“كرسي الإنتظار “
من بين براثن الليل و أنياب الظلام تاه صابر بين السؤال و الحيرة وحيدا يقاسي العذاب و مرارة العيش، طغت على أيامه حلكة الحياة و نغصة المسار، كلما تخطى حفرة وقع في بركة ماء يغرق ثم يطفو.
مل صابر تكرار الحكاية فهرب من واقع المكان و الزمان التجأ إلى ركن مناجاته على جنبات الطريق جالسا على أريكة الإنتظار يبحث عن حظه التعيس الذي لازمه كظله.
أخذ لحظة تأمل يحدث نفسه و مآله الناكد :
“يا حظي التعيس لماذا لا تلبس معطف السعادة و قبعة الإبتسامة لقد انهكت روحي ”
أجابه حظه التعيس بتهكم : ” أليس أنت الذي تركتني أسكن كيانك و أقتات من لطفك و نبلك، حتى استسلمت رغما عنك”
استغرب صابر لجوابه فتجرع الحسرة قائلا :” نعم لقد كنت ساذجا فرميت الورود و الأزهار فعانقت الأشواك و الصبار، هاجرت الجنان و لازمت القفار”
ضحكات و استهزاء من الحظ التعيس مخاطبا صابر :” لقد اصطفتك من بين الملايين حيث أنك رميت علمك و عقلك وراء الحائط و تركت فكرك تنهشه الكلاب الضالة حتى صرت أضحوكة الناس ”
صابر أحس بالإحتقار و الذل من خلال ممارسات الحظ التعيس لم يستصغ الأمر فهاجمه بقوله : ” لقد حاولت أن أتسلق الدرجات بمنهجيتي و علمي لكن تعترضني الأفكار الظلامية و مستنقعات الرجعية و حفر التقهقر فلم تكفيني قواي و لا عزيمتي أن استدرك التأخر”
خاطبه الحظ التعيس مستهزئا :” لقد استغلت ضعفك و يأسك حيث أحسست مرارا أنك وصلت للفلاح و التغلب على ذاتك المنهزمة ولكن هيهات فقد كنت لك بالمرصاد كلما وصلت إلى النور أغشيت بصيرتك ”
صابر و هو جالس يخاطب نفسه منهمكا على كرسي الزمان ينتظر السعادة و الإبتسامة يبحث داخل احشائه سبب تعاسته و عن رؤية المستقبل المشرق بعيدا عن القلق و الأحزان، ربما تكون فرصة الإنتظار هذه تفتح له أبواب الأفراح و المسرات.
فتمسك بالإرادة و تسلح بالعزيمة مخاطبا حظه التعيس :”
يا حظي التعيس لقد علقت أمنياتي و حطمت كبريائي و شتت فكري و كستني بالتقوقع و الخوف و حقنتني بدماء الكراهية و الحسد، لكن هذه لحظة الإنتظار و سلاحي التحدي سأسلم ذاتي للسلام و التسامح سأقتلك أيتها النفس الذليلة و أصالح ذاتي الزكية الطاهرة، وداعا للهلع و الغباء، وداعا لكل بؤر التوثر و الأحزان ”
انفجر الحظ التعيس و بكى و اشتد ندمه لأن صابر شفي تماما و كانت لحظة الإنتظار هذه شهادة وفاة الحظ التعيس و ميلاد الحظ السعيد بإسم الحرية و السلام و التسامح.