التشكيل السوري يتميز بالغنى والتنوع والحيوية ..
لكنه لم يكن سوى صدى لتقنيات فنون الغرب ..
ـــــــــــــــــــــــــ أديب مخزوم ـ فنان وناقد تشكيلي ـــــــــــــــــــــــــــ

لا أستطيع الإحاطة الشاملة بمجمل الأسماء الهامة ، التي برزت خلال أكثر من سبعة عقود، في مسار الفن التشكيلي السوري المعاصر، وذلك لأن عملية فرز هذه الأسماء تكاد تكون مستحيلة، لا سيما وأننا نكتشف مع إطلالة كل موسم تشكيلي، تجارب فنية مميزة لأسماء جديدة لم نكن نعلم عنها شيئاً، الشيء الذي يؤكد غنى وتنوع الطروحات الحديثة المتداولة في الفن التشكيلي السوري المعاصر.
وإذا حاولنا تحليل ورصد الاتجاهات الفنية في نتاج الأجيال المتلاحقة، فإننا سنخرج بانطباعات سلبية عديدة جوهرها، أن الفن التشكيلي السوري، ومعه الفن التشكيلي العربي، لم يكن في كل مراحله المتعاقبة سوى صدى لمعطيات الفن الأوروبي الحديث والمعاصر.
فلا شيء جديد يمكن التماسه في سياق تحليل التجارب الفنية المعروفة في سورية سوى بعض الإشارات، التي تتوالد من سياق الاختبارات التقنية ، على أساس أن التعامل اليومي مع تداعيات التلوين التلقائي ، لا بد أن يزيد من درجة الإحساس، وبالتالي لا بد أن يكشف عن حرارة ذاتية خاصة ( ولو بدرجة محدودة ) في نسيج السطح التصويري من خلال اللون والخط وتكوين التشكيل العام.
وهذا يعني أن الأجيال الفنية المتعاقبة في سورية كانت ولا تزال تتفاعل مع الاتجاهات الانطباعية والتعبيرية والوحشية والتكعيبية والتجريدية وغيرها من المدارس الفنية الأوروبية، رغم أن هذه الأساليب قد استنفدت وتجاوزها الزمن منذ سنوات طويلة ولا سيما بعد ظهور التيارات الجديدة في الفنون اللاتصويرية ( التركيبية وأعمال التجهيز المنفذة بواسطة الليزر والكمبيوتر وغيرها ) وما رافقها من انقلابات مفهومية في استخدام المواد والعناصر والتقنيات المختلفة.
وإذا عدنا إلى بدايات ظهور الانطباعية السورية في نهاية الأربعينات على يد مجموعة من الفنانين القادمين من المحترفات المصرية والفرنسية، وحاولنا مقارنتها باللوحات الانطباعية، التي ظهرت في باريس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، نجد أن ردة الفنانين السوريين الرواد إلى الرسم الانطباعي، لم تكن إلا نوعاً من التقليد أو التفاعل العفوي مع الأفكار الانطباعية الفرنسية الحديثة.
هكذا عرفت الحياة التشكيلية السورية في مساحتها الضيقة، التي لم تكن تتعدى المحترفات المحدودة الموزعة في بيوت الفنانين في الأربعينات والخمسينات، مجموعة قليلة من الفنانين المحدثين الذين عبروا في لوحاتهم عن النواحي الجمالية والتقنية والتشكيلية المنفلتة من إطار الرسم التقليدي الكلاسيكي والرومانسي والواقعي.
وفي استعراضي لبعض الأسماء البارزة في مسار الفن التشكيلي السوري المعاصر، سأحاول الذهاب في انطباعاتي النقدية والتحليلية، أبعد من الظواهر الخارجية للعمل الفني، لاستشفاف أبعاد جمالية تقطف إيماءات الحالة الداخلية العاطفية، التي تبرز في لمسات اللون العفوي وتساعد على تحقيق الانفلات من إطار الرسم التقليدي، الذي يتطلب درجة من الوعي والتركيز والدقة في العمل.
مرحلة التأسيس
ومع دلك سأحاول الإحاطة ببعض أبرز الأسماء، التي ظهرت منذ النصف الأول من القرن الماضي، وتبلورت في أعمال توفيق طارق، الذي استعاد في لوحاته أجواء بعض المعارك الفاصلة في التاريخ العربي، إلى جانب اهتمامه بمعالجة الموضوعات الاجتماعية والمشاهد المتنوعة الملتقطة من الريف والمدينة وتجسيده للوجوه والعناصر الأخرى، كما تكرست في مسار الفن التشكيلي السوري منذ البداية أسماء عديدة من أبرزها: سعيد تحسين وصبحي شعيب وسهيل الأحدب وخالد معاذ وصلاح الناشف ورشاد مصطفى وجاك وردة وزارة كابلان وزهير الصبان والفريد بخاش وحزقيال طوروس وأنور علي الأرناؤوط ورشاد قصيباتي ووهبي الحريري ونوبار صباغ وغالب سالم ومنيب النقشبندي وإسماعيل حسني وعبد الوهاب أبو السعود ومحمود جلال وشريف أورفلي وعبد العزيز نشواتي وخير الدين الأيوبي ومنور موره لي واقبال قارصلي وغيرهم.
واللافت في أعمال معظم هؤلاء التنويع التقني والأسلوبي، وهذه ناحية قلما يتحدث عنها النقد السوري. فمعظم الرواد الأوائل تعاطفوا في العديد من لوحاتهم مع معطيات اللمسة اللونية العفوية القادمة من تأملات أعمال كبار فناني المدارس الأوروبية الحديثة، ولا سيما المدرسة الانطباعية والتعبيرية والواقعية الجديدة، وبذلك ساهموا إلى حد بعيد في ظهور هذه الاتجاهات في حركتنا الفنية السورية المعاصرة. فتوفيق طارق (1875ـ 1940) على سبيل المثال قدم ما له علاقة بالواقعية التسجيلية، وما هو قادم من تأملات الأعمال الانطباعية، وهذا يبرز بشكل واضح في لوحته المتحررة (على العين) وغيرها. الشيء نفسه ينطبق على سعيد تحسين (1904ـ 1985) الذي اهتم بالمواضيع التاريخية والسياسية والاجتماعية، وقدمها ضمن رؤية خيالية رمزية، حيث نجد له بعض اللوحات الواقعية والانطباعية، ولاسيما لوحته (منظر وأسرة) التي رسمها عام 1953. وأيضاً لوحته (بيت الفنان في مصر) المتميزة بجوها الاحتفالي الغنائي في معالجة الألوان الحية والمتراقصة. كما قدم صبحي شعيب (1909ـ 1974) ومنذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، لوحات متحررة من النزعة التصويرية الواقعية والكلاسيكية، وهذا يبرز بشكل واضح في لوحته (العودة إلى القرية) القريبة في معالجتها اللونية من أجواء لوحات «فان غوغ».
كما أن معظم لوحات زهير الصبان (1913ـ 1987) تميل إلى الاتجاه الانطباعي لجهة إضفاء المزيد من العفوية والنورانية على لمسات اللون التلقائية.
حتى أن رشاد مصطفى (1911 ـ 1995) الذي اشتهر بنزعته التصويرية، القريبة من أجواء الصورة الفوتوغرافية، تعاطف في بعض لوحاته مع مظاهر الرسم العفوي، وقدم بعض المناظر الطبيعية ضمن رؤية متفاوتة ما بين الانطباعية والواقعية.
هذه الحقائق تضع الناقد المتقصي أمام إشكاليات كبيرة، وذلك لأن إعادة كتابة تاريخ تطور الفن الحديث في سورية، يحتاج إلى دراسات موسعة، لمعرفة الأسماء الحقيقية، التي ساهمت في إطلاق موجة الحداثة؛ وإدراك مدى تأثير كل تجربة على الأجيال الفنية المتعاقبة، حتى لا يبقى تاريخ حركتنا الفنية، أسير المزاجيات والمواقف المسبقة، التي تزيد من حالات المراوحة والالتباس، في خطوات تسجيل ملامح بدايات ظهور نزعات التجديد والحداثة في الفن التشكيلي السوري .
بعض رواد الحداثة التشكيلية
ولا يجوز الحديث عن التشكيل السوري المعاصر، إلا بالتوقف عند أعمال أهم رواد الحداثة التشكيلة ، من أمثال: ميشيل كرشة , محمود جلال
، ناظم الجعفري، نصير شورى, أدهم إسماعيل, نعيم إسماعيل, لؤي كيالي، فاتح المدرس، محمود حماد، فتحي محمد،
أحمد دراق السباعي، اسعد عرابي، خزيمة علواني، غسان السباعي، الياس الزيات، نذير نبعة،سعيد مخلوف، ممدوح قشلان، خالد المز، عبد المنان شما، رولان خوري، مجيب داوود، نشأت الزعبي، برهان كركوتلي، وحيد مغاربة، ليلى نصير، علي السرميني، سعد يكن، أنور الرحبي، غسان الصباغ، عبد القادر عزوز، عبد الله مراد، وغيرهم .. وصولاً الى الأجيال المتعاقبة والأسماء الشابة وعددهم كبير جداَ ولا يمكن حصرهم ..

من almooftah

اترك تعليقاً