راح يا حبيبى راح

الصورة أقوى من الكلمة، لن أجادلك فى هذا لكن أعتقد أنك ستتفق معى أن الصورة القادمة من الكلمة تعطى فرصة لبناء عمل أفضل، فالفيلم القادم من بين سطور الروايات وقلب كلمات القصص يحمل مزيجاً ساحراً و يفتح الطريق للحصول على نقد جيد من النقاد المتربصين و إيرادات ممتازة من جمهور متقلب و من يدرى لعلها تكون ليلة حظك و تكون شققت به طريقك نحو عالم الجوائز و الأوسكار.. لمَ لا؟؟

أحد المخرجين المتمزين قال بأن صناعة الأفلام لا تكون من العدم.. لابد من الاقتباس. و ما سنستعرضه هنا هو اقتباس لكنه غير مجرّم أو ممنوع. سنتحدث عن أفلام وُلدت فى عالم الأدب بين ضفتى غلاف ثم انتشلها مخرج متميز ليحولها إلى مشاهد فى عمل يستحق الخلود. هنا يمتزج عالمى الأدب و الفن السابع فى خلطة سحرية لا تخيب.. هنا عالم الأدب السابع.

(Gone baby Gone)

دينيس ليهان .. (Dennis Lehane) لعلك لم تسمع هذا الاسم من قبل و لا ألومك إن لم تفعل، لم اعرفه إلا بالصدفة و إذا بى أجده مؤلف عدة روايات منها ثلاثة على الأقل صٌنعت منها أفلاماً تعتبر الأفضل من الأفضل هم Mistake River 2003) –  نهر الغموض 2003) للمخرج العظيم كلينت إيستوود و معه طاقم من العظماء كيفن بيكن و شين بين و تيم روبينز حيث نال الأخيرين أوسكار أفضل ممثل و ممثل مساعد على التوالى عن دورهما فى الفيلم، (Shutter Island 2010 – الجزيرة المغلقة 2010) للمخرج العملاق مارتن سكورسيزى و المبدع ليوناردو دى كابريو و معه مارك روفالو و ممثل الأوسكار بن كينجسلى ، و الثالث هو فيلمنا اليوم (Gone baby gone 2007 – ضاعت الطفلة للأبد 2007) ..هو إذن كاتب يستحق المتابعة و الإحترام.

هو أصغر اخواته الخمسة و مواليد بوسطن و خريج جامعتها. فى روايته الأولى عام 1994 (مشروب قبل الحربA drink before war ) صنع بطليه باتريك كينزى و أنجيلا جينارو شريكا العمل الذين يعملا كمحققين فى البحث عن المفقودين، سيستمر معه هذين البطلين فى ست من رواياته (خذ بيدى أيها الظلام1996 –  Darkness, Take my hand 1996 ، مقدس 1997- Sacred 1997  ، ضاعت الطفلة للأبد 1998- 1998 Gone baby Gone ،المصلون للأمطار 1999-  1999 Prayers for rain ، و ميل فى ضوء القمر 2010- Moonlight Mile 2010)– حتى الآن- و هما بطلا فيلم المقال.لكن الشهرة الحقيقة جاءت مع رواية (نهر الغموض 2001) عندما اختطفها إيستوود و وصل بها للأوسكار و بدأت الأنظار تلتفت لروايات هذا المبدع.استغل هذا النجاح و سعى عدد من الجامعات لحجز محاضراته لطلابها و توجه لمهنة التدريس و هو يدرّس حالياً فصل الربيع فى جامعة سان بيتسبيرج فى فلوريدا.أصدر مجموعة قصصية و مسرحية (كورنادو 2006- Coronado: Stories ) ثم الرواية التاريخية عن الفترة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى  (اليوم الموعود 2008 -The Given Day 2008) التى صرح فيها أنها عمل خمس أو ست سنوات و أطلق عليها “الحوت الأبيض العملاق” الذى استنفذ كثير من وقته، قرر بعدها العودة لثنائيه المفضل فى (ميل فى ضوء القمر 2010) و مؤخراً صدرت له (حياة الليل 2012 –  Live By Night 2012) التى تعرضت لعالم العصابات و تهريب الكحول فى عشرينيات القرن الماضى و التى أعلن مؤخراً بين أفليك عن نيته لكتابة السيناريو لها و إخراجها فى فيلم يحمل نفس العنوان و يكون هو أحد أبطاله فى 2015.

يتميز دينيس بشيئين فى كل روايته سواء كانت أحداثها تدور فى الماضى أوالحاضر.الأول :أنك لا تملك إلا أن تتعاطف مع جميع أبطال الرواية فلا أحد فيهم شرير صاف و لا الطيب خال من الزلات،الكل ظالم و مظلوم. أما الثانية: فهى تأثره جداً بمدينته بوسطن حيث تقريباً جعلها موضع أغلب رواياته و جعل من أحداثها منبع لحكايته كما فعل فى رواية (اليوم الموعود) و بنى كثير من الرواية على أحداث تمرد شرطة قسم بوسطن عام 1919.هذا بجانب أسلوبه الذى لا يمكن إعتباره من الأكشن الصرف حيث يحمل فى طياته الكثير من الدراما و المفاجآت الحادة غير المتوقعة.

خاض دينيس عالم الكتابة للسينما و رغم إعلانه رفضه أن يكتب السيناريوهات لرواياته التى كتبها لأنه لا يملك الرغبة فى العمل على ابناؤه الصغار على حسب تعليقه ، إلا إنه لم يترك هذا العالم و كتب عدة حلقات من مسلسلات شهيرة مثل (السلك 2002-2008)  و (مملكة الطريق 2010- حتى الآن) لكن يبدو أن كل هذا كان مجرد إحماء لما هو قادم حيث كتب سيناريو لفيلم من طراز الحركة و الغموض الذين يبدع فيهما سيكون بطله توم هاردى الصاعد بقوة لعالم النجومية بعنوان (إنقاذ الحيوان) فى 2014 إن شاء الله.

على حد علمى لا أعتقد أنه توجد ترجمة عربية لأى من روايات دينيس، لكن إن كنت صاحب لغة انجليزية قوية و تحب  قراءة الأعمال بلغتها الأصلية فببحث صغير على مواقع التورنت ستجد عدداً من رواياته متوفراً على صفحات الإنترنت.

الفيلم إنتاج عام 2007 سيناريو كلاً من بن أفليك و آرون ستوكارد و من إخراج بن أفليك أيضاً.عائلة أفليك حاضرة بقوة حيث البطل كيسى أفليك الذى ظننته قدم للفيلم على سبيل الواسطة لكنى عدلت من رأيى بعد مشاهدة الفيلم، فملامحه الطفولية تخدم جداً فى رسم شخصية المحقق الغر الذى يستخف به الجميع فى البداية.كيسى هو المحقق باتريك كينزى و شريكته أنجيلا جينارو هى الجميلة ميشيل مونغان.يبدأ الفيلم بداية هادئة على عكس المتوقع يحكى فيها كيسى/باتريك عن الحى و الناس و يلخص الفيلم كله فى سؤال يسأل فيه قسيسه عن كيف النجاة فى مدينة قاسية كهذه؟فيجيبه أنه على الخراف التى تعيش وسط الذئاب أن تحظى بحكمة الثعابين.

تسخن بعدها الأحداث بدون ذرة تأخير..مرت ثلاث أيام و الطفلة أماندا ابنة الجارة هيلينا مكريدى – تقوم بدورها آمى ريان  و نالت ترشيحاً للأوسكار عنه-مختفية  و رئيس الشرطة جاك دويل الذى يقوم بدوره العملاق الأسمر مورجان فريمان يعدها بأن يعيدها، تأتى زوجة أخو الأم بى مكريدى و معها زوجها ليونيل مكريدى و يطلبا من الزوجين المحققين أن يساعدا فى إيجاد الطفلة و بعد كثير من الإقناع و الإحتجاج بعدم جدوى مشاركتهم يذهبوا لبيت هيلينا.لا تساعدهم هيلينا و لا الشرطة لكنهم يعرفوا أن هيلينا مدمنة و عند دخولهم غرفة الطفلة لفحصها يقابلهم رئيس الشرطة لأول مرة و رغم تقليله من شأنهم يجعل اثنين من رجاله يتعاونا معهما.يتجها بعدها إلى الملهى حيث تتعاطى هيلينا و هناك يعرفوا أن هيلينا لم تذهب لمشاهدة المسلسل مع صديقتها كما أدعت و لكنها كانت فى الملهى برفقة مدمن آخر يدعى راى لكنسكى وقت اختطاف ابنتها..يتعرضوا بعدها لإعتداء من أحد رواد الملهى لكن باتريك يتصدى له فى مشهد متوتر

يتقابلا بعدها مع الضابطين..ريمى بيرسنت يقوم بدوره إيد هاريس و مساعده نيك يقوم بدوره جون آشتون.يتبادلا المعلومات فيخبروهما عن راى لكنسكى بينما يخبرهما الضابطين عن شكهما فى ثلاثة اشخاص زوج و زوجة مدمنين و الثالث متحرش أطفال،يتوجها بعدها لأحد معارفهما الذى يعمل كموزع مخدرات فيسألاه عن الثلاثة لكنه لا يعرف لهم طريق.يذهبوا بعدها جميعاً ليواجههوا هيلينا بما عرفوه فى مشهد رائع تظل تراوغهم و يهاجموها حتى تعترف بأنها كانت توزع مخدرات لتاجر مخدرات شهير يُدعى شيز و أن البوليس قبض على من كانوا سيستلموا منهم النقود لكن لم يشك فيهم هى و راى لأن أماندا كانت بصحبتهم و أعطتهم صورة الأسرة لا صورة موزعى مخدرات.بعدها عادوا للبيت و تركوا أماندا لتنام و ذهبوا لمنزل راى

فى الطريق لمنزل راى يستجوب المحققان هيلينا و يعرفا منها أنها خافت من التواصل مع شيز و سؤاله عن ابنتها لأنها لا تعرف إن كان يعرف هل سرقوا منه النقود أم لا؟.تنفجر فيها أنجيلا

فى منزل راى يجدوه مقتول و معذب،لم يخبر معذبيه بمكان النقود لأنه لا يعرف..هيلينا تعرف و تخرجها.يقرر الضابطان و المحققان بشكل غير رسمى التفاوض مع شيز و شريكه كريس..النقود مقابل البنت فى مشهد قوى

لا يصلا لشئ و يعودا للبيت بلا نتيجة ليفاجئهما تليفون فى الصباح من قسم الشرطة بأن شيز اتصل بالضابط ريمى و أخبره انه يقبل التبادل.يذهب المحققان للقسم فيجدا رئيس الشرطة دويل يعرف كل شئ و بالرغم من اقتناعه بأنهم ورطوه فى عملية تبادل غير شرعية ، يصمم على الاستمرار لإنقاذ الطقلة لأنه فقد ابنته من قبل و لن يسمح بتكرار هذا

يذهبا للمنطقة المحددة لإجراء التبادل و ينقسما إلى فريقين كما طلب تشيز منهم..يرتبك المشهد و ينطلق الرصاص و يُسمع سقوط شئ فى مياة البحيرة.تنظر أنجيلا فترى دمية أماندا تطفو على وجه المياة و جثة تشيز بين الضابطين.تقفز أنجيلا لكنها لا تمسك شئ.تُعلن أماندا ميتة و يتم تسريح رئيس الشرطة من عمله و تُكتشف جثة كريس شريك تشيز مقتولاً بعد الحادثة بأسبوع.تسوء الحالة النفسية لباتريك و أنجيلا.بعد مدة، يتم خطف الطفل جريسوم و ميداليته الفضية..يأتى مروج المخدرات صديق باتريك و يخبره أنه عرف مكان الثلاثة و يصطحبه إليهم.يدخل باتريك فيلمح فى يد أحدهم ميدالية جريسوم و ييلغ الضابطين الذين يقتحما البيت قبل وصول الشرطة لإنقاذ جريسوم لكن تتأزم الأحداث و يصاب الضابط نيك بطلق نارى فيتدخل باتريك و يقتحم المنزل ليكتشف جريسوم و يقتل القاتل المغتصب رغم استسلامه فى عملية إعدام بطلقة فى الرأس من الخلف