على عتبات الخريف
إضاءات
الثلاثاء 11-10-2016
سعد القاسم

تستعد مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة لإقامة (معرض الخريف) بمشاركة فنانين من مختلف الأجيال والاتجاهات والأساليب، في خطوة واجبة لتكريس حضور هذا المعرض العريق في حياتنا الثقافية، وخاصة في ظل الظروف القاسية التي تمر بها بلدنا، وإعادته إلى سابق عهده، على الأقل في صيغته التنظيمية.‏
وكانت اللجنة العليا للمعارض قد أجرت قبل بضعة أشهر تقييماً واسعاً لتجربة المعرض السنوي (بقسميه الربيع والخريف) استناداً لمسيرته منذ تأسيسه، مطلع خمسينات القرن الماضي، وحتى اليوم. وقد رأت اللجنة نتيجة حوارات طويلة أن فصل المخضرمين عن الشباب في معرضين مستقلين (الربيع والخريف) لم يحقق الغاية المأمولة، وخاصة بعد رفع عمر المشاركة في (معرض الربيع) من 35 إلى 40 سنة. وأن ما حصل بالنتيجة هو إفقاد (معرض الخريف) لروح التجدد التي كان يبثها فيه بشكل أساسي الفنانون الشباب، كما أن هؤلاء الأخيرين (الفنانين الشباب) خسروا فرصة العرض مع الفنانين المخضرمين، وما تقدمه لهم هذه الفرصة من خبرة. فقررت اللجنة أن تحافظ على (معرض الربيع) على شكل مسابقة بين الفنانين الشباب (حتى 35 سنة)،تمنح فيها جوائز محددة لكل اختصاص. وتعيد (معرض الخريف) إلى سابق عهده بحيث يشارك فيه جميع الفنانين دون النظر إلى أعمارهم.‏
أقيم (المعرض السنوي) لأول مرة عام 1950 وهو ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية،وقامت بتنظيمه وزارة المعارف (حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي)، ومديرية الآثار العامة (المديرية العامة للآثار والمتاحف حالياً). ومع تأسيس وزارة الثقافة في عهد الوحدة السورية – المصرية (الجمهورية العربية المتحدة) عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى (مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية) فيها، والتي تحولت فيما بعد إلى (مديرية الفنون الجميلة)،وفي عام 1959 قُسم المعرض إلى اثنين :(معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق. وقد أعادت المديرية بعد بضع سنوات دمج المعرضين في معرض واحد، استمر- كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها في الثمانينات، حيث صار يقام تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، ودمج فيه معرض سنوي كانت تقيمه نقابة الفنون الجميلة (إتحاد الفنانين التشكيليين السوريين حالياً) تحت عنوان (تحية إلى ثورة الثامن من آذار)، ودخلت في إطاره أقسام جديدة كالخط العربي والتصوير الضوئي، وصار أشبه ما يكون بالمهرجان التشكيلي تتوزع معارضه على عدة صالات وعدة أيام..‏
اعتمدت المعارض الثماني الأولى أسلوب الجوائز كتعبير عن دعم الدولة للفن التشكيلي، فقدمت جوائز مالية إلى الفائزين الثلاثة الأوائل في التصوير والنحت، و تحول هذا التعبير منذ عام 1959 إلى اقتناء الأعمال المشاركة من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية والاقتصادية، تشجيعاً للفنانين بداية، ومن ثم لضرورة احتفاظ الدولة بجزء هام من نتاجها الإبداعي ليكون في المستقبل نواة (متحف الفن الحديث) الحلم القديم المتجدد للفنانين التشكيليين،وللمثقفين عموماً. وقد بلغت موجة الاقتناء أوجها عام 1999 حين رفعت وزارة الثقافة ثمن الأعمال الفنية المنتقاة إلى أرقام غير مسبوقة, ومنها الأعمال الفائزة في بينالي المحبة الذي أقيم قبل المعرض السنوي ببضعة أشهر..‏
كان لهذه السياسة الثقافية – الاقتصادية أثرها المباشر على سوق الأعمال الفنية السورية. ففي تلك الفترة التي شهدت افتتاح الكثير من صالات العرض الخاصة ومحال بيع الأعمال الفنية، مثَل الثمن الذي تدفعه وزارة الثقافة معياراً يصعب التراجع عنه مما منح الأعمال التشكيلية السورية قيمتها المادية العادلة إلى حد كبير،وشجع المزيد من الفنانين على العمل والعرض، وحمى الفن التشكيل السوري من المضاربات التجارية التي كان يمارسها تجار اللوحات الفنية في الجوار، كما ساهمت تلك السياسة في تملك الدولة لمجموعة هامة من الأعمال الفنية ذات القيمة الإبداعية والثقافية والتاريخية،والتي تمثل مخزوناً ثقافياً هاماً لأي دولة، وقد اقتنيت (هذه المجموعة) لغايتين بآن واحد، أولها تشجيع الفن التشكيلي، وثانيهما- كما سبق- تكوين نواة لمتحف الفن الحديث، المشروع الذي خطا خطوتين هامتين باختيار تصميم المبنى عبر مسابقة عالمية، وتخصيص الأرض التي سيشاد عليها.‏
ويظهر استعراض سريع لتاريخ المعرض السنوي ما بين عامي 1950و1959 حضور الفنانات التشكيليات منذ بدايات تنظيمه، حيث نجد أسماء (مسرة الأدلبي) و(منور موره لي)،و(مي شطي)،و(دلال حديدي)،و(عائدة عطار)، و(إقبال قارصلي)، و(ماي سابا)، و(إنعام عطار)، و(لمياء باكير)، و(هالة قوتلي)، و(منى اسطواني)،و(كارمن ماهر)، و(عائدة سلوم)،و(عفاف مبارك)،و(بهية نوري شورى) و(درية حماد). واليوم أصبح عدد الفنانات السوريات أضعاف ما كان عليه في مطالع الخمسينات. لكن حضورهن لا يكتسب أهميته من تلك الزيادة الرقمية الملحوظة، وإنما من حقيقة أن الفنانة التشكيلية السورية تمثل وبجدارة جزءاً أصيلاً وفاعلاً ومؤثراً في الحياة التشكيلية بأبعادها جميعاً.‏
*الصورة:معرض الخريف في (خان أسعد باشا)- تصوير:جلال شيخو

https://fbcdn-sphotos-c-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xal1/t31.0-8/

Saad Alkassem على عتبات الخريف إضاءات الثلاثاء 11-10-2016

سعد القاسم تستعد مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة لإقامة (معرض الخريف) بمشاركة فنانين من مختلف الأجيال والاتجاهات والأساليب، في خطوة واجبة لتكريس حضور هذا المعرض العريق في حياتنا الثقافية، وخاصة في ظل الظروف القاسية التي تمر بها بلدنا، وإعادته إلى سابق عهده، على الأقل في صيغته التنظيمية.‏ وكانت اللجنة العليا للمعارض قد أجرت قبل بضعة أشهر تقييماً واسعاً لتجربة المعرض السنوي (بقسميه الربيع والخريف) استناداً لمسيرته منذ تأسيسه، مطلع خمسينات القرن الماضي، وحتى اليوم. وقد رأت اللجنة نتيجة حوارات طويلة أن فصل المخضرمين عن الشباب في معرضين مستقلين (الربيع والخريف) لم يحقق الغاية المأمولة، وخاصة بعد رفع عمر المشاركة في (معرض الربيع) من 35 إلى 40 سنة. وأن ما حصل بالنتيجة هو إفقاد (معرض الخريف) لروح التجدد التي كان يبثها فيه بشكل أساسي الفنانون الشباب، كما أن هؤلاء الأخيرين (الفنانين الشباب) خسروا فرصة العرض مع الفنانين المخضرمين، وما تقدمه لهم هذه الفرصة من خبرة. فقررت اللجنة أن تحافظ على (معرض الربيع) على شكل مسابقة بين الفنانين الشباب (حتى 35 سنة)،تمنح فيها جوائز محددة لكل اختصاص. وتعيد (معرض الخريف) إلى سابق عهده بحيث يشارك فيه جميع الفنانين دون النظر إلى أعمارهم.‏ أقيم (المعرض السنوي) لأول مرة عام 1950 وهو ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية،وقامت بتنظيمه وزارة المعارف (حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي)، ومديرية الآثار العامة (المديرية العامة للآثار والمتاحف حالياً). ومع تأسيس وزارة الثقافة في عهد الوحدة السورية – المصرية (الجمهورية العربية المتحدة) عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى (مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية) فيها، والتي تحولت فيما بعد إلى (مديرية الفنون الجميلة)،وفي عام 1959 قُسم المعرض إلى اثنين :(معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق. وقد أعادت المديرية بعد بضع سنوات دمج المعرضين في معرض واحد، استمر- كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها في الثمانينات، حيث صار يقام تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، ودمج فيه معرض سنوي كانت تقيمه نقابة الفنون الجميلة (إتحاد الفنانين التشكيليين السوريين حالياً) تحت عنوان (تحية إلى ثورة الثامن من آذار)، ودخلت في إطاره أقسام جديدة كالخط العربي والتصوير الضوئي، وصار أشبه ما يكون بالمهرجان التشكيلي تتوزع معارضه على عدة صالات وعدة أيام..‏ اعتمدت المعارض الثماني الأولى أسلوب الجوائز كتعبير عن دعم الدولة للفن التشكيلي، فقدمت جوائز مالية إلى الفائزين الثلاثة الأوائل في التصوير والنحت، و تحول هذا التعبير منذ عام 1959 إلى اقتناء الأعمال المشاركة من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية والاقتصادية، تشجيعاً للفنانين بداية، ومن ثم لضرورة احتفاظ الدولة بجزء هام من نتاجها الإبداعي ليكون في المستقبل نواة (متحف الفن الحديث) الحلم القديم المتجدد للفنانين التشكيليين،وللمثقفين عموماً. وقد بلغت موجة الاقتناء أوجها عام 1999 حين رفعت وزارة الثقافة ثمن الأعمال الفنية المنتقاة إلى أرقام غير مسبوقة, ومنها الأعمال الفائزة في بينالي المحبة الذي أقيم قبل المعرض السنوي ببضعة أشهر..‏ كان لهذه السياسة الثقافية – الاقتصادية أثرها المباشر على سوق الأعمال الفنية السورية. ففي تلك الفترة التي شهدت افتتاح الكثير من صالات العرض الخاصة ومحال بيع الأعمال الفنية، مثَل الثمن الذي تدفعه وزارة الثقافة معياراً يصعب التراجع عنه مما منح الأعمال التشكيلية السورية قيمتها المادية العادلة إلى حد كبير،وشجع المزيد من الفنانين على العمل والعرض، وحمى الفن التشكيل السوري من المضاربات التجارية التي كان يمارسها تجار اللوحات الفنية في الجوار، كما ساهمت تلك السياسة في تملك الدولة لمجموعة هامة من الأعمال الفنية ذات القيمة الإبداعية والثقافية والتاريخية،والتي تمثل مخزوناً ثقافياً هاماً لأي دولة، وقد اقتنيت (هذه المجموعة) لغايتين بآن واحد، أولها تشجيع الفن التشكيلي، وثانيهما- كما سبق- تكوين نواة لمتحف الفن الحديث، المشروع الذي خطا خطوتين هامتين باختيار تصميم المبنى عبر مسابقة عالمية، وتخصيص الأرض التي سيشاد عليها.‏ ويظهر استعراض سريع لتاريخ المعرض السنوي ما بين عامي 1950و1959 حضور الفنانات التشكيليات منذ بدايات تنظيمه، حيث نجد أسماء (مسرة الأدلبي) و(منور موره لي)،و(مي شطي)،و(دلال حديدي)،و(عائدة عطار)، و(إقبال قارصلي)، و(ماي سابا)، و(إنعام عطار)، و(لمياء باكير)، و(هالة قوتلي)، و(منى اسطواني)،و(كارمن ماهر)، و(عائدة سلوم)،و(عفاف مبارك)،و(بهية نوري شورى) و(درية حماد). واليوم أصبح عدد الفنانات السوريات أضعاف ما كان عليه في مطالع الخمسينات. لكن حضورهن لا يكتسب أهميته من تلك الزيادة الرقمية الملحوظة، وإنما من حقيقة أن الفنانة التشكيلية السورية تمثل وبجدارة جزءاً أصيلاً وفاعلاً ومؤثراً في الحياة التشكيلية بأبعادها جميعاً.‏ *الصورة:معرض الخريف في (خان أسعد باشا)- تصوير:جلال شيخو https://fbcdn-sphotos-c-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xal1/t31.0-8/

من almooftah

اترك تعليقاً