إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قراءة في رواية العراف والوردة (( محمد أبومعتوق ))- محمد زهرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة في رواية العراف والوردة (( محمد أبومعتوق ))- محمد زهرة

    قراءة في رواية


    العراف و الوردة


    للروائي السوري


    محمد أبو معتوق


    دراسة للروائي :


    محمد يوسف زهرة



    يتقدم الروائي محمد أبو معتوق، إلى فضاء روايته، لا ليأخذنا كقراء إلى الماضي ، بل يأتي إلينا حاملا معوله لينقب في ذاكرتنا، في إحدى سوياتها، عن مقبرتين متناقضتين تنتمي كل واحدة إلى تيار فلسفي و أخلاقي مختلف . أقول لينقب عن أشخاص قضوا منذ مئات السنين. ليخرج عظامهم و يكسوها بجلود و أقمصة من زمانهم ، إما لأن الروائي لم يعثر في الوقت الحاضر على شخوص تستطيع حمل فكرته لإفلاس الحاضر من الأشخاص النبلاء الذين يحملون أفكاراً نبيلة كفكرة الرواية. وهي الصراع بين الخير و الشر، و إما لأن للروائي علاقة وطيدة بالتراث من خلال الإطلاع عليه و الوقوف إلى جانب الفكر السامي منه متجسداً بالمذاهب الصوفية و العلمانية .
    أما أحد جانبي الفكرة الأساسية في الرواية (الخير) فيتمثل بخمسة أشخاص يرفعون على كواهلهم فكرة واحدة و يدورون في فلكها.!
    1) فضل الله (مؤسس المذهب الحروفي ) .
    2) فاتحة الكتاب: وهي ابنة المعلم و القائد الروحي فضل الله .
    3) عماد الدين: المريد لفضل الله و زوج ابنته .
    4) خير الدين الأسدي: وهو من هذا الزمان. لكنه يملك حرية الانتقال عبر الزمان ! فينخطف إلى الماضي ثم يعود إلى سرير مرضه في مأوى العجزة في حلب .
    5) أما الشخصية الخامسة و المهمة و المثيرة للجدل فهي الأعمى.. *و في الشق الثاني من الفكرة وهو شق الشر فيعتمد على خمسة كذلك .
    6) تيمورلنك القائد الاستعماري الرهيب و المعروف لدى القاصي والداني .
    7) ابنه (ميران شاه ) الذي يتأرجح في البدء ما بين الخير والشر ثم يسدد أبوه له خطاه فيصفّ في النسق وراء أبيه .
    8) القاضي الذي يسنّ القانون كما تقتضي قدم الإمبراطور تيمورلنك الوحيدة التي يدوس بها العالم ، وهو منقسم على ذاته من خلال شخصية قاضٍ آخر يرفض تنفيذ أوامر تيمور .
    9) الجلاد الذي ينفذ أمر سيده .
    الشخصية النظيرة لما في نسق شخوص الخير وهي شخصية الأعمى أيضاً .
    إذاً الصراع دائر بين خمستين في الذاكرة الكونية ، الأولى تطرح فكرة السلام والحب على طريقة الحلاج ومن سبقه، و ممن سار على الدرب ذاته . و الثانية تفرض فكرة الحرب و الدم لأنها الأقوى .
    و لكل مملكة من هاتين المملكتين المتناقضتين أدواتها التي تعتمد عليها. و تشيّد على أساساتها أركان قوتها و استمرارها .
    و هنا نلاحظ أن الرقم( تسعة ) متجسداً بالتلاميذ ، يطل برأسه بعد الرقم ( خمسة ) لما للأرقام من حضور و معنى كما للحروف في المذهب الحروفي .
    تبدأ الرواية بحوار يبعث الرعب في نفس المتلقي بين خير الدين و مدير مأوى العجزة إذ يكون عائداً لتوه من رحلة في الزمان مع صحبه الذين يشاطرونه أفكاره وهم الخمسة الخيرة. و ما جرى لهم على يد تيمور! فيختلط عليه الأمر إذ يسأل المدير أحد أركان السلطة :
    - هل يمكن يا سيدي أن يفعلوا بي مثلهما؟
    - مثل من ؟ (سأل المدير باستغراب)!
    - مثل الحلاج و النسيمي . هذان الرجلان وجدا في زمانين و مكانين مختلفين: واحد في العصر العباسي قطعت يداه و رجلاه و صلب و أحرق و سلخ في بغداد. و آخر صلب و سلخ جلده في حلب في زمن المماليك . و بعد عودة خير الدين إلى جلده و معناه يكون قد عاد إلى الحاضر ، فيبدأ بينه و بين من يشاطره الغرفة حوار جميل، و شفاف. ذلك الحوار الذي يدور بين المعنى و المبنى(ص8-9) يعود الكاتب ليؤكد فكرة الجلد و معناه في امرأة أفقدتها المعرفة زوجها. فمزقت كتاب الابن خوفاً من أن تفقد ه.. تريد أن تحتفظ بالابن الذي هو صورة أبيه بمعناه و مبناه . هي تريد حقيقة، أن تحتفظ بجلد الأب في الابن حتى لو فرغ من معنى أبيه ، هذا عندما تفكر كامرأة تحك جلدها فتصحو على الواقع الذي عانت منه وبالتحديد ، غياب الذكر ... إذا إنها شكوى وما أمرّها من شكوى..! امرأة تمزق جلدها، لأن معناه لم يكتمل إلا بحضور نصفها الآخر الذي فصل بينهما مشرط المعرفة التي تفضح تيمور و تهدد أركانه .
    تتعملق الأنثى فيما بعد. و كأنها غير التي كانت تحاور ابنها فيضيق بها جلدها و تخرج منه متحولة إلى شخصية أكبر من وطن ... لعلها الطبيعة و الحقيقة فتقول : إنني يا ولدي يا خير الدين لا أستطيع أن أحتفظ بأنوثتي و ثيابي معا لذا ينبغي أن أفرط في أحدهما ... والتفريط بالثياب في مثل عمري و أنوثتي أقرب إلى المعنى ... فالويل لكما من صراخي و تقلبات جلدي .! تليها صورة جميلة تفوق المألوف في أدب الروائي إذ يقول : ( تلامعت على وجه الأم مياه لا طاقة للدم بها...و سالت على الخدين قطرتان في هيئة رجلين ضائعين ...) .
    إنها حقيقة تعبر عن أحزان الأنثى و آلامها في زمن غياب الرجال : زوج و ابن متسربلين بالذعر و الرحيل هربا من بطش تيمور الغارق في دماء الكائنات .
    إذا إنها معركة دائمة يدفع ثمنها الذين يقفون وراء أحد الرمزين .
    يسمي الكاتب فصوله ، ربما لإيضاح المكتوب للمتلقي ، وأنا أعتقد أن التسميات هذه أضعفت من بناء العمل الروائي ، فمثلا في عنوان أسماه : نون المناظرة وهو، أراه، يساوي باء الحب (مقابل) سين السلطة، و هي ألفاظ لم تخدم الرواية رغم أن الحوار في ذلك الفصل كما في غيره قوي و آسر بين الحب و الحرب ، بين المعرفة و السيف و ذلك ما تقوم عليه فكرة الرواية إذ يستمر من النهاية، حتى البداية. إذ تتصل البداية بالنهاية بحركة زمنية دورانية يرتبط فيها الماضي بالحاضر، من خلال خير الدين الذي يتحرك في الزمان إذ يكون هو الزمان و هو الخير المتصل بأساتذته الأوائل . إذ بالمقابل نرى من خلال الحوار أن السلطة الدموية كائنات لم تصل و لن تصل إلى المعنى لأنها حروف شوهاء كساق تيمور! فالحروف الشوهاء لا يمكن لها أن تشكل المعنى من تجمعها، لذلك ترتّدّ إلى نقطة الوجه الآخر للمعنى المحب و الجميل الذي يتجسد و يذوب في النقطة التي فوق فاء "فاتحة الكتاب" إحدى شخصيات الرواية .
    فلن يكون الابن ( ميران شاه ) في المعادلة التيمورية إلا ذلك الفاتح الذي يدوس حيث يرتمي قلبه مثل أبيه . في فصل راء الأميرة : يكرس الروائي فكرة جد مهمة و خطرة في الوقت ذاته. و هي فكرة الانتحار كرد فعل على اغتصاب تيمور لها إذ كانت مسبية من قصر أبيها.. وهنا لن أوافق الروائي على فكرته هذه لأن لدى الأميرة الكثير من أدوات الانتقام .
    لن أرى في ذلك من تجسيد لفلسفة الصراع ما بين القوتين اللتين تقوم عليهما البنائية الروائية. حتى لو كان الواقع كذلك و حتى لو اعترف تيمور بلسانه قائلا : "الموت الذي أختاره للناس يهزمهم و يجعلهم ضعفاء أمامي. غير أن الموت الذي يختارونه لأنفسهم يهزمني ويقوض مشيئتي و سلطاني ..." .
    أم أن الروائي أراد أن يقول لنا إن قوى الخير بدأت بالانهيار الروحي و الهزيمة ...؟! لكن ذلك لا يظهر بشكل واضح إذ أن الأم تدفع ابنها نحو النضال وراء أبيه داعمة إياه بكل ما تستطيع فاتحة له بابها باستمرار .
    مشهد قتل فضل الله، أستاذ قوى الخير.! و هنا تظهر الفكرة جلية و مناقضة لفكرة الانتحار حيث كانت جثة فضل الله معنىً حقيقيا لجمهرة من الناس أدركوا سرّ المعنى و كما يقول الروائي : "حيث عاينوا بلاغة الدم و معناه، تدفقت الغصات من أرواحهم و أعرافهم و ذويهم ..." و إن تكن ردة الفعل لا تليق بالحدث، كرد مباشر لكن الأبصار تعلقت بمعنى الشهيد، فحين حرقت الجثة و طار رداء القتيل تأسطر المعنى في ذاكرة الناس. و أخذت الحروف تشكل الكلمات، و الكلمات تتدحرج على الألسنة، لتلج الآذان و تنمو لتتحول إلى أجنة أفكار، تتململ في الرحم معلنة (أن القتيل سوف يعود !...) هنا يتفاءل الكاتب بعودة الحق و الخير! فتتجسد تلك الرجعة المباركة بعودة فاتحة الكتاب ابنة فضل الله. التي ضمت زوجها عماد الدين إليها، ليدور بينهما حوار يؤكد من خلاله الكاتب، أن الرمز لم يمت بل تأسطر في الذاكرة إذ يقول: " لكنهم قتلوا فضل الله .." ترد فاتحة الكتاب : عندما تكون فاتحة الكتاب إلى جوارك فهل أنت على يقين بأنهم قتلوه ...؟ إلى آخر ما هنالك من حوار رائع، تتوحد فيه العناصر، و تتفتح آفاقها لأمل قادم .
    هنا أعود إلى الملاحظة :
    رغم إعجابي الشديد بالفكرة، و بإدارة الحوار الجميل بين رموز من الماضي، يتوق لها خيال الإنسان العربي أن تكون من حاضره. و رغم عظمة الرمز القابع في الذاكرة فإن هذا الرمز ميت في التاريخ، و قد عمل أديبنا الرائع على إيقاظ تلك الكائنات منقبا عنها في دهاليز الذاكرة. ليسحبها بكل ماهيتها و يضعها أمام أحفادها التي تحلم برمز.. بإله يلبس البنطال لا الجلباب. حاسر الرأس بلا عمامة. ليكون لهم مبنى و معنى ليقود خلفه كل الحروف التي تبحث عن معانيها .
    لذلك أرى أن الروائي إلى حد ما وقع في شرك الماضي، و بُهر بفوانيسه و لم يمد يده رغم قدرته، إلى العالم الواسع و المليء بالفكر الإنساني الذي يقف في صفه أبو معتوق لبناء فكرته الرائعة .. لذلك تترصد امتدادات الروائي الإنسانية من خلال شخوصه الخيّرين و منهم فاتحة الكتاب التي تتعملق و تتحول إلى أنثى عالمية ( مملوءة بالمعنى تهب الأرض فيضها و أنوثتها فتنصرف عن الحرب و تحتفي بالعاشقين ...) يعود الروائي إلى مشهد آخر، ليصور لنا الوجه الآخر القبيح للحياة. متجسدا بتيمور الذي اختار لنفسه عرّافا أعمى، لكي لا يسمع إلى صوت العقل إطلاقاً. إذ يعني ذلك أن تيمور دخل في مرحلته الأخيرة فأصبح لا يرى الحقائق إلا من خلال قدمه فيكون بذلك قد اقتلع عينيه بيديه ليسبح في بحر من الظلام الدامي. فتقوده أعماقه المتوحشة التي تحمل بذور موت الديناصور .! إنه تفاؤل آخر للروائي ، لأن من يحكم على ذاته بالعمى لم يعد يرى سوى ذاته التي لا تنقسم ولا تتوالد. و من خلال تلك الرؤية يسعى الدكتاتور الأعمى لإفناء ما أمكن من الكون كي يبقى وحيدا مع خوفه : ( إن كل من حوله يمدون له ألسنتهم ساخرين) تتكرر شخصية الأعمى في الرواية ، واحدة في نسق الشر و الأخرى في نسق الخير. لكن التي في نسق الخير، و إن كانت تلتف بالعماء ، ففيها بؤرة من خير إذ تدفع نحو تلاحم المحبين رغم الإقفار و الجدب الذي يلف المشاعر الخيرة في زمن فيه رحلت الرموز الى العالم الآخر ، بعد أن تركوا خلفهم رعيةً خانعةً ذليلةً قانعة بباقةٍ من بصلٍ لا تجرؤ حتى على إعطاء الرأي و يتجلى ذلك في (فصل ميم البصل من الرواية) إذ تتجلى روح الروائي الساخرة ،فيلتقي عماد الدين برجلٍ يقلع البصل فيسأله عن تيمور فلا يجيب إجابةً شافية يستطيع ، عماد الدين ، من خلالها قراءة روح ذلك الرجل و موقفه من سلطة تيمور . حيث تكون إجاباته عن ألسنة الناس و آرائهم المتناقضة فيسأله عماد الدين عن رأيه الشخصي في تيمور فيجيب :أما أنا فأقول ( هذه الحزمة من البصل تكفيني .. ) فتتجسد الإنهزامية و الخنوع الكاملان في هذه الإجابة .لا يرضي ذلك طموح عماد الدين الذي فقد زوجته فاتحة الكتاب فأراد أن يخبر ذلك الفلاح الذي تكفيه باقة من بصل : أن قناعته قتلت فاتحة الكتاب . لكن الرجل مضى و بقي عماد الدين ينظر باتجاه حلب كأنما ينتظر رجلاً آخر لا يقتنع بباقةٍ من بصل . فهاهو فضل الله قد مات وهاهي فاتحة الكتاب قد ماتت و هاهو عماد الدين قد تزوج من رباب يعقد أمله على الألف في اسمها ولا يراهن كثيرا على باقي حروفها لقد دفع إلى السجن بعماد الدين دون أن يزرع بذرة في أرض رباب و هاهو ينتظر حتفه مثل سابقه فتخرج رباب يسوطها ضجرها الأنثوي و الأمومي إلى القلعة، حيث يسجن زوجها ، محاولة أن ترجّها صارخةً : أين أنت يا عماد الدين.. ؟ كأنها لم تكمل صراخها إذ تريد أن تقول :" أريد ولدا يحمل جلدك و اسمك ..." فيزحف الجراد في كل مكان ... إنها صورة مأساوية يائسة للعالم ، لكنها واقعية يصورها أبو معتوق ببراعة الأديب المتمكن ، و الناس تنتظر ماء السمرمر للخلاص من الجراد فينهض الأسدي من مرقده نهضته الأخيرة، إنها آخر دفقة حياة في جسده المنهك الضامر ليبعث في أرواحنا للأسف الكثير من التشاؤم و التفاؤل معا، فالأسدي آخر من رحل من قوى الحق و الخير ( لقد دفن بين قبرين كل ما تبقى من حطام جسده المنهك) إذ واجه الكون بسخرية خارقة عندما سلخ جلد عماد الدين و علق سبعة أيام في حلب مشهرا به عندئذ كتب الأسدي خير الدين بيده المرتعشة ،قبل موته وبعد عودته من الماضي ، على ورقة أمامه : * إن سبعة أيام تكفي أن يعيد الله خلق العالم على صورة أخرى لا يكون فيها سلخ ولا قطع و لا تشهير * لكن الكاتب لا يترك لنا بصيص أمل في عودة رباب إلى عماد الدين و هو معلق .. إذ بدؤوا بتعريته لسلخ جلده ... في هذه اللحظة تحضر رباب لتقف قبالة زوج عار ولكن هذه المرة لكي يُسلخ جلده ويُحرق وقد يُدفن مع بقيةٍ من حياة مع آمال قتلت وآلام مازالت تحرض السؤال :من يخصب رباب كي تلد لنا عماد الإنسانية ؟ ثم سقط آخر الحروف : خير الدين الأسدي، وبقي تيمور يعذب البشرية و رباب تقف عزلاء في الضفة الأخرى تنتظر من يخصبها.




    محمد يوسف زهرة


    سوريا - حمص


    موبايل:963933974616+

    ــــــــــــــــــــــــــ____________

    قراءة في رواية العراف والوردة (( محمد أبومغتوق ))- محمد زهرة

  • #2
    رد: قراءة في رواية العراف والوردة (( محمد أبومعتوق ))- محمد زهرة

    قراءة في رواية


    العراف و الوردة

    للروائي السوري

    محمد أبو معتوق

    دراسة للروائي

    محمد يوسف زهرة
    شكراً جزيلاً للدراسة القيمة ونأمل المزيد...!!!

    تعليق

    يعمل...
    X