إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علي الأحمد - عناصر ابداع الموسيقا العربية بين تاريخها وآفاق التجديد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي الأحمد - عناصر ابداع الموسيقا العربية بين تاريخها وآفاق التجديد

    الموسيقا العربية بين تاريخها وآفاق التجديد
    علي الأحمد - الوطن
    بعد أن تم تبديد عناصر الإبداع في الهوية الموسيقية العربية وبزمن قياسي لن يتكرر، يحق للمرء أن يسأل وعلى وقع هذه الغيبوبة الموسيقية: ماذا بعد هذا السقوط والانهيار؟ ولماذا هذا التفريط المجاني الذي يقترب من حدود العبثية والمجون الأعمى بمقدرات وتراث وإرث هذا الفن الذي كان يوماًُ ما عنواناً مضيئاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى للثقافة العربية ولمفهوم الحوار والتثاقف مع الآخر.
    إنها أسئلة تتناسخ وتتمدد مع استنساخ اللغة التجارية التي تسود المشهد الكوني وتحتل شاشته الكبيرة التي يبدو أنها لا تتسع إلا لهذه اللغة، الزائلة والعابرة، التي تمتح من بئر الاستهلاك والتسليع، فمن كان يظن أن كل هذا الإرث الإبداعي للموسيقى العربية، الذي تحقق عبر إشراقات ونتاجات باذخة للذهنية والفكر الفلسفي العربي والإسلامي، يتم تغييبه وتهميشه وقتل الروح الإبداعية فيه في سبيل إحلال قيم وافدة تزيح الأصيل والراسخ، عبر الكتابة الموسيقية الجديدة بمناخاتها الغربية، الغريبة الوجه واللسان عن نتاجات هذا الفكر الذي قدم كما هو معلوم إسهامات جد عظيمة في سفر الحضارة الموسيقية وشارك باقي الموسيقات في الحفاظ على وهج وتقاليد الروح الكلاسيكية وعلى نقاء وبقاء الجوهر مصاناً وبعيداً عن العبث واللهو المجاني الذي نراه يتسيد أغلب النتاجات المعاصرة وكأن هذا اللهو بات مطلوباً الآن وأكثر من أي وقت مضى في سبيل القضاء المبرمج على ما تبقى من هذه الروح العظيمة التواقة للانعتاق من بشاعة المادة وقتامتها.
    لكن وبمعزل عن هذه الكوارث التي تتمدد على أكثر من صعيد يبقى السؤال المهم مطروحاً وبقوة اليوم أكثر من أي وقت مضى: لماذا هذا الإجحاف بحق الهوية الموسيقية العربية تحديداً ومحاولة تبديد إرثها التاريخي والإبداعي بحجة التطوير والتجديد والحداثة وما بعد الحداثة والمزج ومئات المصطلحات التي تتوالد كالفطر السام وكلها تتلطى خلف أقنعة مزيفة تسعى فيما تسعى –كما أسلفنا- إلى قتل هذا الأب الذي لم يعد ملائماً للعصر (وعقليته البائدة) غير المرحب بها في زمن العولمة وما أدراك ما العولمة؟ إنها اللغة الجديدة القديمة التي باتت تكتسح كل شيء وتفعل ما تشاء لحظة تشاء، إنها الروح الجديدة ذات اللون الواحد والوحيد التي باتت تفرضه على الشعوب كافة بما تمتلك من مال وإعلام وشركات إنتاج عابرة للحدود كما للإبداع ولأنها تستثمر أموالاً طائلة في عملية محو الذاكرة الجمعية فإنها تسعى إلى فرض منطقها التجاري البائس والمهزوم والمأزوم على المستوى الإنساني والقيمي (ومن يدفع للزمار يفرض اللحن الذي يريد) على رأي المثل الإنكليزي الشهير، وخاصة مع توافر المناخات الخصبة لزرع بذرتها المسمومة، في تربة هذا الفن المضيّع الذي يحاربه أبناؤه وبنو جلدته بعزيمة لا تنضب، في سعي محموم لما يدّعون بالعالمية التي ينسون أو يتناسون أنها لا تتحقق إلا انطلاقاً من المحلية ومحيطها القريب كما تنبئ عنه النتاجات القديمة في جميع موسيقات الشعوب التي آمن مبدعوها بالحوار والمثاقفة من منطلق واحد ووحيد آلا وهو الندية وليس التبعية والتقليد واستنساخ الآخر كما هو على علاته، من هنا طرح مفكرو ورواد هذا الفن ومنذ مئات السنين بعض الحلول الناجزة التي تؤسس لحوار إيجابي وارتحال مثمر نحو الآخر في سبيل تبادل واكتساب المعرفة وتحقيق البعد الجمالي والذوقي الذي ينطوي عليه جوهر هذا الفن النبيل في كل زمان ومكان بعيداً عن لغة الفرض والاستحواذ الذي تمارسه لغة العولمة الموسيقية وهي هنا (الأمركة) بكل أبعادها ومفرداتها المعلومة وبكل ما تملك من أسلحة وأيديولوجيات تقتات وتعيش على خراب وانهيار اللغة الكلاسيكية العظيمة بمقولاتها الإنسانية الخالدة دون أن ننسى بالطبع بعض ما تحمل هذه اللغة الوافدة من إيجابيات محدودة قد تستفيد منها تلك الموسيقات المحصنة جيداً ضد أي غزو فكري أو ثقافي عكس موسيقانا العربية المعاصرة التي لم تتحصن أو تتهيأ بالشكل الأمثل لهذا الغزو لكون الانقطاع بات رهيباً والهوة أضحت عميقة بين الموروث وجمالياته الراسخة، والموسيقي المعاصر الذي حاز علومه الموسيقية بعيداً عن تاريخه وإرث هويته وعناصرها الإبداعية التي لا يتكلم بلغتها أبداً بل يرطن بتلك اللغة البديلة ويكتب موسيقاه من وحيها ويتزود من معارفها التي تعكس مدى الفجوة والهوة التي تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم إرضاء لطموحه وقبوله في هذا النادي الكوكبي المعولم الذي لا يقبل بعضويته كما يتوهم إلا من تحرر وانسلخ عن جذوره وتاريخه وعناصر هويته التي يفترض أنه ينتمي إليها. كل هذا الانهيار في العلاقة بين الموسيقي العربي المعاصر وتاريخه الموروث يتم تعميقه وترسيخه عبر نتاجات هزيلة وكسيحة يمكن للمرء أن يطلق عليها تجاوزاً – موسيقا- لكنها ليست عربية أبداً لأنها وبكل بساطة لا تنتمي إلى تلك الروح السامية التي أنسنت وجمّلت الحياة وقدمت لها نتاجات خالدة لكل الأزمنة اعتمدت أساساً على التسامي فوق الفوارق بين الأمم المختلفة وهذه حقيقة لا يختلف عليها أحد، وهو ما أكده (جوته) حين قال: لا وجود لفن قومي، ولا وجود لعلم قومي، فكلاهما ينتمي –مثل كل شيء يتميز بسموه وجلاله- إلى العالم أجمع، ولن يتحقق أي تقدم فيهما إلا اعتماداً على جهود كل أبناء العصر أخذاً وعطاء حراً، وتذكرهم دوماً للأشياء التي بقيت لنا من الماضي).

يعمل...
X