قصر الرياس (حصن 23) في سفح القصبة


لطالما كان قصر الرياس في سفح القصبة حارسا لجوهرة البحر الأبيض المتوسط طوال أربعة قرون من المجد و المقاومة ضد الهجمات الإسبانية و البرتغال.
و يتكون حصن 23 الذي بني في 1576 بأمر من الداي رمضان باشا من ثلاثة قصور تحمل الأرقام 17 و 18 و 23 كانت تمثل قلاع منيعة ضد الغزاة و امتدادا طبيعيا للقصبة.
بصفته شاهدا مميزا على مجد فريد، يقف قصر الرياس بشموخ كمدافع عن المدينة و يطل على البحر الذي تزول أمواجه منذ عدة قرون عند قواعد أسوار القصر و تزينها برغوة بيضاء. و عند مدخل قاعة الحصن 23، ينتاب الزائر إحساس غريب بالفضول و التقديس في جو مفعم بالأحداث التاريخية. الهندسة المعمارية تمثل معجزة حقيقية تجمع بين الرخام اللامع و الفسيفساء التي تزين الجدران.

مع البحر منظر عام لقصر الرياس
إن سحر المكان و عظمته يجعلان الزائر يصعد الأدراج التي تؤدي إلى الطابق الأول على طول منحدر منقوش بالدرابزينات باللون الماهوجني ببراعة ليجد نفسه في رواق مضاء بسخاء يؤدي إلى باحة. و رغبة منه في اكتشاف المزيد، ينتقل الزائر إلى قاعة حفلات فخمة تعكس أّذواق القدماء فيما يخص الخزانات الحائطية المزينة بالأبواب الزجاجية الملونة بآلاف الألوان.
و يكتشف الزائر من خلال باب سفلي المطبخ الذي كان يحتفظ برائحة الآلاف من التوابل تم جلبها من بلاد بعيدة إذ تجزم النفوس الحساسة بأنها لازالت تشم هذه الروائح. و في إحدى زوايا الغرفة أيضا هناك موقد كان يستعمل لطهي الأسماك و شواء اللحوم.
و يواصل الزائر المنبهر بحضارة ازدهرت لمدة طويلة في منطقة البحر الأبيض المتوسط رحلته عبر الزمن لاستكشاف المجهول وراء أبواب الرواق التي تحملها دعائم من الرخام لازالت تشهد على المجد. و على الرغم من وجود بنية مماثلة لقاعة الحفلات، تمثل الغرف الأربعة متعة حقيقية للزوار الذين لا يسعهم إلا أن يعجبوا بالزخرفة التي تعكس عبقرية الأنامل التي صممتها.
و يتميز الطابق الثاني المحاط بدعامات من الرخام و الدرابزيات المزينة بالمنحوتات الفنية بسقف زجاجي بعدة ألوان يملأ الرفوف بإشعاعات رائعة. و عند مخرج القصر، هناك إسطبل على اليسار يمنح للزائر شعور بأن الحيوانات لا زالت هنا تصهل و تقفز لاستقبال الزوار الجدد.
و لا يختلف القصر رقم 18 و هو البناية الثانية التي كانت بمثابة مرسى للرياس كثيرا عن القصر رقم 23 الذي يحتوي على عدد أكبر من الغرف. و يتواجد القصر رقم 17 الأصغر حجما بالقرب من أكواخ الصيادين. و مر الحصن 23 الذي شهد عصرا مجيدا بفترة صعبة عندما احتُـل غداة الاستقلال بصفة عشوائية من قبل عائلات كانت تعاني من أزمة سكن قبل أن يتم التخلي عنه.
و أمام هذه الكارثة الثقافية، تم التكفل بالموقع و تصنيفه كتراث تاريخي. و شهد هذا الكنز التاريخي عملية ترميم بادرت بها وزارة الثقافة بمساعدة الوكالة الوطنية للمواقع التاريخية.
و استمرت عملية الترميم التي أشرفت عليها مؤسسة إيطالية و تقنيين جزائريين من 1987 إلى 1993 بحيث سمحت للحصن باستعادة مجده السابق.
كما تسعى وزارتي الثقافة و الاتصال بالتعاون مع مديرية قصر الرياس إلى أن تجعل من هذا الموقع مركزا للإشعاع الحضاري.
و هكذا أصبحت الوفود الأجنبية التي تأتي إلى الجزائر تزور هذا الموقع التاريخي. و بالإضافة إلى ذلك، يتوافد الزوار يوميا على القصر من خلال بوابة خشبية ضخمة تسمح لهم باكتشاف التاريخ.
و من بين الشخصيات الشهيرة التي زارت القصر الرئيس الكولومبي و ولي عهد الأردن و وزيرا الثقافة التركي والسنغال والسلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر.

منظر داخلي لقصر الرياس
و علاوة على ذلك، يحتضن قصر الرياس عدة معارض و نشاطات ثقافية طوال السنة إضافة إلى حفلات بمناسبة الأعياد الدينية. و يسهر على صيانة الموقع أربعون عونا منهم 6 محافظين و منشطات ثقافية و مهندس معماري و أعوان أمن. و عند سفح القصبة، يروي الحصن 23 الذي تغمره الأمواج لزواره أربعة قرون من التاريخ و مجد أمة أشرق طويل على البحر المتوسط.

من almooftah

اترك تعليقاً