الموسيقار سهيل عرفة.. إبداع موسيقي متدفق

عرفة1

دمشق-سانا
تختصر مسيرة الموسيقار سهيل عرفة رحلة فنية تمتد نحو ستين عاما عايشت الأحداث والتطورات التاريخية التي شهدتها سورية لتكون مرآة حقيقية لما خاضه السوريون من تجارب وتحديات ولما حققوه من انتصارات وإنجازات.
ويبدأ الموسيقار عرفة حديثه لـ سانا بعرض لمراحل من حياته منذ أن أبصر النور في حي الشاغور الدمشقي العريق في أسرة محافظة عام 1935 وكانت فسحة الطفل سهيل الوحيدة ذهابه مع والده في شهر رمضان إلى الجامع الأموي للاستماع إلى ابتهالات المنشدين والتي كانت تجعله يذرف الدمع لما في هذه الابتهالات من سمو ورقة.
ويضيف عرفة كنت ككل الصغار من أبناء جيلي يودعنا آباؤنا عند أرباب المهن والحرف خلال العطلة الصيفية حتى نتعلم صنعة نزاولها عندما نكبر ولكن المهنة الوحيدة التي أحببتها وأتقنتها كانت تصليح أجهزة الراديو لأنها منحتني الفرصة للاستماع إلى ما كانت تبثه إذاعة دمشق من أغاني لأن الاستماع للموسيقا كان ممنوعا في بيتنا رغم أن الوالد كان من أوائل من اقتنى مذياعا على مستوى دمشق بأسرها.
وبرأي موسيقارنا فإن التشدد الذي أبدته أسرته ضد الفن ورفضها للموسيقا يعود للإرث الذي تركه الاحتلال العثماني في النفوس الذي كان يروج “أن الفنون كلها خروج عن الدين وعن الأخلاق”.
ويتابع عرفة: عبر مهنة تصليح أجهزة الراديو تعرفت على قسط وافر من الفنانين والمثقفين وبدأت بتعلم العزف على العود وكنت كلما أقتني واحدا وأجلبه معي إلى البيت تكون نهايته التحطيم وجزائي التأنيب والعقوبة الجسدية على يد والدي دون أن يثنيني ذلك عن متابعة دراسة الموسيقا وتطوير موهبتي.عرفة
وواتت الموسيقار عرفة الفرصة لدخول أبواب الإذاعة عندما استمع إلى عزفه الفنان عبد العزيز الخياط والد الموسيقار أمين الخياط فدعاه لحضور مجلسه الذي كان يحضره أمير البزق محمد عبد الكريم والفنانون عدنان قريش ورفيق شكري ونجيب السراج الذين قدموه إلى الإذاعة وليعتمد مطرباً في الإذاعة.
وكان على ملحن أغنية بلدي الشام الانتظار حتى عام 1958 ليضع لحنه الأول “يا بطل الأحرار” كأول أغنية شدا بها المطرب الراحل فهد بلان لتتالى بعدها الأعمال وفي مقدمتها ثلاث أغان للمطربة اللبنانية نجاح سلام وأشهرها “ورمانا بحبو يا قلبي”.
ويواصل عرفة حديثه قائلا انتقلت بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر للعمل في الإذاعة اللبنانية وخصص لي ركنا لعرض أعمالي حيث سجلت بعض الألحان لمطربين لبنانيين إضافة إلى نجاح سلام مثل الراحل نصري شمس الدين ومحمد زين وهيام ونزهة يونس وغيرهم قبل أن ألتقي مع الفنانة الكبيرة صباح وأنجز معها أغاني عديدة وصل عددها إلى عشرين أولها “من الشام لبيروت” وأشهرها “عالبساطة” التي أطلقت اسمي عربيا.
وبعد هذه الأغنية تتالت ألحان عرفة للمطربين العرب فلحن لشادية “يا طيرة طيري يا حمامة” تطويرا للحن أبو خليل القباني و”سكابا يا دموع العين” لشريفة فاضل و”الله لركب بالصاروخ” لسميرة توفيق و”يا مال الشام” لصباح فخري وسواها الكثير.
أما التجربة الفنية التي يتوقف عندها صاحب أغنية “يا بو الحناين” فهي شراكته مع فنان الشعب رفيق سبيعي حيث قدما مونولوجات ناقدة تعرضت للعادات والظواهر السلبية في المجتمع ومنها حبوباتي التلموذات وخدلك سيجارة ودرن درن يا زعبوب.
وكانت ثورة الثامن من آذار حافزا وطنيا لدى عرفة لإبداع أعمال تواكب المرحلة ليبدأ تعاونا مع الشاعر خليل خوري وليقدما معا مجموعة من الأغاني التي شدت بها المطربة اللبنانية دلال الشمالي وأشهرها “من قاسيون أطل يا وطني” و”قلعة التحدي” لتغدو هذه الأغاني عنوانا للمرحلة وتعبيرا عن طموح الشعب السوري.
وكان قيام الحركة التصحيحية في 1970 بمثابة المحرض في نشاط عرفة الفني ليقول “كان لدينا إحساس كامن بأننا سنشهد مدا عربيا ضد الطغيان الصهيوني بعد نكسة 1967 وانتاب الحماس نفوس الفنانين السوريين لصنع أعمال تجسد الشعور العام فوضعت لحنا لقصيدة الشاعر خليل هواري /بالعزم والإصرار والثبات/ أدته المجموعة الصوتية كما وضعت ألحان مسرحية “عرس التحدي” بطولة سميرة توفيق والراحل محمود جبر وفرقته إضافة للفنان الكبير الراحل وديع الصافي الذي كان أول تعاون لي معه”.
ويستذكر عرفة تعاونه مع الشاعر الراحل عيسى أيوب الذي يصفه برفيق العمر ليقدما سوية مجموعة من الأعمال الوطنية التي غناها سمير يزبك ومروان محفوظ ووديع الصافي وسميرة سعيد حيث يروي حكاية مؤثرة عن الراحل أيوب عندما أيقظه في إحدى الليالي فرحا بولادة ابنه البكر وليقرأ عليه قصيدة /يا بلادي/ التي أصبحت أغنية ذائعة.
وفي مجال الموسيقا التصويرية قدم عرفة أعمالا هامة وصلت حصيلتها إلى أربعين فيلما سينمائيا ما بين الروائي والقصير والوثائقي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما والقطاع الخاص بعضها نال جوائز عالمية فضلا عن عدد من المسرحيات للمسرح القومي ولجهات أخرى وعشرات المسلسلات والسهرات التلفزيونية.
الإرث الموسيقي والوطني الذي يمتلكه عرفة جعله يتصدى لتقديم أعمال خلال الأزمة التي تشهدها سورية فيقول “لم أتغيب عن واجبي تجاه وطني وقمت بتلحين مجموعة من الأغاني الوطنية لعدد من الفنانين ومنهم وديع الصافي ومروان محفوظ وجان خليل ونانسي زعبلاوي وأكثر هذه الأغاني تشيد ببطولات الجيش العربي السوري التي يسطرها بأحرف من ذهب بالانتصار على هذه الحرب الكونية التي لا يمكن لبلد في العالم الوقوف بوجهها” مستغربا إيقاف تصوير هذه الأغاني ما حال دون عرضها على شاشات التلفزيون.
ويختتم الموسيقار عرفة بالقول رغم كل ما يقدمه الفنانون الشباب من أعمال وطنية خلال هذه المرحلة فإنها لم ترق حتى الآن إلى ما كان يقدم أيام الزمن الجميل من أغان باستثناء بعض التجارب القليلة.
يشار إلى أن وزارة الثقافة ستصدر قريبا كتابا عن مسيرة الموسيقار سهيل عرفة الفنية بقلم الأديب والصحفي الراحل ياسر المالح.

محمد الخضر و سامر الشغري

من almooftah

اترك تعليقاً