في حوار العروبة مع

الشاعر منير العباس

(( ستبقى يدي على زناد صوتي حتى تعود لوطني ابتسامته ))

نجاح حلاس – العروبة

 DSCF0704 [1600x1200]

 صوت الشاعر منير العباس منذ بداية الحرب الكونية على سورية التي تسكن كل خلية من خلايا دمه . وكيف يهدأ هذا الصوت الوطني الرافض للظلم وهو يرى خبث المتآمرين على بلاده وتهافتهم لتقطيع الجسد السوري !..

DSCF0762 [1600x1200]

.كيف يهدأ وهو يرى ما فعلته الجامعة العبرية بحق سورية الحبيبة ، وما فعله عربان النفط أذناب أمريكا والغرب ، ودعمهم للعصابات المسلحة بالمال والسلاح إرضاءً لأسيادهم ….. لم يكن أمام هذا الشاعر إلا أن يحارب كل هؤلاء بالكلمة لأنه مؤمن بدورها الفاعل وقدرتها – كما السلاح – في الذود عن حياض الوطن فكانت قصائده وابلاً من نار تسقط فوق رؤوس المتآمرين ومرتزقتهم ، تعري أخلاقهم الساقطة وتحكي قصة وطن صامد في وجه أعتى إعصار…وطن قدم أبناؤه أرواحهم على مذبح الحرية فسقت دماؤهم ترابه وأزهرت شقائق النعمان.‏

ولأن صوت الشاعر منير العباس صوتاً شعرياً مقاوماً يؤمن بفعل الكلمة ودورها في النضال فقد آثرنا أن نلتقيه لنسأله بداية :‏

– الشعر فضاء كبير من خلاله يعبر الشاعر عما يجيش بداخله من مشاعر وأحاسيس تجاه قضايا وطنية وأخلاقية وإنسانية فماذا يعني لك الشعر ؟‏

ج – الشعر خيمةٌ تسكنني فأسكنها ، الشعر ياسمينُ بندقيتي وبندقيةُ ياسميني ، الشعرُ انتصارٌ للوطن والانسان ، الشعر نبوءَةٌ وقيمٌ ونبلٌ وعطاء ،الشعر سلسبيل الظمآنِ ورغيفُ الجائع وأمانُ الطَّريد ، الشعر ذاكرةُ الماضي ومائدة الحاضر وآمالُ المُستقبل .‏

وباختصار الشعرُ ناصرُ الظَّالِمِ والمظلوم وإن لم يكن كذلك فهوَ مُجرَّد خربشاتٍ على جدارٍ من سراب .‏

– كيفَ تُولد القصيدة عند الشاعر منير العباس ؟‏

ج – قد أتاكِ الجوابُ في سؤالك : (( كيفَ تولدُ القصيدة ؟ )) ، أجل إنَّها حالةُ ولادةٍ ولكنها ولادةٌ لا إرادية ، ولادةٌ عفويةٌ مشوبةٌ بمخاضٍ جراحُهُ مُستساغة .‏

فالشعرُ لا يأتي بقرار بل بوحيٍ يوحى من لا مكانٍ ولا زمان وما الشّاعرُ إلا رحماً حاضناً أو قدراً تنضجُ فيه القوافي على نارٍ وقودها الآمالُ والآلام‏

– الوطن بأحزانهِ كيفَ يكون حاضراً في قصائدك ؟‏

ج – الوطن لم يغِب ولن يغيب عن ومن روحي فكيفَ يغيبُ من حروفي ، وهُنا أستميحكِ عُذراً أن أُجيب بهذه الأبيات :‏

(( وَطَنِي وَأَنْتَ طُفُوْلَتِي وَرُجُوْلَتِيْ=وَلَكَمْ عَشِقْتُكَ لِلْعُرُوْبَةِ مَوْئِلا‏

وَطَنِي وَأَنْتَ حَبِيْبَتِي وَبُنَيَّتِي=وَالْوَالِدَانِ وَمَنْ بِحُبِّكَ يُبْتَلى‏

إِنِّي إِلَيْكَ لَقَادِمٌ مَا رَدَّنِي=إِنْ كُنْتُ فِيْ نَعْشِ الْوَدَاعِ مُحَمَّلا‏

فَالْحُرُّ مَهْمَا غَابَ عَنْ أَوْطَانِهِ=فَلَسَوْفَ يَرْجِعُ لِلتُّرَابِ مُقَبِّلا ))‏

– الموضوعات التي تطرقتَ إليها في قصائدك ؟‏

ج – قيلَ ويُقال الشعرُ ديوان العرب وأنا أُضيف : الشعرُ فضلاً عن ذلك هو الشِّراع الذي يمكِّنكَ من الإبحار في ضمير الإنسانية لبلوغِ مكامن الدرِّ في أعماقها وربّما كنتُ أحد المبحرين لذلكَ حمَّلتُ مركبي الأدبيّ عموماً والشعريّ خصوصاً مواضيعَ متعدّدة ومتنوعة ، كتبتُ في الوطن راسماً ابتسامتهُ ومُبلسِماً جراحهُ ، كتبتُ مواجِعِ المرأةِ ومظلوميتها في مُحاولةٍ لتحريرها من قيودِ الذّكورة ، ربَّتُّ بحروفي على الأكتافِ الإيجابيّة وبحروفي أيضاً صفعتُ الوجوه الهادمةِ في وطنٍ عنوانه الشّموخ .‏

– غلبَ على شعركَ النهج المقاوم ، لماذا اخترتَ هذا الطريق ؟‏

ج – المقاومة فطرة الشعراء ولكنَّ بعض الشعراء – وللأسف – يئدونَ فطرتهم .‏

فالمقاومة بمفهومها العام تعني مواجهة كلَّ ما ومن يستهدف خير الإنسانيَّة ، وفي المفهوم الخاص تعني صيانة الوطن من كل اعتداء يمسّ وحدته واستقلاله وأمنه وثقافةِ أبنائه ورغيفهم .‏

وانطلاقاً من قناعتي وإيماني بأنَّ الحقوقَ لا تُستردُّ من غاصبها بابتسامةٍ سوداء ولا بيضاء فقد زخَّرتُ قلمي برصاص أبجديتي ولقَّمتُ قصائدي وستبقى يدي على زنادِ صوتي حتّى تعودَ لوطني ابتسامة النصر أو يمنحني وطني شرفَ الشَّهادة على تُرابِ طهرهِ‏

– المرأة في شعرك كيف بدت ؟‏

ج – المرأةُ العربية عموماً وفي بلاد الشّام خصوصاً هيَ امرأةٌ طامحةٌ جامحة ، ولكنَّ طموحها وجموحها غالباً ما يصطدمان ببرازخٍ من أظافر المجتمع الذكوريّ . وقد تناولتُ مثالب المجتمع الذّكوريّ في معظم قصائدي كما أفردتُ للمرأةِ روايةً بعنوان (( خريف الذكورة )) عرَّيتُ فيها المجتمع وصلبتهُ أمامَ مرآةِ ذكورته ، وتركتهُ يدمعُ نادماً أو شبه نادم على تلكَ الجراح التي خّلفتها أنيابه الذكّوريّة في جسد المرأةِ بكافة تجلياتها، وأعظم تجليات المرأة الأمومة .‏

كما أفردتُ ديواناً خاصّاً بقضايا المرأة أسميته (( لستُ أكثر من جسد )) وهو عنوان إحدى قصائد الديوان ، وقد حاولتُ في هذا الدّيوان تحطيم سدّان الذّكورة السلبيَّة وتصويب تعاطيها مع المرأة فقلتُ في إحدى قصائدي وبلسان المرأة :‏

((أنا كُلُّكُمْ يا سادةً‏

أنا بَعْضُكُمْ‏

إنِّي وَفي أَدْنَى احْتِمالاتي:‏

أنا نِصْفُ البَلَد ْ‏

***‏

أنا إِنْ وُئِدْتُ‏

فَكُلُّكُم مثلي‏

وَقَدْ وُئِدَ البلدْ ))‏

– هل تمارس كتابة الأجناس الأخرى بعيداً عن الشعر ؟ وهل تؤثر اللغة الشعرية المتوهجة على النمط الآخر من كتاباتكَ إن وُجدت ؟‏

ج – كتبتُ الرّواية والقصّة القصيرة فضلاً عن المقال الكلاسيكيّ والمقال القصصّيّ السّاخر ، وقد صدرَ لي ثمانية مجموعاتٍ شعريّة وثلاث روايات ومجموعة قصصيّة ومؤلَّف قانونيّ كوني محامياً إضافةِ إلى المئات من المقالات وبعض الدراسات النقدية .‏

أما عن لغتي الكتابيّة فقبضتي على قلمي كقبضةِ الفلاّحِ على رمحِ محراثه ، أجرحُ الأرضَ بقلمي لتنزفَ سنابل من خيرٍ وأمن ، وتنتفضَ ياسميناً من جمالٍ وعطر ، وتصليّ حبّاً وسلاما ، وسيبقى قلبي على زنادِ قلمي حتّى تكتملَ ابتسامةُ الوطن .‏

– هل تكتب الشعر غير العمودي ؟‏

ج – أكتبُ شعر التفعيلة والشّعر المحكيّ ولكنّي أجدُ نفسي في الشعر العموديّ ، فأنا بطبعي أعشقُ التّراث فأحاولُ تقمّصهُ شكلاً ومضموناً مع مُراعاة استخدام المفردات المألوفة لدى المُتلقّي ، فليسَ على المتلقّي أن يمسكَ قاموساً ليبحثَ في معاني مفردات الشاعر بل على الشاعرِ أن يكونَ قاموسَ المُتلقّي فيبتعد عن المفردات التي تشكِّلَ برزخاً طلسميّاً بينَ أذن المتلقي ولسان الشّاعر .‏

– هل تعترف ببقية الأنماط الشعرية ؟‏

حقيقةً للشعرِ أنماطٌ متنوعة ولكني لا أرى من الشعرِ ولا في الشعرِ ما يُسمى بشعر النثر ، فالشعرُ والنثر قطبانِ أدبيان متوازيان لكلٍّ منهما منبعهُ ومصبّه .‏

وما يُسمى القصيدة النثرية حتّى الآن لا تملك جواز سفر ولا أظنها ستملك لأنّها لم تنبت في بيئتنا العربية بل هيِ نتاجٌ مستورد من الغرب ، وهذه القصيدة تعيشُ حالة انفصام بينها وبينَ المُتلقّي العربيّ ، كما ان الانقسام النقدي لا يزال كبيرا على قصيدة النثر . وأدونيس الذي يستشهد بهِ شعراء الحداثة أراهُ مفكِّراً كبيراً ومُثقّفاً عظيماً لكنّني لا أراه شاعراً وليسَ بالضرورةِ أن يكونَ المُفكِّر شاعراً ولو كان ادونيس يعلم انه قادر علي السباحة بجوار نزار قباني وعمر ابي ريشة والبياتي والجواهري لما كتب قصيدة النثر مطلقاً‏

– بماذا تنصح الشعراء الذينَ يُمارسون الكتابة الشعرية النثرية ؟‏

ج – هُنالكَ جنسٌ أدبيّ جميلٌ وراقٍ في ثقافتنا العربيّة هو الخاطرة وهي رديفةٌ للشعر ولا تقلّ جمالاً عنه ، لذلك أنصح كتّاب الخاطرة بتأصيلِ هذا التراث والابتعاد عن السباحة عكس التاريخ وفي مياهٍ ضحلةٍ لا تُغذي جدولاً ولا ترفدُ نهراً ، وإلاَّ فإنَّهم ساقطونَ من شُرفةِ الأدب ومنتحرونَ على صخرة الشّعر .‏

– هل استطاع النقد العربي أداء مهمته في توطيد العلاقة بين الشاعر والجمهور؟‏

ج – حتّى الآن لم يتبلور في النقد العربي ناقدٌ متكاملٌ ذوقاً وذهناً ونزاهةً وحياديَّة ، وقد يكون الناقد من حيث تفكيره تقدمياً وذوّاقاً ومُتكاملاً ولكنه عندما يلجُ عتبة النقد يدور في زواريب الشخصنة والمحسوبيات . وبصراحةٍ أقول _ وللأسف _ إنَّ الضمير النقديّ راحَ في اجازة ، ومعايير النقد اصبحت سياسية وأيديولوجية وشخصية ونفعية .‏

– يتَّهمكَ البعض بالمباشرة فماذا تقول في ذلك‏

ج- لدي تحفظ بالنسبة لتعبير المباشرة ولا أعتقد أن المباشرة عيب ، وأعتقد أن القصيدة المباشرة فنيا والتي أتعامل معها من خلال كتابتي هي أصعب وأخطر بكثير من القصيدة التي يغلب عليها التوغل في الذات ، أي القصيدة الذاتية . والقصيدة المباشرة الموزونة المقفاة التي على أوزان الخليل بن أحمد. تتعبني أكثر من القصيدة الغارقة في الرموز التي يستر الشاعر فيها عيوبا كثيرة ، لذلك فقصيدة ” أدونيس ” فنيا صعبة على القرَّاء وسهلة جداً على الشَّاعر، وأسهل على الشاعر كتابة قصيدة من طراز قصائد أدونيس من أن يكتب قصيدة مباشرة وتكون ناجحة فنياً أيضا وتفرض احترامها.‏

– هل ينتهي أدب المقاومة بعودة الحقوق التي فجَّرت براكينه ؟‏

ج – حقوقنا ستعود ولن تتقادمَ مع الزمن مهما طالَ هذا الزَّمن أو قصر ، ولكن إذا انتهى الأدب المقاوم لأنَّ قضايانا وعلى رأسها قضيتنا المركزية القضية الفلسطينيَّة حُلَّت فليذهب هذا الأدب إلى الجحيم .‏

100_8195 [1600x1200]

فالشاعر المقاوم دائماً قضيَّته الإنسان والصراع بين الخير والشّر ، هذا الصِّراع قائمٌ قيام الكون ، وبرأيي أنَّ الصّراع بين الخير والشرّ ليسَ ” صراع إلغاء ” وإنّما ” صراعُ غلبة ” ، إنّها سنّة الكون وعلى الأديب عموماً والشّاعر خصوصاً أن يُقاوم ويُقاوم لتبقى الغلبةَ للخير وسيبقى أدبهُ خالداً بما تضمنه من جماليات ، ولنأخذ مثالاً المتنبي ، فبعضُ قصائد المتنبي أتفه من قضايا شعبه ، كهجائهِ لكافور ومديحه لسيف الدولة الحمدانيّ ، ومع ذلك نجد في مديح هذا وهجاء ذاك قيمٌ جمالية شعرية لاتزال خالدةٍ في ذاكرة العرب .‏

من almooftah

اترك تعليقاً