قصة / الرسم بكحــــــل الحبيبة / – قصة قصيرة للفنان : فتحي العريبي

الرسم بكحــــــل الحبيبة – قصة قصيرة لـ : فتحي العريبي

تسألني – مريم – لماذا أنت من دون سائر الفنانين الذين أعرفهم ولا أعرفهم تعشق الحمام على هذا النحو وتسمى مرسمك وخلوتك المنزلية وموقعك علي الإنترنت باسم : ( عش الحمامة ) وتطلقه يسبح على هواه في فضاءات برامجك المرئية ويحـط في لقطاتك الضوئية الباهرة ويستحوذ على الحديث بيننا ويطل من أحداقك لدرجة لم أعد معها أميز بين صوتك الغارق في الهمس وبين رجع هديله في الصباحات الباكرة .. ما القصة يا تري ؟

لطالما واجهتني مثل هذه الأسئلة اللذيذة المتزاحمة علي شفاه عذبة الحديث ومن صاحبات وجوه جميلة ولطالما لذت كثيرا بالصمت مستمتعا بالسؤال والدهشة معا ، غير أن الوضع مع – مريم – له مذاق آخر فاستعرت قميصه الأصفر الليموني ولبست بحـة حنجرته التي تسكر الفؤاد بل واستعرت – نزار – بكل نبضه وحضوره .. شعره ونثره وقلت لها هامسا : ماذا جرى في داخلي هل أنت ذات المرأة الأولى التي أحببتها من قبل ألف عام ؟ هل أنت ذات المرأة الأولي التي ملأت ( معارضي ) بالورد وبالنجوم والحمـام ؟
ابتسمت – مريم – أغمضت عينيها نصف إغماضه وقالت برجاء عميق : أهدني حمامة من تصويرك أو علمني كيف أرسمها !

أثر ذلك تزاحمت الأقلام الملونة فوق منصة الرسم وكل لون يحتج بأعلى توهجه على أنه الأجدر بهذا الحدث العظيم قبل غيره من الألوان .. فتدخلت – مريم – لحسم النزاع الملون وأخرجت من حقيبة يدها لونا محايدا وصرحت بدلال : خذ – مـرود – مكحلتي وأرسم لي حمامـة .

فقلت لها ومرودها المعطر يحاصر أنفاسي : إن غالبية هواة الرسم يا : مريم – لا يفرقون كثيرا في رسوماتهم بين رسم حمامة ورسم عصفورة من عصافير الدوري لان بعضهم لا يتعاطى قوة الملاحظة والانتباه من هنا يكون طيران الحمامة مختلف عن الثانية ، وقارني إذا وجدت لديك متسعا للمقارنة بين عصفورة الدوري وكيف تطوى أجنحتها حول نفسها وتمرق مثل سهم جسور وبين طيران الحمامة !! ستكتشفين كما اكتشفت أن كل خفقة من أجنحة حمامتي البيضاء لها وضع متفرد في الرسم أو التصوير .

طيران الحمامة من شرفة مرتفعة إلى محيط نافورة منخفضة يختلف كثيرا عن طيرانها من علي أحد أرصفة الميادين العامرة بطيور الحمام – بياصا نيفونا في روما علي سبيل التخيل – إلي قمة تمثال مهيب ، وقلت لها : طيران الحمامة من بناية إلى أخرى بنفس الارتفاع له وضع ثالث .


نظرت في عيني – مريم – وهى تتابع حركات يدي المسرحية واسترسلت قائلا : طيران الحمامة في يوم عاصف يختلف عن طيرانها في نهار صحو وطيرانها ضمن سرب يختلف هو الآخر عن طيرانها الانفرادي ، ففي الشكل الأول يكون منسابا في حدود دائرة واسعة حول موقع البرج ويخضع لقائدة المجموعة التي تتحكم في السرعة وفي تغيير الاتجاهات في الارتفاع وفي توقيت الهبوط ، أما في طيرانها الانفرادي فانه يكون سريعا وفي خط مستقيم وعلي ارتفاع شبه ثابت كما هو ملاحظ في طيران الحمامة الأنثى أما الذكر فانه يتقمص كعادة كل الذكور مظهر المباهاة ويطير ببطيء مصفقا بجناحيه ثم يفردهما للريح ساكنا بجسده للحظات كأنه – طيارة -ورقية كالتي تغنت بها مطربتنا المائية : فيروز .

وطيران صغار الحمائم والتي خرجت لتوها من أعشاشها الدافئة له أوضاعه المميزة ، لأن الطائر الصغير يبذل جهدا كبيرا في مطلع عهده بالتحليق ، ولا ننسى بطبيعة الحال الطيران الاستعراضي الذي يعقب المطاعمة والحب حيث يطير الذكر أولا مصفقا بأجنحته ثم تلحق به – وليفته – وكأن الأجواء العالية قد حجزت لنشوتهما الأبدية ، وقلت لها قبل أن يغتالني عطرها أو يتخلى عنى نزار : عليك بدراسة وجهها جيدا لأن تركيبه مختلف عما سواه من وجوه الطيور الأخرى ، وعليك أيضا تركيز النظر على أرجلها المغموسة في لون العاشقين والتي تمنحها تلك الخطوات الساحرة .


فتراجعت – مريم – خطوتين إلى الوراء وسارت باتجاه رف الكتب وأخرجت من جوفه ديوان ( في البدء كانت الأنثى – للشاعرة سعاد الصباح ) ثم عادت واتـكأت من جديد على حافة منصة الرسم وأعلنت بأنها تريد هذا الكتاب ليوم أو يومين.

أومأت بهزة من رأسيي بما يعنى الموافقة وقلت : إن جسم الحمامة رشيق ومتناسق وممتلئ مثلك تماما ، فرمقتني من وراء صفحات الكتاب بنظرة ذابت من سحرها الألوان وهمست : أرسـم !! فقلت منصاعا للأمر الأسطوري : طبعا سأفعل .. فأنا مفتون بجنونك ملبيًا لرغباتك من دون تردد أو إبطا.

القصة التالية : الرسم بقلم أحمر الشفاه


الرسم بكحل الحبيبة – قصة قصيرة
لـ : فتحي العريبي (*)

عن المجموعة القصصية والشعرية
( رعشة تتلذذ بأوجاعها )
منشورات مجلس الثقافة العام – 2008


ناشط تشكيلي ليبي مستقل

رئيس تحرير مجلة : كراسي

خلاصة سيرته الفنية باللغتين العربية والإنجليزية
أولا : باللغة العربية : http://www.kraassi.com/sera_2.htm
ثانيا : باللغة الإنجليزية :http://www.kraassi.com/Biography.htm

من almooftah

اترك تعليقاً