نزيه بدور: قصصي هي حكايات حب مؤجلة

يشتغل الروائي والقاص نزيه بدور، منذ عدة سنوات على مشروعه، ذاك المشروع الإبداعي الذي يزاوج بين حرفنة فن القص، وبين المشروع الروائي المختلف عن السائد والمنحاز إلى ماهو مبتكر الذي يحمل نكهة الخصوصية.
أنجز في الرواية عملاً أقل ما يقال عنه إنه للذكرى، روايته: (إعلان مقتل الدكتور علي)، التي ترجمت إلى اللغة الروسية والبلغارية، وفي القصة القصيرة: (على شفا حب) مجموعة قصصية، تكاد تكون بنفسجاً سورياً يغرس بامتياز حزن بنفسجه في واحة من شقائق النعمان في حديقة القصة القصيرة السورية د. نزيه بدور السوري بامتياز يحدثنا عن ألق وقلق جمرة الإبداع في صقيع زمن بارد مثلما هي أيامنا:

·بدأ الروائي هاني الراهب قاصا ثم انتقل إلى الرواية ، كذلك حنا مينة وغيرهم أنت بدأت بالرواية ومن ثم اتجهت إلى القصة القصيرة. مارأيك؟
** للقصة القصيرة قدرة عالية على التحريض وهي كالبرق تضيء الحقيقة المعبّرة، وتساهم في بناء وعي إنساني متطوّر، كذلك للرواية عالم متكامل يستفيد من كل الأجناس الأدبية والمذاهب الفنية والإبداعية عامة، الرواية تتناول مجتمعاً بأكمله أو شريحة اجتماعية عريضة يمثلها بطل أو عدة أبطال وعبر جغرافيا متنوعة وأزمنة مفتوحة.
الأحداث والفكرة والزمن هي ما تفرض تناول المبدع لهذه الأفكار إما في الرواية أو في القصة القصيرة، شخصياً أميل إلى القصة القصيرة، وحين أكتب الرواية أكتبها بروح القصة عبر الإيقاع السريع والتكثيف اللغوي.
· إذا استثنينا عنصر الحكاية في القصة والرواية، هل ثمة تقاطعات أخرى فيما بينهما؟
** ليست الحكاية هي القاسم المشترك الوحيد بين الرواية والقصة القصيرة، بل هناك تقاطعات أخرى كثيرة بينهما، ويمكن القول إن كلا الجنسين الأدبيين هو حقل خصب لجماليات اللغة وفنون التعبير في النص الأدبي، يمكن أن تتألق الحكاية وتخبو البنية والتشكيلات اللفظية أحياناً وفي أحيان أخرى يزدهر النص بتشويق الحكاية وجماليات السرد في آنٍ معاً، لكن المقاس الوحيد في جميع أجناس الأدب هو الشعرية وهذا ينطبق على السينما أيضاً.
عندما تعجبنا قصة أو رواية أو فيلماً سينمائياً فهذا مؤشر على حالة شعرية راقية في العمل الأدبي والفني تكون قد تركت في وجداننا انطباعاً قوياً، وإذا كانت الحكاية والعبرة هي عماد القصة القصيرة وإحدى أهم عناصرها فإن الرواية هي عالم آخر منعتق من هيمنة الحكاية ومتمرد على جميع القواعد، وقد تتكون الرواية من حكاية أو عدة حكايات، أو حالة من السرد المتدفق لأحداث متقاطعة أومتوازية وأصوات متداخلة تتكئ على التاريخ والخيال والمثيولوجيا أحياناً، وأحياناً أخرى تلتصق بأمانة بالواقع وتفصيلاته.
· هل تعتقد أن الواقعية التي كتبت بها روايتك (إعلان مقتل الدكتور علي) يمكن لها أن تأخذ خيوط اللعبة ومفاتيحها من الرواية الحديثة؟
** الواقعية مذهب فني معروف موغل في القدم ومستمر. وللرواية الحديثة عوالمها ومناخاتها، وللواقعية سحريتها وجماليتها وديمومتها. أحيانا الموضوع المطروق يفرض على الأديب اتخاذ منهج أدبي فني يتماهى مع الفكرة والحدث، ماذا لو أن أحلام مستغانمي أخذت لغة عبد الرحمن منيف لأحداث رواياتها أو العكس، النتيجة ستكون محزنة، إذ لكل عمل روائي لغته ومذهبه وطقوسه، ليس بالضرورة أن يكون ما هو واقعي (فوتوغرافي) أو توثيقي، ينبغي الاعتراف بسحر وجمالية الواقعية لكي يتم التمتع بالسريالية.
· مجموعتك القصصية: (على شفا حب)، لم تنل حظها من القراء، على عكس روايتك التي تلقفها القارئ بحب وبحماس. لماذا؟
** هذه المجموعة وضعت فيها خبرتي المستجدة في فن القص، قوبلت بفتور من أولئك القراء، ولاقت استحسان النخبة والاختصاصين ربما لأن مواضيع مجموعتي القصصية هذه لم تنجح في لامسة شريحة عريضة من الناس. وأزعم أن الحب لم يعد جزءاً عضوياً من ثقافة المجتمع العربي الراهن، لكنه جزء من ثقافة وشخصية كل من يلامس الفن والعمل المبدع بشكل أو بآخر، إنه الملهم للفنان والمحفز الرئيسي للإبداع. المجموعة من العنوان إلى جميع القصص داخل دفتيها هي إعلانات هزيمة مؤقتة للحب أمام ثقافة (البورنو) والمصلحة الانتهازية وثقافة الاستهلاك، وأنا في الأساس أردت أن أقدم أجواء ومناخات مختلفة عن أجواء روايتي، أردت أن أغوص في حياة رجال الأعمال الميسورين ومن يدور في فلكهم من نساء ومال وأسفار، كذلك كتبت قصصا قصيرة عن الوسط الأدبي والإعلامي وعلاقاته الإنسانية، والقوانين التي تحكم أحيانا علاقات الجنسين في ذلك الوسط الذي يشكل أو ينبغي أن يشكل ضمير الأمة ووجدان التاريخ، ومن موقعي كمهندس ومدرّس في الجامعة، أكنّ أعظم الاحترام للكثير من الأدباء والأديبات والإعلاميين. يبدو أن قصصي هي قصص حب مؤجلة، ربما.
· أنت رئيس النادي السينمائي بحمص، ومنذ عدة أشهر عاد النادي إلى نشاطه السابق، كيف تقومون باختيار الأفلام، وما هو مستواها الفني والفكري؟
** السينما فن عظيم وأزعم أنه فن خالد لا يمكن لفن آخر أن يأخذ موقعه، هذا الفن يتطور بسرعة مدهشة مواكبا تطور الحياة والعلوم والتقانة وينهل من بقية الفنون. الفيلم السينمائي هو وعاء للأدب والتاريخ والموسيقى والرقص والتصوير والفنون التشكيلية وفنون الهندسة الداخلية.
من الناحية الفنية نقدم أفلاماً ذات مستوى عال، وعادة ما نختار أفلاماً حائزة على جوائز، مثل أفلام الأوسكارات. على سبيل المثال عرضنا الفيلم الألماني (حياة الآخرين) الحائز على أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنكليزية لعام 2007، والجائزة الكبرى في مهرجان السينما الأوروبية الذي أقيم مؤخرا في «وارسو».
كما قدمنا الفيلم الإسباني (البحر داخلي) والحائز على ذهبية التمثيل في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2004، والتي حصل عليها بطل الفيلم الممثل الإسباني المعروف «خافيير بارديم». أيضا جرى عرض فيلم إيطالي وأفلام أخرى متميزة. ومن ناحية أخرى الأفلام المعروضة، ذات محتوى فكري جيد، وحاملة لرسالة إنسانية تناهض التعصب والعنصرية وتتفق مع احترام حقوق الآخرين، كالفيلم الإسباني (أشباح غويا) ـ إنتاج 2007 ـ يقدم المخرج إدانة واضحة لجميع الاحتلالات والحروب التي تقوم بدعوى نشر الحرية والديمقراطية.

حاوره: أحمد عساف

من almooftah

اترك تعليقاً