرية والناصرة.‏

                  وتعتبر الأحزاب المصرية المعارضة "إن فيزا خليج العقبة وحصة البترول الإجبارية لإسرائيل مظاهر ماسة بالسيادة ينبغي أن تختفي كلها". (71)‏

                  لقد قام التصور الإسرائيلي للمؤتمر على تقديم مشاريع مشتركة للتعاون مع الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي، وبرز فيها عدد من المشاريع الممكنة التنفيذ في مناطق ثلاث، حيث تطمح إلى تنفيذ (13) مشروعاً لربط شبكات الكهرباء ومد أنابيب الغاز، وإنشاء طرق للسكك الحديدية ومشاريع سياحية.‏

                  أما في منطقة الغور وخليج العقبة فعدد المشاريع الإسرائيلية (28) وأهمها شق قناة تربط البحر الأحمر والبحر الميت، ومشروع الريفيرا ومنطقة صناعية حرة في وادي الأردن.‏

                  ويتجلى الطمع والاستعلاء في نظرة إسرائيل المستقبلية للسلام وممارساتها في المنطقة بحيث تضع التعاون الإقليمي والأمن وانتهاك الحقوق والسيادة العربية ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية قبل السلام.‏

                  ويصر نتنياهو على شعار "السلام مقابل السلام" بديلاً عن شعار "الأرض مقابل السلام" معتقداً أن بعض الدول العربية ستؤيد إسرائيل وتتعامل معها أملاً في دعمها لاستقرار هذه الأنظمة عن طريق الموساد وفتح الأبواب لها في الولايات المتحدة الأميركية والتوسط لها لدى دوائر المال والأعمال العالمية ولدى الشركات العالمية المتعددة الجنسيات. وهكذا تحقق هذه النظم العربية بعض عناصرالأمن لها مقابل التنازل عن استرداد الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس والمقدسات الإسلامية. وفي الوقت نفسه تحقق إسرائيل أمنها عن طريق الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة والتوسع فيها وبناء المستوطنات عليها، وبالتالي تكون تلك الدول العربية قد ساعدت الحكومة الإسرائيلية على تحقيق الأمن الإسرائيلي مقابل أمنها وأمن العدو الإسرائيلي.‏

                  وكرر وزير المال الإسرائيلي دان ميريدور الشكوى من بطء التطبيع مع مصر مقارناً إياه بالتقدم مع الأردن.‏

                  لقد طلبت السعودية من المؤتمر توجيه رسالة إلى إسرائيل بأن التعاون الإقليمي مرهون بانسحابها من كل الأراضي العربية المحتلة. وهاجمت سياسات إسرائيل ومحاولاتها تكريس الاحتلال.‏

                  وطالب وزير التخطيط الفلسطيني بعدم إبرام عقود مع إسرائيل في المؤتمر مالم تلتزم بعملية السلام وقال:‏

                  "مازلنا مؤمنين بعملية السلام ومن العدل أن تمارس كل الضغوط من أجله".(72)‏

                  وأكد دان ميريدور أن وفد بلاده من الرسميين ورجال الأعمال لقي معاملة جيدة من الدولة المضيفة ومن جانب بقية الدول العربية، وأن إسرائيل مرتاحة لأعمال المؤتمر ونتائجه. واستطاع بسهولة الاجتماع مع العديد من المسؤولين العرب، وأن هذه الاجتماعات تمت بطلب من المسؤولين العرب. ونفى أن بلده تعرّض إلى عزلة إقليمية في المؤتمر. ورفض تأكيد التزام إسرائيل بمبدأ مقايضة الأرض بالسلام.‏

                  وأكد دان ميريدور، وزير المالية الإسرائيلية أن حكومته تركز في المقام الأول على التعاون الاقتصادي الإقليمي، لأنه ركيزة أساسية في التسوية السلمية. ومن ثم جئنا بمفهوم الاقتصاد أولاً حتى تنتهي كل المشاكل السياسية... وأتمنى أن لا نجعل الاقتصاد أسير السياسة". (73)‏

                  وأبدى بعض رجال الأعمال العرب رأيهم في بنك التنمية الذي طرحته إسرائيل وتبنته الولايات المتحدة الأميركية وأكدوا "أن البنك لن يقوم في النهاية، وأنه كان مرتبطاً بفكرة بيرس" أموال العرب وسواعد المصريين وعقول الإسرائيليين"، والآن لم يعد لبيرس ولا لفكرته ذات الوجود أو شبه القبول الذي كان". (74).‏

                  وطالب عضو الوفد الإسرائيلي الرسمي كانلاج كوجلر أنه: "لا بد من أن ننأى بالأمور الاقتصادية بعيداً عن السياسة. وأعتقد أن مؤتمر القاهرة الاقتصادي أفضل من بقية المؤتمرات السابقة. فلقد تغيرت الظروف المحيطة بنا. في المؤتمرين السابقين كنا نبحث عن شركاء في شمال أفريقيا لكن اليوم نحن نريد شركاء مصريين. فهم أقرب الناس إلينا الآن. وفي الماضي كنا نعتمد على وسطاء أمركيين لتحقيق ذلك وأعتقد أننا لا نحتاجهم في مؤتمر القاهرة الاقتصادي بقدر ما نحتاج إلى رجال الأعمال المصريين. هذه فرصة للتحدث معهم حول عقد الصفقات وإقامة المشروعات المشتركة". (75)‏

                  وهاجمت الصحف الإسرائيلية الرئيس مبارك ووزير الخارجية عمرو موسى. وكتبت هآرتس تقول:‏

                  "فعقد المؤتمر ومشاركة إسرائيل مشروطان بقبول إملاءات القاهرة بالنسبة للسلام، وبإمكان إسرائيل أن تساهم في الشرق الأوسط الجديد الذي تتزعمه القاهرة فقط، إن هي عادت إلى حجمها الطبيعي. وقال كاتب المقال بوقاحة لا يحسد عليها: "وكدجاجة تقف على كومة قمامة انتصب الرئيس المصري حسني مبارك وقام بالتنظير والتبشير بقوله: إن الأعداء المشتركين للمسلمين والمسيحيين واليهود هي الفقر والأمية وانعدام الصبر والتسامح والتعليم، وإن على إسرائيل أن تطبق مبدأ الأرض مقابل السلام، وإلاّ فإنها ستكون المتهمة بجريرة ضياع الحلُم". (76).‏

                  وكانت إحدى الصحف الإسبوعية قد ذكرت أن الأميركيين قد عبروا لرئيس مجلس الوزراء المصري عن رغبتهم في ألا يروا عمرو موسى في التشكيل الوزاري القادم، وهذا منتهى التدخل الوقح في شؤون مصر الداخلية.‏

                  واعتبرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن مؤتمر القاهرة كان فاشلاً بسبب الدور الذي لعبته مصر. وقالت إن المؤتمر قد فشل في تحقيق هدفه الأساسي وهو أن يظهر للعالم أن منطقة الشرق الأوسط مفتوحة للاستثمار، وأحاطت مصر المؤتمر بأزمات شملت تهديدات بإلغائه، كما أنها جعلت عربة السياسة تسبق عربة الاقتصاد.‏

                  واختتمت الجريدة مقالها بقولها: "لقد حان الوقت للعالم العربي كي يفهم أنه لا يمكن أن ينال الثمار التي يريدها من الاقتصاد العالمي بينما هو يواصل نزاعه مع إسرائيل. وعلى العالم العربي أن يفعل ما بوسعه لعدم الربط بين التعاون الاقتصادي وعملية السلام لأن مثل هذا التعاون لا يمكنه بمفرده أن يجلب السلام ولا يمكنه في انتظار السلام الكامل". (77).‏

                  ورفض المؤتمر تبرير الإغلاق والحصار الذي فرضته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بمعزوفة الأمن الإسرائيلي الكاذبة. وأكد على أهمية رفع الحصار وتصحيح الانطباعات الخاطئة في قمتي الدار البيضاء وعمان بتكريس وجود إسرائيل كدولة مركزية ويتمحور حولها التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط.‏

                  وأعاد المؤتمر تعريف مفهوم التعاون الإقليمي باعتباره يرتكز في الأساس على تعاون الدول العربية فيما بينها أو تعاونها مع العالم الخارجي، لأنه لا يمكن للعدو الإسرائيلي أن يغلق الأبواب أمام الشعب الفلسطيني ثم يطالب بعد ذلك بفتح أبواب البلدان العربية أمامه.‏

                  وتعتقد بعض الأوساط العربية أن نتن ياهو قد تخلى عن "الشرق أوسطية" التي بلورها بيرس إلاّ أنني أعتقد بأن إسرائيل لم تتخل أبداً عن النظام الشرق أوسطي بل تتمسك حكومة نتن ياهو بكل ما حققه بيرس وتعمل لزيادة مكاسبها على حساب الوطن والمواطن العربي.‏

                  حملت الورقة الإسرائيلية إلى قمتي الدار البيضاء وعمان عنوان" مقترحات التعاون الإقليمي" أما عنوان الورقة التي قدمها نتن ياهو إلى المؤتمر الاقتصادي الثالث في القاهرة فكان عنوانها "برامج للتعاون الإقليمي" أي أنها تؤكد على تنفيذ ما تم اقتراحه في القمتين السابقتين. وتركز حكومة نتن ياهو على حرية التجارة، لأنها تعتقد أن التعاون الإقليمي قد أقر ووافقت عليه الحكومات المشتركة في القمتين الاقتصاديتين الأولى والثانية وعلى إسرائيل أن تنتج وتصدر إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج.‏

                  وجاء في رسالة نتن ياهو إلى مؤتمر القاهرة حول الورقة الإسرائيلية أن "هذا الكتاب الذي يحتوي مقترحات متعددة للتنمية يؤكد على الأهمية التي توليها دولة إسرائيل للتنمية الاقتصادية الإقليمية... السلام والأمن هما محور وجودنا والأمن الاقتصادي لشعوبنا يعني أيضاً الأمن "والأمن يعني أيضاً الأمن الاقتصادي لشعوبنا".‏

                  وأكدت كلمة نتن ياهو أن التنمية الاقتصادية ترتكز على مسارين كبيرين: مشروعات "المدى القصير، ومشروعات المدى الطويل التي تعتبر سياسة تأمينية وأنها خطاب نوايا "لشعوبنا" لنعكس مدى التزامنا بطريق السلام. وأن المشاريع الورادة في الورقة الإسرائيلية تهدف إلى تحقيق المنطقة الاقتصادية الإقليمية.‏

                  وعاد نتن ياهو وأكد في كلمته "أن القاعدة الأساسية للتنمية هي التعاون الإقليمي" واختتم كلمته قائلاً: "دعونا نستمكل المشوار الذي بدأه (رابين في افتتاح مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاقتصادي). دعونا نكافح لنكمل أعمالهم (السادات -رابين) من خلال التعاون الاقتصادي الإقليمي".‏
                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق


                  • #10
                    رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                    ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)‏

                    مقدمة‏

                    انعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في 12-14 تشرين الثاني 1996 في ظل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن اتفاق أوسلو، وتصعيد الاستيطان والتهديدات المستمرة بإشعال الحرب على سورية، وفي ظل تخلي إسرائيل عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وبالتالي انعقد المؤتمر في ظل تصاعد ممارسة إسرائيل الإرهاب والتوسع والاستيطان والتهديد بالحرب، مما أجبر بعض المسؤولين في الدول العربية على المطالبة بعدم عقده.‏

                    وتُعقد المؤتمرات الاقتصادية عادة تلبية لرغبة الولايات المتحدة التي تحدد مسبقاً المكان والزمان ومن يشترك فيها ومَنْ لا يشترك، وجدول الأعمال والبيان الختامي.‏

                    وتعتبر واشنطن أن مجرد انعقاد المؤتمرات الاقتصادية انجاز كبير على طريق تحقيق الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة العربية. وقد أشرفت على المؤتمر المنظمات نفسها التي أشرفت على انعقاد قمة الدار البيضاء وقمة عمان وهي منظمات معروفة بخضوعها للمخابرات المركزية، وهي:‏

                    1- المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) بسويسرا‌.‏

                    2- مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.‏

                    ويمكن تصنيف المشاركين في المؤتمر بناء على الدعوات التي وجهت إليهم إلى ثلاث مجموعات رئيسية:‏

                    1- الوفود الحكومية، ووجهت الدعوة إلى تسعين دولة.‏

                    2- رجال الأعمال المهتمين بالمنطقة وعدد الذين تلقوا الدعوات حوالي (1500) رجل أعمال.‏

                    3- مجموعة من المفكرين والأكاديميين والكتاب وممثلي الصحافة والإعلام.‏

                    وكان الرئيس مبارك قد ألمح في آب 1996 إلى احتمال إلغاء القمة لتوقف عملية السلام بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطانية والتوسعية، وذلك معاقبة لإسرائيل على تعنتها وإنكارها للحقوق العربية ومبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.‏

                    وأعلن الرئيس مبارك أن المؤتمر لن ينعقد إذا لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية التزاماتها تجاه عملية السلام والاتفاقات التي وقعتها، إلاّّ أن إدارة كلينتون ردت على الفور وأعلنت أن المؤتمر سوف ينعقد في موعده. وانصاعت الحكومة المصرية للضغط الأميركي دون أن تتعهد الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ التزاماتها التي ضمنتها الولايات المتحدة ووقعت عليها.‏

                    وبالتالي فإن مؤتمر القاهرة الاقتصادي عقد بضغط أميركي حيث أجبرت الولايات المتحدة الأميركية الحكومة المصرية على عقد المؤتمر في موعده المحدد لتسويق الشرق أوسطية وتركيز دعائمها وآلياتها وتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.‏

                    وأظهر تراجع الحكومة المصرية عن موقفها بإلغاء عقد المؤتمر أو تأجيله عدم مصداقيتها أمام شعبها والشعوب العربية.‏

                    إن الاستمرار في عقد القمم الاقتصادية يصبُّ في خدمة المصالح الإسرائيلية، فانعقاد مؤتمر القاهرة الاقتصادي ذاته يظهر بجلاء أن سياسات الحكومة الاسرائيلية المتطرفة وممارساتها التوسعية والاستيطانية لم تؤدِ إلى وقف التسوية وأن بإمكان إسرائيل اتخاذ خطوات أكثر تشدداً من الخطوات السابقة دون أن تخشى ردة فعل عربية قوية مؤثرة.‏

                    وجاء انعقاد المؤتمر الاقتصادي الثالث في القاهرة بشكل لم يواكبه تقدم في المسار السياسي وخاصة الانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد نكوص العدو الإسرائيلي حتى عن تنفيذ اتفاق الإذعان في أوسلو الذي صاغه بنفسه ووافقت عليه قيادة عرفات ولا يلبي الحد الأدنى من المطالب الوطنية للشعب العربي الفلسطيني.‏



                    الموقف المصري الرسمي من عقد المؤتمر.‏

                    حاولت مصر في القمة الاقتصادية الثانية في عمان الحد من هرولة بعض العرب للتطبيع مع العدو الإسرائيلي وابلغت إسرائيل في عشية عقد المؤتمر الاقتصادي في القاهرة في الثاني من أيلول 1996 عقب لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي دافيد ليفي مع الرئيس مبارك في الاسكندرية على لسان وزير الخارجية المصري أنه :"لا يمكن التحدث عن التعاون الإقليمي إذا كانت مسارات السلام مشلولة أو معاقة. إن عقد القمة في نوفمبر يتوقف على توفير الأجواء المناسبة والتطبيق النزيه والصحيح للاتفاقيات. المهم هو التنفيذ على أرض الواقع فمن غير المتصور أبداً أن يعقد المؤتمر الاقتصادي دون أن يتم الانسحاب الإسرائيلي من الخليل، هذه مسألة مستحيلة غير معقولة ولا يكفي أن يكون هناك اتفاق على الانسحاب دون تطبيق".(38).‏

                    وفي العاشر من أيلول أكدت الخارجية المصرية أنه "لا يجوز أن يعقد المؤتمر الاقتصادي ثم نسمح له بالفشل، وإذا كانت مصر غير متيقنة من نجاح المؤتمر فإن الأفضل ألاّ يعقد".(39).‏

                    وأعلن د. أسامة الباز، مستشار الرئيس المصري في اليوم التالي: "إن مصر لا تفكر في إلغاء القمة الاقتصادية، وإنما تدرس تأجيلها إلى الربيع القادم لإتاحة الفرصة لتقدم عملية السلام. فالتعاون الإقليمي لا يمكن أن يتم دون تقدم ملموس في عملية السلام".(40).‏

                    وأكد دينس روس، المنسق الأميركي في عملية التسوية في لقائه مع الرئيس مبارك بتاريخ 18/ أيلول /1996 فك ارتباط القمة الاقتصادية عن عملية التسوية، ملمحاً إلى ربط تنفيذ اتفاق الشراكة مع مصر الموقع في أيلول 1994 بانعقاد القمة في موعدها، كما اتصل الرئيس كلينتون وطلب عدم تأجيل عقد المؤتمر الاقتصادي، مما اضطر الرئيس مبارك للتراجع عن فكرة الإلغاء أو حتى التأجيل.‏

                    وسعت القاهرة في الوقت نفسه إلى الحيلولة دون أخذ إسرائيل حصة الأسد والموقع المتميز في المؤتمر وإضفاء الطابع السياسي عليه وأدرجت بندين: الأول يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني، والثاني بالمخاطر التي تواجه عملية السلام.‏

                    لقد نجحت إسرائيل في تعميق الخلافات بين المواقف العربية عن طريق التعامل السياسي والاقتصادي والأمني مع كل بلد عربي على حدة في القمتين الاقتصاديتين وكان ذلك من أهم الإنجازات التي حققها العدو الإسرائيلي.‏

                    ولكن المؤتمر الاقتصادي في القاهرة، كان أفضل من سابقيه بسبب الموقف المصري الرسمي والشعبي.‏

                    لقد ربطت مصر عقد القمة بالتقدم الحقيقي في عملية السلام على المسار الفلسطيني.‏

                    ولكن عملية السلام وصلت إلى طريق مسدود بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية التي حشدت قواتها في الجولان وجنوب لبنان ولوّحت بأشعال الحرب ضد سورية، وصعدت اعتداءاتها في لبنان. وتابعت مصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات اليهودية ورفضت تنفيذ اتفاق انسحاب جيش الاحتلال من مدينة الخليل العربية، وبالتالي فإن عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، وبالتالي نسفت إسرائيل بذلك ربط مصر عقد المؤتمر الاقتصادي بالتقدم في عملية السلام.‏

                    إن الضغط الأميركي السافر هو الذي حمل مصر على تغيير موقفها وعقدت المؤتمر الاقتصادي الثالث في موعده المحدد. وكانت الولايات المتحدة قد هددت بأن تأجيل عقد المؤتمر قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية كبيرة على برنامج الشراكة المصرية الأميركية وعلى إعفاء مصر من جزء من ديونها. وقدمت في نفس الوقت وعوداً لدفع عملية السلام وزيادة الاستثمارات الأميركية في مصر.‏

                    لقد ربطت مصر التعاون الإقليمي بالتقدم في عملية السلام، إلاّ أنها قررت عقد المؤتمر وتجنبت في الوقت نفسه الترويج لمشاريع إقليمية كبرى وإنما حاولت جعله بمثابة منتدى للترويج لاستثمارات داخل مصر وفي كل بلد مشترك في المؤتمر على حدة.‏

                    لقد انعقد المؤتمر في ظل عدم حماس مصري وتحت ضغط أميركي واضح بحجة إنقاذ مسيرة السلام، بينما يكمن السبب الحقيقي في عقده لتحقيق المصالح الأميركية والإسرائيلية. وحملت الإدارة الأميركية مصر على عقده في ظل استعداد إسرائيل للحرب والتلويح بها ضد سورية وفي ظل التنصل الإسرائيلي من الاتفاقيات التي وقعتها. لذلك انفجرت في مصر والبلدان العربية الدعوة لوقف التطبيع الفوري مع العدو التاريخي رداً على سياسته الإرهابية والتوسعية العدوانية والاستيطانية. وهنا يتساءل المرء لماذا تشترك الدول العربية في مؤتمر هدفه إنقاذ إسرائيل من أزماتها الاقتصادية؟‍!‏

                    لقد أصبح من الواضح حتى لبعض الدول العربية التي كانت تهرول إلى تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي أنه من غير المنطقي بحث مشروعات إقليمية مشتركة وإسرائيل تتمسك بالقدس العربية وتخرّب عملية السلام وتغلق أراضي الحكم الذاتي وتتعمد تجهيل الشعب الفلسطيني وإفقاره وتحويله إلى اجراء وعبيد يعملون في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي.‏

                    ففي الوقت الذي جمدت فيه إسرائيل المفاوضات على المسار السوري- اللبناني، وأبطلت مفعول المفاوضات الثنائية وتخلت عن تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها رحب رئيس الحكومة الإسرائيلية بعقد مؤتمر القاهرة وتابع في الوقت نفسه مصادرة الأراضي العربية وإقامة المستوطنات اليهودية وذلك اعتقاداً منه أن الأطراف العربية لها مصلحة في عقد المؤتمر.‏

                    إن متابعة التطبيع والاستمرار في العلاقات مع إسرائيل تزيد من تصلب إسرائيل وأطماعها التوسعية وستؤدي في المستقبل إلى الهيمنة على الثروات العربية. وتطمع حكومة إسرائيل في تحويل مرجعية مدريد إلى شعار السلام، مقابل السلام، بعد أن تخلت عن الشعار الذي رفعته بعد حرب حزيران العدوانية وهو "الأرض مقابل السلام"، وبعد أن كرسته الولايات المتحدة الأميركية في مرجعية مدريد.‏



                    الموقف المصري الشعبي من عقد المؤتمر‏

                    عقدت أحزاب المعارضة المصرية عشية افتتاح مؤتمر القاهرة الاقتصادي مؤتمراً مضاداً تحت عنوان:"مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون بين إسرائيل والدول العربية" تحدث فيه قادة أحزاب المعارضة وممثلوها، حيث أكدوا إدانتهم ورفضهم انعقاد مؤتمر القاهرة في الفترة التي يطلق فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية تهديداته بإشعال حرب عدوانية جديدة ضد سورية ولبنان والتنصل حتى من اتفاق الإذعان في أوسلو الذي صاغه سلفهُ شمعون بيرس.‏

                    وأكدت الأحزاب المصرية أن مشاركة الكيان الصهيوني في المؤتمر تعتبر مكافأة للمعتدي، حيث سيقضي انعقاده على السلاح الوحيد لدى العرب في مواجهة التوسع والاستيطان والغطرسة والتعنت الإسرائيلي، وهو سلاح المقاطعة العربية.‏

                    ودعت الأحزاب المصرية إلى قيام جبهة شعبية ضد كل أشكال التعاون مع العدو الصهيوني وإحياء المقاطعة العربية.‏

                    وأوصى المؤتمر بممارسة الضغوط على الحكومات العربية التي تتعاون مع إسرائيل ووجوب الوقف الفوري لكافة أشكال التطبيع والتصدي للمطبعين ومقاومة الاختراق التطبيعي، والعمل على إحياء المشروع القومي، ومساندة أبناء الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان، وتفعيل العمل العربي عبر المؤسسات الشعبية والرسمية.‏

                    وقد افتتح المؤتمر الذي انعقد بدعوة من اللجنة المصرية لمقاومة التطبيع حسين عبد الرازق أمين اللجنة السياسية في التجمع بكلمة أكد فيها رفض كل أشكال الهيمنة الصهيونية والأميركية على مقدرات الأمة العربية، داعياً جميع القوى السياسية المصرية والعربية إلى التصدي لهذا المخطط الصهيوني العالمي. وتطرق إلى خطورة السوق الشرق أوسطية (41).‏

                    وتطرق الأمين العام للتجمع الدكتور رفعت السعيد في كلمته أمام المؤتمر إلى حالة التردي العربي وقال:" نحن نكافئ المعتدي الإسرائيلي على سفك دماء العرب يومياً وتحديه السافر لكل الاتفاقات والقرارات الدولية. وأعلن رفضه لمؤتمر القاهرة الاقتصادي" (42).‏

                    ودعا ضياء الدين داوود، أمين عام الحزب الناصري أحزاب المعارضة المصرية إلى العمل على بناء جبهة شعبية تبتكر أساليب للمقاومة المستمرة لمواجهة إسرائيل والتردي العربي.‏

                    ودعا إبراهيم شكري رئيس حزب العمل إلى مقاطعة المنتجات الصهيونية والأميركية بعد أن أفقدنا المؤتمر الاقتصادي في القاهرة الورقة الأخيرة لمقاطعة التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بينما دعا إبراهيم بدراوي، ممثل الشيوعيين المصريين أحزاب المعارضة إلى عمل جاد وسط الجماهير وصياغة مشروع نهضوي عربي شامل من أجل إفشال المخطط الإسرائيلي.‏

                    وأصدر المشاركون في مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون مع إسرائيل بياناً عرّى أهداف مؤتمرات القمم الاقتصادية ومضامينها في الدار البيضاء وعمان ومؤتمر القاهرة وتضمن عدداً من التوصيات، هي:‏

                    "دعم وتأكيد موقف القوى الشعبية والسياسية والمنظمات الجماهيرية والهيئات المهنية الرافض للاشتراك في أية مؤتمرات أو تجمعات أو لقاءات تحضرها إسرائيل أو تدعو إلى التعاون معها واعتبار الخروج على هذا الالتزام تحدياً للمشاعر الوطنية والقومية يستدعي المواجهة والحساب.‏

                    - ممارسة كل صور الضغط المتاحة على الحكومات والقيادات العربية التي تتعامل وتتعاون مع إسرائيل لكي توقف على الفور كل السياسات والأنشطة المتصلة مع العدو الصهيوني.‏

                    - التصدي الفعال للقلة من المثقفين الذين أصابهم مس التطبيع مع العدو الصهيوني، والداعين إليه صراحة أو بالالتفاف.‏

                    - العمل على إحياء المشروع القومي العربي الوحدوي الذي يستهدف تحقيق تنمية عربية مستقلة.‏

                    - تعبئة وتوحيد جهود الأحزاب السياسية العربية وكذا المنظمات الجماهيرية والهيئات والاتحادات المهنية والعمالية العربية لحث الحكومات على تفعيل كل المنظمات والمؤسسات العربية القائمة.‏

                    - تكوين جبهة من القوى والفعاليات والحزبية العربية تقوم بوضع استراتيجية قومية تحقق الأماني والأهداف القومية في ظل المتغيرات والظروف الدولية الجديدة وتحدد الأساليب والوسائل العلمية لبلوغ هذه الغايات.‏

                    - تأسيس حركة تضامن مع أبناء الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان.‏

                    - الاستمرار في متابعة ورصد التطبيع في كافة المجالات باستخدام الأساليب والأدوات العلمية الحديثة وتشخيص المخاطر وتوظيف هذه المعلومات لخدمة الأهداف السابقة ولخلق حركة مقاومة واعية ورأى عام مدرك فداحة الخسائر الوطنية والقومية التي تنجم عن التهاون في مقاومة التطبيع"(43).‏

                    إن عقد مؤتمر المواجهة العربية لمخططات التعاون بين إسرائيل والدول العربية في القاهرة، قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر القاهرة يظهر بجلاء شعور القوى السياسية في مصر بمدى خطورة المؤتمرات الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ويتطلب بناء جبهة شعبية عربية لمواجهة إسرائيل والتطبيع معها ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية وتعرية مضمون المؤتمرات الاقتصادية وأهدافها التي جاءت تطبيقاً لمخططات حزب العمل الإسرائيلي وتجسيداً للشرق الأوسط الجديد الذي وضعه شمعون بيرس، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق.‏

                    وعبر أحمد ماهر السيد، السفير المصري لدى الولايات المتحدة في محاضرة ألقاها أمام مركز الحوار العربي في واشنطن بحضور ممثلين عن الجالية العربية عن موقف مصر من المؤتمر وقال:‏

                    "إن مصر قررت تحويل هذا المؤتمر من مؤتمر قمة اقتصادية إلى مؤتمر على مستوى أقل من مستوى القمة. وبذلك حرمت إسرائيل من فرصة جعل رئيس حكومتها النجم الساطع في المؤتمر بحكم أنه في حالة عقد المؤتمر على مستوى القمة كانت إسرائيل ستلعب دوراً مركزياً فيه..‏

                    إن من الثوابت الإسرائيلية أن اليهود قوم عمليون وأنهم يريدون باستمرار أن يأخذوا دون أن يعطوا، ولهذا، تحكمهم في الظروف الحالية مجموعة من الأوهام لابد أن يتخلصوا منها. من بينها وهم الاعتقاد بإمكان تغيير مفهومهم من عملية السلام ومن الاتفاقات التي التزموا بها دون أن يقابل ذلك تغيير في موقف الأطراف العربية وبالأخص مصر. كذلك وهم الاعتقاد بإمكان الاستمرار في إخضاع الشعب الفلسطيني لسيادة إسرائيلية وإنكار حقه في إقامة الدولة المستقلة، ووهم الاعتقاد بإمكان التراجع عن الالتزامات المتعددة في اتفاقات أوسلو بما فيها التزام باعتبار القدس موضوعاً للتفاوض"(44).‏

                    واعتبر رئيس حزب العمل المصري، إبراهيم شكري أن عقد المؤتمر الاقتصادي "يضيّع على العرب فرصة ذهبية للضغط على إسرائيل"(45).‏

                    وتابع يقول إن أضرار المؤتمر على مصر والعرب أكثر من منافعه، وأن دولة اليهود هي الرابح الوحيد من المؤتمر الذي سيتيح لها فرصة للتغلغل الاقتصادي في البلدان العربية.‏

                    جاء انعقاد المؤتمر بعد حرب بيرس العدوانية على لبنان في نيسان 1996 وارتكاب مجزرتي قانا والنبطية، وفي ذروة تهويد القدس وتصعيد الاستيطان، وحرمان الشعب الفلسطيني من المقومات الأساسية لحياته وبناء المستوطنات على أرضه. وكاد أن يؤدي فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتهديد إسرائيل لسورية ولبنان بالحرب إلى إلغاء أو تأجيل عقد المؤتمر لولا التدخل الأميركي الصارم.‏

                    وجاء انعقاده بعد أن حصل الكيان الصهيوني على كل ما أراده وطالب به من الولايات المتحدة الأميركية وضمانات القروض لعشرة مليارات دولار وإلغاء قرار الأمم المتحدة 3379 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، وإلغاء المقاطعة العربية، وفتح مكاتب تجارية للمغرب وتونس وقطر وعمان في تل أبيب..‏

                    وزاد تنفيذ العرب والعالم لمطالب إسرائيل من أطماعها وتعنتها وبطشها، فزادت تعنتاً في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.‏

                    ودخلت مشاريعها المشتركة وبضائعها إلى العديد من الدول العربية كالأردن وبعض دول الخليج وشمال افريقيا، كما قام بعض المستثمرين العرب بتوظيف الأموال العربية لصالحها. إن المؤتمرات الاقتصادية خطأ استراتيجي ارتكبته القيادات العربية استجابة للضغوط الأميركية واليهودية. والمؤتمرات حلقة في سلسلة المخططات التي وضعتها إسرائيل لإقامة "الشرق الأوسط الجديد" لحل أزماتها الاقتصادية على حساب الاقتصادات العربية. وتقلب المؤتمرات أولوية الصراع العربي الصهيوني رأساً على عقب حيث من المألوف أن أولويات التوصل إلى تسويات بعد وقف القتال تبدأ بالقضايا العسكرية أولاً ثم السياسية ثانياً، وأخيراً قضايا التعاون الاقتصادي، وإن أي تجاوز لهذا الترتيب يضعف الموقف التفاوضي للطرف الضعيف. فالقفز من الجوانب السياسية إلى التطبيع يقود إلى وقف مسار التسوية السياسية وتعطيلها ومتابعة التطبيع والتعاون الاقتصادي.‏

                    انعقد مؤتمر القاهرة في مرحلة تراجع الحكومة الإسرائيلية عن المبادئ الأساسية التي أبرمتها مع الجانب الفلسطيني ووقعت عليها الولايات المتحدة وروسيا. وأقدمت الحكومة الإسرائيلية على مجموعة من الممارسات العدوانية التوسعية والأرهابية من شأنها خلق واقع جديد يقود إلى تدمير المصالح والحقوق والثروات العربية، ومنها فتح النفق تحت المسجد الأقصى وتقسيم الخليل كمقدمة لتهويدها وإغلاق الأراضي الفلسطينية والتنقيب عن النفط في الجولان والاستمرار في سرقة ثروته المائية.‏

                    وجاء انعقاد المؤتمر كمكافأة للمعتدي الإسرائيلي على حروبه العدوانية حيث أصبح من التقاليد الإسرائيلية أن تكسب كلما أقدمت على الإضرار بالمنجزات والمصالح والأرض والحقوق العربية وتربح مرتين، مرة عند ممارستها القوة وتدمير القوات والمنجزات العربية ومرة أخرى بالسياسة مقابل خسارة العرب في المرحلتين الأولى والثانية. وجني الأرباح الطائلة من التطبيع والتعاون الاقتصادي.‏

                    ويعني عقد المؤتمر تقديم الاقتصاد على السياسة أي على استرداد الأراضي العربية المحتلة والحقوق المغتصبة ويمثل تخلي الجانب العربي عن ورقة السلاح الاقتصادي.‏

                    تبنت الولايات المتحدة فكرة القمم الاقتصادية التي طرحها بيرس ورابين وحملت العديد من الدول العربية وبشكل خاص المغرب لتبنيها والتحمس لها.‏

                    وجاءت الفكرة الإسرائيلية لفصل الاقتصاد عن السياسة وتقديمه عليها، قبل التوصل إلى تسوية وقبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي فصل قضية الأرض عن التعاون الاقتصادي مع العدو التاريخي للعروبة والإسلام، وذلك لإدراج الكيان الصهيوني في النسيج العربي وإعادة صياغة المنطقة العربية بثوب جديد هو "الشرق الأوسط الجديد"، وبالتالي فلا انسحاب من الضفة الغربية والقدس العربية والجولان وجنوب لبنان وإنما هيمنة العدو الإسرائيلي على الثروات العربية باعتباره أكبر قوة عسكرية في المنطقة يتفوق على جميع البلدان العربية ويتسلح بترسانة نووية، وبالتالي تقود القمم الاقتصادية إلى جعل إسرائيل المركز والقائد والمهيمن على المنطقة لتحقيق حلم اليهودية العالمية بإقامة "إسرائيل العظمى" كمركز لها طمعاً في فرض سيطرتها على العالم.‏

                    إن أحزاب المعارضة المصرية كانت على حق في أدانتها عقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي لأن المؤتمر ليس في مصلحة الوطن والمواطن العربي، لا في مصلحته ولا في مصلحة وطنه، بل على حسابه لصالح الكيان الصهيوني واليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية.‏



                    افتتاح المؤتمر‏

                    انعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي وسط قناعة راسخة لدى المسؤولين ورجال الأعمال العرب بأن الضغط الأميركي هو الذي أدى إلى عقده في موعده المحدد.‏

                    واعتقدوا أن المؤتمر لن ينجح بسبب موقف إسرائيل الرافضة للسلام.‏

                    واتخذت الغرفة التجارية المصرية مواقف حذرة من عقده نابعة من التمسك بالحقوق والمصالح العربية وإيماناً منها بأنه لا يجوز مكافأة إسرائيل المعتدية على مواقفها المتعنتة.‏

                    وزاد من التشاؤم أن المستثمرين الأجانب لا يستثمرون في مناطق مهددة بعدم الهدوء والاستقرار.‏

                    افتتحه الرئيس حسني مبارك بتاريخ 12 تشرين الثاني 1996 بمركز القاهرة للمؤتمرات وبحضور وفود من (78) دولة و 52 منظمة دولية وعربية وإقليمية و (4600) مشارك، منهم (2600) من رجال الأعمال. وقال الرئيس مبارك في خطابه الافتتاحي:-‏

                    "إن المنطقة تمر بمفترق طرق صعب، يلزمنا بالاختيار بين أن نبقى أسرى للماضي وبين التقدم صوب المستقبل؟ وأضاف أن هذه المنطقة تحتاج إلى إعادة بناء بعض مؤسساتها، ومن أجل صياغة قوانين جديدة من أجل المشاركة في مسيرة الاقتصاد العالمي. وإن مصر اختارت السلام وهي تقود مسيرة السلام وتساعد الأطراف الأخرى. وأضاف أننا نشهد مولداً جديداً للشرق الأوسط وأن دول المنطقة تتوق إلى مستقبل مشترك". (46)‏

                    وتابع الرئيس مبارك خطابه الافتتاحي قائلاً:‏

                    "إننا نشهد اليوم إعادة بعث وإحياء جديد لمنطقة الشرق الأوسط يقوم بتوليد ديناميكية جديدة في المنطقة، ديناميكية الرخاء والكفاءة والتعاون المشترك، ومامن شك في أن هذا الجمع الدولي الحاشد الذي يلتقي اليوم في القاهرة بعد لقائين مثمرين في الدار البيضاء عام 1994 وفي عمان كان 1995، يشارك المنطقة تشوقها العميق إلى غد أفضل لأبنائها". (47)‏

                    وأكد الرئيس مبارك على ضرورة إرساء السلام الشامل من أجل جني ثمار التكامل الاقتصادي وأنه لا اندماج اقتصادي بدون سلام شامل. وأعرب عن توظيف موارد المنطقة لمصلحة الشعوب مما يتطلب إقامة سلام عادل وشامل وضرورة الالتزام بسلام قائم على الحق والعدل والحرية. وشدد أيضاً على ضرورة "إرساء السلام الشامل بجدية كاملة وعلى كل المسارات وبشكل لا رجعة فيه". (48)‏

                    وألقى وزير الخارجية الأميركي كلمة الولايات المتحدة في افتتاح المؤتمر. وأشاد بمواقف الرئيس مبارك واستضافة مصر للمؤتمر. وأكد التزام الولايات المتحدة بتسوية النزاع في المنطقة على أساس المبادئ التي اتفقت عليها الأطراف، وقال إنه بدون أمن فلن يكون هناك سلام وبدون سلام لن يكون هناك أمن.‏

                    وأشار وزير الخارجية الأميركي إلى آليات التعاون الإقليمي مثل اتحاد غرف السياحة، واتحاد رجال الأعمال وبنك التنمية. وأشاد بإجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر وقال إن الولايات المتحدة ستزيد من تعاونها الاقتصادي مع مصر.‏

                    وقال وزير الخارجية الأميركي:‏

                    " هناك مكاسب تاريخية يجب الحفاظ عليها، مكاسب تستطيع الأطراف البناء عليها، هناك اتفاقان تاريخيان بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهناك محاولات لوضع حد للإرهاب، هناك اتفاقية سلام بين إسرائيل و الأردن وسلسلة جديدة من الاتصالات الدبلوماسية والتجارية بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهناك فرصة لإحلال السلام الشامل الذي يعم سورية ولبنان". (49)‏

                    لقد سعت الولايات المتحدة إلى التأكيد على عقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي معتبرة عقده مهمة أساسية في ظروف المنطقة الراهنة، فليس مهماً لها أن تتقدم عملية السلام وتلتزم إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها.‏

                    المهم للإدارة الأميركية عقد المؤتمر بغض النظر عن نجاحه أو فشله لجعله آلية دائمة مستمرة لخدمة مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي. بالرغم من أن القاهرة قد أعلنت أنها لا تستطيع استضافة المؤتمر ما دامت الحكومة الإسرائيلية تزرع الألغام في طريق التسوية.‏

                    تحدث الصهيوني مارتن انديك، سفير الولايات المتحدة الأميركية في الكيان الصهيوني أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة عشية انعقاد المؤتمر وركز على تنمية سياسات التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل باعتبارها السبيل الأفضل لتحقيق السلام الكامل في المنطقة وقال: "إن الحكومة الإسرائيلية حكومة مسؤولة. إنني أعتقد أن كل من تعاملوا معها خرجوا بإيمان فعلي بأنها حكومة تحترم التزاماتها". (50)‏

                    وأشار إلى أن الإسرائيليين قبلوا كل تلك المخاطر من أجل السلام، ومع ذلك لم تتحسن العلاقات مع مصر. وتابع انحيازه للعدو الإسرائيلي مبرراً سياسة نتن ياهو الإرهابية والتوسعية والتي أوصلت العملية السلمية إلى طريق مسدود قائلاً:‏

                    "إن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو هي الإبطاء من أجل تعزيز مسيرة السلام...‏

                    إن إسرائيل لم تتخل عن السلام ولكنها تبحث عن السلام الأكثر أمناً".(51)‏

                    إن مارتن انديك الذي رسم مخططات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، عندما كان عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي ومدير مركز واشنطون لدراسات الشرق الأوسط يهودي متطرف يؤيد اختزال رئيس الحكومة الإسرائيلي لقضية فلسطين وشعبها في عملية إعادة انتشار جيش الاحتلال اليهودي في الخليل كمقدمة لتهويدها كما حصل في مدينة القدس.‏

                    لقد حذّر ستيورات ايزينستات، وكيل وزارة التجارة الأميركية إسرائيل من أنها تجازف بخسران الازدهار الاقتصادي إن لم تواصل عملية السلام. وأكد المسؤول الأميركي أن اتفاقات السلام هي التي خلقت المناخ الدولي الذي أدى إلى إقبال دول العالم على شراء المنتجات الإسرائيلية.‏

                    وأشار أنه نتيجة لذلك بات الإسرائيليون يتمتعون بمستوى معيشة أفضل يجب ألاّ يعتبروه أمراً مسلماً به. وانتقد الطوق الذي فرضته إسرائيل على الضفة والقطاع وقال إن تلك الإجراءات التي تقول إسرائيل إن الغرض منها التصدي للمخاطر التي تهدد أمنها أدت في واقع الأمر إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني. (52)‏

                    إن تراجع مصر عن تهديدها بتأجيل عقد المؤتمر وعدم تنفيذ هذا التهديد الذي ينبع من خدمة المصالح المصرية والعربية زاد من الغطرسة والتصلب الإسرائيلي ومن استخفاف إسرائيل بموقف مصر وبالموقف والحقوق العربية.‏

                    ولقيت كلمة وزير الخارجية الأميركي استقبالاً فاتراً في المؤتمر لأنه لم يتجرأ على توجيه اللوم إلى إسرائيل خوفاً من اللوبي اليهودي ولالتقاء مصالح البلدين في معاداة العروبة والإسلام، كما رفض المنسق الأميركي الحديث عن إسرائيل بأنها الطرف المتعنت في المفاوضات، لأنه يهودي أولاً وأمريكي ثانياً يهمه بالدرجة الأولى خدمة إسرائيل واليهودية العالمية.‏

                    كما أعلنت وزارة التجارة الأميركية عن المشروعات المطروحة للاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تحتل المشروعات المشتركة بين الأردن وإسرائيل مكان الصدارة فيها، وعلى الأخص في مجالات المياه والري والاتصالات والسياحة، وذلك لتكوين رابطة إسرائيلية- أردنية تلحق بها سلطة الحكم الذاتي. وتتجه معظم المشاريع الأميركية لتدعيم مركز إسرائيل القيادي في المنطقة. ووجهت المشروعات الأميركية اهتماماً خاصاً بقطر والكويت في منطقة الخليج وبتونس والمغرب في شمال أفريقيا.‏

                    وأكد وزير الاقتصاد الروسي في كلمته أن روسيا تأمل في أن يوجد مثل هذا المؤتمر مناخاً مواتياً في المنطقة لتحقيق التسوية الشاملة وأن يسهم في تحويل المنطقة إلى منطقة تعاون مفيدة لجميع الأطراف وإيجاد الشروط الأساسية للتعاون الإقليمي.‏

                    وأكد ديك سبرنج وزير خارجية إيرلندا، ورئيس الاتحاد الأوروبي" أن الاستثمار والتعاون يتطلبان الاستقرار والأمن. وأن الوقت قد حان لأن يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم لعملية السلام، مؤكداً أن الدعم الأوروبي يستند إلى التجاور الجغرافي، وشبكة من العلاقات مع دول المنطقة. وأضاف أن تحقيق السلام الشامل يتطلب التنفيذ الكامل للاتفاقيات الموقعة والقرارات الدولية، وإقرار مبدأ الأرض مقابل السلام. وألحّ على استعادة "روح مؤتمر مدريد من أجل سلام دائم وشامل استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومن دون تأخير"(53).‏

                    وأكد أن دور أوروبا استكمالاً للدور المهم الذي تقوم به الولايات المتحدة. وعبر عن قلق أوروبا من بطء المفاوضات. وتحدث في الجلسة الافتتاحية كلاوس شفاب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) وأوضح أن هناك ثلاث قواعد ذهبية يجب الأخذ بها، منها إضفاء الطابع الإقليمي وإيجاد البيئة الملائمة لبناء المستقبل، وتوفير مناخ ملائم للمستثمرين ونشر الأفكار الثقافية التي تدعو إلى تحقيق أفضل إنتاج، وإيجاد الثقة عن طريق عدم التدخل من قبل الحكومة.‏

                    وعقب انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر باشرت اللجان الفرعية وورش العمل المنبثقة عن المؤتمر أعمالها كلجنة السلام والتنمية الاقتصادية، ولجنة السلام وتقويم مخاطر الاستثمار. وتقرر تخصيص جلسة عمل مستقلة للاقتصاد الفلسطيني. وجرى بحث قضايا السلام والاستثمار والتعاون الإقليمي والدولي في مختلف اللجان.‏

                    وعبر عمرو موسى وزير خارجية مصر في المؤتمر عن طبيعته التي تختلف عن طبيعة القمة الأولى والثانية حيث أكدتا مركزية إسرائيل في التعاون الإقليمي ومنحتاها دوراً متميزاً وقال: "كان هناك مفهوم خاطئ منذ البداية، وهو أن كل مشروع يجب أن يمر بإسرائيل، إسرائيل ليست المحور ولا المركز، إنها دولة مثلها مثل سواها، والتعاون الإقليمي لكي يتحقق لابد من عمل إقليمي". (54)‏

                    وفي مناخ سياسي غير صحي ملبَّد الغيوم، كما وصفه عمرو موسى لابد أن يتأثر المؤتمر الاقتصادي في جوه العام، بل أن يعبر أيضاً عن هذا الجو.‏

                    وكانت ثمانية اتحادات صناعية فلسطينية في مناطق الحكم الذاتي قد أعلنت مقاطعتها للمؤتمر احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى عرقلة التطور الاقتصادي عن طريق إجراءات الحصار والإغلاقات المتكررة والحد من حرية تنقل الأفراد والسلع وإعاقة عمليات الاستيراد والتصدير.‏

                    وقالت الاتحادات الصناعية في بيان أصدرته في 4/11/1996: "إن اتفاقات اوسلو لم تؤد إلاّ إلى زرع الحدود بين مدننا وتعميق جذور التشتت بين أبناء شعبنا. وأصبح من الصعب التنقل بين المدن والمناطق مما أدى إلى زيادة تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة الذي تجاوز50%"(55).‏



                    المؤتمر والاستثمار في المنطقة‏

                    يرغب المستثمر في وجود استقرار لاستثمار أمواله وهذا غير متوفر في المنطقة، فالمنطقة لن تعرف الهدوء والاستقرار مادامت إسرائيل قوية وبسبب أطماعها في الأراضي والثروات العربية وتمسكها بمزاعم وخرافات وأساطير توراتية بالية معادية لأبسط المفاهيم الإنسانية ومصالح شعوب المنطقة وحقوقها.‏

                    إن سياسية إسرائيل وممارساتها بدءاً من مصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات واستقدام المهاجرين تجعل المنطقة كبرميل بارود قابل للاشتعال في أي وقت.‏

                    فأميركا تعمل على أن تساعد الشؤون المالية تحقيق أطماع إسرائيل في فلسطين العربية والثروات المائية في لبنان والجولان.‏

                    لقد قاطعت سورية ولبنان المؤتمر، وأقبلت عليه دول الخليج دون حماس باستثناء قطر. وتحفظت بعض الدول التي كانت تهرول في تطبيع العلاقات مع العدو. ولم تحضره ليبيا والعراق والسودان وإيران لعدم توجيه الدعوات لها، ولأسباب سياسية عند البعض منهم حتى لو وجهت لهم الدعوات.‏

                    لقد قام الموقف السوري واللبناني على رفض المفاوضات المتعددة الأطراف ورفض الاشتراك في القمم الاقتصادية ورفض النتائج التي تمخضت عنها، بينما انصاعت مصر لعقده تلبية للطلب الأميركي، ولذلك فإن مواقفها في المؤتمر لم تكن مع تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل وإنما جلب الاستثمارات العالمية لمصر.‏

                    حيا وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر رجال الأعمال العرب الذي أقاموا علاقات اقتصادية مع إسرائيل ووصف الدكتور إبراهيم فوزي، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار في مصر مؤتمر القاهرة بأنه "يعد تحويلاً نوعياً في سلسلة مؤتمرات التعاون الإقليمي في المنطقة وإن ذلك التحول يكمن في إلغاء فكرة كون إسرائيل محوراً لكل الأنشطة الاقتصادية ذات الطبيعة الإقليمية في المنطقة، كما كانت تحاول أن تروج لذلك في مؤتمر الدار البيضاء وعمان". (56)‏

                    وأعلن عدد كبير من رجال الأعمال المصريين المشاركين في المؤتمر "رفضهم عقد صفقات تجارية مع نظرائهم الإسرائيليين. وأجمع رجال الأعمال المصريون على أن كل خطوة نحو تعاون إقليمي يشمل إسرائيل تعتمد على تحقيق السلام الشامل بالمنطقة".‏

                    وأشار محمود عبد العزيز، رئيس البنك الأهلي المصري واتحاد البنوك المصرية إلى "أن رجال الأعمال لا يعقدون صفقات أو يدخلون في مشروعات مشتركة إلاّ إذا حظيت بموافقة القيادة السياسية وهو مالا يتوافر حالياً بالنسبة للمشروعات المشتركة مع إسرائيل". (57)‏

                    وحدد د.كمال درويش، نائب البنك الدولي أمام المؤتمر ثلاثة عوامل تؤثر في جذب الاستثمار إلى المنطقة: الأول ضرورة دعم الاستقرار الاقتصادي وتهيئة المناخ المناسب. والثاني: إيجاد المزيد من الثقة لخفض معدل المخاطرة -والثالث: العمل على خفض المخاطر السياسية. وصرح شريف غالب، مدير المؤسسة الخليجية للاستثمار التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي حول المشاركة وقال: "أعتقد أن دوافع المشاركة سياسية وليست اقتصادية، وأوضح أن الدول الست تولي التبادل التجاري مع إسرائيل أهمية محدودة". (58)‏

                    وأبدى المدير العام للصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التابع لجامعة الدول العربية عبد اللطيف الحمد رأيه حول العلاقة مع إسرائيل وقال:‏

                    "إن بنك التنمية للشرق الأوسط يجب أن يكون ثمرة السلام". (59) ويجسد هذا الموقف موقف السعودية والكويت، حيث تعتبران أن الأولوية هي للسلام الشامل في المنطقة وليس لإنشاء مؤسسات جديدة.‏

                    وتجلى الموقف السعودي بعدم الإضرار بمؤتمر القاهرة وفي نفس الوقت عدم الحماس له لأن السعودية تعارض إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل قبل التسوية الشاملة في المنطقة. شاركت الدول الخليجية بتحفظ باستثناء قطر ولم تبد حماساً للاستثمار في مشاريع مشتركة أو تمويل بنك التنمية. ولعبت السعودية دوراً لدعم الموقف العربي سياسياً وليس لتنمية العلاقات مع إسرائيل، إلاّ أن كلاً من قطر وسلطنة عمان قد وقعتا اتفاقية مع إسرائيل لتبادل مكاتب التمثيل التجاري.‏

                    وعلق عبد الرحمن الزامل، رئيس مجلس إدارة شركة الزامل على مشاركة دول التعاون الخليجي في مؤتمر القاهرة موضحاً أن من الأفضل الاستثمار في منطقتهم وقال "إن الاسثتمار الخليجي فيه نوع من التضحية في تلك المنطقة، وإسرائيل لا تستحق التضحية ولا الاحترام والتقدير لأنها نقضت كل العهود والمواثيق التي وقعت عليها". (60)‏

                    وأدى تعثر المسيرة السلمية إلى عدم رغبة الأطراف الإقليمية في المشاركة في بنك التنمية.‏

                    وبالرغم من الجهود المصرية لتحجيم المكاسب الإسرائيلية في المؤتمر وخصوصاً الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لتجاهل محاولات التقارب من قبل الشركات الإسرائيلية "قام رجال أعمال معظمهم قطريون وإماراتيون بزيارة الجناح الإسرائيلي في المؤتمر، في حين تحدث رجال أعمال إسرائيليون عن صفقات أبرمت مع رجال الأعمال الخليجيين ولكن على قاعدة التكتم". (62)‏

                    " وقد أثار موقف مصر حفيظة واستياء الوفد الإسرائيلي الذي عبر عدة مرات عن خيبة أمله من سوء استقبال المصريين وسوء تعامل الوفود العربية، الأمر الذي حدا بالوفد الإسرائيلي إلى إلغاء كلمته".(63)‏

                    ويقول الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم أباظة عن مؤتمر القاهرة إنه "يأتي وسط تعثر سياسي لمسيرة السلام وهو يهدف إلى دعم الأوضاع الاقتصادية الإسرائيلية التي تتعمد تعطيل الخط السياسي الهادف للسلام... إن المؤتمر وفقاً لتطورات الأوضاع الاقتصادية في المنطقة وعلاقاتها بالعالم يحقق الرؤية الإسرائيلية لإقامة علاقات اقتصادية متميزة يكون لإسرائيل فيها نصيب الأسد وللعرب نصيب الفأر". (63)‏

                    ولكن تصدر بين الحين والآخر تصريحات ومواقف لرجال أعمال مصريين تخدم هيمنة إسرائيل الاقتصادية حيث يقول المهندس طاهر الشريف، مدير اللجنة التنفيذية للقطاع الخاص "إن رجال الأعمال المصريين يضعون أيديهم في أيدي رجال الأعمال الإسرائيليين لأنهم يبغون السلام ويرفضون سياسة حكومة الليكود. ويضيف طاهر الشريف من وجهة نظره أنه ربما يكون التعاون الاقتصادي هو الطريق للتمهيد للسلام في الشرق الأوسط مما يؤدي إلى التنمية".(64)‏

                    واجتمع رجال استثمار يهود مع يوسف والي وزير الزراعة المصري ورجال أعمال من مصر. وتضمنت الورقة المصرية للمؤتمر أربعة أنواع من مشاريع التعاون الإقليمي. الأول: مشاريع بُدئ في تنفيذها في إطار متابعة نتائج قمة عمان الاقتصادية. والثاني: مشاريع قيد الدرس كمشروع لإنشاء مجمع للطاقة لدول حوض البحر الأبيض المتوسط. والثالث مركز رصد حركة الزلازل في خليج العقبة. والرابع يتعلق بمشاريع ذات طابع اجتماعي مثل إنشاء مركز إقليمي لرعاية المعوقين.‏

                    وخيمت الأجواء السياسية المتوترة في المنطقة على المؤتمر. وعقد وزراء دول مجموعة طابا اجتماعاً على هامشه. وأصدروا بياناً ذكروا فيه أهمية تنمية الاقتصاد الفلسطيني وأهمية إنهاء الإغلاق والحصار الإسرائيلي باعتبارها خطوة ضرورية لتنمية اقتصادات المنطقة ككل.‏

                    وأكد المشتركون في الاجتماع وهم وزراء التجارة والاقتصاد والمالية في الدول الخمس الأهمية القصوى لتنمية الاقتصاد الفلسطيني.‏

                    وعقب الاجتماع صرح ماهر المصري وزير الاقتصاد الفلسطيني بأن الوضع السيء في الأراضي الفلسطينية هو نتيجة للممارسات الإسرائيلية. وأكد أن السلام لايمكن أن يأتي من خلال إجراءات الأمن وحدها ولكن من خلال إعادة الحقوق لأصحابها والمضي في الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل". (65).‏

                    وكشف كلاوس شفاب عن الهدف من عقد المؤتمرات الاقتصادية وقال: "الهدف من المؤتمرات إبجاد فئات من المستفيدين من عملية التسوية دولاً وحكومات وأفراداً وشركات. وكانت السنوات الأولى للسلام منعشة للاقتصاد الإسرائيلي بحيث بدأوا يتحدثون عن عدم حاجتهم للمساعدات الأميركية. ويشدد على أن أي تنمية اقتصادية في المنطقة باتت في أيدي رجال الأعمال ولم تعد في أيدي الحكومات وحدها، وأن مجتمع الأعمال مستعد للاضطلاع بدور متقدم في المنطقة". (66).‏



                    حكومة نتن ياهو والمؤتمر‏

                    أعلنت مصر قبل انعقاد المؤتمر عن نيتها في تأجيل انعقاده نظراً لتخلي الحكومة الإسرائيلية عن مرجعية مدريد واتفاق أوسلو، مما أثار غضب الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وإسرائيل. ومارس الرئيس كلنتون أقصى الضغوط على مصر لعقده في موعده.‏

                    وانصاعت مصر لرغبة إسرائيل عن طريق الضغط الأميركي المباشر ولكنها أعلنت أن التعاون الإقليمي يأتي بعد الاتفاق النهائي، بينما ظل العدو الإسرائيلي محافظاً على أطماعه في التمسك بالتعاون الاقتصادي والتطبيع أولاً ثم حل المشاكل السياسية فيما بعد لكي يتسنى له تحقيق كامل المزاعم والخرافات اليهودية في الأرض والثروات العربية.‏

                    ونظرت حكومة نتن ياهو إلى مؤتمر القاهرة على أنه فرصة لتنفيذ مشاريع إقليمية مع البلدان العربية المجاورة، على "رغم تأكيد الحكومة المصرية تكراراً أن الاجتماع لن يقر أي مشروع تكون إسرائيل طرفاً فيه بسبب حال الجمود في مسيرة السلام في الشرق الأوسط"(67).‏

                    وحض نتن ياهو رجال الأعمال الإسرائيليين على المشاركة في أعمال المؤتمر مؤكداً أن وزير خارجيته سيترأس وفد إسرائيل الذي سيضم خمسة وزراء ومائة من رجال الأعمال. وخاطبهم قائلاً:‏

                    "اذهبوا إلى القاهرة لعقد الصفقات. هذا جيد لليهود وجيد للعرب والسلام".(68)‏

                    وأكد بيرس صاحب فكرة المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا " الشرق الأوسط الجديد الذي يرتكز على السلام والتنمية الاقتصادية الإقليمية لم يمت وقال إن عملية السلام يجب أن تسير على قدمين إحداهما سياسية والثانية اقتصادية". (69)‏

                    احتوى الكتاب الإسرائيلي (الورقة الإسرائيلية) للمؤتمر على ثلاث كلمات: الأولى لرئيس الوزراء نتن ياهو وهي بعنوان التعاون الاقتصادي الإقليمي، مساندة السلام في الشرق الأوسط.‏

                    والثانية بعنوان: "السلام والتنمية البشرية في الشرق الأوسط لدافيد ليفي وزير الخارجية.‏

                    والثالثة بعنوان: "عملية السلام والتنمية الاقتصادية لدان ميريدور، وزير المالية. وتضمنت الورقة الإسرائيلية ثلاثة مواضيع زيادة على المواضيع العشرة التي تضمنتها الورقة السابقة وهي: الصحة والمحميات والموارد البشرية.‏

                    وجاء في مقدمة الورقة الإسرائيلية التي كتبها نتن ياهو مايلي:‏

                    "البعض يعتقد أن السلام هوالقاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية، وآخرون يعتقدون أن الروابط الاقتصادية توجد المناخ الصحيح للسلام، ونحن أضفنا أنه بدون الأمن لا يصبح الوضع ممهداً للاستثمار الأجنبي".(70)‏

                    وقدمت إسرائيل للمؤتمر ورقة بعنوان "برامج للتعاون الإقليمي" وقسّموا مناطق التنمية إلى ثلاث: وادي الأردن، ومنطقة طابا وإيلات والعقبة وجنوب شرق المتوسط. وركّزت الورقة على الأردن وخاصة منطقة وادي الأردن والعقبة وجعل الأردن مدخلاً لإسرائيل إلى دول الخليج العربية.‏

                    وتضمنت الورقة مشروع ريفيرا البحر الأحمر كمشروع إسرائيلي -مصري -أردني مشترك، مع العلم بأن مساحة السواحل الإسرائيلية على خليج العقبة صغيرة جداً وتبلغ ثلاثة كيلومترات يشغلها ميناء إيلات، بينما تبلغ السواحل المصرية (167)كم والأردنية 17كم، وبالتالي تريد إسرائيل اغتصاب موقع مصر والأردن السياحي كما اغتصبت موقع القدس العربية وبيت لحم وطبرية والناصرة.‏

                    وتعتبر الأحزاب المصرية المعارضة "إن فيزا خليج العقبة وحصة البترول الإجبارية لإسرائيل مظاهر ماسة بالسيادة ينبغي أن تختفي كلها". (71)‏

                    لقد قام التصور الإسرائيلي للمؤتمر على تقديم مشاريع مشتركة للتعاون مع الأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي، وبرز فيها عدد من المشاريع الممكنة التنفيذ في مناطق ثلاث، حيث تطمح إلى تنفيذ (13) مشروعاً لربط شبكات الكهرباء ومد أنابيب الغاز، وإنشاء طرق للسكك الحديدية ومشاريع سياحية.‏

                    أما في منطقة الغور وخليج العقبة فعدد المشاريع الإسرائيلية (28) وأهمها شق قناة تربط البحر الأحمر والبحر الميت، ومشروع الريفيرا ومنطقة صناعية حرة في وادي الأردن.‏

                    ويتجلى الطمع والاستعلاء في نظرة إسرائيل المستقبلية للسلام وممارساتها في المنطقة بحيث تضع التعاون الإقليمي والأمن وانتهاك الحقوق والسيادة العربية ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية قبل السلام.‏

                    ويصر نتنياهو على شعار "السلام مقابل السلام" بديلاً عن شعار "الأرض مقابل السلام" معتقداً أن بعض الدول العربية ستؤيد إسرائيل وتتعامل معها أملاً في دعمها لاستقرار هذه الأنظمة عن طريق الموساد وفتح الأبواب لها في الولايات المتحدة الأميركية والتوسط لها لدى دوائر المال والأعمال العالمية ولدى الشركات العالمية المتعددة الجنسيات. وهكذا تحقق هذه النظم العربية بعض عناصرالأمن لها مقابل التنازل عن استرداد الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس والمقدسات الإسلامية. وفي الوقت نفسه تحقق إسرائيل أمنها عن طريق الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة والتوسع فيها وبناء المستوطنات عليها، وبالتالي تكون تلك الدول العربية قد ساعدت الحكومة الإسرائيلية على تحقيق الأمن الإسرائيلي مقابل أمنها وأمن العدو الإسرائيلي.‏

                    وكرر وزير المال الإسرائيلي دان ميريدور الشكوى من بطء التطبيع مع مصر مقارناً إياه بالتقدم مع الأردن.‏

                    لقد طلبت السعودية من المؤتمر توجيه رسالة إلى إسرائيل بأن التعاون الإقليمي مرهون بانسحابها من كل الأراضي العربية المحتلة. وهاجمت سياسات إسرائيل ومحاولاتها تكريس الاحتلال.‏

                    وطالب وزير التخطيط الفلسطيني بعدم إبرام عقود مع إسرائيل في المؤتمر مالم تلتزم بعملية السلام وقال:‏

                    "مازلنا مؤمنين بعملية السلام ومن العدل أن تمارس كل الضغوط من أجله".(72)‏

                    وأكد دان ميريدور أن وفد بلاده من الرسميين ورجال الأعمال لقي معاملة جيدة من الدولة المضيفة ومن جانب بقية الدول العربية، وأن إسرائيل مرتاحة لأعمال المؤتمر ونتائجه. واستطاع بسهولة الاجتماع مع العديد من المسؤولين العرب، وأن هذه الاجتماعات تمت بطلب من المسؤولين العرب. ونفى أن بلده تعرّض إلى عزلة إقليمية في المؤتمر. ورفض تأكيد التزام إسرائيل بمبدأ مقايضة الأرض بالسلام.‏

                    وأكد دان ميريدور، وزير المالية الإسرائيلية أن حكومته تركز في المقام الأول على التعاون الاقتصادي الإقليمي، لأنه ركيزة أساسية في التسوية السلمية. ومن ثم جئنا بمفهوم الاقتصاد أولاً حتى تنتهي كل المشاكل السياسية... وأتمنى أن لا نجعل الاقتصاد أسير السياسة". (73)‏

                    وأبدى بعض رجال الأعمال العرب رأيهم في بنك التنمية الذي طرحته إسرائيل وتبنته الولايات المتحدة الأميركية وأكدوا "أن البنك لن يقوم في النهاية، وأنه كان مرتبطاً بفكرة بيرس" أموال العرب وسواعد المصريين وعقول الإسرائيليين"، والآن لم يعد لبيرس ولا لفكرته ذات الوجود أو شبه القبول الذي كان". (74).‏

                    وطالب عضو الوفد الإسرائيلي الرسمي كانلاج كوجلر أنه: "لا بد من أن ننأى بالأمور الاقتصادية بعيداً عن السياسة. وأعتقد أن مؤتمر القاهرة الاقتصادي أفضل من بقية المؤتمرات السابقة. فلقد تغيرت الظروف المحيطة بنا. في المؤتمرين السابقين كنا نبحث عن شركاء في شمال أفريقيا لكن اليوم نحن نريد شركاء مصريين. فهم أقرب الناس إلينا الآن. وفي الماضي كنا نعتمد على وسطاء أمركيين لتحقيق ذلك وأعتقد أننا لا نحتاجهم في مؤتمر القاهرة الاقتصادي بقدر ما نحتاج إلى رجال الأعمال المصريين. هذه فرصة للتحدث معهم حول عقد الصفقات وإقامة المشروعات المشتركة". (75)‏

                    وهاجمت الصحف الإسرائيلية الرئيس مبارك ووزير الخارجية عمرو موسى. وكتبت هآرتس تقول:‏

                    "فعقد المؤتمر ومشاركة إسرائيل مشروطان بقبول إملاءات القاهرة بالنسبة للسلام، وبإمكان إسرائيل أن تساهم في الشرق الأوسط الجديد الذي تتزعمه القاهرة فقط، إن هي عادت إلى حجمها الطبيعي. وقال كاتب المقال بوقاحة لا يحسد عليها: "وكدجاجة تقف على كومة قمامة انتصب الرئيس المصري حسني مبارك وقام بالتنظير والتبشير بقوله: إن الأعداء المشتركين للمسلمين والمسيحيين واليهود هي الفقر والأمية وانعدام الصبر والتسامح والتعليم، وإن على إسرائيل أن تطبق مبدأ الأرض مقابل السلام، وإلاّ فإنها ستكون المتهمة بجريرة ضياع الحلُم". (76).‏

                    وكانت إحدى الصحف الإسبوعية قد ذكرت أن الأميركيين قد عبروا لرئيس مجلس الوزراء المصري عن رغبتهم في ألا يروا عمرو موسى في التشكيل الوزاري القادم، وهذا منتهى التدخل الوقح في شؤون مصر الداخلية.‏

                    واعتبرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن مؤتمر القاهرة كان فاشلاً بسبب الدور الذي لعبته مصر. وقالت إن المؤتمر قد فشل في تحقيق هدفه الأساسي وهو أن يظهر للعالم أن منطقة الشرق الأوسط مفتوحة للاستثمار، وأحاطت مصر المؤتمر بأزمات شملت تهديدات بإلغائه، كما أنها جعلت عربة السياسة تسبق عربة الاقتصاد.‏

                    واختتمت الجريدة مقالها بقولها: "لقد حان الوقت للعالم العربي كي يفهم أنه لا يمكن أن ينال الثمار التي يريدها من الاقتصاد العالمي بينما هو يواصل نزاعه مع إسرائيل. وعلى العالم العربي أن يفعل ما بوسعه لعدم الربط بين التعاون الاقتصادي وعملية السلام لأن مثل هذا التعاون لا يمكنه بمفرده أن يجلب السلام ولا يمكنه في انتظار السلام الكامل". (77).‏

                    ورفض المؤتمر تبرير الإغلاق والحصار الذي فرضته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بمعزوفة الأمن الإسرائيلي الكاذبة. وأكد على أهمية رفع الحصار وتصحيح الانطباعات الخاطئة في قمتي الدار البيضاء وعمان بتكريس وجود إسرائيل كدولة مركزية ويتمحور حولها التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط.‏

                    وأعاد المؤتمر تعريف مفهوم التعاون الإقليمي باعتباره يرتكز في الأساس على تعاون الدول العربية فيما بينها أو تعاونها مع العالم الخارجي، لأنه لا يمكن للعدو الإسرائيلي أن يغلق الأبواب أمام الشعب الفلسطيني ثم يطالب بعد ذلك بفتح أبواب البلدان العربية أمامه.‏

                    وتعتقد بعض الأوساط العربية أن نتن ياهو قد تخلى عن "الشرق أوسطية" التي بلورها بيرس إلاّ أنني أعتقد بأن إسرائيل لم تتخل أبداً عن النظام الشرق أوسطي بل تتمسك حكومة نتن ياهو بكل ما حققه بيرس وتعمل لزيادة مكاسبها على حساب الوطن والمواطن العربي.‏

                    حملت الورقة الإسرائيلية إلى قمتي الدار البيضاء وعمان عنوان" مقترحات التعاون الإقليمي" أما عنوان الورقة التي قدمها نتن ياهو إلى المؤتمر الاقتصادي الثالث في القاهرة فكان عنوانها "برامج للتعاون الإقليمي" أي أنها تؤكد على تنفيذ ما تم اقتراحه في القمتين السابقتين. وتركز حكومة نتن ياهو على حرية التجارة، لأنها تعتقد أن التعاون الإقليمي قد أقر ووافقت عليه الحكومات المشتركة في القمتين الاقتصاديتين الأولى والثانية وعلى إسرائيل أن تنتج وتصدر إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج.‏

                    وجاء في رسالة نتن ياهو إلى مؤتمر القاهرة حول الورقة الإسرائيلية أن "هذا الكتاب الذي يحتوي مقترحات متعددة للتنمية يؤكد على الأهمية التي توليها دولة إسرائيل للتنمية الاقتصادية الإقليمية... السلام والأمن هما محور وجودنا والأمن الاقتصادي لشعوبنا يعني أيضاً الأمن "والأمن يعني أيضاً الأمن الاقتصادي لشعوبنا".‏

                    وأكدت كلمة نتن ياهو أن التنمية الاقتصادية ترتكز على مسارين كبيرين: مشروعات "المدى القصير، ومشروعات المدى الطويل التي تعتبر سياسة تأمينية وأنها خطاب نوايا "لشعوبنا" لنعكس مدى التزامنا بطريق السلام. وأن المشاريع الورادة في الورقة الإسرائيلية تهدف إلى تحقيق المنطقة الاقتصادية الإقليمية.‏

                    وعاد نتن ياهو وأكد في كلمته "أن القاعدة الأساسية للتنمية هي التعاون الإقليمي" واختتم كلمته قائلاً: "دعونا نستمكل المشوار الذي بدأه (رابين في افتتاح مؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاقتصادي). دعونا نكافح لنكمل أعمالهم (السادات -رابين) من خلال التعاون الاقتصادي الإقليمي".‏
                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    تعليق


                    • #11
                      رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                      البيان الختامي

                      اختتم المؤتمر الاقتصادي الثالث للشرق الأوسط وشمال افريقيا في 14/11/1996 أعماله ببيان حمل اسم "إعلان القاهرة" وتميز بلهجة دبلوماسية أكثر من اللزوم، إذ تعمد عدم ذكر الطرف الذي يعرقل التوصل إلى السلام وهو "إسرائيل".‏

                      كما تجنب البيان تحميل إسرائيل مسؤولية إغلاق المناطق الفلسطينية واكتفى بالنص على "رفع الإغلاق" بوصفه أساساً لوقف تدهور أوضاع الفلسطينيين وتحسين الأجواء المحيطة بعملية السلام ككل".(78).‏

                      وجاء فيه حول الاقتصاد الفلسطيني أيضاً" ويشدد المشاركون على الأهمية الكبرى لتطوير الاقتصاد الفلسطيني مع إبداء قلقهم لضعف الاقتصاد الفلسطيني بناء على القيود المفروضة والإغلاق مما يعرقل تحرك العمالة الفلسطينية وتجارتها"(79).‏

                      ويتضمن البيان دعوة واضحة إلى الالتزام بصيغة مدريد وقرارات مجلس الأمن الدولي وجاء فيه: "كما يعرب المشاركون عن التزامهم التام بتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط على أساس ماتم الاتفاق عليه في مؤتمر مدريد للسلام وعلى أسس قرارات مجلس الأمن خاصة رقمي 242 و 338" (80).‏

                      ورحب البيان بتأسيس "اتحاد السفر والسياحة في الشرق الأوسط" في العاصمة تونس وإنشاء بنك التعاون الاقتصادي ومقره القاهرة.‏

                      "وأعاد المشاركون في المؤتمر التزامهم بالاستمرار في إنشاء مجلس تجارة إقليمي ودفع هذا المطلب إلى الأمام".(81).‏

                      وقرر المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي الاجتماع مرة أخرى في أواخر عام 1997 في مدينة الدوحة بقطر لعقد المؤتمر الاقتصادي الرابع هناك.‏

                      ويعتقد بعض المحللين العرب أن مؤتمر القاهرة قطع الصلة بينه وبين قمتي الدار البيضاء وعمان، بإخراج رهانات الشرق أوسطية من التمحور حول إسرائيل وتوجيهها نحو احتمالات لتعاون عربي- عربي.‏

                      واعتبر وزير الخارجية المصري أن المواقف الأخيرة لإسرائيل أغضبت الجميع، وندد بالحصار الإسرائيلي المفروض على الأراضي الفلسطينية وآثاره الضارة على الاقتصاد الفلسطيني، وقال إن الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن التعاون الإقليمي في الوقت الذي تغلق أبواب فلسطين، وهذا كلام متناقض وبهذه السياسة لا يمكن أن تكافأ إسرائيل. وأشار إلى أن المؤتمر خصص جلسة رسمية للتعاون العربي- العربي وشدد عليه كركيزة أساسية للتعاون الإقليمي ثم التعاون بين أوروبا ودول المتوسط ورفض كلياً المقولة الإسرائيلية حول الأمن وقال: "نحن نرى أن مفهوم الأمن هو الأمن الشامل للجميع وليس الأمن الإسرائيلي فقط"(83).‏

                      وقال وزير الخارجية المصري في هذا الخصوص: كان هناك انطباع في مؤتمري الدار البيضاء وعمان يجعل من دولة معينة (إسرائيل) أساساً للتعاون الإقليمي، وأضاف أنه في القاهرة" تم تصحيح هذا المفهوم الخاطئ ولم يعد التعاون الإقليمي منصباً على دولة بعينها وأصبح التعاون العربي- العربي هو أساس التعاون الإقليمي من دون استبعاد أي دولة أخرى" (84).‏

                      وأشار عمرو موسى إلى أن الممارسات الإسرائيلية ولدت لدى شعوب المنطقة مشاعر من الإحباط واليأس تجاه مستقبل عملية السلام. وفي حال إصرارها على موقفها السلبي الحالي فسيكون لنا موقفنا الرافض للتعاون معها.‏

                      وأعلن رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شفاب أنه "إذا لم تسجل خطوات جديدة وأساسية في اتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط فلن تكون لعقد المؤتمر أهمية. إنني أعتقد أن المؤتمر كان ناجحاً لمجرد أنه انعقد. إن الهدف من المؤتمرات إيجاد فئات من المستفيدين من عملية التسوية دولاً وحكومات وأفراداً وشركات. وكانت السنوات الأولى للسلام منعشة للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث بدأوا يتحدثون عن عدم حاجتهم للمساعدات الأميركية"(85).‏

                      لقد تضمنت اتفاقات أوسلو وباريس وطابا والقاهرة التي وقعتها إسرائيل مع عرفات بنوداً اقتصادية، ولكن إسرائيل خرقت معظم تلك البنود وفرضت الإغلاق والحصار والدمار على الصادرات الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية، مما عرّض المنتجات الزراعية للتلّف. وأغلقت في الوقت نفسه أبواب الرزق والعمل للعمال الفلسطينيين، كما منعت الضفة الغربية وقطاع غزة من استيراد الحاجات الضرورية للبنية التحتية وأعادت الشاحنات الضخمة إلى الأردن ومصر.‏

                      وواصلت الحكومة الإسرائيلية الإغلاق والحصار والتجويع ومنعت سلطة الحكم الذاتي من فتح مطار غزة ومن استكمال بناء ميناء المدينة .‏

                      وتضع العراقيل أمام الدول المانحة وتسعى جاهدة إلى أن تستحوذ على معظم الأموال عن طريق اصرارها على المشاركة في جميع المشروعات التي تنوي سلطة الحكم الذاتي تنفيذها في مناطق الحكم الذاتي. وعملت أحياناً على وقف هذه المساعدات لخنق الاقتصاد الفلسطيني والعمل على تدهور حياة أبناء فلسطين، سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.‏

                      وعملت مصر جاهدة خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادي على كشف سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي للاقتصاد الفلسطيني وأكدت أن ممارسات إسرائيل هي استمرار للاحتلال بصورة أخرى، وأن الدول العربية لن تفتح الباب أمام إسرائيل التي تغلق الأبواب أمام تطور الاقتصاد الفلسطيني وتقدمه؛ وذلك لفرض الفقر والجهل والتخلف على الفلسطينيين تحقيقاً لمقولة شعب الله المختار وعنصرية اليهودية والصهيونية.‏

                      لقد اختلفت التفسيرات العربية والإسرائيلية حول تقييم المؤتمر لاختلاف المصالح. ولكن البيان الختامي ركز على أهمية سرعة تنفيذ الاتفاقات المبرمة، ودعا إسرائيل إلى إنهاء إغلاق الأراضي الفلسطينية ومساندة الاقتصاد الفلسطيني، ونالت معاناة الشعب الفلسطيني حظاً وفيراً من المساندة العربية واعتبرت قضية أساسية في المؤتمر، وقال بعض الإسرائيليين إنهم عزلوا في المؤتمر.‏

                      لقد مهدت القمتان الاقتصاديتان الأولى والثانية لإجراء التعاون بين العرب وإسرائيل. ووضعتا الآليات لدفعها إلى الأمام، وتحسين صورة إسرائيل ومكانتها لدى بعض الحكومات العربية.‏

                      وسيطرت إسرائيل سيطرة تامة على القمتين، ولكن في مؤتمر القاهرة الثالث غابت زعامات إسرائيل عن المؤتمر وغاب الوجود الإسرائيلي المكثّف والفعّال والمميز.‏

                      يقول البعض إن المؤتمر أهدى الحكومة الإسرائيلية فرصاً لتصعيد مناورة العلاقات العامة للعالم أظهرت فيها أنها مستعدة للحوار للوصول إلى تسوية سلمية وأن حضور الوفد الإسرائيلي للقاهرة منح الحكومة الإسرائيلية فرصة لصرف الانتباه عن عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، قالت وزيرة الاتصالات الإسرائيلية لإذاعة لندن في 17/11/1996: أعتقد أن حضور المؤتمر والاجتماع برجال الأعمال من كل بلدان العالم مفيد جداً لإسرائيل ومصر والأردن والفلسطينيين، كما اعتقد أن الاجتماع بين الأشخاص يقود للتفكير في التعاون بينهم، وهذا هو السبيل الأمثل للتطبيع وإحلال السلام في المنطقة. ورحبت الوزيرة الإسرائيلية بعقد الاتفاقات بين رجال الأعمال العرب والإسرائيليين.‏

                      وكانت أبرز نتيجة سجّلت من وجهة نظر رجال الأعمال الإسرائيليين هي القرار الذي اتخذه حوالي (50) رجل أعمال من مصر وإسرائيل والقاضي بتشكيل مجلس لرجال الأعمال من الجانبين.‏

                      وذكر أن المجلس يضم لجنة سياسية هدفها الضغط على الحكومة الإسرائيلية، من أجل مواصلة عملية السلام. وقال د. مصطفى السعيد، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشعب المصري إن أي اتفاقية اقتصادية لابد وأن تمر عبر اتفاق سياسي لتحقيق السلام، وأن أهم النتائج أنه مرة أخرى جرى تأكيد أي محاولة لتحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل لابد وأن تمر من خلال اتفاق كامل لتحقيق السلام الشامل والعادل وتنفيذ كافة الاتفاقيات التي وقعت،وأن نتيجة مسيرة السلام إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وحل مشكلة القدس.‏

                      وقالت الوزيرة الإسرائيلية إن إسرائيل وقعت اتفاقات سياسية مع الدول العربية وإن العلاقات الاقتصادية أصبحت ملحة الآن. توصلنا إلى اتفاق مع مصر قبل (17) عاماً لذلك كان يجب أن يعقد المؤتمر قبل الآن وقد آن الأوان لإقامة علاقات اقتصادية بين مصر وإسرائيل وأعتقد أنه إذا مشينا خطوة خطوة سواء في العملية السياسية أو التعاون الاقتصادي فإننا سنتوصل إلى تطبيع العلاقات وتحقيق السلام. وعلينا أن نتعاون وتكون لدينا مصالح مشتركة وتطبيع العلاقات.‏

                      وأكد د. مصطفى أن الجانب العربي أراد أن يوضح بأنه غير مسؤول عن عرقلة عملية السلام.‏

                      وقالت الوزيرة الإسرائيلية : "لدى إسرائيل الكثير مما يمكن أن تقدمه للمنطقة وخاصة في قطاع الاتصالات وأنه بإمكاننا أن ندخل في مشاريع مشتركة مع المصريين والأردنيين والفلسطينيين بهدف تطوير المنطقة ككل. إن مانريده هو العيش بسلام في ظل تعاون اقتصادي".‏

                      وقال د. السعيد: "إن الحديث عن التبادل التجاري دون أي مزايا أخرى يخدم الجانب الإسرائيلي"، وقالت الوزيرة الإسرائيلية عن الانطباع الذي خرجت به من مقابلاتها مع رجال الأعمال العرب:‏

                      "اكتشفت أن الأجواء كانت ودية وجيدة وقال البعض أنها أفضل من أجواء القمتين الأولى والثانية وأعتقد أن مؤتمر القاهرة كان أفضل مؤتمر اقتصادي عقد في هذه المنطقة حتى الآن. وأنه بيننا مصالح مشتركة واننا نتقاسم نفس المنطقة وأنه بإمكاننا أن نبرم الصفقات التجارية مع العرب وبإمكان العرب أن يبرموا الصفقات التجارية معنا. ورأيت أن الصحافة كلها في مصر ليست معادية لإسرائيل وأن رجال الأعمال في مصر يحبون التعاون وربط علاقات الصداقة معنا" .‏

                      وقال د. السعيد: "إنه يختلف معها لأنه لاحظ تحفظ كثير من رجال الأعمال العرب في الدخول بمناقشات جدية أو حوار بشأن مشروعات مشتركة مع إسرائيل في المرحلة الحالية".‏

                      وأكد أن إغلاق المناطق الفلسطينية يتعارض مع الحديث عن التنمية في المنطقة.‏

                      إن وجود العنف ضد الاحتلال... ليس مبرراً لمعاقبة شعب بأكمله واعزل وفي ظروف صعبة، وقال : الحكومة الجديدة في إسرائيل تريد أن تأخذ كل شيء دون أن تعطي أي شيء.‏

                      اتسم الموقف المصري الرسمي بالعزف على نغمة النجاح الباهر لمصر وصواب قرار عقد المؤتمر في موعده المحدد، وإجماع المؤتمر على وجود فرص هائلة للاستثمار في مصر وتهميش دور إسرائيل الإقليمي.‏

                      إن هذا الموقف الرسمي خداع للرأي العام المصري والعربي وبيع الوهم للناس تماماً كما جرى في تسويق القيادة الفلسطينية لاتفاق أوسلو والحكومة الأردنية لاتفاق وادي عربة. لقد حاولت الحكومة المصرية تحجيم مكانة إسرائيل ودورها في المؤتمر، فأبعدتها عن منصة الرئاسة ولم تدرج كلمة لها في الجلسة الافتتاحية. وأكدت على رجال الأعمال المصريين عدم إبرام صفقات مع الإسرائيليين خلال انعقاد المؤتمر.‏

                      وركزت الحكومة المصرية على ثلاثة مواضيع جعلت مؤتمر القاهرة يختلف عن قمتي الدار البيضاء وعمان وهي كما أعلنت ذلك رسمياً:‏

                      الأول: وضع إطار جديد للتعاون الإقليمي ليس محوره إسرائيل وإنما يقوم على التعاون العربي العربي، إلاّ أن التعاون العربي العربي لا يحتاج إلى مؤتمر القاهرة الاقتصادي وإنما إلى تطبيق قرارات قمة عمان الاقتصادية وقمة القاهرة العربية.‏

                      الثاني: تهميش إسرائيل إقليمياً، إذ جرى التعامل معها كمجرد دولة من الدول المشاركة، ولم تحظَ بالوضع الخاص والمتميز الذي حصلت عليه في قمتي الدار البيضاء وعمان.‏

                      الثالث: تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر.‏

                      هكذا كان الموقف المصري الرسمي بعد انتهاء المؤتمر، ولكن القول بأن المؤتمر وضع إطاراً جديداً للتعاون الإقليمي ليست إسرائيل محوره، أمر لا دليل عليه.‏

                      إن مؤتمر القاهرة يصب في النهاية في التعاون الاقتصادي الإقليمي، حيث عقد تحت شعار: " البناء من أجل المستقبل.. إيجاد بيئة مؤاتية للاستثمار". وأشار البيان الختامي إلى أن المؤتمر أتاح الفرصة لتشجيع الاستثمار الدولي والإقليمي، وإبراز إمكانات المنطقة في مجالات الاقتصاد والتجارة والتبادل التجاري.‏

                      إن آليات التعاون الإقليمي تخدم إسرائيل والتطبيع معها والنظام الشرق أوسطي ودور إسرائيل القائد والمهيمن في المنطقة، واحتلت إسرائيل ومخططاتها للشرق أوسطية مكاناً بارزاً في المؤتمر. فالمؤتمر اعتمد رسمياً الموقف الإسرائيلي القائم على "أولوية الاقتصاد على السياسة"، وتنمية المصالح المشتركة، مما يجعل التطبيع والعلاقات مع إسرائيل والشرق أوسطية سابقة، على التسوية السياسية، فالمؤتمر ناقش التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية تنصلها مما وافقت عليه ووصلت التسوية إلى حد الانهيار.‏

                      واحتلت آليات التعاون الإقليمي مكاناً بارزاً في المؤتمر. وأقام المؤتمر مصرف التنمية، ومؤسسة "الشرق الأوسط والمتوسط للسفر والسياحة".‏

                      وكانت إسرائيل أحد أعضاء لجنة التسيير في المؤتمر، وخصص الوفد الإسرائيلي جلسة خاصة في مقر المؤتمر في 13/11/1996 لطرح المشروعات الإسرائيلية، كما أعلنت جمعية رجال الأعمال المصريين عن تشكيل مجلس أعمال مصري- إسرائيلي. وعقدت المجموعة الوزارية لدول إعلان طابا وهي مصر وإسرائيل وسلطة الحكم الذاتي والأردن والولايات المتحدة اجتماعاً قررت فيه فتح الأسواق وضمان حرية للمستثمرين في أسواق هذه الدول.‏

                      كان الهدف من المؤتمرات الاقتصادية إرضاء إسرائيل وحل معضلاتها الاقتصادية المزمنة التي استنزفت الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية وجعل بعض الحكومات والشركات ورجال الأعمال يستفيدون حيث بنت الولايات المتحدة وإسرائيل قصوراً من الرمال للمهرولين من العرب إلى تل أبيب.‏

                      ولقد نجحت مصر في تحجيم التعاون الإقليمي أي التعاون بين العرب وإسرائيل، وطرحت فكرة التعاون العربي-العربي. وعاملت الكيان الصهيوني معاملة عادية بلا امتيازات وبلا وضع خاص، وبلا كلمة في الجلسة الافتتاحية وربما لأن مؤتمر القاهرة جاء في مناخ مغاير للمناخ الذي ساد في مؤتمري القمة في الدار البيضاء وعمان.‏

                      وعلى الرغم من ذلك أبقى المؤتمر على فكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي واجتمعت دول إعلان طابا. واتفقت على رفع القيود التجارية بين هذه الدول مما يشكل مكسباً كبيراً لإسرائيل وخسارة للعرب باستمرار التعاون الاقتصادي بين هذه الدول كقاعدة أساسية "للشرق الأوسط الجديد".‏

                      لقد تجنبت الوفود العربية إلى حد ما الوفد الإسرائيلي وتناقص عدد المهرولين لعقد الصفقات والتطبيع معه، حيث لم يعد مفهوم الهرولة القائم على أساس أن المصالحة ستشجع العدو على استكمال مسار التسوية على الجبهات السورية واللبنانية يلقى صدى يذكر، بل إن المقولة التي تقوم على ضرورة الامتناع عن توفير الثمار الاقتصادية والتطبيع بوصفها آخر ماتبقى للضغط على إسرائيل هي التي بدأت تسيطر على الموقف العربي.‏

                      وأظهرت ممارسات إسرائيل القمعية والاستيطانية وعدم رغبتها في الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة خطأ المهرولين الفادح بخصوص الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في فلسطين وبيت المقدس، إذ لا يمكن على الإطلاق الجمع بين مصالح العدو الإسرائيلي والمصالح العربية، فإذا تعاونت دولة عربية مع إسرائيل فإن مثل هذا التعاون سيوجه لغزو البلدان العربية وسيسخر في خدمة الهيمنة الإسرائيلية على الثروات العربية.‏

                      لقد أثبت مؤتمر القاهرة أن الاقتصاد لا يزال تابعاً للسياسة، وبالتالي فشلت السياسية الأميركية القائمة على عقد المؤتمرات الاقتصادية مع تجنب التسوية السياسية، حيث حاولت الولايات المتحدة دفع التعاون الإقليمي لينأى عن الحل السياسي. وربطت مصر في المؤتمر التعاون الإقليمي بالتقدم في عملية السلام.‏

                      ولكن إسرائيل أرادت تغيير المعادلة بتقديم التعاون الاقتصادي على السياسة والتمتع بفوائد التعاون الاقتصادي قبل تحقيق السلام العادل والشامل. ونجحت بذلك في الدار البيضاء وعمان وفشلت في مؤتمر القاهرة، حيث تفوق دعاة تقديم السياسة على الاقتصاد.‏

                      إن ماتم إحرازه في المنطقة من اتفاقات إذعان أجبرت الولايات المتحدة الأميركية العرب على توقيعها مع العدو الإسرائيلي بالترغيب والترهيب والتضليل والمناورة لم ولن توفر أي فرصة للتطور والتقدم والإزدهار في المنطقة، ولا توجد آفاق لتأمين الهدوء والاستقرار والعدالة فيها مادامت إسرائيل قوية.‏

                      إن المرحلة الراهنة وحقيقة أطماع إسرائيل في الأرض والثروات العربية لم تعد تسمح لأحد بإطلاق الرهان على أحلام النمو والإزدهار الإقليميين.‏

                      والمطلوب عربياً ألاّ نقبل باتفاقات الإذعان التي صاغتها إسرائيل وسوقتها الولايات المتحدة،وأن نرفض الخضوع والذل والهوان، ونقاوم التسلط والهيمنة والغطرسة الإسرائيلية، ونقاوم التطبيع والتعايش ونعيد المقاطعة العربية. ونعمل على توحيد الكلمة والموقف العربي. فالاستسلام للعدو الإسرائيلي خيانة وطنية وقومية ودينية لا تغتفر.‏

                      والمطلوب إزاء ذلك إقامة النظام العربي كبديل "للشرق الأوسط الجديد". وإقامة السوق العربية المشتركة كبديل عن السوق "الشرق أوسطية". والاستمرار في الصراع بأساليب وأشكال جديدة إلى أن تعود الأرض والحقوق المغتصبة لأصحابها.‏
                      إذا الشعب يوما أراد الحياة
                      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                      تعليق


                      • #12
                        رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                        البيان الختامي

                        اختتم المؤتمر الاقتصادي الثالث للشرق الأوسط وشمال افريقيا في 14/11/1996 أعماله ببيان حمل اسم "إعلان القاهرة" وتميز بلهجة دبلوماسية أكثر من اللزوم، إذ تعمد عدم ذكر الطرف الذي يعرقل التوصل إلى السلام وهو "إسرائيل".‏

                        كما تجنب البيان تحميل إسرائيل مسؤولية إغلاق المناطق الفلسطينية واكتفى بالنص على "رفع الإغلاق" بوصفه أساساً لوقف تدهور أوضاع الفلسطينيين وتحسين الأجواء المحيطة بعملية السلام ككل".(78).‏

                        وجاء فيه حول الاقتصاد الفلسطيني أيضاً" ويشدد المشاركون على الأهمية الكبرى لتطوير الاقتصاد الفلسطيني مع إبداء قلقهم لضعف الاقتصاد الفلسطيني بناء على القيود المفروضة والإغلاق مما يعرقل تحرك العمالة الفلسطينية وتجارتها"(79).‏

                        ويتضمن البيان دعوة واضحة إلى الالتزام بصيغة مدريد وقرارات مجلس الأمن الدولي وجاء فيه: "كما يعرب المشاركون عن التزامهم التام بتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط على أساس ماتم الاتفاق عليه في مؤتمر مدريد للسلام وعلى أسس قرارات مجلس الأمن خاصة رقمي 242 و 338" (80).‏

                        ورحب البيان بتأسيس "اتحاد السفر والسياحة في الشرق الأوسط" في العاصمة تونس وإنشاء بنك التعاون الاقتصادي ومقره القاهرة.‏

                        "وأعاد المشاركون في المؤتمر التزامهم بالاستمرار في إنشاء مجلس تجارة إقليمي ودفع هذا المطلب إلى الأمام".(81).‏

                        وقرر المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي الاجتماع مرة أخرى في أواخر عام 1997 في مدينة الدوحة بقطر لعقد المؤتمر الاقتصادي الرابع هناك.‏

                        ويعتقد بعض المحللين العرب أن مؤتمر القاهرة قطع الصلة بينه وبين قمتي الدار البيضاء وعمان، بإخراج رهانات الشرق أوسطية من التمحور حول إسرائيل وتوجيهها نحو احتمالات لتعاون عربي- عربي.‏

                        واعتبر وزير الخارجية المصري أن المواقف الأخيرة لإسرائيل أغضبت الجميع، وندد بالحصار الإسرائيلي المفروض على الأراضي الفلسطينية وآثاره الضارة على الاقتصاد الفلسطيني، وقال إن الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن التعاون الإقليمي في الوقت الذي تغلق أبواب فلسطين، وهذا كلام متناقض وبهذه السياسة لا يمكن أن تكافأ إسرائيل. وأشار إلى أن المؤتمر خصص جلسة رسمية للتعاون العربي- العربي وشدد عليه كركيزة أساسية للتعاون الإقليمي ثم التعاون بين أوروبا ودول المتوسط ورفض كلياً المقولة الإسرائيلية حول الأمن وقال: "نحن نرى أن مفهوم الأمن هو الأمن الشامل للجميع وليس الأمن الإسرائيلي فقط"(83).‏

                        وقال وزير الخارجية المصري في هذا الخصوص: كان هناك انطباع في مؤتمري الدار البيضاء وعمان يجعل من دولة معينة (إسرائيل) أساساً للتعاون الإقليمي، وأضاف أنه في القاهرة" تم تصحيح هذا المفهوم الخاطئ ولم يعد التعاون الإقليمي منصباً على دولة بعينها وأصبح التعاون العربي- العربي هو أساس التعاون الإقليمي من دون استبعاد أي دولة أخرى" (84).‏

                        وأشار عمرو موسى إلى أن الممارسات الإسرائيلية ولدت لدى شعوب المنطقة مشاعر من الإحباط واليأس تجاه مستقبل عملية السلام. وفي حال إصرارها على موقفها السلبي الحالي فسيكون لنا موقفنا الرافض للتعاون معها.‏

                        وأعلن رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شفاب أنه "إذا لم تسجل خطوات جديدة وأساسية في اتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط فلن تكون لعقد المؤتمر أهمية. إنني أعتقد أن المؤتمر كان ناجحاً لمجرد أنه انعقد. إن الهدف من المؤتمرات إيجاد فئات من المستفيدين من عملية التسوية دولاً وحكومات وأفراداً وشركات. وكانت السنوات الأولى للسلام منعشة للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث بدأوا يتحدثون عن عدم حاجتهم للمساعدات الأميركية"(85).‏

                        لقد تضمنت اتفاقات أوسلو وباريس وطابا والقاهرة التي وقعتها إسرائيل مع عرفات بنوداً اقتصادية، ولكن إسرائيل خرقت معظم تلك البنود وفرضت الإغلاق والحصار والدمار على الصادرات الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية، مما عرّض المنتجات الزراعية للتلّف. وأغلقت في الوقت نفسه أبواب الرزق والعمل للعمال الفلسطينيين، كما منعت الضفة الغربية وقطاع غزة من استيراد الحاجات الضرورية للبنية التحتية وأعادت الشاحنات الضخمة إلى الأردن ومصر.‏

                        وواصلت الحكومة الإسرائيلية الإغلاق والحصار والتجويع ومنعت سلطة الحكم الذاتي من فتح مطار غزة ومن استكمال بناء ميناء المدينة .‏

                        وتضع العراقيل أمام الدول المانحة وتسعى جاهدة إلى أن تستحوذ على معظم الأموال عن طريق اصرارها على المشاركة في جميع المشروعات التي تنوي سلطة الحكم الذاتي تنفيذها في مناطق الحكم الذاتي. وعملت أحياناً على وقف هذه المساعدات لخنق الاقتصاد الفلسطيني والعمل على تدهور حياة أبناء فلسطين، سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.‏

                        وعملت مصر جاهدة خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادي على كشف سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي للاقتصاد الفلسطيني وأكدت أن ممارسات إسرائيل هي استمرار للاحتلال بصورة أخرى، وأن الدول العربية لن تفتح الباب أمام إسرائيل التي تغلق الأبواب أمام تطور الاقتصاد الفلسطيني وتقدمه؛ وذلك لفرض الفقر والجهل والتخلف على الفلسطينيين تحقيقاً لمقولة شعب الله المختار وعنصرية اليهودية والصهيونية.‏

                        لقد اختلفت التفسيرات العربية والإسرائيلية حول تقييم المؤتمر لاختلاف المصالح. ولكن البيان الختامي ركز على أهمية سرعة تنفيذ الاتفاقات المبرمة، ودعا إسرائيل إلى إنهاء إغلاق الأراضي الفلسطينية ومساندة الاقتصاد الفلسطيني، ونالت معاناة الشعب الفلسطيني حظاً وفيراً من المساندة العربية واعتبرت قضية أساسية في المؤتمر، وقال بعض الإسرائيليين إنهم عزلوا في المؤتمر.‏

                        لقد مهدت القمتان الاقتصاديتان الأولى والثانية لإجراء التعاون بين العرب وإسرائيل. ووضعتا الآليات لدفعها إلى الأمام، وتحسين صورة إسرائيل ومكانتها لدى بعض الحكومات العربية.‏

                        وسيطرت إسرائيل سيطرة تامة على القمتين، ولكن في مؤتمر القاهرة الثالث غابت زعامات إسرائيل عن المؤتمر وغاب الوجود الإسرائيلي المكثّف والفعّال والمميز.‏

                        يقول البعض إن المؤتمر أهدى الحكومة الإسرائيلية فرصاً لتصعيد مناورة العلاقات العامة للعالم أظهرت فيها أنها مستعدة للحوار للوصول إلى تسوية سلمية وأن حضور الوفد الإسرائيلي للقاهرة منح الحكومة الإسرائيلية فرصة لصرف الانتباه عن عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، قالت وزيرة الاتصالات الإسرائيلية لإذاعة لندن في 17/11/1996: أعتقد أن حضور المؤتمر والاجتماع برجال الأعمال من كل بلدان العالم مفيد جداً لإسرائيل ومصر والأردن والفلسطينيين، كما اعتقد أن الاجتماع بين الأشخاص يقود للتفكير في التعاون بينهم، وهذا هو السبيل الأمثل للتطبيع وإحلال السلام في المنطقة. ورحبت الوزيرة الإسرائيلية بعقد الاتفاقات بين رجال الأعمال العرب والإسرائيليين.‏

                        وكانت أبرز نتيجة سجّلت من وجهة نظر رجال الأعمال الإسرائيليين هي القرار الذي اتخذه حوالي (50) رجل أعمال من مصر وإسرائيل والقاضي بتشكيل مجلس لرجال الأعمال من الجانبين.‏

                        وذكر أن المجلس يضم لجنة سياسية هدفها الضغط على الحكومة الإسرائيلية، من أجل مواصلة عملية السلام. وقال د. مصطفى السعيد، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشعب المصري إن أي اتفاقية اقتصادية لابد وأن تمر عبر اتفاق سياسي لتحقيق السلام، وأن أهم النتائج أنه مرة أخرى جرى تأكيد أي محاولة لتحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل لابد وأن تمر من خلال اتفاق كامل لتحقيق السلام الشامل والعادل وتنفيذ كافة الاتفاقيات التي وقعت،وأن نتيجة مسيرة السلام إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وحل مشكلة القدس.‏

                        وقالت الوزيرة الإسرائيلية إن إسرائيل وقعت اتفاقات سياسية مع الدول العربية وإن العلاقات الاقتصادية أصبحت ملحة الآن. توصلنا إلى اتفاق مع مصر قبل (17) عاماً لذلك كان يجب أن يعقد المؤتمر قبل الآن وقد آن الأوان لإقامة علاقات اقتصادية بين مصر وإسرائيل وأعتقد أنه إذا مشينا خطوة خطوة سواء في العملية السياسية أو التعاون الاقتصادي فإننا سنتوصل إلى تطبيع العلاقات وتحقيق السلام. وعلينا أن نتعاون وتكون لدينا مصالح مشتركة وتطبيع العلاقات.‏

                        وأكد د. مصطفى أن الجانب العربي أراد أن يوضح بأنه غير مسؤول عن عرقلة عملية السلام.‏

                        وقالت الوزيرة الإسرائيلية : "لدى إسرائيل الكثير مما يمكن أن تقدمه للمنطقة وخاصة في قطاع الاتصالات وأنه بإمكاننا أن ندخل في مشاريع مشتركة مع المصريين والأردنيين والفلسطينيين بهدف تطوير المنطقة ككل. إن مانريده هو العيش بسلام في ظل تعاون اقتصادي".‏

                        وقال د. السعيد: "إن الحديث عن التبادل التجاري دون أي مزايا أخرى يخدم الجانب الإسرائيلي"، وقالت الوزيرة الإسرائيلية عن الانطباع الذي خرجت به من مقابلاتها مع رجال الأعمال العرب:‏

                        "اكتشفت أن الأجواء كانت ودية وجيدة وقال البعض أنها أفضل من أجواء القمتين الأولى والثانية وأعتقد أن مؤتمر القاهرة كان أفضل مؤتمر اقتصادي عقد في هذه المنطقة حتى الآن. وأنه بيننا مصالح مشتركة واننا نتقاسم نفس المنطقة وأنه بإمكاننا أن نبرم الصفقات التجارية مع العرب وبإمكان العرب أن يبرموا الصفقات التجارية معنا. ورأيت أن الصحافة كلها في مصر ليست معادية لإسرائيل وأن رجال الأعمال في مصر يحبون التعاون وربط علاقات الصداقة معنا" .‏

                        وقال د. السعيد: "إنه يختلف معها لأنه لاحظ تحفظ كثير من رجال الأعمال العرب في الدخول بمناقشات جدية أو حوار بشأن مشروعات مشتركة مع إسرائيل في المرحلة الحالية".‏

                        وأكد أن إغلاق المناطق الفلسطينية يتعارض مع الحديث عن التنمية في المنطقة.‏

                        إن وجود العنف ضد الاحتلال... ليس مبرراً لمعاقبة شعب بأكمله واعزل وفي ظروف صعبة، وقال : الحكومة الجديدة في إسرائيل تريد أن تأخذ كل شيء دون أن تعطي أي شيء.‏

                        اتسم الموقف المصري الرسمي بالعزف على نغمة النجاح الباهر لمصر وصواب قرار عقد المؤتمر في موعده المحدد، وإجماع المؤتمر على وجود فرص هائلة للاستثمار في مصر وتهميش دور إسرائيل الإقليمي.‏

                        إن هذا الموقف الرسمي خداع للرأي العام المصري والعربي وبيع الوهم للناس تماماً كما جرى في تسويق القيادة الفلسطينية لاتفاق أوسلو والحكومة الأردنية لاتفاق وادي عربة. لقد حاولت الحكومة المصرية تحجيم مكانة إسرائيل ودورها في المؤتمر، فأبعدتها عن منصة الرئاسة ولم تدرج كلمة لها في الجلسة الافتتاحية. وأكدت على رجال الأعمال المصريين عدم إبرام صفقات مع الإسرائيليين خلال انعقاد المؤتمر.‏

                        وركزت الحكومة المصرية على ثلاثة مواضيع جعلت مؤتمر القاهرة يختلف عن قمتي الدار البيضاء وعمان وهي كما أعلنت ذلك رسمياً:‏

                        الأول: وضع إطار جديد للتعاون الإقليمي ليس محوره إسرائيل وإنما يقوم على التعاون العربي العربي، إلاّ أن التعاون العربي العربي لا يحتاج إلى مؤتمر القاهرة الاقتصادي وإنما إلى تطبيق قرارات قمة عمان الاقتصادية وقمة القاهرة العربية.‏

                        الثاني: تهميش إسرائيل إقليمياً، إذ جرى التعامل معها كمجرد دولة من الدول المشاركة، ولم تحظَ بالوضع الخاص والمتميز الذي حصلت عليه في قمتي الدار البيضاء وعمان.‏

                        الثالث: تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر.‏

                        هكذا كان الموقف المصري الرسمي بعد انتهاء المؤتمر، ولكن القول بأن المؤتمر وضع إطاراً جديداً للتعاون الإقليمي ليست إسرائيل محوره، أمر لا دليل عليه.‏

                        إن مؤتمر القاهرة يصب في النهاية في التعاون الاقتصادي الإقليمي، حيث عقد تحت شعار: " البناء من أجل المستقبل.. إيجاد بيئة مؤاتية للاستثمار". وأشار البيان الختامي إلى أن المؤتمر أتاح الفرصة لتشجيع الاستثمار الدولي والإقليمي، وإبراز إمكانات المنطقة في مجالات الاقتصاد والتجارة والتبادل التجاري.‏

                        إن آليات التعاون الإقليمي تخدم إسرائيل والتطبيع معها والنظام الشرق أوسطي ودور إسرائيل القائد والمهيمن في المنطقة، واحتلت إسرائيل ومخططاتها للشرق أوسطية مكاناً بارزاً في المؤتمر. فالمؤتمر اعتمد رسمياً الموقف الإسرائيلي القائم على "أولوية الاقتصاد على السياسة"، وتنمية المصالح المشتركة، مما يجعل التطبيع والعلاقات مع إسرائيل والشرق أوسطية سابقة، على التسوية السياسية، فالمؤتمر ناقش التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية تنصلها مما وافقت عليه ووصلت التسوية إلى حد الانهيار.‏

                        واحتلت آليات التعاون الإقليمي مكاناً بارزاً في المؤتمر. وأقام المؤتمر مصرف التنمية، ومؤسسة "الشرق الأوسط والمتوسط للسفر والسياحة".‏

                        وكانت إسرائيل أحد أعضاء لجنة التسيير في المؤتمر، وخصص الوفد الإسرائيلي جلسة خاصة في مقر المؤتمر في 13/11/1996 لطرح المشروعات الإسرائيلية، كما أعلنت جمعية رجال الأعمال المصريين عن تشكيل مجلس أعمال مصري- إسرائيلي. وعقدت المجموعة الوزارية لدول إعلان طابا وهي مصر وإسرائيل وسلطة الحكم الذاتي والأردن والولايات المتحدة اجتماعاً قررت فيه فتح الأسواق وضمان حرية للمستثمرين في أسواق هذه الدول.‏

                        كان الهدف من المؤتمرات الاقتصادية إرضاء إسرائيل وحل معضلاتها الاقتصادية المزمنة التي استنزفت الولايات المتحدة وألمانيا الاتحادية وجعل بعض الحكومات والشركات ورجال الأعمال يستفيدون حيث بنت الولايات المتحدة وإسرائيل قصوراً من الرمال للمهرولين من العرب إلى تل أبيب.‏

                        ولقد نجحت مصر في تحجيم التعاون الإقليمي أي التعاون بين العرب وإسرائيل، وطرحت فكرة التعاون العربي-العربي. وعاملت الكيان الصهيوني معاملة عادية بلا امتيازات وبلا وضع خاص، وبلا كلمة في الجلسة الافتتاحية وربما لأن مؤتمر القاهرة جاء في مناخ مغاير للمناخ الذي ساد في مؤتمري القمة في الدار البيضاء وعمان.‏

                        وعلى الرغم من ذلك أبقى المؤتمر على فكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي واجتمعت دول إعلان طابا. واتفقت على رفع القيود التجارية بين هذه الدول مما يشكل مكسباً كبيراً لإسرائيل وخسارة للعرب باستمرار التعاون الاقتصادي بين هذه الدول كقاعدة أساسية "للشرق الأوسط الجديد".‏

                        لقد تجنبت الوفود العربية إلى حد ما الوفد الإسرائيلي وتناقص عدد المهرولين لعقد الصفقات والتطبيع معه، حيث لم يعد مفهوم الهرولة القائم على أساس أن المصالحة ستشجع العدو على استكمال مسار التسوية على الجبهات السورية واللبنانية يلقى صدى يذكر، بل إن المقولة التي تقوم على ضرورة الامتناع عن توفير الثمار الاقتصادية والتطبيع بوصفها آخر ماتبقى للضغط على إسرائيل هي التي بدأت تسيطر على الموقف العربي.‏

                        وأظهرت ممارسات إسرائيل القمعية والاستيطانية وعدم رغبتها في الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة خطأ المهرولين الفادح بخصوص الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في فلسطين وبيت المقدس، إذ لا يمكن على الإطلاق الجمع بين مصالح العدو الإسرائيلي والمصالح العربية، فإذا تعاونت دولة عربية مع إسرائيل فإن مثل هذا التعاون سيوجه لغزو البلدان العربية وسيسخر في خدمة الهيمنة الإسرائيلية على الثروات العربية.‏

                        لقد أثبت مؤتمر القاهرة أن الاقتصاد لا يزال تابعاً للسياسة، وبالتالي فشلت السياسية الأميركية القائمة على عقد المؤتمرات الاقتصادية مع تجنب التسوية السياسية، حيث حاولت الولايات المتحدة دفع التعاون الإقليمي لينأى عن الحل السياسي. وربطت مصر في المؤتمر التعاون الإقليمي بالتقدم في عملية السلام.‏

                        ولكن إسرائيل أرادت تغيير المعادلة بتقديم التعاون الاقتصادي على السياسة والتمتع بفوائد التعاون الاقتصادي قبل تحقيق السلام العادل والشامل. ونجحت بذلك في الدار البيضاء وعمان وفشلت في مؤتمر القاهرة، حيث تفوق دعاة تقديم السياسة على الاقتصاد.‏

                        إن ماتم إحرازه في المنطقة من اتفاقات إذعان أجبرت الولايات المتحدة الأميركية العرب على توقيعها مع العدو الإسرائيلي بالترغيب والترهيب والتضليل والمناورة لم ولن توفر أي فرصة للتطور والتقدم والإزدهار في المنطقة، ولا توجد آفاق لتأمين الهدوء والاستقرار والعدالة فيها مادامت إسرائيل قوية.‏

                        إن المرحلة الراهنة وحقيقة أطماع إسرائيل في الأرض والثروات العربية لم تعد تسمح لأحد بإطلاق الرهان على أحلام النمو والإزدهار الإقليميين.‏

                        والمطلوب عربياً ألاّ نقبل باتفاقات الإذعان التي صاغتها إسرائيل وسوقتها الولايات المتحدة،وأن نرفض الخضوع والذل والهوان، ونقاوم التسلط والهيمنة والغطرسة الإسرائيلية، ونقاوم التطبيع والتعايش ونعيد المقاطعة العربية. ونعمل على توحيد الكلمة والموقف العربي. فالاستسلام للعدو الإسرائيلي خيانة وطنية وقومية ودينية لا تغتفر.‏

                        والمطلوب إزاء ذلك إقامة النظام العربي كبديل "للشرق الأوسط الجديد". وإقامة السوق العربية المشتركة كبديل عن السوق "الشرق أوسطية". والاستمرار في الصراع بأساليب وأشكال جديدة إلى أن تعود الأرض والحقوق المغتصبة لأصحابها.‏
                        إذا الشعب يوما أراد الحياة
                        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                        تعليق


                        • #13
                          رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                          رابعاً مؤتمر الدوحة الاقتصادي الرابع

                          إصرار قطر على عقد المؤتمر‏

                          ركزت قطر على انعقاد المؤتمر بحجة "التزام دولي" لابد من تنفيذه وكأن تنفيذ الالتزامات الدولية محصور بالعرب. كانت الفرصة ملائمة جداً لقطر لتأجيل انعقاده أو عدم توجيه الدعوة للعدو الإسرائيلي وذلك بسبب تصعيد سياسته الاستيطانية والإرهابية وتخليه عن تنفيذ الاتفاقات التي التزم بتحقيقها. وهنا يبرز السؤال التالي لحكومة قطر:‏

                          لماذا تلتزم بتنفيذ الالتزام الدولي ولا تلتزم بتنفيذ الالتزام العربي الذي وافقت عليه في قمة القاهرة العربية في حزيران 1996، ووافق عليه مجلس الجامعة العربية في 30 آذار 1997 بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وبالتالي تكون قطر قد ضربت بالالتزام العربي عرض الحائط، ونفذت تعهدها باستضافة مؤتمر الدوحة نزولاً لرغبة الولايات المتحدة. إن قطر كافأت إسرائيل باستضافتها في بلد عربي وجنباً إلى جنب مع الدول العربية ورجال الاستثمار العرب في نفس الوقت الذي تتنكر فيه إسرائيل لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية، وتروّج مقولة "الأمن مقابل السلام". مما يشجعها على السير قدماً في مساعيها لفرض الهيمنة الاقتصادية على البلدان العربية وعدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة".‏

                          إن القول بأن حضور إسرائيل لا يُعد تطبيعاً، وإن قطر لا تنتهك قرار قمة القاهرة العربية قول غير صحيح، إذ ان مشاركة إسرائيل في المؤتمر جزء لا يتجزأ من عملية التطبيع القسرية التي تفرضها الإدارة الأميركية على الدول العربية.‏

                          وبالتالي تكون قطر قد سحبت من الدول العربية الورقة الوحيدة التي تملكها للوقوف أمام الأطماع والمزاعم والأساطير والخرافات والمجازر اليهودية. فرفض التطبيع هو الورقة الوحيدة التي يملكها العرب.‏

                          أما التبرير الذي يعتمد على القول بأن عقد المؤتمر ومشاركة إسرائيل فيه يشجعها على المضي في عملية التسوية فلا أساس له من الصحة. فلماذا تكون عملية دفع التسوية على حساب الحقوق العربية؟‏

                          وهل مؤتمر الدوحة كفيل بأن يسهم في عملية التسوية أم أنه يضع العراقيل في وجهها؟!‏

                          "إن الظهور بمظهر الإصرار على عقد مؤتمر الدوحة على هذا النحو، لم يعد يحمل معنى التمسك بشيء منسوب إلى عملية السلام، وإنما أصبح يبدو وكأنما هو إسهام عن وعي أو غير وعي في التعجيل بتصفية عملية السلام تصفية شاملة. هذا مايتطلع إليه نتنياهو، وهاهي أميركا راعية عملية السلام، بصدد أن تيسر له تحقيق تطلعه، بإصرارها على عقد مؤتمر الدوحة الاقتصادي في موعده. إنها تهيئ لنتنياهو فرصة وضع مخططه موضع التنفيذ، بدلاً من التصدي لمحاولاته نسف مبدأ مبادلة الأرض بالسلام، وتوجيه ضربة في الصميم "للقرار 242"(86).‏

                          كانت الحكمة والموقف الحكيم والسليم هو في تأجيل أو إلغاء المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة، ولكن حاكم قطر ذهب بعيداً في التجاوب مع الإرادتين الأميركية واليهودية. فحجة "احترام الالتزامات الدولية" ليست كافية أو مقنعة وتسقط إذا كانت تعرّض المصالح الوطنية والقومية والدينية إلى مخاطر كبيرة.‏

                          بالفعل الحق عقد المؤتمر الإضرار بمصالح قطر نفسها، وفي علاقاتها مع جيرانها وأشقائها العرب. واستضافت قطر المؤتمر كما أعلنت مراراً وتكراراً كالتزام دولي، وبناء على إلحاح أميركي. وقاطعته الدول العربية لأنها ربطت حضورها بإحراز تقدم في عملية التسوية.‏

                          وعندما انعقد مؤتمرا لدوحة، تغيبت عنه مصر والسعودية وسورية (الرافضة للمفاوضات المتعددة الأطراف والقمم والمؤتمرات الاقتصادية) والمغرب الذي احتضن القمة الاقتصادية الأولى في الدار البيضاء والسلطة الفلسطينية، وبالتالي لم يبق للمؤتمر أي معنى عربياً أو اقليمياً.‏

                          إن موقف قطر أحدث المزيد من الانقسام بين الدول العربية، بدلاً من تضامنها وتعاونها، حول موقف عربي موحد، ووجه طعنة إلى صميم الإجماع العربي وهو تفريط بالحقوق العربية وهدية إلى نتنياهو على إرهابه وغطرسته واستيطانه.‏

                          وجاء التصميم القطري على عقد المؤتمر بعدما أدت سياسة الحكومة الإسرائيلية وممارساتها إلى انهيار عملية السلام، وبعدما اقتنع العرب بأن مسلسل القمم الاقتصادية يجب أن يتوقف وأن البديل الوحيد للتعاون الاقتصادي الإقليمي هو التعاون الاقتصادي العربي.‏

                          إن المشاركة العربية في مؤتمر الدوحة تعني الموافقة العربية على الانخراط في التعاون الاقتصادي مع العدو الإسرائيلي قبل إحلال السلام العادل والشامل مع الأطراف العربية كافة.‏

                          كانت إسرائيل الطرف الوحيد الذي حقق أهدافه ومخططاته من القمم والمؤتمرات الاقتصادية وامتدت نشاطاتها الاقتصادية والتجارية والأمنية إلى الأردن وقطر وعُمان والمغرب وتونس، لتصل إلى البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، كما حصلت على الاستثمارات الأجنبية الهائلة.‏

                          فلماذا إذن تعطي قطر "إسرائيل" المجال لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الأرض والثروات والحقوق العربية؟ لماذا أصرت قطر على عقد المؤتمر بعدما وصلت التسوية السياسية إلى الطريق المسدود؟!‏

                          لماذا تستفز قطر إيران التي عارضت عقد المؤتمر وتنظر بعين القلق إلى وصول النفوذ الإسرائيلي إلى حدودها؟ في بادئ الأمر اشترطت قطر تخلي نتنياهو عن بناء المستوطنات، واستئناف المفاوضات مع سورية من النقطة التي توقفت عندها، لكي توافق على استضافة المؤتمر.‏

                          ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تحقق ذلك، بل صعدت من سياسة الاستيطان والقمع والتجويع والإرهاب. فلماذا تمسكت قطر بالرغم من ذلك بعقد المؤتمر في موعده المحدد؟! حتى المغرب عراب القمم الاقتصادية ألغت المؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي حتى لا تحضره إسرائيل.‏

                          تذرعت قطر في الماضي بعقد المؤتمر، بحجة أن التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل يشجعها على استكمال مسيرة السلام. فأين هي مسيرة السلام الآن؟!‏

                          إن الأحداث والتطورات أثبتت خطورة هذه المقولة، لأنها تشجع إسرائيل على المضي في سياستها الاستيطانية والإرهابية.‏

                          هل تستطيع إمارة قطر بعدد سكانها وحجمها ووزنها أن تحمل إسرائيل على المضي قدماً في العملية السلميَّة إذا عقدت مؤتمر الدوحة في موعده المحدد؟!‏

                          إن مواجهة الموقف الإسرائيلي الرافض للسلام العادل لا يأتي من خلال القبول بهيمنة إسرائيل على الاقتصادات العربية وإنما من خلال موقف عربي موحد، يحمل الولايات المتحدة على التحرك الفعلي والجاد، إذ أنه بعد عملية مدريد، وبعد توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو ووادي عربة لم تتبدل الصهيونية، ولم يتغير الكيان الصهيوني، بل تابع سياسته المدمرة القائمة على التمسك بالاحتلال وتصعيد الاستيطان والهجرة والترحيل.‏

                          ولابد هنا من الإشارة إلى أن مشاركة اليمن في مؤتمر الدوحة، بحجة مكافأة قطر على دعمها للوحدة اليمنية يعبِّر عن التمويه والتضليل، لأنه لا يمكن تصوير الموقف الذي يخدم مصالح إسرائيل على أنه مكافأة لقطر.‏

                          إن الموقف اليمني خروج على الموقف العربي الموحد، ويضعف الموقف العربي في مواجهة إسرائيل، ويعزز الشرذمة العربية، ويبارك مواصله العدو الإسرائيلي لسياسته القمعية والاستيطانية، ومكافأة لحكومة قطر على تمردها على الإجماع العربي.‏



                          مصر ومؤتمر الدوحة‏

                          أحجمت مصر عن الإعلان عن المشاركة أو عدم المشاركة في مؤتمر الدوحة الاقتصادي حتى اللحظة الأخيرة. واشترطت مشاركتها فيه بإحراز تقدم ملموس في عملية السلام.‏

                          ويعني الموقف المصري تأكيد أن التعاون الإقليمي في المنطقة يرتبط بعملية السلام. فلماذا اتخذت مصر هذا الموقف؟!‏

                          نظمّت الولايات المتحدة المفاوضات المتعددة الأطراف لتحقيق التعاون الإقليمي في المنطقة وجاء اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة عام 1994 للتخفيف من الحواجز السياسية والنفسية وإتاحة الفرصة لعقد المؤتمر الاقتصادي الأول في الدار البيضاء في تشرين الثاني عام 1994.‏

                          فالمفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف والقمم والمؤتمرات الاقتصادية نجمت عن مؤتمر مدريد وكامتداد لعملية التسوية في المنطقة وكجزء لا يتجزأ منها. ولذلك كان من الطبيعي أن تتأثر المؤتمرات الاقتصادية بوصول عملية التسوية إلى الطريق المسدود.‏

                          لذلك انعكس التعثر في عملية التسوية ووصولها إلى الطريق المسدود على كافة المسارات وعلى المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة.‏

                          وأخذت بعض البلدان العربية التي كانت متحمسة جداً للمؤتمرات الاقتصادية كالمغرب في مراجعة موقفها تضامناً ودعماً لسورية ولبنان لاسترجاع أراضيهما المحتلة من العدو الإسرائيلي.‏

                          وانطلقت مصر في تحديد موقفها من أن المشاركة تعني مكافأة إسرائيل على ممارساتها واعتداءاتها في حين أن عدم المشاركة يعني رفض المواقف والممارسات الإسرائيلية والاحتجاج عليها والتحذير منها.‏

                          إن إسرائيل تسعى جاهدة بمساعدة الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا الغربية إلى أن تتعامل مع البلدان العربية من موقع المتفوق عسكرياً وتريد أن تفرض علاقات اقتصادية من موقع القوة والتفوق والتمسك بالاحتلال والتهديد بالحرب والاستمرار في سياسة الاعتداءات اليومية على الشعبين الفلسطيني واللبناني.‏

                          إن مغزى تعليق مشاركة مصر حتى اللحظة الأخيرة يعني "هو أن مصر لا تعترض على التعاون الاقتصادي الإقليمي من حيث المبدأ ولكنها تعترض على الشروط التي يتم فيها هذا التعاون، وطبيعة علاقته بعملية السلام. فالتعاون الاقتصادي الإقليمي من وجهة النظر المصرية مطلوب ومرغوب، ليس فقط لدعم السلام وإنما أيضاً لما يمكن أن يحققه من تنمية وتطوير لكافة بلدان المنطقة(87).‏

                          ويعتقد المحللون السياسيون أن تأجيل إعلان الموقف المصري حتى اللحظة الأخيرة يعني حرص مصر الشديد على عدم الضغط على أي بلد عربي لعدم المشاركة في المؤتمر.‏

                          "فكلا الموقفين (المصري والأميركي) ينطوي على ضغط معين! الموقف المصري يستهدف عقد المؤتمر والحضور فيه، كورقة للضغط على الإسرائيليين للمضي قدماً في عملية السلام. أما الموقف الأميركي فينطوي على ضغط على الدول العربية لعقد المؤتمر وتأمين الحضور فيه، للمضي قدماً في مشروعات التعاون الاقتصادي الإقليمي بصرف النظر عن عملية السلام، بصرف النظر عن التعثر أو التراجع في عملية السلام"(88).‏

                          ويمكن تلخيص المبررات التي دفعت مصر لعدم المشاركة على الشكل التالي:‏

                          * إن مقاطعة المؤتمر تضاعف الضغوط الداخلية في إسرائيل على الحكومة وتزيد من التناقضات داخل تحالف الليكود وبينه وبين المعارضة العمالية.‏

                          * إن مقاطعة المؤتمر تؤكد للأميركيين والإسرائيليين رفض مصر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تدمر عملية السلام ورفضها للسياسة الأميركية التي تكيل بمكيالين.‏

                          * يعطي الحضور العربي للمؤتمر الانطباع بأننا أمة ضعيفة ورهن إشارة الغير، رهن إشارة الولايات المتحدة واليهودية العالمية.‏

                          *أما قول بعض الأطراف العربية بأن الحضور يدفع "عملية السلام" إلى الأمام ويعري إسرائيل أمام العالم فإن هذه التعرية واضحة ولا تحتاج للمشاركة في المؤتمر.‏

                          وتعمل الحكومة الإسرائيلية وبتأييد من قطعان المستوطنين وغالبية الشعب الإسرائيلي على فرض السلام الإسرائيلي الذي يستند إلى منطق القوة والردع ويركز على التفوق العسكري واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها.‏

                          وتعمل أيضاً على إجهاض ماتم التوصل إليه من اتفاقات إذعان صاغتها وأملتها حكومة حزب العمل السابقة وذلك من خلال عدم تنفيذ الاتفاقات المبرمة والتوسع ببناء المستوطنات، والاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية في الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى.‏

                          وأدت السياسة الإسرائيلية التوسعية والاستيطانية والإرهابية إلى إحراج الدول العربية التي وقعت اتفاقات مع الكيان الصهيوني أمام شعوبها، وتأكيد مصداقية الموقف الشعبي الرافض للسلام الإسرائيلي وتطبيع العلاقات، وتراجع أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في مشروعات التنمية، وعدم الوثوق بالاتفاقات التي توقعها إسرائيل.‏

                          إن التعاون العربي- العربي يجب أن يكون جوهر وأساس ومحور التعاون الإقليمي، لذلك لا يجوز إطلاقاً أن يجلس بلد عربي ويتفاوض مع العدو الإسرائيلي ويبحث معه في التعاون الاقتصادي الإقليمي، فالمؤتمرات الاقتصادية الإقليمية ترمي إلى إفقاد النظام العربي هويته ودمجه في "الشرق أوسطية" التي تعمل الولايات المتحدة على إعطاء إسرائيل وتركيا قيادتها. كما يشارك في مؤسساتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية مما قد يؤثر في الأحداث في غير مصلحة الدول العربية.‏

                          ويقوم الموقف المصري على التزاوج بين المصلحة العربية والالتزام باستراتيجية السلام واعتبار التعاون العربي-العربي محور التعاون الإقليمي والأساس في أي حوار شرق أوسطي أو متوسطي. إن ماحدث في الدوحة خرج تماماً عن الحرص على الحقوق والمصالح العربية والتضامن ووحدة الموقف العربي وتنفيذ التزامات قطر العربية. ويعتبر بداية مرحلة جديدة وخطيرة تكرسها قطر معادية للحقوق والمصالح العربية وضد السلام العادل والشامل.‏

                          لقد أبلغ الرئيس مبارك بتاريخ 11/11/1997، أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم قرار مصر عدم حضور مؤتمر الدوحة وقال: "إن لكل دولة قرارها الخاص النابع من سيادتها وتقديرها للمصالح والنتائج التي يمكن أن يحققها المؤتمر".(89).‏

                          وأعلن الرئيس مبارك أن مصر لن ترسل وفداً رسمياً لحضوره.‏

                          كما أعلن وزير الخارجية المصري عمرو موسى أن المؤتمر يأتي في وقت غير مناسب لأن عملية السلام متوقفة وأكد الرئيس مبارك" إن المعيار الذي وضعته مصر في اعتبارها هو مدى مايحققه انعقاد المؤتمر من مصالح سواء على مستوى الدولة الواحدة أو مدى استفادة الأمة العربية من نتائجه"(90).‏

                          وقال الرئيس مبارك: "إن الهدف من عقد مؤتمر اقتصادي هو خلق تعاون بين إسرائيل والمجتمع العربي وذلك أمر مرهون بالسلام والتزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات. وشدد على أن ليس في استطاعته تجاهل توجهات الرأي العام المصري بكل ميوله واتجاهاته والتي أجمعت كلها على رفض المشاركة في المؤتمر الاقتصادي.‏

                          ورحبت الأحزاب والقوى السياسية في مصر بقرار الرئيس مبارك مقاطعة المؤتمر، واعتبرته استجابة للرأي العام الشعبي.‏

                          وأكد السيد ضياء الدين داوود، الأمين العام للحزب الناصري ترحيبه بالقرار وقال: "إنه "جاء متأخراً" لكنه استجاب إلى مطالب الرأي العام المصري"(91).‏

                          وقال إن عدم المشاركة يجب أن ينطلق من موقف مبدئي مضاد لمخططات ساعية إلى السيطرة على المنطقة وإلغاء هويتها، والمؤتمرات الاقتصادية جزء من هذه الأفكار.‏

                          وأكدّ أيضاً الناطق الرسمي في حزب التجمع : "ترحيبه البالغ بقرار عدم المشاركة في المؤتمر". واعتبر أنه جاء استجابة للرأي العام والأحزاب والقوى السياسية التي وقفت منذ البداية ضد النظام الشرق أوسطي.‏

                          وأعرب دينس روس، منسق عملية السلام عن خيبة الأمل لقرار مصر التي اعتبرها "شريكة وصديقة وحليفة للولايات المتحدة الأميركية"، وقال: "إن مؤتمر الدوحة ليس خدمة لأحد"، وشدد مارتن انديك تعليقاً على مقاطعة مصر للمؤتمر وقال: " نشعر بالخيبة لأن بعض أصدقائنا لا يشاركوننا هناك، ونشعر أننا لا نستطيع أن نسمح لمؤسسات عملية السلام أن تنهار لأنه سيكون من الصعب إحياؤها"(92).‏



                          الموقف العربي من عقد المؤتمر‏

                          أكد وزير الخارجية السعودية أن بلاده لن تشارك في المؤتمر لأنه "لم يحصل تقدم في عملية السلام حتى تغيِّر من موقفها. إن السياسة الإسرائيلية الهوجاء هي التي تمنع أي تعاون إقليمي في المنطقة وتعطّل عملية السلام".(93).‏

                          وجاء الرفض السعودي بعد الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مارتن انديك إلى السعودية، وبعدما تعرضت السعودية لضغوط أميركية قوية للمشاركة في مؤتمر الدوحة.‏

                          وانضمَّت الإمارات العربية والبحرين إلى مقاطعي المؤتمر وكذلك المغرب.‏

                          وفي أبو ظبي أكدت دولة الإمارات عدم مشاركتها في المؤتمر وأعلن مصدر مسؤول: "إن دولة الإمارات قررت عدم حضور المؤتمر لعدم حصول تقدم ملموس في عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى المسارات المختلفة"(94).‏

                          وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد حدد موقف دولة الإمارات في آب 1997 بعدم المشاركة في المؤتمر لأنه يضر بمصالح دول عربية شقيقة. وقال الشيخ زايد: "إن الإمارات لا يمكنها حضور مؤتمر الدوحة إرضاء لدولة عربية شقيقة على حساب دولة عربية شقيقة أخرى".‏

                          وكانت الإمارات العربية قد ربطت مشاركتها في المؤتمر بحدوث تقدم على كل المسارات، بما فيها المسارين السوري واللبناني.‏

                          وأعلنت البحرين مقاطعتها للمؤتمر بالرغم من أنها ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية، فالبحرين هي مقر الأسطول الخامس الأميركي في الخليج، حيث أن بينها وبين واشنطن اتفاقية أمنية ودفاعية وتعتمد في تسليحها على الصناعات العسكرية الأميركية بصفة أساسية، إضافة إلى ذلك يعتقد بعض المحللين السياسيين أن أي انزعاج أميركي من البحرين يدفع الإدارة الأميركية إلى تبني معزوفة حقوق الإنسان أو بعض الشعارات التي يرفعها الشارع البحريني.‏

                          كما يلعب النزاع البحريني- القطري حول الحدود دوراً في تحديد موقف البحرين من المشاركة في مؤتمر الدوحة. ومن الجدير بالذكر إن المناخ الشعبي في البحرين يعارض تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، إذ أن هناك معارضة قوية ومتزايدة تعارض أي شكل من أشكال التطبيع معه.‏

                          ونوّهت الصحف السورية بالتزام مصر والسعودية والمغرب بقرارات الجامعة العربية في القاهرة وأكدت أن مواقف هذه الدول "تستحق التقدير وتؤسس لتضامن عربي حقيقي ولعمل عربي مشترك له فاعليته في الساحة، ويتصدى لمخططات الحكومة الإسرائيلية"(95).‏

                          وانتقدت الصحف موقف الأردن والكويت واليمن التي أعلنت مشاركتها في المؤتمر في وقت تجاهر فيه الحكومة الإسرائيلية بعزمها على ابتلاع القدس ومعظم أراضي الضفة الغربية إلى جانب الجولان، مع تأكيد استمرار احتلال أجزاء من جنوب لبنان.‏

                          وقال وزير خارجية اليمن، عبد الكريم الأرياني: "إننا نشارك في مؤتمر الدوحة مجاملة لقطر وليس للجلوس مع الإسرائيليين. وإن الوفد اليمني المشارك غير مسموح له بالاجتماع مع أي إسرائيلي في المؤتمر. ولكن اليمن اتخذت قرار المشاركة لإرضاء الولايات المتحدة بالدرجة الأولى حيث قال وزير الإعلام اليمني، عبد الرحمن الأكوع: "إن المبعوث الأميركي مارتن انديك الذي طاف بالعواصم العربية قد طالب العرب بضرورة المشاركة في مؤتمر الدوحة حتى لا تصاب وزيرة الخارجية الأميركية بالإحباط".(96).‏

                          لم تعلن الكويت موقفها من المشاركة في مؤتمر الدوحة إلاّ بعد أن قام مارتن انديك بزيارتها في إطار جولة شملت دول الخليج كلها ومصر واليمن، حاملاً رسائل من الرئيس الأميركي يحث فيها على المشاركة في مؤتمر الدوحة.‏

                          وكان متوقعاً إلاّ تتخذ الكويت موقفاً يتعارض مع التوجه الأميركي مع الأخذ بعين الاعتبار موقف دول الخليج.‏

                          وانطلاقاً من هذين الاعتبارين أعلن مسؤول كويتي: "إن المسألة بالنسبة للكويت ليست الحضور أم لا بل مستوى التمثيل".(97).‏

                          وتعود مشاركة الكويت في مؤتمر الدوحة إلى حرب الخليج الثانية والعلاقة الخاصة جداً بينها وبين الولايات المتحدة والتي توطدت من جراء الحرب والنتائج التي تمخضت عنها والتواجد العسكري الأميركي فيها.‏

                          وفي مسقط أعلنت سلطنة عُمان مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي وصدر بيان عن وزارة الخارجية العمانية جاء فيه أن السلطنة ستشارك بوفد يترأسه وكيل وزارة التجارة والصناعة. وعزّا البيان مشاركة السلطنة في المؤتمر إلى أنه سيعقد في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي وإلى الجهود الأميركية التي تبذل لإعادة مسار المفاوضات.‏

                          وفي الرباط أكد مسؤول مغربي رفيع المستوى أن بلاده لن تشارك في مؤتمر الدوحة وقال: "إن المغرب لن يحضر مؤتمر الدوحة لأنه لم يحدث أي انفراج في عملية السلام (98). وفي تونس صرح وزير الخارجية بأن تونس ستحضر المؤتمر لأنه يندرج في إطار إنقاذ عملية السلام رغم تعنت الحكومة الإسرائيلية.‏

                          وأكد عمرو موسى ، وزير خارجية مصر أن انعقاد مؤتمر الدوحة جاء في وقت غير مناسب، وأن مصداقيته غير مقبولة في المنطقة، وهناك رفض كبير لحضوره، وأنه كان من الأفضل إعادة النظر في هذا الموضوع في ظل الظروف الحالية.(99).‏

                          وعلق وزير الخارجية القطري على الموقف المصري وقال "براحتهم". وكرر أن مسألة انعقاد المؤتمر قضية مبدأ والتزام دولي.‏

                          واعتبر وزير خارجية إيران كمال خرازي: "إن تطبيع بعض الدول العربية العلاقات مع الكيان الصهيوني ضربة كبيرة للجسد الإسلامي".(100).‏

                          اعتبر الرأي العام العربي أن عقد مؤتمر الدوحة في ظل تصاعد المواقف والممارسات العدوانية والإرهابية والاستيطانية الإسرائيلية كتهويد القدس، ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بمثابة مباركة عربية لجرائم إسرائيل واعتداءاتها وتهويدها للأرض والمقدسات العربية.‏

                          ونظم المؤتمر الشعبي اللبناني اعتصاماً أمام سفارة قطر في بيروت، يوم افتتاح المؤتمر احتجاجاً على انعقاده في الدوحة. وطالب المتحدثون بالاعتصام" بتجميد عضوية قطر في الجامعة العربية وباعتبار المؤتمر باطلاً وقراراته باطلة، وبأن يسحب لبنان سفيره من قطر، ويطلب من السفير القطري مغادرة لبنان".(101).‏

                          وقال وزير الاقتصاد اللبناني ياسين جابر إن مؤتمر الدوحة سيفشل، داعياً إلى تحصين أنفسنا في المستقبل لمواجهة مايطرح في مؤتمرات شبيهة بمؤتمر الدوحة. وقال: "إن مواجهة التحديات في مؤتمرات الشرق الأوسط لا تتم إلاّ من خلال عمل عربي مشترك في كل المجالات وخصوصاً في المجال الاقتصادي. ومن هنا ترتدي المنطقة العربية التجارية الحرة المزمع البدء بتنفيذها في أول كانون الثاني 1998 أهمية خاصة كونها ستكون المدخل والبداية للوصول إلى السوق العربية المشتركة".(102).‏

                          ووجه فاروق أبو عيسى، الأمين العام لاتحاد المحامين العرب التحية إلى الرئيس حسني مبارك على قراره بمقاطعة مؤتمر الدوحة، وقال: "إن هذا الموقف العظيم يعبر عن إرادة شعب مصر والأمة العربية التي ترفض أي تعامل مع إسرائيل حتى يتحقق السلام الشامل والعادل وتحرر كل الأرض العربية.‏

                          إن اتحاد المحامين العرب له موقف مبدئي ضد مايسمى بمؤتمرات الشرق أوسطية التي تهدف إلى تعزيز القوة الإسرائيلية"(103).‏

                          ورأى شمعون بيرس أن مؤتمر الدوحة رسالة ناجحة، مبدياً ارتياحه إلى رد وزير خارجية قطر على مصر حين انتقدت المؤتمر.‏

                          لقد أغضبت قطر حلفاءها الأقوياء في دول مجلس التعاون الخليجي وفي بقية البلدان العربية لعقد المؤتمر، واتهمها هؤلاء الحلفاء الأقوياء بأنها تبث الفرقة بين البلدان العربية لإرضاء إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وحاولوا إقناعها بإلغاء المؤتمر أو تأجيله احتراماً لمشاعر الدول العربية والرأي العام العربي والإسلامي، لكن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أطاح بأبيه رفض الاستجابة للموقف العربي الذي أقرته الجامعة العربية لذلك وضع المؤتمر قطر على الجانب المعادي للعرب.‏



                          عقد المؤتمر‏

                          افتتح أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مؤتمر الدوحة في 16/11/1997 منتقداً في كلمته الافتتاحية الدعوات التي صدرت لتأجيل المؤتمر الاقتصادي أو إلغائه. وذكّر بالظروف التي أحاطت بعقد المؤتمر وأدت إلى اتخاذ مواقف تجاهه وصلت إلى درجة المناداة بتأجيله أو إلغائه أو مقاطعته، وقال:‏

                          "مع احترامنا لتلك المواقف نؤكد أن استضافة قطر هذا المؤتمر لا تنطلق من مصلحة خاصة بها دون غيرها وإنما كان قرارها تنفيذاً لالتزام دولي".‏

                          وباسم الرئيس كلينتون نوهت أولبرايت بجهود قطر في تنظيم المؤتمر، مشدّدة على أهمية الأمن والسلام والرفاهية لكل شعوب المنطقة وعلى أن بذور الكراهية لن تؤدي إلى السلام، وتحدثت أولبرايت عن هدف المؤتمرات الاقتصادية، وهو:"أن نتعاون مع بعضنا بعضاً"(104). وحاولت التغطية على فشل المؤتمر بالتحريض على العراق. وغاب عن المؤتمر الحديث عن مشروعات مشتركة وصفقات تجارية واتفاقات اقتصادية وآليات ومؤسسات لترسيخ نظام الشرق الأوسط الجديد.‏

                          وكان الاتفاق الوحيد هو الاتفاق الذي قدمه الأُردن لإسرائيل والولايات المتحدة وهو توقيع اتفاق أردني-إسرائيلي- أميركي لإقامة منطقة للتبادل التجاري الحر في إربد على مقربة من الحدود السورية.‏

                          وأثارت مقاطعة الدول العربية للمؤتمر شكوكاً وتساؤلات حول الجدوى من عقد المؤتمرات الاقتصادية، بحيث لم تتقدم ولا دولة واحدة لاستضافة المؤتمر الاقتصادي الخامس. وتقرر تأجيل هذا الأمر إلى مطلع العام 1998.‏

                          وباستثناء الأردن تمثلت الدول العربية بوكلاء وزارات أو وزراء دولة. وترأس ناتان شارانسكي وزير الصناعة والتجارة الوفد الإسرائيلي. ويذكر أن شارانسكي قال إن إسرائيل مستعدة لقبول عقد المؤتمر القادم في بيت لحم.‏

                          وعلق وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على مؤتمر الدوحة وقال: "إن كل مؤتمر لا يجمع عليه العرب هو مؤتمر فاشل وبالنسبة للمشاركة العربية فهي ليست ذات شأن"(105).‏

                          واختتم المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة في 18/11/1997 بتحقيق إسرائيل نجاحاً في تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لسياستها التي تسببت في تعطيل عملية التسوية، فيما أجمع المعلقون والمسؤولون السياسيون والاقتصاديون الذين شاركوا في المؤتمر على فشله.‏

                          ولكن وزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد بن عبد الله المحمود أعلن نجاح المؤتمر وقلل من أهمية المقاطعة العربية له.‏

                          وأصدر المشاركون بياناً ختامياً صاغته لجنة مؤلفة من إسرائيل وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان والأردن وتونس وقطر والولايات المتحدة، وممثل لأمانة المؤتمرات الاقتصادية في الرباط، أكدوا فيه التزامهم الشديد بتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط.‏

                          واعتبر المشاركون في المؤتمر في البيان الختامي أن السلام يجب أن يقوم على قاعدة صيغة مؤتمر مدريد، أي الأرض مقابل السلام. وشددوا على تطبيق الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين.‏

                          ودعوا إلى رفع فوري لجميع القيود وإجراءات الاغلاق، وانتقدوا الاغلاق المتكرر من قبل إسرائيل لمناطق السلطة الفلسطينية.‏

                          ووجهوا الشكر إلى قطر لاحترامها تعهدها الدولي باستضافة المؤتمر على الرغم من الظروف السياسية الصعبة.‏

                          وأرجأ المشاركون تحديد موعد ومكان انعقاد المؤتمر القادم إلى حين انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس في نهاية كانون الثاني عام 1998.‏

                          وأشار المدير المساعد للشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن إسرائيل وجهت رسالة إلى رئاسة المؤتمر تعرب فيها عن تحفظها على ذكر مبدأ الأرض مقابل السلام.‏

                          واعترفت إسرائيل بأن الوفد الإسرائيلي إلى المؤتمر وجد نفسه معزولاً ولكنه نجح في الحد من الأضرار في البيان الختامي الذي كانت صيغته الأولى أشد قسوة مما جاء فيه.‏

                          وقال أعضاء في وفود رسمية شاركت في المؤتمر إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على تونس وتركيا وسلطنة عمان لاستضافة المؤتمر القادم.‏

                          "وتوقع بيرس أن تعود الدول العربية إلى المشاركة في المؤتمرات المقبلة قائلاً:"إنها جاءت إلى المؤتمرات السابقة لذلك يمكنها أن تحضر إلى المؤتمرات المقبلة".‏

                          ويقول رجال أعمال عرب حضروا القمم الاقتصادية السابقة بحماس وأعلنوا مقاطعتهم لمؤتمر الدوحة: "إن القمم الاقتصادية لم تحقق الهدف الذي أقيمت من أجله وهو خلق مناخ شرق أوسطي ملائم لدمج إسرائيل في العملية الاقتصادية في المنطقة بعد تحولها من عدو إلى شريك في عملية سلام يفترض أن تنهي النزاع العربي -الإسرائيلي بتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني(106).‏

                          ويقول رجل الأعمال العماني عبد القادر عسقلان: "إن أياً من الدول العربية لم تحقق إنجازات تذكر على أثر القمم السابقة. ليس هناك سوى مستفيد واحد من عملية التطبيع الجارية عبر هذه المؤتمرات الاقتصادية هو إسرائيل"(107).‏

                          ويقول مستثمر فلسطيني يقيم في نيويورك: "إن العديد من الصفقات التي أُبرمت وسط التهليل في حينه لم تنفذ، والوضع على الأرض في المناطق الفلسطينية بات كارثياً والشرق الأوسط الجديد الذي وُعِدنا به بات أسوأ من الشرق الأوسط القديم، وعليه يخلص إلى أن العجلة الاقتصادية لا يمكنها أن تتخطى العجلة السياسية.‏

                          لقد أثبتت المقاطعة العربية للمؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة، بعد الضغط الأميركي الهائل على الدول العربية للمشاركة فيها أن لا تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني وأنه لا مكان له في الوطن العربي، وأثبتت بجلاء خطأ دعاة التطبيع معه والحوار مع حركة السلام الآن لأنه لا فرق بين العمل والليكود ولا فارق بين نتنياهو وبيرس جزار مذبحة قانا أو ايهود باراك، الإرهابي الذي تلطخت يداه باغتيال الشاعر كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار.‏

                          لذلك عندما أعلن الرئيس مبارك قراره بمقاطعة مؤتمر الدوحة كان يعبر بصدق عن ضمير الأمة ومشاعر الشعب العربي كله، ويجسد فهم مصر العميق لدور مصر القومي. فكيف تسمح حكومة عربية لنفسها أن تتمرد على الموقف العربي وتخرج عن وحدة الصف العربي وتعقد مؤتمراً فوق أرضها يخدم مصالح العدو الصهيوني وضد المصلحة العربية؟‍! كان الأجدر بقطر أن تبادر وتعلن عن تأجيل عقد المؤتمر المحكوم عليه بالفشل قبل انعقاده نصرة لعروبة القدس وانتصاراً للحقوق القومية والدينية للعرب والمسلمين، في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومدينة الإسراء والمعراج.‏

                          ووصلت وقاحة اليهودية مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية حداً أصرّتْ فيه على عقد المؤتمر مهما كانت النتائج وأعلنت أنها ستذهب إلى الدوحة في الموعد المحدد ولو لشرب فنجان القهوة حتى ولو لم يكن أحد في قاعة المؤتمر.‏

                          الولايات المتحدة ومؤتمر الدوحة‏

                          فشلت الولايات المتحدة في تحقيق نجاح مؤتمر الدوحة الاقتصادي وتلقّتْ ضربتين:‏

                          الأولى: عندما فشلت في حشد أكبر مشاركة عربية للمؤتمر، حيث أرسلت وزيرة الخارجية ومنسق عملية التسوية ومعاون وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وفشلوا في إقناع مصر والسعودية بالمشاركة، وبالتالي فشلت في إجبار الدول العربية على الخضوع والإذعان لمشيئتها القائمة على خدمة مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي وعلى حساب المصالح العربية.‏

                          والثانية: فشل المؤتمر في تحديد زمان ومكان انعقاد المؤتمر القادم، الأمر الذي اعتبره المحللون السياسيون بمثابة الضربة الثانية للولايات المتحدة الأميركية وعملية التطبيع.‏

                          وكان إعلان المغرب عدم المشاركة والذي لعب الدور الأساسي في إنجاح القمم الاقتصادية و التطبيع ضربة إضافية للسياسة الأميركية.‏

                          ونسبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى مسؤول أميركي قوله إن "أولبرايت أكدت في نقاش داخلي أنه إذا مافشل مؤتمر الدوحة فإن الذنب يقع بدرجة كبيرة على إسرائيل التي حالت بسبب عنادها دون حدوث تقدم في عملية السلام(108).‏

                          إن الأسباب التي أدت إلى فشل مؤتمر الدوحة هي:‏

                          أولاً: تجميد حكومة بيرس للمفاوضات على المسارين السوري واللبناني.‏

                          ثانياً: وصول اتفاق أوسلو الذي فتح الأبواب العربية أمام الاختراق الإسرائيلي للوطن العربي والتطبيع معه إلى طريق مسدود.‏

                          ثالثاً: تصاعد الاستيطان والإرهاب الإسرائيلي والعمل على تطبيق مقولة الأمن مقابل السلام.‏

                          رابعاً: تزايد الغضب والسخط العربي على الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل ومعاداة إدارة كلينتون المتصهينة لكل ماهو عربي، ومنع مجلس الأمن من معاقبة إسرائيل على مجزرة قانا والكيل بمكيالين وتشديد الحصار على العراق وليبيا والسودان.‏

                          وتدعم الإدارة الأميركية في الوقت نفسه ممارسة إسرائيل للإرهاب كسياسة رسمية.‏

                          وسقط منطق المراهنة على حياد الولايات المتحدة الأميركية، حيث ظهر بجلاء أن ارتماء بعض العرب في أحضان أميركا والاستجابة إلى مطالبها لا يغير من دعمها وتأييدها وانحيازها لإسرائيل ومعاداتها للحقوق والمصالح العربية. ويستخلص رئيس تحرير جريدة الأهرام من ردود الفعل الأميركية على مقاطعة مصر لمؤتمر الدوحة النقاط الثلاث التالية:‏

                          1- التأكيد على أن طبيعة العلاقة بين مصر والولايات المتحدة تسمح بالاختلاف بحكم أن لكل دولة منهما ظروفها، ومسؤولياتها دولياً وأقليمياً، وكذلك أوضاعها وارتباطاتها، سواء في المنطقة التي توجد فيها أو على المستوى الدولي.‏

                          2- تأكيد الاعتراف بأهمية دور مصر في دفع عملية السلام والاحتياج إليه، وإن هذا الدور قائم قبل حدوث أي خلاف، ثم إنه قائم ومستمر بعد حدوث أي خلاف بما في ذلك حضور مؤتمر الدوحة أو عدم حضوره.‏

                          3- إن الموقف الأميركي يستوعب استقلالية الدور المصري ويعترف بأنه قد يكون مفيداً له وليس على العكس، فعلى المستوى القومي تستطيع الجماهير العربية أن تثق في أن الاختيار المصري يستند إلى استقلالية إرادته وتفكيره، بالتأكيد تثق في تعبيره عن المصالح القومية المجردة، دون خضوع لأي ضغوط أو مؤثرات خارجية.(109).‏

                          إن فشل المؤتمر فشل أميركي بالدرجة الأولى. ويجسد الفشل الأميركي في عملية التسوية التي بدأتها الولايات المتحدة في ذروة انتصارها في حرب الخليج الثانية عام 1991، وبالتالي تعرَّضت أميركا لانتكاسة كبيرة في الشرق الأوسط، وفشلت حتى بالإيحاء أن عملية التسوية مازالت مستمرة ولكنها نسبت الفشل إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية واعتبرت أن نتنياهو هو المسؤول عن الفشل.‏

                          إن السبب الأساسي في فشل مؤتمر الدوحة يعود إلى السياسة الأميركية وتأييدها المطلق لإسرائيل، مما جعل الحكومات الإسرائيلية تقرر دائماً ماتشاء وهي على ثقة من التأييد الأميركي المطلق لها داخل الأمم المتحدة وخارجها.‏

                          إن فشل المؤتمر فشل للسياسة الأميركية، وفشل للرئيس الأميركي بيل كلينتون ولوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، وفشل للجولات التي قامت بها أولبرايت ودينس روس ومارتن انديك في المنطقة في عشية انعقاده.‏



                          منطقة التجارة الحرة الأردنية- الإسرائيلية‏

                          وقع وزير الصناعة والتجارة الأردني هاني الملقي ووزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي ناتان شارانسكي في الدوحة وقبل انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي الرابع وبحضور مادلين أولبرايت اتفاقاً لإنشاء المنطقة الحرة في إربد بين الأردن وإسرائيل.‏

                          وصدر بيان بعد التوقيع أشار إلى أهمية قيام المنطقة الصناعية الحرة وفوائدها الكثيرة في مجال التجارة، وان قيامها يعني فرص عمل جديدة وفوائد وميزات استثمارية بين الأردن وإسرائيل. وأكد البيان أن الاتفاق يلبي رغبة الولايات المتحدة في دعم جهود التعاون والسلام، وإن مثل هذه الاتفاقات يساعد على التوصل إلى السلام في المنطقة، مشدداً على أن الولايات المتحدة ستبذل جهودها لتشجيع التعاون بين الأردن وإسرائيل.‏

                          ويتيح الاتفاق للبضائع المنتجة في المنطقة الحرة في إربد الدخول إلى الأسواق الأميركية بدون فرض رسوم جمركية عليها متمتعة بذلك باتفاق التجارة الحرة الموقع بين أميركا والكيان الصهيوني منذ أكثر من(10) سنوات.‏

                          وقالت أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية التي حضرت توقيع الاتفاق مع ويليام وايلي وزير التجارة الأميركي "إن الولايات المتحدة التي تدعم هذه المنطقة باستقبال منتجاتها في أسواقها تثبت أن المشاركة الأميركية الفعالة في عملية السلام ليست بالحديث ولكن بالأفعال وهذه الرؤية هي أساس تلك المؤتمرات الخاصة بالتعاون الاقتصادي الإقليمي(110).‏

                          وأشادت أولبرايت بالخطوة الأردنية - الإسرائيلية الخاصة بتبادل رحلات الطيران ووصول الطائرات الإسرائيلية إلى مطار العقبة.‏

                          واعتبر العديد من المحللين والمختصين بشؤون المنطقة أن توقيع اتفاق المنطقة الحرة في إربد في مستهل مؤتمر الدوحة يمثل مكافأة لإسرائيل في الوقت الذي تمارس فيه أسوأ الممارسات ضد العرب.‏

                          وعقد وزير التجارة الأميركي وليم وايلي مؤتمراً صحفياً في الدوحة قال فيه "إن التبادل التجاري مع دول الشرق الأوسط يعادل 25 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الأميركي. وإن صادرات واشنطون إلى المنطقة توفر(11) مليون وظيفة للمواطنين الأميركيين".(111)
                          إذا الشعب يوما أراد الحياة
                          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                          تعليق


                          • #14
                            رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                            رابعاً مؤتمر الدوحة الاقتصادي الرابع

                            إصرار قطر على عقد المؤتمر‏

                            ركزت قطر على انعقاد المؤتمر بحجة "التزام دولي" لابد من تنفيذه وكأن تنفيذ الالتزامات الدولية محصور بالعرب. كانت الفرصة ملائمة جداً لقطر لتأجيل انعقاده أو عدم توجيه الدعوة للعدو الإسرائيلي وذلك بسبب تصعيد سياسته الاستيطانية والإرهابية وتخليه عن تنفيذ الاتفاقات التي التزم بتحقيقها. وهنا يبرز السؤال التالي لحكومة قطر:‏

                            لماذا تلتزم بتنفيذ الالتزام الدولي ولا تلتزم بتنفيذ الالتزام العربي الذي وافقت عليه في قمة القاهرة العربية في حزيران 1996، ووافق عليه مجلس الجامعة العربية في 30 آذار 1997 بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وبالتالي تكون قطر قد ضربت بالالتزام العربي عرض الحائط، ونفذت تعهدها باستضافة مؤتمر الدوحة نزولاً لرغبة الولايات المتحدة. إن قطر كافأت إسرائيل باستضافتها في بلد عربي وجنباً إلى جنب مع الدول العربية ورجال الاستثمار العرب في نفس الوقت الذي تتنكر فيه إسرائيل لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية، وتروّج مقولة "الأمن مقابل السلام". مما يشجعها على السير قدماً في مساعيها لفرض الهيمنة الاقتصادية على البلدان العربية وعدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة".‏

                            إن القول بأن حضور إسرائيل لا يُعد تطبيعاً، وإن قطر لا تنتهك قرار قمة القاهرة العربية قول غير صحيح، إذ ان مشاركة إسرائيل في المؤتمر جزء لا يتجزأ من عملية التطبيع القسرية التي تفرضها الإدارة الأميركية على الدول العربية.‏

                            وبالتالي تكون قطر قد سحبت من الدول العربية الورقة الوحيدة التي تملكها للوقوف أمام الأطماع والمزاعم والأساطير والخرافات والمجازر اليهودية. فرفض التطبيع هو الورقة الوحيدة التي يملكها العرب.‏

                            أما التبرير الذي يعتمد على القول بأن عقد المؤتمر ومشاركة إسرائيل فيه يشجعها على المضي في عملية التسوية فلا أساس له من الصحة. فلماذا تكون عملية دفع التسوية على حساب الحقوق العربية؟‏

                            وهل مؤتمر الدوحة كفيل بأن يسهم في عملية التسوية أم أنه يضع العراقيل في وجهها؟!‏

                            "إن الظهور بمظهر الإصرار على عقد مؤتمر الدوحة على هذا النحو، لم يعد يحمل معنى التمسك بشيء منسوب إلى عملية السلام، وإنما أصبح يبدو وكأنما هو إسهام عن وعي أو غير وعي في التعجيل بتصفية عملية السلام تصفية شاملة. هذا مايتطلع إليه نتنياهو، وهاهي أميركا راعية عملية السلام، بصدد أن تيسر له تحقيق تطلعه، بإصرارها على عقد مؤتمر الدوحة الاقتصادي في موعده. إنها تهيئ لنتنياهو فرصة وضع مخططه موضع التنفيذ، بدلاً من التصدي لمحاولاته نسف مبدأ مبادلة الأرض بالسلام، وتوجيه ضربة في الصميم "للقرار 242"(86).‏

                            كانت الحكمة والموقف الحكيم والسليم هو في تأجيل أو إلغاء المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة، ولكن حاكم قطر ذهب بعيداً في التجاوب مع الإرادتين الأميركية واليهودية. فحجة "احترام الالتزامات الدولية" ليست كافية أو مقنعة وتسقط إذا كانت تعرّض المصالح الوطنية والقومية والدينية إلى مخاطر كبيرة.‏

                            بالفعل الحق عقد المؤتمر الإضرار بمصالح قطر نفسها، وفي علاقاتها مع جيرانها وأشقائها العرب. واستضافت قطر المؤتمر كما أعلنت مراراً وتكراراً كالتزام دولي، وبناء على إلحاح أميركي. وقاطعته الدول العربية لأنها ربطت حضورها بإحراز تقدم في عملية التسوية.‏

                            وعندما انعقد مؤتمرا لدوحة، تغيبت عنه مصر والسعودية وسورية (الرافضة للمفاوضات المتعددة الأطراف والقمم والمؤتمرات الاقتصادية) والمغرب الذي احتضن القمة الاقتصادية الأولى في الدار البيضاء والسلطة الفلسطينية، وبالتالي لم يبق للمؤتمر أي معنى عربياً أو اقليمياً.‏

                            إن موقف قطر أحدث المزيد من الانقسام بين الدول العربية، بدلاً من تضامنها وتعاونها، حول موقف عربي موحد، ووجه طعنة إلى صميم الإجماع العربي وهو تفريط بالحقوق العربية وهدية إلى نتنياهو على إرهابه وغطرسته واستيطانه.‏

                            وجاء التصميم القطري على عقد المؤتمر بعدما أدت سياسة الحكومة الإسرائيلية وممارساتها إلى انهيار عملية السلام، وبعدما اقتنع العرب بأن مسلسل القمم الاقتصادية يجب أن يتوقف وأن البديل الوحيد للتعاون الاقتصادي الإقليمي هو التعاون الاقتصادي العربي.‏

                            إن المشاركة العربية في مؤتمر الدوحة تعني الموافقة العربية على الانخراط في التعاون الاقتصادي مع العدو الإسرائيلي قبل إحلال السلام العادل والشامل مع الأطراف العربية كافة.‏

                            كانت إسرائيل الطرف الوحيد الذي حقق أهدافه ومخططاته من القمم والمؤتمرات الاقتصادية وامتدت نشاطاتها الاقتصادية والتجارية والأمنية إلى الأردن وقطر وعُمان والمغرب وتونس، لتصل إلى البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، كما حصلت على الاستثمارات الأجنبية الهائلة.‏

                            فلماذا إذن تعطي قطر "إسرائيل" المجال لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الأرض والثروات والحقوق العربية؟ لماذا أصرت قطر على عقد المؤتمر بعدما وصلت التسوية السياسية إلى الطريق المسدود؟!‏

                            لماذا تستفز قطر إيران التي عارضت عقد المؤتمر وتنظر بعين القلق إلى وصول النفوذ الإسرائيلي إلى حدودها؟ في بادئ الأمر اشترطت قطر تخلي نتنياهو عن بناء المستوطنات، واستئناف المفاوضات مع سورية من النقطة التي توقفت عندها، لكي توافق على استضافة المؤتمر.‏

                            ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تحقق ذلك، بل صعدت من سياسة الاستيطان والقمع والتجويع والإرهاب. فلماذا تمسكت قطر بالرغم من ذلك بعقد المؤتمر في موعده المحدد؟! حتى المغرب عراب القمم الاقتصادية ألغت المؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي حتى لا تحضره إسرائيل.‏

                            تذرعت قطر في الماضي بعقد المؤتمر، بحجة أن التعاون الاقتصادي بين العرب وإسرائيل يشجعها على استكمال مسيرة السلام. فأين هي مسيرة السلام الآن؟!‏

                            إن الأحداث والتطورات أثبتت خطورة هذه المقولة، لأنها تشجع إسرائيل على المضي في سياستها الاستيطانية والإرهابية.‏

                            هل تستطيع إمارة قطر بعدد سكانها وحجمها ووزنها أن تحمل إسرائيل على المضي قدماً في العملية السلميَّة إذا عقدت مؤتمر الدوحة في موعده المحدد؟!‏

                            إن مواجهة الموقف الإسرائيلي الرافض للسلام العادل لا يأتي من خلال القبول بهيمنة إسرائيل على الاقتصادات العربية وإنما من خلال موقف عربي موحد، يحمل الولايات المتحدة على التحرك الفعلي والجاد، إذ أنه بعد عملية مدريد، وبعد توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو ووادي عربة لم تتبدل الصهيونية، ولم يتغير الكيان الصهيوني، بل تابع سياسته المدمرة القائمة على التمسك بالاحتلال وتصعيد الاستيطان والهجرة والترحيل.‏

                            ولابد هنا من الإشارة إلى أن مشاركة اليمن في مؤتمر الدوحة، بحجة مكافأة قطر على دعمها للوحدة اليمنية يعبِّر عن التمويه والتضليل، لأنه لا يمكن تصوير الموقف الذي يخدم مصالح إسرائيل على أنه مكافأة لقطر.‏

                            إن الموقف اليمني خروج على الموقف العربي الموحد، ويضعف الموقف العربي في مواجهة إسرائيل، ويعزز الشرذمة العربية، ويبارك مواصله العدو الإسرائيلي لسياسته القمعية والاستيطانية، ومكافأة لحكومة قطر على تمردها على الإجماع العربي.‏



                            مصر ومؤتمر الدوحة‏

                            أحجمت مصر عن الإعلان عن المشاركة أو عدم المشاركة في مؤتمر الدوحة الاقتصادي حتى اللحظة الأخيرة. واشترطت مشاركتها فيه بإحراز تقدم ملموس في عملية السلام.‏

                            ويعني الموقف المصري تأكيد أن التعاون الإقليمي في المنطقة يرتبط بعملية السلام. فلماذا اتخذت مصر هذا الموقف؟!‏

                            نظمّت الولايات المتحدة المفاوضات المتعددة الأطراف لتحقيق التعاون الإقليمي في المنطقة وجاء اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 ومعاهدة وادي عربة عام 1994 للتخفيف من الحواجز السياسية والنفسية وإتاحة الفرصة لعقد المؤتمر الاقتصادي الأول في الدار البيضاء في تشرين الثاني عام 1994.‏

                            فالمفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف والقمم والمؤتمرات الاقتصادية نجمت عن مؤتمر مدريد وكامتداد لعملية التسوية في المنطقة وكجزء لا يتجزأ منها. ولذلك كان من الطبيعي أن تتأثر المؤتمرات الاقتصادية بوصول عملية التسوية إلى الطريق المسدود.‏

                            لذلك انعكس التعثر في عملية التسوية ووصولها إلى الطريق المسدود على كافة المسارات وعلى المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة.‏

                            وأخذت بعض البلدان العربية التي كانت متحمسة جداً للمؤتمرات الاقتصادية كالمغرب في مراجعة موقفها تضامناً ودعماً لسورية ولبنان لاسترجاع أراضيهما المحتلة من العدو الإسرائيلي.‏

                            وانطلقت مصر في تحديد موقفها من أن المشاركة تعني مكافأة إسرائيل على ممارساتها واعتداءاتها في حين أن عدم المشاركة يعني رفض المواقف والممارسات الإسرائيلية والاحتجاج عليها والتحذير منها.‏

                            إن إسرائيل تسعى جاهدة بمساعدة الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا الغربية إلى أن تتعامل مع البلدان العربية من موقع المتفوق عسكرياً وتريد أن تفرض علاقات اقتصادية من موقع القوة والتفوق والتمسك بالاحتلال والتهديد بالحرب والاستمرار في سياسة الاعتداءات اليومية على الشعبين الفلسطيني واللبناني.‏

                            إن مغزى تعليق مشاركة مصر حتى اللحظة الأخيرة يعني "هو أن مصر لا تعترض على التعاون الاقتصادي الإقليمي من حيث المبدأ ولكنها تعترض على الشروط التي يتم فيها هذا التعاون، وطبيعة علاقته بعملية السلام. فالتعاون الاقتصادي الإقليمي من وجهة النظر المصرية مطلوب ومرغوب، ليس فقط لدعم السلام وإنما أيضاً لما يمكن أن يحققه من تنمية وتطوير لكافة بلدان المنطقة(87).‏

                            ويعتقد المحللون السياسيون أن تأجيل إعلان الموقف المصري حتى اللحظة الأخيرة يعني حرص مصر الشديد على عدم الضغط على أي بلد عربي لعدم المشاركة في المؤتمر.‏

                            "فكلا الموقفين (المصري والأميركي) ينطوي على ضغط معين! الموقف المصري يستهدف عقد المؤتمر والحضور فيه، كورقة للضغط على الإسرائيليين للمضي قدماً في عملية السلام. أما الموقف الأميركي فينطوي على ضغط على الدول العربية لعقد المؤتمر وتأمين الحضور فيه، للمضي قدماً في مشروعات التعاون الاقتصادي الإقليمي بصرف النظر عن عملية السلام، بصرف النظر عن التعثر أو التراجع في عملية السلام"(88).‏

                            ويمكن تلخيص المبررات التي دفعت مصر لعدم المشاركة على الشكل التالي:‏

                            * إن مقاطعة المؤتمر تضاعف الضغوط الداخلية في إسرائيل على الحكومة وتزيد من التناقضات داخل تحالف الليكود وبينه وبين المعارضة العمالية.‏

                            * إن مقاطعة المؤتمر تؤكد للأميركيين والإسرائيليين رفض مصر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تدمر عملية السلام ورفضها للسياسة الأميركية التي تكيل بمكيالين.‏

                            * يعطي الحضور العربي للمؤتمر الانطباع بأننا أمة ضعيفة ورهن إشارة الغير، رهن إشارة الولايات المتحدة واليهودية العالمية.‏

                            *أما قول بعض الأطراف العربية بأن الحضور يدفع "عملية السلام" إلى الأمام ويعري إسرائيل أمام العالم فإن هذه التعرية واضحة ولا تحتاج للمشاركة في المؤتمر.‏

                            وتعمل الحكومة الإسرائيلية وبتأييد من قطعان المستوطنين وغالبية الشعب الإسرائيلي على فرض السلام الإسرائيلي الذي يستند إلى منطق القوة والردع ويركز على التفوق العسكري واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها.‏

                            وتعمل أيضاً على إجهاض ماتم التوصل إليه من اتفاقات إذعان صاغتها وأملتها حكومة حزب العمل السابقة وذلك من خلال عدم تنفيذ الاتفاقات المبرمة والتوسع ببناء المستوطنات، والاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية في الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى.‏

                            وأدت السياسة الإسرائيلية التوسعية والاستيطانية والإرهابية إلى إحراج الدول العربية التي وقعت اتفاقات مع الكيان الصهيوني أمام شعوبها، وتأكيد مصداقية الموقف الشعبي الرافض للسلام الإسرائيلي وتطبيع العلاقات، وتراجع أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في مشروعات التنمية، وعدم الوثوق بالاتفاقات التي توقعها إسرائيل.‏

                            إن التعاون العربي- العربي يجب أن يكون جوهر وأساس ومحور التعاون الإقليمي، لذلك لا يجوز إطلاقاً أن يجلس بلد عربي ويتفاوض مع العدو الإسرائيلي ويبحث معه في التعاون الاقتصادي الإقليمي، فالمؤتمرات الاقتصادية الإقليمية ترمي إلى إفقاد النظام العربي هويته ودمجه في "الشرق أوسطية" التي تعمل الولايات المتحدة على إعطاء إسرائيل وتركيا قيادتها. كما يشارك في مؤسساتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية مما قد يؤثر في الأحداث في غير مصلحة الدول العربية.‏

                            ويقوم الموقف المصري على التزاوج بين المصلحة العربية والالتزام باستراتيجية السلام واعتبار التعاون العربي-العربي محور التعاون الإقليمي والأساس في أي حوار شرق أوسطي أو متوسطي. إن ماحدث في الدوحة خرج تماماً عن الحرص على الحقوق والمصالح العربية والتضامن ووحدة الموقف العربي وتنفيذ التزامات قطر العربية. ويعتبر بداية مرحلة جديدة وخطيرة تكرسها قطر معادية للحقوق والمصالح العربية وضد السلام العادل والشامل.‏

                            لقد أبلغ الرئيس مبارك بتاريخ 11/11/1997، أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم قرار مصر عدم حضور مؤتمر الدوحة وقال: "إن لكل دولة قرارها الخاص النابع من سيادتها وتقديرها للمصالح والنتائج التي يمكن أن يحققها المؤتمر".(89).‏

                            وأعلن الرئيس مبارك أن مصر لن ترسل وفداً رسمياً لحضوره.‏

                            كما أعلن وزير الخارجية المصري عمرو موسى أن المؤتمر يأتي في وقت غير مناسب لأن عملية السلام متوقفة وأكد الرئيس مبارك" إن المعيار الذي وضعته مصر في اعتبارها هو مدى مايحققه انعقاد المؤتمر من مصالح سواء على مستوى الدولة الواحدة أو مدى استفادة الأمة العربية من نتائجه"(90).‏

                            وقال الرئيس مبارك: "إن الهدف من عقد مؤتمر اقتصادي هو خلق تعاون بين إسرائيل والمجتمع العربي وذلك أمر مرهون بالسلام والتزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاقيات. وشدد على أن ليس في استطاعته تجاهل توجهات الرأي العام المصري بكل ميوله واتجاهاته والتي أجمعت كلها على رفض المشاركة في المؤتمر الاقتصادي.‏

                            ورحبت الأحزاب والقوى السياسية في مصر بقرار الرئيس مبارك مقاطعة المؤتمر، واعتبرته استجابة للرأي العام الشعبي.‏

                            وأكد السيد ضياء الدين داوود، الأمين العام للحزب الناصري ترحيبه بالقرار وقال: "إنه "جاء متأخراً" لكنه استجاب إلى مطالب الرأي العام المصري"(91).‏

                            وقال إن عدم المشاركة يجب أن ينطلق من موقف مبدئي مضاد لمخططات ساعية إلى السيطرة على المنطقة وإلغاء هويتها، والمؤتمرات الاقتصادية جزء من هذه الأفكار.‏

                            وأكدّ أيضاً الناطق الرسمي في حزب التجمع : "ترحيبه البالغ بقرار عدم المشاركة في المؤتمر". واعتبر أنه جاء استجابة للرأي العام والأحزاب والقوى السياسية التي وقفت منذ البداية ضد النظام الشرق أوسطي.‏

                            وأعرب دينس روس، منسق عملية السلام عن خيبة الأمل لقرار مصر التي اعتبرها "شريكة وصديقة وحليفة للولايات المتحدة الأميركية"، وقال: "إن مؤتمر الدوحة ليس خدمة لأحد"، وشدد مارتن انديك تعليقاً على مقاطعة مصر للمؤتمر وقال: " نشعر بالخيبة لأن بعض أصدقائنا لا يشاركوننا هناك، ونشعر أننا لا نستطيع أن نسمح لمؤسسات عملية السلام أن تنهار لأنه سيكون من الصعب إحياؤها"(92).‏



                            الموقف العربي من عقد المؤتمر‏

                            أكد وزير الخارجية السعودية أن بلاده لن تشارك في المؤتمر لأنه "لم يحصل تقدم في عملية السلام حتى تغيِّر من موقفها. إن السياسة الإسرائيلية الهوجاء هي التي تمنع أي تعاون إقليمي في المنطقة وتعطّل عملية السلام".(93).‏

                            وجاء الرفض السعودي بعد الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مارتن انديك إلى السعودية، وبعدما تعرضت السعودية لضغوط أميركية قوية للمشاركة في مؤتمر الدوحة.‏

                            وانضمَّت الإمارات العربية والبحرين إلى مقاطعي المؤتمر وكذلك المغرب.‏

                            وفي أبو ظبي أكدت دولة الإمارات عدم مشاركتها في المؤتمر وأعلن مصدر مسؤول: "إن دولة الإمارات قررت عدم حضور المؤتمر لعدم حصول تقدم ملموس في عملية السلام في الشرق الأوسط وعلى المسارات المختلفة"(94).‏

                            وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد حدد موقف دولة الإمارات في آب 1997 بعدم المشاركة في المؤتمر لأنه يضر بمصالح دول عربية شقيقة. وقال الشيخ زايد: "إن الإمارات لا يمكنها حضور مؤتمر الدوحة إرضاء لدولة عربية شقيقة على حساب دولة عربية شقيقة أخرى".‏

                            وكانت الإمارات العربية قد ربطت مشاركتها في المؤتمر بحدوث تقدم على كل المسارات، بما فيها المسارين السوري واللبناني.‏

                            وأعلنت البحرين مقاطعتها للمؤتمر بالرغم من أنها ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية، فالبحرين هي مقر الأسطول الخامس الأميركي في الخليج، حيث أن بينها وبين واشنطن اتفاقية أمنية ودفاعية وتعتمد في تسليحها على الصناعات العسكرية الأميركية بصفة أساسية، إضافة إلى ذلك يعتقد بعض المحللين السياسيين أن أي انزعاج أميركي من البحرين يدفع الإدارة الأميركية إلى تبني معزوفة حقوق الإنسان أو بعض الشعارات التي يرفعها الشارع البحريني.‏

                            كما يلعب النزاع البحريني- القطري حول الحدود دوراً في تحديد موقف البحرين من المشاركة في مؤتمر الدوحة. ومن الجدير بالذكر إن المناخ الشعبي في البحرين يعارض تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، إذ أن هناك معارضة قوية ومتزايدة تعارض أي شكل من أشكال التطبيع معه.‏

                            ونوّهت الصحف السورية بالتزام مصر والسعودية والمغرب بقرارات الجامعة العربية في القاهرة وأكدت أن مواقف هذه الدول "تستحق التقدير وتؤسس لتضامن عربي حقيقي ولعمل عربي مشترك له فاعليته في الساحة، ويتصدى لمخططات الحكومة الإسرائيلية"(95).‏

                            وانتقدت الصحف موقف الأردن والكويت واليمن التي أعلنت مشاركتها في المؤتمر في وقت تجاهر فيه الحكومة الإسرائيلية بعزمها على ابتلاع القدس ومعظم أراضي الضفة الغربية إلى جانب الجولان، مع تأكيد استمرار احتلال أجزاء من جنوب لبنان.‏

                            وقال وزير خارجية اليمن، عبد الكريم الأرياني: "إننا نشارك في مؤتمر الدوحة مجاملة لقطر وليس للجلوس مع الإسرائيليين. وإن الوفد اليمني المشارك غير مسموح له بالاجتماع مع أي إسرائيلي في المؤتمر. ولكن اليمن اتخذت قرار المشاركة لإرضاء الولايات المتحدة بالدرجة الأولى حيث قال وزير الإعلام اليمني، عبد الرحمن الأكوع: "إن المبعوث الأميركي مارتن انديك الذي طاف بالعواصم العربية قد طالب العرب بضرورة المشاركة في مؤتمر الدوحة حتى لا تصاب وزيرة الخارجية الأميركية بالإحباط".(96).‏

                            لم تعلن الكويت موقفها من المشاركة في مؤتمر الدوحة إلاّ بعد أن قام مارتن انديك بزيارتها في إطار جولة شملت دول الخليج كلها ومصر واليمن، حاملاً رسائل من الرئيس الأميركي يحث فيها على المشاركة في مؤتمر الدوحة.‏

                            وكان متوقعاً إلاّ تتخذ الكويت موقفاً يتعارض مع التوجه الأميركي مع الأخذ بعين الاعتبار موقف دول الخليج.‏

                            وانطلاقاً من هذين الاعتبارين أعلن مسؤول كويتي: "إن المسألة بالنسبة للكويت ليست الحضور أم لا بل مستوى التمثيل".(97).‏

                            وتعود مشاركة الكويت في مؤتمر الدوحة إلى حرب الخليج الثانية والعلاقة الخاصة جداً بينها وبين الولايات المتحدة والتي توطدت من جراء الحرب والنتائج التي تمخضت عنها والتواجد العسكري الأميركي فيها.‏

                            وفي مسقط أعلنت سلطنة عُمان مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي وصدر بيان عن وزارة الخارجية العمانية جاء فيه أن السلطنة ستشارك بوفد يترأسه وكيل وزارة التجارة والصناعة. وعزّا البيان مشاركة السلطنة في المؤتمر إلى أنه سيعقد في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي وإلى الجهود الأميركية التي تبذل لإعادة مسار المفاوضات.‏

                            وفي الرباط أكد مسؤول مغربي رفيع المستوى أن بلاده لن تشارك في مؤتمر الدوحة وقال: "إن المغرب لن يحضر مؤتمر الدوحة لأنه لم يحدث أي انفراج في عملية السلام (98). وفي تونس صرح وزير الخارجية بأن تونس ستحضر المؤتمر لأنه يندرج في إطار إنقاذ عملية السلام رغم تعنت الحكومة الإسرائيلية.‏

                            وأكد عمرو موسى ، وزير خارجية مصر أن انعقاد مؤتمر الدوحة جاء في وقت غير مناسب، وأن مصداقيته غير مقبولة في المنطقة، وهناك رفض كبير لحضوره، وأنه كان من الأفضل إعادة النظر في هذا الموضوع في ظل الظروف الحالية.(99).‏

                            وعلق وزير الخارجية القطري على الموقف المصري وقال "براحتهم". وكرر أن مسألة انعقاد المؤتمر قضية مبدأ والتزام دولي.‏

                            واعتبر وزير خارجية إيران كمال خرازي: "إن تطبيع بعض الدول العربية العلاقات مع الكيان الصهيوني ضربة كبيرة للجسد الإسلامي".(100).‏

                            اعتبر الرأي العام العربي أن عقد مؤتمر الدوحة في ظل تصاعد المواقف والممارسات العدوانية والإرهابية والاستيطانية الإسرائيلية كتهويد القدس، ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بمثابة مباركة عربية لجرائم إسرائيل واعتداءاتها وتهويدها للأرض والمقدسات العربية.‏

                            ونظم المؤتمر الشعبي اللبناني اعتصاماً أمام سفارة قطر في بيروت، يوم افتتاح المؤتمر احتجاجاً على انعقاده في الدوحة. وطالب المتحدثون بالاعتصام" بتجميد عضوية قطر في الجامعة العربية وباعتبار المؤتمر باطلاً وقراراته باطلة، وبأن يسحب لبنان سفيره من قطر، ويطلب من السفير القطري مغادرة لبنان".(101).‏

                            وقال وزير الاقتصاد اللبناني ياسين جابر إن مؤتمر الدوحة سيفشل، داعياً إلى تحصين أنفسنا في المستقبل لمواجهة مايطرح في مؤتمرات شبيهة بمؤتمر الدوحة. وقال: "إن مواجهة التحديات في مؤتمرات الشرق الأوسط لا تتم إلاّ من خلال عمل عربي مشترك في كل المجالات وخصوصاً في المجال الاقتصادي. ومن هنا ترتدي المنطقة العربية التجارية الحرة المزمع البدء بتنفيذها في أول كانون الثاني 1998 أهمية خاصة كونها ستكون المدخل والبداية للوصول إلى السوق العربية المشتركة".(102).‏

                            ووجه فاروق أبو عيسى، الأمين العام لاتحاد المحامين العرب التحية إلى الرئيس حسني مبارك على قراره بمقاطعة مؤتمر الدوحة، وقال: "إن هذا الموقف العظيم يعبر عن إرادة شعب مصر والأمة العربية التي ترفض أي تعامل مع إسرائيل حتى يتحقق السلام الشامل والعادل وتحرر كل الأرض العربية.‏

                            إن اتحاد المحامين العرب له موقف مبدئي ضد مايسمى بمؤتمرات الشرق أوسطية التي تهدف إلى تعزيز القوة الإسرائيلية"(103).‏

                            ورأى شمعون بيرس أن مؤتمر الدوحة رسالة ناجحة، مبدياً ارتياحه إلى رد وزير خارجية قطر على مصر حين انتقدت المؤتمر.‏

                            لقد أغضبت قطر حلفاءها الأقوياء في دول مجلس التعاون الخليجي وفي بقية البلدان العربية لعقد المؤتمر، واتهمها هؤلاء الحلفاء الأقوياء بأنها تبث الفرقة بين البلدان العربية لإرضاء إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وحاولوا إقناعها بإلغاء المؤتمر أو تأجيله احتراماً لمشاعر الدول العربية والرأي العام العربي والإسلامي، لكن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أطاح بأبيه رفض الاستجابة للموقف العربي الذي أقرته الجامعة العربية لذلك وضع المؤتمر قطر على الجانب المعادي للعرب.‏



                            عقد المؤتمر‏

                            افتتح أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مؤتمر الدوحة في 16/11/1997 منتقداً في كلمته الافتتاحية الدعوات التي صدرت لتأجيل المؤتمر الاقتصادي أو إلغائه. وذكّر بالظروف التي أحاطت بعقد المؤتمر وأدت إلى اتخاذ مواقف تجاهه وصلت إلى درجة المناداة بتأجيله أو إلغائه أو مقاطعته، وقال:‏

                            "مع احترامنا لتلك المواقف نؤكد أن استضافة قطر هذا المؤتمر لا تنطلق من مصلحة خاصة بها دون غيرها وإنما كان قرارها تنفيذاً لالتزام دولي".‏

                            وباسم الرئيس كلينتون نوهت أولبرايت بجهود قطر في تنظيم المؤتمر، مشدّدة على أهمية الأمن والسلام والرفاهية لكل شعوب المنطقة وعلى أن بذور الكراهية لن تؤدي إلى السلام، وتحدثت أولبرايت عن هدف المؤتمرات الاقتصادية، وهو:"أن نتعاون مع بعضنا بعضاً"(104). وحاولت التغطية على فشل المؤتمر بالتحريض على العراق. وغاب عن المؤتمر الحديث عن مشروعات مشتركة وصفقات تجارية واتفاقات اقتصادية وآليات ومؤسسات لترسيخ نظام الشرق الأوسط الجديد.‏

                            وكان الاتفاق الوحيد هو الاتفاق الذي قدمه الأُردن لإسرائيل والولايات المتحدة وهو توقيع اتفاق أردني-إسرائيلي- أميركي لإقامة منطقة للتبادل التجاري الحر في إربد على مقربة من الحدود السورية.‏

                            وأثارت مقاطعة الدول العربية للمؤتمر شكوكاً وتساؤلات حول الجدوى من عقد المؤتمرات الاقتصادية، بحيث لم تتقدم ولا دولة واحدة لاستضافة المؤتمر الاقتصادي الخامس. وتقرر تأجيل هذا الأمر إلى مطلع العام 1998.‏

                            وباستثناء الأردن تمثلت الدول العربية بوكلاء وزارات أو وزراء دولة. وترأس ناتان شارانسكي وزير الصناعة والتجارة الوفد الإسرائيلي. ويذكر أن شارانسكي قال إن إسرائيل مستعدة لقبول عقد المؤتمر القادم في بيت لحم.‏

                            وعلق وزير الخارجية السوري فاروق الشرع على مؤتمر الدوحة وقال: "إن كل مؤتمر لا يجمع عليه العرب هو مؤتمر فاشل وبالنسبة للمشاركة العربية فهي ليست ذات شأن"(105).‏

                            واختتم المؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة في 18/11/1997 بتحقيق إسرائيل نجاحاً في تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لسياستها التي تسببت في تعطيل عملية التسوية، فيما أجمع المعلقون والمسؤولون السياسيون والاقتصاديون الذين شاركوا في المؤتمر على فشله.‏

                            ولكن وزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد بن عبد الله المحمود أعلن نجاح المؤتمر وقلل من أهمية المقاطعة العربية له.‏

                            وأصدر المشاركون بياناً ختامياً صاغته لجنة مؤلفة من إسرائيل وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان والأردن وتونس وقطر والولايات المتحدة، وممثل لأمانة المؤتمرات الاقتصادية في الرباط، أكدوا فيه التزامهم الشديد بتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط.‏

                            واعتبر المشاركون في المؤتمر في البيان الختامي أن السلام يجب أن يقوم على قاعدة صيغة مؤتمر مدريد، أي الأرض مقابل السلام. وشددوا على تطبيق الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين.‏

                            ودعوا إلى رفع فوري لجميع القيود وإجراءات الاغلاق، وانتقدوا الاغلاق المتكرر من قبل إسرائيل لمناطق السلطة الفلسطينية.‏

                            ووجهوا الشكر إلى قطر لاحترامها تعهدها الدولي باستضافة المؤتمر على الرغم من الظروف السياسية الصعبة.‏

                            وأرجأ المشاركون تحديد موعد ومكان انعقاد المؤتمر القادم إلى حين انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس في نهاية كانون الثاني عام 1998.‏

                            وأشار المدير المساعد للشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن إسرائيل وجهت رسالة إلى رئاسة المؤتمر تعرب فيها عن تحفظها على ذكر مبدأ الأرض مقابل السلام.‏

                            واعترفت إسرائيل بأن الوفد الإسرائيلي إلى المؤتمر وجد نفسه معزولاً ولكنه نجح في الحد من الأضرار في البيان الختامي الذي كانت صيغته الأولى أشد قسوة مما جاء فيه.‏

                            وقال أعضاء في وفود رسمية شاركت في المؤتمر إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على تونس وتركيا وسلطنة عمان لاستضافة المؤتمر القادم.‏

                            "وتوقع بيرس أن تعود الدول العربية إلى المشاركة في المؤتمرات المقبلة قائلاً:"إنها جاءت إلى المؤتمرات السابقة لذلك يمكنها أن تحضر إلى المؤتمرات المقبلة".‏

                            ويقول رجال أعمال عرب حضروا القمم الاقتصادية السابقة بحماس وأعلنوا مقاطعتهم لمؤتمر الدوحة: "إن القمم الاقتصادية لم تحقق الهدف الذي أقيمت من أجله وهو خلق مناخ شرق أوسطي ملائم لدمج إسرائيل في العملية الاقتصادية في المنطقة بعد تحولها من عدو إلى شريك في عملية سلام يفترض أن تنهي النزاع العربي -الإسرائيلي بتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني(106).‏

                            ويقول رجل الأعمال العماني عبد القادر عسقلان: "إن أياً من الدول العربية لم تحقق إنجازات تذكر على أثر القمم السابقة. ليس هناك سوى مستفيد واحد من عملية التطبيع الجارية عبر هذه المؤتمرات الاقتصادية هو إسرائيل"(107).‏

                            ويقول مستثمر فلسطيني يقيم في نيويورك: "إن العديد من الصفقات التي أُبرمت وسط التهليل في حينه لم تنفذ، والوضع على الأرض في المناطق الفلسطينية بات كارثياً والشرق الأوسط الجديد الذي وُعِدنا به بات أسوأ من الشرق الأوسط القديم، وعليه يخلص إلى أن العجلة الاقتصادية لا يمكنها أن تتخطى العجلة السياسية.‏

                            لقد أثبتت المقاطعة العربية للمؤتمر الاقتصادي الرابع في الدوحة، بعد الضغط الأميركي الهائل على الدول العربية للمشاركة فيها أن لا تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني وأنه لا مكان له في الوطن العربي، وأثبتت بجلاء خطأ دعاة التطبيع معه والحوار مع حركة السلام الآن لأنه لا فرق بين العمل والليكود ولا فارق بين نتنياهو وبيرس جزار مذبحة قانا أو ايهود باراك، الإرهابي الذي تلطخت يداه باغتيال الشاعر كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار.‏

                            لذلك عندما أعلن الرئيس مبارك قراره بمقاطعة مؤتمر الدوحة كان يعبر بصدق عن ضمير الأمة ومشاعر الشعب العربي كله، ويجسد فهم مصر العميق لدور مصر القومي. فكيف تسمح حكومة عربية لنفسها أن تتمرد على الموقف العربي وتخرج عن وحدة الصف العربي وتعقد مؤتمراً فوق أرضها يخدم مصالح العدو الصهيوني وضد المصلحة العربية؟‍! كان الأجدر بقطر أن تبادر وتعلن عن تأجيل عقد المؤتمر المحكوم عليه بالفشل قبل انعقاده نصرة لعروبة القدس وانتصاراً للحقوق القومية والدينية للعرب والمسلمين، في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومدينة الإسراء والمعراج.‏

                            ووصلت وقاحة اليهودية مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية حداً أصرّتْ فيه على عقد المؤتمر مهما كانت النتائج وأعلنت أنها ستذهب إلى الدوحة في الموعد المحدد ولو لشرب فنجان القهوة حتى ولو لم يكن أحد في قاعة المؤتمر.‏

                            الولايات المتحدة ومؤتمر الدوحة‏

                            فشلت الولايات المتحدة في تحقيق نجاح مؤتمر الدوحة الاقتصادي وتلقّتْ ضربتين:‏

                            الأولى: عندما فشلت في حشد أكبر مشاركة عربية للمؤتمر، حيث أرسلت وزيرة الخارجية ومنسق عملية التسوية ومعاون وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وفشلوا في إقناع مصر والسعودية بالمشاركة، وبالتالي فشلت في إجبار الدول العربية على الخضوع والإذعان لمشيئتها القائمة على خدمة مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي وعلى حساب المصالح العربية.‏

                            والثانية: فشل المؤتمر في تحديد زمان ومكان انعقاد المؤتمر القادم، الأمر الذي اعتبره المحللون السياسيون بمثابة الضربة الثانية للولايات المتحدة الأميركية وعملية التطبيع.‏

                            وكان إعلان المغرب عدم المشاركة والذي لعب الدور الأساسي في إنجاح القمم الاقتصادية و التطبيع ضربة إضافية للسياسة الأميركية.‏

                            ونسبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى مسؤول أميركي قوله إن "أولبرايت أكدت في نقاش داخلي أنه إذا مافشل مؤتمر الدوحة فإن الذنب يقع بدرجة كبيرة على إسرائيل التي حالت بسبب عنادها دون حدوث تقدم في عملية السلام(108).‏

                            إن الأسباب التي أدت إلى فشل مؤتمر الدوحة هي:‏

                            أولاً: تجميد حكومة بيرس للمفاوضات على المسارين السوري واللبناني.‏

                            ثانياً: وصول اتفاق أوسلو الذي فتح الأبواب العربية أمام الاختراق الإسرائيلي للوطن العربي والتطبيع معه إلى طريق مسدود.‏

                            ثالثاً: تصاعد الاستيطان والإرهاب الإسرائيلي والعمل على تطبيق مقولة الأمن مقابل السلام.‏

                            رابعاً: تزايد الغضب والسخط العربي على الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل ومعاداة إدارة كلينتون المتصهينة لكل ماهو عربي، ومنع مجلس الأمن من معاقبة إسرائيل على مجزرة قانا والكيل بمكيالين وتشديد الحصار على العراق وليبيا والسودان.‏

                            وتدعم الإدارة الأميركية في الوقت نفسه ممارسة إسرائيل للإرهاب كسياسة رسمية.‏

                            وسقط منطق المراهنة على حياد الولايات المتحدة الأميركية، حيث ظهر بجلاء أن ارتماء بعض العرب في أحضان أميركا والاستجابة إلى مطالبها لا يغير من دعمها وتأييدها وانحيازها لإسرائيل ومعاداتها للحقوق والمصالح العربية. ويستخلص رئيس تحرير جريدة الأهرام من ردود الفعل الأميركية على مقاطعة مصر لمؤتمر الدوحة النقاط الثلاث التالية:‏

                            1- التأكيد على أن طبيعة العلاقة بين مصر والولايات المتحدة تسمح بالاختلاف بحكم أن لكل دولة منهما ظروفها، ومسؤولياتها دولياً وأقليمياً، وكذلك أوضاعها وارتباطاتها، سواء في المنطقة التي توجد فيها أو على المستوى الدولي.‏

                            2- تأكيد الاعتراف بأهمية دور مصر في دفع عملية السلام والاحتياج إليه، وإن هذا الدور قائم قبل حدوث أي خلاف، ثم إنه قائم ومستمر بعد حدوث أي خلاف بما في ذلك حضور مؤتمر الدوحة أو عدم حضوره.‏

                            3- إن الموقف الأميركي يستوعب استقلالية الدور المصري ويعترف بأنه قد يكون مفيداً له وليس على العكس، فعلى المستوى القومي تستطيع الجماهير العربية أن تثق في أن الاختيار المصري يستند إلى استقلالية إرادته وتفكيره، بالتأكيد تثق في تعبيره عن المصالح القومية المجردة، دون خضوع لأي ضغوط أو مؤثرات خارجية.(109).‏

                            إن فشل المؤتمر فشل أميركي بالدرجة الأولى. ويجسد الفشل الأميركي في عملية التسوية التي بدأتها الولايات المتحدة في ذروة انتصارها في حرب الخليج الثانية عام 1991، وبالتالي تعرَّضت أميركا لانتكاسة كبيرة في الشرق الأوسط، وفشلت حتى بالإيحاء أن عملية التسوية مازالت مستمرة ولكنها نسبت الفشل إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية واعتبرت أن نتنياهو هو المسؤول عن الفشل.‏

                            إن السبب الأساسي في فشل مؤتمر الدوحة يعود إلى السياسة الأميركية وتأييدها المطلق لإسرائيل، مما جعل الحكومات الإسرائيلية تقرر دائماً ماتشاء وهي على ثقة من التأييد الأميركي المطلق لها داخل الأمم المتحدة وخارجها.‏

                            إن فشل المؤتمر فشل للسياسة الأميركية، وفشل للرئيس الأميركي بيل كلينتون ولوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، وفشل للجولات التي قامت بها أولبرايت ودينس روس ومارتن انديك في المنطقة في عشية انعقاده.‏



                            منطقة التجارة الحرة الأردنية- الإسرائيلية‏

                            وقع وزير الصناعة والتجارة الأردني هاني الملقي ووزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي ناتان شارانسكي في الدوحة وقبل انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي الرابع وبحضور مادلين أولبرايت اتفاقاً لإنشاء المنطقة الحرة في إربد بين الأردن وإسرائيل.‏

                            وصدر بيان بعد التوقيع أشار إلى أهمية قيام المنطقة الصناعية الحرة وفوائدها الكثيرة في مجال التجارة، وان قيامها يعني فرص عمل جديدة وفوائد وميزات استثمارية بين الأردن وإسرائيل. وأكد البيان أن الاتفاق يلبي رغبة الولايات المتحدة في دعم جهود التعاون والسلام، وإن مثل هذه الاتفاقات يساعد على التوصل إلى السلام في المنطقة، مشدداً على أن الولايات المتحدة ستبذل جهودها لتشجيع التعاون بين الأردن وإسرائيل.‏

                            ويتيح الاتفاق للبضائع المنتجة في المنطقة الحرة في إربد الدخول إلى الأسواق الأميركية بدون فرض رسوم جمركية عليها متمتعة بذلك باتفاق التجارة الحرة الموقع بين أميركا والكيان الصهيوني منذ أكثر من(10) سنوات.‏

                            وقالت أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية التي حضرت توقيع الاتفاق مع ويليام وايلي وزير التجارة الأميركي "إن الولايات المتحدة التي تدعم هذه المنطقة باستقبال منتجاتها في أسواقها تثبت أن المشاركة الأميركية الفعالة في عملية السلام ليست بالحديث ولكن بالأفعال وهذه الرؤية هي أساس تلك المؤتمرات الخاصة بالتعاون الاقتصادي الإقليمي(110).‏

                            وأشادت أولبرايت بالخطوة الأردنية - الإسرائيلية الخاصة بتبادل رحلات الطيران ووصول الطائرات الإسرائيلية إلى مطار العقبة.‏

                            واعتبر العديد من المحللين والمختصين بشؤون المنطقة أن توقيع اتفاق المنطقة الحرة في إربد في مستهل مؤتمر الدوحة يمثل مكافأة لإسرائيل في الوقت الذي تمارس فيه أسوأ الممارسات ضد العرب.‏

                            وعقد وزير التجارة الأميركي وليم وايلي مؤتمراً صحفياً في الدوحة قال فيه "إن التبادل التجاري مع دول الشرق الأوسط يعادل 25 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الأميركي. وإن صادرات واشنطون إلى المنطقة توفر(11) مليون وظيفة للمواطنين الأميركيين".(111)
                            إذا الشعب يوما أراد الحياة
                            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                            تعليق


                            • #15
                              رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -

                              ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)‏

                              مقدمة‏

                              قامت إسرائيل على الإرهاب وتعيش عليه وتستخدم مكافحته لتحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية في الأرض العربية. وتمارس الإرهاب والعنصرية والاستيطان والهيمنة كسياسة رسمية. فاغتالت أبرز القادة الفلسطينين وقادة كتائب عز الدين القسام في الضفة والقطاع وبيروت وجنوب لبنان وروما ولندن وباريس وتونس وغيرها. واغتالت الأمين العام لحزب الله عباس موسوي وعائلته. وخطفت الشيخ عبد الكريم عيد ومصطفى ديراني من منزلهما في لبنان.‏

                              وأغارت على مطار بيروت ودمرت (15) طائرة مدنية. وأسقطت طائرة ركاب مدنية ليبية وقتلت جميع ركابها المدنيين وعددهم(107). وارتكبت الحروب العدوانية والمجازر الجماعية منها مجزرة صبرا وشاتيلا. وتمارس أبشع صور الإرهاب في التاريخ البشري. فمن هو الإرهابي الذي عاش ويعيش على الإرهاب؟ ألم يكن المصلون العرب في الحرم الإبراهيمي الشريف ضحايا الإرهاب اليهودي؟‏

                              ألم يكن المصلون العرب الذين قتلتهم الشرطة الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف ضحايا الإرهاب الإسرائيلي؟ أطفال مدرسة بحر البقر وعمال مصنع أبو زعبل في مصر وسكان بلدة داعل السورية، ألم يكونوا ضحايا الإرهاب الرسمي لإسرائيل؟.‏

                              اغتالت إسرائيل(أبو جهاد) خليل الوزير في تونس(وأبو علي) حسن سلامة وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت، والدكتور فتحي الشقاقي، الأمين العام للجهاد الإسلامي في مالطا، والمهندس يحيى عياش، قائد كتائب عز الدين القسام في غزة فماذا نسمّي هذا؟‏

                              اغتال الإرهابي الإسرائيلي عامير، عميل الموساد الجنرال رابين، بعد أن أقدم رابين على اغتيال الشقاقي. ولم يتحدث أحد في العالم سواء من السياسيين أو رجال الإعلام عن الإرهابي اليهودي عامير، وإنما قالوا عنه"المتطرف اليهودي"؛ فهل اليهودي اغلى من العربي وفوق البشر، يجوز له مالا يجوز لغيره من البشر؟‏

                              إن عدالة قضية فلسطين معروفة لدى جميع شعوب العالم وحكوماته. وبالرغم من مرور خمسة عقود على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته التي سببتها إسرائيل، لم تجد حلاً عادلاً حتى الآن.‏

                              وعندما يمارس الشعب العربي الفلسطيني حقه الطبيعي في المقاومة التي يقرها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعديد من العهود الدولية ضد المحتل الإسرائيلي تتحوّل هذه المقاومة النابعة من الترحيل والقهر والاضطهاد والتهويد ومصادرة الأرض والمياه والحقوق إلى إرهاب يجب سحقه واقتلاع جذوره بتعاون عرفات وسلطة الحكم الذاتي معه والعديد من المشيخات والمحميات والممالك وبتعاون دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لحماية التوسع والاستيطان اليهودي وتصليب عنجهية إسرائيل ويتحول الضحية بالمنطق اليهودي والأميركي إلى إرهابي يجب سحقه والقضاء عليه ومطاردته في كل مكان، ويتحول القاتل إلى ضحية وحمل وديع يحتاج إلى مساعدة سلطة الحكم الذاتي ومعظم النظم العربية وجميع دول العالم. وبالفعل نجحت الولايات المتحدة في حمل معظم حكومات العالم على اعتبار كل عمل من أعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان والهيمنة الإسرائيلية أبشع أنواع الإرهاب يجب اقتلاعه وسحق القائمين عليه.‏

                              لقد ارتكبت المؤسسة العسكرية في إسرائيل جريمة اغتيال يحيى عياش، مما أدى إلى تفجير الوضع بين حماس وإسرائيل فقامت حركة حماس بالثأر لاستشهاده.‏

                              الولايات المتحدة والعمليات الاستشهادية‏

                              هزت عمليات حماس الاستشهادية أركان الكيان الصهيوني وأعادت بحث اغتصاب الصهاينة للأرض العربية في فلسطين. وجاءت كرد فعل على الاحتلال وعلى عمليات قتل المدنيين العرب وعناصر حركة حماس المجردين من السلاح على يد فرق الجيش الإسرائيلي السرية وفرق المستعربين والمستوطنين. جاءت العمليات الاستشهادية بعد نسف الجيش الإسرائيلي لآلاف الشقق والمنازل الفلسطينية بالبلدوزرات والصواريخ وبعد أن ظهر للعيان أن إسرائيل تعمل لتصفية حركة حماس بالتعاون والتنسيق الكاملين مع قيادة عرفات وسلطة الحكم الذاتي المحدود.‏

                              ولقد ظهر للعيان بعد العمليات الاستشهادية أن دور السلطة الفلسطينية لا يقل عن دور سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قمع المقاومة الإسلامية وذلك انطلاقاً من وظيفتها حسب اتفاق أوسلو والتي تتلخص في أمرين أساسيين:‏

                              الأول: التنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين والحقوق القومية والدينية للعرب والمسلمين.‏

                              والثاني: المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وأمن المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث اعترف عرفات في اتفاق الإذعان في أوسلو بشرعية الاحتلال ووجوب تأمين الأمن الإسرائيلي. ويجسد اتفاق الإذعان الأطماع والمزاعم والخرافات اليهودية وإهدار الشرعية الدولية حيث لم تعد قرارات الشرعية الدولية هي المرجعية وإنما بنود الاتفاق التي وضعتها إسرائيل وبصم عليها عرفات.‏

                              إن مقاومة المحتل عمل مشروع طبقاً للقانون الدولي وتقرها الشرائع السماوية والأعراف الدولية ولا سيما وأن العدوان والاحتلال والاغتصاب الإسرائيلي مازالت قائمة. إن أرض فلسطين ملك للعروبة والإسلام، فهي أرضنا ووطننا ويقطن فيها شعبنا العربي منذ آلاف السنين، والعدو الصهيوني هو المغتصب للأرض والحقوق والمعتدي علينا، وعلينا أن نرد عليه ونسترجع الوطن المغتصب منه مهما طال الزمن، لأن مقاومة الغاصب والمحتل واجب وطني وفرض ديني فلا يجوز الاستسلام للعدو والسكوت عن ضياع الحق المغتصب.‏

                              وانطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى لا يجوز إطلاقاً أن نسمي العمليات الاستشهادية إرهاباً مادام هناك احتلال واغتصاب للأرض والحقوق والثروات.‏

                              لقد أقامت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية الدنيا ولم تقعدها بسبب العمليات الاستشهادية ومقتل(60) من اليهود. فماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين العرب في فلسطين؟ وماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين في لبنان، ومنهم ضحايا مجزرة قانا الوحشية! ماذا عن مقتل حوالي(60) من المصلين العرب في المسجد الإبراهيمي في الخليل وماذا عن مقتل(25) من العرب في مجزرة الحرم القدسي الشريف؟ وماذا عن مقتل حوالي ثمانية آلاف مدني في صبرا وشاتيلا؟ إن مسألة قتل الإنسان العربي، الفلسطيني واللبناني والسوري والمغربي ومسألة قتل المسلم وأطفاله وشيوخه وشبابه عند الولايات المتحدة هي مسألة لا تثير شيئاً، أما اليهودي فهو مميز وهو من أبناء شعب الله المختار لا يجوز المساس به مهما ارتكب من جرائم وحشية تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. لقد أكد العديد من علماء الشريعة في فتوى أصدروها شرعية العمليات الاستشهادية على أرض فلسطين وجاء فيها:‏

                              "1- إن اليهود الجاثمين على أرض فلسطين اليوم في حكم الشرع الإسلامي كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون، اغتصبوا كل أرض فلسطين بما فيها القدس، وأقاموا عليها كيانهم المغتصب ودولتهم، واعتقدوا ولا يزالون بأن القدس عاصمة دولتهم اليهودية إلى الأبد.‏

                              2- المدنيون اليهود على أرض فلسطين هم كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون وهم جنود مقاتلون يلبون نداء الاعتداء والإرهاب من الحكومة اليهودية، وهم جنود احتياطيون في أي حرب أو قتال.‏

                              3- المدنيون اليهود على أرض فلسطين حاربوا أهل فلسطين وسفكوا دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال أو ساعدوا في ذلك بالمال أو الرأي.‏

                              4- المدنيون اليهود والعسكريون وهم جميعاً في حكم العسكريين أخرجوا أهل فلسطين المسلمين وغير المسلمين من ديارهم، واستولوا عليها وتملكوها غصباً وسكنوها واستثمروها.‏

                              5- اليهود سواء كانوا مدنيين أو عسكريين الآن في حقيقتهم غرباء على فلسطين جاؤوا من أصقاع الدنيا إلى فلسطين على أساس فكرة دينية يهودية خلاصتها أن فلسطين أرض الميعاد، وأنه لابد من هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، ولابد من احتلال بلاد المسلمين من النيل إلى الفرات لإقامة دولتهم عليها.‏

                              وبناء على هذه المعطيات الواقعية فإن الحكم الشرعي بشأن هؤلاء اليهود المحاربين الغاصبين المحتلين هو وجوب قتالهم وإخراجهم من فلسطين.‏

                              والإسلام يقرر مقاتلة الغازي والمعتدي وإن أدى إلى قتله سواء كان عسكرياً أو مدنياً، يقرر قتل كل مدني أسهم في الحرب برأي أو مال أو جهد......"(112)‏

                              إن قضية فلسطين والقدس الشريف عند المسلمين ليست قضية تراب ووطن فقط وإنما هي أيضاً قضية إيمان وعقيدة. وإن مقاومة المحتل والغاصب والمعتدي الإسرائيلي قضية حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.‏

                              لقد بدأت إسرائيل الحرب المستمرة والدائمة ضد العروبة والإسلام منذ تأسيسها ولا تزال مستمرة بها لأنها لا تزال تحتفظ باحتلال الأرض العربية ومصادرتها وتهويدها واضطهاد الإنسان العربي والحيلولة دون تطوره وتقدمه. فالتعايش بين العرب واليهود على أرض واحدة غير ممكن والحل الصحيح وقف الهجرة اليهودية وإزالة المستوطنات وعودة المستوطنين إلى أماكنهم الأصلية.‏

                              إن السلام الإسرائيلي والأميركي يقفز فوق مبادئ الحق والعدالة، ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية. ويبيح لإسرائيل استعباد شعب بكامله وسرقة ثرواته ومقدساته وزرع أرضه بالمستوطنين والمستوطنات. ويعمل على اغتصاب مدينة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومدينة الإسراء والمعراج وجعلها العاصمة الأبدية لليهود. فالعمليات الاستشهادية هي نتيجة لسياسة القهر والاحتلال والاستيطان والتهويد والهيمنة. فأي سلام بلا سيادة وبلا وطن وبلا قدس وبلا عودة وحق تقرير المصير؟!‏

                              لقد طلب كلنتون من الرئيس الأسد إدانة العمليات الاستشهادية ولكن الأسد رفض إدانتها. وصرح وزير الخارجية الأميركي على أثرها قائلاً: "إن على جميع شعوب المنطقة ليس فقط إدانة التفجيرات بل أيضاً التعاون مع الجهود الرامية إلى عدم تكرار حماس هذه الأعمال".(113)‏

                              وطالب باتخاذ إجراءات صارمة ضد حماس وطلب من عرفات مواجهة حماس قائلاً:‏

                              "دعمُنا لعرفات مشروط بمواجهته لحماس وقال إن الهجمات لا تستهدف إسرائيل ورئيس حكومتها بيريس بل إنها أيضاً موجهة ضد عرفات"(114).‏

                              واستجاب عرفات للمطالب الأميركية والإسرائيلية فأعلن بيريس معلقاً على ذلك قائلاً:‏

                              "انتظر من عرفات أن يلقي القبض على قادة الجناح العسكري في حركة حماس واعتبار المنظمات الإرهابية خارجة عن القانون، وفعل ذلك، وطلبنا منه تجريدهم من السلام وقد بدأ بذلك وزودنا الشرطة الفلسطينية بلائحة من ثلاث عشر مطلوباً".(115)‏

                              ونجح بيريس في تجنيد عرفات وشرطته ومخابراته واتباعه في حربه ضد المناضلين الفلسطينين لقمع العمليات الاستشهادية.‏

                              ويمكن القول إن الأطراف التي تضررت من العمليات الاستشهادية في القدس وعسقلان وتل أبيب هي:‏

                              * حزب العمل الإسرائيلي وزعيمه مجرم الحرب شمعون بيرس.‏

                              * انهيار نظرية الأمن الإسرائيلي والردع العسكري.‏

                              * سلطة الحكم الذاتي العميلة وزعيمها ياسر عرفات.‏

                              * الإدارة الأميركية وزعيمها المتصهين بيل كلنتون باعتباره راعياً ومدافعاً وداعماً للاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.‏

                              فالولايات المتحدة، القطب الوحيد المهيمن على العالم والمنحازة لإسرائيل والتي تكيل بمكيالين هي التي دعت إلى عقد القمة لإزالة الخوف الذي دب في نفوس الإسرائيليين وتهدئة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والمحافظة على المصالح الأميركية وتنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة.‏

                              وأرادت إسرائيل أن تثبت أن لها اليد الطولى في المنطقة وفي العالم، وأنها قادرة على إخضاع الفلسطينيين وتخويف العرب بمساعدة الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الأطراف الفلسطينية والعربية.‏

                              فالعمليات الاستشهادية فجرت الخوف والقلق والانفعال في نفوس الإسرائيليين وجعلتهم يخشون على مستقبلهم ومستقبل الكيان الصهيوني ككيان غريب ودخيل جاء يغتصب الأرض العربية ويتوسع ويقيم المستعمرات اليهودية ويرحَّل السكان العرب، لذلك فأن المستعمر اليهودي لا يمكن أن يرتاح إلاَّ بالأمن المطلق. فهبت الولايات المتحدة لمساعدته على تحقيق هذا الأمن.‏

                              لقد وضع بيرس شروطاً على عرفات وطالبه بتنفيذها وهي:‏

                              - اعتبار حركتي حماس والجهاد الإسلامي خارجتين على القانون.‏

                              - تجريد الإرهابيين من السلاح.‏

                              - اعتقال زعماء المنظمات الإرهابية.‏

                              واستجاب عرفات للمطالب الإسرائيلية فوصف العمليات الاستشهادية بالإجرامية وأخذ يطلق التهديد تلو الآخر للمنظمات الفلسطينية واعتبرها جميعها بما فيها مجموعات النسر الأحمر والنجم الأحمر والفهود السود منظمات غير شرعية. وأصدر التعليمات لأجهزته الأمنية والشرطية بمطاردة المجاهدين والمناضلين. ودعا الجماهير الفلسطينية في غزة إلى التظاهر للتنديد بالإرهاب الفلسطيني.‏

                              هل فكر عرفات ولو ثانية واحدة لماذا يقوم الفلسطينيون بتفجير أنفسهم؟ ومن هو الذي أدخل العنف والإرهاب والمجازر الجماعية في المنطقة؟ فهل هو العربي الذي يدافع عن أرضه ووطنه وحياته؟ أم المستعمر اليهودي الذي جاء من نيويورك أو موسكو لينتزع الأرض من أصحابها ويقيم المستعمرات اليهودية عليها؟‏

                              فماذا ينتظر الرئيس الأميركي كلنتون ونتنياهو وعرفات من العرب وهم يرون الاحتلال الإسرائيلي ينهب الأرض والمياه والثروات ويعلن أن القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين عاصمة أبدية لكيانه المغتصب؟‏

                              فالاحتلال الإسرائيلي وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاعتداءات اليومية والمجازر الجماعية هي التي تدفع العرب إلى استخدام العنف.‏

                              ولذلك فإن العمليات الاستشهادية هي نتاج بطولي لتراكم الظلم والقهر واغتصاب الأرض والحقوق خلال نصف قرن من عمر الكيان الصهيوني، الدخيل على المنطقة والغريب عنها والذي عرقل ويعرقل تطورها وتقدمها وازدهارها واستقرارها.‏

                              وبالرغم من هذه الحقائق دعا رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود في خطابه الذي افتتح به المجلس التشريعي الفلسطيني إلى قمة دولية لمكافحة الإرهاب.‏

                              وكانت حركة حماس قد هددت في أعقاب اغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية للشهيد البطل يحيى عياش تنفيذاً للقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء شمعون بيرس شخصياً وتباهت إسرائيل بنجاح جريمة الاغتيال التي نفذتها، هددت بالرد والثأر لاغتيال قائد فصائل عز الدين القسام. وأعلنت أن السلطات الإسرائيلية قد اتخذت كافة الاحتياطات لمواجهة الرد وإحباطه وأرسلت الولايات المتحدة الخبراء الأميركيين والمعدات والأجهزة الحديثة لتعزيز قدرة إسرائيل في مجال الكشف عن المتفجرات. وبعثت الإدارة الأميركية رسائل إلى الدول العربية تطلب منها أن تدين بوضوح عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.‏

                              ومن المؤلم حقاً أن بعض العواصم العربية استجابت لرغبة أميركا وإسرائيل واتهمت رجال المقاومة بالإرهابيين ووصفت العمليات الفدائية بالجرائم وبأنها هجوم جبان.‏



                              التطلعات المصرية والإسرائيلية من القمة.‏

                              يتلخص الهدف الأساسي من انعقاد قمة شرم الشيخ هو"إقامة تحالف دولي ضد حركات المقاومة الوطنية والإسلامية تحت ستار مكافحة الإرهاب. وأرادت إسرائيل أن تكون القمة كإطار إقليمي ودولي للتصدي للمقاومة الفلسطينية بعد أن فشلت في القضاء عليها والتصدي للأطراف التي تدعمها ورفع معنويات الشعب الإسرائيلي بعد أن سيطر عليه الخوف والرعب بعد العمليات الاستشهادية في القدس وتل أبيب وعسقلان.‏

                              لقد وجدت إسرائيل المدججة بأحدث أنواع الأسلحة في العالم بما في ذلك السلاح النووي نفسها عاجزة عن مواجهة العمليات الاستشهادية، فأسرعت تطلب المساعدة والدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبعض الدول العربية وسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود.‏

                              وأسرعت الولايات المتحدة وحملت زعماء العالم على الهرولة إلى إسرائيل مرة عندما قام الإرهابي اليهودي عامير باغتيال الجنرال رابين والمرة الثانية لعقد قمة شرم الشيخ لتسخير إمكانات بعض أجهزة الأمن العربية والفلسطينية والدولية لمساعدة إسرائيل في قمع عمليات المقاومة البطولية ولاتخاذ قرارات صارمة ضدها وحمل الدول العربية على اتخاذ خطوات حاسمة ترمي إلى شل نشاطها.‏

                              وانطلق الموقف الأميركي من تبني وجهة النظر الإسرائيلية بوجوب تركيز القمة على"الإرهاب" الذي تتعرض له إسرائيل ويستهدف عملية السلام وإن عمليات حماس تسببت في توجيه ضربة لمسيرة التسوية، وإن القمة تهدف إلى نبذ الإرهاب للاستمرار في التسوية، وذلك لتبرير عدم تنفيذ اسرائيل للاتفاقيات التي وقعتها سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود وتعليق المفاوضات مع سورية بأمر من شمعون بيرس. وأبدى الرئيس كلنتون اهتماماً بالغاً لانتشال الحكومة الإسرائيلية من أزمتها ودعم فرص حزب العمل للنجاح في الانتخابات. واعتبرت الإدارة الأميركية أن العقوبات الجماعية التي فرضتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحملات الاعتقال والتعذيب والتجويع وتخريب الإنتاج الزراعي مشروعةَ دفاعاً عن الأمن الإسرائيلي، مما يخدم التصلب الإسرائيلي والتهديدات والضغوطات الإسرائيلية المتزايدة على سلطة الحكم الذاتي ويبرر الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقات المعقودة في أوسلو والقاهرة.‏

                              لقد لجأت الإدارة الأميركية إلى عقد قمة شرم الشيخ والمؤتمرات الدولية الأخرى للمحافظة على اتفاقات الإذعان العربية- الإسرائيلية التي أجبرت الولايات المتحدة الأطراف العربية على توقيعها في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبواسطتها وبالشروط والإملاءات الإسرائيلية؛ أجبرت الإدارة الأميركية الدول العربية والعديد من دول العالم على الاشتراك في المؤتمرات الدولية للحيلولة دون تراجع بعض العرب عن اتفاقات الإذعان ولحمايتها وضمان استمراريتها وفرض التطبيع على العرب جميعاً للوصول إلى الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة العربية.‏

                              ورأت الولايات المتحدة أن تسمي المؤتمر مؤتمراً لمكافحة الإرهاب، بينما رأت مصر أن يكون اسم المؤتمر"مؤتمر صانعي السلام".‏

                              وانطلق الموقف المصري عشية انعقاد القمة والتحضير إلى انعقادها من وجوب عقدها لدفع عملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود وواجهت مشاكل معقدة بعد العمليات الاستشهادية حيث اعتبر عمرو موسى، وزير الخارجية المصري أن إعاقة مسار السلام بواسطة العنف من الجانبين مسألة غير مقبولة ووجه اللوم إلى إسرائيل لأنها فرضت الحصار على الضفة والقطاع واتخذت إجراءات لا تتفق مع التزامات إسرائيل الواردة في الاتفاقات.‏

                              إن الجانب العربي الذي يعرف حق المعرفة أن سبب العنف في المنطقة هو الاستيطان اليهودي واغتصاب فلسطين العربية لا يمكن أن ينظر إليه على اعتباره مجرد وسيلة تهدد أمن إسرائيل وأمن الإسرائيليين، فالعنف في المنطقة له أسبابه وتاريخه ونتج عن الاغتصاب والاحتلال والتهويد وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاستيطان كسياسة رسمية. ونجحت مصر في تحويل القمة من قمة لمكافحة الإرهاب وخدمة الأمن الإسرائيلي فقط إلى قمة لدعم السلام ومكافحة الإرهاب وذلك بالتسمية والعنوان فقط، مما أنقذ مصر من ورطة سياسية تسيء لدورها العربي وموقفها من الحق العربي في فلسطين.‏

                              بدأ التوريط المصري بالقمة خلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل الدكتور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية.‏

                              يقول دبلوماسي مصري عن زيارة الباز مايلي: "بدا واضحاً من المحادثات التي أجراها الباز مع المسؤولين الإسرائيليين أن المصاعب المحيطة بعملية السلام، خصوصاً على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بعد عمليات التفجير في القدس وعسقلان وتل أبيب، بلغت درجة الخطورة وباتت تهدد العملية من أساسها.(116)‏

                              ولعب الباز دوراً هاماً بعد عودته من تل أبيب بإقناع الرئيس مبارك بعقد قمة شرم الشيخ، حيث حذره في التقرير الذي رفعه إليه من "أن المناخ السائد في إسرائيل بفعل التفجيرات أصبح هاجساً أمنياً، وأن المسار الفلسطيني- الإسرائيلي بات مهدداً بالانهيار مالم يتم إنقاذه بسرعة"(117).‏

                              لقد نجح بيرس بإقناع الباز ونجح الباز بإقناع الرئيس مبارك بفكرة بيرس وهي عقد قمة شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب. وجاءت الفكرة المصرية بعقد القمة لإنقاذ عملية السلام ومكافحة الإرهاب.‏

                              ساد اتجاهان في التحضير للقمة:‏

                              الأول: يقول إن الغرض الرئيسي من القمة ينبغي أن يكون دفع عملية السلام بعد العمليات الاستشهادية وكسر الجمود المسيطر على المسار السوري- اللبناني بعد أن أوقف بيرس المفاوضات. ودعمت مصر هذا الاتجاه.‏

                              والاتجاه الثاني: يطالب بإجراءات محددة وآليات عملية لمواجهة الإرهاب ودعم شمعون بيرس في الانتخابات‏

                              وأكدت مصر أن نجاح بيرس شأن إسرائيلي داخلي وأن ما يعنيها هو إزالة كل ما من شأنه عرقلة السلام، وهذا يتطلب بحث موضوع الإرهاب والأسباب التي أدت إليه. وتبلور الموقف المصري على الشكل التالي:‏

                              "إن مصر ترفض العنف والعنف المضاد، ولا تقبل بترويع المدنيين، كما ترفض سياسة إغلاق إسرائيل للضفة والقطاع. وتعتبر الإرهاب مرفوضاً، والحرب عليه واجباً. وهذا ما يستدعي اتخاذ تدابير أمنية وسياسية عدة، منها إعادة النظر في حق اللجوء السياسي الذي تمنحه الدول الغربية للإرهابيين وأنصارهم، والبحث عن مصادر تمويل هذه الجماعات ومراقبة أنشطتها ورصد اتصالاتها وتحركات عناصرها.‏

                              لكن القضية الجوهرية في نظر مصر هي ضرورة إزالة المناخ الذي يشجع الإرهاب. وهذا يتم من خلال تسريع عملية السلام وتدعيمها، والتوصل إلى اتفاقات على المسارين السوري واللبناني، وإنجاح مفاوضات المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني.‏

                              وعبر حاييم فورين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عن أن لاخلاف على أهمية دعم عملية السلام، لكننا نعتبر أن ذلك لا يمكن أن ينفصل عن محاربة الإرهاب، لأن الهدفين مرتبطان عضوياً. فالإرهاب الحالي يهدف إلى تقويض السلام وتدمير إمكانات تحقيقه. ولذلك لا يمكن دعم السلام من دون مكافحة الإرهاب، والعكس أيضاً صحيح" (118).‏

                              وطالبت إسرائيل بضرورة عدم الاكتفاء بإعلان المواقف والتصريحات، بل وجوب الوصول إلى ممارسات عملية يتفق عليها المشاركون في القمة من أجل مكافحة الإرهاب والحيلولة دون تحقيق أهدافه.‏

                              ولخص حاييم فورين موقف حكومة العدو في القمة والنتائج التي ترغب في الوصول إليها قائلاً:‏

                              "طبعاً سيكون مهماً أن تطلع القمة بإعلان مشترك يوافق عليه الجميع ضد الإرهاب، وهذا ما نرغب فيه ونريده. لكن الأهم سيكون الاتفاق على الخطوات العملية التي يقرر جميع المشاركين في القمة تنفيذها ضد الإرهاب في إطار استراتيجية موحدة تقوم على التعاون والتنسيق. فمثل هذا الاتفاق سيكون المؤشر الحقيقي على نجاح القمة في تحقيق أهدافها"(119).‏

                              وأعرب زئيف شيف، الخبير الإسرائيلي الكبير في الشؤون الاستراتيجية عن أهمية قمة شرم الشيخ في تحقيق التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية المشتركة في القمة وقال:‏

                              "لابد من الاعتراف بأن مجرد جلوس الدول العربية على منبر واحد مع إسرائيل تحت شعار مكافحة الإرهاب هو في حد ذاته نقلة تحول أساسية ينبغي التركيز عليها، وهو أيضاً يشكل في نظرنا الإنجاز الأهم لاجتماع شرم الشيخ على المستوى السياسي والاستراتيجي العام. فهذا يعني أن العرب باتوا أخيراً على استعداد للإقرار بأن هناك مصالح أمنية مشتركة تجمعهم مع إسرائيل لكنني أعود وأكرر هنا أن الناحية الإيجابية المنبثقة عن هذا الاجتماع هي تكريسه حقيقة أنه بات هناك الآن عرب وإسرائيليون في خندق واحد مؤيد للعملية السلمية ضد عرب وإسرائيليين معارضين لهذه العملية"(120).‏

                              وكانت إسرائيل ترغب من القمة تعزيز الشراكة الأمنية بين الإسرائيليين والفلسطينين وبين الإسرائيليين وبعض الأطراف العربية. ونجحت إسرائيل في تجسيد هذه الشراكة الأمنية على أرض الواقع في الضفة والقطاع وداخل إسرائيل. ولكنها تعمل من خلال القمة لمد هذه الشراكة خارج إطار المناطق المحتلة وإسرائيل، حيث عبر ضابط إسرائيلي كبير في شؤون مكافحة الإرهاب عما تريده إسرائيل من القمة وقال:‏

                              "نعم نعرف جميعاً أن القمة هدفت إلى دعم الحملة الانتخابية لشمعون بيرس ومساعدة ياسر عرفات على تعزيز مواقعه في المناطق الفلسطينية. نحن ندرك تماماً مشكلة عرفات والسلطة الفلسطينية فحماس والجهاد جزء من المجتمع الفلسطيني، ولا يمكن للسلطة أن تتحمل الظهور بمظهر الأداة في يد إسرائيل، فهذا سيفقدها صدقيتها. لكن يتعين في المقابل المحافظة على صدقية السلام في نظر الإسرائيليين أيضاً.‏

                              وفي اعتقادي أن عملية المعالجة في الداخل بدأت فعلاً من خلال تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين أنشطة الأجهزة الإسرائيلية والفلسطينية. لكن المشكلة الحقيقية تظل في الخارج، وهي تحديداً في الدول التي تأوي الإرهاب وتوفر له الدعم المادي والغطاء السياسي. ولن يكون حل هذه المشكلة ممكناً من دون محاسبة هذه الدول على ما تفعله...... من هذه الزاوية تكون قمة شرم الشيخ حققت أهدافها السياسية. أما مكافحة الإرهاب والإجراءات الأمنية اللازمة في شأنه، فهذه لا تحتاج إلى مؤتمرات قمة لبحثها، بل يتم الاتفاق عليها داخل غرف مغلقة."(121)‏

                              وتركز إسرائيل على تعميق مفهوم الشراكة الأمنية مع بعض الأطراف العربية وعلى مكافحة الإرهاب والمضي في المفاوضات والعملية السلمية بالشروط الإسرائيلية. وتربط بين مكافحة الإرهاب وعملية السلام ودعم سلطة عرفات وإقناع الدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها المالية حيال السلطة الفلسطينية حيث يعاني الفلسطينيون ضائقة اقتصادية خانقة تدفع ببعضهم إلى التطرف والعنف. وتعتقد إسرائيل بأهمية الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ضد حماس والجهاد لأنها تكرس مفهوم الشراكة الأمنية في مفهوم الرأي العام الإسرائيلي.‏

                              ومن الغريب حقاً أن يكون ما يسمى بالإرهاب"الإسلامي" وحده على جدول أعمال القمة ولم يتم التطرق إلى الإرهاب اليهودي الذي أدى إلى العديد من الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وبالتالي تم التركيز عشية التحضير للقمة على"الإرهاب" الإسلامي لا الإرهاب اليهودي.‏

                              وأدلى شمعون بيرس رئيس وزارء العدو الإسرائيلي عشية عقد القمة بعدة تصريحات تشير بوضوح إلى رغبة إسرائيل في قيام إطار استراتيجي إقليمي جديد يجمع مابين إسرائيل والدول العربية وتركيا برعاية الولايات المتحدة الأميركية ومباركة أوروبا على أساس مجموعة من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، وتحت شعار مكافحة الإرهاب ودعم السلام.‏

                              وخلاصة القول: إن قمة شرم الشيخ فكرة إسرائيلية، أطلقها شمعون بيرس، رئيس وزراء العدو الإسرائيلي وتبناها بيل كلنتون، وأقنع بيرس أسامة الباز بالفكرة، وأوصى الباز الرئيس مبارك بالأخذ بها. ونجحت الولايات المتحدة في حمل الدول العربية وزعماء العالم على المجيء إلى شرم الشيخ والمشاركة في القمة دفاعاً عن ممارسة إسرائيل للاستيطان والاحتلال والتهويد والعنصرية والإرهاب كسياسة رسمية، ودعم بيرس وعرفات وتكريس معاهدة أوسلو ووادي عربة وتعزيز موقع مصر كمرجع إقليمي ثابت في المنطقة.‏

                              ويعبِّر عقد القمة عن ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة التي لم تدع إلى عقد قمة مماثلة بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف عام 1994 وإنما تعمل على فرض حلول على العرب لمصلحة إسرائيل وضد المصالح العربية وفرض مجالات جديدة في تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية، وبالتالي يمكن القول إن العرب الذين شاركوا في القمة قد تورطوا لأول مرة في التوقيع تحت الرعاية الدولية على مساواة مقاومة الاحتلال بالإرهاب وإدانة كل شكل من أشكال العمل العسكري ضد الاحتلال الأجنبي والرد على جرائمه وتحرير الأرض والحقوق والمقدسات من اغتصابه. وأقر المشاركون العرب في القمة بالدور العربي والفلسطيني في مواجهة هذه المقاومة وتسهيل مهمة إسرائيل في مكافحتها والتصدي لها. وجندت جهود وإمكانات عربية لمساعدة مجرم الحرب بيرس في سحق حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكل شكل من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت بتضافر الجهود واتخاذ مواقف أكثر جدية على صعيد كل دولة إزاء ما تحصل عليه الحركات الإرهابية على أرضها من مساعدات وتمويل وحرية واتصال، وبالتالي فتحت أخطر مجالات التطبيع مع العدو وهو التطبيع الأمني.‏

                              رفضت الدول العربية المشاركة في القمة المطلب الإسرائيلي بإدانة الدول العربية التي لم تحضر القمة أو لم تشجب العمليات الاستشهادية. ورفضت فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المساعي والمحاولات الأميركية لاستغلال المؤتمر وفرض إجراءات مقاطعة مشددة على إيران.‏

                              أرادت إسرائيل والولايات المتحدة من القمة أن تكون قمة عالمية لمكافحة الإرهاب وحصره بالإرهاب الإسلامي، إرهاب حماس والجهاد وحزب الله، وإدانة الدول المؤيدة للمقاومة وهي سورية وإيران. وأرادت مصر ومعها الدول العربية وبعض الدول الأخرى أن يسمّى المؤتمر مؤتمر صانعي السلام ومكافحة الإرهاب. وأظهر التطبيق العملي لقرارات القمة أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا تهتم أبداً إلاّ بما يخدم الكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي وأما القرارات الأخرى فلا أهمية لها على الإطلاق وجرى تجاهلها مما وضع الموقف العربي والأوروبي وخاصة الروسي في موضع حرج. وجاءت نتيجة الانتخابات الإسرائيلية صفعة قوية للتوازن في قرارات القمة التي سعت مصر وفرنسا إلى اتخاذها، وبقي فقط ما يهم إسرائيل وسياساتها.‏



                              افتتاح القمة‏

                              دعا الرئيس الأميركي إلى عقد القمة لإنقاذ بيرس وعرفات واتفاق الإذعان في أوسلو ومعنويات الإسرائيليين من الانهيار.‏

                              وكانت السفيرة مادلين أولبرايت (مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة) قد قالت عشية انعقاد المؤتمر"إن هذا المؤتمر هو الأهم في تاريخ القرن العشرين" (122) وبالتالي فإنه برأيها كيهودية إن قمة شرم الشيخ أهم من مؤتمر فرساي وبوتسدام وسان فرانسيسكو(المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة.).‏

                              وانعقدت القمة في 13/3/1996 بحضور كبار قادة العالم من كلنتون وشيراك إلى ميجر وكول ويلتسين، وحضور عربي من أربع عشرة دولة بين ملك ورئيس دولة ووزير خارجية. وحدد بيرس عنوان القمة"التعبير عن الدعم الدولي لإسرائيل، ورفع التعاون الأمني بين أميركا وبين إسرائيل وبعض أجهزة الأمن العربية" (123).‏

                              وتعتبر أسرع قمة دولية جرى الاتفاق عليها خلال ساعات، وهرع ملوك ورؤساء العالم للاشتراك فيها، مما أظهر خضوع البلدان المشاركة فيها إلى الضغط والابتزاز اليهودي والأميركي، ودشنت بداية مرحلة جديدة ظالمة بحق شعوب العالم التي تتطلع إلى التحرر والاستقلال والسيادة من الاحتلال الأجنبي، مرحلة لا تخدم مبادئ الحق والعدل والقانون الدولي والشرعية الدولية، وإنما تخدم ممارسة إسرائيل للحروب العدوانية والإرهاب والعنصرية.‏

                              افتتح الرئيس مبارك القمة برسالة واضحة ضد الإرهاب والقوى الداعمة له مع الدعم والتأييد لإسرائيل وسطلة الحكم الذاتي والإصرار على فرض السلام.‏

                              وتحدث الرئيس كلنتون في المؤتمر قائلاً: "أقول لقوى العنف والكراهية إنكم تقتلون أنفسكم والآخرين بهدف قتل السلام، فالسلام باق لن تنجحوا ، لقد حانت ساعة نهايتكم.". وجاء في كلمته: "وربما لا بد لنا من إلاّ ندع قوى الإرهاب والشر أن تنال من عملية السلام ومن ثم لابد أن تتضافر جهودنا وأن نعزز مواقفنا من أجل أن نحبط هذه الأهداف الشريرة".(124).‏

                              وأعلن كلنتون في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس مبارك عن إنشاء مجموعة متابعة مفتوحة أمام جميع المشاركين في القمة".(125).‏

                              واعتبرت أميركا وإسرائيل قمة شرم الشيخ قمة من أجل مكافحة الإرهاب، وعملتا على تجييرها لمصلحة إسرائيل بشكل كامل وتحقيق مكاسب أمنية وسياسية لها وتوفير جميع الوسائل والأجهزة والأموال لدعمها في الاستمرار في سياسة القبضة الحديدية.‏

                              وألقى غياب سورية ولبنان عن القمة بظلاله، لأنه شكك بأهدافها والنتائج التي تتوصل إليها، ولا سيما وإن سورية تنادي بالتفريق بين الإرهاب والمقاومة. وشككت بموقف بعض الدول من عملية السلام وطالبت بالعودة إلى عقد مؤتمر مدريد. وجاء عدم حضور سورية منسجماً مع موقف القائد العربي الكبير حافظ الأسد القائم على التفريق بين الإرهاب والمقاومة، وأن السلام هو الذي يحقق الأمن وينهي التوتر في المنطقة، وأن إزالة التوتر مرتبطة بإزالة أسبابه وهي الاحتلال، ولذلك لا يمكن لسورية أن تعطي دعماً لإسرائيل بحضور القمة، لأن سورية تعتبر أن إسرائيل المسبب الأول لأعمال العنف الناتجة عن احتلال الأراضي العربية ولأن سوريا تدافع عن الحق العربي ولا يمكن لها أن تدعم سياسة الاحتلال وحضورها يعني تأييد إسرائيل. وأكد وزير الخارجية السوري أن قمة شرم الشيخ ستخدم مواقف إسرائيل ومصالحها على حساب مصالح العرب. واتفق الرئيسان السوري واللبناني على اعتبار قمة شرم الشيخ متسرعة وغير مدروسة، كما أن الدعوة لها والمواضيع المعروضة عليها لم يتم التحضير لها جيداً. ووجه الرئيس الهرواي رسالة إلى الرئيس الأميركي جاء فيها أن معالجة الأزمة السياسية تتطلب إنهاء العنف وأسبابه وما يجلبه من ردود فعل..‏

                              ووجهت حماس مذكرة إلى القمة تبرر فيها العمليات الاستشهادية وتعلن عن استعدادها لقبول وساطة المؤتمرين وطرحت الهدنة مع إسرائيل وأكدت أن العمليات هي دفاع عن النفس في مواجهة احتلال وقمع وإرهاب إسرائيل. واعتبرت الجهاد الإسلامي أن المؤتمر مؤشر لحرب صليبية جديدة، تقودها إسرائيل واميركا للتغطية على الإرهاب الذي تمارسه الدولة اليهودية وانقاذ بيرس وعرفات وأن المؤتمر حملة عالمية ضد النضال الفلسطيني بمشاركة عربية وايد عربية.‏

                              شدد الرئيس مبارك على أهمية السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار ويقضي على مظاهر العنف. وشدد على تحقيق التقدم على جميع المسارات، بينما قال الرئيس كلنتون إنه أصبح من الضروري وقف دوامة العنف سواء من جانب إسرائيل أو الفلسطينيين. وتحدث عن أهمية تحقيق السلام والقضاء على العنف والإرهاب.‏

                              وتحدث بيرس أمام القمة قائلاً: "إن القرار الفعّال لابد وأن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجية وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب وذلك من قبل التعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه."إن هذا الإرهاب له اسم ولديه حساب في البنك وله بنية أساسية وله شبكة وكذلك مثلما هي الحال بالنسبة للمؤسسات الخيرية"(127)..‏

                              ودعا الملك حسين إلى إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب ووضع المبادئ والوسائل الكفيلة بوأده في مهده من حيث التمويل والتدريب والممارسة. وقال في القمة إنه لابد من مواجهة ظاهرة الإرهاب مواجهة دولية لا جهوية ولا إقليمية، وإنه يجب علينا أن نتخذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب أو تستضيف مؤسساته ومنظماته".(128).‏

                              انعقدت قمة شرم الشيخ بسبب العمليات الاستشهادية التي أطاحت بنظرية الأمن الإسرائيلي وفشلت إسرائيل في التصدي لها، لذلك احتلت المقاومة والتصدي لها مكان الصدارة في القمة. وأراد الرئيس كلنتون وأصدقاء أميركا وإسرائيل من الدول العربية انقاذ بيرس من السقوط في الانتخابات تحت شعار"إنقاذ بيرس ينقذ السلام"، ولكن الحقائق أثبتت وتثبت أنه يمارس القمع والإرهاب والتطرف أكثر من الليكود الذي توصل إلى معاهدة السلام مع مصر.‏

                              وجاء الاشتراك العربي في القمة تلبية لرغبة الرئيس الأميركي لإنجاح بيرس وإنقاذ عرفات ودعم مركزه وتقديم الأموال والمعدات لأجهزته القمعية، وبالتالي نجحت القمةفي توريط بعض البلدان العربية في عملية دعم إسرائيل ومعاداة العرب والإسلام، و يمكن أن تؤدي إلى انتكاسه في عملية التسوية بسبب تصلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيرس وتشدده. وغفرت القمة لإسرائيل ما ارتكبته من ممارسة الإرهاب والإبادة وتكسير العظام والعقوبات الجماعية طوال نصف قرن.‏

                              إن القمة حدث لا مثيل له على ساحة الشرق الأوسط والساحة العالمية، حيث نجح الرئيس الأميركي في تجنيد العالم لمساعدة إرهاب إسرائيل ودعمها، فإسرائيل تأسست من رحم الإرهاب وشبّتْ عليه وتمارسه كسياسة رسمية وتصدره للخارج للمحافظة على اغتصاب الأرض والحقوق العربية وفرض الهيمنة على العرب، ولذلك فإنه لا يمكن لإسرائيل أن تفكر بغير عقلية الإرهابي والإرهاب.‏

                              واعتبرها بيرس بمثابة إعلان تضامن دولي مع إسرائيل ومحاربتها الإرهاب، فالرابح الوحيد من عقدها هو الإرهاب الإسرائيلي والتطرف والاستيطان اليهودي.‏

                              لقد تأثر المواطن العربي أشد التأثر عندما سمع ممثل قطر يتحدث في المؤتمر وكأن بيرس يتحدث ثم وجه الدعوة لبيرس لزيارة قطر. وسار ممثل عُمان على خطى ممثل قطر وقال إن الأحداث الإرهابية التي راح ضحيتها الأبرياء في إسرائيل أمر مستنكر، وطالب بإتخاذ إجراءات حازمة ضد الإرهاب، وبالتالي تكون قطر وعُمان قد أدانتا المقاومة أولاً وطالبتا بدعم مسيرة السلام ثانياً وتوجيه دعوة لمجرم الحرب شمعون بيرس لزيارتهما ثالثاً.‏

                              وشجع موقف قطر وعمان ورئيس سلطة الحكم الذاتي إسرائيل على المطالبة بـ"حق إسرائيل في الإطلاع على أسماء العائلات الفلسطينية التي تتسلم مساعدات مالية مقدمة من لجان عربية تعمل على دعم الشعب الفلسطيني.".(129)‏

                              وطالبت السعودية بإعطاء عملية السلام دفعة حقيقية واتخاذ إجراءات جادة ضد العنف واجتثاث جذوره، وأدانت العمليات في القدس وتل أبيب كما أدانت ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف. وهاجمت العقوبات الجماعية التي فرضها العدو الإسرائيلي على الضفة والقطاع.‏

                              وطالبت الكويت بمواصلة العمل الدولي لإزالة العقبات التي تعترض مسيرة السلام وبتعاون دولي جاد لوضع حد لظاهرة الإرهاب والأسباب التي تؤدي إليها.‏

                              وأدانت اليمن الإرهاب مهما كان مرتكبوه سواء أفراداً أو سلطة. وطالبت بوجوب عدم إدانة شعب أو أمة أو دين دون آخر، وإقامة سلام عادل وشامل دون استضعاف أو استكبار.‏

                              ورحبت تونس بكل خطوة لإقرار سلام عادل ودائم وشامل والتصدي لكل أشكال الإرهاب ومساعدة السلطة الفلسطينية.‏

                              وعملت إسرائيل خلال القمة على الخروج بصيغة لإيجاد تعاون أمني عربي- إسرائيلي لمكافحة الإرهاب ومصادر دعمه وتمويله وتبادل المعلومات مع الدول العربية حوله. شجعها في ذلك موقف عرفات والأردن، حيث كان عرفات الوحيد داخل المؤتمر الذي هاجم حماس بالاسم وبعنف وتعهد بتصفيتها.‏

                              وكان الجنرال باراك، وزير خارجية إسرائيل قد زار الأردن قبل عقد قمة شرم الشيخ بيوم واحد لتنسيق المواقف بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية وكان الأمير الحسن قد قال إن المعاهدة تلزم الأردن بالتنسيق والعمل مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب.‏

                              وأكد باراك في عمان أن إسرائيل تسعى إلى بناء تعاون إقليمي ودولي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتبادل التكنولوجيا وسبل ضبط انسياب الدعم المالي الموجه إلى الأنشطة الإرهابية(130)..‏

                              ووصف باراك سورية في عمان بأنها احدى ثلاث قلاع للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيران وليبيا(131).‏

                              وخلاصة القول أرادت إسرائيل الاتفاق مع البلدان العربية المشتركة في القمة على استراتيجية مشتركة لسحق المقاومة العربية بعد أن نجحت بإلزام عرفات وشرطته وأجهزته الأمنية ومؤسساته السياسية بتنفيذ كافة مطالبها الأمنية. ونجحت مع الأردن في المحافظة على حدودها قبل وبعد معاهدة وادي عربة .‏

                              لقد اتهم بيرس إيران بالوقوف أمام الإرهاب وأنها هي الدولة الوحيدة التي تتصدره وأصبحت طهران عاصمة الإرهاب. وليس للإرهاب حدود، ولذلك فلا يجوز أن تمنع الحدود العمل من أجل القضاء على أفعى الإرهاب.‏

                              وكان شيراك قد تحدث في المؤتمر حول ما طرحه بيرس وعرفات عن دور إيران وقال:‏

                              "عرفات وبيرس تحدثا عن تورط عناصر خارجية، وإذا ثبت لنا ذلك عليناأن نستخلص النتائج والأسرة الدولية ترفض التصريحات غير المسؤولة وعلى جميع الدول إدانة الإرهاب: وردت إيران على اتهامات عرفات وبيرس قائلة بأن المؤتمرين يعملون على ضرب الحركة الإسلامية في فلسطين. ووصفت القمة بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل لممارسة القمع ضد الحركة الإسلامية في فلسطين ولبنان. وانتقدت الحكومات العربية التي لبّتْ حضور المؤتمر، لأن الدول العربية أصبحت تابعة للحدث الإسرائيلي، إنه مؤتمر حماة إرهاب الدولة الإسرائيلي والتضامن مع المحتلين الإسرائيليين. وأعلن كلنتون في شرم الشيخ نقاطه الثلاث لدعم إسرائيل وهي: أولاً: ستبدأ الولايات المتحدة فوراً في مدّ إسرائيل بمعدات وتدريب إضافي. ثانياً: ستتعاون الدولتان لتطوير وسائل وتكنولوجيا جديدة لمكافحة الإرهاب. ثالثاً: سنعمل من أجل تعزيز الاتصالات والتعاون بين البلدين ومع حكومات أخرى شاركتنا الحرب ضد الإرهاب. وأشار إلى أن إسرائيل دولة ديمقراطية وأن العلاقات معها وثيقة جداً ومتينة.(132).‏



                              المواقف داخل القمة:‏

                              سعت الولايات المتحدة وإسرائيل في القمة إلى تسخير المجموعة الدولية بما فيها الدول العربية إلى الالتزام بالمحافظة على اتفاقات الإذعان التي أمليت بقوة إسرائيل العسكرية ودور الولايات المتحدة الأميركية في أوسلو ووادي عربة مخالفة بذلك الحقوق التاريخية الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين بتخليد الاستيطان وشرعنة الاحتلال على حساب قرارات الشرعية الدولية.‏

                              وتتجلى بشاعة قمة شرم الشيخ في التشهير بكرامة الأمة وسيادتها وتاريخها ونضالها وشهدائها ووصف مقاومة الاحتلال بالإرهاب والعمل المأجور والخارج عن إرادة الشعب وتقاليد الأمة والقادم من إيران.‏

                              إن تشويه صورة المقاومة الوطنية والإسلامية في مواجهة الإرهاب والاحتلال اليهودي هو إهانة للعروبة والإسلام ودماء شهداء الأمة العربية الذين رووا أرض فلسطين العربية بدمائهم الزكية، كما أن تزوير الحقائق وبث الأكاذيب والأضاليل اليهودية والعرفاتية حول دور القوى الخارجية في عمليات حماس والجهاد الإسلامي تحقير وإهانة للشعب الفلسطيني واللبناني والأمة العربية في مقاومة الاحتلال.‏

                              إن الولايات المتحدة التي نظمت القمة هي التي تدافع عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية وهي التي مكنتها من احتلال هذه الأراضي والاستمرار في المحافظة على احتلالها لإملاء الشروط الإسرائيلية في أوسلو ووادي عربة، وهي التي تموّل الاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة، وهي التي أعطت الضوء الأخضر إلى مجرم الحرب بيرس لشن الحرب على المدنيين في لبنان لتدمير المزيد من الاقتصاد اللبناني وفرض المزيد من الخنوع والاستسلام على العرب، وهي بالتالي الداعم والحامي والمدافع والمموّل والمسّلح للإرهاب اليهودي الذي تمارسه دولة اليهود، وهي الداعم للإرهاب في الشرق الأوسط وفي العالم.‏

                              لقد كانت قمة شرم الشيخ قمة الرئيس الأميركي المتصهين، بيل كلنتون لحماية حليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني وإخراج إسرائيل من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه وتوظيف القمة من أجل إنجاح رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في الانتخابات والتأكيد على أن إسرائيل تعمل من أجل السلام.‏

                              لماذا لم يدع العرب والعالم إلى مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب اليهودي عندما ارتكب الإرهابي اليهودي غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف؟‏

                              لماذا لم يتحدث الرئيس الأميركي عن الإرهاب اليهودي في حين جمع العرب والعالم لإدانة التطرف والعنف الإسلامي؟‏

                              لماذا تسخّر واشنطون وتل أبيب ياسر عرفات لسحق حماس والجهاد الإسلامي؟‏

                              كانت القمة قمة فرض الخطط والمشاريع الإسرائيلية، قمة فرض الحلول المصنوعة لخدمة مصالح الصهيونية والإمبريالية لنهب ثروات وأراضي وإرادة وحقوق الأمة العربية. لذلك يرفض المواطن العربي ما تمخضت عنه القمة التي خدمت التصلب والغطرسة الإسرائيلية وصعدت من الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية على الشعبين اللبناني والفلسطيني. فالمقاومة اللبنانية والفلسطينية مقاومة مشروعة وعادلة في مواجهة المزاعم والخرافات والأساطير وأبطالها ليسوا بمجموعة من الإرهابيين كما وصفتهم قمة شرم الشيخ التي صبت في خدمة الاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.‏

                              إن الإرهاب هو اتهام المقاوم بالإرهاب، وتأييد الإرهاب اليهودي بحجة مكافحة الإرهاب. لقد تجسّد الإرهاب في قمة شرم الشيخ باتهام النضال العادل ضد الاحتلال اليهودي وضد الإذلال والاضطهاد والقمع والوحشية اليهودية دفاعاً عن الوجود وفق مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بالارهاب.‏

                              ظهرت ثلاثة مواقف في قمة شرم الشيخ:‏

                              أولاً: الموقف الإسرائيلي- الأميركي وطالب بتسمية القمة قمة مكافحة الإرهاب وسحق الإرهاب الذي تدعمه إيران وتغض سورية النظر عنه ولا تفعل شيئاً لمنعه، لذلك لابد من تحالف شرق أوسطي وعالمي لسحقه كشرط لاستئناف التسوية.‏

                              ثانياً: الموقف المصري- الفرنسي وتؤيده السعودية وبعض الدول الأوروبية، ويعتبر أن العنف مسؤول عن تعثر عملية السلام وهو أصولي وإسرائيلي ويرى عدم محاصرة السلطة الفلسطينية واحترام المواثيق التي تم توقيعها ومن الضروري متابعة المسيرة السلمية.‏

                              ثالثاً: الموقف السوري- اللبناني ويقوم على أساس أن المقاومة حق مشروع في التصدي للاحتلال وتحرير الأرض والدفاع عن الوطن والذات والثروات والمنجزات. ويقوم على وجوب التفريق بين المقاومة والإرهاب، ومتابعة العملية السلمية التي أوقفتها إسرائيل على أساس مرجعية مدريد وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.‏

                              ونفذت السلطة الفلسطينية مطالب إسرائيل والولايات المتحدة كافة في التصدي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي واعتقال جميع العناصر التي طالبت إسرائيل باعتقالهم وحظر نشاطات الجمعيات الخيرية التابعة لهما وحددت موعداً لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لإلغاء الميثاق.‏



                              وأعلن عرفات داخل المؤتمر الحرب الشاملة على المقاومة الإسلامية وقرر استئصالها استجابة لمطلب إسرائيل بتدمير البنية التحية لها.‏

                              وأكد في كلمته تصميمه على اقتلاع الإرهاب في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية وقال: إن"الإرهاب ينال منا جميعاً، وعلينا نحن أبناء إبراهيم أن نؤمن بأن من يدعو إلى القتل خارج عن إرادة الله وشرائعه السماوية"(133)..‏

                              ومن الجدير بالذكر أنه لم يرتفع صوت يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها والتوقف عن سياستها الاستيطانية وتفكيك المستعمرات اليهودية والتوقف عن مصادرة الأراضي العربية..‏

                              ودار الخلاف في المؤتمر حول استخدم العنف واللجوء إليه وظهر اتجاهان: الأول يعتبر أن الإرهاب سبب المشاكل وتتبناه الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما. والثاني يرى أن العنف هو نتيجة لاغتصاب الأرض واليأس والإحباط والحصار الاقتصادي على الضفة والقطاع والفشل في تحقيق السلام العادل والشامل واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الأمن الإسرائيلي على حساب الأمن العربي.‏

                              ورأت فرنسا داخل المؤتمر أنه من الخطأ أن ينحاز المشاركون فيه إلى إسرائيل، أو أن يظهر المؤتمر وكأنه جاء لحماية إسرائيل، وإن أمن إسرائيل لا ينفصل عن أمن الفلسطينيين.‏

                              وقال الرئيس جاك شيراك في المؤتمر"على المجموعة الدولية أن تدين الإرهاب وتعمل على دفع عملية السلام" كما وجه التحية إلى الشعب الإسرائيلي في محنته وقال إن: "الأولوية القصوى يجب أن تعطى لحماية أمن وسلامة شعبي اسرائيل وفلسطين" (134)‏

                              وأكد الرئيس الفرنسي أن عملية السلام لا رجعة فيها والسلام يمر من البوابة الاقتصادية، لذلك على المجتمع الدولي أن يزيد حجم معونته الاقتصادية للفلسطينيين.‏

                              وقال المستشار الألماني هيلموت كول إن التفجيرات لم توجه ضد إسرائيل وإنما ضد عملية السلام، وتمثل خطراً كبيراً على العملية. وتابع حديثه قائلاً:‏

                              "أقول لأصدقائي في إسرائيل إنني أشعر بأسى وحزن وأشاركهم الأحزان وأعلن في هذا المؤتمر أن عملية السلام هي عملية لابد أن تصل إلى نهايتها ولا خيار أمامنا إلاّ الوصول إلى السلام.‏

                              ودعا كول إسرائيل ومنظمة التحرير إلى محاربة الإرهاب باتخاذ قرارات حاسمة، وليس بالإدانة وحدها.‏

                              وقال: "عقدنا العزم على محاربة من يريدون تعطيل السلام ومساندة من يناضلون ضد أعداء السلام، وتقديم الدعم الكامل لهم."(135).‏

                              وأعلن عرفات أمام المشتركين في المؤتمر:‏

                              "إننا نواجه وسنواجه الإرهاب ونقتلعه من أرضنا، لأن حلمنا في الحرية والاستقلال وتقرير المصير لا يمكن أن يزدهر ويتحقق وسط بحر الدم والدموع، وإنما بالعمل الدؤوب في مواجهة ..... الإرهاب، لهذه الأجنحة المتطرفة والخطرة لحماس والجهاد الإسلامي"(136).‏

                              وأكد رئيس وزراء بريطانيا جون ميجر أن بلاده أعلنت مساندتها منذ وقت طويل لعملية السلام، والدول التي تكافح الإرهاب. وعبر عن حزنه العميق على العمليات الإرهابية ورحب بحرارة بالتعاون بين عرفات وبيرس.‏

                              وأظهرت بريطانيا انحيازها لإسرائيل وتبعيتها للسياسة الأميركية فيما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني، وجاء في الكلمة التي ألقاها بيرس أمام المؤتمر"إن القرار الفعال لابد و أن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجيته وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب بالتعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه".‏

                              ووصلت الوقاحة الإسرائيلية حداً طالبت فيه"بحق إسرائيل في الاطلاع على أسماء الأُسر والعائلات الفلسطينية التي تتسلم تبرعات مالية ومساعدات مقدمة من لجان عربية تعمل في مجال دعم الشعب الفلسطيني. ورد الجانب المصري على هذا الكلام وقال: "وماذا عن الأموال التي تتلقاها جماعات إسرائيلية متطرفة يمارس بعض أعضائها الإرهاب من الولايات المتحدة ودول أخرى في صورة تبرعات" (137).‏

                              وأكد أن مصر و الدول العربية حتى المعنية بعملية السلام بشكل مباشر لن تعمل لحساب إسرائيل. وشدد على أن أمن إسرائيل وظيفة إسرائيل، والأمن الإقليمي له عناصر كثيرة من بينها مكافحة الإرهاب. وتتضمن أيضاً الموضوع النووي.‏



                              بيان القمة الختامي‏

                              سعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن يتضمن البيان الختامي للقمة خطوات عملية وآليات للقضاء على الإرهاب، إلاّ أن المؤتمرين توصلوا إلى حل وسط بالتركيز على مكافحة الإرهاب ودعم عملية التسوية السياسية. أما القرارات فجاءت كما أرادت إسرائيل مناهضة للعنف والإرهاب. واتخذت طابعاً عملياً بالإعلان عن إنشاء مجموعة متابعة عقدت أول اجتماع لها في واشنطون بتاريخ 27/3/1996 وبحضور حوالي(29) بلداً لوضع الخطوات العملية لمكافحة الإرهاب. وأكد البيان الإدانة الشديدة لكافة أعمال الإرهاب بكافة أشكالها النكراء مهما كانت دوافعها وأياً كان مرتكبوها بما في ذلك الهجمات الإرهابية الأخيرة في إسرائيل." وجاء في البيان الختامي أن القمة قررت ما يلي: -‏

                              "أ- دعم الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية واستمرار عملية المفاوضات وتدعيمها سياسياً واقتصادياً وتعزيز الوضع الأمني للطرفين. ((ويصب هذا القرار في صالح إسرائيل لأنها هي التي وضعت الاتفاقيات وبصم عليها عرفات.))‏

                              ب- دعم استمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة(بدون تحديد الزمان والمكان وبالتالي يترك لإسرائيل حرية التصرف بعملية المفاوضات كما تريد وكما تشاء.)‏

                              جـ- العمل سوية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بتطوير إجراءات فعالة وعملية ومزيد من المساعدات.‏

                              ء- دعم تنسيق الجهود من أجل وقف أعمال الإرهاب على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية لضمان وصول مرتكبي هذه الأعمال إلى أمام العدالة. (تهدف إسرائيل من جراء هذا البند مساعدة العالم لها لتعزيز دور الشرطي الذي تقوم به لقمع النضال العربي وتخليد اغتصابها للأرض والحقوق العربية) .‏

                              هـ- بذل أقصى الجهد لتحديد مصادر تمويل هذه الجماعات والتعاون في وقف ضخها وتوفير التدريب والمعدات وأشكال الدعم الأخرى للأطراف التي تتخذ خطوات ضد الجماعات التي تستخدم العنف والإرهاب. (ويجسد هذا الموقف موقف إسرائيل من وقف المساعدات العربية للمؤسسات الخيرية الفلسطينية وحصولها على الأموال والمعدات لسحق النضال العربي كما قال بيرس.).‏

                              و- تشكيل مجموعة عمل مفتوحة لكافة المشاركين في القمة لإعداد توصيات حول أفضل الأساليب لتنفيذ فقرات هذا البيان.‏

                              وجاء في البيان"دعم الاتفاقات واستمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة ووقف العمليات"الإرهابية" وكيفية التمويل والمتابعة، وبالتحديد نص البيان على أهداف ثلاثة: تعزيز عملية السلام ودعم الأمن ومحاربة الإرهاب. وعكس البيان مواقف رؤساء الوفود في المؤتمر حول تأييد العملية السلمية ومحاربة الإرهاب.‏

                              تضمن بيان القمة النقاط التالية:‏

                              * تأييد عملية السلام ودفع الأمن والاستقرار في المنطقة إلى الأمام.‏

                              * التنديد بكل أشكال الإرهاب أياً تكن الدوافع إليها.‏

                              * التصدي بحزم لظاهرة الإرهاب والعمل على وقف العمليات الإرهابية.‏

                              * تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومات وبين أجهزة الأمن والشرطة من أجل مكافحة الإرهاب.‏

                              * اتفاق دولي لمحاكمة مرتكبي الأعمال الإرهابية والذين يخططون لها.‏

                              لقد تحالف عرب وإسرائيليون وأميركيون وأوروبيون في القمة للقضاء على المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي. ورأت الإدارة الأميركية أن المهمة الدولية العاجلة لمكافحة الإرهاب هي مواجهة الإرهاب الذي تقوم به منظمات ترفع شعارات إسلامية في الشرق الأوسط ويلقى مساعدات من إيران ودعماً وأرضاً في سورية ولبنان.‏

                              ووصف الرئيس الأميركي بيل كلنتون القمة بأنها ناجحة جداً ومثمرة وبناءة وأعلن عن إنشاء مجموعة عمل للمتابعة ستضع تقريراً لها خلال شهر، في الأسابيع المقبلة. وقال الرئيس مبارك في مؤتمر صحفي مشترك مع كلنتون"إن المشاركين اتفقوا على إجراءات محددة وإنشاء آليات محددة وذلك مما يؤدي إلى تعزيز عملية السلام".‏

                              علق بيرس على القمة وقال"يمكن للإسرائيليين أن يناموا باطمئنان أكبر الآن"(139).‏

                              واعتبر بيرس القمة تضامناً عربياً لا سابق له مع إسرائيل.‏

                              وكرر بيرس موقفه باتخاذ إجراءات عاجلة محلية وإقليمية ودولية لمواجهة عمليات حماس وسحقها. وتقدمّ مجدداً إلى عرفات طالباً منه حظر نشاط كل المنظمات الإرهابية وعدم السماح بحمل السلاح واعتقال القادة والكوادر، وأعطاه قائمة جديدة بمجموعة أسماء تم تحديدها لاعتقالهم، واستمر في فرض الطوق الأمني على الضفة والقطاع. وكرر طلبه إلى الدول العربية اتخاذ مواقف حاسمة لا يقاف أي دعم مادي لحماس والمنظمات الأخرى.‏

                              واستثمر بيرس الدعم الأميركي المطلق ودعم عرب القمة لتشديد سياسة العقوبات الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني.‏

                              وعند العودة إلى بيان القمة الذي ينص على دعم السلام يتساءل المواطن العربي ما هو هذا السلام الذي تدعمه القمة؟ هل هو سلام الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة وتسخير الإحتلال للتوصل إلى اتفاقات كاتفاق أوسلو ووادي عربة؟‏

                              أم السلام العادل والشامل والدائم والقائم على مبادئ الحق والعدالة، مباديء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى؟‏

                              وهل هو سلام الإملاءات الإسرائيلية، وتكريسها في معاهدات عن طريق الراعي الأميركي المنحاز للعدو أم السلام الذي توافق عليه وترضى عنه الأجيال العربية القادمة؟ وما هو مفهوم الأمن الذي تدعمه القمة؟ هل هو الأمن للمحتل والمعتدي ومكافأته على عدوانه؟ أم هو الأمن المتبادل للبلدان العربية وإسرائيل؟‏

                              هل هو أمن في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والسلاح النووي أم هو أمن يمنع المعتدي الإسرائيلي من إشعال حروب جديدة في المنطقة وفي إطار مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية؟.‏
                              إذا الشعب يوما أراد الحياة
                              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                              تعليق

                              يعمل...
                              X