اعداد – أمينة يوسف

” يا زهرة فى خيالى جنت عليها الليالى” أغنية فريد الأطرش التى لم يخطر على بال أحد أنه كان يقصد بها شقيقته الأميرة الدرزيه آمال الأطرش المعروفة بالمطربة أسمهان.

أسرتها
اسمها الحقيقي هو آمال الأطرش وهي الابنة الوحيدة التي كتب لها الحياة في أسرتها.. والدها فهد الأطرش وهو درزي من جبل الدروز في سوريا وكان مدير ناحية في قضاء ديمرجي في تركيا، ووالدتها علياء المنذر وهي درزية لبنانية من بلدة شويت المتن، ولديها شقيقين هما.. فؤاد وفريد الأطرش المطرب والموسيقار المعروف والذي كانت على وفاق تام معه وهو الذي أخذ بيدها إلى عالم الفن وجعلها نجمة غناء لامعة إلى جانب شهيرات ذلك الوقت أم كلثوم، نجاة علي، ليلى مراد وغيرهن وقد كان لها شقيق ثالث يدعى أنور وشقيقة تدعى وداد الذين توفيا صغيرين قبل مجيء الأسرة إلى مصر.

عائلتها هي عائلة درزية كريمة يعود نسبها إلى آل الأطرش في سورية الذين كان فيهم رجال لعبوا دورًا بارزًا في الحياة السياسية في سوريا والمنطقة أبرزهم سلطان الأطرش قائد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.

أسمهان.. الاسم الفني

ظهرت مواهب آمال الغنائية والفنية باكرا فقد كانت تغني في البيت والمدرسة مرددة أغاني أم كلثوم ومرددة أغاني محمد عبد الوهاب وشقيقها فريد.

وفي أحد الأيام استقبل فريد في المنزل “وكان وقتها في بدايه حياته الفنية” الملحن داود حسني أحد كبار الموسيقيين في مصر فسمع آمال تغني في غرفتها فطلب إحضارها وسألها أن تغني من جديد فغنت آمال فأعجب داود حسني بصوتها ولما انتهت قال لها “كنت أتعهد تدريب فتاة تشبهك جمالًا وصوتًا توفيت قبل أن تشتهر لذلك أحب أن أدعوك باسمها أسمهان” وهكذا أصبح اسم آمال الفني أسمهان.

انطلاقتها الفنية
أخذت أسمهان منذ 1931 تشارك أخاها فريد الأطرش في الغناء في صالة ماري منصور في شارع عماد الدين بعد تجربة كانت لها إلى جانب والدتها في حفلات الأفراح والإذاعة المحلية وراح نجمها يسطع في سماء الأغنية العربية وصوتها “السخي، الفياض بالشجو المرنان” على حد قول كرم ملحم كرم، يفتن الأسماع ويغزو القلوب.

أميرة الجبل

فى سنة 1934 تزوجت من الأمير حسن الأطرش وانتقلت معه إلى جبل الدروز في سوريا ليستقروا في قرية عرى مركز إمارة آل الأطرش لتمضي معه كأميرة للجبل مدة ست سنوات رزقت في خلالها ابنة وحيدة هي كاميليا لكن حياتها في الجبل انتهت على خلاف مع زوجها فعادت من سوريا إلى مصر وقد عاد إليها الحنين إلى عالم الفن لتمارس الغناء ولتدخل ميدان التمثيل السينمائي.

أسمهان في السينما

فتحت الشهرة التي نالتها كمطربة جميلة الصوت والصورة أمامها باب الدخول إلى عالم السينما، فمثلت 1941 في أول أفلامها انتصار الشباب إلى جانب شقيقها فريد الأطرش، فشاركته أغاني الفيلم. وفي خلال تصويره تعرفت إلى المخرج أحمد بدرخان ثم تزوجته عرفيا، ولكن زواجهما إنهار سريعًا وانتهى بالطلاق دون أن تتمكن من نيل الجنسية المصرية التي فقدتها حين تزوجت الأمير حسن الأطرش.

وفي سنة 1944 مثلت في فيلمها الثاني والأخير غرام وانتقام إلى جانب يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم وسجلت فيه مجموعة من أحلى أغانيها، وشهدت نهاية هذا الفيلم نهاية حياتها.

وقد سبق لها أن شاركت بصوتها في بعض الأفلام كفيلم يوم سعيد إذ شاركت محمد عبد الوهاب الغناء في أوبريت مجنون ليلى كما سجلت أغنية محلاها عيشة الفلاح في الفيلم نفسه وهي من ألحان محمد عبد الوهاب الذي سجلها بصوته في ما بعد كذلك سجلت أغنية ليت للبراق عينًا في فيلم ليلى بنت الصحراء.

اتهامها بالجاسوسية

أثيرت الكثير من القصص والأقاويل حول تعاونها مع الاستخبارات البريطانية وتقول إحداها أنه في مايو 1941 تم أول لقاء بينها مع أحد السياسيين البريطانيين العاملين في منطقة الشرق الأوسط جرى خلاله الاتفاق على أن تساعد أسمهان بريطانيا والحلفاء في تحرير سوريا وفلسطين ولبنان من قوات فيشي الفرنسية وقوات ألمانيا النازية وذلك عن طريق إقناع زعماء جبل الدروز بعدم التعرض لزحف الجيوش البريطانية والفرنسية “الديجولية”.

وقد قامت بمهمتها خير قيام بعد أن أعادها البريطانيون إلى زوجها الأسبق الأمير حسن فرجعت أميرة الجبل من جديد وهي تتمتع بمال وفير أغدقه عليها الإنكليز، وبهذا المال استطاعت أن تحيا مرة أخرى حياة الترف والبذخ وتثبت مكانتها كسيدة لها شأنها في المجتمع ولم تقصر في الوقت نفسه في مد يد المساعدة لطالبيها وحيث تدعو الحاجة.

وفي عددها الصادر صباح الإثنين 29 سبتمبر 1941 كتبت جريدة الحديث البيروتية “الأميرة آمال الأطرش استعانت بالله وقررت تخصيص يوم الإثنين من كل أسبوع لتوزيع الطحين على الفقراء مجانا وفي منزلها الكائن في عمارة مجدلاني في حارة سرسق”.

إلا أن وضعها لم يستقر فساءت الحال مع زوجها الأمير حسن في الجبل في سوريا من جديد كما أن الإنكليز تخلوا عنها وقطعوا عنها المال لتأكدهم من إنها بدأت تعمل لمصلحة فرنسا الديجولية ويقال أنها بدأت ترفض طلباتهم حيث وجدت نفسها ستدخل سلسلة لا تنتهي من المهام وارتأت هي أنها فنانة لا تريد أن توقع نفسها في هذا الشرك.

وقد اعترف الجنرال إدوارد سبيرز ممثل بريطانيا في لبنان يومذاك بأنه يتعامل معها لقاء أموال وفيرة دفعت نظرًا لخدماتها وقال عنها أنها كانت كثيرة الكلام ومدمنة على الشرب وأنه قطع كل علاقة معها، كما قال عنها صديقها الصحفي محمد التابعي أنها كانت لا تترك الكأس من يدها وكانت تقول له أنها لا تحب أن ترى الكاس مليئا أو فارغا كما كانت تدخن بشراهة.

نهاية مؤلمة

عادت للعمل في الغناء والسينما في مصر رغم أن زواجها من أحمد سالم لم يكن سعيدًا وفي الوقت الذي كانت تعمل فيه بفيلم غرام وانتقام استأذنت من منتج الفيلم الممثل يوسف وهبي بالسفر إلى رأس البر لتمضية فترة من الراحة هناك فوافق.

فذهبت إلى رأس البر صباح الجمعة 14 يوليو 1944 ترافقها صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة وفي الطريق فقد السائق السيطرة على السيارة فانحرفت وسقطت في الترعة “ترعه الساحل الموجودة حاليا في مدينة طلخا” حيث لقت مع صديقتها حتفهما أما السائق فلم يصب بأذى وبعد الحادثة اختفى وبعد اختفائه ظل السؤال عمن يقف وراء موتها دون جواب.

لكن ظلت أصابع الاتهام موجهة نحو المخابرات البريطانية وإلى زوجهاالأول حسن الأطرش الثالث أحمد سالم وإلى أم كلثوم وشقيقها فؤاد الأطرش

ومن غريب المصادفات أنها قبل أربع سنوات من وفاتها عام 1940 كانت تمر في المكان عينه فشعرت بالرعب لدى سماعها صوت آلة الضخ البخارية العاملة في الترعة ورمت قصيدة أبي العلاء المعري “غير مجدٍ” التي لحنها لها الشيخ زكريا أحمد وكانت تتمرن على أدائها حينذاك استعدادًا لتسجيلها في اليوم التالي للإذاعة.

وذكرت للصحفي محمد التابعي رئيس تحرير “مجلة آخر ساعة” والذي كان يرافقها “كلما سمعت مثل هذه الدقات تخيلت أنها دفوف جنازة”.