سقراط وابن المقفّع وسعاده أمام محكمة لاهاي الدوليّة

بقلم : الياس عشّي

لم يتواعدوا ، جاؤوا في الثامن من تمّوز ، ومن أمكنة مختلفة ؛ وكانوا ثلاثةً : سقراط ، وعبدالله ابن المقفّع ، وأنطون سعاده ، وجلسوا حول طاولة مستديرة لمناقشة أمر اغتيالهم أمام قضاة المحكمة الدولية في لاهاي .

رأى سقراط أنّ الحكم عليه بالإعدام ، في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد ، أصدرته هيئة المحلّفين التابعة لمجلس الشيوخ في أثينا ، بعد أن وُجّهت إليه تهمتان : الكفر وإفساد الشبيبة ، وهما تهمتان ، يقول سقراط إنّه فخور بهما لأنّ تعدّد الآلهة بدعة ، ولأنّ الشبيبة الناشئة بحاجة إلى من يساعدها في الخروج من مأزق الفلسفة السفسطائية . أنا ، يضيف سقراط ، أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض ، كما قال عنّي شيشرون .

فسقراط هو واحد من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

ورأى عبدالله إبن المقفّع أنّ الأمر بتصفيته ، في منتصف القرن الثامن الميلادي ، أصدره أبو جعفر المنصور الخليفة العبّاسي الثاني ، بعد أن اتُّهم بالزندقة .
والصحيح ، يقول ابن المقفّع ، أنّ السبب يعود إلى ترجمتي لكتاب ” كليلة ودمنة ” وإلى المبالغة في صيغة ” كتاب العهد أو الأمان ” الذي قمت بنصّه ليوقّعه أبو جعفر المنصور أماناً لعبدالله بن علي عم المنصور . وإذا كان الأثينيون ، يضيف ابن المقفّع ، قد اختاروا السُّمّ لتنفيذ حكم الإعدام لهذا العظيم سقراط ، فأنا قطّعوا أطرافي ، طرفاً بعد آخر ، ورموها في بئر ، ثمّ ردموا البئر وأنا فيها حيّ .

وابن المقفّع واحد آخر من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

ورأى أنطون سعاده أنّ الأمر باغتياله ، في منتصف القرن العشرين الميلادي ، صدر من جهات إقليميّة ودوليّة ، ونفّذته الحكومة اللبنانيّة بدم بارد ، بعد أن اتُّهم بالتآمر على استقلال لبنان ، وتدمير الهويّة اللبنانية .

والصحيح ، يقول أنطون سعاده ، أنّ السبب يعود إلى محاربتي الشرسة لاتفاقية سايكس – پيكو ، ورفضي لقيام دولة يهوديّة على جزء من أراضي الأمّة السوريٌة ، ووقوفي ضد مشروع مرور أنابيب النفط لشركة تابلاين الأميركية ضمن الأراضي السورية ، وسعيي لتأسيس مجتمع قوميّ مدنيّ يفصل فيه الدين عن الدولة . وإذا كان سقراط ، يضيف سعاده ، قد حوكم ومنح فرصة الدفاع عن النفس ، فإن الحكم باغتيالي صدر بدون محاكمة ، وتمّ تنفيذه بسرعة قياسيّة شبيهة بالمحاكم الميدانيّة ومحاكم التفتيش .

وأنطون سعاده هو أيضاً شهيد من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

ولاحظ قضاة لاهاي انّ المسافة الزمنيّة بين سقراط وابن المقفّع هي ألف عام ونيّف ، وبين ابن المقفّع وسعاده كذلك ألف عام ونيّف . وهي ملاحظة يستحقّ الوقوف عندها لأنها تؤكّد أن الصراع بين الحريّة والعبوديّة هو صراع أبديّ ولن يتوقّف ، وأنّ الذين يموتون من أجل قضيّة يؤمنون بها هم وحدهم الأحياء .

وكانوا على حقّ ، ألم يقل سعاده : ” أنا أموت ، أمّا حزبي فباقٍ ” ؟

طرابلس 2013/7/5
عن الامين الياس عشي

من almooftah

اترك تعليقاً