محمد حاج قاب رحالة وفوتوغرافي يقوم بإخراج الأفلام الوثائقية

31 أيار 2017

.محمد حاج قاب، رحالة، وفوتوغرافي، وموثق ابن مدينة دمشق، هذه المدينة التي أشبعته عشقاً وحباً وعطاءً، وكانت الدافع الذي حدا به ليجوب

سورية والعالم ويوثق معالم وطنه مكتشفاً كل تفصيل فيه، فمن جبال القلمون الراسخة إلى نهر الفرات الخالد، متنقلاً بين القلاع والآثار السورية العريقة، فكان صديق البشر والحجر، حمل في جولاته الكثير من الفرح والمحبة والمعرفة، ليوقف اليوم رحلاته ويعلقها بين دمعتين الأولى هي انطلاقة الأزمة السورية فهو اليوم لا يستطيع أن يصور سورية الحزينة، والدمعة الثانية هي التي ستعود قيامته من جديد مع آخر دمعة أم تُمسح، إلا أن السندباد السوري كما لقبه الرحالة عدنان تللو لم يقف مكتوف الأيدي بل بدأ بتوثيق حياة الشخصيات السورية المميزة فعشقه وتعلقه ببلده يدفعان لأن يقدم المزيد وألا يقف عند حد أبداً..

الترحال هو حلمك منذ أن كنت طفلاً، حدثنا عن بداية تجربتك؟
بما أنني أحد أبناء مدينة دمشق القديمة بدأت منذ طفولتي باكتشاف كل ما يتعلق بتاريخ هذه المدينة الساحرة، وأحببت مختلف مجالات الفنون وعلوم التاريخ والجغرافيا وأدب الرحلات، وكان لشخصية سندباد والرحالة الصغير وقع خاص في قلبي وأثر فيّ تأثيراً كبيراً هذا الطفل الذي جاب البلاد والآفاق باحثاً في حب المغامرة.
وعند خروجي مع أهلي إلى المناطق الريفية البعيدة كنت دائماً أنظر إلى الجبال نظرة تأملية مختلفة عن الناس كلها، وأتخيل أشخاصاً يسكنون قمم هذه الجبال المرتفعة، الأمر الذي خلق عندي حباً لاكتشاف سورية وآثارها، فبعد خدمتي العسكرية وكنت قد انتهيت من دراسة التصوير انطلقت انطلاقة ثانية، وأصبحت أمارس التصوير كهواية وواجب بأن انقل الحضارات والأشياء التي أراها للناس.

تمتلك حساسية خاصة تجاه علاقتك مع الكاميرا؟
بالطبع هناك ارتباط كبير مع الكاميرا لأنها تنقل الواقع بشكل دقيق واليوم الرحالة بلا كاميرا لا توجد لديه مصداقية، ومثال على ذلك ابن بطوطة وابن الجبير عندما زاروا دمشق وكتبوا عنها كان بإمكانهم أن يمدحوا أو يذموا فالقلم يكون حسب نفسية الكاتب، أما الكاميرا فلا تمدح أو تذم بل تنقل الواقع كما هو.

هل هدفك هو التوثيق؟ وهل يفترض بالرحالة أن يكون موثقاً؟
التوثيق هو أهم الأهداف التي أصبو إليها، فهذه الهواية ساعدتني على اكتشاف العادات والتقاليد لكل المناطق السورية تقاليدهم أفكارهم أزيائهم أفراحهم وجباتهم الخاصة.
كما عملت العديد من المعارض في الريف «مصياف، بشنين، عين شمس»، وكنت ألجأ للقرى حتى يتعرف ابن القرية على الفنون والنماذج الثقافية.

بمن تأثرت من الرحالة العرب والعالميين؟
من الرحالة الذين تركوا أثراً كبيراً في قلبي ابن بطوطة فعندما أقرأ رحلته أشعر أنني أسير معه الطريق ذاته بكل تفاصيله ويأخذني إلى عالمه الآسر.
كما تأثرت بالرحالة العربي ابن الجبير، وفي العصر الحديث لدينا الرحالة السوري عدنان تللو الذي طاف العالم بدراجته، وكعالميين ماركوبولو الذي ذاع صيته بالعالم.

تحدث لنا عن علاقتك بفن الزخرفة؟
منذ طفولتي كنت أحب أي شيء له علاقة بالفن، وأتخيل أنني سأكون خطاطاً أو رساماً، ولذلك عملت في شبابي بفن الزخرفة العربية الذي يجمع بين تجريد الطبيعة وتحويل الواقع إلى مفردات جمالية مجردة عن الواقع، وحبي لهذا الفن دفعني للتقصي عن لوحات الزخرفة التي تزين أهم الأبنية الأثرية في سورية ومن هنا كانت انطلاقتي متقصياً في الآثار والتاريخ السوري العريق.

هل قيدتك العقوبات المفروضة على سورية من ناحية التنقل؟
لا شك أن العقوبات والأزمة التي حدثت في بلدي أثرت فينا جميعاً وقيدتنا فأنا لا أحتمل أن أرى بلدي مخرباً أتمنى دائماً أن أراه جميلاً وأنا كسوري لا أحب ثقافة «الخطي»، واستعضت حالياً عن الترحال بإخراج أفلام وثائقية وهذه أكبر خدمة أقدمها لبلدي، وكنت قد صورت سورية الجميلة سورية السلام والأمان أما اليوم فلا أستطيع أن أراها وأصورها مدمرة.

أسست بعد عودتك من فرنسا فريق «جوالة الأرض»، المهتم بالتاريخ السوري، اليوم أين هذا الفريق؟
منهم الآن من أصبح بالسويد وهولاندا والدانمارك وتركيا والسودان، لم يبق من هذا الفريق سوى رئيسه الذي هو أنا، اليوم لم نعد فريق جوالة الأرض بل أصبحنا «في البيوت»، توقفنا عن العمل مع بداية الأزمة السورية مع أول دمعة أم سالت، ولكن يبقى الأمل بأننا سنعود عندما تُمسح آخر دمعة.

تقوم اليوم بإخراج الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن حياة شخصيات سورية، تحدث لنا عن ذلك؟
دائماً أبحث على الشخصيات السورية التي لم تأخذ حقها ولم يضأ عليها، ومنذ عام 2013 إلى يومنا هذا قابلت العديد من الشخصيات السورية المتميزة وأفخر حقيقة بلقائها مثل الدكتور إبراهيم حقي طبيب نسائية وهو من الأطباء الذين عربوا الطب في سورية، والدكتور إبراهيم العطار وهو عالم آثار ولديه 35 كتاباً.

أما دخولي تجربة إخراج الأفلام الوثائقية فكان ذلك لتأثري بأحد الكتّاب الذي التقيته مصادفة ولسوء أحواله فهو لم يستطع طباعة كتابه وبيعه، إلا أنه قام بنسخه على قرص «CD»، ويقوم ببيعه للمحلات بـ75 ليرة، وفي يوم من الأيام كنت عند صديقي بمحل يملكه وإذا بالكاتب يدخل ويعرض على صديقي أن يشتريه، ولكن صديقي اعتذر وقال له من هذا الكاتب لم أسمع به مطلقاً.

وبعد فترة لا تتجاوز 20 يوماً سمعت بأنه توفي، فهنا شعرت بالذنب والتقصير بحق أنفسنا، ولم أعد احتمل وقررت أن أفعل شيئاً ولو كان بسيطاً، وبجهد ودعم شخصي قمت بإخراج الأفلام الوثائقية وكان أول فيلم للدكتور إبراهيم حقي وعرضته في الجمعية الجغرافية، وهكذا أصبحت أعرض الأفلام بشكل دوري فكل ثلاثة أشهر أعرض فيلماً وأضعه عبر قناة خاصة بي على «اليوتيوب» ولكنها قناة تعتبر فقيرة.

ما الرسالة التي تحب أن توصلها من خلال ترحالك وتنقلاتك؟
أقول للجميع من أبناء بلدي اخرجوا من قصة السيران الاعتيادي، واجعلوا أولادكم يعيشوا بشكل صحيح ويشتموا الهواء النقي، وأتمنى من فئة الشباب أن تقدر قيمة بلدها والانتباه إلى ما تبقى من الأماكن والآثار السورية.

 

الوطن السورية

من almooftah

اترك تعليقاً