إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

على أرصفة الذاكرة المبدع ( محمد الماغوط 1934 - 2006م ) .. - محمد القصير,,

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على أرصفة الذاكرة المبدع ( محمد الماغوط 1934 - 2006م ) .. - محمد القصير,,


    "محمد الماغوط".. على أرصفة الذاكرة

    محمد القصير


    ذكريات كثيرة ومواقف عديدة يتناقلها محبو وقراء الأديب الكبير "محمد الماغوط" بعضها كتبها في قصائده ومسرحياته ومقالاته، وبعضها تحدث عنها أصدقاؤه وأقرباؤه، فبقيت ملتصقة بنتاجه الأدبي الغني كجزء أصيل منه.
    مدونة وطن eSyria في 20/9/2012 تلقي الضوء على قامة أدبية نبتت على تخوم الصحراء وأينعت في عقول الناس، خاصة منهم البسطاء الذين وجدوا في كتابات "محمد الماغوط" تعبيراً عما يجول في خواطرهم. فتارة نطل على أدبه وتارة أخرى على كواليس إبداعاته. وهو الذي يعترف، أن معلمه الأول ليس "رامبو"، كما توقع جماعة "مجلة شعر"، بل هو الشاعر "سليمان عواد" ابن مدينته "سلمية".

    "سلمية" مسقط رأسه التي قال عنها في إحدى المقابلات الصحفية: «حين كتبت قصيدتي "سلمية" في أواخر الستينيات، وظهرت في ديواني "الفرح ليس مهنتي"، اعتقدت أنني سددت الفاتورة تجاه مسقط رأسي، لكنني لاحقاً، اكتشفت أن هذه المدينة مقيمة في دمي، فهي التي علمتني الحزن والسوداوية. "سلمية: الدمعةُ التي ذرفها الرومان/ على أول أسير فك قيوده بأسنانه/ ومات حنيناً إليها/ سلمية.. الطفلة التي تعّثرت بطرف أوروبا/ وهي تلهو بأقراطها الفاطمية/ وشعرها الذهبي/ وظلَّت جاثية وباكية منذ ذلك الحين/ دميتُها في البحر/ وأصابعها في الصحراء».

    أما الشاعرة الراحلة "سنية صالح" قرينة الشاعر "محمد الماغوط" فترى في تجربته الشعرية أنها ثورة حررت الشعر من عبودية الشكل، فتقول: «دخل ساحة العراك حاملاً في مخيلته ودفاتره الأنيقة بوادر قصيدة كشكل مبتكر وجديد وحركة رافدة لحركة الشعر الحديث، وموهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضارات التراث وزجره التربوي، وهكذا نجت عفويته من التجرد والجمود، مأساة "الماغوط" أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط. لذلك خاض العديد من المواجهات منها ما يتعلق باللغة نفسها حيث يرد على اللغويين قائلاً: «قبل احترام اللغة يجب احترام الإنسان الذي ينطق بها».


    ومنها ما يتعلق بالتزام القافية والبحور في الشعر، في رده على سؤال الشاعراللبناني "عبده وازن": لماذا لم تحاول أن تكتب قصيدة موزونة ومقفاة في مقتبل حياتك كما فعل شعراء كثيرون من المدرسة الحديثة؟ قال الماغوط: «لم أحاول أن أكتب قصيدة عمودية ولا موزونة. أنا غير مقتنع بالقصيدة العمودية. إنني شخص لجوج وتلقائي وسريع. وهمومي لم تكن تسمح لي بالبحث عن القافية. كنت
    غلاف كتابه سياف الزهور هارباً وجائعاً ومتشرداً أبحث عن مخبأ أو ملجأ يؤويني. ولم يكن لدي وقت للقافية. (يشتم القافية)».

    وفي نفس اللقاء تحدث "الماغوط" عن إحدى الامسيات الشعرية التي جمعته بالشاعر اللبناني "شوقي أبي شقرا": «ومرة أحييت أنا وشوقي أمسية شعرية مشتركة في الجامعة الأميركية حضرها "بدر شاكر السياب". كان "شوقي" يكتب حينذاك قصيدة التفعيلة، لكن صوته كان خفيضاً فيما كان صوتي ملعلعاً. وكان كلما وصل شوقي إلى القافية يمر القطار ويطغى صفيره عليها. وعندما انتهت الأمسية قال له السياب: "بطحك" الماغوط، فردّ شوقي: إنه القطار».

    ومن ذكرياته مع الشاعر الكبير "نزار قباني" يقول: «في أوائل الخمسينيات كنت داخل مقهى "الهافانا" في "دمشق" عندما دخل رئيس تحرير مجلة "النقاد" الكاتب "سعيد الجزائري" برفقة الشاعر "نزار قباني" الذي كان يرغب بالتعرف إلي، اقترب مني "الجزائري" موجهاً كلامه إلى الشاعر "قباني" هذا هو "محمد الماغوط"، فوجه لي التحية وقال لي بالحرف الواحد "أنت شاعر كبير وستبقى كبيراً ولن تنتهي"، وقد بكى على كتفي ذات يوم، وقال: "أنت أصدقنا وأبرؤنا"».

    من هنا نجد الهم الشعري عنده مرتبط بمدى تحقيق العدالة الإنسانية بشكل كامل دون اجتزاء منها، قال: «إن العدالة التي تشمل الجميع وتستثني فرداً واحداً ولو في الاسكيمو هي عدالة رأسها الظلم وذيلها الإرهاب».


    ولكن لماذا ترك "محمد الماغوط" مقعد الدراسة؟ سؤال أجاب عنه شقيقه الأصغر "إسماعيل" الذي قال: «أعرف أن والدي باع "طرنبة الماء" (أداة استخراج الماء من البئر) بمبلغ بخس بلغ اثني عشر ليرة وأرسلها له في مدرسة الزراعة في "خرابو"، وكان والدي قد أرسل رسالة لمدير المدرسة يطلب فيها مساعدة ابنه لأن لا طاقة له في تسديد المصاريف، تجاوب المدير ونشر في لوحة الإعلانات إعفاء الطالب "محمد الماغوط" من الرسوم، وهنا بدأت نظرات زملائه الطلاب تحفر في قلبه الألم، قرر ترك المدرسة دون عودة، وعندما سُئل عن ذلك أجاب: عرفت أن اختصاصي هو الحشرات البشرية وليس الحشرات الزراعية».

    لذلك كان عالم الكلمة بالنسبة له هو الصدق، وهنا قال: «ما يعنيني أن أكتب بصدق محمد الماغوطفي عصر الكذب السابق واللاحق. وأكتب بشجاعة في عصر الذعر السابق واللاحق. ومعركتي ليست وراء مكتب أو في حلقة نقاد أو وراء ميكرفون، معركتي في الحياة، ولا أظن أن كثيراً من أساطين التجاوز والتخطي قد عبروها أو عرفوا شيئاً عنها منذ أن تخلوا عنها. ليس معنى هذا أنني شجاع بالمعنى الشعبي، فكثيراً من القصائد أو الزوايا الصحفية، أرسلها إلى النشر من هنا، وأنام تحت السرير وقلبي يدق حتى يلامس بلاط الغرفة، ريثما تُنشر وأعرف ردود فعلها».

    من مواقفه الطريفة أن قصيدة "غادة يافا"، أول قصيدة نشرت له في مجلة "الآداب- بيروت"، ولأن المجلة لم تنشر لأحد إلا إذا كان اسمه مسبوقاً بلقب كبير، يروي "الماغوط" قائلاً: «لقد استعرت لقب الدكتور ووضعته أمام اسمي رغم أنني لم أحصل إلا على الشهادة الابتدائية فقط، من مدرسة داخلية. وحين نشرت القصيدة صعق مأمور البلدة وسأل الوجهاء فيها من يكون الدكتور "محمد الماغوط"؟ أجابوه: لا دكتور ولا من يحزنون، بل هو مجرد فلاح تشققت كعوب قدميه من العمل بالأرض».

    ومن الذكريات الطريفة الممزوجة بالألم يتحدث الشاعر "الياس مسوح" بعد رحيل الماغوط عن رهان قديم وغريب بينهما، يقول: «ربح "الماغوط" الرهان مني. كنا في رهان: من منّا سيحضر جنازة الآخر، أو يكتب رثاء فيه. وذات يوم كتب مرثية مسبقة ونشرها في كتابه: شرق عدن غرب الله. وحين أبلغني ضحك وقال: روح بلّط البحر. وهكذا لم يبق أمامي غير تبليط البحر».

    ** آراء قيلت فيه:

    ـ «هبط علينا الماغوط كالإله يونان». الشاعر "يوسف الخال"


    ـ «محمد الماغوط في بيروت مثل فيروز في بيروت، لا أحد يختلف عليهما». الشاعر "جوزيف حرب".

    ـ «الماغوط ليس شاعراً إنه الشعر». الشاعر "سعيد عقل".

    «كم أخشى القول إن الزمن الذي هجاه "الماغوط" ربما كان أفضل من الزمن الذي ودّعه. لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا. ولكن الشقاء الكامل هو أن يكون حاضرنا أفضل من غدنا. يا لهاويتنا كم هي واسعة». الشاعر "محمود درويش".

    ** من أقواله في الشعر والحياة:
    جالساً على الأرض وإلى جانبه يوسف الخال، أدونيس، أنسي الحاج
    ـ «هناك فرق بين الارتزاق، والافتعال، والصدق».

    ـ «الحياة بقدر ما هي ساخرة هي جادة».

    ـ «ما من شيء رخيص في هذه الحياة، حتى حبة البذار ثمنها باهظ في بعض الأحيان».


    ـ «لا شيء يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء».

    ـ «في السجن تعرفت على "أدونيس" وكان كل منا في زنزانة».

    ـ «بداياتي الأدبية الحقيقية كانت في السجن، وعلى ورق سجائر "البافرا" كتبت مذكراتي».

    ـ «إن الخوف هو الشيء الوحيد الذي أملكه من المحيط إلى الخليج، ولديّ في أعماقي "احتياطياً" منه، أكثر مما عند السعودية وفنزويلا من احتياطي النفط».

    ـ «أجمل أيامي كانت، حين عشت مع البدو في الصحراء، أرعى الماشية، لم أكن أشعر بالغربة».

    يذكر أن ولادة "الماغوط" كانت بتاريخ 19/2/1934 في "سلمية" التي شيّع فيها في 3 نيسان 2006 بموكب جماهيري شعبي ورسمي مهيب.
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
يعمل...
X