غ

بإعلان الرئيس الأمريكي ” ترامب” حق إسرائيل في ضم الجولان السورية المحتلة منذ حرب حزيران 1967، تكون الادارة الأمريكية قد كشفت عن حقيقة نواياها الاستعمارية /الصهيونية اتجاه الشعوب العربية، وتجاوزها المطلق لكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وإعلانها الصريح عن تبنيها للمشروع الصهيوني الأصلي الذي يحلم بدولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
في جو احتفالي، وقع “ترامب” إعلان قراره الجائر، بقلم اختار أن يهديه “نتنياهو ” بمرأى من الرأي العام الدولي وفي تحدي سافر للأمة العربية والاسلامية ولمحبي السلام في العالم أجمع. هي إشارة رمزيه تتعدى دعم الإدارة الأمريكية لليمين الاسرائيلي قبيل الانتخابات الإسرائلية المقبلة، وتعبر عن استخفاف تلك الإدارة لأي رد فعل من الدول العربية التي يعلم ترامب ونتنياهو أنها فعلا عاجزة العجز كله عن اتخاذ أي موقف عملي ذي شأن خارج بيانات التعبير عن الأسف والامتعاض واعتبار القرار ضربا للشرعية الدولية.
والحقيقة أن القرار الأمريكي الجائر لم يكن مفاجئا ولا غريبا عن الاستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب في التعاطي مع القضية الفلسطينية والصراع العربي/ الإسرائيلي، بدءا بالاعتراف بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتشجيع إسرائيل على مهاجمة سوريا وتدمير غزة والتمادي في سياسة استيطانية ممنهجة؛ وانتهاء بإعلان خطة أمريكية جديدة للبحث عن تسوية للقضية الفلسطينية في تنكر تام لمخرجات اتفاقية اوسلو التي رعتها الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة خلت؛ زهي ” تسوية ” لن تكون، إن تم فرضها، إلا على حساب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالنظر لرجحان موازين القوى بالكامل لصالح إسرائيل المدعومة أمريكيا.
أجل، مر ما يناهز ثلاثة عقود على اتفاقات أوسلو، ومرت معها سيول جارفة تحت الجسر العربي الذي لم تزده الأحداث إلا تهالكا وضعفا:
– لم يبق من الجامعة العربية سوى أطلال تبكي شعارات الوحدة القومية والمصير المشترك، وما إليها من أحلام القوميين العرب وحركات التحرر العربية التي انطفأت شعلتها ليعم ظلام التطرف الديني والاسلام السياسي أرجاء الوطن العربي.
– دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن، ولم يبق من ” جبهة الصمود والتصدي” إلا رماد حروب اهلية طاحنة وفواجع إنسانية مؤلمة، فانفردت القوى الرجعية التقليدانية ب”القرار العربي”، وعملت على تطويعه بما يتلاءم والاستراتيجية الأمريكية، أملا منها في إرضاء أمريكا التي دون حمايتها، ستكون حتما لقمة صائغة أمام إيران الخمينية التي تشكل العدو المشترك للأنظمة الخليجية وإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
– تراجع كبير للقوى الديمقراطية التقدمية العربية وضمور الوعي القومي/الوحدوي، مقابل صعود حركات الإسلام السياسي وتنامي الاتجاهات المحافظة والنزعات الطائفية والحركات الثقافية الهوياتية. وفي هذا السياق صبت الانتفاضات الشعبية والحركات الاحتجاجية التي سميت “ربيعا عربيا” في طاحونة القوى الإسلامية الرجعية أو في طاحونة أنظمة عسكراتيرية استبدادية ( مصر والجزائر).
– انكسار الصف الوطني الفلسطيني على صخرة الاقتتال الداخلي بين حماس وفتح ، مما أدى موضوعيا إلى قيام كيانين مستقلين، واحد في الضفة وثان في غزة، كلاهما يعاني من حصار عسكري واقتصادي إسرائيلي، وغير قادرين معا على مواجهة الغطرسة الإسرائيلية ولا وقف الزحف الاستيطاني.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة فلسطينيا وعربيا، أوضاع تزامنت مع هيمنة اليمين المتطرف إسرائليا، وصعود اليمين المتصهين أمريكيا، قد يكون من الطبيعي إقبال ترامب على ما أقبل عليه دون أن تقوى الجامعة العربية على إصدار ولو بيان لشجب القرار الأمريكي، ولم يرق موقف أي دولة عربية إلى الاحتجاج أو الاستنكار على غرار الموقف الروسي الذي كان أكثر حدة، وذلك اضعف الإيمان. ومما يثير الاستغراب أن الموقف الشعبي لم يكن أفضل مما كان عليه موقف الحكومات العربية، مما ينبئ بأن القادم سيكون أفظع: اليوم الجولان، وغدا غزة والضفة، ولم سينا والبقاع.

اترك تعليقاً