الفن التجريدي

إن الفنون هى مرآة الإنسان تنعكس على صفحتها أحواله الإجتماعية ، والإقتصادية ومعتقداته الدينية ، والفنون التشكيلية بصفه عامة – والفن التجريدى بصفة خاصة – كانت من أهم هذه الفنون التى عبر بها الإنسان عن ذاته ومشاعره أصدق تعبير ،وقد ظل التجريد بمثابة الهدف الذى يسعى الكثير من الفنانين ؛ والفلاسفة للوصول إليه . وذلك لأنهم وجدوا فيه الأداة التعبيرية الطيعة ؛ والرفيق الأمين للفنان الذى ينقل إلينا آماله ومخاوفه وإنطباعاته وأفكارة وأحاسيسه الداخلية بأسلوب بسيط وعميق فى نفس الوقت يثير فى النفس ردود أفعال شتى .

تعريف التجريد :

يقصد بالتجريد فى الفن والتصميم ابتعاد الفنان عن تمثيل الطبيعة فى أشكاله واتجاهاته ؛ واستخلاص الجوهر من الشكل الطبيعى ؛ وعرضه فى شكل جديد بهدف الحصول على نتائج فنية عن طريق الشكل والخط واللون ، فتحل بذلك الفكرة المعنوية او المضمون محل الصورة العضوية او الشكل الطبيعى حتى وإن بدت غامضة حيث التحول من الخصائص الجزئية إلى الصفات الكلية ومن الفردية إلى التعميم المطلق ، لذا كان التجريد يتطلب تعرية الطبيعة من حلتها العضوية ومن أرديتها الحيوية كى تكشف عن أسرارها الكامنه ومعانيها الغامضة .

وسواء أكان التجريد هندسيا شاملا أو جزئيا بتبسيط الأقواس والمنحنيات أى تجريدا كاملا أو نصف تجريدى فإنه يعطى الإيحاء بمضمون الفكرة التى يقوم عليها العمل الفنى ؛ والتى تعبر عن الهدف الذى يسعى إليه الفنان والمصمم من التجريد والذى يختلف تبعا لاختلاف مجالات إستخدامه ، فالتجريد متوفر فى كثير من الأعمال الفنية كما يتوفر فى الجوانب العلمية والعملية والفارق بين التجريد فى الفن والتجريد فى العلم إنما ينحصر فى نوع الإهتمام وطبيعة الهدف الذى يرمى إليه كل منهما .

ففى العلم إنما يطلب التجريد للوصول إلى تقرير حقيقى ناجح فى حين يطلب التجريد فى الفن بغية الوصول إلى التعبير عن الموضوع تعبيرا قويا ، وهنا يكون وجود الفنان وتجربته عاملين هامين فى تحديد وإختيار ماسوف يعبر عنه وبالتالى فإنهما هما اللذان يعنيان طبيعة التجريد الذى سيتم ، والمدى الذى سيصل إليه مع مراعاة ألا يتجاوز هذا المدى بنية الأشكال الجوهرية فى تصميم البيئة ( الطبيعة ) وإلا فإن الفنان سوف يعمل فى إطار فردى محض ، وعندئذ ستكون أعماله خالية من كل معنى حتى وإن كانت عامرة بالألوان الزاهية ، والأشكال المختلفة .

وبنظرة تاريخية فاحصة نجد ان التجريد قد وجد فى الفنون التشكيلية على مر العصور فقد إتجه الفنان منذ عهوده البدائية إلى التجريد فى انتاجة الفنى ؛ هروبا من قسوة الطبيعة وما يعانيه من ضراوة البيئة المتسلطة على وجوده حيث كان اتخاذه لتلك الأوضاع الهندسية التجريدية ، كما عرف الفنان المصرى القديم التجريد حيث كان يسجل الصور المطبوعة فى مخيلته دون الصور المرئية أمامه ، أى أن إبداعه كان مستمدا من واقعية أساسها البصيرة لا البعد المرئى ، وفى الفن القبطى لجأ الفنان إلى التجريد للتعبير عن الرغبة فى الخلاص من الاضطهاد الذى كان يعانى منه .

كما أشار التجريد فى العصور الإسلامية إلى نزعة صوفية وجدانية تهدف إلى ماوراء الطبيعة للوصول إلى المطلق ، بينما إتجة الفن الحديث للتجريد تعبيرا عن الخلاص من المظاهر الجمالية وقيمتها التى أسقطتها مبادىء الفن المعاصر ؛ والهروب من واقع الحياة الأليم بالبعد عن كل ماله صلة بمظاهر الطبيعة وأشكالها العضوية فى مختلف صورها إلى عالم من التجريد . ولذلك سمى الفن التجريدى فى العصر الحديث ” فن القرن العشرين ” أو ” الفن المثالى للقرن العشرين ”
ــــــــــــــــــــــ
الفن التجريدي نوع من أنواع فن القرن العشرين ينبذ الموضوع المحدد المعالم. يسمى الفن التجريدي أحيانًا فن اللاهدف.

تمرد الفن التجريدي على تقاليد تاريخية عريقة في الثقافة الغربية كانت تعدُّ الفن نوعًا من الإيضاح الراقي. وكانت الأعمال الفنية تنال الإعجاب بسبب الاهتمام الذي توليه للقصة أو الموضوع الذي مثلته اللوحة. أخذت هذه الفكرة في التغيُّر في بداية القرن العشرين الميلادي. كان الفنانون وقتئذ قد سمحوا لأدوات صناعة الصورة ـ الفرشاة واللون والأشكال ـ بأن تعتِّم أو تشوِّه الموضوع مادة الرسم. فقد اكتشف الفنانون أن المواصفات الرسمية للرسم ممتعة بحد ذاتها.

إن أول فنّ تجريدي أنتجه فنانون صُنِّفوا ضِمن حركات مثل الفوفية والتعبيريَّة والتكعيبيَّة والمستقبليَّة. وقد سُمِّيت رسوماتهم بالتجريدية، رغم أنّ موضوع الصورة يمكن ملاحظته في أعمالهم. حذف بعض الفنانين بعد عام 1910م كل موضوع الصورة لأجل الأشكال المجرَّدة. انبثق هنا دفاعان نظريان متميزان ومتضدان لفن كامل التجريد. عمل الروحيون انطلاقًا من الاعتقاد بأن عناصر الفن بإمكانها تحريك الروح مباشرة، وأن الرجوع إلى العالم المادي قد يعوق قدرتهم في نقل الرسائل العاطفية بصورة مباشرة وقوية. كان على رأس قائمة هؤلاء الفنانين فاسيلي كاندنسكي وكازيمير ماليفيتش الروسيان وبايت موندريان الهولندي.

قامت النظرية الرئيسية الأخرى للفن التجريدي على المادية؛ فقد ظهرت أول مرة في أعمال الفنانين البنائيين فى روسيا نحو عام 1915م. اهتم فنهم أساسًا بالجوهر والأشكال والألوان والأنماط. ورفضت رسوماتهم أسلوب الحكاية والشعر أو التجارب العاطفية. ولكي يُشَكِّلوا بإيجابية العصر الجديد وقاعدته العلمية، فقد أصروا على الأشكال الهندسية المسطحة والألوان غير المعدلة والمسعى المجهول نحو فنهم. تشمل قائمة الفنانيين البنائيين الرواد أليسيتسكي، وألكسندر رودشينكو.

كان مصطلح الفن التجريدي أساسًا مُضَلِّلاً لأنه يمكن أن يعني الفن ذا المضمون المتحوِّر، لكنه لايزال ملحوظًا، أو يعني الفن غير الرمزي تمامًا وغير الهادف. ومهما يكن من أمر، فقد استُعْمِل المصطلح في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م بصورة أولية مرادفًا لمعنى الفن الخالي تمامًا من المادة أو الموضوع مدار الرسم. نال التجريد الكامل شهرة واسعة عبر أعمال التعبيريِّين التجريديين، أو مدرسة نيويورك على يد فنانين مثل جاكسون بولوك، وويلام دي كونينج، وأرشيل جوركي، وفرانز كلاين وروبرت مذرول.
الفكر التجريبي فى الفن :

تعتمد فروع العلوم على التجريب لكون ممارسات تجريبية ، وكذلك الفنون التشكيلية التي تخضع لمنطلقات التجريب وهذا لان الفنون تتأثر بالعصر الحديث وعلوم المعرفة فيه ، ويحاول الفنان أن يقدم كل ما هو جديد متمشيا مع روح العصر ، فنرى دخول الكمبيوتر والليزر في ممارسة الأعمال الفنية وايضا وجود خامات وبدائل تشكيليه لم تكن من ذي قبل .

ويؤكد ” جون ديوي ” على أن التجريب من السمات الجوهرية للفنان وبدون هذه السمات يصبح الفنان مجرد أكاديمي ، وإذا كان الفنان ملزما بأن يكون مجربا فذلك لآن عليه أن يعبر عن خبره ذات طابع فردي عميق .. كما أن منطلق التجريب يعد معادلا سيكولوجيا للعمليات الديناميه التي تنتج عنها تنظيم المثيرات الادراكيه في الانظمه الحيوية ، وهذا في مجمله يعني استراتيجيه حديثه للصياغة التشكيلية في العمل الفني ” شكل – ومضمون ” ، وتطلق على تلك العملية بالموازاة بين الحيز الداخلي للشكل وبين المكان الحيوي .. بمعنى انه كلما كان النظام المكاني في الحيز الفني يقتفي اثر القوانين الايقاعيه والوظيفية الظاهرة لها دلالتها التعبيرية أدى ذلك على دخول الأجزاء المتعددة بما فيها الخامات المتنوعة في مسار دينامي بشكل يجعلها واضحة ، ثم تخف حدة التوتر في الحيز فينصرف المدرك إلى إعطاء قيمة أو دلاله معينه لذلك الحيز تؤكد وحدته.

والتجريب هو أحد أساليب الأداء الفني، ونشاط إبداعي قد يكون في مجموعة التخطيطات التي سبق إنجاز العمل الفني بحثاً عن جوانب تشكيلية مختلفة أو إبداعية جديدة، وقد يكون في إظهار الرؤى الجمالية المختلفة للموضوع، مما يهيء العقل والحس للممارسة التشكيلية بحثا عن حلول متعددة ومختلفة، إما في إطار خبرة الفنان الحاضرة، وإما نتيجة لمرور الفنان بخبرات فنية سابقة، فيقدم حلولاً جديدة بتصميمات مستحدثة ..

من almooftah

اترك تعليقاً