د. “الكيلاني”: الكتاب ضرة المرأة

 

سمر وعر

الأحد 11 أيار 2014

البرامكة

 

عالمٌ واسع الثقافة، ومربّ نبيل، ترك بصماته في مجال التأليف والترجمة ونشر اللغة العربية، وحقق من المخطوطات ما أغنى المكتبة العربية، وحاز وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، إنه الدكتور “إبراهيم الكيلاني”.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 1 أيار 2014 الباحث “محمد مروان مراد” ليتحدث بالقول: «ولد الدكتور “إبراهيم الكيلاني” في “دمشق” عام 1916، تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة اللاييك، وكان لدراسته هذه أثر مكنه من اللغة الفرنسية فاستطاع معه أن يتابع المرحلة الجامعية في باريس موفداً من الحكومة السورية لينال الإجازة الجامعية عام 1937، ثم الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1948 بدرجة الشرف، وكانت رسالته عن “أبي حيان التوحيدي”، وكانت أول دراسة جامعية عالية عنه في العالم، عاد إلى الوطن وتنقل بين مدارس “دمشق” الثانوية ليعلم الأدب واللغة العربية، كما حاضر في جامعة “دمشق” أستاذاً للأدب العربي، ثم أستاذاً لمقرر اللغة الفرنسية أواسط الستينيات من القرن العشرين، وقد رشحه علمه الواسع بالآداب الأجنبية فوق علمه بالأدب العربي ليكون مديراً للفنون والتأليف والترجمة في وزارة الثقافة، ورئيساً لتحرير مجلة “الآداب الأجنبية” لمدة سبع سنوات، إلى جانب عضويته في هيئة تحرير مجلة “التراث العربي”، وهما مجلتان يصدرهما اتحاد الكتاب العرب، وعضويته في جمعية النقد الأدبي إضافة لكونه من أوائل المنتسبين إلى اتحاد الكتاب العرب».

ويتابع: «لم يمنعه عمله الجاد بهذه المهمات من مواصلة مسيرته الفنية في التأليف والتحقيق والترجمة، فأنفق عمره ساهراً وراء مكتبه يقدم لقرائه ثمرات فكره اليانعة، وقد اقترن اسمه بـ”أبي حيان التوحيدي” دراسة له وتحقيقاً لآثاره، كما قام بدراسة حياة وأعمال عدد من الأعلام المعاصرين: “أسعد باشا، عزة باشا العابد، رضا الركابي”، وقدم دراسات عن بعض الأدباء الشعراء: “معروف الرصافي، محمد البزم، خليل مردم بك، شكري فيصل، أحمد الصافي النجفي”. أما مؤلفاته فمنها: “الحجاج الحاكم والخطيب، الأوراق، معروف الرصافي، الإمتاع والمؤانسة، وهما مجلدان “لأبي حيان التوحيدي”، ثلاث رسائل “لأبي حيان التوحيدي”، عبريات شامية، الأدباء العشرة”».

أما عن نشاطه في مجال الترجمة فقال: «يعد عمله في الترجمة أثراً من آثار موهبته الأدبية وعلمه عامة، وتمكنه من الفرنسية، ورغبته في أن يخدم العربية بنقل جملة من أكابر الأعمال إليها، وهكذا ترجم “الجاحظ” لـ”شارل بيلا”، و”تاريخ الأدب العربي” في ثلاثة أجزاء، و”المتنبي” لـ”بلاشير”، الغزل عند العرب بجزأيه لـ”جانكلود”، “الأدب الجزائري المعاصر” لـ”جان ديجو”، وكتاب “تاريخ السينما في العالم” مع الباحث “فايز كم نقش” لـ”جورج سادول”».

أما عن نشاطه الإعلامي فيقول: «أقبل منذ وقت مبكر بخطوات ثابتة لينشر في أشهر مجلات الثقافة والأدب في العالم العربي مجلة “الرسالة”، وقد قال ذات مرة باعتداد خفي وبلطف وظرف معروفين عنه: “من نشر في الرسالة شيئاً فقد تكرس أدبياً”، كما كان مراسلاً أدبياً لمجلة “الكتاب” التي تصدرها دار المعارف 1945-1953، وكانت ملتقى أقلام كبار الكتاب في مصر والعالم العربي».

وعن الجوائز التي حصل عليها أضاف: «نال الجائزة التقديرية من اتحاد الكتاب العرب عام 1989، وكان مجمع اللغة العربية قد رشحه لجائزة الملك فيصل العالمية وهي ذروة معاني التقدير والتكريم التي لقيها الدكتور “الكيلاني”، كما نال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، وهو نهاية الشوط في تاريخ حياته الخيّر المثمر».

أما عن صفاته فيقول: «لا يخطئ من عرف الدكتور “إبراهيم الكيلاني” معرفة عن كثب ووقف على شيء من آثاره أن يتبين ملامح شخصية أدبية مطبوعة، اكتملت لها أدواتها بالاطلاع الواسع المستمر من حضور ذهن، ودقة ملاحظة، ورحابة نفس وأفق تسهل معها ملاحظة المعاني الإنسانية في منشآت الأدب والفن، إلى جمال العبارة وشفافية دلالاتها على المعنى الذي تجيش به النفس أو يلمح الفكر».

ويختتم الباحث “مراد” بالقول: «تلاميذه وجدو فيه أديباً موسوعياً، يعطيهم من ينبوع ثرٍ، وقد سحرهم بلغته الجزلة وأسلوبه البليغ، حين راح يعرفهم على مواطن الجمال في اللغة العربية من خلال الشواهد المتألقة من النثر والشعر التي كان يختارها لهم بمهارة المنقب الخبير بجواهر التراث الفكري العربي».

عنه قال الدكتور “حسين جمعة”: «رحم الله الأستاذ الدكتور “إبراهيم الكيلاني” الرجل الإنسان والأستاذ الراقي في علمه وخلقه، ولن أنسى ما حييت تلك العلاقة التي قامت بيني وبينه في كلية الآداب ثم اتحاد الكتاب العرب، إذ كان شغوفاً بالحديث عن مكتبته وكتبه وكيف يتعامل مع كل كتاب يقتنيه مجدداً، وطالما سرد على سمعي حكاية الكتاب الذي يضعه على طاولة المكتب، فإذا ما خرج ورجع باحثاً عنه وجده في سقيفة المطبخ “حرفياً عن لسانه”، ولم يكن تعليقه على ذلك إلا أن الضرة لا تكره إلا الضرة، وأكبر ضرة للمرأة هي الكتب لأنها تأخذ مساحة كبيرة من منزلتها ومنزلها، وقد قدم الدكتور للمكتبة العربية عدداً من الكتب المهمة وقد سدت ثغرة فيها، وتبقى ترجمته لكتاب بلاشير “تاريخ الأدب العربي” أفضل الترجمات لهذا الكتاب؛ فقد اتسمت ترجمته لهذا الكتاب بالبراعة والدقة وجمال الأسلوب بوصفه متقناً للغتين العربية والفرنسية».

كما قال الأديب “بديع حقي” في الحفل المشهود الذي نظمته عام 1994 مجلة الثقافة الدمشقية ووزارة الثقافة تكريماً لمسيرة الدكتور “الكيلاني” وعمله الخلاق: «علمني “إبراهيم” أن الصداقة أثمن من الحب، لأن الحب يأخذ ويستبد ويستأثر، في حين أن الصداقة تبذل وتعطي بلا مقابل، ويظل الوفاء الخالص الصفة الثابتة الراسخة في خلق “الكيلاني”».

غابت شمس الدكتور “إبراهيم الكيلاني” عام 2004م، بعد أن ترك بصماته في مجال اللغة العربية والأدب، وقد أغنى المكتبة العربية بأكثر من أربعين كتاباً في التأليف والترجمة، وساهم في ربط خيوط التواصل الثقافي والحضاري بين اللغة الفرنسية واللغة العربية.

من almooftah

اترك تعليقاً