الأديب حسين علي محمد.. فــي مـــرايــاه الـقــصـصـيــة بـعـد الرحـــيــل

التاريخ: الاثنين, أيلول 18, 2017
عاش الأديب (حسين علي محمد) بعيدا عن الأضواء، فلم يسع إليها، وطبع كل كتبه على حسابه الخاص، وقدم أكثرها هدايا إلى الأصدقاء. ورغم ذلك يعد من أغزر أدباء حمص، فقد اصدر خلال مسيرته الأدبية أكثر من عشر كتب موزعة ما بين القصة القصيرة والرواية. ولم يكن معنيا كثيرا بما كتب النقاد عنه، وجل اهتمامه منحه للقارئ البسيط الذي أولاه عناية خاصة، فاختار الكتابة بأسلوب بسيط، ومعالجة الأفكار بطريقة ميسرة الفهم.
من بين أعمال الأديب الراحل سنقف عند مجموعة قصصية عكست بشكل جلي أسلوبه وأفكاره، وحملت عنوانا مستقلا عن عناوين قصص الكتاب، في إشارة من المؤلف إلى أن كتابه مرآة قصصية تعكس الواقع الذي حاول تجسيده بواقعية تتناسب مع الايدولوجيا المنتمي إليها.
وبدوري حملت مرآتي الخاصة وجلت في واقع المجموعة، اخترت زوايا معينة لمرآتي لبعض القصص، لهذا ليست هذه الدراسة تحليلا شاملا لجميع جوانب المجموعة القصصية، بل لطيف معين ينعكس في مرايا سائر القصص.
***
قصة (أسواق آخر زمن) أكثر القصص تنوعا، فالموضوع الرئيسي الذي تعالجه هو انتشار النمط الاستهلاكي في المجتمع، وارتفاع الأسعار الذي لا يتناسب مع أصحاب الدخل المحدود، كما تطرق إلى انتشار ظاهرة الأسماء وبعض العبارات الأجنبية على الألسنة. كما حفلت القصة بعبارات الوصف والغزل، طبعا بين الرجل وزوجته، فالكاتب لا يحبذ الغزل غير المشروع في قصصه. والزوجة في هذه القصة تكاد تشاطر الرجل بطولة القصة- وهذا نادر في المجموعة- وتبدو فيها المرأة متطلبة، بعكس نساء باقي القصص اللواتي ليس لهن أي طلبات، لذلك رجال القصص لا يقسون على النساء. أما بطل هذه القصة فيخضع لطلب زوجته المعقول بشراء فستان: (تحت إلحاحها ونزولا عند رغبتها بامتلاكه ونظراتها الاستعطافية. . ومن الجدير بالتنويه أن طلب المرأة يأتي بصيغة الإلحاح والاستعطاف، بينما الرجل يخضع للطلب مرغما: (مددت يدي إلى جيبي فأخرجت منها الأوراق النقدية وناولت الرجل ما طلب وقلبي يعتصر ألما وحزنا). وعموما تلك امرأة نادرا في المجموعة، فالنساء يرفضن النمط الاستهلاكي، وهن على الصورة التي يريدها الزوج: ( المرأة التي تناضل وهي تنسى ذاتها لتضحي بنفسها. . والمرأة المضحية في سبيل الأسرة يراها الكاتب من ضمن دورها الطبيعي والمطلوب في المجتمع. ولقد أكد الكاتب على هذا الدور في أكثر من قصة: (كتاب الأم لمكسيم غوركي وشرعت أقرأ كفاح تلك الأم البطولي الذي يستحق الإعجاب والتقدير لأنه رمز لبطولات المرأة في التاريخ المعاصر.
***
سأتناول في قصة (الدوامة ومربط الفرس) طقوس شرب الشاي التي لا تكاد تخلو منها قصة، فالجميع مدمنون على الشاي، وبالطقوس ذاتها، حتى تكاد الجمل تتكرر حرفيا في أغلب القصص: ( حاملة معها الشاي وضعتها على الطاولة ثم صبتها في كوبين قدمت إحداهما إليه وأبقت الآخر لها. ). وقد تظهر فناجين القهوة في بعض القصص على استحياء بجانب أكواب الشاي الكثيرة الموزعة على سائر أبطال المجموعة: (ناول صاحبه فنجانا و أبقى الآخر له. ). وغالبا ما تلازم طقوس الشاي والقهوة التدخين: (أشعل كل منهما لفافة تبغ. ). ولكن التدخين مقصور على الرجل باعتباره عادة ذكورية، فلم تدخن أي امرأة في القصص ولو سيجارة واحدة على سبيل المجاملة!.
معظم أبطال المجموعة هم من الطبقة الفقيرة، وبعضهم تحكمهم ظروف مادية صعبة. ويؤكد الكاتب في قصة (وعاد إلى ما كان عليه) ان معظم قصصه عن الصراع الطبقي بصورته التقليدية: (الصراع الطبقي بين الفقراء والأثرياء لم يتوقف أبدا ولسوف ينتصر الحق. . والهم الاجتماعي والوطني المندغمان معا يتضحان في سائر المجموعة.
والهم الوطني يبرز في أكثر من قصة، لاسيما في قصة: (فلتذهب الكآبة ويحل الأمل بالعودة) ففيها يتحدث الكاتب عن القضية الفلسطينية، ضمن مفهومه السياسي العام المتعارف عليه. ولكن يبرز في هذه القصة الخطاب السياسي المباشر بشكل أوضح من غيرها: (العرب كلهم معنا في المعركة وأصوات الأحرار في العالم.).
وحب الوطن يأتي في صور أخرى في قصة (لا حب فوق حب الوطن) حيث يقدم الكاتب صورة العائلة التقليدية المحافظة. فحتى النوازع الغريزية غير واردة أثناء الحب: (كان يبتسم لها وتبتسم له بكل طهارة ونقاء وبراءة. ). بل حتى حب المرأة يظهر كمصادفة غير مقصودة أحيانا: ( فكانت ابنة عمه مرشدا له كأمر طبيعي كانت الحواجز قد قلت ما بينهما. ). مع التنويه أن الكاتب ذكر الحواجز بين الرجل والمرأة في هذه القصة فقط مع أنها موجودة في سائر قصصه. أما الخطيب فهو زائر مغترب يزور أقربائه، وبرغم أن هذا الشاب المغترب في الأرجنتين حيث المجتمع المنفتح يخطب الفتاة من أهلها دونما أن يسأل الفتاة عن رأيها، بل لم يعرف إذا كانت تبادله الحب الذي لم يبح به لها. ثم يصف الكاتب الفتاة عندما يسألها والدها رأيها: (أطرقت رأسها حياء وقد احمرت وجنتاها ثم قالت كما ترغب. ). وعندما يصر الأب على أن تنطق بالموافقة يسألها بصيغة تعرب عن رأيها المسبق: (هل أنت موافقة؟ أجل إني موافقة إن كنت راغبا و موافقا. ). وتبدو هذه المرأة كغيرها من نساء المجموعة التقليديات، برغم أن الكاتب تحدث عن ثقافتها. فالنساء مطيعات عموما، وليس ثمة صراع تناحري بين الزوجين أو الأبوين وأولادهما، فهم متفقون على مبادئ ثابتة لا تزحزحها الاغراءات. فالفتاة القروية لا تستسلم لاغراءات الهجرة إلى بلد أجنبي، وتتمسك بالأرض مثل كل أبطال المجموعة: (إنني لن أبيع نفسي لن أحرق روحي وجسدي بأيدي الغرباء لن اترك والدي للقدر. ).
أما في قصة (أنا ميت ولكن سأبقى حيا لانتصر) فيدين الحداثة التي لم تكن في رأيه لصالح الأخلاق والقيم، ولاسيما الفقراء. وبرغم كل السلبيات الموجودة في زمننا المعاصر، حاول الكاتب تقديم الأمل القادم ضمن رؤية أيديولوجية يقدمها الكاتب بمعظم قصص المجموعة: (هناك الملايين يفهمونني جيدا ويدركون أنني لم أعرف الشيخوخة بأفكاري لأنها خالدة بخلود الزمن لا تموت أو تعرف الموت. ).
***
رحل الأديب (حسين علي محمد) بالهدوء الذي عرفناه فيه، فهو من خلال أعماله كان حريصا على التعبير عن نفسه بصدق، وهو الرجل الوقور الذي كان ينصت إلى الجميع، ويبستم في وجوه من حوله، ويتحدث بلطف، ويصادق بإخلاص، ويكتب عن الناس بالطريقة التي يعيش فيها بينهم.

المصدر: العروبة
الكاتب: سامر أنور الشمالي

من almooftah

اترك تعليقاً