الطاهر بنجلون أديب مغربي، فرنكفوني، من مواليد فاس في الأول من دجنبر 1944، حاصل على دكتوراة في علم النفس الاجتماعي سنة 1975 بفرنسا، له عدة مؤلفات أدبية من شعر و روايات و محاولات، أشهرها “الليلة المقدسة” و الذي نال من خلالها جائزة الغونكور، ويعتبر من أكثر من ترجمت مؤلفاته من بين الأدباء الفرنكفونيين.
الطاهر بن جلون متوّجاً في بلاده
قد ينسى بعضنا أن «غونكور» المغربي شاعر قبل أن يكون روائيّاً. صاحب «ليلة القدر» الذي كرّس بصفته الثانية، عاد إلى المنزل الأوّل، ليتسلّم «جائزة الأركانة»… ويوقّع مختارات معرّبة من دواوينه
الرباط| حين يردّد الطاهر بن جلون هذه الأيام أنّ القصيدة ملاذ حقيقي، لا يجب أن يؤخذ كلامه هذا على محمل الاستعارة. فقد احتضن الشعر صاحب «ليلة القدر» بالفعل هذه المرة. بعد الحرب الشرسة التي شنّتها الصحافة الفرنسية عليه أخيراً، إثر اعتراضه على ترشيح رواية ميشال ويلبيك «الخريطة والإقليم» لجائزة «غونكور»، غادر الروائي المغربي كرسيه في «أكاديمية غونكور» موقتاً
، باتجاه خيمة القصيدة. خيمة رفع أوتادها «بيت الشعر في المغرب»، وسط «مسرح محمد الخامس» في الرباط، مساء الاثنين 13 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، حيث تسلّم بن جلون «جائزة الأركانة العالمية للشعر» في دورتها الخامسة.
في العاصمة الفرنسية كانت تصريحات بن جلون نارية في وجه ويلبيك، المعروف بمواقفه العنصريّة تجاه العرب والقضيّة الفلسطينية. أنكر بن جلون على الروائي الفرنسي انتماءه إلى الأدب، مشيراً إلى أنّه مجرّد «نجم روك»، وأنّه ما كان ليقرأ روايته «الخريطة والإقليم»، لولا أنّ مسؤوليته في لجنة «أكاديمية غونكور» تُلزِمه بذلك. أما في المغرب، فقد تحوّل فوزه بـ«الأركانة» إلى محفزٍ للوشوشات في المجالس: كيف ينال من يلقِّبه الفرنسيون بـ«بلزاك العصر» أرفع جائزة شعرية مغربية؟ أما كان أولى لو عادت الجائزة إلى شاعر استثمر في القصيدة مجمل مساره الأدبي، ونسج حروف اسمه كاملة على نول القصيدة؟
لم يكن بن جلون يملك إجابات عن هذه الأسئلة. فهو عادة لا يجرؤ على تقديم نفسه بصفة الشاعر. لكن لجنة تحكيم هذه الدورة التي ترأسها الشاعر المغربي الكبير محمد السرغيني توجته بجائزتها، في مغامرة شعرية تحفَّظ عليها بعضهم همساً، فيما حيّا آخرون جرأتها. وبعيداً عن النقاش بشأن مدى صوابيّة هذا الخيار، يحسب لـ«بيت الشعر» أنّه أفسح المجال لتكريم الطاهر بن جلون، لأول مرة في المغرب. فالروائي المغربي الحاصل على «جائزة غونكور» عام 1987 عن روايته الشهيرة «ليلة القدر»، يبقى أكثر الأدباء المغاربة اقتناصاًً للجوائز العالمية، وترجمةً إلى اللغات الأجنبية (44 لغة)… إلا أن «الأركانة» هي أول جائزة يحصل عليها في بلده. أنصف المغرب بن جلون متأخراً، كأنّه فضل تكريمه على الصفة التي غادر بها البلاد للمرة الأولى باتجاه منفاه الفرنسي: صفة الشاعر.
لم تأتِ قصيدة بن جلون الأولى عن المرأة، وعيون الحبيبة، كما هي أغلب قصائد البدايات، بل جاءت عن الجرح والغضب والألم. كتب قصيدته الأولى «فجر الشواهد» أثناء اعتقاله في «ثكنة هرمومو» بين تموز (يوليو) 1966 وكانون الأول (ديسمبر) 1967. وسرعان ما احتضن عبد اللطيف اللعبي في «أنفاس» هذا الصوت الشعري الشاب، قبل أن يتطوع المناضل اليساري أبراهام السرفاتي لتقديم ديوانه الأول «رجال تحت كفن الصمت». وبقي الشاعر يواصل نشر قصائده في «أنفاس» بعد خروجه من السجن، وحتى عام 1971حين عُرِّبت مادة الفلسفة، ليختار المدرِّس الشاب الهجرة نهائياً إلى فرنسا…
في تلك السنة كتب بيانه الشعري الشهير «أكتب لكي لا يكون لي وجهٌ. أكتبُ لأقول الاختلاف»، وهو البيان الذي ذيّل به مجموعته الشعرية «ندوب الشمس». ثم توالت دواوين بن جلون على امتداد أربعة عقود: «حديث الجمل»، و«مجهولو الهوية»، و«أشجار اللوز من جروحهم تموت»، و«في غفلة عن الذكرى»، و«مارسيليا مثل صباحِ أرقٍ»، و«مُصابٌ بالصحراء»، و«صاعداً الرماد»، و«جِنين وقصائد أخرى».
لعلَّ صدور هذه الأعمال مجتمعة عام 2007 عن منشورات «غاليمار» الفرنسية، هو ما أعاد إلى الواجهة صوت الطاهر بن جلون الشعري. وكان محمد برادة أوّل من قرّب هذا الصوت من قراء الضاد إذ ترجم ديوانه «حديث الجمل» عام 1975، قبل أن يتصدى كاظم جهاد لترجمة كل من «صاعداً للرماد»، القصيدة الطويلة التي خصصها لحرب الخليج الأولى، و«مجهولو الهوية» الديوان الذي يحتفي بمجموعة من الشهداء الفلسطينيين. هذا المسار الشعري، إضافةً إلى التزام الطاهر بن جلون بالقضايا الوطنية، وارتباطه بالتراث الشعبي، وانحيازه إلى الشعر ليس في القصيدة فقط، بل في أعماله الروائية أيضاً… كلّها عناصر جعلت بن جلون جديراً بـ«الأركانة».
بدا الطاهر سعيداً بأول جائزة له في المغرب، وبأول تتويج له شاعراً. لأنّنا «نستشهد بالشعراء لا بالروائيين أو المؤرخين. نجعل منهم شهوداً حينما نردّد: «كما قال المتنبي»»، كما لاحظ في كلمته خلال حفل التكريم. بدا سعيداً أيضاً لأنّ تصفيق جمهور الشعر في «مسرح محمد الخامس»، وأغاني فرقة «ناس الغيوان» التي أحيت الحفلة، أنسياه معاركه مع الصحافة الفرنسية، مع روائيي فرنسا الجدد الذين لا يملكون من الرواية إلا صرعة الموضة الزائلة.
نبذة حول الأديب: الطاهر بن جلون
الاسم: الطاهر بن جلّون .
مولده :
ولد في فاس في 1 / 12/ 1944م.
تعليمه :
درس في طنجة عام 1955 حيث التحق بإحدى المدارس الفرنسية هناك. ودرس الفلسفة في الرباط ثم بدأ يدرسها إلى غاية 1971 حين إعلان الحكومة المغربية عزمها تعريب تعليم الفلسفة. ورداً على هذه الخطوة، غادر المدرّس الفرنكوفوني المغرب صوب فرنسا حيث حصل على شهادة عليا في علم النفس.
محطات :
– اعتقل عام 1966 مع 94 طالب آخر لتنظيمهم ومشاركتهم في مظاهرات 1965 الطلابية، وهي تجربة دفعته بحماس إلى تبني نوع آخر من المقاومة أساسه الكلمة لا الفعل.
آرائه :
– بالنسبة للطاهر بن جلون، فيتجلى صدى نزعته الإنسانية العلمانية في آرائه السياسية التي غالبا ما يعبر عنها في مقالات تنشرها الصحف الفرنسية.
فعلى الرغم من انتقاده للعنصرية في المجتمعات الأوروبية، فهو يعتبر أن العنصرية جاءت نتيجة الإخفاق في إدماج جاليات المهاجرين في بيئاتها الجديدة. فهو يرى أن اللوم يقع على الطرفين. حيث يقول إن الحكومات قد أخفقت في إدماج المسلمين ذوي الأصول الشمال أفريقية في ثنايا تكوينها العلماني فتركتهم داخل “غيتوهات” يترعرع فيها التطرف وتتجه عكس العلمانية التي مافتئت أوروبا تباهي بها. والمهاجرون من جهتهم بقوا متبعين لأساليب حياتهم المعاكسة لمبادئ المساواة التي يعتقد بن جلون في ضرورة معانقتها إن هم أرادوا البقاء في أوروبا.
– قال لموقع موروكو تايمز على الويب “المرأة يجب أن تكون مساوية للرجل في العالم العربي…إن نحن أردنا التقدم إلى الأمام”. وتربط دعوة بن جلون إلى المساواة بين كتاباته وبين منظومة اعتقاد راسخ في المثل الفرنسية التعادلية والعلمانية.
ما قاله النقاد :
– يقول هشام الصباحي:
لا تستطيع أن تتملص من سطوته وقوته وقدرته على احتواءك والسيطرة عليك تماما حتى لو استحضرت كل ما تملك من وعى وقوة ومقاومة حتى لا تقع تحت تأثيره وفى اللحظة التي تتأكد أنك أصبحت حرا منه هي نفسها اللحظة التي تدرك انك واقع كاملا تحت سطوته وتدور وتعيش وتتنفس عالم هذا الرجل الذي يجبرك أن تبحث عن أعماله وتتابع بدقة ما ينتجه.
مؤلفاته :
– تلك العتمة الباهرة .
– أن ترحل
– ليلة القدر
– الليلة المقدسة
– طفل الرمال
– الإسلام مشروحاً
– تفسير العنصرية لابنتي
– غزالة وتنتهي العزلة
– يوم صامت في طنجة
– حرودة
– نزل المساكين
– المرتشي
– صلاة الغائب
– أعناب مركب العذاب
– الكاتب العمومي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمات له
كان القبر زنزانة يبلغ طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف أما سقفها فوطئ جداً يتراوح ارتفاعه بين مائة وخمسين ومائة وستين سنتيمترات . و لم يكن بإمكاني أن أقف فيها.
***
طوال ساعة أو أقل ، أبقيت عيني مفتوحتين ، و فمي فاغراً ، لكي أتجرع ما أمكن من الضوء ، لكي أستنشق الضياء و أختزله في داخلي ، و أحفظه ملاذاّ لي فأستذكره كلما أطبقت العتمة ثقيلة فوق جفني ، ابقيت جذعي عارياً لكي يتشبع جلدي بالضوء و يختزنه كأثمن ما يقتنى .
***
أحلم بأن أسمع كلمات ، بأن أدخلها في رأسي ، و أكسوها بالصور و أجعلها تدور كدولاب مدينة الملاعب و أضن بها و أستذكرها عندما أشعر بالألم ، عندما يستبد بي الخوف من الجنون. هيّا ، لا تكن مقتراً ، إحكِ ، إخترع إذاً ما شئت و لكن إمنحنا شيئاً من مخيلتك .
***
أن نعمر الأشياء مجدداً كأن الحفرة لم تكن هي القبر ، ذلك كان قوام نضالنا ، المتصل ، الدؤوب ، المعاند. ألا نستسلم. ألا نفكر لا في جلادينا و لا فيمن خطط و رسم مسبقاً أدق تفاصيل السبيل الذي سيسلكه الموت ، متباطئاً ، متباطئاً جداً ، الى ان ينتزع أرواحنا دمعة تلو دمعة ، كيما يحل العذاب في الجسد و يخمد ناره وئيداً حتى الإنطفاء الكلي .
***
عندما أتذكر .. ما عدت أخشى الموت من الحنين. حتى إني لم أعد لم أعد محتاجاً الى إحراق الصور و إعادة ترتيبها. صرت أقوى من إختبار الدموع الذي يفضي الى نفق آخر. أرى الى ذكرياتي كأنها ذكريات شخص آخر. و لست ، أنا سوى دخيل متلصص .
***
فلسوف أكون من الناجين ما دامت لي القدرة على الصلاة و على التواصل مع الخالق. لقد بلغت أخيراً عتبة الأبدية ، هناك حيث لا وجود لحقد البشر و خستهم و صغاراتهم. هكذا بلغت ، او كنت أعتقد أني بلغت ، وحدة سامية ، تلك التي ترتقي بي فوق الظلمات و تبعدني عن المتجبرين على كائنات ضعيفة. ما عاد في صدري لأنين. لقد أحيلت جميع أعضاء جسمي كلها الى الصمت ، إلى شكل من أشكال السكون الذي لم يكن تماماً هو الراحة ، و لا الموت .
***
الشيء الوحيد الذي تمكنت من المحافظة عليه هو رأسي ، عقلي. كنت أتخلى لهم عن أعضائي , و رجائي ألا يتمكنوا من ذهني ، من حريتي ، من نفحة الهواء الطلق ، من البصيص الخافت في ليلي. ألوذ بدفاعاتي متغافلاً عن خطتهم. تعلمت أن أتخلى عن جسدي. فالجسد هو ذلك المرئي. كانوا يرونه ، و يستطيعون لمسه و بضْعَه بنصلٍ محمّى بالنار ، بإمكانهم تعذيبه ، و تجويعه ، و تعريضه للعقارب ، للبرد المجمد ، غير إني كنت حريصاً أن يبقى ذهني بمنأى عنهم. كان قوتي الوحيدة .
القصيدة السابقة (من رواية ( تلك العتمة الباهرة ))