فيليبو توماسو مارينيتي

من ويكيبيديا
فيليبو توماسو مارينيتي
فليبي توماسو اميليو مارينيتى اتولد في 22 ديسمبر 1876 واتوفي في 2 ديسمبر 1944، كان شاعر وأديب ورئيس تحرير مصرى ايطالى وهو اللى اوجد الحركة المستقبلة (Futurism) في الفن والموسيقي والأدب في بداية القرن العشرين

الحركة دى اتميزت بالدعوة لترك التقليد ومحاولة التعبير عن الطاقة الدينامية المميزة لحياتنا المعاصرة.

طفولتة ومراهقتة[تعديل]

اتولد إيميليو أنجيلو كارلو مارينيتي لعيله إيطالية في اسكندرية، مصر اللى اتربي ودرس فيها، حبه للأدب تزامن مع دراسته، في سن 17 أنشأ مجلته المدرسية الاولانيه ” ورق البردى ” Papyrus، هددته المدرسة اليسوعية بالفصل منها لأنه نشر رواية إعتبرتها “فاضحة” إميل زولا.

أرسلته عيلته لباريس، فرنسا فتخرج واخدالبكالوريوس في سنة1893، إنضم لكلية القانون بجامعة بافيا اللى هى جامعة إيطالية مقرها مدينة بافيا بمقاطعة لومبارديا مع اخوه الأكبر “ليون”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الأهرام -الطبعة الدوليةإيطاليا تحتفل بابن الإسكندرية “مارينيتي” مؤسس المستقبلية

القاهرة:
– FutuRoma – هو عنوان المهرجان الذي تحيي به روما، تزامنا مع عدد من العواصم الأوروبية ومدن إيطالية أخري، ذكري مرور قرن علي مولد الحركة الفنية المعروفة بالحركة المستقبلية. بتنظيم من بلدية روما بالتعاون مع وزارتي الشئون الخارجية والثروات والأنشطة الثقافية يأتي الحدث غنيا بالمبادرات والاحتفالات ذات الأهمية العالمية، بدءا من 20 فبراير وامتدادا إلي الشهور القادمة، بغية السماح للزائر بأن يعيش الحركة المستقبلية أو المستقبلة ويعرفها مع تحقيق انطلاق جديد لعناصر الحداثة التي تتسم به رسالتها الفنية.
في 20 فبراير 1909 خطّ الكاتب “فيليبو تومّازو مارينيتي” بيان المستقبلية ونشره علي جريدة “لوفيجارو” الفرنسية. والبيان يعد الإعلان المؤسس لحركة سرعان ما أحدثت ثورة في جزء كبير من المعايير الشعرية في النصف الأول من القرن العشرين. حركة قُدر لها أن تؤثر كل الأشكال الفنية بنظريات وأفكار رافقت الحياة الثقافية والفكرية للقرن بأكمله.
هكذا ولدت الطلائع الإيطالية الأكثر خصوبة، التي كان من سماتها الرفض الجذري للماضي وللتقاليد، والقائمة علي طموحها إلي أن تعطي لعملها التجديدي بعدا شاملا كاملا، أثر لاحقا علي كل أشكال التعبير وكل أنواع الفنون (الأدب والمسرح والرسم والنحت والموسيقي والرقص)، من أجل الغوص في كل مجالات الحداثة في الحياة الاجتماعية والعادات (السينما والتصميم والدعاية والأثاث والمأكولات والتصوير الفوتوغرافي والهندسة المعمارية والموضة).
وفيليبو توماسو إميليو مارينيتي ولد في 22 ديسمبر 1876 وتوفي في 2 ديسمبر 1944، كان شاعرا وأديبا و رئيس تحرير و هو من أوجد الحركة المستقبلة Futurism في الفن و الموسيقي والأدب أوائل القرن العشرين و تميزت بالدعوة إلي طرح التقليد جانبا ومحاولة التعبير عن الطاقة الدينامية المميزة لحياتنا المعاصرة.
ولد إيميليو أنجيلو كارلو مارينيتي لأسرة إيطالية في الاسكندرية، مصر حيث تربي ودرس فيها، حبه للأدب تزامن مع دراسته ، في سن السابعة عشرة أنشأ مجلته المدرسية الأولي “ورق البردي” Papyrus، هددته المدرسة اليسوعية بالفصل منها لأنه جلب رواية اعتبرتها “فاضحة” لإيميل زولا.
أرسلته أسرته إلي باريس، فرنسا حيث تخرج وحصل علي البكالوريوس في 1893، انضم إلي كلية القانون بجامعة بافيا مع شقيقه الأكبر “ليون”.
– والمستقبلية واحدة من اهم حركات الحداثة الفنية والادبية التي ظهرت في العقدين الاولين من القرن العشرين علي يد الشاعر الايطالي مارينيتي (1876 ـ 1944) تميزت هذه الحركة بالدعوة الي تحطيم كل شيء، قواعد الفن واللغة والادب والموسيقي وكل مؤسسات الحضارة الغربية من متاحف واكاديميات ومسارح وقطع كل صلة مع الماضي وتراثه الفني لانه حسبها مثل الجمود والسكون أي (الموت) فوظيفة الفن المستقبلي ليس باتباع اثر الماضي انما باتباع ايقاع الحاضر والمستقبل والمتمثل في التقدم العلمي والتكنولوجي، فاصبحت الالة والنظريات العلمية هي التي تلهم الفنان المستقبلي وحجتها في ذلك أنه لا انفصام بين الفن والحركة، لذا فإن البيان المستقبلي الاول الذي وقعه مارينيتي الذي نشرته صحيفة لوفيجارو في (22) من شباط عام 1909 اعلن فيه صراحة موت فن الماضي وولادة فن مستقبلي يستلهم الانجازات العلمية والتكنولوجية التي اخذت تظهر متسارعة مع دخول البشرية القرن العشرين،
– فبعد ان مجد البيان الحركة والسرعة هاجم ما أسماه طغيان الهارموني في الموسيقي الغربية وعلي كل الاساليب والاشكال التقليدية (الكلاسيكية) في مجال الشعر فقد دعا البيان الشعراء المستقبليين الي تبني اسلوب الاشادة بالاندفاع والطيش وحب المخاطر، فتأثيرات نيتشه والاراديين واضحة في البيان المستقبلي الاول، بالاضافة الي تأثيرات هنري بيرجسون في ان فعل الانسان يجب ان يكون مرتبطا بالحاضر وليس بالماضي والاموات، ومنه اخذ مارينيتي فكرة الحركية (الدينامية) وربطها بوظيفة الفن المستقبلي الذي قطع كل صلة بالماضي، البيان عبر عن رؤية المستقبليين لدور الشعر، وسجلوا في البداية اعتراضهم علي شعر (الماضي):
لم يعبر الشعر حتي يومنا هذا الا عن الاشياء الخامدة والاستسلام للملذات. فوظيفة الشعر المستقبلي الان هي في تمجيد (الحركة): اما نحن فسوف نمجد الحركة المغامرة، والارق المحموم. سنمجد الحياة بكل عنفوانها، وبكل بهلوانياتها وصفعاتها ووخزاتها.
مارينيتي يريد بهذا ان يحصر وظيفة الشعر في تسجيل (الصراع) وذلك لان (الجمال) مسكون فيه: لا (جمال) الا في الصراع. ولا عمل يفتقر الي روح المغامرة، والعدوان يمكن اعتباره اثرا رائعا.
فكر الفاشية الايطالية لم يكن بعيدا عن (المستقبلية) في تمجيد روح الحرب والعدوان والمغامرة، مارينيتي نفسه كان ناشطا بارزا في حزب موسوليني الفاشي، البيان المستقبلي الاول مجد الحرب والروح العسكرية، كثير من النقاد الفنيين اعتبر الحركة المستقبلية تعبيرا عن تطلعات مثقفي البورجوازية الايطالية الصغيرة في ان تقوم ايطاليا بلعب دور اكبر في الثقافة والسياسة والحرب في اوربا خدمة لمصالحها المستقبلية، الحركة لم تخف موقفا شائنا تجاه المرأة وذلك بتأثير الفكر الفاشي الشمولي الذي يمجد القوة والعنف والعدوان:
سوف نمجد الحرب ـ عافية العالم، والروح العسكرية، والوطنية، والروح التخريبية عند الفوضويين، والافكار العظيمة التي يستشهد في سبيلها الرجال.. اما المرأة فسوف تكون موضع احتقارنا.
بيان المستقبلية يبشر بهدم كل المؤسسات الثقافية والنضال ضد الاخلاقية: سوف نهدم المتاحف، والمكتبات والاكاديميات بلا تمييز ونكافح ضد الاخلاقية، والدعوة للمساواة بين الجنسين، وكل الدوافع النفعية الشريرة.
المستقبليون يرون ان حاجة الانسان المعاصر انسان المخترعات والتكنولوجيا هو ليس الي (المعرفة) المرتبطة بالماضي وانما هو بحاجة الي الفعل الي الدينامية الي الحاضر، التأثيرات المستقبلية لم تنحصر فقط في مجال الشعر الذي راح يمجد الحرب والالة والطوربيدات والطيران بل امتد الي مجال الرسم والنحت والموسيقي، امبرتو يوتشيوني رسام ونحات مستقبلي استلهم (العنف والقوة) بعد اشتعال الحرب العالمية الاولي في رسومه وكانت لوحته (الرماحون) قد اظهرت العنف بوضوح، هذا الرسام اصدر من جانبه بيان الرسم المستقبلي حيث انكر فيه ان يكون الشكل واللون يعبران عن (الحقيقة) كما كان الامر في رسومات الماضي، وانما (الحركة) هي التي تعبر عن الحقيقة لان كل شيء في الوجود هو في (حركة) و(تغيير) مستمرين وانكر ايضا وجود (الفراغ) اذ ان الفراغ هو “عبارة عن الجو الذي تتحرك وتتداخل الاجسام”.
الاجسام عند الرسامين المستقبليين ظهرت علي هيئة (حركة وضوء) واللون عن “لحن موشوري”، فاهتمامهم بالحركة دفعهم لرسم الات السباق، الرقص، الخيول، وقد استعاروا من المدرسة التكعيبية (السطوح المتقاطعة) و(الزوايا الحادة) في التعبير عن الحركة، الرسام المستقبلي (بالا) رسم كلبا صغيرا ظهرت ارجله وكأنها عجلة دراجة تسير، الناقد الفني هربرت ريد رأي لوحات المستقبليين زاخرة بالحركة والزمن والفراغ، الخطوط والاشكال الهندسية لها مدلولات جمالية ونفسية. عند الفنانين المستقبليين فالخط المستقيم عندهم يدل علي الطهر الخالص وهو يعبر عن الالية، لذا فان الرسام المستقبلي يرفض المكعب والهرم لانها اشكال جامدة، اما الزاوية الحادة فهي عنده تعبير صارخ عن الحركة والانفعال، اما الخطوط المائلة فانها اشبه باسهم سقطت من السماء فهي تقوم بوظيفة استفزاز (حواس) المشاهد. الرسام المستقبلي مأخوذ لحد الهوس برسم الدوائر والتي تبدو وكأنها (دوامات) اما المخاريط فانها تذكرهم بانفجارات القنابل، اختلاف الاشكال والاشياء المتعددة الايقاعات تحقق عندهم اللاتوافق (اللاهارموني) الذي يعتمد عليه الرسام المستقبلي وهذا ما عبر عنه اشهر الرسامين المستقبليين وهو (كارلو كارّا).
امبرتو بوتشيوني يندد بالنحت الكلاسيكي:
في بيان النحت المستقبلي الذي اصدره بوتشيوني عام 1915اظهر ازدرائه واحتقاره للنحت الكلاسيكي والذي شبهه بالفن (البربري) داعيا النحاتين المعاصرين الي التخلي عن نحت التماثيل التي تجسد (عري) الجسد البشري، ودعاهم الي التركيز علي ما سماه (الايقاع التشكيلي الخالص) عوضا عن (الشكل الخالص)، والي تجسيد الحركة في الجسد بدلا من نحته، اما ما يخص (مواد النحت) فقد رفض بوتشيوني في بيانه (لرخام والبرونز) واجاز استخدام اكثر من مادة في نحت عمل واحد كالزجاج والخشب وغيرها من المواد، فنانين من مدارس فنية اخري يتفقون مع المستقبلية من ان الفن هو حركة بحد ذاته مثل الرسام (بول كليه): “ان الفن التصويري ينبع من الحركة، وهو بحد ذاته حركة ويدرك من خلال الحركة”.
من مأثرة المستقبليين انهم نادوا باستخدام المواد الشفافة كالزجاج في الاعمال الفنية فاستخدمت في الفن المعماري.
المستقبلية والموسيقي:
وضع مارينيتي والمستقبليون هدف الغاء (الايقاع التوافقي) الهارموني في الموسيقي فلجأ بعضهم الي ابتكار الات ميكانيكية تقوم بعزف ما سموها (موسيقي الضجيج) كما سعوا الي اكتشاف (الاصوات الغريبة) وتدوينها رواد الموسيقي الكونكريتية سعوا بدورهم ايضا الي نفس الاتجاه فالموسيقي عندهم هي تتابع امواج صوتية من مختلف المصادر، نوطه، ضوضاء، ايقاع وغيرها.
المستقبلية تمهد الطريق للدادائية والسوريالية:
مأثرة المستقبلية هو (الحداثة) التي طبقتها في مجالات الرسم والنحت والشعر والموسيقي ورفضها لفن الماضي الذي مات ودعوتها الي فن يمجد الحركة والتغيير والسرعة، لان الفن الحالي هو تعبير عن ايقاع الحاضر، هذه الفكرة القائلة بموت فن الماضي وجدت صدي وقبول لدي الحركات الفنية والادبية التي ظهرت بعدها مثل الدادائية التي اسسها الشاعر كريستان نزارا والسوريالية الاكثر شهرة وديمومة والذي اوجدها الشاعر اندريه بروتون، الحركتان قامتا ايضا علي فكرة (موت فن الماضي) والقطيعة مع كل ما يمت بصلة الي الماضي سواء في الفن والادب او في السياسة والسلوك والاخلاق والدين، فالحداثة عند الدادائية والسوريالية هي نفسها عند المستقبلية: الانكار والرفض لكل قواعد واساليب الفن القديمة.
100عام علي مانفستو المستقبلية.
وفي دراسته حول مارينيتي وحركته يقول الدكتور ” حسين محمود ” رئيس قسم اللغة الايطالية بجامعة حلوان: 20 فبراير الماضي مرت مائة عام علي صدور مانفستو الحركة المستقبلية، والذي نشر في مثل ذلك اليوم بصحيفة لوفيجارو الفرنسية وبدأ به عهد جديد في الأدب والفن في أوروبا. أما توقيع المانفستو فكان لشاعر إيطالي شهير، ربما لم نعرفه حق المعرفة في اللغة العربية، رغم أنه، بشكل أو بآخر، ممن ينتمون إلينا، وممن أنجبتهم مدينة الإسكندرية مشاهير الأدب الإيطالي مثل أونجاريتي وانريكو بيا وفاوستا شالنتي.
إنه فيليبو تومازو مارينيتي، ابن الإسكندرية الذي فتح باب الأدب أمام العلم، وفتح باب العلم أمام الأدب، ودعا إلي الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا، باعتباره السبيل الوحيد للوصول إلي القوة التي ينبغي أن يتسلح بها الإنسان العصري. بعد مارينيتي لم يعد هناك خلاف أو اختلاف بين العلم والأدب، وإنما أصبح نقيضا القرن التاسع عشر هما توأم القرن العشرين، يسيران جنبا إلي جنب، مع ما انطوي علي ذلك من خطورة أوهام القوة التي ترجمها القرن العشرين في حربين عالميتين أبادتا الأخضر واليابس في القارات الخمس، وأثارت جدلية العلاقة بين الفكر والسلطة.
ولد مارينيتي، في الإسكندرية يوم 22 ديسمبرعام 1876، من أبوين كانا يعيشان معا في الإسكندرية (بزواج عرفي)، واسمه الحقيقي يثير مشكلة كبيرة، فاسمه المعمد به هو ايميليو انجلو كارلو، ويظهر في كثير من الوثائق مثل شهاداته الدراسية باسم فيليبو اكيلله إيميليو وفي الفرنسية كان اسمه فيليب اكيل اميل، وفي العائلة كانوا يسمونه تومازو أو توم أو توماس. وعندما كان شاعرا شابا كان يوقع باسم فيليبو تومازو، وأخر اسم اشتهر به نقله عن والده هو فيليبو تومازو مارينيتّي.
استقر أبوه وأمه في الإسكندرية بعد قصة حب دامية في إيطاليا هرب علي أثرها الشابان وجاءا إلي الإسكندرية، حيث عمل الأب محاميا مدنيا، وكانت الأم قبل نزوحها إلي مصر ابنة أستاذ أدب بجامعة ميلانو. ولسابق زواج أمه قبل حضورها من إيطاليا جاءت شهادة ميلاده “من أم مجهولة” أما الأب فهو فيليبو تومازو، أكبر محام في عصره في مدينة الإسكندرية. وورث الابن من أبيه قوة الشكيمة والإصرار، أما أمه فكانت ناعمة رقيقة ربت ابنها علي الشعر والفن.
في الإسكندرية كان مارينتي يدرس في مدرسة سان فرانسوا خافيير، وهي مدرسة للجزويت. ولكنه في فبراير عام 1894 أنشأ مع زملائه بالمدرسة مجلة مدرسية اسمها “أوراق البردي، أو Papyrus” وهي المجلة التي جرت عليه المتاعب مع الرهبان الجزويت الذين غضبوا منه وعليه عندما نشر في مجلته نصوصا عن إميل زولا، فاضطرت أسرته علي إثرها أن ترسله إلي إيطاليا لكي يكمل تعليمه الجامعي هناك. ولكن المهم أن بوادر المستقبلية كانت قد بدأت تظهر في مثل هذا العمر الصغير، كما أظهرت كتاباته كما كان شجاعا جريئا لا يرضي بالتوافق والاتفاق مع السائد.
وفي بافيا بإيطاليا التحق مارينتي بكلية الحقوق ولكنه واجه فيها موقفا صعبا عندما فقد شقيقه الوحيد ورفيق صباه ودراسته والذي مات بسبب نوع غامض من مرض ضمور الأطراف، وهو الموقف الذي هزه بعنف وأثر عليه مدة طويلة من حياته. وتخرج مارينتي في كلية الحقوق ولكن من جامعة أخري بإيطاليا هي جامعة جنوة، وكانت رسالته عن “التاج في الحكومة البرلمانية” ولكنه لم يعد إلي القانون بعد ذلك قط.
اتسمت التجارب الشعرية الأولي لمارنيتي بالرمزية، وشارك في مسابقة عام 1898 بقصيدة قصيرة في مسابقة فرنسية وفاز بها، مما جعله يتمكن من التعاون مع العديد من المجلات والصحف في إيطاليا وفرنسا. وفي عام 1902نشر أول عمل شعري له بعنوان “غزو النجوم” وهي ملحمة بالفرنسية من 91 أنشودة يصف فيها الحرب بين البحر والنجوم. وفي عام 1904 نشر أول أعماله المسرحية الكبري بعنوان “الملك بومبانس” ودائما باللغة الفرنسية، تلاها بمسرحية أخري بعنوان “الدمي الكهربية” بطولة اثنين من الروبوت.
وما بين عامي 1905 وعام 1909 أسس مع صديقين مجلة في ميلانو باسم “الشعر” اهتمت بتقديم الشعراء المجيدين من إيطاليا، ومن سائر أنحاء أوروبا، ولم يكن مسموحا فيها بالكلام إلا عن الشعر. وعندما مات أبوه عام 1907ورث عنه ثروة ضخمة، وفي نفس الوقت بدأت تظهر عليه أعراض النزعة القومية.
وفي نهاية عام 1908 نضجت لدي مارينتي فكرة أن يؤسس حركة جديدة باسم المستقبلية، فظهرت في يناير من عام 1909 أولي المنشورات التي تحتوي علي النقاط الأساسية لمنافستو المستقبلية والجزء الختامي منه. وفي 20 فبراير من نفس العام ظهرت النسخة الكاملة من البيان في الصفحة الأولي من صحيفة الفيجارو تحت عنوان “المستقبلية”. وفي إبريل من العام نفسه نشر “بيانه الثاني” بعنوان “لنقتل ضوء القمر” والذي سوف يصبح من أهم نصوصه علي الإطلاق، لأنه ينطوي علي برنامج تطبيقي للمانفستو المستقبلي علي الأدب.
ومن ينظر إلي حياة مارينيتي يري فيه الإسكندراني “ابن البلد” الذي يثأر لكرامته مهما كلفه ذلك، فقد حدث أن نشر ناقد باريسي شهير، تشارل هنري هيرش، مقالا هاجم فيه بحدة مسرحيته “الملك بومبانس” وتناول فيه سيرته وعاب في والدي الشاعر، فجاءه مارينتي في اليوم التالي، في مسرح كان يشاهد فيه عرضا، وصفعه علي وجه صفعة قوية سمعها جمهور المسرح كله. ولكن الناقد لم يستطع الرد ساعتها واتفقا علي النزال، واختارا السيف سلاحا، وفي أثناء النزال الدراماتيكي شعر مارينيتي بألم في رسغه، ولكنه تحامل علي نفس وجرح خصمه في ذراعه في الجولة الحادية عشرة التي أعلنت انتصاره علي خصمه، ليس فقط في ساحة النزال ولكن أدبيا أيضا.
ومن المعارك الأخري التي خاضها مارينتي يوم ترجمت روايته “مفاركا” إلي الإيطالية، فتم تقديمها إلي المحاكمة بتهمة “الإباحية”، فاسترجع مارينيتي تكوينه القانوني ودافع بنفسه عن روايته في خطب بليغة هزت الرأي العام ساعتها، بل إنه استدعي أحد رواد مدرسة “الحقيقية” وهي إحدي فروع المذهب الطبيعي في الأدب، لكي يكون شاهدا في القضية، وهو لويجي كابوانا، والذي حضر من الجنوب الإيطالي، وكان مناصرا للمستقبلية، التي استقبلها النقاد المعاصرون بكثير من الرفض والعدوانية. وكانت لحديث كابوانا أثر كبير علي دعم حرية الفكر والإبداع في إيطاليا في السنوات التالية وربما حتي اليوم. ورغم أن القضاء أصدر حكما ببراءة مارينيتي من تهمة الإباحية في الدرجة الأولي، إلا أن محكمة الاستئناف حكمت بسجنه شهرين، استبدلت بغرامة، ومنع توزيع ونشر الرواية.
وما بين عامي1910 و1913 بدأت الأمسيات المستقبلية والتي شهدت مشاركة الشاعر الشهير الدو بالاتسسكي، كما شهدت انخراط الفن التشكيلي في المدرسة المستقبلية، ولعل أبرز ما خرج من هذه الأمسيات الموقف السياسي للحركة، وأنها، علي حد قول مارينتي، تعتبر نفسها “يسار الأدب المتشدد”. كما صدر عنها مجموعة من المانفستوهات الأخري عن المستقبلية في الفن التشكيلي، وفي قضايا المرأة وغيرها. ولكن هذه الأمسيات المستقبلية كانت في كثير من الأحيان تنتهي “بخناقة” و”كرسي في الكلوب” بين الحضور في القاعة.
ومعركة أدبية أخري، وقعت عند عرض بعض اللوحات المستقبل في معرض بعنوان “الفن الحر”، ولما هاجمها أحد نقاد مجلة “لا فوتشه” وكانت من أشهر المجلات الأدبية في إيطاليا، أرسل إليه مارينيتي ثلاثة من الشعراء المستقبليين “لتأدبيه” فحدثت معارك بينهم بمختلف الأسلحة من شوم وعصي ومطاو وسكاكين، في الشوارع والمقاهي، وحتي محطة السكك الحديدية في فلورنسا، وانتهت في قسم الشرطة، حيث عقد المتنازعان صلحا جعل منهما حليفين أدبيين علي قدر كبير من الأهمية في تاريخ الأدب الإيطالي في القرن العشرين. ولكن هذا التحالف زاد ترسخا بعد أن أعلن مارينيتي في سلسلة المانفستو عن البيان الفني للمستقبلية الأدبية، والذي تضمن عدم التزام الشعر بالوزن والقافية، أو قواعد تركيب الجملة، أو علامات الترقيم، واستخدام “الكلمات الحرة”. ويدين عظماء الشعر الإيطالي لمارينيتي بداية باونجاريتي وحتي مونتاليه بهذه القوانين الشعرية الجديدة والتي صمدت في وجه الزمن وأصبحت اليوم تراثا من الماضي.
وظل مارينيتي يثير الصخب الفكري في أوروبا، وخاصة في فرنسا وإيطاليا، بسبب المقالات التي كان ينشرها، وخاصة في أعقاب رحلاته التي كان يقوم بها للمناطق الساخنة في العالم آنذاك، وظهرت هذه المقالات في البداية في الصحف التي أرسلته، ثم في كتب مستقلة. وأهم هذه الرحلات كانت إلي ليبيا ثم إلي البلقان، وفي هذه الرحلة الأخيرة كتب قصيدة جسد فيها نظريته عن الكلمات الحرة وجاءت بعنوان: “زانج تم تم”.
ظل مارينيتي طيلة أكثر من خمس سنوات بعد نشره بيان المستقبلية يلقي الاستهجان الكثير والدعم القليل من المناصرين، فكانت المؤتمرات التي يعقدها والمناقشات التي يشارك فيها غالبا ما تنتهي بمعارك بين أنصاره وخصومه، ويتلقي هو ومن معه لعنات القاعة وزخات الفاكهة الفاسدة، ومنها مرة في نابولي عندما انقلب الجمهور الساخط عليه إلي التعاطف معه، عندما استطاع برشاقة _ تشابه رشاقة بوش مع حذاء الزايدي _ أن يمسك ببرتقالة طائرة في الهواء وجلس بكل هدوء يقشرها ويأكلها فصا فصا، فهدأت القاعة وراحت تتابعه وهي تضحك. ومرة أخري عندما أصابت عينه حبة بطاطس فاسدة، فقال قولته الشهيرة: “أنتم ستة آلاف من المتواضعين في مواجهة ثمانية فنانين لا تستطيعون أن تنكروا عليهم عبقريتهم الفذة، ولن تستطيعوا أن تدفعونا للخلف خطوة ولو بطلقات البنادق!”
ونشر مارينيتي عام 1913البرنامج السياسي للمستقبليين، وكان غير محدد بدقة، ولكن يغلب عليه الاتجاه القومي، ولكنه يعادي التراث القديم والاتجاهات الأكاديمية وعبادة الماضي. ولم تمض سنتان علي ذلك إلا وكان مارينيتي قد انخرط في العمل السياسي، ولكن بممارسات زرعت الشقاق بين صفوف المستقبليين، وحدث أول تفرق بينهم عندما انفصل جناح منهم احتفظ بتسمية المستقبليين واتهم مارينيتي بالدوجماتية ووصف أصحابه بالمارينتيين. كما ذاع صيت اتجاهه في أوروبا الشرقية فعرفت روسيا الاتجاه المستقبلي وانضم إليه شعراء وكتاب روس كبار منهم علي سبيل المثال ماياكوفسكي. لكن الروس كغالبية لم يتلقوا المستقبلية بارتياح.
وجاءت الحرب العالمية الأولي كفرصة لكي يعلن المستقبليون أفكارهم، فأصدروا بيانهم المستقبلي عن الحرب، وهي البيان الذي اشتهر بعنوان “الحرب تنظف العالم”، وطبقا لنظريتهم في الحرب فإنها هي وحدها القادرة علي نسف العالم القديم وبناء عالم جديد مكانه، خالي من كل مثالب الماضي وسطوته الفكرية علي الحاضر وعلي المستقبل، وجاء في بيان المستقبلية عن الحرب رسم لمجموعة من الشعوب المستقبلية توجه ضرباتها الساحقة للرجعيين الماضويين الممثلين في النمسا وألمانيا وتركيا. ولكن موقف مارينيتي لم يكن غريبا عن موقف معظم المفكرين الإيطاليين الذي كانوا قد احتشدوا مع فكرة دخول إيطاليا الحرب. وفي عام 1915 اعتقل مارنيتي وزج به إلي السجن مع مجموعة من الشبان، من بينهم الشاب موسوليني. ولكن الاتجاه المنادي بالتدخل في الحرب هو الذي انتصر في النهاية، وخرج مارينيتي من السجن، بل وتطوع هو ورفاقه في الحرب، وأبلي فيها بلاء حسنا، أصيب خلالها مرة بالالتهاب الرئوي، ومرة في الحوض والفخذ عندما انفجرت فيه قنبلة يدوية وهو يسعف أحد الجنود المصابين. وعندما نقلوه إلي المستشفي تلقي زيارة مهمة من أديب إيطاليا الكبير في ذلك الوقت جبراييل دانونزيو ومعه باقة ورد. ونال عن أدائه في المعارك نوطين للشجاعة واعتبروه بطلا قوميا لإيطاليا.
وفي أثناء الحرب صدرت أول مجلة إيطاليا تحمل اسم المستقبلية، كما عرض أول فيلم سينمائي وصدر بيان مستقبلية السينما. ولكن أثناء الحرب حدث ما هو أهم، ففي شهر يوليو 1918 عبر موسوليني عن رغبته في لقاء رائد المستقبلية، والتقيا بالفعل، وكان انطباع مارينيتي مترددا ما بين الاعجاب والريبة في بعض اتجاهات موسوليني الرجعية والمحافظة.
بعد الحرب قرر مارينيتي التفرغ للسياسة وأصدر بيان تأسيس الحزب المستقبلي الإيطالي وأوضح فيه اتجاهه القومي الثوري ومن برامجه القضاء علي الأمية وعلمانية المدارس والتعليم والغاء مجلس الشيوخ والغاء الكهنوت الكنسي، وحق الاقتراع الحر المباشر لجميع النساء والرجال واقرار حق الطلاق والإعداد لملكية الأراضي المشتركة وحرية الإضراب والاجتماعات والتنظيم والصحافة والغاء البوليس السياسي ومجانية العدالة ومعاشات للعمال وإصلاح جذري للبيروقراطية. ولكن مارينيتي ميز بين المستقبلية كحزب سياسي والمستقبلية كاتجاه أدبي.
والتقي مرة أخري مع موسوليني بعد تكوين الفاشية المستقبلية الأولي في كبري المدن الإيطالية وعقد تحالفا مع الأرديتي (الشجعان) وهي جماعة تكونت داخل الجيش الإيطالي أثناء الحرب. ولكن اللقاء مع موسوليني لم ينته إلي التحالف، بل انتهي إلي إعلان تحالف المستقبليين مع الفوضويين والأحرار. ودخل انتخابات عام 1919مع لائحة الفاشيين ولكنه لم يحصل علي أي مقعد، بل دخل السجن مع موسوليني بعد اشتباكات بين الفاشيين والاشتراكيين، ضبطت بعدها أسلحة في مقرات الفاشيين، وفي السجن زاد اكتشافه للخلافات مع الفاشيين وخاصة فيما يتعلق بالحرية في التظاهر والإضراب، ومعاداة الملكية، والكهنوت الكنسي، فقرر الاستقالة من عضوية لجنة الفاشيين العليا.
وفي نفس العام أصدر كتابه المهم “تجاوز الشيوعية” الذي انتقد فيه المذهب الشيوعي ووصفه بأنه “استفحال الورم السرطاني البيروقراطي” وأعلن تحالفه النهائي مع الفوضويين، ومع الفنانين علي رأس السلطة.
ولكن علاقة مارينيتي بالسلطة الفاشية ظلت مثار جدل كبير أثناء وبعد الفاشية، ليس فقط لأنه كان يتلقي منحة من الحكومة بعد أن أنفق كل أمواله علي الدعاية لحركته المستقبلية، ولكنه لأنه كان يلتقي معها في نقاط كثيرة، ولم يكن يبتعد بقدر نقاط الاختلاف الكثيرة أيضا، إلي جانب انتمائه لليسار اسميا ولكنه فعليا كان أقرب إلي الفوضوية. وخاض مارينيتي مع النظام الفاشي حربين، الحرب الاثيوبية، والحرب العالمية الثانية وكان قد تجاوز الستين، علي الجبهة الروسية، وعاد منها لينهي حياته في شمال إيطاليا بميلانو، كاتبا وشاعرا ومحاربا، وأقيمت له جنازة رسمية من الحكومة الفاشية وشعبية وأدبية، شارك فيه أنصاره وخصومه وعامة الشعب، وكل من كان ذات يوم يقذفه بالبيض الفاسد والطماطم، فقد أدرك الجميع عند وفاته أن رؤيته للمستقبل رغم ما بها من جنوح إلا أنها كانت واثقة واضحة.
(الإسكندرية)
وتمر المدن في الذاكرة مثل القصائد، بعضها يمكث معاندا النسيان، وبعضها يمضي منسّلا مثل برق عابر. وقليل من المدن تصبح النصوص المكتوبة عنها جزءا من كينوتنها، وملمحا من ملامح روحها. ولعل الاسكندرية بين موانئ المتوسط، حصدت أجمل القصائد وأبهي النصوص، فغدت أيامها الخوالي، ذاكرة أدبية عالمية.
في كتاب جديد عنوانه (الإسكندرية سراب) لمؤلفه يواخيم سارتوريس، وهو شاعر ألماني ومنظم مهرجان برلين للكتاب، تستعاد اسطورة المدينة ضمن جولة في شوارع أدبها الخلفية، مع مقدمة ووثائق عن تواريخها في عصور مختلفة. ترجم الكتاب فارس يواكيم وحرره خزعل الماجدي،و صدر عن الدار العربية للعلوم، وبدعم من مؤسسة أحمد بن راشد آل مكتوم، وبالتعاون مع ديوان شرق وغرب.
الإسكندرية التي حوت أكبر مكتبة في العالم، باركت كفافيس اليوناني الذي ولد ومات علي أرضها، والأيطالي أونجاريتي، أحد أكبر المجددين في الشعر العالمي، حيث تحدث عن الاسكندرية كما لو كانت شعره، علي حد تعبير سعدي يوسف. أما رباعية الاسكندرية للورانس داريل، فقد كانت جوستين بطلتها التي لاتنسي، مرآة زمن المدينة اللعوب الماكث بين الحلم والحقيقية. وفي عزها وازدهارها، وانكسارها وخيباتها، كانت الاسكندرية تنتقل بين سطور المراثي والمدائح.
كم من كتاب صدر عن الاسكندرية، وكم من رواية وفيلم ومؤتمر وبحث واحتفال أقيم من أجلها. المهاجرون من الكتاب والشعراء الذين وفدوا إليها من اليونان وايطاليا وفرنسا ومختلف مدن الغرب والشرق، شاخوا في عشقها، فورث عنهم الأبناء والأحفاد تباريح الفراق ولوعة الأيام التي تركتهم ماكثين في تواريخها يرفضون المغادرة. لم يبقَ إذن لمؤلف هذا الكتاب إلا القليل، ولكنه جمع منه شوارد التواريخ وسمر الاخوانيات مما كتبه إ.م. فوستر عن قصائد كفافيس الاسكندرانية، وما أرسله داريل القنصل الايرلندي خلال الحرب العالمية الثانية من رسائل الي هنري ميلر عن مدينة الجمال والضجر، وأمسية لكافافيس سجلها في الثلاثينيات مارينيتي في كتابه (سحر مصر)، ومقطع من رحلة فلوبير الي مصر في القرن التاسع عشر، وتذكارات رئيس بلديتها في عهد الخديو الأول، وما كتبه مؤرخو الاسكندر عندما اضحت اعظم مدينة في العالم. وهكذا تصبح تلك المواد بمعظمها هوامش الكتابات لا متونها، ولكنها تمتلك سحر الوثيقة وجاذبيتها. يقول المؤلف إن بنية كتابه مصممة كعجلة كبيرة تدور الي الوراء: القسم الأول منها، يجمع شهادات من عصر الازدهار الثاني الكبير للاسكندرية، من فلوبير الي كفافيس ومن اندريه جيد الي أسيمان. قصائد، مقالات، رسائل، سير ذاتية.
النصوص في القسم الثاني تقدم نموذجا لحيوية هذه الاسطورة وتألقها، عملية إعادة البناء الشعرية من غيرهارد فاجنر الي سيسلاف ميلوش، تعود بنا الي الوراء، الي تأسيس المدينة، الي جذورها وعصر التألق الأولي. القسم الثالث العصر الهليني وحقبة البطالسة، استنادا الي نصوص شعراء المكتبة العظمي، وخلاصة الروايات والرسائل الخاصة والتقارير. وما بين مغادرة الإسكندرية زمنها الكوزموبولتي الذي يسجله ادوارد خراط في نصه الجميل (النوارس بيضاء الجناح) سيرة حياتية وثقافية، ونص اندريه أسيمان الكاتب اليهودي الذي يدوّن يوم رحيل عائلته إلي ايطاليا نهاية الاربعينيات، يستعيد الكتاب تواريخ المدينة مذ وطئ رملها الاسكندر المقدوني، لحين ما أعلن جمال عبدالناصر تأميمها ليرحل تجارها وسماسرة أسواقها المالية، وتغلق مصارفها وتصمت الموسيقي وتنطفئ الأنوار المتلامعة علي واجهات أرصفتها.
يستحضر الايطالي فيليبو توماس مارينيتي، المولود في الاسكندرية، ومؤسس التيار المستقبلي في الأدب، يوم زيارته لبيت كفافيس واستماعه نص قصيدة (وداعا الاسكندرية التي تفقدها) في ثلاثينيات القرن المنصرم: (ألقي كافافيس أبياته الحرة ببطء ووضوح، وصاحبها بحركات يده التي رصّعت الحجرة بزخرفة دقيقة.
بين الحين والحين، كانت اليد تسقط تحت الوزن المتلهف لموسيقي الكلمات.
(ودعها الإسكندرية، الراحلة / قبل أي شيء، لاتخدع نفسك، لاتقل،/ كان حلما وسمعك قد خانك / لا تذل نفسك بمثل هذه الآمال غير المجدية / اقترب بشجاعة من النافذة/ وانصت الي الحركة/ لكن من دون توسلات وتضرعات جبانة / استمتع بالنغمات الأخيرة/ بالآلات الرائعة للفرقة الغامضة/ وقل وداعا للاسكندرية التي تفقدها).
لورانس داريل الذي يتحدث في رسائله الي هنري ميلر عن شغفه بنساء الاسكندرية،اللواتي لوحّت بشرتهن شمس المتوسط بلون الزيت وندي البحر، يضع في رسالة منها الخطوط الأولي لشخصية بطلة رباعيته جوستين التي التقاها في هذا المكان (من المفيد أن أعيد صياغة تجاربها علي مسمعها، وأن أشفي فظائعها، وأن أوفر لها الكتب كي تدرك كم هو كبير عالم الحياة والفكر، ما لايعرفه الذي يعيش في الاسكندرية).

من almooftah

اترك تعليقاً